10 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمعه نورس الهاشمي
مسند أحمد:
1629 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي جَدِّي رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ يُدْعَى سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ فَحَيَّاهُ الْمُغِيرَةُ وَأَجْلَسَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ عَلَى السَّرِيرِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَاسْتَقْبَلَ الْمُغِيرَةَ فَسَبَّ وَسَبَّ فَقَالَ مَنْ يَسُبُّ هَذَا يَا مُغِيرَةُ قَالَ يَسُبُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَ يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَ ثَلَاثًا أَلَا أَسْمَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّونَ عِنْدَكَ لَا تُنْكِرُ وَلَا تُغَيِّرُ فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرْوِي عَنْهُ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ أَنَّهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ وَتَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ قَالَ فَضَجَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يُنَاشِدُونَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ التَّاسِعُ قَالَ نَاشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ وَاللَّهِ الْعَظِيمِ أَنَا
تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاشِرُ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ يَمِينًا قَالَ وَاللَّهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام
الجواب سيف:
هو على شرط الذيل على الصحيح المسند
ففي اطراف المسند 2613 [د ت س ق] حديث: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة … … . الحديث بطوله وفيه قصته مع المغيرة بن شعبة وفي حديث صدقة من الزيادة قوله والله لمشهد شهده رجل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر به وجهه أفضل من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح [ص:469] (1: 187) حدثنا يحيى بن سعيد عن صدقة بن المثنى حدثني جدي رياح بن الحارث أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر … … . الحديث (1: 188) وعن محمد بن جعفر عن شعبة (1: 189) وعن علي بن عاصم كلاهما عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم عنه … … . بالحديث والقصة نحوه (1: 189) وعن معاوية بن عمرو عن زائدة عن حصين بمعناه (1: 188) وعن وكيع ومحمد بن جعفر وحجاج عن شعبة عن الحر بن الصياح عن عبد الرحمن بن الأخنس عنه بالحديث نحوه وبالقصة مختصرة [تحفة 4: 5، 6 حديث 4455، 4458]
وفي علل الدارقطني س 667 وسُئِل عَن حَدِيثِ رِياحِ بنِ الحارِثِ النَّخَعِيِّ، عَن سَعِيدِ بنِ زَيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم: عَشَرَةٌ فِي الجَنَّةِ فَذَكَرَهُم.
فَقال: هُو حَدِيثٌ رَواهُ صَدَقَةُ بن المُثَنَّى، عَن جَدِّهِ رِياحِ بنِ الحارِثِ، حَدَّث بِهِ جَماعَةٌ مِنهُم: يَحيَى بن سَعِيدٍ القَطّانُ، وأَبُو مُعاوِيَة الضَّرِيرُ، ومُحَمد بن عُبَيدٍ، ويَعلَى بن عُبَيدٍ، وعُمَرُ بن عِمران الطُّفاوِيُّ، فاتَّفَقُوا عَلَى إِسنادِهِ ومَتنِهِ.
__________
أحببت ان أقف في هذا الحديث وقفات وزدت بعض المسائل لأهميتها راجيا من الله القبول والثواب.
قال ابن تيمية في الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
أقوال أهل العلم في عدالة الصحابة
قال الإمام النّوويّ: الصّحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتدّ به. [التقريب مع التدريب 214].
قال إمام الحرمين: والسّبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشّريعة، فلو ثبت توقّف في روايتهم لانحصرت الشّريعة على عصره صلّى اللَّه عليه وسلم ولما استرسلت سائر الأعصار.
قال أبو زرعة الرّازيّ: إذا رأيت الرّجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أنّ الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزّنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسّنّة فالجرح بهم أولى.
قال ابن الصّلاح: «ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتدّ بهم في الإجماع إحسانا للظّنّ بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن اللَّه سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة» [الحديث والمحدثون 129، 130].
قال الخطيب البغداديّ في الكفاية» مبوبا على عدالتهم:
ما جاء في تعديل اللَّه ورسوله للصّحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتّصل إسناده بين من رواه وبين النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النّظر في أحوالهم سوى الصّحابي الّذي رفعه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل اللَّه لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن.
والأخبار في هذا المعنى تتّسع، وكلها مطابقة لما ورد في نصّ القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصّحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل اللَّه تعالى لهم، المطّلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له [الكفاية 46، 48.].
قال ابن حِبَّان: “كلهم أئمة سادةٌ قادةٌ عدول، نزَّه الله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يُلزَقَ بهم الوَهَن. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “ألا ليُبلغ الشاهد منكم الغائب”؛ أعظمُ الدليل على أن الصحابة كلهم عدولٌ؛ ليس فيهم مجروحٌ ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم مجروحٌ، أو ضعيف، أو كان فيهم أحدٌ غيرُ عدل لاستَثْنَى في قوله صلى الله عليه وسلم، وقال: ألا لِيُبَلِّغَ فلانٌ وفلانٌ منكم الغائب. فلمّا أجمَلَهم في الذِّكر بالأمرِ بالتبليغِ مَنْ بَعدهم، دلَّ ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدَّله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شَرَفاً”. (الصحيح، ترتيبهُ الإحسان 1/ 162)
ونقله ابن رُشَيد في السَّنَن الأبين (134 135)، ثم قال: “واستدلاله بهذا الحديث صحيحٌ حسن، والإجماع شاهد على ذلك”.
وقال ابن حبان أيضا: “إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات عدول”. (نفسه 16/ 238)
وقال ابن عدي: “إن أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِحَقِّ صُحبَتهم، وتقادُمِ قَدمهم في الإسلام، لكلِّ واحد منهم في نفسه حقٌ وحُرمةٌ للصُّحبة، فهُم أجلُّ من أن يتكلّم أحدٌ فيهم”. (الكامل في الضعفاء 3/ 1064)
وقال ابن حزم: “الصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم، لثناء الله تعالى عليهم”. (المحلى 5/ 92 دار الآفاق الجديدة)
وقال أيضا: “ولا عدول أعدل من الصحابة”. (الإحكام 2/ 231)
وقال ابن عبد البر: “ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعْدَلَ ممن ارتضاه الله لصًحبة نبيِّه ونُصْرَته، ولا تزكيةَ أفضلُ من ذلك، ولا تعديلَ أكمل منه”. (الاستيعاب، بهامش الإصابة 1/ 4 5)
وقال ابن الأثير: “والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول، لا يتطرق إليهم الجرح، لأن الله عز وجل ورسولَه زكَّياهم وعدّلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره”. (أسد الغابة 1/ 3).
وروى البخاري، عن الحميدي، قال: ((اذا صح الاسناد عن الثقات الى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وان لم يسم ذلك الرجل)). التقييد والايضاح ص74.
وقال الآمدي: ((اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة مطلقا)) احكام الأحكام 2/ 128
و من أراد الوقوف على الادلة من الكتاب و السنة فليرجع الى كتاب [الإصابة] لابن حجر فقد أجاد و أفاد.
خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
قال الرازيين: وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق. شرح اعتقاد اصول اهل السنة والجماعة اللالكائي (1/ 319).
قال الامام أحمد: وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في ذلك، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمس علي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام. ونذهب إلى حديث ابن عمر: كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وأصحابه متوافرون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت. ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة أولا فأولا. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرة، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير. (اصول السنة)
و قال في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري و غيره: و خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه و سلم أبو بكر و عمر بعد أبي بكر و عثمان بعد عمر و علي بعد عثمان و وقف قوم و هم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم و لا يطعن على أحد منهم بعيب و لا نقض فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه و عقوبته و ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه و يستتيبه فإن تاب قبل منه و إن ثبت أعاد عليه العقوبة و خلده في الحبس حتى يموت أو يراجع
و حكى الإمام أحمد هذا عمن أدركه من أهل العلم و حكاه الكرماني عنه و عن إسحاق و الحميدي و سعيد بن منصور و غيرهم. الصارم المسلول (570).
[الترحم عليهم والكف عما شجر ببنهم]
قال ابن قدامة: ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم. واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». لمعة الاعتقاد (39).
و قال ابن تيمية في الواسطية: ويمسكون عما شجر من الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم خير القرون وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم الذي هم أحق الناس بشفاعته أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه. فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله.
قال العباد: ولهذا جاءت النقول الكثيرة عن أهل العلم في التحذير من سبهم ومن ذكرهم بسوء، وقد قال أبو المظفر السمعاني كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، وهو بدعة وضلالة. شرح سنن ابي داود.
[سب الصحابة]
سب الصحابة حرام بالكتاب والسنة، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سب أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. قال الشيخ الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 6285 في صحيح الجامع
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ».
وفي شرح النووي على مسلم (ج 8 / ص 321)
اعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ حَرَام مِنْ فَوَاحِش الْمُحَرَّمَات، سَوَاء مَنْ لَابَسَ الْفِتَن مِنْهُمْ وَغَيْره؛ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي تِلْكَ الْحُرُوب، مُتَأَوِّلُونَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّل فَضَائِل الصَّحَابَة مِنْ هَذَا الشَّرْح. قَالَ الْقَاضِي: وَسَبُّ أَحَدهمْ مِنْ الْمَعَاصِي الْكَبَائِر، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ يُعَزَّر، وَلَا يُقْتَل. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: يُقْتَل.
قال أهل اللغة النصيف النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون ونصف بضمها ونصف بفتحها ونصيف بزيادة الياء حكاهن القاضي عياض في المشارق عن الخطابي ومعناه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مدا ولا نصف مد قال القاضي ويؤيد هذا ما قدمناه في أول باب فضائل الصحابة عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده وكذا جهادهم وسائر طاعتهم وقد قال الله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة الآية هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشئ والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال القاضي ومن أصحاب الحديث من يقول هذه الفضيلة مختصة بمن طالت صحبته وقاتل معه وأنفق وهاجر ونصر لا لمن رآه مرة كوفود الأعراب أو صحبه آخرا بعد الفتح وبعد إعزاز الدين ممن لم يوجد له هجرة ولا أثر في الدين ومنفعة المسلمين قال والصحيح هو الأول وعليه الأكثرون والله اعلم.
قال البيضاوي معنى الحديث لا ينال أحدكم بانفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والاجر ما ينال أحدهم بانفاق مد طعام أو نصيفه وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية، قلت: واعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال كما وقع في الآية من انفق من قبل الفتح وقاتل فان فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته وذلك ان الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة إليه وقلة المعتني به بخلاف ما وقع بعد ذلك لان المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله افواجا فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم والله اعلم. فتح الباري لابن حجر (7/ 34 – 35).
حكم سب الصحابة:
قال ابن تيمية: أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي و إنما غلط جبرئيل في الرسالة فهذا لا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره
و كذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات و كتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة و نحو ذلك و هؤلاء يسمون القرامطة و الباطنية و منهم التناسخية و هؤلاء لا خلاف في كفرهم
و أما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم و لا في دينهم ـ مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد و نحو ذلك ـ فهذا هو الذي يستحق التأديب و التعزير و لا نحكم بكفره بمجرد ذلك و على هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم
و أما من لعن و قبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ و لعن الاعتقاد
و أما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة و السلام إلا نفرا قليلا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم و الثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب و السنة كفار أو فساق و أن هذه الآية التي هي {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110] و خيرها هو القرآن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم و أن سابقي هذه الأمة هم شرارهم و كفر هذا مما يعلم باضطرار من دين الإسلام. الصارم المسلول (590).
قال ابن كثير:
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن مغيرة، قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر.
قلت: وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة، وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله. وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحداً ينتقص أبا بكر وعمر وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي. انتهى من تفسير ابن كثير (1/ 602).
سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب “الصارم المسلول ” ونقل عن أحمد في ص 573 قوله: (لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك أدب، فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع).
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 83 – 84).