: (1/ 224) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (224)]:
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (244)): حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي حُسَيْنٍ النَّوْفَلِيِّ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قالَ «مَن بَنى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطاةٍ أوْ أصْغَرَ بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا إبراهيم بن نشيط، وقد وثَّقه أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني، وقال أحمد: ثقة ثقة.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
أورد الحديث الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (المتوفى: (273) هـ) في السنن، أبْوابُ المَساجِدِ والجَماعاتِ، (1) -[بابُ] ومَن بَنى لِلَّهِ مَسْجِدًا، ((738)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(2) – كتاب الإيمان، (59) – أسباب دخول الجنة، (687).
(4) – كتاب الصلاة، (1) – فضل بناء المساجد إذا كانت خالصة لله، (800).
وفي الصحيح بوب الحافظ النووي عفا الله عنه: ” ((4)) – “بابُ: فَضْلِ بِناءِ المَساجِدِ، والحَثِّ عَلَيْها”. ثم أورد حديث عثمان رضي الله عنه، وسيأتي ذكر في محله إن شاء الله تعالى.
بوب البيهقي على الحديث باب فضل بناء المساجد سنن البيهقي (2) / (437)
وقال شعَيب الأرنؤوط وأخرون – في تحقيق السنن، (1/ 475) ط: الرسالة-:
“إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (1) / (332)، وابن خزيمة ((1292))، والطحاوي في «شرح المشكل» ((1557)) من طرق عن ابن وهب، بهذا الإسناد.
ورواية البخاري وابن خزيمة مطولة.
قوله: «كمفحص قطاة» المفحص بوزن المذهب، وكذا الأُفحوص بوزن العصفور: هو الموضع الذي تجثم فيه وتبيض. والقطاة: نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويتخذ أفحوصه في الأرض، ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مرقط. ويجمع على قطا وقَطَوات وقطيات”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
قال الشيخ صالح الفوزان
“المساجد:
– تطلق ويراد بها أماكن السجود والبقاع التي يصلى فيها، وهي أحب البقاع إلى الله – عز وجل – قد جاء الترغيب في بنائها وإعدادها، قال ?: ((من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة)).
يقول الله: {إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ} [التوبة (18)] والمراد بالعمارة، العمارة الحسية والمعنوية، عمارتها بالطين وما تحتاج إليه حتى تأوي المصلين وتظلهم من الحر وتكنهم من البرد، وعمارتها بالعبادة بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله – عز وجل -.
– وتطلق المساجد ويراد بها أعضاء السجود السبعة: وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان ورءوس القدمين؛ لأنها تسجد لله،
والآية تشتمل المعنيين: {وأنَّ المَساجِدَ} أي: البقاع التي يصلى فيها، وأعضاء السجود لله – عز وجل -“. انتهى. [شرح ثلاثة الأصول لصالح الفوزان (128)].
أي: قول الله تعالى: {وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا} [الجن (18)].
السند:
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.
شرح الحديث:
(أن رسول الله ? قال: من بنى مسجدًا) مخلصًا (لله) تعالى، ولو كان ذلك المسجد (كمفحص قطاة أو أصغر) أي: قدر مخيم حمام .. ، (بنى الله له بيتًا) أي: قصرًا (في الجَنَّة) مجازاة له على عمله.
قال السندي قوله: (كمفحص قطاة أو أصغر) منها؛ المفحص بفتح الميم وسكون الفاء، والقطاة: الحمام، ومفحصها: الموضع الذي تُحشّش فيه؛ أي: تجمع الحشيش والنبات فيه لتخيمه لها وتبيض فيه، سُمي بذلك؛ لأنّها تفحص عنه التراب وتزيله عنه، وهذا مذكور على سبيل المبالغة في الصغر، وإلا .. فأقل المسجد أن يكون موضعًا واسعًا لصلاة رجل واحد.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكن رواه ابن حبان في «صحيحه»، والطبراني في «معجمه الأوسط» عن أبي ذر، ولفظه: «من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة .. بنى الله له بيتًا في الجَنَّة»، وله شاهد من حديث ابن عباس رواه أحمد ((1) / (241))، والبزار في «مسنديهما»، ولفظه: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة .. بنى الله له بيتًا في الجَنَّة»، ورواه أبو داوود الطيالسي وأبو يعلى الموصلي وابن حبان والطبراني.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح متنًا؛ لأن له شواهد، وسندًا؛ لأن رجاله ثقات، قال البوصيري في «الزوائد»: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث عمر. [مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى (5/ 204 – 205)].
ابن حبان حمله على الحقيقة وليس على المبالغة
ذِكْرُ الخَبَرِ الدّالِّ عَلى أنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا يُدْخِلُ المَرْءَ الجَنَّةَ بِبُنْيانِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ فِي طُرُقِ السّابِلَةِ بِحَصًى يَجْمَعُها أوْ حِجارَةٍ يُنَضِّدُها وإنْ لَمْ يَكُنْ بَنى المَسْجِدَ بِتَمامِهِ
ثم ذكر حديث أبي ذر بنحو حديث جابر
وابن خزيمة بوب بابٌ فِي فَضْلِ المَسْجِدِ وإنْ صَغُرَ المَسْجِدِ وضاقَ ثم أورد حديث جابر
(1292) – نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى، وعِيسى بْنُ إبْراهِيمَ الغافِقِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ? قالَ: «مَن حَفَرَ ماءً لَمْ يَشْرَبْ مِنهُ كَبِدٌ حَرِيٌّ مِن جِنٍّ ولا إنْسٍ ولا طائِرٍ إلّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَن بَنى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطاةٍ أوْ أصْغَرَ بَنى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ» قالَ يُونُسُ: «مِن سَبْعٍ ولا طائِرٍ»، وقالَ: «كَمَفْحَصِ قَطاةٍ»
والثالث: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فضل بناء المساجد وعمارتها
– قال الله تعالى: {إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ الله مَن آمَنَ بِالله واليَوْمِ الآخِرِ وأقامَ الصَّلاَةَ وآتى الزَّكاةَ ولَمْ يَخْشَ إلاَّ الله فَعَسى أُولَئِكَ أن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ} [سورة التوبة، الآية: (18)].
وتكون عمارة المساجد: ببنائها، وتنظيفها، وفرشها، وإنارتها، كما تكون عمارتها: بالصلاة فيها، وكثرة التردد عليها لحضور الجماعات، وتعلم وتعليم العلوم النافعة، وأعظم العلم النافع تعلُّم القرآن وتعليمه، وغير ذلك من أنواع الطاعات [انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، ص (586)، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، (14) / (165)، وتفسير البغوي، (2) / (174)، وتفسير السعدي، ص (291)].
وإخلاص هذه العبادات كلها لله تعالى، كما قال – عز وجل -: {وأنَّ المَساجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أحَدًا} [سورة الجن، الآية: (18)].
– وقال الله – عز وجل -: {فِي بُيُوتٍ أذِنَ الله أن تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ، رِجالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاء الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ، لِيَجْزِيَهُمُ الله أحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ والله يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} [سورة النور، الآيات: (36) – (38)].
وقوله تعالى: {أذِنَ الله أن تُرْفَعَ}: أي أمر الله – عز وجل – ببنائها، ورفعها، وأمر بعمارتها، وتطهيرها، وقيل: أمر الله بتعاهدها، وتطهيرها من الدنس، واللغو، والأقوال، والأفعال التي لا تليق فيها [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص (943)]. وذكر الإمام الطبري رحمه الله أن معنى: {أذِنَ الله أن تُرْفَعَ} أي: أذن الله أن تُبنى، وقال بعضهم: «أذن الله أن تعظم … ». ثم رجح القول الأول فقال: «وأولى القولين عندي بالصواب القول الذي قاله مجاهد، وهو أن معناه: أذن الله أن ترفع بناءً، كما قال جل ثناؤه: {وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ} [سورة البقرة، الآية: (127)].
وذلك أن هذا هو الأغلب في معنى الرفع في البيوت والأبنية». [جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، (19) / (190)، وانظر: تفسير البغوي (3) / (347)].
وقال العلامة السعدي – رحمه الله -: {فِي بُيُوتٍ أذِنَ الله أن تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ} هذا مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها: بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسات والأذى، وصونها من المجانين والصبيان، الذين لا يتحرزون من النجاسات، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله)) [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة السعدي، ص (518)].
– وعن عمرو بن ميمون – رحمه الله – قال: ((أدركت أصحاب رسول الله ?، وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره)) [أخرجه ابن جرير في جامع البيان، (19) / (189)]. [المساجد – القحطاني، ص (19 – 22)].
ولقد حثّ النبي ? على بناء المساجد ورغَّب في ذلك، ومن ذلك:
– عن عُبَيْدَ اللَّهِ الخَوْلاَنِيَّ، أنَّهُ سَمِعَ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ، يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النّاسِ فِيهِ حِينَ بَنى مَسْجِدَ الرَّسُولِ ?: إنَّكُمْ أكْثَرْتُمْ، وإنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ? يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا – قالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّهُ قالَ: يَبْتَغِي بِهِ وجْهَ اللَّهِ – بَنى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ»، (خ) (450)
– وعَنْ مَحْمُود بْنِ لَبِيدٍ، أنَّ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ، أرادَ بِناءَ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ النّاسُ ذَلِكَ، فَأحَبُّوا أنْ يَدَعَهُ عَلى هَيْئَتِهِ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنى اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ»، (م) (25) – ((533))
– وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: أنَّ عُثْمانَ أرادَ أنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَ المَدِينَةِ، فَكَرِهَ النّاسُ ذاكَ، وأحَبُّوا أنْ يَدَعُوهُ عَلى هَيْئَتِهِ، فَقالَ عُثْمانُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ». قال محققو المسند -ط: الرسالة-: ” إسناده صحيح على شرط مسلم”.
قال الحافظ ابن رجب (ت (795)): ” لما أراد عثمان – رضي الله عنه – هدم مسجد النبي ? واعادة بنائه على وجه أحسن من بنائه الأول، كره الناس لذلك؛ لما فيه من تغير بناء المسجد عن هيئة بنيانه في عهد النبي ?، فإن عمر لما بناه أعاد بناءه على ما كان عليه في عهد النبي ?، وإنما وسعه وزاد فيه، فلهذا أكثر الناس القول على عثمان”.
وقال رحمه الله عن سبب ذلك: ” وقد ذكرنا في الباب الماضي من غير وجه، عن عثمان، أن النبي ? أمره أن يوسع في المسجد، وضمن له بيتا في الجنة؛ فلهذا – والله أعلم – ادخل عثمان هدم المسجد وتجديد بنيانه على وجه هو أتقن من البنيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: «من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة» “. [فتح الباري لابن رجب (3/ 320)]. وسيأتي قول القرطبي رحمه الله الذي يوضحه أكثر.
وقال البغويّ في «شرح السنة»: لعل الذي كَرِهَ الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة، لا مجرد توسيعه. انتهى.
قال الحافظ: ولم يَبْنِ عثمان المسجد إنشاءً، وإنما وسّعه وشَيَّده، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حقّ من جدّد كما يُطلَق في حقّ من أنشأ، أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد، من إطلاق الكل على البعض. انتهى.
[تنبيه]: كان بناء عثمان -رضي اللَّه عنه- للمسجد النبويّ سنة ثلاثين على المشهور، وقيل: في آخر سنةٍ من خلافته … انتهى. [البحر المحيط الثجاج].
– عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رضي الله عنه، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: “مَن أظَلَّ رَاسَ غازٍ، أظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَن جَهَّزَ غازِيًا حَتّى يَسْتَقِلَّ، كانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ حَتّى يَمُوتَ – قالَ: يُونُسُ: أوْ يَرْجِعَ – ومَن بَنى لِلَّهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللهِ تَعالى، بَنى اللهُ لَهُ بِهِ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ)). قال محققو المسند-ط: الرسالة-: “حديث صحيح”.
– عَنْ بِشْرِ بْنِ حَيّانَ، قالَ: جاءَ واثِلَةُ بْنُ الأسْقَعِ ونَحْنُ نَبْنِي مَسْجِدَنا، قالَ: فَوَقَفَ عَلَيْنا فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا يُصَلّى فِيهِ، بَنى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ فِي الجَنَّةِ أفْضَلَ مِنهُ»، قالَ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وقَدْ سَمِعْتُهُ مِن هَيْثَمِ بْنِ خارِجَة. (حم) (16005). قال محققو المسند-ط: الرسالة-: حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف”.
– عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ? قالَ: «مَن حَفَرَ ماءً لَمْ يَشْرَبْ مِنهُ كَبِدٌ حَرِيٌّ مِن جِنٍّ ولا إنْسٍ ولا طائِرٍ إلّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَن بَنى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطاةٍ أوْ أصْغَرَ، بَنى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ» قالَ يُونُسُ: «مِن سَبْعٍ ولا طائِرٍ»، وقالَ: «كَمَفْحَصِ قَطاةٍ»، (خز) (1292)، قال الأعظمي: إسناده صحيح.
(المسألة الثانية): قوله ?: ((من بنى مسجدًا)).
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن قوله ?: «من بنى مسجدًا» التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير)) [فتح الباري، لابن حجر، (1) / (545)].
ووقع في رواية أنس – رضي الله عنه – عن النبي ? أنه قال: «من بنى لله مسجدًا صغيرًا أو كبيرًا بنى الله له بيتًا في الجنة» [الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل بنيان المسجد، برقم (319)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1) / (110)].
وجاء من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي ? قال: «من بنى لله مسجدًا ولو قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة».
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله -: «وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة؛ لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه؛ لتضع فيه بيضها، وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه،
وقيل: هو على ظاهره،
والمعنى: أن يزيد في مسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد، فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن، وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه،
فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر، لكن قوله: «بنى» يشعر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة رضي الله عنها: «من بنى لله بيتًا» أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن … ، لكن لا يمنع إرادة الآخر مجازًا إذ بناء كل شيء بحسبه، وقد شاهدنا كثيرًا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة، وهي في غاية الصغر، وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود، وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان، وزاد: قلت: وهذه المساجد التي في الطرق؟ قال: نعم، وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن)). [فتح الباري شرح صحيح البخاري، (1) / (545)] [المساجد].
[س]: وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدًا، بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء، وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه، فوقفه مسجدًا؟
[ج]: إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم، وهو المنطبق على استدلال عثمان – رضي الله عنه -؛ لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه، من بنائه مسجد رسول الله ?، ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه. انتهى. [فتح جـ (1) ص (649) – (650)].
قال الإتيوبي: التعميم الذي فهمه عثمان – رضي الله عنه – هو الذي يظهر لي؛ لأنه من أهل اللسان، ففهمه مقدم، ما لم يعارضه نص. والله أعلم.
(المسألة الثالثة): أهمية شرط الإخلاص لحصول ثواب بناء المساجد
قال الحافظ ابن رجب: قد يستفاد من قوله: «من بنى مسجدا لله» أنه أريد به: من بنى مسجدا خالصا لله ….
[فرع] وأما من بنى المساجد من غير رياء ولا سمعة، ولم يستحضر فيه نية الإخلاص، فهل يثاب على ذلك، أم لا؟ فيه قولان للسلف.
وقد روى عن الحسن البصري وابن سيرين، أنه يثاب على إعمال البر والمعروف بغير نية؛ لما من النفع المتعدي. وقد سبق ذكر ذلك في أواخر «كتاب الإيمان». والله أعلم.
وبناء المساجد المحتاج إليها مستحب، وعده بعض أصحابنا من فروض الكفايات، ومراده: أنه لا يجوز أن يخلي مصر أو قرية يسكنها المسلمون من بناء مسجد فيها.
ويدل لهذا: مما روى موسى بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن زياد أبي حمزة الحبطي، عن أبي شداد – رجل من أهل دما -، قال: جاءنا كتاب النبي ? في قطعة ادم: «من محمد النبي إلى أهل عمان، سلام: أما بعد؛ فأقروا بشهادة أن لا اله إلا الله، وأني رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا، والا غزوتكم». خرجه البزار والطبراني.
وخرجه أبو القاسم البغوي في «معجمه» – مختصرا -، وعنده: عبد العزيز بن نزار الحبطي.
وقد سماه ابن أبي حاتم: عبد العزيز بن زياد الحبطي. وسماه البخاري: في «تاريخه»: عبد العزيز بن شداد.
وكانه وهم، ولا يعرف بغير هذا الحديث. [فتح الباري لابن رجب (3/ 320 وما بعدها)].
الحديث في الضعيفة (6449)
[تنبيه:]
ذكر ابن حجر رحمه الله عن ابن الجوزي – رحمه الله – أنه قال: «من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص». [فتح الباري شرح صحيح البخاري، (1) / (545)].
ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص؛ لعدم الإخلاص، وإن كان يؤجر في الجملة على حسب إخلاصه، لكن الإخلاص الكامل لا يحصل إلا من المتطوع. [المصدر السابق]. [المساجد].
(المسألة الرابعة): القاعدة في الباب
قال الحافظ ابن رجب: “ادخل عثمان هدم المسجد وتجديد بنيانه على وجه هو أتقن من البيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: «من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة».
وهذا يرجع إلى قاعدة الجزاء على العمل من جنسه، كما أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الاخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة، والراحمون يرحمهم الرحمن.
ومثل هذا كثير، فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا بنى الله له في الجنة بيتا”. [فتح الباري لابن رجب (3/ 320 وما بعدها)].
(المسألة الخامسة): المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((بنى الله له مثله في الجنة))
وقد اختلفوا في المراد بالمثل هنا:
فقال قوم منهم ابن العربي: يعني مثله في المقدار والمساحة.
ويرده «بيتًا أوسع منه»، عند أحمد والطبراني من حديث ابن عمر. وروى أحمد أيضًا من طريق واثلة بن الأسقع، بلفظ «أفضل منه».
وقال قوم: مثله في الجودة، والحصانة، وطول البقاء.
وهذا يرده أن بناء الجنة لا يخرب، بخلاف بناء المساجد، فلا مماثلة. [ذخيرة العقبى].
وقال قوم: هذه المثلية ليست على ظاهرها، وإنما يعني أنه يبني له بثوابه بيتًا أشرف وأعظم وأرفع.
قال أبو العباس القرطبي (ت (656)) رحمه الله: “وقوله: بنى الله له في الجنة مثله: هذه المثلية ليست على ظاهرها، ولا من كل الوجوه، وإنما يعني: أنه بنى له بثوابه بناء أشرف وأعظم وأرفع، وكذلك في الرواية الأخرى: بنى الله له بيتًا في الجنة، ولم يسمه مسجدًا.
وهذا البيت هو – والله أعلم – مثل بيت خديجة الذي قال فيه: إنه من قَصَب، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب؛ يريد: من قصب الزمرَّد والياقوت، ويعتضد هذا بأن أجور الأعمال مضاعفة، وأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا كما قال في المتصدُّق بالثمرة: إنها تُربّى حتى تصير مثل الجبل، ولكن هذا التضعيف هو بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص والإتقان والإحسان، ولَمّا فهم عثمان هذا المعنى؛ تأنّق في بناء المسجد وحسَّنه وأتقنه، وأخلص لله فيه؛ رجاء أن يبنى له في الجنة قصر متقن مشرف مرفّع، وقد فعل الله تعالى له ذلك وزيادة، رضي الله عنه”. انتهى. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 130 – 131)].
قال الإتيوبي رحمه الله معلقًا: “إنما جزم القرطبيّ: بأن اللَّه تعالى فعل لعثمان ذلك؛ اعتمادًا على ما صحّ أن النبيّ ? ضمن له الجنّة، وبشّره بها، واللَّه تعالى أعلم”. انتهى.
وقال الحافظ النووي رحمه الله تعالى -: «يحتمل قوله: ((مثله» أمرين:
أحدهما: أن يكون معناه: بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها، فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الثاني: «أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا» [شرح النووي على صحيح مسلم، (5) / (18)].
وقال في «الفتح»: قوله: «مثلَهُ» صفة لمصدر محذوف أي بَنى بِناءً مثلَهُ، ولفظ «المثل» له استعمالان:
أحدهما: الإفراد مطلقًا، كقوله تعالى: {فَقالُوا أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} [المؤمنون (47)]،
والآخر: المطابقة كقوله تعالى: {أُمَمٌ أمْثالُكُمْ} [الأنعام (38)]، فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنيةً متعددةً، فيحصُل جواب مَن استشكَل التقييد بقوله: «مثله» مع أن الحسنة بعشرة أمثالها؛ لاحتمال أن يكون المراد بَنى اللَّه له عشرة أبنية مثله، والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل، والزيادة عليه بحكم الفضل.
وأما مَن أجاب باحتمال أن يكون ? قال ذلك قبل نزول قوله تعالى: {مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها} [الأنعام (160)] ففيه بُعْدٌ.
وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه.
ومن الأجوبة المرضيَّة أيضًا أن المثلية هنا بحسب الكميّة، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية، فكم من بيت خير من عشرة، بل من مائة، أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره، مع قطع النظر عن غير ذلك، مع أن التفاوت حاصل قطعًا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة؛ إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها، كما ثبت في «الصحيح».
وقد رَوى أحمد من حديث واثلة بلفظ: «بَنى اللَّه له في الجنة أفضل منه»، وللطبرانيّ من حديث أبي أمامة بلفظ: «أوسع منه»، وهذا يُشعر بأن المثلية لم يُقْصَد بها المساواة من كل وجه.
وقال النوويّ: يَحْتَمِل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا. انتهى [» الفتح” (1) / (650)].
وجاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ?: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته». [ابن ماجه، المقدمة، باب من بلغ علمًا، برقم (242)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1) / (111)].
قال الإتيوبي: “عندي أن المراد بالمثل هنا -واللَّه أعلم- تماثل العمل والجزاء في الجنس، فيكون الجزاء من جنس العمل، لا التماثُل في الكم والكيف، وهذا توضحه نصوص أخرى وردت في هذا المعنى، كحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: «من أعتق رقبةً أعتق اللَّه بكلّ عضو منه عضوًا منه من النار». متّفقٌ عليه.
وكحديثه أيضًا مرفوعًا: «من نفّس عن مؤمن كربةً من كُرب الدنيا، نفّس اللَّه عنه كربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا في الدنيا ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». رواه مسلم.
وبهذا المعنى وردت أحاديث كثيرة، فمن بنى للَّه مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنّة، ولا يُراد به المثليّة في الكميّة والكيفيّة، وإنما هو في مسمّى البناء من جنس عمله.”. انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب: ” .. وأما قوله: «مثله»، فليس المراد أنه على قدره، ولا على صفته في بنيانه، ولكن المراد – والله أعلم – أنه يوسع بنيانه بحسب توسعته، ويحكم بنيانه بحسب إحكامه، لا من جهة الزخرفة، ويكمل انتفاعه بما يبنى له في الجنة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا، ويشرف على سائر بنيان الجنة كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان، وإن كان لا نسبة لما في الدنيا إلى ما في الآخرة؛ كما قال النبي ?: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع».
وقد دل على ما قلناه: ما خرجه الإمام أحمد من حديث أسماء بنت يزيد، عن النبي ?، قال: «من بنى لله مسجدا في الدنيا فإن الله عز وجل يبني له بيتا أوسع منه في الجنة». وخرجه بمعناه من حديث حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ?.
ومن حديث واثلة بن الاسقع، عن النبي ? «من بنى مسجدا يصلى فيه بنى الله له في الجنة أفضل منه».
وخرج البزار والطبراني من حديث أبي هريرة – مرفوعا – «من بنى لله بيتا يعبد الله فيه من حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت». وقيل: أن الصحيح وقفه على أبي هريرة. [فتح الباري لابن رجب (3/ 320 وما بعدها)].
وذكر الطحاوي في مشكله الحديث (1557) وقال:
فَقالَ قائِلٌ: فَقَدْ جاءَ هَذا الحَدِيثُ مُضْطَرِبًا فَبَعْضُهُمْ رَواهُ «بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ» وبَعْضُهُمْ رَواهُ «بَنى اللهُ لَهُ مَسْجِدًا فِي الجَنَّةِ» وهَذا اضْطِرابٌ مِنَ الرُّواةِ فَكانَ جَوابَنا لَهُ فِي ذَلِكَ: أنَّ هَذا لَيْسَ بِاضْطِرابٍ مِنهُمْ رُضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وقَدْ كانَ يَنْبَغِي لَكَ أنْ تَجْعَلَ ما رَواهُ الجَماعَةُ أوْلى مِمّا رَوى الواحِدُ حَتّى تَصِحَّ الآثارُ فِي ذَلِكَ، ولا تَتَضادَّ فَإذْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ واللهُ ? المُسْتَعانُ فَإنَّ ذَلِكَ عِنْدَنا بِمَعْنًى قَدْ ذَهَبَ عَلَيْكَ المُرادُ بِهِ؛ لِأنَّ المَساجِدَ إنّما تُبْنى بُيُوتًا، ثُمَّ تَعُودُ مَساجِدَ بِالصَّلاةِ فِيها وهِيَ قَبْلَ الصَّلاةِ فِيها بُيُوتٌ لا مَساجِدُ وإنْ كانَ الَّذِينَ بَنَوْها بُيُوتًا أرادُوا أنْ تَكُونَ مَساجِدَ، فَإنَّها لا تَكُونُ كَذَلِكَ حَتّى يُصَلّى فِيها فَتَكُونَ بُيُوتًا مَساجِدَ وإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الدُّنْيا جازَ أنْ يَكُونَ ما يُثِيبُ اللهُ ? بِهِ مَن بَنى مَسْجِدًا فِي الدُّنْيا أنْ يَبْنِيَ لَهُ فِي الجَنَّةِ ثَوابًا لِذَلِكَ المَسْجِدِ ما يُرادُ بِهِ ثَوابُ ما بَنى فِي الدُّنْيا، وما بَنى فِي الدُّنْيا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا بِبِنائِهِ إيّاهُ يُرِيدُ بِهِ المَسْجِدَ حَتّى صَلّى المُسْلِمُونَ فِيهِ، وما بَنى اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ ثَوابًا عَلَيْهِ لَيْسَ مِمّا يُصَلّى فِيهِ فِي الجَنَّةِ؛ لِأنَّ الجَنَّةَ لَيْسَتْ بِدارِ عَمَلٍ، وإنَّما هِيَ دارُ جَزاءٍ، فَبَقِيَ بَعْدَ بِناءِ اللهِ ? إيّاهُ لَهُ بِمِثْلِ اسْمِ المَسْجِدِ الَّذِي بَنى فِي الدُّنْيا قَبْلَ صَلاةِ -[(216)]- النّاسِ فِيهِ وهُوَ بَيْتٌ عَلى ما فِي الأحادِيثِ الأُخَرِ «مَن بَنى لِلَّهِ بَيْتًا بَنى الله لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ» فَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ
اللهِ فِي شَيْءٍ مِمّا رُوِيَ فِي هَذا البابِ تَضادٌّ ولا اخْتِلافَ، واللهَ نَسْألُهُ التَّوْفِيقَ
(المسألة السادسة): فقه وفوائد الباب:
(1) – ” (منها): بيان فضل من بنى للَّه مسجدًا.
(2) – (ومنها): بيان أهميّة الإخلاص للَّه تعالى في جميع أعمال العبد.
(3) – (ومنها): فضل عثمان -رضي اللَّه عنه- فإنه قد صحّ أن النبيّ ? أمره أن يوسّع المسجد لَمّا ضاق بأهله، وضَمِنَ له بيتًا في الجنّة، فلهذا -واللَّه أعلم- أدخل -رضي اللَّه عنه- هدم المسجد، وتجديد بنائه على وجه هو أتقن من البنيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: «من بنى مسجدًا للَّه بنى اللَّه له مثله في الجنّة»، فرضي اللَّه عنه، وعن الصحابة أجمعين.
(4) – (ومنها): أن فيه بشرى لباني المسجد للَّه تعالى بدخوله الجنة؛ إذ المقصود بالبناء له أن يُسكنه، وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول.
واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل”. [البحر المحيط الثجاج (12/ 168)].
وراجع فوائد أخرى في شرح مغلطاي على سنن ابن ماجه
(المسألة السابعة): الفتاوى
[1] عمارة المساجد من الصدقة الجارية
س: إذا تبرع شخص بمبلغ من المال عنه وعن أهله في بناء مسجد مع جماعة فهل تعتبر صدقة جارية لكل شخص منهم؟
ج: بذل المال في بناء المسجد أو المشاركة في بنائه من الصدقة الجارية لمن بذلها أو نواها عنه إذا حسنت النية وكان هذا المال من كسب طيب.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز [الفتوى رقم ((13481))، فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (6) / (240) —، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[2] أجر المشتركين في بناء مسجد
فضيلة الشيخ! أطال الله في عمرك على طاعته، شخصان أو ثلاثة أشخاص أو أكثر اشتركوا في بناء مسجد هل يكتب لكل واحد منهم أجر بناء مسجد، أم أقل من ذلك؟
ج: هل قرأت إذا زلزلت؟ ماذا قال الله في آخرها؟ السائل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: (7)].
الشيخ: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: (7) – (8)] كل واحد له أجر ما عمل، لكن يكون له أجر ثان من جهة ثانية وهي التعاون على البر؛ لأنه لولا اجتماع هؤلاء كل واحد أتى بقليل ما قام البناء، فنقول: له أجر عمله وله أجر المساعدة والمعارضة، مثال ذلك: رجل أنفق مائة ريال صدقة له أجرها، أنفق مائة ريال في بناء مسجد، هذه النفقة صار فيها نفع من وجهين: أولًا: العمل يعني: أجر هذه الدراهم، والثاني: المساعدة حتى يتكون المسجد، لكن إذا تبرع هذا الرجل للمسجد بعشرين ألفًا، وهذا بعشرين ريالًا، فلا يمكن أن نقول: هم سواء، كل له أجر البناء كاملًا، هذا لا يمكن.
انظر يا أخي! الثواب حسب العمل، نقول: هذا له أجر عمله على قدر ما أنفق وله أجر التعاون على إقامة هذا المسجد. [لقاء الباب المفتوح (230) / (21) — ابن عثيمين (ت (1421))].
[3] المشاركة في بناء مسجد كبير أفضل من بناء مسجد صغير؟
ج: إذا كان بعض الناس يرغب في بناء مسجد بمبلغ من المال، فأيهما أفضل: أن يشارك غيره في بناء مسجد كبير يضمن عدم الحاجة إلى هده وتوسيعه خصوصًا مع تزايد السكان، أم يبني مسجدًا صغيرًا بدون مشاركة مع أحد؟
الأفضل الأول؛ لأن المبنى الصغير ربما يكون من حوله قليلين ثم يزيدون، وحينئذ يهدم ويعاد مرة ثانية، لكن إذا كان أهل المسجد الصغير مضطرين إليه أكثر من ضرورة أهل المسجد الكبير فهم أولى لدفع ضرورتهم، لكن مع التساوي المشاركة في المسجد الكبير أحسن؛ لأنه أضمن، فصار في المسألة تفصيل: إذا كان أهل المسجد الصغير مضطرين إلى هدمه وبنائه فهو أفضل من المشاركة، وإذا كانوا غير مضطرين أو كانت الضرورة واحدة في هذا وهذا فالمشاركة في الكبير أفضل. [اللقاء الشهري (42) / (26) — ابن عثيمين (ت (1421))].
[4] س (1): أنا من قرية باليمن لا تزال تعيش في جهل شديد وبها خمسون رجلا تقريبا ولا يوجد بها مسجد ولا مدرسة، والأولاد يزيدون فيها، وأريد أن أبني مسجدا لله، فأرجو إرشادي إلى ما فيه الخير لي ولهم من الخطب المتفقة مع الكتاب والسنة للجمع والأعياد والخسوف والكسوف، ومن كتب السنة النبوية ونحو ذلك.
جـ (1): بناء المساجد من أعمال البر والخير، فإن من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة، فاحرص أيها الأخ الكريم على تنفيذ ما عزمت عليه ما دمت قادرا على تنفيذه، وأخلص النية لله في ذلك، وتخير أنسب المواضع من البلد لبناء المسجد، وتعاون مع أهل الخبرة في القبلة على تحديد قبلته، واختر له إماما يحسن تلاوة القرآن والصلاة، متفقها في دينه بقدر الإمكان عسى أن يتولى تحفيظ الأولاد القرآن ومن يرغب من الرجال ويفقههم في أمور دينهم.
وأما الكتب فمن أحسنها وأنسبها لكم كتاب (رياض الصالحين) للنووي، وكتاب (التوحيد) و (كشف الشبهات) و (ثلاثة الأصول) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتاب (تطهير الاعتقاد) للعلامة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، وكتاب (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) لابن القيم، و (تفسير ابن كثير) وكتاب (بلوغ المرام) لابن حجر وشرحه (سبل السلام).
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن منيع … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز [فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (6/ 224 – 225)].