1.المختصر من جامع الأجوبة الفقهية
ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘—–
ثانيا: كتاب الصلاة
ويشتمل على خمسة عشر بابا
الباب الأول: في تعريف الصلاة وفضلها. ووجوب الصلوات الخمس:
1. تعريف الصلاة:
?- في اللغة: هي الدعاء قال الله تعالى: {وَصَلِّ عليهم إِنَّ صلاتَكَ سكَنٌ لهم} (التوبة: 103) أي: ادع لهم، وفي الحديث قوله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصلّ، وإذا كان مفطرًا فليطعم” (أخرجه مسلم: 1431) ومعنى: “فليصلّ” أي فليدع لأهل الطعام، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها عليه.
قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله في شرحه لعمدة الفقه: “الصلاة مشتقة من الدعاء على الصحيح في اللغة, وهي مشتقة من الصلوني وهما عرقان في ظهر الإنسان, وقيل: إنها مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته, وقيل: مشتقة من الصلي وهو ملازمة الشيء والأرجح أنها مشتقة من الدعاء”. انتهى
أما معنى الصلاة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب: 43) فالصلاة من الله تعالى علينا هي الرحمة ومن الملائكة الاستغفار والدعاء.
وقد تأتي الصلاة بمعنى الثناء كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (البقرة: 157) أي ثناء حسن من الله تعالى عليهم.
قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى: “قال الأزهري: هذه الصلاة عندي: الرحمة، ومنه قوله عز وجل: {إِن اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا … صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]؛ فالصلاة من الملائكة دعاء واستغفار، ومن الله رحمة، وبه سميت الصلاة، لما فيها من الدعاء والاستغفار، وفي الحديث “التحيات لله، والصلوات” قال أبو بكر: الصلوات: معناها الترحم، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} أي يترحمون، وقوله: “اللهم صل على آل أبي أوفى” أي ترحم عليهم”. انتهى
?- وشرعا:
قال الجمهور: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وقال الحنفية: هي اسم لهذه الأفعال المعلومة من القيام والركوع والسجود. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 51).
2. فضلها:
للصلاة مكانة عظيمة في الإسلام. فهي آكد الفروض بعد الشهادتين وأفضلها، وهذه الفضيلة تأتي من خلال التالي:
أ) أنها أحد أركان الإسلام الخمسة. قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان.
ب) الصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على نبيه ليلة المعراج فوق سبع سماوات كما في البخاري.
ت) كون الرسول الله صلى الله عليه وسلم ينسب تاركها إلى الكفر كما في مسلم من حديث جابر بن عبدالله فقال: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة، وعن عبد الله شقيق العقيلي قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
تنبيه: مسألة كفر تارك الصلاة تكاسلا فيها خلاف بين العلماء سيأتي إن شاء الله.
ث) أنها عمود الدين الذي لا يقوم إلا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، اخرجه الترمذي من حديث معاذ ابن جبل.
ج) الصلاة أول ما يحاسب العبد عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، اخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
ح) وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: الصلاة وما ملكت أيمانكم. أخرجه ابن ماجه من حديث انس ابن مالك.
خ) أنها أحبُّ الأعمال إلى الله سبحانه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال «سألت النبي – صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاةُ على وقتها، قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم بِرُّ الوالدين، قال: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهنَّ ولو استزدتُه لزادني» رواه البخاري. ورواه أحمد بمعناه عن رجل من الصحابة.
د) انها تمحو الخطايا وتُذهب السيئات، فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمساً ما تقول ذلك يُبقي من دَرَنِه؟ قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول «إن العبد إذا قام يصلي أُتيَ بذنوبه فوُضعت على رأسه أو عاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» رواه ابن حِبَّان والبيهقي.
ذ) وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة.
ر) كما أنها العبادة الوحيدة التي لا تنفك عن المكلف، وتبقى ملازمة له طول حياته لا تسقط عنه بحال.
وقد ورد في فضلها والحث على إقامتها، والمحافظة عليها، ومراعاة حدودها آيات وأحاديث كثيرة مشهورة والحمد لله.
3. وجوبها:
الصلوات الخمس ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع:
?- أما الكتاب:
1) قوله سبحانه وتعالى: {وأقيموا الصلاة} سورة البقرة الآية:110.
2) وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} سورة النساء الآية: 103، أي فرضا مؤقتا.
3) وقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} سورة البقرة الآية: 238. ومطلق اسم الصلاة ينصرف إلى الصلوات المعهودة، وهي التي تؤدى في كل يوم وليلة.
4) وقوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} سورة هود الآية: 114. يجمع الصلوات الخمس؛ لأن صلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار، وصلاة الظهر والعصر يؤديان في الطرف الآخر، إذ النهار قسمان غداة وعشي، والغداة اسم لأول النهار إلى وقت الزوال، وما بعده العشي، فدخل في طرفي النهار ثلاث صلوات ودخل في قوله: {وزلفا من الليل} المغرب والعشاء، لأنهما يؤديان في زلف من الليل وهي ساعاته.
5) وقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} سورة الإسراء الآية: 78، قيل: دلوك الشمس زوالها وغسق الليل أول ظلمته، فيدخل فيه صلاة الظهر والعصر، وقوله: {وقرآن الفجر} أي وأقم قرآن الفجر وهو صلاة الفجر. فثبتت فرضية ثلاث صلوات بهذه الآية وفرضية صلاتي المغرب والعشاء ثبتت بدليل آخر.
وقيل: دلوك الشمس غروبها فيدخل فيها صلاة المغرب والعشاء، وفرضية الظهر والعصر ثبتت بدليل آخر.
?- وأما السنة النبوية فالأحاديث الواردة في تقرير وجوب الصلاة كثيرة منها:
1 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي.
2 – عن أنس رضي الله عنه قال: «فُرضت على النبي – صلى الله عليه وسلم – ليلةَ أُسْرِي به الصلواتُ خمسين ثم نقصت حتى جُعلت خمساً، ثم نُودي يا محمد إنه لا يُبدَّل القولُ لديَّ وإنَّ لك بهذه الخمس خمسين» رواه الترمذي وابن المنذر وعبد الرزاق.
3 – عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه قال «جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أهل نجدٍ ثائرَ الرأس يُسمَع دويُّ صوتِه ولا يُفقَه ما يقول حتى دنا، فإذا هو يَسأل عن الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: خمسُ صلوات في اليوم والليلة فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا إلا أنْ تَطوَّع … » رواه البخاري ومالك والبيهقي وابن المنذر.
4 – ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عام حجة الوداع: “اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيتكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم”. أخرجه أحمد (5/ 262) والحاكم (1/ 9) من حديث أبي أمامة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، والسياق لأحمد.
?- أما الإجماع: فقد انعقد إجماع الأمة على فرضية هذه الصلوات الخمس، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم.
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 352)، بدائع الصنائع (1/ 90)، بداية المجتهد (1/ 96)، مغني المحتاج (1/ 297)، كشاف القناع (1/ 222).
?- قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة العلماء (1/ 79):
“وأجمعوا على أن الله فرضها على كل مسلم بالغ عاقل، وعلى كل مسلمة بالغة عاقلة، خالية من حيض ونفاس”.