[1ج/ رقم (514)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (514)]:
قال الإمام البزار رحمه الله (ج ٧ ص ١٩٧): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ كَانَ أَوَّلُ مَا يُعَلِّمُنَا الصَّلاةَ -أَوْ قَالَ: عَلَّمَهُ الصَّلاةَ-.
هذا حديث صحيحٌ.
===================
لكن لعله ليس على شرط الصحيح المسند لأن الحديث في مسلم
روى مسلم 2697 رحمه الله تعالى في صحيحه: (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي»).
والألباني أيضا لم يعزه لصحيح مسلم
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ البزار رحمه الله في مسند البزار الموسوم بالبحر الزخار، مسند سعد بن طارق والد أبي مالك رضي الله عنه، حديث طارق بن أشيم الأشجعي، أبو أبي مالك، واسم أبي مالك: سعد بن طارق بن أشيم، (٢٧٦٥).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
١ – كتاب العلم، ٢٦ – تقديم الأهم في التعليم، (٥٢).
٤ – كتاب الصلاة، ٦٤ – أهمية الصلاة في نفوس المسلمين، وكونها آخر ما يتركونه من الإسلام، (٨٩٣).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في
٣٠٣٠- (كان إذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ، كان أَوَّلُ ما يُعَلِّمُنَا الصلاة، أو قال: عَلِّمَهُ الصلاة).
أخرجه البزار في »مسنده « (١/ ١٧١/٣٣٨): حدثنا أبو كريب: ثنا أبو معاوية: [ثنا] أبو مالك الأشجعي عن أبيه قال … فذكره
قلت – القائل الألباني رحمه الله – : وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات:
أبو كريب – هو محمد بن العلاء الكوفي – ثقة حافظ من رجال الشيخين.
أبو معاوية – هو محمد بن خازم الكوفي – من رجال الشيخين؛ قال الحافظ في» التقريب «:
» ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش؛ وقد يهم في حديث غيره «
قلت – القائل الألباني رحمه الله -: وقد توبع كما يأتي
أبو مالك الأشجعي- اسمه سعد بن طارق بن أشيم- ثقة من رجال مسلم، وأبوه صحابي معروف، أخرج له مسلم في »صحيحه « حديثين، والطبراني سبعة عشر حديثآ بحذف المكرر، ولأحمد ستة منها، وبعضها في »السنن «، وفي الكثير منها تصريحه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم .
والحديث أخرجه الطبراني في ” المعجم الكبير ” مختصرًا، فقال:
(٨/٣٨٠/٨١٨٦): حدثنا محمد بن هشام بن أبي الدميك: ثنا الحسن بن حماد الحضرمي: ثنا مروان بن معاوية: ثنا أبو مالك الأشجعي به. ولفظه:
«كان الرجل إذا أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم علموه الصلاة».
قلت – القائل الألباني رحمه الله – : وهذا إسناد صحيح أيضًا:
ا- ابن أبي الدميك هذا بغدادي ثقة، ترجمه الخطيب في «تاريخه».
٢- والحسن بن حماد الحضرمي بغدادي أيضًا، وثقه ابن حبان والخطيب والذهبي
٣- مروان بن معاوية- هو الفزاري الكوفي- ثقة من رجال الشيخين.
وقال الهيثمي في «المجمع» (١/٢٩٣):
«رواه الطبراني والبزار في» الكبير«، ورجاله رجال (الصحيح)».
كذا وقع فيه على القلب، ولعل الأصل: «الطبراني في (الكبير)».
ثم إن زيادة [ثنا] في إسناد البزار قد سقطت من «كشف الأستار»؛ فاستدركتها من «مختصر الزوائد» (ص ٤٠) من مصورة عندي، وكذلك أثبتها محقق المطبوعة منه (١/١٨٨)، وذكر في التعليق أنها سقطت من (س) .
وانظر- لمزيد من الفائدة- ما تقدم من هذه «السلسلة» (٢٩٥٣) . * [سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ٧/٦٦].
في الصحيحة :
٢٩٥٣ – «كان إذا أعجبه نحو الرجل أمره بالصلاة».
أخرجه البخاري في «التاريخ» (١ / ١ / ١٨٠) والبزار (١ / ٤٥٣ / ٧١٦)
والثاني: شرح وبيان الحديث
(أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ) رضي الله عنه، (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ) أي: دخل في الإسلام، (كَانَ أَوَّلُ مَا يُعَلِّمُنَا الصَّلاةَ -أَوْ قَالَ: عَلَّمَهُ الصَّلاةَ-). أَيْ: جِنْسَ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا أَوِ الصَّلَاةَ الَّتِي تَحْضُرُهُ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنِهِ. قاله الملا علي قاري عفا الله عنه في المرقاة [(5/ 1722)].
وهذا يدل على أهمية الصلاة باعتبارها عمود الدين، وأول الأعمال التي يُطالب بها المسلم بعد إيمانه.
والثالث: ملحقات:
المطلب الأول: مضامين الحديث:
1) أهمية تعليم الصلاة:
الحديث يبين أن أول ما يُعلم للداخلين في الإسلام هو الصلاة، مما يدل على مكانتها العظيمة في الإسلام كونها الركن الثاني بعد الشهادتين.
2) ترتيب الأولويات في الدعوة والتعليم:
يُظهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز على الأمور الأساسية التي تقيم الدين وتُرسخ الإيمان، مما يدل على حكمة ترتيب التعليم وفق أهميته.
3) منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم:
التعليم التدريجي: يبدأ بالأهم فالمهم.
تقديم العبادات العملية بعد غرس العقيدة (الشهادتين).
4) الصلاة كصلة بين العبد وربه:
دلالة على أن الصلاة هي الوسيلة الأولى التي تصل العبد بالله وتعلمه الخضوع والطاعة.
5) حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بالجديدين في الإسلام:
يظهر في هذا الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه المسلمين الجدد لما يثبّتهم على الدين ويعينهم على أداء واجباتهم الأساسية.
وجه الدلالة من الحديث:
الحديث يبرز أهمية الصلاة كأول عبادة عملية تُعلم للمسلمين الجدد، مما يوضح دورها المركزي في حياة المسلم.
الطلب الثاني: التدرج في العمل بعد الإيمان
(المسألة الأولى): التدرج في الدعوة والتعليم:
هذا الحديث دليل على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم، حيث يبدأ بالأهم فالمهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بأهم الأمور التي تُقيم علاقة العبد بربه وهي الصلاة، ثم يتدرج في تعليم بقية أحكام الإسلام.
روى مسلم 2697 رحمه الله تعالى في صحيحه: (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي»).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “وفي الصحيحين أن معاذًا لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال له: ((إنك تأتي)) كما في حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب)) وهم أهل اليمن، وكان سكانه ذلك الوقت من العرب، ومن اليهود: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة: أن لا إله إلا الله))، وفي الرواية الأخرى: ((وأني رسول الله))، وفي اللفظ الآخر: ((فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله))، وفي رواية البخاري: ((فادعهم إلى أن يوحدوا الله))،
وهذا هو معنى: شهادة أن لا إله إلا الله، معناها: توحيد الله والإخلاص له، ((فإن هم أطاعوك لذلك))، يعني: تركوا الشرك، واستقاموا على التوحيد، وآمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإنهم يؤمرون بعد هذا بالصلاة والزكاة وبقية أمور الإسلام،
قال: ((فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد في فقرائهم))، هذا يبين أنهم لا يُدعون إلى الصلاة والزكاة وغيرها إلا بعد التوحيد، بعد أن يدعوا الشرك، بعد أن يوحدوا الله وينقادوا للشريعة ويؤمنوا بالله بأنه ربهم وإلههم ومعبودهم الحق، ويدعون عبادة الأوثان والأصنام ويؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله، إذا آمنوا بالله ورسوله وتركوا عبادة الأصنام والأوثان، بعد ذلك يُدعون إلى الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك،
هذا هو واجب الدعاة على هذا التفصيل البدء بالأهم فالأهم”. [شرح كتاب التوحيد، 5- باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله].
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى:
فيجب على الداعية أول ما ينظر في أمر الناس ينظر في عقيدتهم،
فإن كان فيها خلل أو فساد، فإنه يدعو إلى إصلاحه؛ حتى تكون الأعمال صحيحة ونافعة عند الله،
أما إذا كانت العقيدة فاسدة، فإن الأعمال لا تنفع، وجهد الداعية لا يفيد، وكانت الرسل أول ما تدعو أقوامها إلى التوحيد، يقولون: {يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} [سورة الأعراف: 159]
لم يبدأوا بالنهي عن الزنا، والنهي عن الربا، وإن كانت هذه محرمات وكبائر، لكن بدأوا بما هو أهم، وهو {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.
فعلى هذا المنهج أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامله أن يسير على منهج الأنبياء،
أما الذي لا يدعو إلى التوحيد ولا يهتم به، وإنما يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويدعو إلى الفضائل والزهد، ويدعو إلى أشياء جانبية ولا يهتم بالتوحيد هذا مخالف لدعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، ودعوته لا تثمر شيئاً، فمنهج الأنبياء هو البداءة بالدعوة إلى التوحيد؛ لأنه الأساس ((فليكن أول ما تدعوهم))، يعني: قبل كل شيء. [التعليق المختصر المبين على قرة عيون الموحدين ( 156)].
وسيأتي تأكيد ذلك بإذن الله تعالى.
(المسألة الثانية): التأكيد على العمل بعد الإيمان:
الإسلام ليس مجرد اعتقاد بل يشمل العمل، وأول العمل الصلاة.
قول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران:١٣٦]
وقد سبق الحديث عن تعلم الإيمان أولا في الصحيح المسند (1ج/ رقم (273) )، عند حديث جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قالَ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ ونَحْنُ فِتْيانٌ حَزاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنا الإيمانَ قَبْلَ أنْ نَتَعَلَّمَ القُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنا القُرْآنَ فازْدَدْنا بِهِ إيمانًا.
المطلب الثالث: وجوب تعليم الداخلين إلى الإسلام:
تعليم العبادات للمسلم الجديد واجب على الدعاة والعلماء، ويمكن إجمال ذلك كتالي:
(المسألة الأولى): الأعمال التي يقوم بها من دخل الإسلام (ماذا يجب على من اعتنق دين الإسلام ؟)
” أول ما يجب عليه هو أن يشهد شهادة الحق، فيقول بلسانه: أشهد أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ويتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام: من الاعتقادات، والعبادات القولية والفعلية، ويلتزم بجميع واجبات الدين الإسلامي، ويعتقد تحليل ما أحلته هذه الشريعة السمحة وتحريمَ ما حرمته.
ثم يقوم ببقية أركان الإسلام: من إقامة الصلاة بأركانها وواجباتها وشروطها التي منها كمال الطهارة الكبرى وهي الغسل والصغرى الوضوء، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت اللَّه الحرام، ووجوب الاختتان والاغتسال للإسلام، وأن يتعلم ما يلزمه لأمور دينه؛ وبذلك يدخل في هذا الدين الحنيف، ويكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. واللَّه الموفق”. [أجاب عليه الشيخ العلامة: عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل].
(المسألة الثانية): الأمور التي على الداعية أن يرسخها في المسلم الجديد من الأحكام:
“أولاً: إن الدين عند الله الإسلام؛ ويتناول التعريف بدين الإسلام، وبيان أنه دين الفطرة، ودين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً، ثم بيان أركانه.
ثانيًا: عقيدة المسلم؛ ويتناول أهم القضايا الاعتقادية التي يجب على المسلم معرفتها؛ كالإيمان بالله وتوحيده واجتناب كل ما يضاد الإيمان والتوحيد، ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإيمان بالكتب السماوية، ثم الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وخاصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما يختص به، ثم الإيمان باليوم الآخر، وأخيراً الإيمان بالقدر خيره وشره.
كما يتناول في هذا بيان أهم القضايا التي يجب على المسلم اجتنابها مما ينافي توحيده وإيمانه، كالسحر والشعوذة، والتطير، والتبرك غير المشروع، والتناسخ، وغيرها.
ثالثًا: عبادة المسلم؛ ويتناول بيان أركان الإسلام العظام التي يجب على المسلم الإتيان بها؛ وهي: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وفيما يجب على المرأة المسلمة من الخصائص.
رابعًا: علاقة المسلم الجديد بالمجتمع؛ ويتناول بيان أهم القضايا التي يحتاج إلى المسلم الجديد عند التعامل مع المجتمع المحيط به؛ كعلاقته بوالديه غير المسلمين، وعلاقة الزوجين ببعضهما بعد الإسلام، وعلاقة المسلم بأولاده، وعلاقته بأقربائه.
ثم بيان لأهم القضايا المالية التي تهم المسلم بعد إسلامه؛ كالنفقة على الزوجة والوالدين والأولاد، المهر، الميراث، الأموال التجارية.
ثم بين أهم قضايا العلاقات الاجتماعية والإنسانية؛ كالولاء والبراء، والعدل والإنصاف، الالتزام بالعهود والمواثيق، التهادي والتزاور، وغير ذلك.
وأخيراً بيان لأهم التبعات الدينية التي يجب على المسلم الجديد الإتيان بها حال إسلامه”.
(المسألة الثالثة): الفتاوى الواردة:
1 – ”الدعوة إلى الله في ضوء السنة النبوية:
س2: هل تجوز الدعوة إلى الله بتقديم النهي لمن ينكر ما قبل الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، مع العلم أنه يوجد عندنا أناس يدعون النفع في غير الله، ويتمسحون بالقبور والأولياء ويرتكبون البدع والخرافات. أرجو إفادتي عن ذلك، وما هي السنة في تقديم الدعوة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج2: تشرع الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على ضوء ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن، قال: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم» الحديث (*) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، عضو: عبدالله بن غديان، عضو: عبدالله بن قعود. [السؤال الثاني من الفتوى رقم (6200)]
2 – التدرج في التبليغ:
س4: هل التدرج في التشريع انتهى بإكمال الرسالة، وهل يجوز للداعية أن يتدرج بالتبليغ كأن يتلطف مع المسلم الجديد، ويتدرج معه بمأمورات الإسلام، ويتدرج معه في المنهيات حتى لا يصطدم؟
ج4: يشرع التدرج في التبليغ عملا بحديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وما في معناه، فقد روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب…
وأما التشريع فقد كمل بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة الآية 3].
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي. [السؤال الرابع والخامس من الفتوى رقم (12087)].
3 – البدء بالعقيدة في الدعوة:
س5: تختلف الجماعات الإسلامية هنا في البدايات التي يجب على الدعاة البدء بها، هل هي الجانب السياسي أو العقائدي أو الأخلاقي. فما هي الأمور التي ترون أن يبدأ بها؟
ج5: يشرع البدء بالعقيدة كما بدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأت بها الرسل، ولحديث معاذ السابق؛ إذا كان المدعوون كفارا.
أما إذا كان المدعوون مسلمين فإنهم يبين لهم ما جهلوا من أحكام دينهم، وما قصروا فيه، ويعتنى بالأهم فالأهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
4 – التدرج في الأحكام الشرعية:
س10: ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر والأمر بالجهاد، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد؟
ج10: بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها، كما كان ذلك في أول الإسلام، فالخمر مثلا يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداء، ومن اعتقد غير ذلك- وهو عالم بتحريمها- فهو مرتد؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وبالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم.
وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه، أو يسبب له مشقة وحرجا، وكل مسألة بحسبها، فالجهاد مثلا وجوبه على الشخص، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن الآية 16] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، نائب الرئيس: عبدالعزيز آل الشيخ، عضو: صالح بن فوزان الفوزان، عضو: بكر أبو زيد. [السؤال العاشر من الفتوى رقم (19446)].
5 – بدء الداعية بالأهم فالأهم:
س1: هناك كثير من الشباب اليوم يقولون: إنه يجب أن تتخلى عن بعض السنن لكي لا يقع الاختلاف بين الناس. مثال: القبض، الرفع، جلسة الاستراحة. ويقولون: إن الإسلام فيه أولويات، وهذه الأمور من الأشياء التي تأتي في المراحل الأخرى، وليست في المسائل أو في المراحل الأولى في حياة الداعية، وخاصة جلسة الاستراحة، ويعتبرون أنك إذا طبقت سنة وبدأ الناس ينظرون إليك نظرة لا ترضيهم يعتبرون هذا فتنة، وبدأوا يستدلون (الفتنة أشد من القتل، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) فهذه حجج وخاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباعه، وخاصة في زمان الاختلاف، حيث يقول عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية، بعد ما ذكر أمورا يقول: «ومن يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي..» إلخ.
ج1:
أولا: على الدعاة إلى الله سبحانه فيما يدعون الناس إليه أن يبدأوا بالأهم فالأهم؛ امتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب …. ولا يشغلوا أنفسهم عن هذه المراتب بالخلاف في بعض الفروع والسنن، مثل ما ذكر في السؤال؛ لأن الأمر في ذلك سهل بالنظر لكونها محل نظر واجتهاد.
وينبغي للدعاة في أوساط المسلمين أن يوضحوا الأحكام الشرعية واجبها ومستحبها ومحرمها ومكروهها ومباحها، وليس عليهم بأس من كون بعض الناس قد يخالفهم في ذلك إذا كانوا قد تحروا الدليل من الكتاب والسنة فيما يقولون ويفعلون.
ثانيا: على أفرادهم أن يلتزموا السنة في أنفسهم مهما استطاعوا، وأن يكونوا في أعمالهم وواقع عبادتهم ومعاملاتهم وسلوكهم قدوة حسنة؛ تعطي الناس صورة المسلم الملتزم الداعية إلى الله بقوله وعمله في الأصول والفروع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن باز، نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي، عضو: عبدالله بن غديان، عضو: عبدالله بن قعود”. انتهى المقصود من فتاوى اللجنة الدائمة. [السؤال الأول من الفتوى رقم (5981)]. [التعليق على الصحيح المسند (1088)]
المطلب الرابع: الصلاة وأهميته:
(المسألة الأولى): إِقَامُة الصَّلاَة.
الصلاة هي أول ما يُطالب به المسلم بعد دخوله الإسلام، وهي الركن العملي الأول بعد الشهادتين.
“الصَّلاَةُ لُغَةً بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، وَقَدْ أَضَافَ الشَّرْعُ إِلَى الدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَسُمِّيَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الصَّلاَةَ، أَوْ هِيَ مَنْقُولَةٌ مِنَ الصِّلَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَهِيَ بِذَلِكَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الإِْسْرَاءِ بِمَكَّةَ قَبْل الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ.
وَوُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ.
فَمَنْ جَحَدَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، فَقِيل: فَاسِقٌ يُقْتَل حَدًّا إِنْ تَمَادَى عَلَى الاِمْتِنَاعِ، وَقِيل:
مَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ مُفَرِّطًا فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَل كُفْرًا.
وَقَدْ جَاءَتِ الآْيَاتُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.
أَمَّا الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ فَمِنْهَا سُئِل صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الأَعْمَال أَفْضَل؟ فَقَال: الصَّلاَةُ لِمَوَاقِيتِهَا. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (4/ 269 – 270)]. وسيأتي ذكر ذلك في كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
(المسألة الثانية): أهمية الصلاة في الإسلام:
أولاً:
في القرآن الكريم
“أمر الصلاة عظيم شأنها أن تذكر ههنا، فإنها قوام الدين وعماده، وتعظيمه تعالى لها في كتابه فوق جميع العبادات، فإنه سبحانه يخصها بالذكر تارة، ويقرنها بالزكاة تارة، وبالصبر تارة، وبالنسك تارة كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]، وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 – 163].
وتارة يفتتح بها أعمال البر ويختمها بها كما ذكره في سورة {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج:1]، وفي أول سورة المؤمنين، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 – 11]].
هذا فيه بيان مكانة الصلاة وأهميتها، فإنها قوام الدين، يعني: لا يقوم الدين إلا بها، وهي عماد الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة).
والشيء الذي هو قوام الدين وعماده هو أهم المهمات، فالصلاة أوجب الواجبات بعد توحيد الله عز وجل، والله تعالى عظمها في كتابه فوق جميع العبادات، ولها ميزة وخصوصية ليست لغيرها، فإنه سبحانه يخصها بالذكر تارة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وتارة يقرنها بالزكاة: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، وتارة يقرنها بالصبر: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]، وتارة يقرنها بالنسك وهو الذبح: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:162].
وتارة يفتتح بها أعمال البر ويختمها بها لعظم شأنها، فالله تعالى يذكر أعمال البر ويبدؤها بالصلاة ويختمها بالصلاة لعظم شأنها، قال الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:19 – 22]، ثم ذكر أوصافهم وافتتحها بالصلاة فقال: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:29]، إلى أن قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج:29 – 34]، فختم الله أعمال البر بالصلاة، ثم قال سبحانه: {أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35].
وقال في سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] والوصف الأول من أوصافهم الصلاة: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:2 – 9] ختمها بالصلاة، ثم قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10 – 11]. [شرح الوصية الكبرى لابن تيمية – الراجحي 13/ 9].
وقال الله تعالى: { ۞ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)}
قال الشنقيطي رحمه الله:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}
وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مَنِ اسْتَثْنَاهُمْ مِنَ الْإِنْسَانِ الْهَلُوعِ بِتِسْعِ صِفَاتٍ:
اثْنَتَانِ مِنْهَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَهُمَا الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الصَّلَاةِ، وَوُجُوبِ شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهَا.
وَهَذَا مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ فِي الدِّينِ؛ لِمَكَانَتِهَا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَفِي وَصْفِهِمْ هُنَا بِأَنَّهُمْ: (عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) ، وَفِي الْأَخِيرِ: (عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [70 \ 34] .
قَالَ فِي الْكَشَّافِ: الدَّوَامُ عَلَيْهَا الْمُوَاظَبَةُ عَلَى أَدَائِهَا لَا يُخِلُّونَ بِهَا، وَلَا يَشْتَغِلُونَ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الشَّوَاغِلِ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَلَوْ قَلَّ» .
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا} [24 \ 36 – 37] ، وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [62 \ 9] .
قَالَ: وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا أَنْ يُرَاعُوا إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ لَهَا وَمَوَاقِيتَهَا، وَيُقِيمُوا أَرْكَانَهَا وَيُكْمِلُوهَا بِسُنَنِهَا وَآدَابِهَا، وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [23 \ 1 – 2] .
وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتِهِ، حَيْثُ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَنَفَى عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ إِيقَاعِهِ الصَّلَاةَ أَمَامَهُ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا بِتَوْفِيَتِهَا حَقَّهَا.
وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ أُولَئِكَ الْمُسْتَثْنَيْنَ وَخَتَمَهُمْ بِالصَّلَاةِ، مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَصْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَمَبْدَأٌ لِهَذَا الْمَذْكُورِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [2 \ 45]، فَهِيَ عَوْنٌ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ.
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [29 \ 45] ، فَهِيَ سِيَاجٌ مِنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، فَجَمَعَتْ طَرَفَيِ الْمَقْصِدِ شَرْعًا، وَهُمَا الْعَوْنُ عَلَى الْخَيْرِ وَالْحِفَاظُ مِنَ الشَّرِّ، أَيْ: جَلْبُ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ؛ وَلِذَا فَقَدْ عُنِيَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كُلَّ عِنَايَتِهَا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، إِلَى الْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهَا الْفَارِقَ وَالْفَيْصَلَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» .
وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ رحمهم الله عَلَى قَتْلِ تَارِكِهَا.
وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَثَرِ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَرُوحِهِ وَشُعُورِهِ، وَمَا تُكْسِبُهُ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ وَارْتِيَاحٍ، كَلَامٌ كَثِيرٌ جِدًّا تُوحِي بِهِ كُلِّهِ مَعَانِي سُورَةِ (الْفَاتِحَةِ). [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 8/ 268 ط الفكر].
ثانيًا:
في السنة الصحيحة:
روى البخاري رحمه الله في صحيحه (٤٦)، عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : وَصِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ».
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى:
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، وبين له أن الذي يبدأ به بعد الدخول في الإسلام هو الصلاة، ولهذا جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يبدأ بدعوتهم إلى الصلاة بعد الدخول في الإسلام،
إذًا: أول شيء يدعى إليه بعد التوحيد هو الصلاة التي هي عمود الإسلام، وهذا –أيضًا – مما يبين لنا عظم شأن الصلاة، وأنها أول شيء يدعى إليه بعد الدخول في الإسلام.
فهي خمس صلوات فرضها الله تعالى في اليوم
وهذا فيه: دليل على أن الفرض الذي فرضه الله هو هذه الصلوات الخمس، وأن الوتر ليس بواجب محتم، ولكنه من آكد النوافل،
ومن المعلوم أن الإنسان إذا تهاون بالنوافل فإنه يتهاون بالفرائض، والنوافل هي كالسياج وكالوقاية للفرائض،
وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)، ومن المعلوم أن الاقتصار على الفرائض هو الاقتصاد، ولكن السبق بالخيرات يكون بالإتيان بالواجبات وبالمفروضات وبالمنافسة في الخير، وبالإتيان بالنوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وقد جاء في الحديث: (أن الإنسان إذا كان في صلاته نقص فإنه وكان له نوافل فإنه يكمل بها ذلك النقص الذي حصل في صلاته.
وفي الحديث – أيضًا – : دليل على أن الجمعة فرض وأنها لازمة؛ لأنها من صلوات اليوم والليلة؛ [(خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)] والجمعة هي فرض ذلك اليوم الذي هو يوم الجمعة.
وقوله: [(أفلح إن صدق)] يعني: أتى بما يؤدي به إلى الفلاح، وبما يسلم به من عذاب الله عزوجل، ولكنه إذا زاد على ذلك بأن أتى بالنوافل يكون خيرًا له وبركة، ويكون نورًا مضافًا إلى نور، وخيرًا إلى خير، وقوله: [(أفلح إن صدق)] معناه: إن صدق فيما يقول وفيما حلف عليه أنه يأتي بما فرض الله عليه لا يزيد ولا ينقص فإنه يكون مفلحًا وآخذًا بسبب الفلاح، وهو القيام بما أوجبه الله جل وعلا عليه. [شرح سنن أبي داود للعباد، (59/ 6)].
(المسألة الثانية): مما يدل على عناية قدر الصلاة:
أولاً:
عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة:
– ولما كانت الصلاة من أجل العبادات، وأعظم القربات، بينها النبي صلى الله عليه وسلم للناس: قولًا، وفعلًا، وتقريرًا، وأمر أن يلتزم المسلم فيها بهديه الكريم؛
– كما في حديث مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ:.. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» [أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة (٦٣١)]
– وفي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ». [أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة؛ باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها (٩٨٥)].
– وفيه عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ». [المرجع السابق؛ رقم (٩٨٨)]
– عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» [المرجع السابق؛ رقم (٩٨٩)].
– وعَنْ أَبِيْ مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قال: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا …» الحديث رواه مسلم.
– وعَنْ أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بنِ طَارِقِ بنِ أَشْيَمَ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ، عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي» رواه مسلم.
– وفي رواية عند البزار: قَالَ رضي الله عنه،: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ كَانَ أَوَّلُ مَا يُعَلِّمُنَا الصَّلَاةَ أَوْ قَالَ: عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ» [مسند البزار (٧/ ١٩٧/ رقم ٢٧٦٥)، والسلسلة الصحيحة (٣٠٣٠)، والجامع الصحيح (ح ٥٢)].
– وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: عَمْرو بْنُ الْعَاصِ، وَخَالِد بْنُ الْوَلِيدِ، وَيَزِيد بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيل بْنُ حَسَنَةَ، عنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَوا: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَتَرَوْنَ هَذَا، مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، يَنْقُرُ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الدَّمَ، إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالْجَائِعِ لَا يَأْكُلُ إِلَّا التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ، فَمَاذَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ، فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» [رواه البخاري في التاريخ الكبير (٤/ ٢٤٧) وابن خزيمة في صحيحه (٦٦٥) . ورواه ابن ماجه مختصرا (٤٥٥) مقتصرا على قوله صلى الله عليه وسلم : «أَتِمُّوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وقال الترمذي في العلل الكبير (ص ٣٥): قَالَ مُحَمَّدٌ – يعني البخاري-: وَحَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ا. هـ والحديث حسنه المنذري في الترغيب (٧٥٢) والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٢/ ١٢١) رقم (٢٧٢٨) والشيخ الألباني في صفة الصلاة (٢/ ٦٤٢) وفي تعليقه عل صحيح ابن خزيمة].
– قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
وأما المثل المضروب في هذا الحديث لمن لا يتم ركوعه ولا سجوده ففي غاية الحسن، فإن الصلاة هي قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها، بما اشتملت عليه من ذكر الله ومناجاته وقربه فمن أتم صلاته فقد استوفى غذاء قلبه وروحه، فما دام على ذلك كملت قوته، ودامت صحته وعافيته، ومن لم يتم صلاته فلم يستوف قلبه وروحه قوتها وغذاءها، فجاع قلبه وضعف، وربما مرض أو مات؛ لفقد غذائه، كما يمرض الجسد ويسقم إذا لم يكمل تناول غذائه وقوته الملائم له ا. هـ [فتح الباري (٧/ ١٦٢)].
– وَعَنْ هَانِئِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الصَّدَفِيِّ، قَالَ:
حَجَجْتُ زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه ، فَجَلَسْتُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا رَجُلٌ يُحَدِّثُهُمْ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى فِي هَذَا الْعَمُودِ، فَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
«إِنَّ هَذَا لَوْ مَاتَ لَمَاتَ وَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ عَلَى شَيْءٍ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ صَلَاتَهُ وَيُتِمُّهَا».
قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ [رواه الإمام أحمد في المسند (٢٨/ ٤٨١/ ١٧٢٤٣ ط الرسالة) … عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ هَانِئَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَهُ قَالَ: فذكره. قال الذهبي في: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (٢/ ٣٢٢): ولعثمان حديث لين في مسند أحمد ا. هـ وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (٧/ ١٦٠): وهذا الإسناد فيه ضَّعف ا. هـ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢/ ١٢١/ ٢٧٢٧): فيه ابن لهيعة وفيه كلام وفيه البراء بن عثمان ولم يعرف ا. هـ وأعله محققوا المسند بثلاث علل ا. هـ].
ثانيًا:
من عناية السلف بالصلاة: (إنكارهم على من يسيء في صلاته):
– كما في صحيح البخاري عن الأعمش أن زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ رضي الله عنه رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: «مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا» [صحيح البخاري (٧٩١)].
– وفي رواية عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ للرجل: مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا . قال الحافظ في فتح الباري (٢/ ٢٧٥): … وَفِي حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ نَظَرٌ وَأَظُنُّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُذَيْفَةَ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ صَلَاةِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِأَرْبَع سِنِين أَوْ أَكْثَرَ وَلَعَلَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ بَعْدُ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ وَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ أَوْ لَعَلَّهُ مِمَّنْ كَان يُصَلِّي قَبْلَ إِسْلَامِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَصَلَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ ا. هـ،
[وفي رواية: مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً] قَالَ: «مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم »، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ» [رواه النسائي (١٣١٢) واللفظ له، وأحمد في المسند (٣٨/ ٢٩٤/ ٢٣٢٥٨/ ط الرسالة) والرواية المذكورة رواها المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٩٤٢) وبها يزول الإشكال الذي ذكره الحافظ].
– قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
هو في حكم المرفوع؛ بذكره فطرة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بفطرة محمدٍ شرعه ودينه ا. هـ [فتح الباري لابن رجب (٧/ ١٥٩)].
– وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
قَوْلُهُ «مَا صَلَّيْتَ» هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» … وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَلَى أَنَّ الْإِخْلَالَ بِهَا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ … إلخ [فتح الباري (٢/ ٢٧٥)].
– وعَنْ قَيْس بن أبي حازم، أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه، رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ، فَقَالَ: «لَوْ مَاتَ هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليها السلام» [رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١/ ٢٥٩) رقم (٢٩٨١) وغيره من طريق (مفضل وجرير وأبو عوانة) عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، به واللفظ للأول ولفظ الباقين: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَى بِلَالٌ رضي الله عنه رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا فَقَالَ بِلَالٌ: «يَا صَاحِبَ الصَّلَاةِ لَوْ مُتَّ الْآنَ مَا مُتَّ عَلَى مِلَّةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليها السلام» قال الطبراني في الأوسط: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُفَضَّلٍ إِلَّا يَحْيَى ا. هـ تنبيه هكذا لفظه في المطبوع من معجم الطبراني الأوسط ط الحرمين. والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٢/ ١٢١) رقم (٢٧٢٩) بلفظ: (… لَوْ مَاتَ هَذَا لَمَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقال: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَبِيرِ: لَمَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ عِيسَى عليه السلام. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ا. هـ ومن قبله الحافظ ابن كثير ذكره في جامع المسانيد والسنن (١/ ٥٧٧) رقم (١١٩٠) فقال: رواه الطبراني … بلفظ: لو متَّ الآن لمتَّ على غير ملةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ].
– وعن إبراهيم النخعي أنه قال: بينا ابن مسعود رضي الله عنه جالس مع أصحابه في المسجد، إذ دخل رجلان فقاما خلف ساريتين، فصلى أحدهما قد أسبل إزاره، والآخر لا يتم ركوعه، ولا سجوده، فجعل ابن مسعود ينظر إليهما، فقال جلساؤه: لقد شغلك هذان عنا، قال: «أجل أما هذا فلا ينظر الله إليه – يعني المسبل إزاره – وأما هذا فلا يقبل الله منه – يعني الذي لا يتم ركوعه، ولا سجوده -» [رواه الطبراني في المعجم الكبير للطبراني (٩/ ٢٧٣/ ٩٣٦٧) من طريق حماد – وهو ابن أبي سليمان-، عن إبراهيم، قال: بينا ابن مسعود جالس … فذكر نحوه. وهذا إسناد حسن؛ وإبراهيم عن ابن مسعود مرسل لكن مرسلاته عن ابن مسعود صحيحة
ثالثًا:
من عناية السلف بالصلاة: أنها كانت الميزان عندهم لحال الرجل:
– فعَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي، قالَ: «كَانُوا إِذَا أَتَوْا الرَّجُلَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ الْعِلْمَ، نَظَرُوا إِلَى صَلَاتِهِ، [وَإِلَى هَدْيِهِ] وَإِلَى سَمْتِهِ، وَإِلَى هَيْئَتِهِ [وفي لفظ: وَإِلَى حَالِهِ]، ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ» [رواه الدارمي (٤٣٤) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وفي (٤٣٥) عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، به].
– وعَنْ الحسن البصري نحوه [مسند الدارمي (٤٣٦)]
وعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي الرَّجُلَ، لِنَأْخُذَ عَنْهُ، فَنَنْظُرُ إِذَا صَلَّى، فَإِنْ أَحْسَنَهَا، جَلَسْنَا إِلَيْهِ، وَقُلْنَا: هُوَ لِغَيْرِهَا أَحْسَنُ. وَإِنْ أَسَاءَهَا، قُمْنَا عَنْهُ، وَقُلْنَا: هُوَ لِغَيْرِهَا أسْوأُ» [أخرجه الدارمي (٤٣٧) –
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قُلْتُ لِأَبِي:
لِمَ لَم تَكْتُب عَنْ وَلِيدِ بْنِ صَالِحٍ [ الوليد بن صالح النخاس الضبي، أبو محمد الجزري. قال المزي: سمع منه أحمد بن حنبل ولم يحدث عنه …. وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي وأبو حاتم الرازي: كان ثقة … روى له مسلم ا. هـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال (٣١/ ٣٠)]؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ يُسِيءُ الصَّلَاةَ [فَتَرَكْتُهُ]. [العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله (١/ ٣٢٢) رقم (٥٦٣) –
وذكر ابن خلفون في ترجمة يحيى بن صالح نحو ذلك فقال:
وذكر أبو الفتح الموصلي عن أحمد بن محمد بن حنبل أنه قال: لم أكتب عنه لأني رأيته في الجامع يسيء الصلاة لا يقيمها [المعلم بشيوخ البخاري ومسلم (ص: ٥٨٣). وذكره ابن حجر في التهذيب].
وقال: مُحمد بن عيسى الطَّباع: أَخبَرَني أَخي إِسحاق أَنه رَأَى الواقِدي في طَريق مَكَّة يُسيء الصَّلاةَ [الضعفاء الكبير للعقيلي ط ابن عباس (٥/ ٣٣٩) رقم (٥٤٧١)].
وقيل لشُعبة: لم تَرَكت أَبا الزُّبَيرِ؟ قال: رَأَيتُه يُسيء الصَّلاةَ فَتَرَكت الرِّواية عنه. [الضعفاء الكبير للعقيلي ط ابن عباس (٥/ ٣٨٠) رقم (٥٥٧٣)]
وترجم ابن حبان في كتاب المجروحين ليحيى بن عبيد الله بن موهب التيمي القرشي، فقال: … يروي عن أبيه ما لا أصل له، وأبوه ثقةٌ، فلما كثر روايته عن أبيه ما ليس من حديثه سقط الاحتجاج به بحال، وكان يسيء الصلاة [المجروحين لابن حبان ت حمدي (١٨/ ٤٧٣) رقم (١٢١٢)].
وقال الإمام أحمد رحمه الله:
والمضيّع لصلاته، الّذي يسابق الإمام فيها، ويركع ويسجد معه، أو لا يتمّ ركوعه ولا سجوده، إذا صلّى وحده: فقد أتى منكرًا، لأنّه سارق، وقد جاء الحديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (شرّ النّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: «لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» [رواه الإمام أحمد في المسند (٣٧/ ٣١٩) رقم (٢٢٦٤٢) من طريق الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» الحديث. ورواه ابن حبان في صحيحه (١٨٨٨) والحاكم (٨٣٦) من حديث هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فذكره. وفي العلل لابن أبي حاتم (٢/ ٤٢٣) عن أبيه قَالَ: جَمِيعًا مُنكَرَينِ؛ لَيْسَ لواحدٍ مِنْهُمَا معنًى ا. هـ وقال الدارقطني في العلل (٦/ ١٤١): وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثْبَتَ، والله أعلم ا. هـ
وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين (١/ ٣٥٣): «كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَانِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ا. هـ وحسن الألباني حديث أبي هريرة في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (٢/ ٦٤٥) ا. هـ وأعل إسناد الحديث الأول بعنعنة الوليد فإنه كان مدلسا. ثم قواه بشواهده].
فسارق الصّلاة: قد وجب الإنكار عليه ممّن رآه، والنّصيحة له، أرأيت: لو أنّ سارقًا سرق درهمًا، ألم يكن ذلك منكرًا يجب الإنكار عليه ممّن رآه؟ فسارق الصّلاة: أعظم سرقةً من سارق الدّرهم. وجاء الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنّه قال: «من رأى من يسيء في صلاته فلم ينْهَه: شاركه في وِزرها وعارها» [ذكره الغزالي في إحياء علوم الدين (١/ ١٩٢) وقال الشيخ الألباني في تعليقه على إصلاح المساجد من البدع والعوائد (ص: ٧٨): ولم أقف على إسناده ا. هـ]، وجاء الحديث عن بلال بن سعد رحمه الله أنّه قال: «الخطيئة إذا خفِيَت لم تضرّ إلاّ صاحبها، فإذا ظهرت فلم تُغيَّر: ضرّت العامّة» [رواه عبد الله بن المبارك كما في الزهد والرقائق (١٣٥٠) – ومن طريقه الخرائطي في مساوئ الأخلاق (٤٠٤) والبيهقي في شعب الإيمان (٧١٩٦) -، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا أُخْفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا، وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُغَيَّرْ ضَرَّتِ الْعَامَّةَ» ورواه البيهقي أيضا من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي به ولفظه: إِنَّ الْخَطِيئَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ، إِلَّا عَامِلَهَا، وَإِذَا ظَهَرَتْ ضَرَّتِ الْعَامَّةَ]، وإنّما تضرّ العامة: لتركهم ما يجب عليهم من الإنكار والتغيير على الذي ظهرت منه الخطيئة ا. هـ [الصلاة لأحمد بن حنبل (ص: ١٢٠)]. [النجم المضيء بذكر روايات وألفاظ حديث المسيء، (30 – 42)].
(المسألة الثالثة): بيان أهمية الصلاة وما يترتب على تركه
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
“ثم بعد هاتين الشهادتين أمر الصلاة، فهي التي تلي هاتين الشهادتين، وهي الركن الأعظم بعد هاتين الشهادتين، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. جاء في مسند أحمد بإسناد جيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما بين أصحابه فقال: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف» .
والمقصود: أن أمر الصلاة عظيم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح، عن بريدة رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة». [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 10/ 232].
سئل الشيخ العباد حفظه الله:
التدرج في دعوة الكفار لا يعني الكذب على شرع الله
السؤال
إذا سأل من هو حديث عهد بالإسلام عن حكم الغناء مثلًا فهل نقول له: هو مكروه، من باب التدرج؟
الجواب
لا تقل إنه مكروه، بل قل: هو من الأمور التي منعها الإسلام، وإذا كان يخشى عليه النفور فيمكن أن يقال له: اتركه أو ابتعد عنه أو أقبل على الشيء الذي ينفعك، دون أن يأتي بخلاف الحقيقة.
شرح سنن أبي داود للعباد ١٨٥/١٣
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الجمع بين أمر الله لموسى باللين مع فرعون وغلظة موسى على فرعون
فضيلة الشيخ! بالنسبة لقول الله عزوجل : ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:٤٤] نجد في سورة الإسراء أن موسى حصل بينه وبين فرعون كلام فيه شدة وغلظة ومنه قول موسى: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء:١٠٢] كيف نجمع بين هذه الآية والقول باللين؟
الجمع بينهما أنه خاطبه باللين أولًا، فلما طغى وشمخ وارتفع كان حقه أن يهان، وهذا من التدرج في الدعوة إلى الله بالحكمة، تتكلم مع المدعو أولًا باللين والسهولة، فإذا أصر وعاند ليس جزاؤه إلا أن يغلظ عليه، كما قال الله تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت:٤٦] .
لقاء الباب المفتوح ١٦/١٢
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله:
التدرج في الدعوة إلى الله تعالى
(إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه -وفي رواية البخاري وغيره: أن يعبدوا الله وحده لا شريك له- عبادة الله وحده، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم بأن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم بأن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتعطى إلى فقرائهم) .
إلى هنا يقف طالب العلم والداعية إلى الله ليرى الأسلوب في الدعوة إلى الله مع قوم أهل كتاب، وذوي عقل وفكر، فتكون الدعوة معهم بالتدرج، فأول شيء يدعوهم إليه هو ما لا نزاع فيه؛ وهو عبادة الله وحده.
فالوثنيون قد يعارضون في ذلك أشد من أهل الكتاب؛ لأن أهل الكتاب عندهم مبدأ في التوحيد، والشرك طارئ عليهم، فيدخل في التدرج بعبادة الله وحده، ثم ينتقل إلى العبادة البدنية التي ليس فيها درهم ولا دينار، وهي: الصلوات الخمس في اليوم والليلة، فإن هم استجابوا لذلك فمعناه أنهم على طريق السمع والطاعة، فينتقل بهم إلى عنصر المادة: (أعلمهم بأن الله قد افترض عليهم صدقة -وسمى الزكاة المفروضة صدقة- تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) .
وهنا أيضًا من حسن التنبيه، ومن إعجاز التشريع، أنه افترض عليهم صدقة لا يدفعونها لغيرهم من المسلمين، وإنما تخرج منهم وتوزع فيهم، فتؤخذ من أغنيائهم وترد عليهم، أي: تؤخذ باليمين وتعطى بالشمال ولكن مع اختلاف الجهة، فتؤخذ من أغنيائهم الذين أفاض الله عليهم من ماله، والمال مال الله: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور:٣٣] وترد على فقرائهم، وأيتامهم، ومساكينهم، من آبائهم، وإخوانهم، وجيرانهم، فهي لن تخرج من أيديهم.
فعندما يعلم أغنياء اليمن أن الزكاة التي فرضها الإسلام ليست ضريبة تجبى منهم إلى غيرهم، بل تؤخذ منهم وترد عليهم؛ حينئذ يسهل أمر دفع المال؛ لأن المال صنو النفس، والنفس شحيحة عليه، وحريصة على تحصيله، وشحيحة في إنفاقه.
وهكذا كان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، فقالوا: إنه كان جابيًا للزكاة والجزية، وكان أميرًا، ومعلمًا ومفتيًا وقاضيًا، فكان يؤدي كل هذه المهام، وليس مجرد جامع للزكاة.
شرح بلوغ المرام لعطية سالم ١٢٤/١٠
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): أولوية الصلاة في الإسلام، الصلاة هي أول ما يُعلّم المسلم الجديد، مما يبرز أهميتها كركن أساسي في الإسلام.
2 – (ومنها): الصلاة أول تطبيق عملي للتوحيد في حياة المسلم، وهي عمود الدين وأعظم أركانه بعد الشهادتين.
3 – (ومنها): الإسلام يجمع بين الإيمان والعمل، وأول ما يُطلب من المسلم الجديد هو الصلاة.
4 – (ومنها): وجوب تعليم الداخلين إلى الإسلام أصول الدين والعبادات، مع التدرج والاهتمام بالأهم.
- مكانة الصلاة في الإسلام عظيمة، وهي دليل على صدق الإيمان وأساس الاستقامة.
6 – (ومنها): التربية بالتدرج، النبي صلى الله عليه وسلم كان يُراعي حالة المسلم الجديد يبدأ بالأهم وهو التوحيد، ثم ينتقل إلى الأعمال.
7 – (ومنها): الاعتناء بالعبادة العملية، الحديث يوضح أن الإيمان يُترجم إلى عمل، وأول ذلك الصلاة.
8 – (ومنها): حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التعليم، يظهر من الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان الدين وتعليمه للمسلمين.
9 – (ومنها): منهجية الدعوة والتعليم، الحديث يُبرز أهمية اتباع منهجية صحيحة تبدأ بالأولويات عند تعليم الإسلام.