[1ج/ رقم (491)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
و أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (491)]:
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 253): حدثنا حجاج أخبرنا حريز (1) حدثني سليم بن عامر عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: ما كان يفضل على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبز الشعير.
هذا حديث حسنٌ. وحجاج شيخ الإمام أحمد هو ابن محمد المِصِّيصِي، وحريز هو ابن عثمان.
* وقد رواه الإمام أحمد (ج 5 ص 260) فقال: حدثنا أبو النضر وأبو المغيرة قالا حدثنا حريز حدثنا سليم بن عامر الخبائري قال سمعت أبا أمامة يقول: ما كان يفضل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبز الشعير.
هذا حديث صحيحٌ.
وهو من المزيد في متصل الأسانيد، إذ قد صرح سليم بن عامر بالتحديث.
وقد أخرجه الترمذي (ج 7 ص 24) من حديث سليم بن عامر، سمعت أبا أمامة … فذكره، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقال أبو عبد الرحمن: هو حديث صحيحٌ من حديث سليم عن أبي أمامة.
____
(1) في الأصل: جرير. والصواب: ما أثبتناه.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أحمد في مسنده، ((22184)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(14) – كتاب الشمائل المحمدية، (22) – زهده في الدنيا، ((2189)).
و (20) – كتاب الزهد، (13) – الزهد في المطعم، ((2903)).
وقال محققو المسند – ط: الرسالة (22184):
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد،
أبو غالب البصري نزيل أصبهان -واسمه: حَزَوَّر، وقيل: سعيد بن الحَزَوَّر، وقيل: نافع- اختلفوا فيه، وهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، وسيأتي دون ذكر أبي غالب هذا في إسناده في الرواية (22244) و (22296)، وفيها تصريح سليم بن عامر -وهو الخَبَائري الحِمْصي- بسماعه من أبي أمامة، وهو ثقة معروف بالرواية عن أبي أمامة، ولا يعرف بتدليس، فيكون الإسناد صحيحاً متصلاً، وإن صح أبو غالب في هذا الإسناد، فهو من المزيد في متصل الأسانيد. حجاج: هو ابن محمد المِصِّيصي الأعور، وحريز: هو ابن عثمان الرَّحَبي.
وهو في “الزهد” للمصنف ص 30 بإسناده ومتنه إلا أنه ليس في إسناده أبو غالب.
وفي الباب عن عائشة، سيأتي في مسندها برقم (25224)، ولفظه: ما شَبِعَ آل محمد ثلاثاً من خبز بُرٍّ حتى قُبِضَ، وما رُفِعَ من مائدته كِسْرةٌ قطُّ حتى قُبِضَ.
وعن أبي هريرة عند البخاري (5414)، وفيه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع من الخبز الشعير. [مسند أحمد 36/ 521 ط الرسالة].
الحديث ذكره الترمذي في الشمائل المحمدية، وصححه الألباني في مختصر الشمائل 124
وبوب عليه الترمذي في السنن:
28 – باب: ما جاء في مَعِيشةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأهْلهِ
أورد ابن كثير (ت (774)) رحمه الله في البداية والنهاية ((6) / (57))، رواية الترمذي، وبوب عليه: باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة ?، باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار.
والثاني: شرح وبيان الحديث
حياة الزهد والبساطة التي عاشها النبي ? وأهل بيته رغم قدرتهم على التمتع بزينة الدنيا، واختار النبي ? وأهله الكفاف، تأكيدًا على أن الدنيا دار فناء، وأن الترف والتنعم ليسا هدفًا للمؤمن بل وسيلة تُستغل لطاعة الله.
(قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 253): حدثنا حجاج أخبرنا حريز حدثني سليم بن عامر عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: ما كان يفضل) قال في المصباح فضل فضلا من باب قتل بقى وفي لغة فضل يفضل من باب تعب اهـ. والمعنى لم يتيسر لهم من دقيق الشعير ما إذا خبزوه يفضل عنهم. (على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبز الشعير).
وقد جاء عن عائشة في شمائل الترمذي: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه ?، وعن أبي أمامة: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول اللَّه ? خبز الشعير، ويفهم من عبارة الطيبي أن المذكور هنا أيضًا خبز شعير، وفي صحيح البخاري في كتاب الأطعمة: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض، وفي بعض الروايات: ما شبع آل محمد ثلاثة أيام، أي: متواليات، وفي رواية: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام، وذلك لفقرهم أو لإيثارهم على الغير أو لأنه مذموم. [لمعات التنقيح (7/ 247)].
قال الشيخ الألباني رحم الله:
يعني ما في عندهم خبز بايت، وليس من خبز القمح والبر وإنما من خبز الشعير.
اليوم في أكثر البيوت تجد الخبز مهما يكن فهو ليس بالخبز الشعير ولو أنهم قد أفسدوه علينا في هذه الأيام ومع ذلك فهو خير من خبز الشعير مع ذلك نراه ملقى في القمامات في الزبالة أين هذا الذي نعيشه نحن من الحياة وأين حياة الرسول عليه السلام وأهل بيته حيث لا يفضل عندهم شيء من خبز الشعير حتى يأكلوه ثاني يوم، الله أكبر! [تفريغ: شرح الشيخ الألباني على كتاب الترغيب والترهيب-147].
والثالث: ملحقات:
(المسألة الأولى): معنى الزهد:
يعرف الزهد بعدة تعريفات، ومن ذلك: “ترك ما لا ينفع في الآخرة”.
وعليه يدل الحديث على أن الزهد في الدنيا لا يعني الفقر الإجباري، بل اختيار التقشف مع القدرة، فالزهد هو الإعراض عن الترفه والتنعم بما ليس له ضرورة، إيثاراً لما عند الله، وابتعاداً عن مظاهر الكبر أو الفخر.
(المسألة الثانية): زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأهله:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في الزهد رغم إمكانية تملّك الدنيا، وهذا من تواضعه وإعراضه عن الدنيا.
إذا اجتهد المسلم في الابتعاد عن الترفه والتنعم في المطعم والملبس والمسكن وسائر أمور الدنيا، وقصد بذلك تهذيب النفس وكفها عن الفخر والتكبر، وسلك سبيل التواضع والزهد، فإنه يثاب على ذلك، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أسوة في الزهد والإعراض عن الدنيا وملذاتها رغم قدرته على التمتع بها.
فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على حصير يؤثر في جنبه، ويمكث الشهرين أو أكثر دون أن توقد في بيته نار، وكان طعامه التمر والماء، ولم يشبع من خبز الشعير حتى لقي الله.
فصل:
هدي محمد صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب واللباس
قال ابن تيمية رحمه الله:
فصل: وأما الأكل واللباس:
فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وكان خلقه في الأكل أنه يأكل ما تيسر إذا اشتهاه ولا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا، فكان إن حضر خبز ولحم أكله وإن حضر فاكهة وخبز ولحم أكله وإن حضر تمر وحده أو خبز وحده أكله وإن حضر حلو أو عسل طعمه أيضا، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد وكان يأكل القثاء بالرطب فلم يكن إذا حضر لونان من الطعام يقول: لا آكل لونين ولا يمتنع من طعام لما فيه من اللذة والحلاوة.
وكان أحيانا يمضي الشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار ولا يأكلون إلا التمر والماء وأحيانا يربط على بطنه الحجر من الجوع وكان لا يعيب طعاما فإن اشتهاه أكله وإلا تركه.
وأكل على مائدته لحم ضب فامتنع من أكله، وقال: ((إنه ليس بحرام ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)).
وكذلك اللباس كان يلبس القميص والعمامة ويلبس الإزار والرداء ويلبس الجبة والفروج وكان يلبس من القطن والصوف وغير ذلك.
لبس في السفر جبة صوف وكان يلبس مما يجلب من اليمن وغيرها وغالب ذلك مصنوع من القطن وكانوا يلبسون من قباطي مصر وهي منسوجة من الكتان.
فسنته في ذلك: تقتضي أن يلبس الرجل ويطعم مما يسره الله ببلده من الطعام واللباس. وهذا يتنوع بتنوع الأمصار.
وقد كان اجتمع طائفة من أصحابه على الامتناع من أكل اللحم ونحوه وعلى الامتناع من تزوج النساء؛ فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}.
وفي الصحيحين عنه أنه بلغه أن رجالا قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر وقال الآخر: أما أنا فأقوم لا أنام وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم. فقال: ((لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني))، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} فأمر بأكل الطيبات والشكر لله فمن حرم الطيبات كان معتديا ومن لم يشكر كان مفرطا مضيعا لحق الله.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها))، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر)).
فهذه الطريق التي كان عليها رسول صلى الله عليه وسلم هي أعدل الطرق وأقومها.
والانحراف عنها إلى وجهين:
قوم يسرفون في تناول الشهوات مع إعراضهم عن القيام بالواجبات، وقد قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} وقال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}.
وقوم يحرمون الطيبات ويبتدعون رهبانية لم يشرعها الله تعالى ولا رهبانية في الإسلام؛ وقد قال تعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا})). وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).
وكل حلال طيب وكل طيب حلال فإن الله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث لكن جهة طيبه كونه نافعا لذيذا.
والله حرم علينا كل ما يضرنا وأباح لنا كل ما ينفعنا بخلاف أهل الكتاب فإنه بظلم منهم: حرم عليهم طيبات أحلت لهم فحرم عليهم طيبات عقوبة لهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يحرم علينا شيئا من الطيبات، والناس تتنوع أحوالهم في الطعام واللباس والجوع والشبع، والشخص الواحد يتنوع حاله، ولكن خير الأعمال ما كان لله أطوع ولصاحبه أنفع، وقد يكون ذلك أيسر العملين وقد يكون أشدهما، فليس كل شديد فاضلا ولا كل يسير مفضولا.
بل الشرع إذا أمرنا بأمر شديد فإنما يأمر به لما فيه من المنفعة لا لمجرد تعذيب النفس. كالجهاد الذي قال فيه تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}.
والحج هو الجهاد الصغير؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في العمرة: ((أجرك على قدر نصبك)). وقال تعالى في الجهاد: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين}
وأما مجرد تعذيب النفس والبدن من غير منفعة راجحة فليس هذا مشروعا لنا، بل أمرنا الله بما ينفعنا ونهانا عما يضرنا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين))، وقال لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن: ((يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا))، وقال: ((هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فاستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا))، وروي عنه أنه قال: ((أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)).
فالإنسان إذا أصابه في الجهاد والحج أو غير ذلك حر أو برد أو جوع ونحو ذلك. فهو مما يحمد عليه قال الله تعالى: {وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون}. وكذلك قال صلى الله عليه وسلم ((الكفارات: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)).
وأما مجرد بروز الإنسان للحر والبرد، بلا منفعة شرعية واحتفاؤه وكشف رأسه ونحو ذلك مما يظن بعض الناس أنه من مجاهدة النفس فهذا إذا لم يكن فيه منفعة للإنسان وطاعة لله فلا خير فيه. بل قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ((ما هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه)). ولهذا نهى عن الصمت الدائم بل المشروع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت}، فالتكلم بالخير خير من السكوت عنه والسكوت عن الشر خير من التكلم به. [مجموع الفتاوى 22/ 310].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
“وتارة من غير ذلك من التمر، ما كان يتكلف، ولهذا تقدم في حديث عائشة: أنه ربما مرت عليهم الأيام الثلاثة ما شبع فيها من خبز مرقق، أو من خبز الشعير، هذا يدل على أنه أصابهم في المدينة جوع وحاجة ومشقة، فصبر عليه الصلاة والسلام، وصبر الصحابة ?، وكان غالب قوتهم التمر، ومع اللبن في بعض الأحيان، ولهذا تقدم قول عائشة رضي الله عنها: لقد هل هلال، ثم هلال، ثم هلال وما أوقد في أبيات النبي نار، قيل لها: يا أم المؤمنين ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، وفي هذا أنه ? ما أكل شيئا من اللحم المشوي والمصلي ونحو ذلك، إنما كان يأكل من اللحوم المعتادة المذبوحة التي تطبخ طبخا، ولكن تنوع الناس بعد ذلك، والأمر في هذا واسع، كونه يشوى أو يصلى بالنار كل هذا لا حرج فيه، والحمد لله.
لكن هذا يدل على أنه ? ما كان يتكلف في طعامه، بل يأكل ما تيسر من خبز مرقق، أو غير مرقق من خبز الشعير، أو حنطة، أو غير ذلك مما تيسر، ما كان يتكلف في طعامه وشرابه عليه الصلاة والسلام، وربما مرت عليه الأيام، وهو في غاية من الجوع، وربما ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع لقلة المال ذاك الوقت، ثم وسع الله ويسر وفتح الله الفتوح وجاءت الأموال وفتحت خيبر، ثم جاءهم الأموال مما فتح الله عليهم من الأموال التي فتحت من طريق القبائل التي استولوا عليها، والمزارع التي استولوا عليها من خيبر وغيرها، فتوسع المسلمون بعد ذلك، ثم فتح الله الفتوح بعد وفاته ? على المسلمين، كنوز كسرى وكنوز قيصر، وصارت الأموال الكثيرة بأيدي المسلمين وبأيدي الصحابة كما قال ?: والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله يعني كنوز كسرى وقيصر، وقد وقع ذلك، فتح الله على المسلمين فتوحات وفتح عليهم الأموال وجاءتهم الأرزاق من كل مكان، لكن في هذا الدلالة على أنه ينبغي للمؤمن الصبر إذا أصابته الحاجة أو المجاعة يصبر، فقد صبر النبي ?، وصبر الصحابة في مكة، وفي المدينة أول ما هاجروا على الشدة والحاجة، ثم فرج الله الأمور بعد ذلك”. [شرح رياض الصالحين للإمام ابن باز رحمه الله، 20 من حديث (لم يأكل النبي ? على خوان حتى مات .. )].
(المسألة الثالثة): مما ورد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الباب
روى الإمام مسلم في صحيحه [(7410)] ((1055)): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ?: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»).
قال القرطبي رحمه الله: قوله ?: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»؛ أي: كفافا، كما جاء في الرواية الأخرى، ويعني به: ما يقوت الأبدان، ويكف عن الحاجة، والفاقة، وهذا الحديث حجة لمن قال: إن الكفاف أفضل من الغنى، والفقر، وقد تقدمت هذه المسألة في «الزكاة». ووجه التمسك بهذا الحديث: أن النبي ? إنما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال، وأيضا فإن الكفاف حالة متوسطة بين الغنى والفقر، وقد قال ?: «خير الأمور أوساطها» [حديث ضعيف، كما ذكره العجلوني في «كشف الخفا» (1) / (469)]، وأيضا: فإن هذه الحال سليمة من آفات الغنى، وآفات الفقر المدقع، فكانت أفضل منها، ثم إن حالة صاحب الكفاف حالة الفقير؛ إذ لا يترفه في طيبات الدنيا، ولا في زهرتها، فكانت حاله إلى الفقر أقرب، فقد حصل له ما حصل للفقير من الثواب على الصبر، وكفي مرارته وآفاته.
لا يقال: فقد كانت حالة رسول الله ? الفقر الشديد المدقع، كما دلت عليه أحاديث هذا الباب وغيرها، ألا ترى أنه يطوي الأيام، ولا يشبع يومين متواليين، ويشد على بطنه الحجر من الجوع والحجرين، ولم يكن له سوى ثوب واحد، فإذا غسله انتظره إلى أن يجف، وربما خرج، وفيه بقع الماء، ومات ودرعه مرهونة في شعير لأهله، ولم يخلف دينارا ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا حاله في الفقر أشد من هذه، وعلى هذا فلم يكن حاله الكفاف، بل: الفقر، فلم يجبه الله تعالى في الكفاف؛ لعلمه بأن الفقر أفضل له؛ لأنا نقول: إن النبي ? قد جمع له حال الفقر، والغنى، والكفاف، فكان أول أحواله الفقر مبالغة في مجاهدة النفس، وخطامها عن مألوفات عاداتها، فلما حصلت له ملكة ملكها، وتخلص له خلاصة سبكها، خيره الله تعالى في أن يجعل له جبال تهامة ذهبا، تسير معه حيث سار، فلم يلتفت إليها، وجاءته فتوحات الدنيا، فلم يعرج عليها، بل صرفها، وانصرف عنها، حتى قال: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» [حديث صحيح]. وهذه حالة الغني الشاكر، ثم اقتصر من ذلك كله على قدر ما يرد ضروراته، وضرورات عياله، ويرد حاجتهم، فاقتنى أرضه بخيبر، وكان يأخذ منها قوت عياله، ويدخره لهم سنة، فاندفع عنه الفقر المدقع، وحصل الكفاف الذي دعا به، ثم إنه لما احتضر، وقف تلك الأرض على أهله؛ ليدوم لهم ذلك الكفاف الذي ارتضاه لنفسه، ولتظهر إجابة دعوته حتى في أهله من بعده، وعلى ذلك المنهج نهج الخلفاء الراشدون على ما تدل عليه سيرهم وأخبارهم، وعلى هذا فأهل الكفاف هم صدر كتيبة الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام؛ لأنهم وسطهم، والوسط: العدل، وليسوا من الأغنياء كما قررناه، فاقتضى ذلك ما ذكرناه. انتهى كلام القرطبي رحمه الله [«المفهم» (7) / (130) – (132)].
(المسألة الرابعة): ما ورد في عيش النبي ?
قال الحافظ ابن كثير:
باب زهده عليه الصلاة والسلام، وإعراضه عن هذه الدار وإقباله واجتهاده وعمله لدار القرار
قال الله تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] وقال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: 28] وقال تعالى: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم} [النجم: 29]
[الحجر: 88، 87] والآيات في هذا كثيرة. [البداية والنهاية 8/ 494].
وأما الأحاديث …
(2) – باب: كيف كان عيش النبي ?-
• عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه ?: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا». وفي رواية: «كفافا».
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقاق ((4836))، ومسلم في الزهد والرقائق ((1055): (18) – (20)) كلاهما من طرق عن عمارة بن القعقعاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، فذكره. والرواية الثانية لمسلم.
………………………….
• عن أبي هريرة قال: والذي نفسي بيده ما شبع نبي اللَّه ? وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الأطعمة ((5374))، ومسلم في الزهد والرقاق ((2976)) كلاهما من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكره، واللفظ لمسلم.
…………………………..
• عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد ? منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعًا حتى قبض.
وفي رواية عنها قالت: ما شبع آل محمد ? من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه ?.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقاق ((6454))، ومسلم في الزهد والرقاق ((20): (2970)) كلاهما من طريق جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، فذكرته. ورواه مسلم ((22): (2970)) من طريق عبد الرحمن بن يزيد، صت الأسود، عن عائشة باللفظ الثاني.
…………………………..
• عن عائشة قالت: ما شبعَ آلُ محمد ? من خبزِ بُرٍّ فوقَ ثلاثٍ.
صحيح: رواه مسلم في الزهد ((23): (2970)) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..
• عن عائشة قالت: ما أكل آل محمد ? أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر.
وفي رواية عنها قالت: ما شبع آل محمد ? يومين من خبز برّ إلا وأحدهما تمر.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقاق ((6455))، من طريق إسحاق الأزرق، عن مسعر بن كدام، عن هلال (هو ابن حميد)، عن عروة، عن عائشة، فذكرته. باللفظ الأول.
ورواه مسلم في الزهد ((2971)) من طريق وكيع عن مسعر به باللفظ الثاني.
…………………………..
• عن عائشة زوج النبي ? قالت: لقد مات رسول اللَّه ? وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين.
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقاق ((2974)) من طرق عن عبد اللَّه بن وهب، أخبرني أبو صخر، عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..
• عن عائشة قالت: توفّي رسول اللَّه ? وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. وفي رواية: وما شبعنا من الأسودين.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الأطعمة ((5442))، فقال: قال محمد بن يوسف، عن سفيان، عن منصور بن صفية، حدثتني أمي، عن عائشة، فذكرته.
ورواه مسلم في الزهد والرقائق ((31): (2975)) من طريق عبد الرحمن (وهو ابن مهدي)، عن سفيان به، مثله.
ورواه مسلم ((31): (2975)) من طريق الأشجعي وأبي أحمد كلاهما عن سفيان بهذا الإسناد غير أن في حديثهما عن سفيان: وما شبعنا من الأسودين.
…………………………..
• عن عائشة قالت: توفّي رسول اللَّه ? حين شبع الناس من الأسودين: التمر والماء.
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقائق ((30): (2975)) من طرق عن داود بن عبد الرحمن العطار، حدثني منصور بن عبد الرحمن الحجبي، عن أمه صفية، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..
• عن عائشة قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُحيم.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقاق ((6458)) واللفظ له، ومسلم في الزهد ((2927)) كلاهما من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..
• عن عائشة أنها كانت تقول: واللَّه يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلّة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول اللَّه ? نارٌ، قال: قلت: يا خالة، فما كان يُعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول اللَّه ? جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه ? من ألبانها، فيسقيناه.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقاق ((6459))، ومسلم في الزهد والرقائق ((28): (2972)) كلاهما من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، فذكرته. واللفظ لمسلم.
…………………………..
• عن عائشة قالت: توفي رسول اللَّه ? وما في رفّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير، في رفّ لي، فأكلت من حتى طال علي، فكِلتُه ففني.
متفق عليه: رواه البخاريّ في فرض الخمس ((3097))، ومسلم في الزهد ((2973)) كلاهما من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..
- عن عائشة قالت: إنما كان فراش رسول اللَّه ? الذي ينام عليها أدما، حشوه ليف.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الرقائق ((6456))، ومسلم في اللباس ((38): (2082)) كلاهما من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..• عن عائشة قالت: كان وسادة رسول اللَّه ? التي يتكئ عليها من أدم حشوها ليف.
صحيح: رواه مسلم في اللباس والزينة ((37): (2082)) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
…………………………..• عن عائشة أنها قالت: يا ابن أختي، كان شعر رسول اللَّه ? فوق الوفْرة ودون الجُمّة، وايم اللَّه يا ابن أختي، إن كان ليمُرّ على آل محمد ? الشهر ما يوقد في بيت رسول اللَّه ? من نار إلا أن يكون اللحيم، وما هو إلا الأسودان. الماء والتمر، إلا أن حولنا أهل دور من الأنصار -جزاهم اللَّه خيرًا في الحديث والقديم- فكل يوم يبعثون إلى رسول اللَّه ? بغزيرة شاتهم -يعني: فينال رسول اللَّه ? من ذلك اللبن- ولقد توفّي رسول اللَّه ? وما في رفّي من طعام يأكله ذو كبد إلا قريب من شطْر شعير، فأكلت منه حتى طال علي لا يفنى، فكِلته ففَني، فليتني لم أكن كِلته، وايم اللَّه لئن كان ضِجاعه من أدم حشوه ليف.
حسن: رواه أحمد ((24768)) عن سُريج، حدّثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد فإنه حسن الحديث.
وأكثر فقرات الحديث في الصحيحين لكن لا يوجد بهذا السياق الطويل.قال محققو المسند 24768:
حديث صحيح، ابن أبي الزناد: وهو عبد الرحمن حسن الحديث وقد توبع، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير سريج – وهو ابن النعمان – فمن رجال البخاري.
وأخرجه ابن عدي في “الكامل” 4/ 1586 من طريق داود بن عمرو، عن ابن أبي الزناد، بهذا الإسناد.
وقد سلف برقم (24672)، وإسناده صحيح.
………………………….. - عن عائشة قالت: لقد كان يأتي على آل محمد الشهر، ما يرى في بيتٍ من بيوته الدّخان، قلت: يا أمّهْ، وما كان طعامهم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، غير أنه كان له جيران صدْق من الأنصار، وكان لهم ربائب، فكانوا يبعثون إليه من ألبانها.
حسن: رواه ابن ماجه ((4145))، وأحمد ((25491)) كلاهما من طريق يزيد بن هارون، حدّثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو وهو ابن علقمة فإنه حسن الحديث.قوله: «وكان لهم ربائب»: واحدها: ربيبة وهي الغنم التي تكون في البيت وليست بسائمة. وفي معناه ما روي عن أبي هريرة قال: كان يمرّ بآل الرسول ? هلال، ثم هلال، لا يوقد في شيء من بيوتهم النار، لا لخبز، ولا لطبيخ، فقالوا: بأيّ شيء كانوا يعيشون با أبا هريرة؟ قال: الأسودان: التمر والماء، وكان لهم جيران من الأنصار، جزاهم اللَّه خيرًا، لهم منائح، يُرسلون إليهم شيئًا من لبن.
رواه أحمد ((9249)) عن خلف (هو ابن الوليد)، حدّثنا أبو معشر، عن سعيد (هو ابن أبي سعيد المقبري)، عن أبي هريرة قال: فذكره.
وأبو معشر هو: نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف الحديث. والمعروف أن الحديث حديث عائشة فلعل الخطأ من أبي معشر فإنه أسن واختلط.تحقيق الألباني: حسن صحيح. ابن ماجه 4145
قال محققو المسند:
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن عمرو، وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه ابن ماجه (4145) من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وسيكرر برقم (26004) سندا ومتنا.
………………………….. - عن عُليّ بن رباح قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول اللَّه ? يَزهد فيه: أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول اللَّه ? يزهد فيها، واللَّه ما أتت على رسول اللَّه ? ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر ممّا له، قال: فقال له بعض أصحاب رسول اللَّه ?: قد رأينا رسول اللَّه ? يستسلف.
صحيح: رواه أحمد ((17817)) عن يحيى بن إسحاق -هو السيلحيني-، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عُليّ بن رباح قال: فذكره. وإسناده صحيح.
ورواه أحمد ((17773)) عن عبد اللَّه بن يزيد قال: حدّثنا موسى (هو ابن عُليّ بن رباح) قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر يقول: ما أبْعَد هَدْيكم من هَدْي نبيّكم ?، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها. وإسناده صحيح.الصحيح المسند 1011
قال محققو المسند 17817:
إسناده صحيح على شرط مسلم. يحيى بن إسحاق: هو السيلحيني.
وأخرجه ابن عبد الحكم في “فتوح مصر” ص250 عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضا ص250 عن النضر بن عبد الجبار، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به.
وسلف أوله برقم (17773) من طريق موسى بن علي بن رباح، عن أبيه.
وفي باب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسلف انظر “صحيح مسلم” (1600) و (1601).
…………………………..
• عن عُليّ بن رباح قال: كنت عند عمرو بن العاص بالإسكَنْدريّة، فذكروا ما هم فيه من العيش، فقال رجل من الصحابة: لقد توفي رسول اللَّه ? وما شبع أهله من الخبز الغَليث.
قال موسى: يعني الشعير والسُّلت إذا خلطا.
صحيح: رواه أحمد ((17772)) عن عبد اللَّه بن يزيد قال: حدّثنا موسى -هو ابن عُليّ بن رباح- قال: سمعت أبي يقول: فذكره. وإسناده صحيح.الصحيح المسند 1501
زقال محققو المسند 17773:
إسناده صحيح على شرط مسلم.
………………………….. - عن أمّ سلمة قالت: أكثر ما علمت أُتيَ به نبيّ اللَّه من المال لخريطةٌ، فيها ثمان مئة درهم.
حسن: رواه أحمد ((26573))، والطبراني في الكبير ((23) / (299)) كلاهما من طريق بكر بن مضر، حدّثنا موسى بن جبير، عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة، فذكرته.
وإسناده حسن من أجل موسى بن جبير الأنصاري، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في ثقاته وعرفه أبو سعيد بن يونس.
ورواه الطبراني في الكبير ((23) / (414) – (415)) من طريق عمرو بن الحارث، عن موسى بن جبير به. وزاد فيه قصةً، إلا أن في بعض ألفاظها غرابة.
حسنه محققو المسند 26573
…………………………..
• عن النعمان بن بشير قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم ? وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه.
زاد في رواية: وما ترضون دون ألوان التمر والزبد.
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقائق ((2977)) من طرق عن أبي الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، فذكره.
ورواه من طريق زهير، عن سماك عنه نحوه، وزاد الزيادة المذكورة.
وقوله: «الدقل» التمر الرديء.
…………………………..• عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان يخطب قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول اللَّه ? يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه.
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقاق ((2978)) من طرق عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سماك بن حرب، فذكره.
…………………………..
• عن قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك، وخبازه قائم وقال: كلوا فما أعلم النبي ? رأى رغيفا مرققا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط.
صحيح: رواه البخاريّ في الرقاق ((6457)) عن هدبة بن خالد، حدّثنا همام بن يحيى، حدّثنا قتادة، فذكره.
…………………………..
• عن أنس قال: لم يأكل النبي ? على خوانٍ حتى مات، وما أكل خبزًا مرققا حتى مات.
صحيح: رواه البخاريّ في الرقاق ((6450)) عن أبي معمر، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، فذكره.
…………………………..
• عن أنس، أن فاطمة جاءت بكسرة خبز إلى النبي ? فقال: «ما هذه الكسرة يا فاطمة؟» قالت: قرص خبزتهن فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة، فقال: «أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام».
حسن: رواه ابن سعد في الطبقات ((1) / (400))، والطبراني في الكبير ((1) / (232)) كلاهما من طريق هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي، أخبرنا أبو هاشم صاحب الزعفران، أخبرنا محمد ابن عبد اللَّه أن أنس بن مالك حدثه، فذكره.
وإسناده حسن من أجل أبي هاشم -واسمه: عمار بن عمارة- ومحمد بن عبد اللَّه بن أبي سليم فإنهما حسنا الحديث.
ورواه أحمد ((13223)) عن عبد الصمد (هو ابن عبد الوارث)، حدّثنا عمار أبو هاشم صاحب الزعفران، عن أنس بن مالك، فذكر نحوه.
وإسناده منقطع لأن عمار بن عمارة لم يسمع من أنس.
ضعيف. الضعيفة 4873.
…………………………..
• عن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه ? النقيَّ؟ فقال سهل: ما رأى رسول اللَّه ? النقيّ من حين ابتعثه اللَّه عزوجل حتى قبضه اللَّه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه ? مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه ? منخلًا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطيرُ ما طار، وما بقي ثرّيناه فأكلناه.
صحيح: رواه البخاريّ في الأطعمة ((5413)) عن قتيبة بن سعيد، حدّثنا يعقوب، عن أبي حازم قال: فذكره.
قوله: «النقي» أي خبز الدقيق النظيف الأبيض.
وقوله: «مناخل» جمع منخل وهي أداة يغربل ويصفى فيها البر والشعير ونحوهما، والشيء المتبقي بعد التنقية والتصفية هو النُّخالة.
…………………………..
- عن أبي أمامة قال: ما كان يفضل عن أهل بيت النبي ? خبز الشعير.
صحيح: رواه الترمذيّ في جامعه ((2359))، وفي الشمائل ((144))، وأحمد ((22244)) كلاهما من طريق حريز بن عثمان (هو الرحبي)، عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره. وإسناده صحيح.
قال الترمذيّ: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه».
الصحيح المسند 491قال محققو المسند 22184:
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، أبو غالب البصري نزيل أصبهان -واسمه: حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع- اختلفوا فيه، وهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، وسيأتي دون ذكر أبي غالب هذا في إسناده في الرواية (22244) و (22296)، وفيها تصريح سليم بن عامر -وهو الخبائري
الحمصي- بسماعه من أبي أمامة، وهو ثقة معروف بالرواية عن أبي أمامة، ولا يعرف بتدليس، فيكون الإسناد صحيحا متصلا، وإن صح أبو غالب في هذا الإسناد، فهو من المزيد في متصل الأسانيد. حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور، وحريز: هو ابن عثمان الرحبي.
وهو في “الزهد” للمصنف ص 30 بإسناده ومتنه إلا أنه ليس في إسناده أبو غالب.
وفي الباب عن عائشة، سيأتي في مسندها برقم (25224)، ولفظه: ما شبع آل محمد ثلاثا من خبز بر حتى قبض، وما رفع من مائدته كسرة قط حتى قبض.
وعن أبي هريرة عند البخاري (5414)، وفيه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع من الخبز الشعير.
…………………………..
• عن أنس قال: كان رسول اللَّه ? لم يدّخر شيئًا لغدٍ.
حسن: رواه الترمذيّ ((2362))، وابن حبان ((6356))، والبيهقي في شعب الإيمان ((1391)) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل جعفر بن سليمان هو الضبعي فإنه حسن الحديث.
وأما الترمذيّ فقد أعله بالإرسال فقال: «هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن جعفر ابن سليمان، عن ثابت، عن النبي ? مرسلا» اهـ
قلت: وهذا الإرسال لا يضر لأن قتيبة بن سعيد الثقفي من الثقات الأثبات، وقد توبع على الوصل.
رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي ? ((824)) من طريق قيس بن حفص، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس مثله.
وقيس بن حفص هو التميمي الدارمي وهو أيضًا من الثقات، فهذا يقوّي جانب الوصل.
ولم أقف على الإسناد المرسل، ولم يذكره الترمذيّ أيضًا فالحكم للوصل.
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي رواه البخاري ((2904))، ومسلم في الجهاد ((1757): (48)) وفيه: «أن أموال بني النضير كانت لرسول اللَّه ? خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل اللَّه».
لأن قول أنس كان قبل الفتوحات وكان للمسلمين حاجة إلى الأكل والشرب، فكان النبي ? ينفق عليهم ما كان في يده، ولا يدّخر منه شيئًا، وأما بعد الفتوحات فاستغنى المسلمون ووسّع اللَّهُ عليهم من الدنيا فجعل النبي ? يدّخر قوت أزواجه ما يكفيهم لمدة سنة.
تحقيق الألباني:
صحيح، ابن ماجة (2362)
…………………………..
• عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: في حديث اعتزال النبي ? نساءه -الطويل-: وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا مضبورًا، وعند رأسه أهبًا معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنب رسول اللَّه ?، فبكيت فقال: «ما يبكيك؟». فقلت: يا رسول اللَّه، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه ?: “أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة».
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير ((4913)) ومسلم في الطلاق ((1479): (31)) كلاهما من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى، أخبرني عبيد بن حنين، أنه سمع عبد اللَّه بن عباس، يحدِّث، قال: فذكره، والسياق لمسلم. والحديث بطوله مذكور في تفسير سورة التحريم.
قوله: «من أدم» هو جلد مدبوغ جمع أديم.
وقوله: «مضبورًا» مجموعا.
وقوله: «أهبا معلقة» أهب جمع إهاب هو الجلد قبل الدباغ. وقيل: الجلد مطلقا.
…………………………..
• عن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول اللَّه ?، وهو مضطجع على سرير مرمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر فانحرف رسول اللَّه ? انحرافة، فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثر الشريط بجنب النبي ?، فبكى عمر، فقال له النبي ?: «ما يبكيك يا عمر؟» قال: واللَّه ما أبكي إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على اللَّه من كسرى، وقيصر، وهما يعيثان في الدنيا فيما يعيثان فيه، وأنت يا رسول اللَّه، بالمكان الذي أرى. فقال النبي ?: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» قال عمر: بلى، قال: «فإنه كذاك»
حسن: رواه أحمد ((12417))، وابن حبان ((6362))، والبخاري في الأدب المفرد ((1163)) كلهم من طريق مبارك بن فضالة، حدّثنا الحسن (هو البصري)، حدّثنا أنس بن مالك، فذكره.
وإسناده حسن من أجل مبارك بن فضالة فإنه حسن الحديث إذا صرّحَ.
وتصريح مبارك بن فضالة والحسن جاء عند البخاري في الأدب المفرد.
البخاري 4913 من حديث ابن عباس
وحديث أنس قال عنه محققو المسند 12417:
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل مبارك -وهو ابن فضالة- وهو وإن كان مدلسا، قد صرح بالتحديث في بعض مصادر التخريج.
وهو في “الزهد” للمصنف ص399، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري في “الأدب” (1163)، وابن أبي عاصم في “الزهد” (223)، وأبو يعلى (2782) و (2783)، وابن حبان (6362)، وأبو الشيخ في
“أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم” ص162 – 163 و163، والبيهقي في “دلائل النبوة” 1/ 337، والذهبي في “ميزان الاعتدال” 2/ 637 من طرق عن المبارك بن فضالة، به.
وقال الذهبي: إسناده صالح.
وفي الباب عن عمر، سلف برقم (222).
وانظر حديث ابن عباس السالف برقم (2744).
وحديث ابن مسعود (3709).
…………………………..
• عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه ? لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف.
صحيح: رواه الترمذيّ في الشمائل ((139))، وأحمد ((13859))، وأبو يعلى ((3108))، وصحّحه ابن حبان ((6359)) كلهم من طريق عفان بن مسلم، حدّثنا أبان بن يزيد، حدّثنا قتادة، عن أنس قال: فذكره. وإسناده صحيح.
وقال الهيثمي في المجمع ((5) / (15)): «رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح».
قوله: «ضفف» بفتح الضاد والفاء: الضيق والشدة.
وقيل: اجتماع الناس أي مع الضيوف.
الصحيح المسند 87
وصححه الألباني في مختصر الشمائل 117
قال محققو المسند 13859:
إسناده صحيح على شرط مسلم. رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبان ابن يزيد العطار، فقد روى له البخاري تعليقا، واحتج به مسلم.
وأخرجه الترمذي في “الشمائل ” (138)، وأبو يعلى (3108)، وابن حبان (6359) من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن سعد في “الطبقات ” 1/ 404، والبيهقي في “الشعب ” (1462) من طريق مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد، به.
وأخرجه أبو الشيخ في “أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ” ص 278 من طريق عبد الوارث بن
سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، به- دون قوله: من خبز ولحم.
وأخرجه المصنف في “الزهد” ص 9، وأبو عبيد في “غريب الحديث ” 1/ 346 من طريق مالك بن دينار، عن الحسن، مرسلا. ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشبع من الخبز واللحم إلا على ضفف.
…………………………..
- عن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول اللَّه ? الجوعَ، ورفعنا عن بطوننا عن حجرٍ حجرٍ، فرفع رسول اللَّه ? عن بطنه حجرين.
حسن: رواه الترمذيّ في الجامع ((2371))، وفي الشمائل ((134))، وأبو الشيخ في أخلاق النبي ? ((223)) كلاهما من طريق عبد اللَّه بن أبي زياد، قال: حدّثنا سيار بن حاتم، عن سهل بن أسلم، عن يزيد بن أبي منصور، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: فذكره.
وقال الترمذيّ: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه». وقال في الشمائل: «هذا حديث غريب من حديث أبي طلحة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه».
وهو كما قال، فإني لم أجدْ لحديث أبي طلحة إسنادًا آخر، وإسناده حسن من أجل سيار بن حاتم فإنه مختلف فيه غير أنه صدوق في نفسه، أُخِذَ عليه رواية بعض أحاديث الرقاق وقعتْ فيها مناكير، وأما الحديث المذكور فأصله ثابت من حديث جابر في صحيح البخاري ((4101)) وهو مخرج في غزوة الخندق.
حسنه بمجموع طرقه في الصحيحة 1615
…………………………..• عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه ?: «ما أصبح في آل محمد إلا مدٌّ من طعام». أو «ما أصبح في آل محمد مدٌّ من طعام».
حسن: رواه ابن ماجه ((4148)) عن محمد بن يحيى، حدّثنا أبو المغيرة (هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني)، حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه المسعودي، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه، فذكره.
والمسعودي صدوق لكنه اختلط في آخر عمره، ولا يُعرف متى سمع أبو المغيرة منه، لكن المسعودي توبع.
رواه ابن الأعرابي في معجمه ((978))، والحاكم ((1) / (543))، والبيهقي في الدلائل ((6) / (106)) كلهم من طريق مسعر بن كدام، عن علي بن بذيمة به، نحوه.
وأبو عبيدة هو: ابن عبد اللَّه بن مسعود مشهور بكنيته، والراجح أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، لكنْ حديثه هذا له أصول صحيحة فيحمل على أنه سمع بعض أهل بيته، عن ابن مسعود.تحقيق الألباني:
صحيح. ابن ماجه 4148، الصحيحة أيضا 2404
…………………………..
• عن أنس قال: لقد سمعت رسول اللَّه ? يقول: «مما أمسى عند آل محمد ? صاعُ برٍّ، ولا صاعُ حبّ»، وإنّ عنده لتسع نسوةٍ.
وفي لفظ: «ما أصبح لآل محمد ? إلا صاع ولا أمسى» وإنهم لتسعة أبيات.
صحيح: رواه البخاريّ في البيوع ((2069)) من طرق عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس، فذكره.
واللفظ الثاني: رواه في الرهن ((2508)) من طريق هشام، حدّثنا قتادة، به.
…………………
وفي الباب ما روي عن أبي صالح قال: دعي النبي ? إلى طعام فلما فرغ -وقال مرة-: فلما أكلَ، حَمِدَ اللَّهَ، ثم قال: «ما ملأتُ بطني بطعام سخن منذ كذا وكذا».
رواه أحمد في الزهد ((20)) عن وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالح (هو ذكوان السمان)، فذكره. وهذا مرسل.
ووصله ابن ماجه ((4150)) عن سويد بن سعيد، حدّثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
وسويد بن سعيد هو الحدثاني ضعيف، قال البخاري: «سويد بن سعيد فيه نظر، كان أعمى فيلقن ما ليس بحديثه». التاريخ الأوسط ((2) / (262)) ومع ذلك حسّن إسناده ابن حجر في الفتح ((11) / (293))، ولعله حسّنه من أجل شواهده.
حكم الألباني:
5255 – (ضعيف) الضعيفة
…………………………..
• عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء أعرابي إلى النبي ? يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه، وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي، فقال النبي ?: «هلا مع صاحب الحق كنتم؟» ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: «إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك»، فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسول اللَّه، قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت، أوفى اللَّه لك، فقال: «أولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع».
صحيح: رواه ابن ماجه ((2426)) واللفظ له، وابن أبي شيبة ((22543)) وعنه أبو يعلى ((1091)) من طريق محمد بن أبي عبيدة قال: حدثني أبي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: فذكره. وإسناده صحيح.
وقال المنذري في الترغيب ((2) / (611)): «رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح».
ومحمد بن أبي عبيدة هو: محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي، واسم أبي عبيدة: عبد الملك، وكلاهما ثقتان.
وقوله: «غير مُتعْتَعٍ» أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه أو يزعجه.
صحيح. صحيح الترغيب 1818
…………………………..
• عن أنس بن مالك أن أم سليم بعثتْه إلى رسول اللَّه ? بقناع عليه رطب، فجعل يقبض قبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ثم يقبض القبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ثم جلس فأكل بقيته أكْلَ رجل يُعلم أنه يشتهيه.
صحيح: رواه أحمد ((12267))، وأبو يعلى ((2896))، وابن حبان ((695)) كلهم من طرق عن همام (هو ابن يحيى العوذي)، حدّثنا قتادة، عن أنس، فذكره. وإسناده صحيح.
الجامع الكامل في الحديث الصحيح، (12/ 181 – 190)، ثم أورد باب: حرص النبي ? على قسمة ما عنده من مال إلا شيئًا يرصده لدينه.
الصحيح المسند 49
قال محققو المسند 12267:
إسناده صحيح على شرط الشيخين. عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث، وهمام: هو ابن يحيي العوذي.
وأخرجه أبو يعلى (2896)، وابن حبان (695) من طريق هدبة بن خالد، وأبو عوانة في الأطعمة كما في “إتحاف المهرة” 2/ 233 من طريق عمرو بن عاصم، كلاهما عن همام بن يحيي، بهذا الإسناد.
وسيأتي عن عفان بن مسلم، عن همام برقم (13843).
الجامع الكامل في الحديث الصحيح، (12/ 181 – 190)، ثم أورد باب: حرص النبي ? على قسمة ما عنده من مال إلا شيئًا يرصده لدينه.
وللمزيد انظر: البداية والنهاية 8/ 494، الجامع لعلوم الإمام أحمد، الأدب والزهد 20/ 413. وانظر: الجامع الصحيح للوادعي (14) – كتاب الشمائل المحمدية، (22) – زهده في الدنيا، (3/ 386 وما بعدها).
(المسألة الخامسة): حكم التنعم بالحلال:
“في التنعم وزي العجم قال مالك: قال عمر: وإياكم وهذا التنعم وزي العجم.
قال محمد بن رشد: أما التنعم بالحلال فهو حلال وإن كان لا بد من السؤال عنه، قال الله تعالى: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: (8)] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتسألن عن نعيم هذا اليوم في الطعام». الذي كان عمله لهم أبو الهيثم بن التيهان، وقد كان صنع لهم خبزا من شعير، وذبح لهم شاة، واستعذب لهم ماء، لكنه يكره من أجل أنه إذا اعتاد التنعيم فيما رزقه الله من المال قل فعله للخير فيه.
وقد قال عمر بن الخطاب: إياكم واللحم فإن له ضراوة الخمر.
وأدرك جابر بن عبد الله ومعه جمال لحم، فقال ما هذا؟
فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى الفحم فاشتريت بدرهم لحما، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه، أين تذهب هذه الآية؟ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: (20)].
وأما زي العجم فمكروه للتشبه بهم، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «من تشبه بقوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله» وقد جاء في لابسه أنه ملعون، وكذلك سيوفهم وشكلهم وجميع زيهم فهو مثله في اللعنة والكراهة، وروي «عن علي بن أبي طالب أن رسول الله نظر إلى رجل متنكب قوسا فارسية، فقال له يا صاحب القوس ألقها عنك فإنها ملعونة ملعون حاملها، وعليكم بهذه القسي العربية وبها الغنى، فبها يعين الله دينكم ويمكن لكم في البلد» فلا يجوز لأحد لبس شيء من زي العجم في صلاة ولا غيرها، ومن جهل فلبسه في صلاة فقد أساء، ولا إعادة عليه إن كان طاهرا، وبالله التوفيق. [البيان والتحصيل (17) / (377)، لابن رشد الجد (ت (520))].
(المسألة السادسة): إشكال والرد عليه:
الأول:
• عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول اللَّه ? لم يدّخر شيئًا لغدٍ.
حسن: رواه الترمذيّ ((2362))، وابن حبان ((6356))، والبيهقي في شعب الإيمان ((1391)) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل جعفر بن سليمان هو الضبعي فإنه حسن الحديث.
وأما الترمذيّ فقد أعله بالإرسال فقال: «هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن جعفر ابن سليمان، عن ثابت، عن النبي ? مرسلا» اهـ
قلت – وهو الأعظمي -: وهذا الإرسال لا يضر؛ لأن قتيبة بن سعيد الثقفي من الثقات الأثبات، وقد توبع على الوصل.
رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي ? ((824)) من طريق قيس بن حفص، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس مثله.
وقيس بن حفص هو التميمي الدارمي وهو أيضًا من الثقات، فهذا يقوّي جانب الوصل.
ولم أقف على الإسناد المرسل، ولم يذكره الترمذيّ أيضًا فالحكم للوصل.
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي رواه البخاري ((2904))، ومسلم في الجهاد ((1757): (48)) وفيه: «أن أموال بني النضير كانت لرسول اللَّه ? خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل اللَّه».
لأن قول أنس كان قبل الفتوحات وكان للمسلمين حاجة إلى الأكل والشرب، فكان النبي ? ينفق عليهم ما كان في يده، ولا يدّخر منه شيئًا، وأما بعد الفتوحات فاستغنى المسلمون ووسّع اللَّهُ عليهم من الدنيا فجعل النبي ? يدّخر قوت أزواجه ما يكفيهم لمدة سنة. [الجامع الكامل في الحديث الصحيح للأعظمي رحمه الله، (12/ 187)].
وما قاله الطبري رحمه الله: استشكل بعض الناس كون النبي ? وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير، مما أفاء الله عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة، فنحرها، وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم، وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان رضي الله عنه بألف بعير، إلى غير ذلك.
والجواب:
أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز، وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهة الشبع، ولكثرة الأكل. انتهى.
وتعقبه الحافظ، فقال: وما نفاه مطلقا فيه نظر؛ لما تقدم من الأحاديث آنفا، وقد أخرج ابن حبان في «صحيحه» عن عائشة رضي الله عنها: «من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر، فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر، والودك»، وفي رواية عكرمة، عن عائشة: «لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر».
وفي حديث منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها: «توفي رسول الله ? حين شبعنا من التمر».
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «لما فتحت خيبر شبعنا من التمر».
والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة، ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل، والمنائح، فلما فتحت لهم النضير، وما بعدها ردوا عليهم منائحهم.
وقريب من ذلك قوله ?: «لقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة، ما لي ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال»، أخرجه الترمذي، وصححه، وكذا أخرجه ابن حبان بمعناه.
نعم كان ? يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له، كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة: “عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك»، ذكر هذا كله في «الفتح». [«الفتح» (14) / (590) – (591)، «كتاب الرقاق» رقم ((6454))].
والثاني:
قال ابن قتيبة رحمه الله: “ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ادَّعَوْا عَلَيْهَا التَّنَاقُض:
قَالُوا: حَدِيثٌ يُكَذِّبُهُ النَّظَرُ
26 – رَهْنُ دِرْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
قَالُوا: رُوِّيتُمْ “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِأَصْوَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ”.
فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ مُوَاسٍ، وَلَا مُؤْثِرٌ، وَلَا مُقْرِضٌ.
وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ عز وجل الْخَيْرَ، وَفَتَحَ عَلَيْهِمُ الْبِلَادَ، وَجَبَوْا مَا بَيْنَ أَقْصَى الْيَمَنِ إِلَى أَقْصَى الْبَحْرَيْنِ، وَأَقْصَى عُمَانَ، ثُمَّ بَيَاضِ نَجْدٍ وَالْحِجَازِ، وَهَذَا مَعَ أَمْوَالِ الصَّحَابَةِ، كَعُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَأَيْنَ كَانُوا؟
قَالُوا: وَهَذَا كَذِبٌ.
وَقَائِلُهُ أَرَادَ مَدْحَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالزُّهْدِ، وَبِالْفَقْرِ، وَلَيْسَ هَكَذَا تُمْدَحُ الْأَنْبِيَاء.
وَكَيْفَ يَجُوعُ مَنْ يُجَهِّزُ الْجُيُوشَ، وَمَنْ يَسُوقُ الْمِئِينَ مِنَ الْبُدْنِ، وَلَهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِثْلُ “فَدَكٍ” وَغَيْرِهَا؟!!
وَذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: “نَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، كُلَّ بَدَنَةٍ عَنْ سَبْعَةٍ”، وَاسْتَاقَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَكَانَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ سِتِّينَ بَدَنَة.
وَكَيْفَ يَجُوعُ، مَنْ وَقَفَ سَبْعَ حَوَائِطَ مُتَجَاوِرَةٍ بِالْعَالِيَةِ.
ثُمَّ لَا يَجِدُ -مَعَ هَذَا- مِنْ يُقْرِضُهُ أَصْوَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، حَتَّى يَرْهَنَ دِرْعَهُ؟!!
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُسْتَعْظَمُ، بَلْ مَا يُنْكَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْوَالِهِ، وَيُفَرِّقُهَا عَلَى الْمُحِقِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ، وَفِي النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرُدُّ سَائِلًا، وَلَا يُعْطِي إِذَا وَجَدَ إِلَّا كَثِيرًا، وَلَا يَضَعُ دِرْهَمًا فَوْقَ دِرْهَمٍ، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ، أَمِنْ عِلَّةٍ؟ فَقَالَ: “لَا، وَلَكِنَّهَا السَّبْعَةُ الدَّنَانِيرُ، الَّتِي أَتَيْنَا بِهَا أَمْسِ، نَسِيتُهَا فِي خصم الفراس فَبِتُّ وَلَمْ أُقَسِّمْهَا”.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَقُولُ فِي بُكَائِهَا عَلَيْهِ: “بِأَبِي، مَنْ لَمْ يَنَمْ عَلَى الْوَثِيرِ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ”.
وَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُهَا هَذَا، مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ يُؤْثِرُ بِمَا عِنْدَهُ، حَتَّى لَا يَبْقَى عِنْدَهُ مَا يُشْبِعُهُ -وَهَذَا بَعْضُ صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ عز وجل يَقُولُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، أَوْ يَكُونُ لَا يَبْلُغُ الشِّبَعَ مِنَ الشَّعِيرِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ إِفْرَاطَ الشِّبَعِ، وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم، أَوْلَاهُمْ بِالْفَضْلِ، وأحراهم بِالسَّبقِ،
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَنَا الْمُحَبِّرُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ وِعَاءً مُلِئَ شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاجْعَلُوا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا لِلرِّيحِ”.
وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّمَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، مَثَلُ الْمَأْبُورَةِ؟
يُرِيدُ أَكَلَتْ فِي الْعَلَفِ إِبْرَةً، فَهِيَ لَا تَاكُلُ إِذَا أَكَلَتْ فِي الْعَلَفِ إِلَّا قَلِيلًا، وَلَا يَنْجَعُ فِيهَا الْعَلَفُ.
وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي الْجُوَارِشْنِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهِ، وَأَنَا لَمْ أَشْبَعْ مُنْذُ كَذَا؟! يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ يَدَعُ الطَّعَامَ، وَبِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ.
[الجوارشن: هو دَوَاء يسْتَعْمل لعلاج الهضم. مُعرب]
وَقَالَ الْحَسَنُ لِرَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَاكُلُ “كُلْ”. فَقَالَ: قَدْ أَكَلْتُ، فَمَا أَشْتَهِي شَيْئًا.
قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَاكُلُ أَحَدٌ، حَتَّى لَا يَشْتَهِيَ شَيْئًا؟!
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، أَوْ غَيْرُهُ: “لَوَدِدْتُ أَنَّ رِزْقِي فِي حَصَاةٍ أَمُصُّهَا، وَلَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِكَثْرَةِ دُخُولِي إِلَى الْخَلَاءِ”.
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ أَجِدْ طَعْمَ الْعَيْشِ، حَتَّى اسْتَبْدَلْتُ الْخَمْصَ بِالْكِظَّةِ، وَحَتَّى لَمْ أَلْبَسْ مِنْ ثِيَابِي، مَا يَسْتَخْدِمُنِي، وَحَتَّى لَمْ آكُلْ إِلَّا مَا لَا أَغْسِلُ يَدي مِنْهُ.
فَلَمَّا بَكَتْهُ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: “بِأَبِي، مَنْ يَشْبَعُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ”.
وَقَدْ كَانَ يَاكُلُ خُبْزَ الْحِنْطَةِ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ الشِّبَعَ مِنْهُ، إِمَّا لِلْحَالِ الْأُولَى، أَوْ لِلْحَالِ الْأُخْرَى.
فَذَكَرَتْ أَخَسَّ الطَّعَامَيْنِ، وَأَرَادَتْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ، عَلَى خَسَاسَتِهِ فَغَيْرُهُ أَحْرَى أَنْ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: “لَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ بِصِلَاءٍ وَصِنَابٍ وَكَرَاكِرَ وَأَسْنِمَةٍ”.
[الصلاء: الشواء، وَالصِّنَاب: من الْخَرْدَل وَالزَّبِيب، والكراكر: صدد كل ذِي خف.]
وَقَالَ: لَوْ شِئْتُ لَأَمَرَتُ بِفَتِيَّةٍ فَذُبِحَتْ، وَأَمَرْتُ بِدَقِيقٍ فَنُخِلَ، وَأَمَرْتُ بِزَبِيبٍ فَجُعِلَ فِي سَعْنٍ حَتَّى يَصِيرَ كَدَمِ الْغَزَالِ، هَذَا وَأَشْبَاهُهُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِقَوْمٍ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ}.
[الْفتية: الصَّغِير من الدَّوَابّ. السعن: الودك: أَي الدسم.]
وَقَدْ يَاتِي على الْبَخِيل الموسى تَارَاتٌ، لَا يَحْضُرُهُ فِيهَا مَالٌ، وَلَهُ الضَّيْعَةُ وَالْأَثَاثُ وَالدُّيُونُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقْتَرِضَ، وَإِلَى أَنْ يَرْهَنَ.
فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَبْقَى لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَا يَفْضُلُ عَنْ مُوَاسَاتِهِ وَنَوَائِبِهِ -زَادٌ؟!!
وَكَيْفَ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَهْلُ الْيَسَارِ مِنْ صَحَابَتِهِ، بِحَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُمْ، وَلَا يَنْشَطُ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
وَقَدْ نَجِدُ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي أَنْفُسِنَا وَأَشْبَاهِنَا مِنَ النَّاسِ.
وَنَرَى الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إِلَى الشَّيْءِ، فَلَا يَنْشَطُ فِيهِ إِلَى وَلَده، وَلَا إِلَى أَهله وَلَا إِلَى جَاره وَيَبِيعُ الْعَلَقَ وَيَسْتَقْرِضُ مِنَ الْغَرِيبِ وَالْبَعِيدِ.
وَإِنَّمَا رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، لِأَنَّ الْيَهُودَ فِي عَصْرِهِ، كَانُوا يَبِيعُونَ الطَّعَامَ وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ يَبِيعُونَهُ، لِنَهْيِهِ عَنْ الِاحْتِكَارِ.
فَمَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ مِنْ هَذَا، حَتَّى أَظْهَرُوا التَّعَجُّبَ مِنْهُ، وَحَتَّى رَمَى بَعْضُ الْمَرَقَةِ الْأَعْمَشَ بِالْكَذِبِ من أَجله؟!
[العلق: النفيس من كل شَيْء، جمع أعلاق وعلوق. المرقة: الخارجين عَن الدَّين.]
[تأويل مختلف الحديث ص216].
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): بيان ما كان عليه النبي ?، وأهله من قلة المعيشة، فإن العيش عيش الآخرة.
قال القرطبي رحمه الله: أحاديث هذا الباب كلها، وإن اختلفت ألفاظها تدل على أن النبي ? لم يكن يديم الشبع، ولا الترفه في العيش، لا هو، ولا من حوته بيوته، ولا آله، بل كانوا يأكلون ما خشن من المأكل العلق، ويقتصرون منه على ما يسد الرمق، معرضين عن متاع الدنيا، مؤثرين ما يبقى على ما يفنى، ثم لم يزل كذلك حالهم مع إقبال الدنيا عليهم، واجتماعها بحذافيرها لديهم، إلى أن وصلوا إلى ما طلبوا، وظفروا بما فيه رغبوا. انتهى [«المفهم» (7) / (128) – (129)].
2 – (ومنها): بيان ما كان عليه أهل بيت النبي ?، وأصحابه من الصبر على خشونة العيش؛ لأن مقصودهم التخفف من تبعات الدنيا، حتى يصلوا إلى الآخرة، فيدخلوا الجنة قبل غيرهم ممن شغلتهم الدنيا، كما قال ?: «يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم: خمسمائة سنة»، حديث صحيح.
3 – (ومنها): التذكير بفناء الدنيا، العيش بالكفاف يذكر المؤمن أن الدنيا دار عبور، لا مقر.
4 – (ومنها): التواضع والبذاذة من الإيمان، كما جاء في الحديث: “إن البذاذة من الإيمان”.
4 – (ومنها): فضل ترك الترفه اختيارا، يثاب المسلم إذا ترك الترفه تواضعا لله وزهدا في الدنيا.
5 – (ومنها): إظهار القدوة العملية في الزهد، النبي صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأعلى في تحقيق الزهد والابتعاد عن التكلف في العيش.
6 – (ومنها): تحذير من الغفلة بالدنيا، الحديث ينبه إلى خطر التوسع في الدنيا على القلب، وأن الزهد سبيل لرضا الله.
7 – (ومنها): فضيلة الاكتفاء بالكفاف، الاكتفاء بالكفاف يحصن الإنسان من التعلق بالدنيا، ويزيد الاعتماد على الله.
8 – (ومنها): توازن الدين في التعامل مع النعم، لا يمنع الدين من الاستمتاع بالنعم، لكنه يحث على عدم الانغماس في الترف أو جعلها غاية.
تنبيه:
مر مسائل الباب قريبا فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم، (2970 إلى 2979).