[1ج/ رقم (486)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي.
وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (486)]:
قال أبو داود رحمه الله (ج (7) ص (171)): حدَّثنا عبدُ السلام بن عَتيقٍ، حدَّثنا أبو مسهرٍ، حدَّثنا إسماعيلُ بن عبد الله -يعني ابنَ سَمَاعةَ- حدَّثنا الأوزاعيُ، حدَّثني سليمانُ بن حبيب، عن أبي أُمامةَ الباهلي، عن رسولِ الله ? قال: «ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج غازيًا في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله حتى يَتَوفاه فيدخلَه الجنةَ، أو يَرُدَّه بما نال من أجرٍ وغنيمةِ، ورجلٌ راحَ إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله حتى يَتَوفاه فيدخلَه الجنةَ أو يردَّه بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجل دخلَ بيتَه بسلامٍ فهو ضامنٌ على الله عزوجل».
هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص (375)) فقال رحمه الله: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا أبو حفص عثمان بن أبي العاتكة، قال: حدثني سليمان بن حبيب … فذكره.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أخرج الحديث الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه، أول كتاب: الجهاد، (9) – باب: في ركوب البحر في الغزو، ((2494)).
وأما البخاري رحمه الله تعالى فقد أورده في الأدب المفرد، (507) – باب: فضل من دخل بيته بسلام، ((1094)).
وقال الألباني رحمه الله: صحيح – «تخريج المشكاة» ((727))، «صحيح أبي داود» ((2253)): [د: (15) ـ ك الجهاد، (9) ـ ب في ركوب البحر في الغزو، (2494)]
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(4) – كتاب الصلاة، (4) – فضل الذهاب إلى المسجد للصلاة، ((804)).
(13) – كتاب الجهاد والغزوات، (1) – فضل الجهاد في سبيل الله، ((1941)).
(13) – كتاب الجهاد والغزوات، (77) – الغزو في سبيل الله، ((2049)).
(32) – كتاب الأدب، (49) – السلام عند دخول البيت، ((3559)).
وقال محققو السنن – دار الرسالة العالمية – (4/ 150): ” إسناده صحيح.
أبو مسهر: هو عبد الأعلى بن مُسهر الدمشقي، والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو، وأبو أمامة الباهلي: اسمه صُدَيُّ بن عجلان.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الجهاد» ((51))، والطبراني في «الكبير» ((7491))، وفي «الأوسط» ((3094))، وفي «مسند الشاميين» ((1596))، والحاكم (2) / (73)، والبيهقي (9) / (166) من طريق الأوزاعي، به، وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ((1094))، وابن حبان ((499)) من طريق عثمان بن أبي العاتكة، والطبراني في «الكبير» ((7493)) من طريق كلثوم بن زياد مولى سليمان بن حبيب، كلاهما عن سليمان بن حبيب، به.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ((7579))، وفي «مسند الشاميين» ((1541)) و ((3413)) من طريق مكحول، عن أبي أمامة الباهلي.
وفي الباب عن معاذ بن جبل عند أحمد ((22093))، وابن حبان ((372)) وهو حديث حسن.
ولضمان المجاهد على الله شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري ((36))، ومسلم ((1876))، وابن ماجه ((2753))، والنسائي ((3122)) و ((3123)).
ومن حديث أنس بن مالك عند الترمذي ((1714)) وهو حديث صحيح.
ومن حديث ابن عمر عند النسائي ((3126))، ورجاله ثقات”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، أن النبي ? قال: [(ثلاثة كلهم ضامن على الله)]. أي: كل واحد منهم مضمون له الأجر والثواب، وهذا فيه تأكد حصول هذا الثواب. قاله الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله.
وقال السندي رحمه الله تعالى في قوله: «كلهم ضامن» أي: ذو ضمان، وقياد: أي: مضمون على أنَّه فاعل بمعنى مفعول، وإفراده لمراعاة لفظ كل، وقيل: لتأويله بمعنى كل واحد منهم، والمعنى: أن ما لهم من الأجر في ضمان الله كالواجب على الضامن، فلا يفوته أصلًا، وهذا تعظيم لأمره وإلا فكل ما وعده الله على عمل فهو كذلك. [فتح الودود في شرح سنن أبي داود، (3/ 17 – 18)].
وقال النووي رحمه الله تعالى: “ومعنى «ضامن على الله تعالى»: أي صاحب ضمان، والضمان: الرعاية للشئ، كما يقال: تَامِرٌ، ولاَبنٌ: أي صاحب تمر ولبن.
فمعناه: أنه في رعاية الله تعالى، وما أجزل هذه العطية، اللهمَّ ارزقناها”. [الأذكار للنووي، ((1) / (24))].
وقوله: [(رجل خرج غازيًا في سبيل الله، وهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة)]، أي: أنه إذا خرج في سبيل الله فهو إما أن يحصل موتًا فيكون من أهل الجنة بسبب كونه قتل في سبيل الله، أو يرجع منتصرًا محصلًا أجرًا وثوابًا عند الله وغنيمة من الغنائم والثواب المعجل في الدنيا، والغنائم هي أحسن المكاسب وأفضل المكاسب، ولهذا كانت قوت النبي ?، ولهذا جاء في الحديث عن النبي ? أنه قال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) وهو جزء من حديث طويل يقول فيه: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك الله، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وهذا حديث عظيم شرحه ابن رجب في جزء لطيف مطبوع باسم (الحكم الجديرة بالإشاعة في شرح حديث بعثت بين يدي الساعة)، ومنه قوله: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، أي: من الغنائم. قاله الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى.
قوله: [(ورجل خرج إلى المسجد، وهو ضامن على الله إن مات أن يدخله الجنة أو يرجع بما نال من أجر أو غنيمة)] أي: إن مات فقد مات في سبيل الله؛ لأنه خرج لعبادة الله ولطاعة الله، وإن رجع فهو محصل أجرًا وغنيمة في الآخرة، وإن حصل له رزق بسبب هذا العمل الصالح فهو من الثواب المعجل الذي يحصله في الدنيا قبل الآخرة. قاله الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى.
وقال السندي رحمه الله تعالى في قوله: «من أجر وغنيمة» أي: إن كانت، وإلا فبأجر فقط، والغنيمة للمصلي ما يتفق له أحيانًا من الفتوح في المسجد أو الطريق. [فتح الودود في شرح سنن أبي داود، (3/ 18)].
وقوله: [(ورجل دخل بيته بسلام)].
وقال السندي رحمه الله تعالى في قوله: «بسلام» أي: سلم حين دخل؛ لقوله تعالى: {فَإذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أو أنَّه لزم بيته ليسلم من الفتن، فهو ترغيب في العزلة وأمر بالإقلال من الخلطة. [فتح الودود في شرح سنن أبي داود، (3/ 18)].
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى:
“هذا يحتمل: أنه إذا دخل بيته يسلم،
ويحتمل: أنه دخل بيته وكفى الناس شره، وأنه سلم من الناس وسلموا منه، وذلك في عدم اختلاطه بالناس الاختلاط الذي يؤدي إلى حصول ضرر منه أو عليه،
ويحتمل: أن يكون المقصود أنه قد سلم في خروجه من أن يحصل إثمًا وأن يكتسب إثمًا، بل قد يكون حصل خيرًا وثوابًا إذا كان خروجه لم يحصل فيه ضرر عليه وعلى غيره، كل هذه الاحتمالات ممكنة”. [شرح سنن أبي داود للعباد].
“وهذا عند ظهور الفتن وخشية المسلم على دينه، أما مع الأمن من ذلك فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويدعوهم إلى الله أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، والله أعلم”.
والثالث: المسائل والأحكام:
“اللهُ سبحانه وتعالى أكرمُ الأكرَمين، وهو يُعْطي عِبادَه مِن خَزائنِ رَحمتِه ما شاء، وقد بشَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم بعضَ الأصنافِ مِن النَّاسِ ببُشرَياتٍ مِن اللهِ تعالى، وهذه البُشريَاتُ مُتنوِّعةٌ”.
(المسألة الأولى): تنبيهات
الأول:
“وردت في هذا الكتاب بعض الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل الأعمال التي تُقرب إلى الله، وتكون سببًا للرغبة في العمل، وإحسانه، والحرص عليه، والإكثار منه، والتنافس فيه، والتلذذ به.
فَذِكْرُ كل عمل مع بيان فضيلته يُولِّد في النفس الرغبة والشوق للعمل، ويبعث النشاط في الروح والبدن، ويطرد العجز والكسل، ويحرك الجوارح للطاعة والعبادة.
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ((25))} [البقرة/ (25)] “.
الثاني:
لابد من معرفة الأحكام والمسائل المتعلقة بالعبادة قبل الشروع فيه، ولا يكتفى بذكر الفضائل؛ حتى لا يقع العبد بما يخالف الشرع من حديث لا يشعر، كمن يذهب ويذكر فضائل الجهاد ويشجع الناس على ذلك، ولا يذكر لهم أحكام وضوابط وشورط هذه العبادة الجليلة – كما هي عادة أهل الأحزاب في هذه الأيام -، فوقعوا فيما يخالف الشرع من إخلال الشروط، بل وشوهوا صورة الإسلام، واستغل ذلك أعداء الإسلام.
وشرطي قبول العبادة عموما:
1) الإخلاص لله تعالى.
2) المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك العبادة.
الثالث: الفضائل المترتبة على هؤلاء الثلاثة:
بيان كيف أن الله يضمن لأصحاب هذه الأعمال أحد أمرين: إما الجنة إذا قبضهم على عملهم، أو الأجر والمغنم إذا عادوا سالمين.
وتوضيح أن هذا الضمان يعكس مدى اهتمام الإسلام بمجالات الخير سواء كان جهادا، صلاة، أو إقامة الأمان في البيوت.
الرابع: أهمية الأعمال المذكورة في الإسلام:
الجهاد في سبيل الله: بيان مكانته وأجره، وكيف يعد من أعظم القربات إلى الله.
الصلاة في المساجد: توضيح فضل المحافظة على الصلاة جماعة في المساجد وفضائل ذلك.
السلام في البيوت: التأكيد على أهمية إدخال السلام والأمان على أهل البيت، وربط ذلك بفضل حفظ الله لمن يجعل بيته دار أمن وسكينة.
الخامس: وجه الدلالة على مقاصد الشريعة من هذا الحديث:
الحديث يعكس مقاصد الشريعة في ضمان الأمان والعناية الإلهية بالمسلم في ميادين مختلفة من حياته.
ويعزز الحديث من أهمية النية الصالحة في جميع هذه الأعمال، وأنها سبب في نيل الضمان من الله عزوجل.
(المسألة الثانية): بيان فضل الذهاب إلى المساجد:
أولا: الصلاة ركن من أركان الإسلام وعموده، وفي حديث جبريل عليه السلام الطويل ما سئل عن الإسلام، وذكر من ذلك الصلاة.
ثانيا: صفة الصلاة:
1) شروط الصلاة شروط الصلاة، وهي تسعة:
الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية.
2) أركان الصلاة أركان الصلاة، وهي أربعة عشر:
القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال بعد الركوع، والسجود على الأعضاء السبعة، والرفع منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي ?، والتسليمتان.
3) واجبات الصلاة واجبات الصلاة، وهي ثمانية:
جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول: (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد، وقول: (ربنا ولك الحمد) للكل، وقول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، وقول: (رب اغفر لي) بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له. [الدروس المهمة لعامة الأمة لابن باز (ت (1420)) رحمه الله تعالى، (12 – 21)، وذكر فيه أيضًا ما يتعلق بباقي أمور الصلاة والطهارة، ومبطلاته].
ثالثًا: “فضل المشي إلى صلاة الجماعة:
المشي لأداء الصلاة جماعة من أعظم الطاعات، وقد ثبت في ذلك فضائل عظيمة كثيرة، منها:
(1) – شديد الحب لصلاة الجماعة بالمسجد في ظل الله يوم القيامة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? أنه قال: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه». وفي لفظ لمسلم: «ورجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه».
قال النووي رحمه الله في شرح قوله ?: «ورجل قلبه معلق في المساجد»، ومعناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد». [شرح النووي على صحيح مسلم، (7) / (126)]. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «معلق في المساجد» هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق، كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد، كالقنديل مثلًا، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي: «كأنما قلبه معلق في المسجد»، ويحتمل أن يكون من العلاقة: وهي شدة الحب. ويدل عليه رواية أحمد: «معلق بالمساجد». [فتح الباري لابن حجر، (2) / (145)].
(2) – المشي إلى صلاة الجماعة ترفع به الدرجات، وتحط الخطايا، وتكتب الحسنات؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: «وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة … » [مسلم، برقم (654)]؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه وفيه: « … وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رُفِعَ له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة … » [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته: إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة» [مسلم، برقم (666)].
قال القرطبي رحمه الله: «قال الداودي: إن كانت له ذنوب حطت عنه، وإلا رفعت له بها درجات، قلت: وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة درجة واحدة، إما الحطُّ وإما الرفعُ، وقال غيره: بل الحاصل بالخطوة الواحدة: ثلاثة أشياء؛ لقوله في الحديث الآخر: «كتب الله له بكل خطوة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة» والله أعلم انتهى [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، (2) / (290)].
وقال عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ر حمه الله، يقول: «كل خطوة واحدة: يرفع بها درجة، وتحط عنه بها خطيئة، وتكتب له حسنة، وهذه الزيادة الأخيرة «الحسنة» في مسلم عن ابن مسعود، وإذا صحت رواية إحداهما يرفع بها درجة، والأخرى يحط عنه بها خطيئة، فتكون هذه الرواية أولًا ثم تفضل الله بالزيادة، فجعل بكل خطوة واحدة ثلاث فضائل: رفع درجة، وحط خطيئة، وكتب حسنة» [تقريره على صحيح البخاري على الحديث رقم (2119)].
(3) – يكتب له المشي إلى بيته كما كتب له المشي إلى الصلاة، إذا احتسب ذلك؛ لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله ?: «قد جمع الله لك ذلك كله». وفي لفظ: «إن لك ما احتسبت» [مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد، برقم (663)].
قال النووي رحمه الله: «فيه إثبات الثواب في الخُطا في الرجوع كما يثبت في الذهاب» [شرح النووي على صحيح مسلم، (5) / (174)].
وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام» [متفق عليه].
وعن جابر رضي الله عنه، قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله ?، فقال لهم: «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» قالوا: نعم، يا رسول الله، قد أردنا، فقال: «يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» [متفق عليه].
(4) – المشي إلى صلاة الجماعة تمحى به الخطايا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» [مسلم، برقم (251)].
محو الخطايا: كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلًا على غفرانها، ورفع الدرجات: أعلى المنازل في الجنة، وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره: تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك، وكثرة الخطا: تكون ببعد الدار وكثرة التكرار [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (3) / (143)].
(5) – المشي إلى صلاة الجماعة بعد إسباغ الوضوء تغفر به الذنوب؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ? يقول: «من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد غفر الله له ذنوبه» [مسلم، برقم (232)].
(6) – إعداد الله تعالى الضيافة في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح كلما غدا أو راح؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلًا كلما غدا أو راح» [متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد أو راح، برقم (662)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، برقم (669)].
وأصل «غدا» خرج بِغَدْوٍ، أي: أتى مبكرًا، وراح: رجع بعشيٍّ، ثم قد يستعملان في الخروج والرجوع مطلقًا توسعًا، و «أعد» هيأ، و «النزل» ما يهيأ للضيف من الكرامة عند قدومه، ويكون ذلك بكل غدوة أو روحة [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، (2) / (294)، وشرح النووي على صحيح مسلم، (5) / (176)]، وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من قام بهذا الغدو والرواح، تعد له في الجنة ضيافة بذهابه، وضيافة برجوعه.
(7) – من ذهب إلى صلاة الجماعة فسُبق بها وهو من أهلها فله مثل أجر من حضرها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي ?: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عزوجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا» [أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها، برقم (564)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1) / (113)].
(8) – من تطهر وخرج إلى صلاة الجماعة فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل: هكذا».
وشبك بين أصابعه [ابن خزيمة، (1) / (229)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، (1) / (206)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1) / (118)].
(9) – أجر من خرج إلى صلاة الجماعة متطهرًا كأجر الحاج المحرم؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم» [أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، برقم (558)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1) / (111)، وفي صحيح الترغيب والترهيب، (1) / (127)].
(10) – الخارج إلى صلاة الجماعة ضامن على الله تعالى؛ لحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله ? قال: «ثلاثة كلهم ضامن على الله عزوجل: …..
(11) – اختصام الملأ الأعلى في المشي على الأقدام إلى صلاة الجماعة؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ?، وفيه: أن الله تعالى قال للنبي ? في المنام: « … يا محمد هل تدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات: المكث في المسجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه … » [سنن الترمذي، كتاب التفسير، سورة ص، برقم (3233)، ورقم (3234)، وله شاهد من حديث معاذ رضي الله عنه عند الترمذي، برقم (3235)، وصححهما الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3) / (98) – (99)].
(12) – المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة؛ لقوله ? في هذا الحديث: «فمن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير»، ولقول الله تعالى [انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، (9) / (104)]: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
(13) – المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب تكفير الخطايا؛ لقوله ? في الحديث السابق: «وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه».
(14) – إكرام الله تعالى لزائر المسجد؛ لحديث سلمان رضي الله عنه، عن النبي ? قال: «من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحقٌ على المزُور أن يكرم الزائر» [الطبراني في المعجم الكبير، (6) / (253)، برقم (6139)، (6145)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد،
(2) / (31): «رواه الطبراني في الكبير، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، (13) / (319)، برقم (16465)].
وعن عمرو بن ميمون رضي الله عنه، قال: أدركت أصحاب رسول الله ? وهم يقولون: «المساجد بيوت الله وإنه حق على الله أن يكرم من زاره» [أخرجه بإسناده ابن جرير في جامع البيان، (19) / (189)]، وفي لفظ عن عمرو بن ميمون عن عمر رحمه الله، قال: «المساجد بيوت الله في الأرض وحق على المزور أن يكرم زائره». [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، (13) / (318)، برقم (16463)].
(15) – فَرَحُ الله تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضيًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «لا يتوضأ أحد فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته» [ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة في الصلاة، باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضيًا، (2) / (374)، برقم (1491)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،
(1) / (123)، برقم (301)]. وقد بوَّب الإمام ابن خزيمة على هذا الحديث بقوله: «باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضيًا» [صحيح ابن خزيمة، (2) / (347)].
وجميع صفات الله تعالى تثبت له على الوجه اللائق به عزوجل.
(16) – النور التام يوم القيامة لمن مشى في الظلم إلى المساجد؛ لحديث بريدة رضي الله عنه، عن النبي ? أنه قال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [أبو داود، برقم (561)، والترمذي، برقم (223)، وتقدم تخريجه في فضل الصلاة]، [صلاة المؤمن للقحطاني، (1/ 532 – 539)، بتصرف يسير].
(المسألة الثالثة): توضيح أهمية السلام عند دخول البيت، وأنه رمز للسلم والأمان في الإسلام:
أولا: قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
“فالسلام تقدم أنه قربة وسنة ومشروع للمسلمين رجالًا ونساءً؛ لما فيه من المصالح الكثيرة، وجلب المودة والتآلف، والحذر من الشحناء والتباغض؛ ولهذا حرم على المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام؛ لما في الهجر من العواقب الوخيمة؛ ولما في السلام من الفائدة والمصلحة والأُلفة والمحبة”. [شرح رياض الصالحين، للإمام ابن باز رحمه الله، 31 من حديث (جاء رجل إلى النبي ? فقال السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي ? عشر .. )].
ثانيًا: فصل فيما يقال عند دخول المنزل:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله ? يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء» رواه مسلم.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله» خرجه أبو داود بإسناد حسن. [تحفة الأخيار للشيخ ابن باز رحمه الله، ص (27 – 28)].
وقد سبق ذكر ما يتعلق بأحكام السلام ومسائله في التعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (2/ 1403، 1414).
ثالثًا: فضل السلام:
1 – عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه.
2 – وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم.
3 – وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ قَدِمَ رَسُولُ قَدِمَ رَسُولُ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بوَجْهِ كَذابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلاَمٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه.
وحديث الباب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “يقول: ((يا أيها الناس أفشوا السلام))، يعني: أظهروا وأعلنوا وأكثروا من السلام، والسلام يخاطب به المسلم والسلم عليه، فإن المسلم ينبغي له أن يسلم كل من لاقاه ممن يستحق أن يسلم عليه، سواء عرفه، أو لم يعرفه.
والذي يستحق أن يسلم عليه هو المسلم الذي لا يحل هجره، أمام الكافر فلا تبدأه بالسلام سواء كان كافرا لا ينتسب للإسلام، أو كان كافرا ينتسب للإسلام لكنه على بدعة مكفرة، فهذا لا تسلم عليه؛ لأنه لا يستحق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام.
وينبغي للمسلم أن يرفع صوته حتى يسمع، وألا يسلم بأنفه، لأن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يكون عنده كبرياء أو عنده جفاء، فإذا لاقاك سلم عليك بأنفه، لا تكاد تسمعه، هذا خلاف إفشاء السلام.
فإفشاء السلام أن ترفع صوتك وتجهر به: السلام عليك.
قال العلماء: إلا إذا سلم على قوم أيقاظ بينهم نيام، فلا ينبغي أن يرفع صوته رفعا يستيقظ به النيام؛ لأن هذا يؤذي النائمين.
ثم إن الصيغة المستحبة أن تقول السلام عليك إن كان المسلم عليه واحدا، وإن كانوا جماعة رجال تقول: السلام عليكم، وإن كانوا جماعة نساء تقول السلام عليكن، حسب المخاطب، ثم إنك إذا قلت: السلام عليك أو عليكم أو عليكن، فإنك تشعر أنك تدعو لهم بالسلامة، السلام عليكم ليست مجرد تحية، دعاء بالسلامة، كأن الله يسلم من كل الآفات من آفات الذنوب وآفات القلوب وآفات الأجسام وآفات الأعراض من كل آفة، ولهذا لو قلت: أهلا ومرحبا، بدل السلام، ما أجزأك؛ لأن أهلا ومرحبا ما فيها دعاء، فيها صحيح: تحية، تهنئة، ولكنها ليست فيها دعاء.
فالسلام المشروع أن تقول: السلام عليكم.
أما المسلم عليه فالواجب عليه أن يرد كما سلم عليه، هذا أمر واجب لقول الله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فإذا قال السلام عليكم.
فقلت: أهلا ومرحبا أبا فلان، حياك الله سررنا بمجيئك ..
تفضل ..
كل هذه الكلمات لا تجزئ عن كلمة واحدة ما هي؟ عليك السلام.
لابد أن تقول عليك السلام، فإن لم تفعل فأنت آثم عليك وزر، لأنك تركت واجبا، فحيوا بأحسن منها أو ردوها.
كذلك أيضا إذا سلم عليك بصوت مرتفع بين واضح، لا ترد عليه السلام بأنفك، هذا لا يجوز لأنك لم ترد بمثلها ولا بأحسن منها، فقوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها أو ردوها} يشمل الصيغة، وصفة الأداء. [شرح رياض الصالحين لابن عثيمين، (5/ 198 – 200)].
(المسألة الرابعة): شرح المراد بالجهاد في سبيل الله ضمن الضوابط الشرعية.
أولاً:
فلما كان الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال التي يتطوع بها المتطوعون، وكانت له بين الأعمال ميزة عظيمة في إعلاء كلمة الله، وفي حماية شريعة الله، وفي الذود عن حوزة المسلمين، وفي إخراج الناس من الظلمات إلى النور …
فينبغي أن يعلم أن الجهاد من أهم الفرائض الإسلامية، وأن الله سبحانه شرعه لفوائد جمة ولحكم كثيرة منها: أن فيه إعلاء كلمة الله تعالى.
ومنها: أن فيه حماية حوزة المسلمين والذود عن ديارهم وبلادهم وثغورهم.
ومنها: أن في ذلك دعوة الآخرين من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله، وإيضاح ما لهم عند الله من الخير العظيم، وما يحصل لهم في الدنيا من الفضل والخير على أيدي المسلمين.
ولم يشرع الله الجهاد لمجرد الدفاع فقط كما يظنه بعض الكتبة وبعض من ينتسب إلى العلم، بل شرع الله الجهاد للدفاع والذود عن حياض المسلمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإعلاء كلمة الرب عزوجل، ولفسح الطريق وتمهيده للدعاة إلى الإسلام والذائدين عنه والموضحين لمقصوده ومحاسنه. قاله الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى. [أهمية الجهاد في سبيل الله للإمام بان باز رحمه الله تعالى، ص (2)].
ثانيًا:
فقه الجهاد
وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): تعريفه، وفضله، والحكمة منه، وحكمه، ومتى يتعين؟
أ- تعريفه:
الجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة والوسع. وفي الاصطلاح: بذل الجهد والوسع في قتال الأعداء من الكفار ومدافعتهم.
ب- فضله والحكمة منه:
الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما سماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: أعلاه، وسمي بذلك؛ لأنه يعلو به الإسلام ويرتفع ويظهر، وقد فضّل الله المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم، ووعدهم الجنة، كما سيأتي في آية سورة النساء بعد قليل، والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين كثيرة.
أما الحكمة من مشروعية الجهاد: فقد شرعه الله سبحانه لأهداف سامية وغايات نبيلة، من ذلك:
1 – شرع الجهاد لتخليص الناس من عبادة الأوثان والطواغيت وإخراجهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
2 – كما شرع لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].
3 – كما شرع الجهاد؛ لإذلال الكفار، وإرغام أنوفهم، والانتقام منهم، قال سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
ج- حكمه، ودليل ذلك:
الجهاد بمعناه الخاص- وهو جهاد الكفار فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وصار في حقهم سنة؛ لقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]. فقد دلت هذه الآية على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين؛ لأن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد بدون عذر، وكلاً وعد الحسنى وهي الجنة. ولو كان الجهاد فرض عين لاستحق القاعدون الوعيد لا الوعد.
ولقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122]. وهذا مشروط بما إذا كان للمسلمين قوة وقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم- والحالة هذه – إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة.
د- متى يتعين؟
لكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم، وهي:
الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حصروها، تعين قتالهم، ودفع ضررهم، على جميع أفراد المسلمين.
الحالة الثانية: إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفَّان، تعين الجهاد، وحرم على من حضر القتال الانصراف، والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]، ولعدِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات.
ولكن يستثنى من التولي المتوعد عليه حالتان:
الأولى: إذا كان المتولي متحرفاً لقتال، أي: يذهب لكي يأتي بقوة أكثر. والثانية: أن يكون متحيزاً إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها.
الحالة الثالثة: إذا عينهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ , إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 38 – 39]، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وإذا استنفرتم فانفروا».
الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه، فإنه يتعيَّن عليه الجهاد.
(المسألة الثانية): شروط الجهاد:
يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والاستطاعة المالية والبدنية، والسلامة من الأمراض والأضرار.
– فلا يجب الجهاد على الكافر؛ لأنه عبادة والعبادة لا تجب عليه، ولا تصح منه، ولأنه لا يتوافر فيه الإخلاص والأمانة والطاعة، فلا يؤذن له بالخروج مع جيش المسلمين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل المشرك الذي تبعه في بدر: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا، قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك». أخرجه مسلم 1817
– وكذلك لا يجب على الصبي غير البالغ؛ لأنه غير مكلف، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عرض نفسه على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه في المقاتلة.
– وكذلك المجنون لا يجب عليه الجهاد؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وليس من أهل التكليف.
– ولا يجب على العبد؛ لأنه مملوك لسيده، ولا المرأة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: «جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة». وفي لفظ: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور».
– وغير المستطيع، وهو الذي لا يستطيع حمل السلاح لضعف أو كبر، وكذلك الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليهم الجهاد؛ لقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91].
– وكذلك من به ضرر أو مرض أو غير ذلك من الأعذار لا يجب عليه الجهاد؛ لأن العجز ينفي الوجوب، ولقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17]. وقؤله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91].
(المسألة الثالثة): مسقطات الجهاد سبق ذكر بعضها ومنها أيضا:
– عدم إذن الأبوين أو أحدهما، إذا كان الجهاد تطوعاً؛ لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحيُّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»، فبر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدَّم فرض العين. فإذا تعيَّن الجهاد فليس لهما منعه، ولا إذن لهما.
8 – الدَّيْن الذي لا يجد له وفاءً إذا لم يأذن صاحبه، وكان الجهاد تطوعاً، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين»، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن لغريمه.
9 – العَالِم الذي لا يوجد غيره في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه؛ إذ لا يمكن لأحد أن يحل محله، فإذا كان لا يوجد من هو أفقه منه يسقط عنه الخروج للجهاد نظراً لحاجة المسلمين له. [الفقه الميسر، لنخبة من العلماء].
انظر: مقتبس من التعليق على الصحيح المسند (ج2/ رقم 1109)، وفيه أحكام ومسائل متعلقة بالجهاد.
ثالثًا:
فضائل الجهاد في سبيل الله تعالى:
1 – قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ((111))} [التوبة/ (111)].
2 – قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ((100))} [النساء/ (100)].
3 – وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ((157)) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ((158))} [آل عمران/ (157) – (158)].
4 – عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ? قال: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيِا وَمَا فِيهَا». متفق عليه.
5 – وعن أبي أيوب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيْلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ». أخرجه مسلم.
6 – معاذ بن جبل: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها كالزعفران وريحها كالمسك ومن جرح جرحا في سبيل الله فعليه طابع الشهداء. أخرجه النسائي رحمه الله.
هذا حديث صحيح.
7 – عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها كالمسك. أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى.
هذا حديث صحيح.
* قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مالك بن يخامر السكسكي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سأل الله القتل في سبيله صادقا من قلبه أعطاه الله أجر الشهيد. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو عبدالرحمن الوادعي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.
انظر: فضائل الجهاد في التعليق على الصحيح المسند (1109).
تنبيه:
قال الألباني:
(2253) – عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله ? قال:
«ثلاثةٌ كلُّهم ضامن على الله عزوجل … ».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم والذهبي والعسقلاني، وصححه ابن حبان ((499)».
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ((1094)) من طريق عثمان بن أبي العاتكة قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربي … به. والحديث قال الحافظ في «الفتح» ((6) / (6)):
«أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة بلفظ … ».
وأما قول المنذري في «مختصره» ((3) / (361)) -وإن تبعه صاحب «عون المعبود» ((2) / (316))؟! -:
«وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي»!
فوهم لا أدري وجهه؟!
ولعله التبس عليه بحديث أبي هريرة:
«تضمن الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي، وتصديق برسلي-: فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة».
أخرجه مسلم ((6) / (33)).
وأخرجه البخاري ((6) / (167))، والنسائي ((2) / (56))، ومالك ((2) / (2) – (3)) ثلاثتهم بلفظ: «تكفل الله … ».
صحيح سنن أبي داود ط غراس (7) / (254)
فتوى:
سئلت اللجنة الدائمة: هل من السنة إذا قدم الرجل من سفر طويل أن يسلم على زوجته بمعنى يصافحها أم لا؛ لأنه عندنا في تهامة أن السلام على الزوجة عيب، فما رأي فضيلتكم في هذا الموضوع؟ مع بيان كيفية السلام على الزوجة عند العودة من السفر؟
فأجابت بقولها: المشروع للزوج أن يحسن عشرة زوجته، وأن يأتي إليها ما يحب أن تأتي به له، ولا حرج في مصافحتها ومعانقتها وتقبيلها عندما تعود من السفر، بل في ذلك أجر إذا أصلح النية. اهـ.?وقد صح الحديث في فضل المصافحة عموما بلفظ: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي رواية أبي داود قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما.?وقد جاء الشرع بالتحية بإلقاء السلام عند دخول البيوت، قال تعالى: … فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة {النور:61} وعند الترمذي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك. وفي الأدب المفرد للبخاري عن أبي الزبير؛ أنه سمع جابرا يقول: إذا دخلت على أهلك، فسلم عليهم؛ تحية من عند الله مباركة طيبة. اهـ
وروى أبو أمامة مرفوعا: ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل: رجل خرج غازيا في سبيل الله، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة. ورجل راح إلى المسجد، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة. ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل. رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو دواد وابن السني في اليوم والليلة والطبراني والبيهقي والخرائطي في مكارم الأخلاق، وصححه ابن حبان والحاكم ولم يتعقبه الذهبي. والألباني والأرنؤوط. وبوب عليه ابن حبان: (باب ذكر تضمن الله جل وعلا دخول الجنة للمسلم على أهله عند دخوله عليهم إن مات وكفايته ورزقه إن عاش).
وبوب عليه البخاري: (باب فضل من دخل بيته بسلام).والخرائطي: (باب يستحب للمرء إذا دخل منزله أن يسلم على أهل البيت) وأسندا معه آثارا أخرى. والله تعالى أعلم.
والرابع: خلاصة فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): فضلُ الأعمالِ الصَّالحةِ- كالجهادِ، والذَّهابِ إلى المسجدِ، وطلبِ السَّلامةِ أو إلقاءِ السَّلام- وأنَّها سببٌ لرِعايةِ اللهِ للعَبدِ الصَّالحِ.
2 – (منها): وجوب الإيمان بأن الله هو الكفيل الحافظ للعباد.
3 – (منها): التأكيد على فضل الصلاة جماعة، وأهمية الذهاب للمساجد.
4 – (منها): قيمة الجهاد وفضله في التضحية في سبيل الله.
5 – (منها): حرص المسلم على أداء هذه الأعمال لما فيها من ضمان الله له.
6 – (منها): توجيه المسلم نحو تقوية الروابط المجتمعية من خلال أعمال الطاعة مثل حضور المساجد ودخول البيت بالسلام.
7 – (منها): الغنيمة هنا لا تقتصر على المكاسب المادية، بل تشمل الأجر والثواب، ورضا الله.
8 – (منها): أهمية خلق السكينة والاستقرار في الحياة الأسرية.