: [1ج/ رقم (246)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (246)]:
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (306)): حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ جابِرٍ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «مَن ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، فاحْتَسَبَهُمْ، دَخَلَ الجَنَّةَ»، قالَ: قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ: واثْنانِ؟ قالَ: «واثْنانِ»، قالَ مَحْمُودٌ: فَقُلْتُ لِجابِرٍ: أراكُمْ لَوْ قُلْتُمْ واحِدًا، لَقالَ: واحِدٌ، قالَ: «وأنا واللهِ أظُنُّ ذاكَ».
هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
أورد الحديث الإمام أحمد، مُسْنَدُ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحابَةِ، مُسْنَدُ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ((14285)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(5) – كتاب الجنائز، (7) – فضل الصبر على الأمراض والآلام والمصائب، ((1164)).
وفي غاية المقصد في زوائد المسند لنور الدين الهيثمي (ت (807))، كتاب الجنائز، باب في موت الأولاد، باب منه، ((1173)).
وقال شعَيب الأرنؤوط وآخرين ط: الرسالة: ” صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، فقد روى له أهل السنن. محمد بن إبراهيم: هو ابن الحارث التيمي.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ((146))، وابن حبان ((2946)) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وفي الباب عن غير واحد من الصحابة، انظر هذه الشواهد عند حديث ابن مسعود، السالف برقم ((3554)) “. انتهى.
والحديث في الصحيحين من حديث أبي سعيد. ومن حديث أبي هريرة عند مسلم وأرده البخاري ملا وفيه (لم يبلغوا الحنث)
وفي مسلم
(155) – ((2636)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ – واللَّفْظُ لِأبِي بَكْرٍ – قالُوا: حَدَّثَنا حَفْصٌ يَعْنُونَ ابْنَ غِياثٍ، ح وحَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، عَنْ جَدِّهِ طَلْقِ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: أتَتِ امْرَأةٌ النَّبِيَّ ? بِصَبِيٍّ لَها، فَقالَتْ: يا نَبِيَّ اللهِ ادْعُ اللهَ لَهُ، فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلاثَةً، قالَ: «دَفَنْتِ ثَلاثَةً؟» قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: «لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظارٍ شَدِيدٍ مِنَ النّارِ» قالَ: عُمَرُ، مِن بَيْنِهِمْ، عَنْ جَدِّهِ، وقالَ الباقُونَ: عَنْ طَلْقٍ ولَمْ يَذْكُرُوا الجَدَّ
وقرر ابن عبدالبر أنه لا بد من الاحتساب لتحصيل الأجر.
وقرر أيضا أنه لا بد من المحافظة على الفرائض وترك الكبائر لأن الخطاب لقوم هذه صفتهم وهم الصحابة. التمهيد … وتحتاج جمع كلام الأئمة
الثاني: التمهيد:
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين: “باب: فضل مَن مات لَهُ أولاد صغار.
1/ 952 – عن أنسٍ قَالَ: قَال رَسولُ اللَّهِ ?: مَا مِنْ مُسلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثلاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ إِلَّا أدخلَهُ اللَّهُ الجنَّةَ بِفَضْل رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ. متفقٌ عَلَيْهِ.
2/ 953 – وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: لا يَمُوتُ لأِحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثةٌ مِنَ الوَلَدِ لا تمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَم. متفقٌ عليه.
1/ 954 – وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَتِ امرأَةٌ إِلى رَسُولِ اللَّهِ ? فَقَالَتْ: …. متفقٌ عَلَيْهِ.”. انتهى.
“يقول الله تعالى {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. [البقرة (155) – (157)].
وكلما عظمت المصيبة عظم الصبر المطلوب لها، وكلما عظم الصبر والاحتساب كلما عظم الأجر.
ومن أعظم المصائب موت الأطفال وبخاصة في بداية الحياة الزوجية في الوقت الذي يتشوف فيه الوالدان إلى الأولاد، وفي الوقت الذي يكون الأولاد فيه هم سعادة الأبوين … “. [فتح المنعم].
الثالث:
1) أشدّ الناس بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ لحديث مصعب بن سعد عن أبيه – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةً ابتُلِيَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» [الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم (2398)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم (4023)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، (2) / (565)، وفي صحيح ابن ماجه، (2) / (371)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (143).].
أكثر وأصعب بلاء: أي محنة ومصيبة؛ لأنهم لو لم يُبتلوا لتُوهِّم فيهم الألوهية؛ وليتوهن على الأمة الصبر على البلية؛ ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرُّعًا، والتجاءً إلى الله تعالى «ثم الأمثل فالأمثل» أي الفضلاء، والأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة، فكل من كان أقرب إلى الله يكون بلاؤه أشد؛ ليكون ثوابه أكثر «فإن كان في دينه صلبًا» أي قويًا شديدًا «اشتد بلاؤه» أي كميَّة وكيفيَّة «فما يبرح البلاء» أي ما يفارق [تحفة الأحوذي للمباركفوري، (7) / (78) – (79)].
ومما يزيد ذلك وضوحًا وتفسيرًا، حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها» [أبو يعلى، وابن حبان، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (1599)].
2) – من كان بلاؤه أكثر فثوابه وجزاؤه أعظم وأكمل؛ لحديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي ? قال: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم (2396)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم (4031)،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2) / (564)، وفي صحيح ابن ماجه، (2) / (373)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (146)].
والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه، فمن رضي بما ابتلاه الله به فله الرضى منه تعالى وجزيل الثواب، ومن سَخِطَ: أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضائه تعالى، فله السخط منه تعالى وأليم العذاب، ومن يعمل سوءًا يُجز به [تحفة الأحوذي للمباركفوري، (7) / (77)].
ولا شك أن الصبر ضياء كما قال النبي ?: «والصبر ضياء» [مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم (223)].
والضياء: هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس، بخلاف القمر، فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، ولَمّا كان الصبر شاقًّا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس، وحبسها، وكفّها عما تهواه، كان ضياءً [جامع العلوم والحكم، لابن رجب، (2) / (24)، (25)]؛ ولهذا – والله أعلم – يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب، بفضل الله – عز وجل -.
3) – ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وما عليه خطيئة؛ لأنها زالت بسبب البلاء [تحفة الأحوذي للمباركفوري، (7) / (80)]؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله
?: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة: في نفسه، وماله، وولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» [الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم (2399)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، (2) / (565)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (2280)].
4) – فضل من يموت له ولد فيحتسبه، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ?: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث [لم يبلغوا الحنث: أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الإثم. شرح النووي على صحيح مسلم، (16) / (420)]، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم». [البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، برقم (1381)].
والولد يشمل الذكر والأنثى.
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ?: «ما تعدُّون الرّقوب [أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد] فيكم»؟ قال: قلنا: الذي لا يُولد له. قال: «ليس ذاك بالرّقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدِّم من ولده شيئًا». .
5) – من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجابًا من النار؛ ودخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ?: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار أو دخل الجنة» [لبخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، قبل الحديث رقم (1381)، تكلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، (3) / (245) عن وصله، وقال: «قوله: كان له» كذا للأكثر: أي كان قولهم له حجابًا، وللكشميهني: «كانوا» أي الأولاد]. وفي صحيح مسلم أن النبي ? قال لامرأة مات لها ثلاثة من الولد: «لقد احتظرت بحظار شديد [احتظرت: أي امتنعت بمانع وثيق، والحظار ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط، شرح النووي على صحيح مسلم، (16) / (420) – (421)] من النار» [مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم (2636)]؛ ولحديث عتبة بن عبدٍ – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ? يقول: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا تلقَّوْه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل» [ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في ثواب من أصيب بولده برقم (1603)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، (2) / (46)].
6) – من قدّم اثنين من أولاده دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله ? قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة»، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: «أو اثنين» [مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، برقم (2608)]، قال النووي رحمه الله: وقد جاء في غير مسلم «وواحد» [شرح النووي على صحيح مسلم، (16) / (420)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (3) / (119) جميع الأحاديث التي فيها زيادة واحد وتكلم عليها كلامًا نفيسًا، ثم أشار إلى أن الذي يستدل به على ذلك حديث: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»، قال: وهذا يدخل فيه الواحد، فتح الباري، (3) / (119)، و (11) / (243)].
وعن أبي صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ?، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تُعلّمنا مما علّمك الله، قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا»، فاجتمعن فأتاهن رسول الله ?، فعلمهن مما علمه الله قال: «ما منكن من امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة: واثنين، واثنين، واثنين؟ فقال رسول الله ?: «واثنين، واثنين، واثنين» [متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسبه، برقم (101)، و (1249)، و (7310)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم (2633)].
7) – من مات له واحد من أولاده فاحتسبه وصبر دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله ? قال: يقول الله تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفّيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) [البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يُبتغى به وجه الله، برقم (6424)]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه وهو أصحّ ما ورد في ذلك، وقوله: ((فاحتسب» أي صبر راضيًا بقضاء الله راجيًا فضله)) [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، (3) / (119)، ولابن حجر كلام يؤيد هذا في شرحه للحديث رقم (6424)، في فتح الباري، (11) / (243)]، وذكر ابن حجر رحمه الله أنه يدخل في ذلك حديث قرة بن إياس، وسيأتي في الحديث الآتي [فتح الباري، (11) / (243)].
وسيأتي أيضًا حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – الذي فيه قوله ?: «ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد»، فهو يدلّ على أن من مات له ولد واحد دخل الجنة [الترمذي، برقم (1021)، وسيأتي].
8) – من مات له ولد فاحتسبه وجده ينتظره عند باب الجنة، بفضل الله – عز وجل – ورحمته؛ لحديث قرّة بن إياس – رضي الله عنه – أن رجلًا كان يأتي النبي ? ومعه ابن له، فقال له النبي ?: «أتحبه»؟ فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي ?، فقال: «ما فعل ابن فلان»؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي ? لأبيه: «أما تحبّ أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟» فقال رجل: يا رسول الله: أله خاصة أو لكُلِّنا؟ فقال: «بل لِكُلِّكم»، ولفظ النسائي: «ما يسرّك أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك؟» [النسائي، كتاب الجنائز، باب الأمر باحتساب الأجر، برقم (1871)، رقم الباب (22)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، (11) / (243): «أخرجه أحمد، والنسائي، وسنده على شرط الصحيح، وقد صححه ابن حبان، والحاكم»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، (2) / (404)].
9) – المؤمن إذا مات ولده سواء كان ذكرًا أو أنثى وصبر واحتسب وحمد الله على تدبيره وقضائه بنى الله له بيتًا في الجنة وسماه بيت الحمد؛ لحديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن رسول الله ? قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد» [الترمذي، كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم، (1021)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، (1) / (520)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (1408)].
وعن أبي سلمى راعي رسول الله ? يرفعه: «بخٍ بخٍ – وأشار بيده لخمس – ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوَفّى للمرء المسلم فيحتسبه» [أخرجه ابن سعد في الطبقات، (7) / (433)،وابن حبان، برقم (2328)،والحاكم، (1) / (511) – (512)، وقال: «صحيح الإسناد»،ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم (1204)].
10) – السِّقط يجرّ أمّه بِسُرِّهِ إلى الجنة؛ لحديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن النبي ?: قال: «والذي نفسي بيده إن السقط ليجرُّ أُمَّهُ بسَرَرِه إلى الجنة إذا احتسبته» [ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن أصيب بسقط، برقم (1609)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (2) / (46)].
11) – ومما يشرح صدر المسلم ويبرِّد حرَّ مصيبته أن أولاد المسلمين في الجنة، قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ساق الأحاديث في فضل من يموت له ولد فيحتسبه: «وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين»، ونقل عن المازري قوله: «ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعًا؛ لقوله تعالى: {والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وما ألَتْناهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [سورة الطور، الآية: (21)] [شرح النووي على صحيح مسلم، (16) / (421)].
ويدل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن أولاد المسلمين في الجنة، ((وأن أحدهم يلقى أباه فيأخذ بثوبه أو بيده فلا يتركه حتى يدخله الله وأباه، أو قال: أبويه الجنة» [مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد، فيحتسبه، برقم (2635)].
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: «أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار ففيهم خلاف، وأصح ماقيل فيهم أنهم يُمتحنون يوم القيامة، أو هم من أهل الجنة بدون امتحان، وهو أصحّ» [سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم (1381)، و (1382)]. وهو الصواب [انظر: فتح الباري لابن حجر، (3) / (246)]؛ لحديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – في الحديث الطويل وفيه: «وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله ?: «وأولاد المشركين» [البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم (7047)].
12) – من تصبّر ودرَّب نفسه على الصبر صبَّره الله وأعانه وسدّده؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -، عن النبي ?، وفيه: «ومن يستعفف يُعفّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر» [متفق عليه].
13) – من أراد الله به خيرًا أصابه بالمصائب؛ ليثيبه عليها [فتح الباري لابن حجر، (10) / (108)]؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ?: «من يُرد الله به خيرًا يُصب منه» [البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم (5645)]. وسمعت شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: «أي بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكّر فيتوب، ويرجع إلى ربه» [سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم (5645)].
14) – أمر المؤمن كله خير في السرّاء والضرّاء، وفي الشدّة والرّخاء؛ لحديث صهيب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ?: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له» [مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير، برقم (2999)] ” انتهى من [تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد في ضوء الكتاب والسنة للقحطاني].
والرابع:
(المسألة الأولى): وقفات:
تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال للحافظ ابن رجب
“بسم الله الرحمن الرحيم، ربِّ يسِّر يا كريم.
الحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
ففي “الصحيحين” [أخرجه البخاري (101)، ومسلم (2633)] من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: «قَالَ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فَوَاعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: ((مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ)) [قال الحافظ في “الفتح” (1/ 236): وتعرب “كان” تامة، أي حصل لها حجاب. وللمصنف في الجنائز: “إلا كن لها” أي: الأنفس التي تقدم. وله في الاعتصام: “إذا كانوا” أي: الأولاد]،
((لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ)). فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: ((وَاثْنَتَيْنِ))».
هذا يدل عَلَى أنَّ مجالس النبي صلى الله عليه وسلم للفقه في الدين والتذكير ونحو ذلك لم يكن النساء يحضرنها مع الرجال، وإنما كن يشهدن الصلوات في مؤخر المساجد ليلاً ثم ينصرفن عاجلاً، وكن يشهدن العيدين مع المسلمين منفردات عن الرجال من ورائهم، ولهذا لما خطب النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم العيد رأى أنه لم يسمع النساء، فلما فرغ جاء ومعه بلال إِلَى النساء، فوعظهن، وذكرهن وأمرهن بالصدقة، وأجلس الرجال حتى يفرغ من موعظة النساء [أخرجه البخاري (98)، ومسلم (884) من حديث ابن عباس. وأخرجه البخاري (978)، ومسلم (885) من حديث جابر].
وأصلُ هذا أنَّ اختلاط النساء بالرجال في المجالس بدعةٌ، كما قال الحسن البصري؛ فلذلك قال له النساءُ: يا رسول الله، غَلَبنا عليك الرجال.
وقد روي من حديث أبي هريرة “أن النساء قلن: يا رسول الله، إنا لا نقدر عَلَى أن نجالسك في مجلسك، قد غلبنا {عليك} الرجال! فواعدنا موعدًا نأتيك، قال: موعدكن بيت فلانة. فأتاهن فحدثهن” [أخرجه مسلم (2633)].
وقد أمره الله تعالى أن يبلِّغ ما أُنزل إِلَيْهِ للرجال والنساء، وأن يعلم الجميع؛ كما قال له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] الآية. وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الآية.
فامتثل ما أمره الله تعالى، ووعدهن مجلسًا خالصًا لهن في بيت امرأة، ولعل تلك المرأة كانت من أزواجه أو محارمه، والله أعلم بحقيقة ذلك.
[أولاً: الأحاديث الواردة فيمن مات له من الولد]
[هل يدخل البالغ في هذ العموم؟]
ثم وفى بموعده لهن فأتاهن في يوم موعدهن، فوعظهن وأمرهن ونهاهن، ورغبهن ورهبهن، فكان من جُملة ما بشَّرهن به أن قال لهن: ((مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا {كَانُو} لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ)). فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: ((وَاثْنَتَيْنِ))» [أخرجه البخاري (1249) من حديث أبي سعيد، ومسلم (2634) من حديث أبي هريرة]. وليس في هذا الحديث {أنهم} لم يبلغوا الحنث.
وعمومُه يدخل فيه من بلغ الحنث ومن لم يبلغ؛ والمصيبة بمن بلغ أعظم وأشق عَلَى النفوس.
والمصيبة بمن لم يبلغ أهون وأخف، وقد جاء تقييده في حديث أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ» خرجاه في “الصحيحين” [أخرجه البخاري (1248)، وليس عند مسلم]. والمُراد بالحنث: الإثم.
والمعنى: أنه لم يجر عليه الإثم ببلوغه العمر الَّذِي يكتب عليه الإثم فيه، وهو بلوغ الحُلم،
[حكم أطفال المشركين يوم القيامة]
وعلَّل ((بفضل رحمة الله إياهم))، يعني: أن الله يرحم أطفال المسلمين رحمة تامة، حتى تفضُل عنهم، فيدخل آباؤهم في فضل تلك الرحمة، وهذا مما يستدل {به} عَلَى أن أطفال المسلمين في الجنة.
وقد قال الإمامُ أحمد: ليس فيهم اختلاف أنَّهم في الجنة. وضعَّف ما رُوي مما يخالف ذلك أيضاً و {لا} أحد يشك أنهم في الجنة.
وقال أيضاً: هو يرجى لأبويه فكيف يُشك فيه؟! يعني: أنه يُرجى لأبويه دخول الجنة بسببه، فكيف يشك فيه؟! ولذلك نص الشافعي عَلَى أنَّ أطفال المؤمنين في الجنة، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وكعب.
قال: وإنما اختلفوا في أطفال المشركين.
[أين تكون أرواحهم؟]
وخرَّج ابنُ أبي حاتم، عن ابن مسعود قال: “أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير، تسرح في الجنة حيث شاءت، فتأوي إِلَى قناديل معلقة في العرش”. وخرج البيهقي من رواية ابن عباس، عن كعب نحوه. وفي “صحيح مسلم” [(2635)] عن أبي هريرة “أن رجلاً قال له: مات لي ابنان، فما أنت مُحدِّثي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحديث تُطيِّبُ به أنفسنا عن موتانا؟
فَقَالَ: “نعم، صغارُهم دَعَامِيص الجنة [الدعموص: الدخال في الأمور: أي: أنهم سياحون في الجنة، دخالون في منازلها لا يمنعون من موضع، كما أن الصبيان في الدُّنْيَا لا يمنعون من الدخول عَلَى الحرم، ولا يحتجب منهم أحدًا “اللسان” (7/ 36)]، يتلقَّى أحدهم أباه- أو قال: أبويه -فيأخذ بثوبه- أو قال: بيده- كما آخُذ أنا بصَنِفَة [صنفة الإزار، بالكسر: طرته، ويقال: هي حاشية الثوب. أي: جانب كان -قال الليث: الصنفة: قطعة من الثوب. وقال شمر: الصنف: الطرف الزاوية من الثوب وغيره. “اللسان” (9/ 198 – 199)] ثوبك، فلا يتناهى -أو قال: ينتهي- حتى يُدخله الله وأباه الجنة”.
وخرَّج النسائي [برقم (1876)] من حديث أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا إِلَّا أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ الجَنَّة. قَالَ تَعَالَى لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَانَا. فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ)).
وخرَّج الإمام أحمد [(5/ 241)]، وابن ماجه [(1609)] من حديث معاذ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والذي نفسي بيده، إِنَّ السقط ليجُرُّ أمُّه بسرَرِه إِلَى الجنة، إذا احتسبته)). وخرَّج الإمام أحمد [(4/ 183)]، وابن ماجه [(1604)] أيضاً من حديث عتبة بن عبدٍ السُّلمي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل)).
[من الخطابات للولدان يوم القيامة]
وفي رواية للإمام أحمد [(4/ 105)]: ((إِنَّ الله تعالى يقول للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنّة. فيَقُولُونَ: يا رب، حتى يدخل آباؤنا وأمَّهاتنا. قال: فيأبون، فيقول الله -عز وجل-: ما لِي أراهم مُحبنطئين [المحبنطئ: المتغضب المستبطئ للشيء. وقيل: هو الممتنع طلب، لا امتناع إباء. “اللسان” (7/ 272)] ادخلوا الجنة. فيَقُولُونَ: يا رب، آباؤنا. فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم))
[معرفة الأبناء لآبائهم وأمهاتهم يوم القيامة]
وروى الطبراني من حديث أنس نحوه، وزاد فيه: يقال لهم في المرة الرابعة: ((ادخلوا ووالديكم معكم، فيثب كلُّ طفل إِلَى أبويه فيأخذون بأيديهم، فيدخلونهم الجنة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذ من أولادكم الذين في بيوتكم)).
[عظم فضل الله عز وجل أن هذا للكل]
وخرَّج الإمام أحمد [في “المسند” (3/ 436)، (5/ 34، 35)]، والنسائي [في “السنن” برقم (1869)] من رواية {مُعَاوِيَةُ بْنُ} قُرَّةَ، “أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَاتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ. فَمَاتَ فَفَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَا يَسُرُّكَ أَنْ لا تَاتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَسْعَى يَفْتَحُ لَكَ؟» زاد الإمام أحمد: “فَقَالَ رجل: له خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم”.
[مع من يكون الأبناء؟]
وخرَّج الطبراني، من حديث ابن عمر نحوه، ولكن قال فيه: (فَقَالَ له النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أَوَمَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ ابْنُكَ مَعَ ابْنِي إِبْرَاهِيمَ يُلاَعِبُهُ تَحْتَ ظِلِّ العَرْشِ؟! قال: بَلى يا رسولَ الله». [ذكره الهيثمي في “المجمع” (3/ 10) وقال: رواه الطبراني في “الكبير” من حديث إبراهيم ابن عبيد في التابعين -وهو ضعيف- وبقية رجاله موثقون].
[ثانيًا: الآثار الواردة في ذلك]
وقد كان الصحابة يرجون ذلك عند موتهم؛ كما روي عن أبي ذر: “أنه لما حضرته الوفاة بكت أمُّ ذر، فَقَالَ لَهَا: أَبْشِرِي وَلا تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثة، فَيَصْبِرَانِ وَيَحْتَسِبَانِ فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَدًا» [أخرجه ابن حبان (6671 – إحسان)، والحاكم (3/ 388) ولفظهما قريب من لفظ المصنف] وقد مات لنا ثلاثة من الولد”.
والحديث الَّذِي قبله يدل عَلَى أنَّ أطفال المسلمين الموتى يلعبون تحت ظل العرش، وفي حديث {أبي هريرة} [من رواية مسلم]: ((أنهم دعاميص الجنة)).
والدُّعموص: دُويبة {صغيرة تكون} في الماء، والمعنى أنهم يتربُّون في أنهار الجنة وينعمون فيها، وفي رواية: “ينغمسون في أنهار الجنة” يعني: يلعبون فيها.
[من الذي يكفلهم؟]
وقد روي ” أنه يكفلهم إبراهيمُ -عليه السلام- وزوجته سارة- عليها السلام”. وخرَّج ابن حبان في “صحيحه” والحاكم من حديث أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيمُ في الجنة”. وخرجه الإمام أحمد [أخرجه أحمد (2/ 326)، وابن حبان (7446 – الإحسان)، والحاكم (2/ 370)] مع نوع شك في رفعه ووقفه عَلَى أبي هريرة.
وروي من وجه آخر، عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا: «أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ -عليهما السلام- فَإِذا كَانَ يَوْم القِيَامَة دُفِعُوا إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» خرّجه البيهقي وغيره مرفوعًا.
ويشهد لذلك: ما في “صحيح البخاري” [برقم (7047)] عن سمُرة بن جندب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أتاني الليلة آتيان … ” فذكر حديثًا طويلاً وفيه: أن الملكين فسراه له، وأنهما جبريل وميكائيل، وأنه من جملة ما رأى: “رَجُلاً طَوِيلاً فِي رَوضَةٍ وَحَوْلَهُ وِلْدَان وقالا له: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ فِي الرَّوْضَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَالْوِلْدَانُ حَوْلَهُ كُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ”.
وقد روي أنهم يرتضعون من شجرة طُوبى؛ وروى ابنُ أبي حاتم بإسناده عن خالد بن معدان قال: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا: طُوبَى، ضروع كلها، ترضع أهل الجنة، وإن سقط المرأة يكون في أنهار يتقلب {فيها} ” حتى يوم القيامة، فيبعث ابن أربعين سنة” كذا قال.
[يبعثون أبناء ثلاثين سنة]
وفي حديث المقدام بن معدي كرب المرفوع: “إِنَّ ما بين السقط والهرم، يبعثون أبناء ثلاثين سنة” وفي رواية: “أبناء ثلاثة وثلاثين”.
[مما يتغذى به الصبيان في الجنة؟]
وروى ابنُ أبي الدُّنْيَا بإسناده عن خالد بن معدان قال: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا: طُوبَى، كلها ضروع؛ فمن مات من الصبيان الذين يرضعون يرضع من طوبى، وحاضنهم إبراهيم -عليه السلام”. وروى الخلال بإسناده، عن عبيد ابن عمير: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ لَهَا ضروع البقر، يغذى به ولدان أهل الجنة، حتى إنهم يستنون كاستنان البكارة”. وبعضُ الأطفال له مرضع في الجنة، مثل إبراهيم ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنه لما مات قبل أن يُفطم قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ تكمل رضاعه {في الجنة} [أخرجه البخاري (1382) من حديث البراء، ومسلم (2316) من حديث أنس]. وفي رواية: “ظئرًا” وفي رواية: “إِنَّ له مرضعين يكملان رضاعه في الجنة”.
[حال النبي صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم ابنه]
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد حضره وهو {يكيد} [ويكيد بنفسه كيدًا: يجود بها، يريد النزع. “اللسان” (3/ 383)] بنفسه، فدمعت عيناه – صلى الله عليه وسلم – وقال: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى الرَّب، وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» [أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315) من حديث أنس]. وفي رواية: “ولولا أنه أمر حق ووعد صدق، وأنها سبيل مأتية، وأن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا”.
[مما ورد من سقياهم لأبويهم]
وروى ابنُ أبي الدُّنْيَا في “كتاب العزاء” من حديث زُرارة بن أوفى “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عزَّى رجلاً عَلَى ابنه، فَقَالَ الرجل: يا رسول {الله} أنا شيخ كبير، وكان ابني قد أجزأ [أجزأ عنه: أغنى عنه “اللسان” (1/ 46 – 47)] عنا. فَقَالَ: أيسرك، قد نشر لك أو يتلقاك من أبواب الجنة بالكأس؟ قال: من لي بذاك يا رسول الله؟ قال: الله لك به، ولكل مسلم مات له ولد في الإسلام”. وبإسناده عن عبيد بن عمير، قال: “إذا كان يوم القيامة خرج ولدان المسلمين من الجنة بأيديهم الشراب، فيقول الناس: اسقونا اسقونا. فيَقُولُونَ: أبوينا أبوينا، حتى السقط محبنطئًا بباب الجنة يقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي”. وفي المعنى حديث مرفوع من رواية ابن عمر، لكن إسناده لا يصح وهو باطل، قاله أبو حاتم الرازي.
[فيما ورد من عدد الأبناء]
وفي أكثر الأحاديث ذكر الثلاثة والاثنين. وفي بعضها “وأظن لو قلنا: وواحدًا لقال: وواحدًا”. خرَّجه أحمد [وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا))] من حديث جابر. وقد جاء ذكرُ الواحد في حديث؛ خرَّج الترمذي [برقم (1061) وقال: هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وابن ماجه (1606) وأحمد (1/ 375، 429، 451)] فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ، فَقَالَ: وَاثْنَيْنِ. فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: قَدَّمْتُ وَاحِدًا. قَالَ: وَوَاحِدًا، وَلَكِنْ إِنَّما ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمَةٍ الأُوْلَى»
[“فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ ” وأن النبي صلى الله عليه وسلم يسبقهم إِلَى الحوض]
وفي الترمذي [أخرجه أحمد (1/ 334)، والترمذي (1062). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه بن فارق]، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ {بِهِمَا} الجَنَّةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ منْ أَمْتَلِك؟ قَالَ: وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ أُمَّتِي يَا مُوَفَّقَةُ. قَالَتْ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي، لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي». ويشهد له قوله – صلى الله عليه وسلم – في آخر خطبة خطبها: ((إني فرطكم على الحوض)) [أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296) من حديث عقبة بن عامر. وأخرجه البخاري (6589)، ومسلم (2289) من حديث جندب بن سفيان.
وأخرجه البخاري (6583)، ومسلم (2290) من حديث سهل بن سعد. وأخرجه البخاري (6575)، ومسلم (2297) من حديث ابن مسعود] يشير إِلَى أنه يتقدمهم ويسبقهم إِلَى الحوض، وينتظرهم عنده. وفي حديث مرسل خرجه ابن أبي الدُّنْيَا: ((من مات ولم يقدم فرطًا لم يدخل الجنة إلا {تصْريدًا} [أي قليلاً: والتصريد في العطاء: تقليله. “اللسان” (3/ 249)]. فقيل: يا رسول الله، وما الفرط؟ قال: ((الولد وولد الولد، والأخ يؤاخيه في الله -عز وجل- فمن لم يكن له فرط، فأنا له فرط”.
[سبب من الأسباب لتثقيل الموازين]
وفي حديث عبد الرحمن بن سمُرة، في ذكر المنام الطويل عن النّبي صلى الله عليه وسلم: “ورأيت رجلاً من أمتي {خف} ميزانه، فجاءته أفراطه الصغار فثقلوا ميزانه)). وعن داود بن أبي هند قال: ((رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يدعون للحساب، فقدمت إِلَى الميزان فوضعت حسناتي في كفة وسيئاتي في كفة، فرجحت السيئات عَلَى الحسنات، فبينا أنا كذلك مغموم، إذ أتيت بشيء كالمنديل أو كالخرقة البيضاء، فوضعت في حسناتي فقيل لي: تدري ما هذا؟ قلت: لا. قال: سقط كان لك. قلت: إنه قد لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ”
2 – أخرج البخاري عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة».
وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم دعاء نقوله عند المصيبة فيه فضل وأجر عظيم وهو ما رواه مسلم في صحيحه (1525) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللَّهُمَّ اجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
5– ما يمكن أن تقدمه من عمل لابنتك فعدة أمور:
1 – الدعاء الصادق بالرحمة والمغفرة؛ فعن أبي الدرداء قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل)). رواه مسلم (2732)
يقول الشيخ ابن عثيمين: أفضل ما يقدم للميت الدعاء. (لقاء الباب المفتوح 1/ 205)
2 – الصدقة عنها، خاصة الصدقة الجارية، يقول النووي: فان الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين. اهـ (شرح النووي على صحيح مسلم ج:1 ص:89).
(مستفاد من كتاب فضل من مات له من الأولاد للسيوطي، وأحكام الجنائز للألباني) [1081 التعليق على الصحيح المسند]
//////
/////
(المسألة الثانية): تقسيم رحلة الأطفال من البرزخ إلى الجنة
المتأمل في النصوص المخبرة عن حال أطفال المسلمين في البرزخ، وعند البعث والحساب يوم القيامة، ثم عند دخول الجنة، يمكننا تقسيم رحلتهم تلك إلى المراحل الآتية:
1 – أما حالهم في البرزخ فالثابت أنهم بمجرد موتهم يُنقلون إلى الجنة، وأن أرواحهم تتنعم فيها في رعاية أبينا إبراهيم عليه السلام:
ورد ذلك في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: ( ….. وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين؟ فَقَالَ: وَأَوْلَادُ المُشرِكِين) رواه البخاري (7047)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
” أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ” انتهى.
رواه ابن أبي حاتم بسنده، انظر “تفسير القرآن العظيم” (7/ 148)
قال ابن رجب:
خرّجه ابن أبي حاتم ورواه الثوري والأعمش عن أبي قيس عن هذيل من قوله: ولم يذكر ابن مسعود.
وخرَّج البيهقي عن ابن عباس عَن كعب نحوه. [تفسير ابن رجب].
وفي تفسير ابن كثير:
وقالَ: ابْنُ أبِي حاتِمٍ حَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنا المُحارِبِيُّ حَدَّثَنا لَيْثٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوانَ عَنْ هُذَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ أرْواحَ الشُّهَداءِ فِي أجْوافِ طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا، وإنَّ أرْواحَ وِلْدانِ المُؤْمِنِينَ فِي أجْوافِ عَصافِيرَ تَسْرَحُ فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ فَتَاوِي إلى قَنادِيلَ مُعَلَّقَةٍ فِي العَرْشِ، وإنَّ أرْواحَ آلِ فرعون في أجواف طيور سُودٍ تَغْدُو عَلى جَهَنَّمَ وتَرُوحُ عَلَيْها فَذَلِكَ عَرْضُها، وقَدْ رَواهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أبِي قَيْسٍ عن الهذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ مِن كَلامِهِ فِي أرْواحِ آلِ فِرْعَوْنَ وكَذَلِكَ قالَ السُّدِّيُّ. انتهى
والثوري والأعمش أوثق.
2 – فإذا قامت القيامة، وبُعث الخلق من قبورهم، بعث الأطفال أيضا على حال طفولتهم وصغرهم الذي ماتوا عليه، فيشفعون لآبائهم، ويدخلونهم الجنة برحمة الله لهم: حديث ( … صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ …. ) رواه مسلم (2635)
ففي هذا الحديث دليل ظاهر على أن الأطفال يبقون على حال طفولتهم عند البعث والجزاء والحساب، بل حتى السقط الذي نفخ فيه الروح يبقى على هيئته يوم سقط من رحم أمه.
3 – فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأخذوا منازلهم فيها، فذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يدخلونها جميعا – كبارهم وصغارهم – وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً)
رواه الترمذي (2545) و قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة مرسلا ولم يسندوه.
قال ابن كثير:
وهَذا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ شَهْرٍ ومُعاذٍ انْقِطاعًا لَوْ كانَ ساقَهُ لَكانَتْ أبْعَدَ مِن شَهْرٍ، وهُوَ يُفْهِمُ بَعْثَهُمْ مِن قُبُورِهِمْ كَذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يُبْعَثُ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُغَيَّرُ حُلاهُمْ إلى الطُّولِ والعَرْضِ، كُلُّ أحَدٍ بِحَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ الجَنَّةِ والنّارِ، عَلى ما سَيَاتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وعند ابن الجوزي في جامع المسانيد، حدّثنا أحمد قال: حدّثنا سليمان بن داود قال: حدّثنا عمران عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ بن جبل:
أنّه سأل النبيّ -?- أو سمع النبيَّ -?- يقول: «يَدْخُلُ أهلُ الجنّةِ الجنّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلين، بني ثلاثين» أو «ثلاث وثلاثين»).
ورواه الإمام أحمد في “المسند” (2/ 315) من حديث أبي هريرة، وحسنه المحققون. والهيثمي في “مجمع الزوائد” (10/ 402)، وصححه أبو حاتم في “العلل” (3/ 272)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (6/ 1224) وصحيح الترغيب 3699. انتهى النقل من صحيح الترغيب.
ففي علل ابن أبي حاتم: (2138) – وسألتُ أبِي عَنْ حديثٍ رَواهُ أبُو سَلَمة، عَنْ حمّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيّب: أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) … .
قلتُ: ورَواهُ آدَمُ فَقالَ: عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ، عَلى خَلْقِ آدَمَ، أبْناءَ ثَلاَثٍ وثَلاَثِينَ.
قلتُ لأبِي: فأيُّهما الصَّحيحُ؟
قالَ: جَمِيعًا صَحيحَينِ، قصَّر أبُو سَلَمة. فهو على شرط المتمم على الذيل.
وفي تخريج الإحياء:
ورواه ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن المسيب مرسلًا، بل جاء ذلك صريحا في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – وفي إسنادها كلام – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاَثِينَ فِي الجَنَّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ) رواه الترمذي (2562) وضعفه بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين – وهو ابن سعد -. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك.
وقال أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هرون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ?: «يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم»
وهو في المختارة، وعمر هو عمر بن عبدالواحد ثقة، فهو على شرط الذيل.
وقالَ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي الدُّنْيا: حَدَّثَنا القاسم بن هشام، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني جرد بْنُ جَرّاحٍ العَسْقَلانِيُّ، حَدَّثَنا الأوْزاعِيُّ، عَنْ هارُونَ بن رياب، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ?:
وذهب آخرون من أهل العلم، من الصحابة والتابعين، إلى أن من مات من أطفال المسلمين قبل بلوغ سن الحلم، يكونون خدم أهل الجنة، يطوفون عليهم بالشراب والطعام والنعيم، وأولئك هم المذكورون في قوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَاسٍ مِنْ مَعِينٍ) الواقعة/17 – 18، وقوله سبحانه: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) الطور/24، وقوله عز وجل: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان/19
نقل ذلك العلامة ابن القيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن الحسن البصري رحمه الله، ولكنه اختار رحمه الله ترجيح القول بأن هؤلاء الولدان الذي يخدمون أهل الجنة هم غلمان مخلوقون من الجنة كالحور العين، وأنهم غير من مات من أطفال المسلمين من أهل الدنيا، وقال: ” وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين ” انتهى. انظر: “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح” (ص/309 – 311). والله أعلم.
فالراجح ما جاء في الأحاديث الصحيحة أنهم أولاد ثلاثة وثلاثين. [انظر: (2632) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم].
والخامس:
فقه وفوائد الباب:
(1) – (منها): بيان فضل من مات له ثلاثة أولاد، فإنه يدخل الجنّة، ولا تمسّه النار، إلا الورود الذي في قوله تعالى: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها} الآية.
(2) – (ومنها): أن هذا الفضل خاصّ بالمسلمين، فلا حظّ للكافر فيه، وتدخل المسلمات فيه، وقد جاء ما يخصّهنّ بالذكر في الحديث الثالث.
(3) – (ومنها): بيان فضل الله تعالى على المسلمين، حيث جعل لهم الجنة عِوَضًا عما يصيبهم من البلاء بموت أولادهم.
(4) – (ومنها): بيان أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن من يكون سببًا في حَجْب النار عن أبويه أولى بأن يُحجَبَ هو؛ لأنه أصل الرحمة، وسببها، بل جاء التصريح به في الحديث، ولفظه: «فيقال: ادخلوا الجنّة أنتم وآباؤكم»، قال الحافظ ردا على القرطبي: وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة، ثم في الاثنين، بخلاف الأربعة، والخمسة، وهو جمود شديدٌ، فإن من مات له أربعة فقد مات له ثلاثةُ ضرورةً؛ لأنهم إن ماتوا دفعة واحدة فقد مات له ثلاثة وزيادة، ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشدّ، وإن ماتوا واحدًا بعد واحد، فإن الأجر يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعْد الصادق، فيلزم على قول القرطبيّ أنه إن
مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر، مع تجدِد المصيبة، وكفى بهذا فسادًا،
وقال القرطبيّ أيضًا: يَحْتَمِل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال المصاب، من زيادة رِقّة القلب، وشدّة الحبّ، ونحو ذلك، وقد قدمنا الجواب عن ذلك. انتهى كلام الحافظ [«الفتح» (3) / (695) – (696)، كتاب «الجنائز» رقم ((1249))]، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
5 – (ومنها): بيان كون أولاد المسلمين في الجنة. قاله الجمهور، ووَقَفت طائفة قليلة، والصحيح قول الجمهور.
قال النوويّ: أجمع من يُعتدّ به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين، فهو من أهل الجنة، وتوقف فيه بعضهم، لِما أخرجه مسلم عن عائشة -?-، قالت: أُتي رسول الله -?-، بصبيّ من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور، من عصافير الجنة، لم يعمل سوءًا، ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك يا عائشة، خَلَق الله ? الجنة، وخَلَق لها أهلًا، وخَلَقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها
أهلًا، وخلقهم في أصلاب آبائهم».
قال: والجواب عنه: أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. انتهى، والله تعالى أعلم.
قال السفاريني: وأما بقية المؤمنين سوى الشهداء، فإنهم ينقسمون إلى أهل تكليف وغير أهل تكليف، فغير أهل التكليف كأطفال المؤمنين، فالجمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإمام أحمد الإجماع على ذلك. قال في رواية جعفر بن محمد: ليس فيهم اختلاف يعني أنهم في الجنة، وفي رواية الميموني: أوا أحد يشك أنهم في الجنة. البحور الزاخرة
6 – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ رحمه الله: في هذا الحديث على حَسَب ما قيّده مالك رحمه الله في ترجمته من ذِكر الحسبة، وهي الصبر، والاحتساب، والرضا، والتسليم، أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، ويُغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذلك خَرَج عن النار، فلم تمسّه، قاله في «الاستذكار».
وقال في «التمهيد»: فيه أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، وتُغْفَر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذلك زُحزح عن النار، فلم تمسّه؛ لأن من لم تُغفر له ذنوبه لم يُزحزح عن النار -والله أعلم، أجارنا الله منها- وإنما قلت ذلك بدليل قوله -?-: «لا يزال المؤمن يصاب في ولده، وحامَّته حتى يلقى الله، وليست عليه خطيئة»، وانما قلت: إن ذلك بالصبر والاحتساب والرضى؛ لقوله -?-:
«من صبر على مصيبته، واحتسب كان جزاؤه الجنة». انتهى، والله تعالى أعلم. [انظر: (2632) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم: (47) – بابُ فَضْلِ مَن يَمُوتُ لَهُ ولَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ].
[تنويه]: وانظر: فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند (1289)، (1229)،
ورياح المسك العطرة على صحيح البخاري، بَابُ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]،
وانظر أيضًا: (2632) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم: (47) – بابُ فَضْلِ مَن يَمُوتُ لَهُ ولَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ.