: [1ج/ رقم (237)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (237)]:
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (2) ص (841)): حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وإسْحاقُ بْنُ مَنصُورٍ قالا حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنّا نَبِيعُ سَرارِيَّنا وأُمَّهاتِ أوْلادِنا، والنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فِينا حَيٌّ، لا نَرى بِذَلِكَ بَاسًا.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
ومحمد بن يحيى هو الذهلي، من مشايخ البخاري، وترك الرواية عنه مسلم، وهو إمام حافظ جليل القدر.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
كتاب: أبْوابُ العتق، (2) – بابُ أُمَّهاتِ الأوْلادِ، ((2517)).
وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون -دار الرسالة العالمية-: “إسناده صحيح.
ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو الزبير: هو محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» ((13211)).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» ((5021)) و ((5522)) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» ((14446))، و «صحيح ابن حبان» ((4323)).
وأخرجه أبو داود ((3954)) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ? وأبي بكر، فلما كان عمر نهى عن بيعهن.
قال البيهقي في «سننه» (10) / (348): ليس في شيء من هذه الأحاديث أن النبي ? علم بذلك فأقرهم عليه، وانظر لزامًا في ما علقناه على هذا الحديث في «المسند» “. انتهى.
وقال الحافظ في البلوغ – تحت حديث رقم ((792)) -: “رَواهُ النَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ والدّارَقُطْنِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ”. انتهى.
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(10) – كتاب البُيوع، (34) – بيع السراري وأمهات الأولاد، ((34)).
والثاني: شرح وبيان الحديث
قَوْلُهُ: (كُنّا نَبِيعُ سَرارِينا وأُمَّهاتِ أوْلادِنا)
– ” (سرارينا): مفردها سُرِّية، هي الجارية المملوكة.
– (بأسًا): «لا يرى بذلك بأسًا» أي إثمًا وحرجًا، قال في المحيط: قيل المعنى: لا يؤجر عليه، ولا يؤثم به”. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 257)].
– (أمهات الأولاد): أم الولد: هي من كانت رقيقة، فولدت من مالكها مولودًا حيًّا أو ميتًا، ولو لم يكن إلاَّ صورة خفية من إنسان، فإنها تعتق بموت سيدها”. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام].
“قِيلَ: يُحْتَمَلُ أنَّ ذَلِكَ كانَ مِمّا جازَ فِي العُمْرِ الأوَّلِ، ثُمَّ نَهى النَّبِيُّ ? قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيا؛ ولِذَلِكَ نَهى عَنْهُ عُمَرُ، وأمّا أبُو بَكْرٍ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِحالِ النّاسِ، أوْ بِحَدِيثِ النَّهْيِ،
وفِي الزَّوائِدِ إسْنادُهُ صَحِيحٌ، رِجالُهُ ثِقاتٌ. [حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ((2) / (105))].
س: هَلْ هِيَ مُعْتَقَةٌ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِها أوْ يَجُوزُ بَيْعُها لِوارِثِهِ؟
قالَ الحافِظُ أبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ والخَلَفُ مِنَ العُلَماءِ فِي عِتْقِ أُمِّ الوَلَدِ وفِي جَوازِ بَيْعِها.
فالثّابِتُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَدَمُ جَوازِ بَيْعِها؛ ورُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ وعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ – وهُوَ قَوْلُ أكْثَرِ التّابِعِينَ-، مِنهُمُ الحَسَنُ وعطاء ومجاهد وسالم وبن شِهابٍ وإبْراهِيمُ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ مالِكٌ والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ واللَّيْثُ وأبُو حَنِيفَةَ والشّافِعِيُّ فِي أكْثَرِ كُتُبِهِ، وقَدْ أجازَ بَيْعَها فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وقالَ المُزَنِيُّ قَطَعَ فِي أرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا من كتبه بأن لاتباع وهُوَ الصَّحِيحُ مِن مَذْهَبِهِ، وعَلَيْهِ جُمْهُورُ أصْحابِهِ،
وهُوَ قَوْلُ أبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ وزُفَرَ والحَسَنِ بْنِ صالِحٍ وأحْمَدَ وإسْحاقَ وأبِي عُبَيْدٍ وأبِي ثَوْرٍ.
وكانَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وعَلِيُّ بْنُ أبي طالب وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وجابِرٌ وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ يُجِيزُونَ بَيْعَ أُمِّ الوَلَدِ، وبِهِ قالَ داوُدُ. قالَهُ العَيْنِيُّ في شرح البخاري.
وقال بن الهُمامِ فِي شَرْحِ الهِدايَةِ أُمُّ الوَلَدِ هِيَ الأمَةُ الَّتِي يَثْبُتُ نَسَبُ ولَدِها مِن مالِكٍ كُلُّها أوْ بَعْضُها، ولا يَجُوزُ بَيْعُها ولا تَمْلِيكُها ولا هِبَتُها، بَلْ إذا ماتَ سَيِّدُها ولَمْ يُنْجِزْ عِتْقَها تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِن جَمِيعِ المالِ ولا تَسْعى لِغَرِيمٍ، وإنْ كانَ السَّيِّدُ مَدْيُونًا مُسْتَغْرَقًا، وهَذا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ والفُقَهاءِ إلّا مَن لا يُعْتَدُّ بِهِ كَبِشْرٍ المَرِيسِيِّ وبَعْضِ الظّاهِرِيَّةِ، فَقالُوا: يَجُوزُ بَيْعُها، واحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جابِرٍ.
ونُقِلَ هَذا المَذْهَبُ عَنِ الصديق وعلي وبن عباس وزيد بن ثابت وبن الزبير لكن عن بن مسعود بسند صحيح وبن عباس يعتق من نصيب ولدها. ذكره بن قُدامَةَ.
فَهَذا يُصَرِّحُ بِرُجُوعِهِما عَلى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوايَةِ الأُولى عَنْهُما. انْتَهى.
وقد حكى بن قُدامَةَ إجْماعَ الصَّحابَةِ عَلى عَدَمِ الجَوازِ، ولا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الحِكايَةِ ما رُوِيَ عن علي وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ مِنَ الجَوازِ؛ لِأنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمُ الرجوع عن المخالفة كما حكى ذلك بن رَسْلانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ عَلِيٍّ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ أنَّهُ رَجَعَ عَنْ رَايِهِ الآخَرِ إلى قَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحابَةِ.
وأخْرَجَ أيضا عن معمر عن أيوب عن بن سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ قالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ اجْتَمَعَ رَايِي ورَايُ عُمَرَ فِي أُمَّهاتِ الأوْلادِ أنْ لا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأيْتُ بَعْدُ أنْ يُبَعْنَ.
قالَ عَبِيدَةُ فَقُلْتُ لَهُ: فَرَايُكَ ورَايُ عُمَرَ فِي الجَماعَةِ أحَبُّ إلَيَّ مِن رَايِكَ وحْدَكَ فِي الفُرْقَةِ. وهَذا الإسْنادُ مَعْدُودٌ فِي أصَحِّ الأسانِيدِ. قالَهُ الشَّوْكانِيُّ. [عون المعبود وحاشية ابن القيم (10/ 343وما بعدها)]
والثالث: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): “أحاديث في الباب
– عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: «بِعْنا أُمَّهاتِ الأوْلادِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ? وأبِي بَكْرٍ، فَلَمّا كانَ عُمَرُ نَهانا فانْتَهَيْنا»، (د) (3954) [قال الألباني]: صحيح.
– وعنه رضي الله عنه، أنه قال: «كُنّا نَبِيعُ سَرارِيَّنا وأُمَّهاتِ أوْلادِنا، والنَّبِيُّ ? فِينا حَيٌّ، لا نَرى بِذَلِكَ بَاسًا»، (جه) (2517). [قال الألباني]: صحيح.
– وعَنْ جابِرٍ يَقُولُ: «إنّا كُنّا نَبِيعُ سَرارِيَّنا أُمَّهاتِ أوْلادِنا، والنَّبِيُّ ? فِينا حَيٌّ، لا يَرى بِذَلِكَ بَاسًا» (حم) (14446).
وراجع – «الصحيحة» ((2417)). – «الإرواء» ((1777)) “.
– عَن ابْن عُمَرَ -رَضِىَ اللهُ عنْهُما- قالَ: «نَهى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمَّهاتِ الأوْلادِ، فقال: لا تُباعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورثُ، يَسْتَمْتِعُ بِها ما بَدا لَهُ، فَإذا ماتَ فَهِيَ حُرّةٌ». رَواهُ مالكٌ والبَيْهَقِيُّ، وقالَ: رَفَعَهُ بَعْضُ الرُّواةِ فَوَهِمَ.
فهو أثر موقوف صحيح. رواه الدارقطني وقال: الصحيح وقفه على عمر، ومثله قال البيهقي وعبد الحق، وقال ابن دقيق العيد: المعروف فيه الوقف، وفي الباب آثار عن الصحابة.
وقال ابن عبد الهادي في المحرر: رواه مالك في الموطأ، وقال غلط فيه بعض الرواة فرفعه”. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 256)].
(المسألة الثانية): أحْكامَ أُمَّهاتِ الأوْلادِ
مقدمة:
أولاً:
أُمُّ الوَلَدِ هي التي ولَدَتْ مِن سَيِّدِها في مِلْكِه.
ثانيًا:
ولا خِلافَ في إباحَةِ التَّسَرِّي ووَطْءِ الإماءِ؛ لقولِ الله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ((29)) إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيمانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ}.
ثالثًا:
وقد كانت مارِيَةُ القِبْطِيَّةُ أُمَّ ولَدٍ للنبيِّ ?، [وهي أُمُّ] إبراهيمَ [بن النبيِّ ?] التي قال فيها النبيُّ ?: «أعْتَقَها ولَدُها». [أخرجه ابن ماجه، في: باب أمهات الأولاد، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه (2) / (841). والبيهقي، في: السنن الكبرى (10) / (346). وضعفه الحافظ في: تلخيص الحبير (4) / (218)].
وكانت هاجَرُ سُرِّيَّةَ إبْراهِيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ، أُمُّ إسماعيلَ – عليه السلام -. وكان لعمرَ بنِ الخَطّابِ، رَضِيَ اللهُ عنه، أُمَّهاتُ أوْلادٍ أوْصى لكُلِّ واحِدَةٍ منهنَّ بأرْبَعِمائةٍ [في تعليق الحاشية: وفيه أنه أوصى لهن بأربعة آلاف أربعة آلاف]،
وكان لعليٍّ، رَضِيَ اللهُ عنه، أُمَّهاتُ أوْلادٍ [ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7) / (288)]، ولكثيرٍ مِن الصحابَةِ.
وكان عليُّ بنُ الحسينِ، والقاسِمُ بنُ محمدٍ، وسالمُ بنُ عبدِ اللهِ، مِن أُمَّهاتِ أوْلادٍ.
ويُرْوى أنّ النّاسَ لم يكونُوا يَرْغَبُونَ في أمَّهاتِ الأوْلادِ حتى وُلِدَ هؤلاء الثَّلاثةُ، فرَغِبَ النّاسُ فِيهِنَّ.
ورُوِيَ عن سالِم بنِ عبدِ اللهِ، قال: كان لابنِ رَواحَةَ جارِيَةٌ، وكان يُرِيدُ الخَلْوَةَ بها، وكانتِ امْرَأتُه تَرْصُدُه، فخَلا البَيتُ فَوَقَعَ عليها، فنَذِرَتْ به [نذرت به: علمت به] امْرَأتُه، فقالت: أفَعَلْتَها؟
قال: ما فَعَلْتُ؟! قالت: فاقْرا إذًا. فقال:
شَهدْتُ بأنّ وعْدَ اللهِ حَقٌّ … وأنَّ النّارَ مَثْوى الكافرِينا
[في النسختين: بدل «الكافرِينا»: «الظالمينا» والتصويب من ديوانه، وكذلك من المغني (14) / (581)]
وأنَّ العَرْشَ فَوْقَ الماءِ طافٍ … وفَوْقَ العَرْشِ رَبُّ العالمِينا
وتَحْمِلُه مَلائِكةٌ شِدادٌ … مَلائِكَةُ الإلهِ مُسَوّمِينا
قالت: أما إذْ قَراتَ فاذْهَبْ. فأتى النبيَّ ?، فأخْبَرَه، قال: فلقد رَأيتُه يَضْحَكُ حتى تَبْدُوَ نَواجِذُه، ويقولُ: «هِيهِ، كَيفَ قُلْتَ؟». فأُكرِّرُه عليس، فيَضْحَكُ.
[خرجه ابن عساكر في تاريخه (9) / (217)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1) / (238)، والسبكي في: طبقات الشافعية (1) / (264)، وانظر الاستيعاب (3) / (901)]. []
قصة ابن رواحة مع زوجته:
قصة عبد الله بن رواحة مع زوجته
قال النووي: إسنادُ هذه القصةِ ضعيفٌ ومنقطعٌ أ. ه ” المجموع” (2/ 183).
قال أحدهم:
ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف
قال باحث آخر:
والشِّعر الذي قاله عبد الله بن رواحة ثابتٌ له دون القصة المذكورة
(المسألة الثالثة): ذَكَر مَصِيرِ الأمَةِ أُمَّ ولَدٍ شَرْطَين
(إذا حَمَلَتِ الأمَةُ مِن سيدِها، فوضَعَتْ منه ما يَتَبَيَّنُ فيه بعضُ خَلْقِ الإنْسانِ، صارت له بذلك أُمَّ ولَدٍ، فإذا ماتَ عَتَقَتْ وإن لم يَمْلِكْ غَيرَها)
قال أبو الفرج عبد الرحمن ابن قدامة المقدسي (المتوفى: (682) هـ) رحمه الله تعالى:
ذَكَر مَصِيرِ الأمَةِ أُمَّ ولَدٍ شَرْطَين:
أحدُهما: أن تَحْمِلَ به في مِلْكِه، سواءٌ كان مِن وطْءٍ مُباحٍ، أو مُحَرَّمٍ؛ كالوَطْءِ في الحَيضِ، والنِّفاسِ، والإحْرامِ، والظِّهارِ.
فأمّا إن عَلِقَتْ منه في غيرِ مِلْكِه لم تصِرْ بذلك أُمِّ ولدٍ، سَواءٌ عَلِقَت منه بمَمْلوكٍ، مثلَ أن يَطَأها في مِلْكِ غيرِه بنِكاحٍ أو زِنًى، أو عَلِقَتْ بحُرٍّ، مثلَ أن يَطَأها بشُبْهَةٍ، أو غُرَّ مِن أمَةٍ، فتَزَوَّجَها على أنّها حُرَّةٌ فاسْتَوْلَدَها، أو اشْتَرى جارِيَةً فاسْتَوْلَدَها ثم ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً، فإنّ الولدَ حُرٌّ، ولا تَصِيرُ الأمَةُ أُمَّ ولَدٍ في هذه المواضِعِ بحالٍ.
فإن مَلَكَها بعدَ ذلك، ففيه اخْتِلافٌ، يُذْكَرُ إنْ شاء اللهُ تعالى.
الشرطُ الثّاني: أن تَضَعَ ما يَتَبَيَّنُ فيه شيءٌ مِن خَلْقِ الإنْسانِ، من رَاسٍ، أو يَدٍ، أو رِجْلٍ، أو تَخْطيطٍ [-في الأصل: «تخليط» -]، سواءٌ وضَعَتْه حيًّا أو مَيِّتًا، وسواءٌ أسْقَطَتْه أو كان تامًّا.
قال عمرُ، رَضِيَ اللهُ عنه: إذا ولَدَتِ الأمَةُ مِن سيدِها فقد عَتَقَتْ، وإن كان سَقْطًا. [أخرجه سعيد بن منصور، في: سننه (2) / (61). والبيهقي، في: السنن الكبرى (10) / (346)]،
وقال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: أُمُّ الولدِ إذا أسْقَطَتْ لا تَعْتِقُ؟
فقال: إذا تَبَيَّنَ فيه يَدٌ أو رِجْلٌ أو شيءٌ مِن خَلْقِه فقد عَتَقَتْ.
هذا قولُ الحسنِ، والشافعيِّ. وقال الشَّعْبِيُّ: إذا نَكَس في الخَلْقِ الرابِعِ فكان مُخَلَّقًا، انْقَضَتْ به عِدَّةُ الحُرَّةِ، وأُعْتِقَتْ به الأمَةُ.
قال شيخُنا [في: المغني (14) / (596)]: ولا أعْلَمُ في هذا خِلافًا بينَ مَن قال بِثُبُوتِ حكمِ الاسْتِيلادِ.
فأمّا إن ألْقَتْ نُطْفَةً أو عَلَقَةً، لم يثْبُتْ به شيءٌ مِن أحْكامِ الولادَةِ؛ لأنّه ليس بولدٍ. وروى يُوسُف بنُ موسى، أنّ أبا عبدِ اللهِ قيل له: ما تقولُ في الأمَةِ إذا ألْقَتْ مُضْغَةً أو عَلَقَةً؟ قال: تَعْتِقُ. وهذا قولُ إبراهيمَ النَّخَعِيِّ.
وذَكَرَ الخِرَقِيُّ لمصيرِها أُمَّ ولَدٍ شَرْطًا ثالِثًا، وهو: أن تحْمِلَ بحُرِّ.
ويُتَصَوَّرُ ذلك في المِلْكِ في مَوْضِعَين:
أحدُهما: في العبدِ إذا مَلَّكَه سيِّدُه أمةً، وقُلْنا: إنّه يَمْلِكُ. فوَطِئَ أمَتَه، فاسْتَوْلَدَها، فوَلَدُه مَمْلوكٌ، ولا تَصِيرُ الأمَةُ به أمَّ ولَدٍ يثْبُتُ لها حُكمُ الاسْتِيلادِ بذلك، وسَواءٌ أذِنَ له سيدُه في التَّسَرِّي بها أو لم يَاذَنْ.
الثاني: إذا اسْتَوْلَدَ المُكاتَبُ أمَتَه، فإنّ ولدَه مَمْلوكٌ له، ولا يثْبُتُ للأمَةِ أحْكامُ أُمِّ الوَلَدِ في العِتْقِ بمَوْتِه في الحالِ؛ لأنّ المُكاتَبَ ليس بحُرٍّ، وكذلك ولَدُهُ منها، فأوْلى أن لا تَتَحرَّرَ هي.
ومتى عَجَزَ المُكاتَبُ وعاد إلى الرِّقِّ، أو ماتَ قبلَ أداءِ كِتابَتِه، فهي أمَةٌ قِنٌّ، كالعبدِ القِنِّ. وهل يَمْلِكُ المُكاتَبُ بَيعَها؟ فيه خِلافٌ ذَكَرْناه في بابِ المُكاتَبِ. [الشرح الكبير على المقنع (19/ 415وما بعدها)].
(المسألة الرابعة): “وتَعْتِقُ بمَوْتِ سيدِها مِن رَاسِ المالِ، وإن لم يَمْلِكْ سواها.
وهذا قولُ كلِّ مَن رَأى عِتْقَهُنَّ، لا نَعْلَمُ بينَهم خِلافًا في ذلك. وسَواءٌ ولَدَت في الصِّحَّةِ أو المرضِ؛ لأنّه حاصِل بالتِذاذِه وشَهْوَتِه، وما يُتْلِفُه في لذّاتِه، يَسْتَوي فيه حالُ الصِّحَّةِ والمرضِ، كالذي يأكُلُه ويَلْبَسُه.
ولأنّ عِتْقَها بعدَ الموتِ، وما يكونُ بعدَ الموتِ يَسْتَوي فيه المَرَضُ والصِّحَّةُ، كقَضاءِ الدَّينِ، والتَّدْبِيرِ، والوَصِيَّةِ.
قال سعيدٌ: حدثنا سُفْيان، عن يَحْيى بنِ سعيدٍ، عن نافع، قال: أدْرَكَ ابنَ عمرَ رجلانِ، فقالا: إنّا تَرَكْنا هذا الرجلَ يَبِيعُ أُمَّهاتِ الأوْلادِ! يَعْنِيانِ ابنَ الزُّبَيرِ. فقال ابنُ عمرَ، أتَعْرِفان أبا حَفْصٍ؟ فإنّه قَضى في أُمَّهاتِ الأولادِ أن لا يُبَعْنَ، ولا يُوهَبْنَ، يَسْتَمْتِعُ بها صاحِبُها، فإذا مات فهي حُرَّةٌ.
[في: باب ما جاء في أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. السنن (2) / (62). كما أخرجه البيهقي، في: باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد له، وباب الخلاف في أمهات الأولاد، من كتاب عتق أمهات الأولاد. السنن الكبرى (10) / (343)، (348). وعبد الرزاق، في باب بيع أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. المصنف (7) / (392)، (393)].
وقال: حدثنا عتابٌ، عن خُصَيفٍ، عن عِكْرمَةَ، عن ابن عباس، قال: قال عمرُ: ما مِن رَجُلٍ كان يُقِرُّ بأنّه كان يَطَأُ جارِيَتَه، يموتُ، إلّا أعْتَقَها [إذا ولَدَتْ]، وإنْ كان سَقْطًا.
وروى ابنُ ماجه عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ اللهِ ?: «أيُّما أمَةٍ ولَدَتْ مِن سَيِّدِها، فهي حُرَّةٌ عن دُبُرٍ منه». [باب أمهات الأولاد، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه (2) / (841). كما أخرجه الدارمي، في: باب بيع أمهات الأولاد، من كتاب البيوع. سنن الدارمي (2) / (257). والإمام أحمد، في: المسند (1) / (320)].
فصل:
وإذا عَتَقَتْ بمَوْتِ سيدِها، فما كان في يَدِها مِن شيءٍ فهو لوَرَثَةِ سيدِها؛ لأنّ أُمُّ الوَلَدِ أمَةٌ، وكَسْبُها لسيدِها، وسائِرُ ما في يَدِها له،
فإذا مات سيدُها فعَتَقَتْ، انْتَقَلَ ما في يَدِها إلى ورَثَتِه، كسائِرِ مالِه، وكما في يَدِ المُدَبَّرَةِ، بخِلافِ المُكاتَبَةِ، فإنّ كَسْبَها في حياةِ سيدِها لها، فإذا عَتَقَتْ بَقِيَ لها كما كان لها قبلَ العِتْقِ.
فصل:
ولا فَرْقَ بينَ المُسْلِمَةِ والكافِرَةِ، والعَفِيفَةِ والفاجِرَةِ، ولا بينَ المسلمِ والكافِرِ، والعَفِيفِ والفاجِرِ، في هذا،
في قولِ أهلِ الفَتْوى مِن أهلِ الأمْصارِ؛ لأنّ ما يتعلَّقُ به العِتْقُ يَسْتَوي فيه المسلمُ والكافِرُ، كالتَّدْبِيرِ والكتابَةِ، ولأنّ عِتْقَها بسَبَبِ اخْتلاطِ دَمِها بدَمِه ولحمِها بلَحْمِه، فإذا اسْتَوَيا [في النسبِ، استويا] في حُكْمِه.
وقد روى سعيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، حدثنا منصور، عن ابن سِيرِين، عن أبي عَطِيَّةَ الهَمْدانِيِّ، عن عمرَ بنِ الخَطّابِ، قال في أُمِّ الولدِ: إن أسْلَمَتْ وأحْصَنَتْ وعَفَّت، أُعْتِقَتْ، وإن كَفَرَتْ وفَجَرَتْ وغَدَرَتْ، رَقَّتْ. [في سننه (2) / (62)].
وقال أيضًا: حدثنا هشَيمٌ، حدثنا يحيى بنُ آدمَ، عن أُمِّ ولَدِ رجلٍ ارْتَدَّتْ عن الإسلامِ، فكُتِبَ في ذلك إلى عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، فكَتَبَ عمرُ أن يبيعُوها [بأرضٍ ليس بها] أحَدٌ بِن أهلِ دِينِها.
فعلى هذا الحديثِ، يَنْبَغِي أن يَخْتَصَّ العِتْقُ بالمُسْلِمَةِ العَفِيفَةِ، وتَرِقَّ الكافرةُ الفاجرةُ. واللهُ أعلمُ. [الشرح الكبير على المقنع (19/ 419وما بعدها)].
(المسألة الخامسة): (وإن وضَعَتْ جسْمًا لا تَخْطيطَ فيه، فعلى رِوايَتَين)
أمّا إذا وضَعَتْ مُضْغَةً لم يظْهَرْ فيها شيءٌ مِن خَلْقِ الآدَمِيِّ، فشَهِدَ ثِقاتٌ مِن القَوابِلِ أنّ فيها صُورَةً خَفِيَّةً، تَعَلَّقَتْ بها الأحْكامُ؛
لأنّهُنَّ اطَّلَعْنَ على الصُّورَةِ التي خَفِيَتْ على غَيرِهِنَّ.
وإن لم يَشْهَدْن بذلك، لكنْ عُلِمَ أنّه مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيِّ بشَهادَتِهنَّ أو غيرِ ذلك، ففيه رِوايَتان:
إحداهُما: لا تصِيرُ به الأمةُ أُمَّ ولَدٍ، ولا تَنْقَضِي به عِدَّةُ الحُرَّةِ، ولا يجبُ على الضّارِبِ المُتْلِفِ له غُرَّةٌ ولا كفّارَةٌ.
وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، والشافعيِّ، وظاهِرُ ما نَقَلَه الأثْرَمُ عن أحمدَ، وظاهِرُ قَوْلِ الحسنِ، والشَّعْبِيِّ، وسائِرِ مَن اشْتَرَطَ أنْ يَبِينَ فيه شيءٌ مِن خَلْقِ الآدَمِيِّ.
والثانِيَةُ: تَتَعَلَّقُ به الأحْكامُ الأرْبَعةُ؛ لأنّه مُبْتَدَأ خَلْقِ آدَمِيِّ، أشْبَهَ إذا تَبَيَّنَ.
وخرَّجَ أبو عبدِ اللهِ بنُ حامِدٍ رِوايَةً ثالِثَةً، وهي: أنّ الأمَةَ تصيرُ به أُمَّ ولدٍ، ولا تَنْقَضِي به عِدَّةُ الحُرَّةِ؛ لأنّه رُوِيَ عن أحمدَ، إذا وضَعَتْ شيئًا، فمَسَّتْه القَوابِلُ فعَلِمْنَ أنّه لحمٌ ولم يَتَبَيَّنْ لحمُه، فيُحْتاطُ في العِدَّةِ بأُخْرى، ويُحْتاطُ بعِتْقِ الأمَةِ.
فظاهِرُ هذا أنّه حَكَمَ بعِتْقِ الأمَةِ، ولم يَحْكُمْ بانْقِضاءِ العِدَّةِ؛ لأنّ عِتْقَ الأمَةِ تحصِيلٌ للحُرِّيةِ، فاحْتيطَ بتَحْصِيلها، والعِدَّةُ يتَعَلَّقُ بها تَحْرِيمُ التَّزَوُّجِ وحُرْمَةُ الفَرْجِ، فاحْتِيطَ بإبْقائِها.
وقال بعضُ الشافعِيَّةِ بالعَكْسِ: لا تجبُ العِدَّةُ، ولا تصيرُ الأمَةُ أُمَّ ولدٍ؛ لأنّ الأصْلَ عَدَمُ كلِّ واحِدٍ منهما، فيَبْقى على أصْلِه. ولا يَصِحُّ؛ لأنّ العِدَّةَ كانتْ ثابتَةً، والأصْلُ بقاؤها على ما كانت عليه، والأصْلُ في الآدَمِيِّ الحُرِّيةُ، فيُغَلَّبُ ما يُفْضِي إليها. [الشرح الكبير على المقنع (19/ 422وما بعدها)، وهناك مسائل أخرى ذكرها بعد ذلك].
(المسألة السادسة):
(تنبيهٌ) في قوله صلى الله عليه وسلم: «أن تلد الأمة ربتها»: قال النوويّ رحمه الله تعالى: ليس في هذا الحديث دليل على إباحة بيع أمهات الأولاد، ولا منع بيعهنّ، وقد استدَلَّ إمامان من كبار العلماء به على ذلك، فاستدل أحدهما على الإباحة، والآخر على المنع، وذلك عجب منهما، وقد أُنكِر عليهما، فإنه ليس كلُّ ما أخبر ? بكونه من علامات الساعة يكون مُحَرَّمًا أو مذمومًا، فإن تطاول الرِّعاء في البنيان، وفُشُوَّ المال، وكون خمسين امرأة لهن قَيِّمٌ واحد ليس بحرام بلا شكّ، وإنما هذه علامات، والعلامة لا يُشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشرّ، والمباح والمحرم، والواجب غيره. انتهى [«شرح النووي على صحيح مسلم» (1) / (159)].
وعبارة القاضي عياض رحمه اللهُ: قال الخطابيّ: قد يَحتجّ بهذا الحديث من يرى بيع أمهات الأولاد، ويحتجّ بأنهنّ لم يُبعنَ بعد موت السيّد؛ لأنهنّ يصرن في التقدير ملكًا لأولادهنّ، فيُعتقن.
قال القاضي: ولا حجّة له في هذا؛ إذ ليس في الحديث شيء يدلّ عليه، بل قد نُوزع في استدلاله.
وقال أبو زيد المروزيّ: وهو ردّ على من يرى بيعهنّ لإنكار النبي ? أن تلد الأمة من يملكها، وجعله ذلك من أشراط الساعة، ومعناه عنده أن يبيع أمه آخر الزمان.
وليس ما قال بشيء؛ لأن كلّ ما أُخبر عنه أنه من أشراط الساعة لا تُحَرِّمه الشريعة، ألا ترى أن تطاول الرِّعاء في البنيان ليس بحرام، ولا أن يكون اللُّكَع أسعد الناس بالدنيا ليس مما يُحرّمها عليه، ولا فشُوّ المال جملة مما يُحرّمه، ولا أن يكون لجماعة النساء القيّم الواحد مما يُحرّم ذلك.
وليس في الكلام دليل على إنكار النبيّ ?، كما زَعَم، ولا فيه غيرُ إخبارٍ عن حال تكون. وأما قوله: إن معناه أن يبيع الولد أمه آخر الزمان، فليس فيه دليلٌ على منع بيعها قبل ملك ابنها؛ إذ من يُجوّز بيعها من أهل الظاهر يوافق الجماعة في أنها لا تباع ما دامت حاملًا، ولا إذا تصير ملكًا لابنها بميراث، أو غيره. انتهى [» المفهم” (1) / (150)].
(المسألة السابعة): فوائد وفقه الحديث:
(1) – يدل أثر عمر -رضي الله عنه- على تحريم بيع أمهات الأولاد، وتحريم نقل الملك فيهن بأي طريقة ووسيلة، سواء كان بيعًا، أو هبة، أو إرثًا،
وإنما تبقى أم ولد،
تأخذ من أحكام الأحرار عدم جواز التصرف فيها بما ينقل الملك، أو يسببه،
وتأخذ من أحكام الرقيق جواز الخدمة، والاستمتاع.
(2) – أنّها بعد موت سيدها تكون حرَّة تامة الحرية، تملك جميع تصرفاتها، فبدأ عتقها بولادتها من سيدها، وبعد موته كمل عتقها.
(3) – أما حديث جابر فيدل على جواز بيع أمهات الأولاد، وأنّ النَّبي ? يعلم ذلك ويقرهم عليه.
(4) – جمهور العلماء أخذوا بما نهى عنه عمر، واعتبروه إجماعًا من الصحابة، وأيدوه بما رواه أحمد وابن ماجه والحاكم أنّ النَّبيَّ ? قال: «أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دُبُره».
(5) – أجابوا عن حديث جابر بأنّه مجرد إقرار على فعلٍ، وقته لا يعرف بالتحديد، وتتطرق إليه احتمالات كثيرة.
(6) – قال فقهاؤنا: إذا أولد حرٌّ أمته ولدًا حيًّا أو ميتًا، قد تبيَّن فيه خلق الإنسان صارت أم ولدٍ له، تعتق بموته من كل ماله، ولو لم يملك غيرها، وإليه ذهب الأئمة الثلاثة؛ لحديث ابن عبّاس يرفعه: «من وطيء أمته فولدت فهي معتقة عن دبر منه» [رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني].
وذكرت أم إبراهيم عند النَّبي ? فقال: «أعتقها ولدها». وهو قول أصحاب النبي ? ومذهب جماهير العلماء.
(7) – قال ابن رشد: الثابت عن عمر أنّه قضى بأنّ أم الولد لا تباع، وأنّها حرَّة من رأس مال سيدها إذا مات، وهو قول أكثر التابعين، وجمهور فقهاء الأمصار،
وحكى ابن عبد البر والإسفراييني والباجي والبغوي وغيرهم الإجماع على أنّه لا يجوز بيعها، ولا نقل الملك فيها”. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 257 – 258)].
(8) – قال محقق كتاب الاختيارات الفقهية لمحمد بن داود الصيدلاني 427
«لا شك في ثبوت بيع أمهات الأولاد في عهده – ? – لهذه الأحاديث، وإنما الشك في استمرار ذلك، وعدم نهيه – ? – عنه»
(2). والراجح-والله أعلم- أن عمر هو أول من نهى وسن تحريم بيع أمهات الأولاد، وأما قول سعيد بن المسيب: «إن الناس يقولون: إن أول من أمر بعتق أمهات الأولاد عمر ?، وليس كذلك، ولكن رسول الله – ? -: أول من أعتقهن، ولا يجعلن في ثلث، ولا يبعن في دين» ((2)). فلا يصح سنده
مع عدم مخالفة أحد لعمر حين أفتى وأمر به انعقد إجماع الصحابة على عدم بيعهن ((1)).
ومتابعة الصحابة ? لعمر ? إنما هي لاتفاقهم فيما رأوه، لا لأن بعضهم يقلد بعضًا تقليدًا أعمى ((2)).
(4). وقد سئل عكرمة عن أمهات الأولاد، قال: «هن أحرار». قيل: بأي شيء تقوله؟ قال: «بالقرآن»، قالوا: بماذا من القرآن؟ قال: «قول الله ?: {أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} ((3))،» وكان عمر من أولي الأمر، قال: عُتِقت وإن كان سقطًا ((4)).
(5). فالراجح -والله أعلم- قول المذاهب الأربعة الذي هو قول عمر ? المحدث الملهم، كيف لا يكون راجحًا وقد اجتمع عليه الأنصار والمهاجرين حين أفتى به، وقولهم في اجتماعهم خيرٌ وأحبُّ من قول أحدهم على انفراد، وقد طار بقوله الركبان، وصار سائرًا بين الأمصار، واجتمع عليه فقهاء الأقطار،
ولا يرِد على قول الجمهور مخالفة عمر – ? – لمن قبله؛ لأن أعرف الناس بالسنة والاتباع، وأفقههم وأعلمهم بهدي النبي – ? -، وأقواهم تعظيمًا لقول النبي – ? – وهديه هم الذين اجتمعوا على كلمة عمر – ? – حين كتب الى الأمصار من المهاجرين والأنصار، وحينها يُعرف غور فقه عبيدة السلماني – ? – حينما قال له عليٍّ – ? -: «اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن» قال: «ثم رأيت بعد أن يبعن»، قال عبيدة السلماني: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحبُّ إليَّ من رأيك وحدك في الفرقة – أو قال: في الفتنة – قال: فضحك علي
هذا كله إذا لم نسلِّم بصحة أحاديث النهي المرفوعة، أما إذا سلمنا بصحتها، فقد قطعت جهيزةُ قولَ كل خطيب. واحتمال صحتها قريب
قال العلامة الألباني – رحمه الله – في سلسلة الأحاديث الصحيحة ((5) / (543) – (545)): الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في الباب، فإنها وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فمجموعها مما يقوي النهي «.
وقال:» وفي رواية أخرى له عنه به بلفظ: «أعتق أم إبراهيم ولدها». وهو مخرج في «الإرواء» ((1799)). وقال البيهقي بعد أن روى ما تقدم عن عمر من النهي: «يشبه أن يكون عمر – ? – بلغه عن النبي – ? – أنه حكم بعتقهن بموت ساداتهن نصًا، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، ويشبه أن يكون هو وغيره استدل ببعض ما بلغنا وروينا عن النبي – ? – ما يدل على عتقهن، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل الاختلاف مع الاستدلال بالسنة». قلت: وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر ومجموع ذلك كله يشهد لصحة حديث الترجمة «لا تباع أم الولد». والله أعلم” انتهى.
ونقل عن علي بأنه أمر شريح بأن يقضي بأن لا يبعن وقال لا أحب الخلاف.
وانظر المسألة أيضًا: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (ت (804)) (16/ 178وما بعدها)، وفتح الباري لابن حجر (ت (852))، عند قوله: (قَوْلُهُ بابُ أُمِّ الوَلَدِ)، (5/ 164).