: [1ج/ رقم (232)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (232)]:
قال البزار رحمه الله كما في «كشف الأستار» (ج (2) ص (263)): حدثنا محمد بن معمر، ثنا روح، ثنا ابن جريج، أخبرني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: شكى ((1)) ناس إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا لهم وقال: «عليكم بالنسلان»، فانتسلنا فوجدناه أخف علينا.
قال البزار: لا نعلم هذا إلا عن جابر بهذا الإسناد.
هذا حديث حسنٌ. وروح هو ابن عبادة.
الحديث أخرجه الحاكم (ج (1) ص (443)) و (ج (2) ص (101)) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
===
وقال الشيخ الوادعي في الحاشية: ((1)) “في «النهاية» في مادة (نسل): فيه أنهم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الضعف، فقال: «عليكم بالنسل»، وفي رواية: شكوا إليه الإعياء، فقال: «عليكم بالنسلان»، أي: الإسراع في المشي، وقد نسل ينسل نَسْلًا ونَسَلانًا. اهـ”. انتهى.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
الوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(4) – كتاب الصلاة، (217) – إسراع المسافر السير، ((1129)).
وفي صحيح ابن خزيمة بوب عليه: بابُ اسْتِحْبابِ النَّسْلِ فِي المَشْيِ عِنْدَ الإعْياءِ مِنَ المَشْيِ لِيَخِفَّ النّاسِلُ ويَذْهَبَ بَعْضُ الإعْياءُ عَنْهُ، ثم أورد الحديث بنحوه.
وفي الطب النبوي لأبي نعيم الأصبهاني (ت (430)) رحمه الله بوب عليه: ” [(127)] باب علاج الإعياء من شدة المشي”، رقم ((425)).
وفي المطالب العالية محققا لابن حجر العسقلاني (ت (852)) (9/ 398)، برقم ((2010))، قال: أخْبَرَنا رَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ محمَّد عَنْ أبِيهِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: إنَّ قَوْمًا [شَكَوْا] ((1)) إلى رَسُولِ اللَّهِ المَشْيَ، فَدَعاهُمْ فَقالَ: عليكم بالنَّسَلان، فنسلنا فوجدناه أخفّ علينا.
قال المحقق:
” (2010) – تخريجه: لم أقف عليه فيما وصلنا من مسند إسحاق.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه ((4) / (140): (2537))، عن إسحاق بن منصور، والحاكم ((1) / (443))، من طريق الحارث بن أبي أسامة، و ((2) / (101))، من طريق إبراهيم بن عبد الله السعدي، ومن طريقه هذه البيهقي في الكبرى ((5) / (256))، والخطّابي في غريب الحديث ((2) / (371))، من طريق محمَّد بن معمر، خمستهم عن روح بن عبادة به بلفظه.
وهذا إسناده صحيح.
وأخرجه أيضًا أبو نعيم في كتاب الطب كما في مختصره للتيفاشي (ص (141)).
وأورده الهندي في كنز العمال ((6) / (715) – (716))، وعزاه لابن حبّان وأبي يعلى وسعيد بن منصور.
ولم أقف عليه في هذه الكتب الثلاث عند رجوعي إليها.
الحكم عليه: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح”. انتهى.
وقال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 834):
(465) – «عليكم بالنسلان».
رواه الحاكم ((1) / (443)، (2) / (101)) وأبو نعيم في «الطب» ((2) / (8) / (1)) عن روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: «شكا ناس إلى النبي ? المشي فدعا بهم فقال: (فذكره) فنسلنا فوجدناه أخف علينا».
وقال: «صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وله شاهد مرسل أخرجه ابن قتيبة في «غريب الحديث» ((1) / (127) / (1)):
حدثني أبي حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق عن ابن عيينة عن رجل أن النبي ? مر بأصحابه وهم يمشون فشكوا الإعياء فأمرهم أن ينسلوا.
قلت: وهذا مرسل لأن ابن عيينة واسمه الحكم أبو محمد الكندي مولاهم تابعي روى عن أبي جحيفة وغيره. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير والد ابن قتيبة واسمه مسلم بن قتيبة فلم أجد له ترجمة، ويبدو أنه مجهول لا يعرف، فقد ترجم الخطيب ((10) / (170)) وغيره لابنه عبد الله بن مسلم بن قتيبة، فلم يذكروا في شيوخه والده هذا!
(النسلان) بفتح النون والسين المهملة – الإسراع في المشي”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
بالنَّسَلانِ، وهو مُقارَبةُ الخُطواتِ معَ الإسْراعِ، فهو جَرْيٌ خَفيفٌ، وعندَ ابنِ خُزَيمةَ: «اسْتَعينوا بالنَّسْلِ؛ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عنكمُ الأرْضَ، وَتَخِفُّونَ لَهُ»، فلمَّا فَعَلوا ذلك، وأسْرَعوا خُطواتِهم، وَجَدوا ذلك أخفَّ عليهم، وأيسَرَ في السَّيرِ، وذهَب عنهمُ التَّعبُ؛ وذلك لأنَّ مُقارَبةَ الخُطواتِ في السَّفرِ، ومعَ المَشيِ الكَثيرِ تَكونُ أرفَقَ بالإنْسانِ وبأعْضائِه، ويكونُ خَفيفًا، ولا تَستَهلِكُ طاقَتَه مِثلَ مُباعَدةِ الخُطواتِ الَّتي تُرهِقُه. [الدرر].
وفي هذا بيان لطريقة المشي النافع الخفيف على الجسد ألا وهو المشي السريع مع تقارب الخطوات، وهذه السرعة لا تذهب بالوقار.
والثالث: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): التعريف
“مَشْيٌ التَّعْرِيفُ:
(1) – المَشْيُ لُغَةً السَّيْرُ عَلى القَدَمِ، سَرِيعًا كانَ أوْ غَيْرَ سَرِيعٍ، يُقال: مَشى يَمْشِي مَشْيًا: إذا كانَ عَلى رِجْلَيْهِ، سَرِيعًا كانَ أوْ بَطِيئًا، فَهُوَ ماشٍ، والجَمْعُ مُشاةٌ [المغرب، والمصباح المنير].
ولاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمال الفُقَهاءِ عَنِ المَعْنى اللُّغَوِيِّ:
الالْفاظُ ذاتُ الصِّلَةِ:
أ – السَّعْيُ:
(2) – مِن مَعانِي السَّعْيِ فِي اللُّغَةِ الاسْراعُ فِي المَشْيِ [المصباح المنير، والمغرب].
والسَّعْيُ فِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلَقُ عَلى مَعانٍ مِنها: قَطْعُ المَسافَةِ الكائِنَةِ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ سَبْعَ مَرّاتٍ ذَهابًا وإيابًا، ومِنها: الاسْراعُ فِي المَشْيِ.
قال الرّاغِبُ الاصْفَهانِيُّ: السَّعْيُ: المَشْيُ السَّرِيعُ وهُوَ دُونَ العَدْوِ [المفردات في غريب القرآن].
والصِّلَةُ بَيْنَهُما هِيَ أنَّ المَشْيَ أعَمُّ مِنَ السَّعْيِ [الكليات لأبي البقاء الكفوي (2) / (214)].
ب – الرَّمَل
(3) – الرَّمَل – بِفَتْحِ المِيمِ – فِي اللُّغَةِ الهَرْوَلَةُ [المصباح المنير]، قال صاحِبُ النِّهايَةِ: رَمَل يَرْمُل رَمَلًا ورَمَلاَنًا: إذا أسْرَعَ فِي المَشْيِ وهَزَّ مَنكِبَيْهِ [النهاية لابن الأثير (2) / (265) ولسان العرب].
ولاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمال الفُقَهاءِ لِهَذا اللَّفْظِ عَنْ مَعْناهُ اللُّغَوِيِّ، لَكِنَّ النَّوَوِيَّ قال: الرَّمَل – بِفَتْحِ الرّاءِ – هُوَ إسْراعُ المَشْيِ مَعَ تَقارُبِ الخُطى دُونَ الوُثُوبِ والعَدْوِ [تهذيب الأسماء واللغات (3) / (127) – (128)].
والصِّلَةُ بَيْنَهُما هِيَ أنَّ الرَّمَل أخَصُّ مِنَ المَشْيِ”. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (37/ 335)].
وسيأتي بيان الأحكام المتعلقة بالمشي
(المسألة الثانية): بيان صفة مشي النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان أنواع المشيات
قال ابن القيم رحمه الله:
فَصْلٌ: فِي هَدْيِهِ ? فِي مَشْيِهِ وحْدَهُ ومَعَ أصْحابِهِ
كانَ إذا مَشى تَكَفَّأ تَكَفُّؤًا، وكانَ أسْرَعَ النّاسِ مِشْيَةً وأحْسَنَها وأسْكَنَها، قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: («ما رَأيْتُ شَيْئًا أحْسَنَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ?، كَأنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وجْهِهِ، وما رَأيْتُ أحَدًا أسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِن رَسُولِ اللَّهِ ? كَأنَّما الأرْضُ تُطْوى لَهُ، وإنّا لَنُجْهِدَ أنْفُسَنا وإنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ»)، وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ («كانَ رَسُولُ اللَّهِ ? إذا مَشى تَكَفَّأ تَكَفُّؤًا كَأنَّما يَنْحَطُّ مِن صَبَبٍ»)،
وقالَ مَرَّةً («إذا مَشى تَقَلَّعَ»)، قُلْتُ: والتَّقَلُّعُ الِارْتِفاعُ مِنَ الأرْضِ بِجُمْلَتِهِ، كَحالِ المُنْحَطِّ مِنَ الصَّبَبِ، وهِيَ مِشْيَةُ أُولِي العَزْمِ والهِمَّةِ والشَّجاعَةِ، وهِيَ أعْدَلُ المِشْياتِ وأرْواحُها لِلْأعْضاءِ وأبْعَدُها مِن مِشْيَةِ الهَوَجِ والمَهانَةِ والتَّماوُتِ،
فَإنَّ الماشِيَ:
إمّا أنْ يَتَماوَتَ فِي مَشْيِهِ ويَمْشِيَ قِطْعَةً واحِدَةً كَأنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ، وهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ،
وإمّا أنْ يَمْشِيَ بِانْزِعاجٍ واضْطِرابٍ مَشْيَ الجَمَلِ الأهْوَجِ، وهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أيْضًا، وهِيَ دالَّةٌ عَلى خِفَّةِ عَقْلِ صاحِبِها، ولا سِيَّما إنْ كانَ يُكْثِرُ الِالتِفاتَ حالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وشِمالًا،
وإمّا أنْ يَمْشِيَ هَوْنًا، وهِيَ مِشْيَةُ عِبادِ الرَّحْمَنِ كَما وصَفَهُمْ بِها فِي كِتابِهِ؛ فَقالَ {وعِبادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا} [الفرقان (63)] [الفُرْقانِ: (63)] قالَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ ووَقارٍ مِن غَيْرِ تَكَبُّرٍ ولا تَماوُتٍ، وهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ ?
والمِشْياتُ عَشَرَةُ أنْواعٍ:
هَذِهِ الثَّلاثَةُ مِنها يعني المتماوت والمضطرب والمعتدل الهون والتكفؤ، والرّابِعُ: السَّعْيُ،
والخامِسُ: الرَّمَلُ، وهُوَ أسْرَعُ المَشْيِ مَعَ تَقارُبِ الخُطى، ويُسَمّى: الخَبَبَ، وفِي الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيَّ ? («خَبَّ فِي طَوافِهِ ثَلاثًا، ومَشى أرْبَعًا»).
السّادِسُ: النَّسَلانُ، وهُوَ العَدْوُ الخَفِيفُ الَّذِي لا يُزْعِجُ الماشِيَ ولا يُكْرِثُهُ. وفِي بَعْضِ المَسانِيدِ أنَّ المُشاةَ شَكَوْا إلى رَسُولِ اللَّهِ ? مِنَ المَشْيِ فِي حَجَّةِ الوَداعِ، فَقالَ: («اسْتَعِينُوا بِالنَّسَلانِ»).
والسّابِعُ: الخَوْزَلى، وهِيَ مِشْيَةُ التَّمايُلِ، وهِيَ مِشْيَةٌ يُقالُ: إنَّ فِيها تَكَسُّرًا وتَخَنُّثًا.
والثّامِنُ: القَهْقَرى، وهِيَ المِشْيَةُ إلى وراءٍ.
والتّاسِعُ: الجَمَزى، وهِيَ مِشْيَةٌ يَثِبُ فِيها الماشِي وثْبًا.
والعاشِرُ: مِشْيَةُ التَّبَخْتُرِ، وهِيَ مِشْيَةُ أُولِي العُجْبِ والتَّكَبُّرِ، وهِيَ الَّتِي خَسَفَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِصاحِبِها لَمّا نَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ وأعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأرْضِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وأعْدَلُ هَذِهِ المِشْياتِ مِشْيَةُ الهَوْنِ والتَّكَفُّؤِ.
وأمّا مَشْيُهُ مَعَ أصْحابِهِ
فَكانُوا يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وهُوَ خَلْفَهُمْ، ويَقُولُ: (دَعُوا ظَهْرِي لِلْمَلائِكَةِ)، ولِهَذا جاءَ فِي الحَدِيثِ: وكانَ يَسُوقُ أصْحابَهُ. وكانَ يَمْشِي حافِيًا ومُنْتَعِلًا، وكانَ يُماشِي أصْحابَهُ فُرادى وجَماعَةً، «ومَشى فِي بَعْضِ غَزَواتِهِ مَرَّةً فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ وسالَ مِنها الدَّمُ فَقالَ:
هَلْ أنْتَ إلّا أُصْبُعٌ دَمِيَتَ … وفِي سَبِيلِ اللَّهِ ما لَقِيتَ» وكانَ فِي السَّفَرِ ساقَةُ أصْحابُهُ يُزْجِي الضَّعِيفَ ويُرْدِفُهُ ويَدْعُو لَهُمْ، ذَكَرَهُ أبو داود. [زاد المعاد في هدي خير العباد (1) / (16) 1 وما بعدها، لابن القيم (ت (751))].
وقد نقل السفاريني (ت (1188)) رحمه الله أنواع المشي الذي قاله ابن القيم باختصار في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: مَطْلَبٌ: المِشْياتُ عَشَرَةُ أنْواعٍ، (2/ 348)،
وفي سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (7/ 158 وما بعدها):
الباب الثالث في مشيه ?
وفيه أنواع:
الأول: في هيأته.
روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله ? فكأنما الأرض تطوى له: كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث [((1))].
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله ? في جنازة، أمشي فإذا مشيت سبقني فأهرول فأسبقه، فالتفت إلى رجل لجنبي فقلت: تطوى الأرض له وللخليل إبراهيم عليهما السلام.
وروى أبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى يتوكأ.
وروى ابن سعد وأبو الحسن بن الضحاك عن أبي الحكم سيار بن أبي سيار قال: كان رسول الله ? إذا مشى مشى مشي السّوقي، ليس بالعاجز ولا الكسلان.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ? كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل.
وروى ابن سعد عن مرثد بن أبي مرثد قال: كان رسول الله ? إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل فلا يدركه.
وروى ابن سعد عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما يتقلّع من صخرة.
وروى البخاري في الأدب وابن سعد عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى فكأنما يمشي في صعد [((6))].
وروى ابن سعد عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحطّ من صبب [((7))].
وروي أيضا عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تقلّع كأنما ينحدر من صبب [((1))].
وروى أيضا عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تكفأ.
وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تكفأ.
وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تكفأ حين يمشي في صعود.
وروى البيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى مال تقلّعا يتكفّأ تكفّؤا، ويمشي هونا ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وفي لفظ كأنما يهوي في صبب، إذا التفت التفت جميعا، يسوق أصحابه ويبدر، وفي لفظ: يبدأ من لقيه بالسلام.
وروى ابن الضحاك في الشمائل عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى تقلّع كأنما يمشي في صعد.
وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله ? إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل.
وروى أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا مشى هرول الناس وراءه.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عبد الله بن عمر [و] عمر رضي الله تعالى عنهما قال: صليت مع رسول الله ? المغرب فرجع من رجع، وعقّب من عقّب، فجاء رسول الله ? مسرعا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه، فقال: «أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة»، يقول: انظروا عبادي قد قضوا فريضة ربهم ينتظرون أخرى [((2))].
الثاني: في التفاته.
روى ابن سعد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? لا يلتفت إذا مشى، وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو بالشيء فلا يلفت، وكانوا يضحكون، وكانوا قد أمنوا التفاته.
وروى البخاري في الأدب، وابن سعد عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا التفت التفت جميعا.
وروى ابن سعد عنه قال: كان رسول الله ? يقبل جميعا، ويدبر جميعا.
وروى أيضا عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنها قال: كان رسول الله ? إذا التفت التفت جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله ? إذا التفت التفت جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عنها أيضا قالت: كان رسول الله ? يلمح بمؤخر عينيه ولا يلفت.
وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? يقبل معا، ويدبر معا.
وروى أيضا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله ? إذا التفت التفت جميعا.
وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله ? لا يلتفت إلا جميعا.
الثالث: في مشيه ? حافيا وناعلا.
روى البزار برجال ثقات عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله ? يمشي حافيا وناعلا.
الرابع: في مشيه القهقرى لأمر.
روي عن علي رضي الله تعالى عنه وروى الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جئت يوما من خارج ورسول الله ? يصلي في البيت، والباب عليه مغلق فاستفتحت فتقدم ففتح لي، ثم رجع القهقرى إلى الصلاة، فأتم صلاته.
الخامس: في مشيه ? آخذا بيد أصحابه، ومتكئا على بعضهم.
روى الإمام أحمد برجال ثقات عن بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: خرجت ذات يوم في حاجة، وإذا أنا بالنبي ? يمشي بين يديّ، فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعا فذكر الحديث.
وروي أيضًا عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: أخذ بيدي رسول الله ? فقال:
«يا أبا أمامة: من المؤمنين من يلين له قلبي» [((1))].
وروى أيضا عن أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: رآني رسول الله ? فأشار إلي فأتيته فأخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعا، وذكر الحديث.
وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: لقيت رسول الله ? وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى بعد وذكر الحديث.
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن بشير بن الخصاصية رضي الله تعالى عنه قال: كنت أماشي رسول الله ? آخذا بيده، فقال: «يا ابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تبارك وتعالى، وأصبحت تماشي رسوله آخذا بيده؟» قلت: ما أصبحت أنقم على الله تعالى شيئا، قد أعطاني الله تعالى كل خير [((1))].
وروى الطبراني بسند جيد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله ? وهو آخذ بيد أبي ذر رضي الله تعالى عنه، فقال: «يا أبا ذر أعلمت أن بين أيدينا عقبة كؤودا لا يصعدها إلا المخفّون الحديث» [((2))].
السادس: في مشيه ? وراء أصحابه.
روى أبو بكر بن أبي شيبة، والإمام أحمد، والحارث بن أبي أسامة عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان أصحاب رسول الله ? يمشون أمامه ويدعون ظهره للملائكة [((3))].
وروى أيضًا قال: قال رسول الله ?: «امشوا خلفي أو خلّوا ظهري للملائكة» [((4))].
السابع: في إسراعه ? المشي.
روى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ? مر بجدار مائل فأسرع المشي فقيل له، فقال: «إني أكره موت الفوات» [((5))].
وروى البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أقبل رسول الله ? مسرعا، ونحن قعود حتى أفزعنا سرعته إلينا فلما انتهى إلينا سلّم، ثم قال: «قد أقبلت إليكن مسرعا لأخبركم بليلة القدر فنسيتها فيما بيني وبينكم، فالتمسوها في العشر الأواخر» [((1))].
تنبيهات:
الأول: قال في زاد المعاد كان ? يمشي حافيا ومنتعلا، قلت: أما مشيه منتعلا فهو أكثر مشيه، وأما حافيا فذكره الإمام الغزالي في الإحياء أيضا، واستدل له الحافظ العراقي بما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في عيادته ? لسعد بن عبادة قال: فقام رسول الله ? وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في السباخ
الثاني: دلت الأحاديث السابقة على أمرين أن مشيته ? لم تكن مشية متماوت ولا بمهانة.
الثالث: أراد بقوله: التفت جميعا أنه لا يسارق النظر، وقيل: لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف، ولكن كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا- قاله في النهاية-: وفيه أيضا حكمة طبية لأن الالتفات ببعض الجسد ربما كان سببا للقوة.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
مكترث: بميم مضمومة فكاف ساكنة فبمثناة فوقية فمثلثة: غير مبال.
الهرولة: بهاء مفتوحة فراء ساكنة فواو فلام مفتوحتين فتاء تأنيث: بين المشي والعدو.
التّكفّؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا ذهبت به الريح.
السوقي: بسين مهملة مضمومة فواو ساكنة فقاف فتحتية.
الكسل: بكاف فسين مهملة مفتوحتين فلام: الفتور.
الصّبب: بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الأولى: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.
وصبوب: بضم الصاد المهملة جمع صبب: وهو المنحدر من الأرض، وبفتح الصاد: اسم لما يصب على الإنسان من ماء أو غيره.
التّقلّع: الانحدار من الصّبب، والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال، ومبادرة شديدة، وأراد به قوة المشي، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشي النّساء.
الصّعد: بمهملات: المكان المرتفع.
الهون: بفتح الهاء وسكون الواو: المشي في لين ورفق، غير مختال، ولا معجب.
الذّريع: السريع أي أنه كان واسع الخطو، فيسرع مشيه، وربما يظن أن هذا غير الأول، ولا تضاد فيه، لأن معناه أي كأنه كان مع تثبته في المشي يتابع بين الخطوات، ويوسعها فيسبق غيره.
يهوي: يسقط من موضع عال.
الصوت: بمهملة مفتوحة فواو ساكنة فموحدة.
يسوق أصحابه: أن يقدّمهم أمامه، ويمشي وراءهم، ولهذا مزيد بسط في الخصائص أن شاء الله تعالى.
يبدر: بمثناة فموحدة فدال فراء: يعاجل.
كئود: بكاف مفتوحة فهمزة فواو فدال مهملة: صعبة والله تعالى أعلم”. انتهى.
وانظر: الشمائل الشريفة السيوطي (ت (911))، عند قوله: “كانَ إذا مَشى لم يلْتَفت”، ص (200)، رقم ((328)).
والمخصص لابن سيده (ت (458)) في (أبْواب المَشْيِ)، (نُعوتُ مَشْي الناسِ واختلافِها) (1/ 301).
(المسألة الثالثة): “الاحْكامُ المُتَعَلِّقَةُ بِالمَشْيِ:
تَتَعَلَّقُ بِالمَشْيِ أحْكامٌ مِنها:
إمْكانِيَّةُ مُتابَعَةِ المَشْيِ فِي الخُفِّ لِجَوازِ المَسْحِ عَلَيْهِ:
(4) – يَشْتَرِطُ الفُقَهاءُ لِجَوازِ المَسْحِ عَلى الخُفَّيْنِ شُرُوطًا مِنها:
أنْ يَكُونَ الخُفُّ مِمّا يُمْكِنُ مُتابَعَةُ المَشْيِ فِيهِ [الفتاوى الهندية (1) / (32) والقوانين الفقهية ص (43)، وشرح المحلي (1) / (59)، والمغني لابن قدامة (1) / (294)]. ولِلتَّفْصِيل (ر: مَسْحٌ عَلى الخُفَّيْنِ).
المَشْيُ فِي الصَّلاَةِ
(5) – ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أنَّ المَامُومَ إذا مَشى فِي صَلاَتِهِ إلى جِهَةِ القِبْلَةِ مَشْيًا غَيْرَ مُتَدارَكٍ
بِأنْ مَشى قَدْرَ صَفٍّ، ثُمَّ وقَفَ قَدْرَ رُكْنٍ، ثُمَّ مَشى قَدْرَ صَفٍّ آخَرَ، وهَكَذا إلى أنْ مَشى قَدْرَ صُفُوفٍ كَثِيرَةٍ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، إلاَّ إنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ فِيما إذا كانَتِ الصَّلاَةُ فِيهِ، أوْ تَجاوَزَ الصُّفُوفَ فِيما إذا كانَتِ الصَّلاَةُ فِي الصَّحْراءِ، فَإنْ مَشى مَشْيًا مُتَلاَحِقًا بِأنْ مَشى قَدْرَ صَفَّيْنِ دُفْعَةً واحِدَةً، أوْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ، أوْ تَجاوَزَ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْراءِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وهَذا بِناءً عَلى أنَّ الفِعْل القَلِيل غَيْرُ مُفْسِدٍ ما لَمْ يَتَكَرَّرْ مُتَوالِيًا، وعَلى أنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي المَكانِ مُبْطِلٌ لِلصَّلاَةِ ما لَمْ يَكُنْ لإِصْلاَحِها، والمَسْجِدُ مَكانٌ واحِدٌ حُكْمًا، ومَوْضِعُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْراءِ كالمَسْجِدِ، هَذا إذا كانَ قُدّامَهُ صُفُوفٌ.
أمّا لَوْ كانَ إمامًا فَمَشى حَتّى جاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ فَإنْ كانَ ذَلِكَ مِقْدارَ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ لاَ تَفْسُدُ، وإنْ كانَ أكْثَرَ فَسَدَتْ، وإنْ كانَ مُنْفَرِدًا فالمُعْتَبَرُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ، إنْ جاوَزَهُ فَسَدَتْ وإلاَّ فَلاَ [غنية المتملي في شرح منية المصلي ص (450) وانظر الفتاوى الهندية (1) / (103) وحاشية ابن عابدين (1) / (421)].
وهَذا التَّفْصِيل كُلُّهُ إذا لَمْ يَكُنِ الماشِي فِي الصَّلاَةِ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ، بِأنْ مَشى قُدّامَهُ أوْ يَمِينًا أوْ يَسارًا أوْ إلى ورائِهِ مِن غَيْرِ تَحْوِيلٍ أوِ اسْتِدْبارٍ، وأمّا إذا اسْتَدْبَرَ القِبْلَةَ فَقَدْ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ سَواءٌ مَشى قَلِيلًا أوْ كَثِيرًا أوْ لَمْ يَمْشِ، لأِنَّ اسْتِدْبارَ القِبْلَةِ لِغَيْرِ إصْلاَحِ الصَّلاَةِ وحْدَهُ مُفْسِدٌ [غنية المتملي ص (451)، وانظر حاشية ابن عابدين (1) / (421)].
وقال بَعْضُ مَشايِخِ الحَنَفِيَّةِ فِي رَجُلٍ رَأى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الَّذِي أمامَهُ مُباشَرَةً فَمَشى إلى تِلْكَ الفُرْجَةِ فَسَدَّها لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، ولَوْ مَشى إلى صَفٍّ غَيْرِ الَّذِي أمامَهُ مُباشَرَةً فَسَدَّ فُرْجَةً فِيهِ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ [غنية المتملي ص (450) – (451)].
وذَهَبَ المالِكِيَّةُ إلى أنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَبْطُل بِمَشْيِ المُصَلِّي صَفَّيْنِ لِسُتْرَةٍ يَقْرُبُ إلَيْها، أوْ دَفْعِ مارٍّ أوْ لِذَهابِ دابَّةٍ أوْ لَسَدِّ فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ، حَتّى لَوْ كانَ المَشْيُ بِجَنْبٍ أوْ قَهْقَرى: بِأنْ يَرْجِعَ عَلى ظَهْرِهِ، بِشَرْطِ ألاَ يَسْتَدْبِرَ القِبْلَةَ، فِيما عَدا مَسْألَةَ الدّابَّةِ فَإنَّهُ يُعْذَرُ إنِ اسْتَدْبَرَ القِبْلَةَ [الشرح الصغير (1) / (354)].
وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ إلى أنَّ المَشْيَ أكْثَرَ مِن خُطْوَتَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ مُبْطِلٌ لِلصَّلاَةِ إنْ تَوالَتْ لاَ إنْ تَفَرَّقَتْ، أما المَشْيُ خُطْوَتَيْنِ فَلاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ وإنِ اتَّسَعَتْ، كَما تَبْطُل بِالوَثْبَةِ الفاحِشَةِ مُطْلَقًا.
واخْتَلَفُوا فِي مُسَمّى الخُطْوَةِ هَل هُوَ نَقُل رِجْلٍ واحِدَةٍ فَقَطْ أوْ نَقْل الرِّجْل الاخْرى إلى مُحاذاتِها، قال ابْنُ أبِي الشَّرِيفِ: كُلٌّ مِنهُما مُحْتَمَلٌ، والثّانِي أقْرَبُ [حاشية القليوبي (1) / (190)، ومغني المحتاج (1) / (199)].
والَّذِي يُسْتَفادُ مِن مَذْهَبِ الحَنابِلَةِ أنَّ المَشْيَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ صِحَّةُ صَلاَةِ المَامُومِ مَعَ إمامِهِ جائِزٌ، كَما إذا كَبَّرَ فَذًّا خَلْفَ الامامِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، أوْ تَقَدَّمَ المَامُومُ إلى صَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ، أوْ كانا اثْنَيْنِ وراءَ الامامِ، فَخَرَجَ أحَدُهُما مِنَ الصَّلاَةِ فَمَشى المَامُومُ حَتّى وقَفَ عَنْ يَمِينِ الامامِ، أوْ كانَ المَامُومُ واحِدًا فَكَبَّرَ آخَرُ عَنْ يَسارِ الامامِ أدارَهُ الامامُ عَنْ يَمِينِهِ.
والعِبْرَةُ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أنَّ المَشْيَ الكَثِيرَ إنْ كانَ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ أوْ هَرَبٍ مِن عَدُوٍّ ونَحْوِهِ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لِضَرُورَةٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ [شرح منتهى الإرادات (1) / (223) – (224)، المغني (2) / (215) – (216)، وكشاف القناع (1) / (397) – (398)].
التَّنَفُّل ماشِيًا
(6) – ذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ فِي الجُمْلَةِ إلى جَوازِ التَّنَفُّل ماشِيًا ولِكُلٍّ مِنَ المَذْهَبَيْنِ فِي المَسْألَةِ تَفْصِيلٌ:
فَقال الشّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ التَّنَفُّل ماشِيًا، وعَلى الرّاحِلَةِ سائِرَةً إلى جِهَةِ مَقْصِدِهِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيل، وكَذا القَصِيرِ عَلى المَذْهَبِ، ولاَ يَجُوزُ فِي الحَضَرِ عَلى الصَّحِيحِ بَل لَها فِيهِ حُكْمُ الفَرِيضَةِ فِي كُل شَيْءٍ إلاَّ القِيامَ، وقال الاصْطَخْرِيُّ: يَجُوزُ لِلرّاكِبِ والماشِي فِي الحَضَرِ مُتَرَدِّدًا فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، واخْتارَ القَفّال الجَوازَ بِشَرْطِ الاِسْتِقْبال فِي جَمِيعِ الصَّلاَةِ [روضة الطالبين (1) / (210)].
وقال الحَنابِلَةُ: تَصِحُّ الصَّلاَةُ بِدُونِ الاِسْتِقْبال لِمُتَنَفِّلٍ راكِبٍ وماشٍ فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ ولاَ مَكْرُوهٍ، ولَوْ كانَ السَّفَرُ قَصِيرًا لِقَوْلِهِ تَعالى: {ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة / (115)]، قال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خاصَّةً، ولِما ورَدَ أنَّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلى راحِلَتِهِ أيْنَما تَوَجَّهَتْ يُومِئُ، وذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أنَّ النَّبِيَّ ? كانَ يَفْعَلُهُ [حديث ابن عمر: «كان يصلي في السفر على ظهر راحلته … »]، وكانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يَفْعَلُهُ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَوِيل السَّفَرِ وقَصِيرِهِ، وألْحَقَ الماشِي بِالرّاكِبِ لأِنَّ الصَّلاَةَ أُبِيحَتْ لِلرّاكِبِ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ عَنِ القافِلَةِ فِي السَّفَرِ وهُوَ مَوْجُودٌ فِي الماشِي [كشاف القناع (1) / (302)].
ولاَ تَجُوزُ صَلاَةُ الماشِي عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ [حاشية ابن عابدين (1) / (469)، والشرح الصغير (1) / (298) – (299)].
[حديث ابن عمر: «كان يصلي في السفر على ظهر راحلته … ». رواه البخاري (الفتح (2) / (574))]،
آدابُ المَشْيِ إلى صَلاَةِ الجَماعَةِ
(7) – ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والحَنابِلَةُ والشّافِعِيَّةُ فِي الاصَحِّ إلى أنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقاصِدِ الجَماعَةِ أنَّ يَمْشِيَ إلى الصَّلاَةِ بِسَكِينَةٍ ووَقارٍ، وإنْ سَمِعَ الاقامَةَ لَمْ يَسْعَ إلَيْها، سَواءٌ خافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الاحْرامِ أمْ لاَ لِما رَوى أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ? أنَّهُ قال: إذا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَاتُوها تَسْعَوْنَ ائْتُوها تَمْشُونَ، وعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فاتَكُمْ فَأتِمُّوا [حديث: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون … ». رواه البخاري (الفتح (2) / (390))، ومسلم ((1) / (420)) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم].
وصَرَّحَ المالِكِيَّةُ بِأنَّهُ يَجُوزُ الاسْراعُ لإِدْراكِ الصَّلاَةِ مَعَ الجَماعَةِ بِلاَ هَرْوَلَةٍ وهِيَ ما دُونَ الجَرْيِ، وتُكْرَهُ الهَرْوَلَةُ لأِنَّها تُذْهِبُ الخُشُوعَ، إلاَّ أنْ يَخافَ فَواتَ الوَقْتِ فَتَجِبُ [الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه (1) / (445)]. وتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (صَلاَةُ الجَماعَةِ ف (22)).
المُفاضَلَةُ بَيْنَ المَشْيِ والرُّكُوبِ لِقاصِدِ الجُمُعَةِ
(8) – ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ حُضُورِ الجُمُعَةِ المَشْيُ فِي ذَهابِهِ [غنية المتملي ص (566)، وحاشية الدسوقي (1) / (381)، ونهاية المحتاج (2) / (325)، وروضة الطالبين (2) / (45)، كشاف القناع (2) / (42)] لِخَبَرِ:
(00) مَن غَسَّل يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَل، ثُمَّ بَكَّرَ وابْتَكَرَ، ومَشى ولَمْ يَرْكَبْ، ودَنا مِنَ الامامِ فاسْتَمَعَ ولَمْ يَلْغُ، كانَ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ عَمَل سَنَةٍ أجْرُ صِيامِها وقِيامِها [حديث: «من غسل يوم الجمعة واغتسل … ». رواه أبو داود ((1) / (246))، والترمذي ((2) / (368)) من حديث أوس بن أوس الثقفي واللفظ لأبي داود، وقال الترمذي: «حديث حسن»]، ولِما فِيهِ مِنَ التَّواضُعِ لِلَّهِ عَزَّ وجَل، لأِنَّهُ عَبْدٌ ذاهِبٌ لِمَوْلاَهُ، فَيَطْلُبُ مِنهُ التَّواضُعَ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إقْبالِهِ عَلَيْهِ [حاشية الدسوقي (1) / (381)].
قال البُهُوتِيُّ: هَذا إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، فَإنْ كانَ لَهُ عُذْرٌ فَلاَ بَاسَ بِرُكُوبِهِ ذَهابًا وإيابًا، لَكِنَّ الايابَ لاَ بَاسَ بِهِ ولَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ [كشاف القناع (2) / (42)].
وصَرَّحَ المالِكِيَّةُ بِأنَّهُ لاَ يُنْدَبُ المَشْيُ فِي الرُّجُوعِ لأِنَّ العِبادَةَ قَدِ انْقَضَتْ [حاشية الدسوقي (1) / (381)].
وقال الرَّمْلِيُّ مِنَ الشّافِعِيَّةِ: مَن رَكِبَ لِعُذْرٍ أوْ غَيْرِهِ سَيَّرَ دابَّتَهُ بِسُكُونٍ كالماشِي ما لَمْ يَضِقِ الوَقْتُ، ويُشْبِهُ أنَّ الرُّكُوبَ أفَضْل لِمَن يُجْهِدُهُ المَشْيُ لِهَرَمٍ أوْ ضَعْفٍ أوْ بُعْدِ مَنزِلِهِ، بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ ما يَنالُهُ مِنَ التَّعَبِ الخُشُوعَ والخُضُوعَ فِي الصَّلاَةِ عاجِلًا [نهاية المحتاج (2) / (326)].
اشْتِراطُ القُدْرَةِ عَلى المَشْيِ لِوُجُوبِ الجُمُعَةِ
(9) – صَرَّحَ الحَنَفِيَّةُ بِأنَّ مِن شَرائِطِ وُجُوبِ
الجُمُعَةِ القُدْرَةُ عَلى المَشْيِ، فَلاَ تَجِبُ عَلى المَرِيضِ ولاَ عَلى المُقْعَدِ وإنْ وجَدَ مَن يَحْمِلُهُ ولاَ عَلى الاعْمى وإنْ وجَدَ قائِدًا، وقالُوا: الشَّيْخُ الكَبِيرُ مُلْحَقٌ بِالمَرِيضِ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، والمَطَرُ الشَّدِيدُ مُسْقِطٌ لِلْجُمُعَةِ عِنْدَهُمْ [الفتاوى الهندية (1) / (144)].
ولَمْ يَنُصَّ المالِكِيَّةُ عَلى هَذا الشَّرْطِ بِهَذا اللَّفْظِ وإنَّما عَبَّرُوا عَنْهُ بِالتَّمَكُّنِ مِن أداءِ الجُمُعَةِ، قال ابْنُ شاسٍ: ويَلْتَحِقُ بِعُذْرِ المَرَضِ المَطَرُ الشَّدِيدُ عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ فِيهِما [عقد الجواهر الثمينة (1) / (232)]. واعْتَبَرَ الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ المَرَضَ مِن أعْذارِ تَرْكِ الجُمُعَةِ فِي الجُمْلَةِ، وقالُوا: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرِ المَرِيضُ بِإتْيانِ المَسْجِدِ راكِبًا أوْ مَحْمُولًا، أوْ تَبَرَّعَ أحَدٌ بِأنْ يُرْكِبَهُ أوْ يَحْمِلَهُ، أوْ يَتَبَرَّعَ بِقَوْدِ أعْمًى لَزِمَتْهُ الجُمُعَةُ [روضة الطالبين (2) / (34)، (36)، وكشاف القناع (1) / (495)].
وعِنْدَ الشّافِعِيَّةِ تَجِبُ الجُمُعَةُ عَلى الاعْمى إذا وجَدَ قائِدًا ولَوْ بِأُجْرَةٍ ولَهُ مالٌ وإلاَّ فَقَدْ أطْلَقَ الاكْثَرُونَ مِنهُمْ أنَّها لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، وقال القاضِي حُسَيْنٌ: إنْ كانَ الاعْمى يُحْسِنُ المَشْيَ بِالعَصا مِن غَيْرِ قائِدٍ لَزِمَهُ [روضة الطالبين (2) / (36)].
وفِي الوَحْل الشَّدِيدِ لِلشّافِعِيَّةِ ثَلاَثَةُ أوْجُهٍ: الصَّحِيحُ أنَّهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الجُمُعَةِ. والجَماعَةِ [روضة الطالبين (2) / (35)].
وعِنْدَ الحَنابِلَةِ قال ابْنُ قُدامَةَ: لاَ تَجِبُ الجُمُعَةُ عَلى مَن فِي طَرِيقِهِ إلَيْها مَطَرٌ يَبُل الثِّيابَ، أوْ وحْلٌ يَشُقُّ المَشْيُ إلَيْها فِيهِ [المغني لابن قدامة (2) / (340)]
المَشْيُ لِقاصِدِ صَلاَةِ العِيدِ
(10) – ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقاصِدِ العِيدِ المَشْيُ إنْ قَدَرَ، لِما رَوى الحارِثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنَ السُّنَّةِ أنْ تَخْرُجَ إلى العِيدِ ماشِيًا [أثر علي بن أبي طالب: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا … ». رواه الترمذي ((2) / (410))، وقال: حديث حسن]، ولأِنَّهُ أقْرَبُ لِلتَّواضُعِ، فَإنْ ضَعُفَ لِكِبَرٍ أوْ مَرَضٍ فَلَهُ الرُّكُوبُ [غنية المتملي (566)، وحاشية الزرقاني (2) / (75)، وروضة الطالبين (2) / (56)، ومطالب أولي النهى (1) / (797)]. والتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةُ العِيدَيْنِ ف (13))
المَشْيُ فِي تَشْيِيعِ الجِنازَةِ
(11) – ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّهُ يُسَنُّ اتِّباعُ الجِنازَةِ ماشِيًا، والمَشْيُ أفَضْل مِنَ الرُّكُوبِ. والتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جَنائِزُ ف (14)).
المَشْيُ فِي المَقابِرِ:
(12) – ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أنَّهُ لاَ يُكْرَهُ المَشْيُ فِي المَقابِرِ بِنَعْلَيْنِ [الفتاوى الهندية (1) / (167)].
وقال الحَصْكَفِيُّ: يُكْرَهُ وطْءُ القَبْرِ والمَشْيُ
فِي طَرِيقٍ ظَنَّ أنَّهُ مُحْدِثٌ حَتّى إذا لَمْ يَصِل إلى قَبْرِ قَرِيبِهِ إلاَّ بِوَطْءِ قَبْرٍ تَرَكَهُ.
وقال ابْنُ عابِدِينَ نَقْلًا عَنْ خِزانَةِ الفَتاوى:
وعَنْ أبِي حَنِيفَةَ لاَ يُوطَأُ القَبْرُ إلاَّ لِضَرُورَةٍ، وقال بَعْضُهُمْ: لاَ بَاسَ بِأنْ يَطَأ القَبْرَ وهُوَ يَقْرَأُ أوْ يُسَبِّحُ أوْ يَدْعُو لَهُمْ [حاشية ابن عابدين (1) / (606)، والفتاوى الهندية (1) / (166)].
ويَرى المالِكِيَّةُ أنَّ القَبْرَ مُحَرَّمٌ فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يَمْشِيَ عَلَيْهِ إذا كانَ مُسَنَّمًا والطَّرِيقُ دُونَهُ، فَأمّا إذا عَفا فَواسِعٌ [عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس (1) / (272)].
وقال صاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنَ الشّافِعِيَّةِ إنَّهُ لاَ بَاسَ بِالمَشْيِ بِالنَّعْل بَيْنَ القُبُورِ [روضة الطالبين (2) / (136)]، وقالُوا: القَبْرُ مُحَرَّمٌ تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ فَيُكْرَهُ فِي المَشْهُورِ عِنْدَهُمُ الجُلُوسُ عَلَيْهِ والاِتِّكاءُ ووَطْؤُهُ إلاَّ لِحاجَةٍ بِأنْ لاَ يَصِل إلى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلاَّ بِوَطْئِهِ [مغني المحتاج (1) / (354)].
وقال النَّوَوِيُّ: يَحْرُمُ ذَلِكَ أخْذًا بِظاهِرِ الحَدِيثِ: لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ عَلى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيابَهُ فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِن أنْ يَجْلِسَ عَلى قَبْرٍ [حديث: «لأن يجلس أحدكم على جمرة … ». أخرجه مسلم ((2) / (667)) من حديث أبي هريرة].
وقال الحَنابِلَةُ بِكَراهَةِ وطْءِ القُبُورِ والمَشْيِ بَيْنَها بِنَعْلٍ لِخَبَرِ حَتّى بِالتُّمُشْكِ – نَوْعٌ مِنَ النِّعال – وقالُوا: لاَ يُكْرَهُ المَشْيُ بَيْنَها بِخُفٍّ لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِنَعْلٍ، ويُسَنُّ خَلْعُ النَّعْل إذا دَخَل المَقْبَرَةَ لِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الخَصاصِيَةِ قال: بَيْنَما أنا أُماشِي رَسُول اللَّهِ ? إذا رَجُلٌ يَمْشِي فِي القُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ فَقال: يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، ويْحَكَ، ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ فَنَظَرَ الرَّجُل فَلَمّا عَرَفَ رَسُول اللَّهِ ? خَلَعَهُما فَرَمى بِهِما [حديث: بشير بن الخصاصية: «بينما أنا أماشي رسول الله ? … ». أخرجه أبو داود ((3) / (555))، والحاكم ((1) / (373)) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي]، واحْتِرامًا لأِمْواتِ المُسْلِمِينَ إلاَّ خَوْفَ نَجاسَةٍ وشَوْكٍ وحَرارَةِ أرْضٍ وبُرُودَتِها فَلاَ يُكْرَهُ – المَشْيُ بِنَعْلٍ بَيْنَ القُبُورِ – لِلْعُذْرِ [مطالب أولي النهى (1) / (911)].
المَشْيُ فِي الطَّوافِ والسَّعْيِ
(13) – ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والحَنابِلَةُ فِي المَذْهَبِ إلى أنَّ المَشْيَ فِي الطَّوافِ والسَّعْيِ لِلْقادِرِ عَلَيْهِما واجِبٌ مُطْلَقًا.
وعِنْدَ المالِكِيَّةِ واجِبٌ فِي الطَّوافِ والسَّعْيِ الواجِبَيْنِ، وأمّا الطَّوافُ والسَّعْيُ غَيْرُ الواجِبَيْنِ فالمَشْيُ فِيهِما سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ.
وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ وهُوَ رِوايَةٌ عِنْدَ الحَنابِلَةِ إلى أنَّ المَشْيَ فِي الطَّوافِ سُنَّةٌ. والتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَوافٌ ف (25)، سَعْيٌ ف (14)) –
نَذْرُ المَشْيِ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ
(14) – ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أنَّ مَن قال – وهُوَ فِي الكَعْبَةِ أوْ فِي غَيْرِها – عَلَيَّ المَشْيُ إلى بَيْتِ اللَّهِ تَعالى أوْ إلى الكَعْبَةِ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أوْ عُمْرَةٌ ماشِيًا وإنْ شاءَ رَكِبَ وأهْرَقَ دَمًا، وقالُوا: مَذْهَبُنا مَاثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولأِنَّ النّاسَ تَعارَفُوا إيجابَ الحَجِّ والعُمْرَةِ بِهَذا اللَّفْظِ فَصارَ كَما إذا قال: عَلَيَّ زِيارَةُ البَيْتِ ماشِيًا فَيَلْزَمُهُ ماشِيًا وإنْ شاءَ رَكِبَ وأهْرَقَ دَمًا [الهداية (2) / (90) ط. الحلبي].
ويَرى المالِكِيَّةُ أنَّ مَن نَذَرَ المَشْيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ أوْ إلى جُزْءٍ مِنهُ كالرُّكْنِ والحَجَرِ والحَطِيمِ يَلْزَمُهُ المَشْيُ إنْ نَوى نُسُكًا فَإنْ لَمْ يَنْوِ النُّسُكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وإذا لَزِمَهُ المَشْيُ مَشى مِن حَيْثُ نَوى المَشْيَ مِنهُ، وإنْ لَمْ يَنْوِ مَحِلًّا مَخْصُوصًا فَمِن حَيْثُ حَلَفَ أوْ نَذَرَ وأجْزَأ المَشْيُ مِن مِثْلِهِ فِي المَسافَةِ، ويَسْتَمِرُّ ماشِيًا لِتَمامِ طَوافِ الافاضَةِ أوْ تَمامِ السَّعْيِ إنْ كانَ سَعْيُهُ بَعْدَ الافاضَةِ، ولَزِمَ الرُّجُوعُ فِي عامٍ قابِلٍ لِمَن رَكِبَ فِي العامِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ المَشْيَ فَيَمْشِي ما رَكِبَ فِيهِ إنْ عَلِمَهُ وإنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَجِبُ مَشْيُ جَمِيعِ المَسافَةِ [الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه (2) / (255) – (257)].
وقال الشّافِعِيَّةُ: إذا نَذَرَ المَشْيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ تَعالى ناوِيًا الكَعْبَةَ أوْ إتْيانَهُ فالمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيانِهِ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، وفِي قَوْلٍ مِن طَرِيقٍ لاَ يَجِبُ.
وإنْ لَمْ يَنْوِ الكَعْبَةَ فالاصَحُّ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ نَذْرُهُ وقِيل: يُحْمَل عَلَيْها.
فَإنْ نَذَرَ الاتْيانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ ولَهُ الرُّكُوبُ.
وإنْ نَذَرَ المَشْيَ أوْ أنْ يَحُجَّ أوْ يَعْتَمِرَ ماشِيًا فالاظْهَرُ وُجُوبُ المَشْيِ، والثّانِي: لَهُ الرُّكُوبُ وإنْ قال: أمْشِي إلى بَيْتِ اللَّهِ تَعالى فَيَمْشِي مِن دُوَيْرَةِ أهْلِهِ فِي الاصَحِّ، والثّانِي: يَمْشِي مِن حَيْثُ يُحْرِمُ.
وإذا وجَبَ المَشْيُ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أجْزَأهُ وعَلَيْهِ دَمٌ فِي الاظْهَرِ لِتَرْكِهِ الواجِبَ، والثّانِي: لاَ دَمَ عَلَيْهِ كَما لَوْ نَذَرَ الصَّلاَةَ قائِمًا فَصَلّى قاعِدًا لِعَجْزِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وإذا رَكِبَ بِلاَ عُذْرٍ أجْزَأهُ عَلى المَشْهُورِ لأِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلاَّ هَيْئَةً التَزَمَها وعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرَفُّهِهِ بِتَرْكِها، والثّانِي: لاَ يُجْزِئُهُ لأِنَّهُ لَمْ يَاتِ بِما التَزَمَهُ بِالصِّفَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْها [شرح المحلي على المنهاج (4) / (292)].
وذَهَبَ الحَنابِلَةُ إلى أنَّ مَن نَذَرَ المَشْيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ وأطْلَقَ فَلَمْ يَقُل فِي حَجٍّ ولاَ عُمْرَةٍ ولاَ غَيْرِهِ أوْ قال غَيْرَ حاجٍّ ولاَ مُعْتَمِرٍ لَزِمَهُ المَشْيُ فِي حَجٍّ أوْ فِي عُمْرَةٍ حَمْلًا لَهُ عَلى المَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ وإلْغاءً لإِرادَتِهِ غَيْرَهُ، ويَلْزَمُهُ المَشْيُ مِن مَكانِ النَّذْرِ أيْ دُوَيْرَةِ أهْلِهِ كَما فِي حَجِّ الفَرْضِ إلى أنْ يَتَحَلَّل، ولاَ يَلْزَمُهُ إحْرامٌ قَبْل مِيقاتِهِ ما لَمْ يَنْوِ مَكانًا بِعَيْنِهِ لِلْمَشْيِ مِنهُ أوِ الاحْرامِ فَيَلْزَمُهُ لِعُمُومِ حَدِيثِ: مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ [حديث: «من نذر أن يطيع الله فليطعه … ». رواه البخاري (الفتح (11) / (581)) من حديث عائشة رضي الله عنها]، ومَن نَوى بِنَذْرِهِ المَشْيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ إتْيانَهُ لاَ حَقِيقَةَ المَشْيِ فَيَلْزَمُهُ الاتْيانُ ويُخَيَّرُ بَيْنَ المَشْيِ والرُّكُوبِ لِحُصُولِهِ بِكُلٍّ مِنهُما.
وإنْ رَكِبَ ناذِرُ المَشْيِ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ لِعَجْزٍ أوْ غَيْرِهِ كَفَّرَ كَفّارَةَ يَمِينٍ [شرح منتهى الإرادات (3) / (479) – (480)]. ولِلتَّفْصِيل فِي أحْكامِ نَذْرِ المَشْيِ إلى أحَدِ المَشاعِرِ، ونَذْرِ المَشْيِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ أوْ بَيْتِ المَقْدِسِ أوْ أحَدِ المَساجِدِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (نَذْرٌ).
الواجِبُ فِي إزالَةِ مَنفَعَةِ المَشْيِ
(15) – ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّ الواجِبَ فِي إزالَةِ مَنفَعَةِ المَشْيِ كَمال الدِّيَةِ، فَلَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَل مَشْيُهُ ورِجْلُهُ سَلِيمَةٌ وجَبَتِ الدِّيَةُ [بدائع الصنائع (7) / (311)، وروضة الطالبين (9) / (306) – (309)، والمغني (8) / (32)]، وفَصَّل الشّافِعِيَّةُ فَقالُوا: ولاَ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَتّى تَنْدَمِل فَإنِ انْجَبَرَ وعادَ مَشْيُهُ فَلاَ دِيَةَ وتَجِبُ الحُكُومَةُ إنْ بَقِيَ أثَرٌ، وكَذا إنْ نَقَصَ مَشْيُهُ بِأنِ احْتاجَ إلى عَصًا، أوْ صارَ يَمْشِي مُحْدَوْدِبًا، ولَوْ كُسِرَ صُلْبُهُ وشُلَّتْ رِجْلُهُ قال المُتَوَلِّي مِنَ الشّافِعِيَّةِ: يَلْزَمُهُ دِيَةٌ لِفَواتِ المَشْيِ، وحُكُومَةٌ لِكَسْرِ الظَّهْرِ، بِخِلاَفِ ما إذا كانَتِ الرِّجْل سَلِيمَةً لاَ يَجِبُ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةٌ؛ لأِنَّ المَشْيَ مَنفَعَةٌ فِي الرِّجْل فَإذا شُلَّتِ الرِّجْل فَفَواتُ المَنفَعَةِ لِشَلَل الرِّجْل فَأُفْرِدَ كَسْرُ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ، أمّا إذا كانَتْ سَلِيمَةً فَفَواتُ المَشْيِ لِخَلَل الصُّلْبِ فَلاَ يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ.
قال النَّوَوِيُّ: إنَّ مُجَرَّدَ الكَسْرِ لاَ يُوجِبُ الدِّيَةَ وإنَّما تَجِبُ الدِّيَةُ إذا فاتَ بِهِ المَشْيُ.
ولَوْ أذْهَبَ كَسْرُ الصُّلْبِ مَشْيَهُ ومَنِيَّهُ، أوْ مَنِيَّهُ وجِماعَهُ وجَبَتْ دِيَتانِ عَلى الاصَحِّ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ وقِيل: دِيَةٌ [روضة الطالبين (9) / (305) – (306)].
وقال الحَنابِلَةُ: إنَّ دِيَةَ ذَهابِ مَنفَعَةِ المَشْيِ تَجِبُ حَتّى لَوِ انْجَبَرَ كَسْرُ الصُّلْبِ [كشاف القناع (6) / (48)].
المَشْيُ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ:
(16) – ذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ إلى كَراهَةِ المَشْيِ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وقال الحَنابِلَةُ: ولَوْ يَسِيرًا سَواءٌ كانَ فِي إصْلاَحِ الاخْرى أوْ لاَ، لِقَوْلِهِ ?: لاَ يَمْشِي أحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ [حديث: «لا يمشي أحدكم في نعل واحدة». أخرجه البخاري (الفتح (10) / (309))، ومسلم ((3) / (1660)) من حديث أبي هريرة]، وقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: إذا انْقَطَعَ شِسْعُ أحَدِكُمْ فَلاَ يَمْشِي فِي الاخْرى حَتّى يُصْلِحَها [حديث: «إذا انقطع شسع أحدكم، فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها». رواه مسلم ((3) / (1660)) من حديث أبي هريرة]، وقال أبُو يَحْيى زَكَرِيّا الانْصارِيُّ: والمَعْنى فِيهِ أنَّ مَشْيَهُ يَخْتَل بِذَلِكَ [المجموع (4) / (466)، وأسنى المطالب (1) / (278)، وكشاف القناع (1) / (284)].
وقال الخَطّابِيُّ: الحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أنَّ النَّعْل شُرِعَتْ لِوَقايَةِ الرِّجْل عَمّا يَكُونُ فِي الارْضِ مِن شَوْكٍ أوْ نَحْوِهِ فَإذا انْفَرَدَتْ إحْدى الرِّجْلَيْنِ احْتاجَ الماشِي أنْ يَتَوَقّى لإِحْدى رِجْلَيْهِ ما لاَ يَتَوَقّى لِلاخْرى فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِن سَجِيَّةِ مَشْيِهِ [فتح الباري (10) / (309) – (310) ط. السلفية].
وقال المالِكِيَّةُ: لاَ يَمْشِي أحَدٌ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ ولاَ يَقِفُ فِيهِ إلاَّ أنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الخَفِيفُ، فِي حال كَوْنِهِ مُتَشاغِلًا بِإصْلاَحِ الاخْرى، ولْيَلْبَسْهُما جَمِيعًا أوْ فَلْيَنْزِعْهُما جَمِيعًا [عقد الجواهر الثمينة لابن شاس (3) / (527)، والتفريع لابن الجلاب (2) / (353)].
تَسْلِيمُ الرّاكِبِ عَلى الماشِي
(17) – يُسَنُّ تَسْلِيمُ الرّاكِبِ عَلى الماشِي والماشِي عَلى القاعِدِ، والقَلِيل عَلى الكَثِيرِ، والصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ، لِقَوْلِهِ ?: يُسَلِّمُ الرّاكِبُ عَلى الماشِي، والماشِي عَلى القاعِدِ، والقَلِيل عَلى الكَثِيرِ [حديث: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد والقليل على الكثير». أخرجه البخاري (فتح الباري (11) / (15))، ومسلم ((4) / (1703)) من حديث أبي هريرة]. ولِلتَّفْصِيل (ر: سَلاَمٌ ف (23)).
آدابُ المَشْيِ مَعَ النّاسِ
(18) – قال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الحَنابِلَةِ: مَن مَشى مَعَ إنْسانٍ فَإنْ كانَ أكْبَرَ مِنهُ وأعْلَمَ مَشى عَنْ يَمِينِهِ يُقِيمُهُ مَقامَ الامامِ فِي الصَّلاَةِ.
قال ابْنُ مُفْلِحٍ مُقْتَضى كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ:
اسْتِحْبابُ مَشْيِ الجَماعَةِ خَلْفَ الكَبِيرِ وإنْ مَشَوْا عَنْ جانِبَيْهِ فَلاَ بَاسَ كالامامِ فِي الصَّلاَةِ، وفِي مُسْلِمٍ قَوْل يَحْيى بْنِ يَعْمُرَ أنَّهُ هُوَ وحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَشْيا عَلى جانِبَيْ ابْنِ عُمَرَ، قال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى مَشْيِ الجَماعَةِ مَعَ فاضِلِهِمْ وهُوَ أنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ ويَحُفُّونَ بِهِ [الآداب الشرعية لابن مفلح (3) / (266) – (267)].
قال الحَصْكَفِيُّ وابْنُ عابِدِينَ: ولِلشّابِّ العالِمِ أنْ يَتَقَدَّمَ عَلى الشَّيْخِ الجاهِل، لأِنَّهُ أفْضَل مِنهُ، ولِهَذا يُقَدَّمُ فِي الصَّلاَةِ وهِيَ إحْدى أرْكانِ الاسْلاَمِ وهِيَ تالِيَةُ الايمانِ، قال ابْنُ عابِدِينَ: وصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ فِي فَتاواهُ بِحُرْمَةِ تَقَدُّمِ الجاهِل عَلى العالِمِ حَيْثُ يَشْعُرُ بِنُزُول دَرَجَتِهِ عِنْدَ العامَّةِ لِمُخالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ} [سورة المجادلة / (11)]
وهَذا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فالمُتَقَدِّمُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَيُعَزَّرُ [ابن عابدين (5) / (481)]. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (37/ 335وما بعدها)].
وانظر: (بابُ آدابِ السَّفَرِ)، من المجموع شرح المهذب للنووي (ت (676)) رحمه الله تعالى، (4/ 385وما بعدها).