[1ج/ رقم (483)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (483)]:
(483) – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه (ج (2) ص (1330)): [ص: (411)] حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ ? رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَأَى ((1)) الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ سَأَلَهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ووَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
هذا حديث حسنٌ.
وقد أخرجه الإمام أحمد (ج (5) ص (251)): حدثنا محمد بن الحسن بن أَتْشٍ ((2))، حدثنا جعفر يعني ابن سليمان، عن يَعْلى يعني ابن زياد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة ح وحدثنا رَوْحٌ، حدثنا حماد، عن أبي غالب به.
——————————
((1)) في «مسند أحمد»: فلما رمى الجمرة الثانية.
((2)) في الأصل: ابن أنس. والصواب ما أثبتناه، كما في «تهذيب التهذيب».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(1) – كتاب العلم، (87) – تأخير الإجابة عن السؤال، ((132)).
(7) – كتاب الحج والعمرة? (51) – فتوى الإمام في مناسك الحج وغيرها، ((1411)).
(13) – كتاب الجهاد والغزوات، (3) – أي الجهاد أفضل، ((1948)).
(24) – كتاب الإمارة، (13) – الإنكار على الأمير المسلم إذا خالف شرع الله بدون خروج لقتاله، ((3172)).
(29) – كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (18) – الإنكار على السلطان إذا خالف شرع الله، ((3439)).
وفي (33) – كتاب التفسير، باب: (121) – قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}،
إلا أنه أورد رواية الإمام أحمد والنسائي رحمهم الله تعالى:
(4018) – قال الإمام النسائي رحمه (ج (7) ص (161)): أخبرنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن طارق بن شهاب: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال «كلمة حق عند سلطان جائر».
(4019) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (5)): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقٍّ إِذَا رَأَىهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ» قَالَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ. انتهى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: “صحيح بشاهده”. [الصحيحة تحت حديث ((491))].
قال محققو سنن ابن ماجه (5/ 145):
“إسناده حسن.
أبو غالب اختلف في اسمه، فقيل: حَزَوَّر، وقيل: سعيد ابن الحزور، وقيل: نافع. قال ابن معين: صالح الحديث، وقال الدارقطني: ثقة، وحسن الترمذي بعض أحاديثه، وقال في بعضها: حسن صحيح، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال ابن سعد: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وضعفه النسائي وباقي رجاله ثقات، ويشهد له ما قبله”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
(عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، سكن الشام، ومات بها سنة ست وثمانين ((86) هـ). يروي عنه: (ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا غالب البصري، وهو مختلف فيه.
(قال) أبو أمامة رضي الله عنه: (عرض لرسول الله ? رجل) أي: جاء معترضًا بين يديه، ولم أر من ذكر اسم هذا الرجل (عند الجمرة الأولى) وهي التي تلي مسجد الخيف، سميت الأولى؛ لأنَّها ترمى أولًا في الأيام التشريق الثلاثة، (فقال) الرجل السائل: (يا رسول الله؛ أي): أنواع (الجهاد أفضل؟) أي: أكثر أجرًا عند الله تعالى وأكثر نفعًا عند المسلمين (فسكت) رسول الله ? (عنه) أي: عن جواب سؤال الرجل؛ انتظارًا للوحي.
(فلما رمى) النبي ? (الجمرة الثانية) وهي الوسطى .. (سأله) أي: سأل الرجل النبي ? (فسكت) النبي ? (عنه) أي: عن جواب سؤاله (فلما رمى) النبي ? (جمرة العقبة) وهي التي تلي مكة .. (وضع) النبي ? (رجله) أي: قدم رجله اليمنى (في الغرز) أي: في الركاب (ليركب) فـ (قال) ? لمن عنده: (أين السائل) لي عن أفضل الجهاد آنفًا؟ (قال) الرجل للنبي ?: (أنا) السائل لك (يا رسول الله) ?، (قال) النبي ? في جواب سؤاله: أفضل الجهاد (كلمة حق) وعدل وصدق (عند ذي سلطان) أي: عند صاحب سلطة (جائر) أي: ظالم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح بما قبله من حديث أبي سعيد، وإن كان سنده حسنًا؛ لما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة. [شرح سنن ابن ماجه، (24/ 159 – 160)]
والثالث: فوائد الحديث:
1 – (منها): “أنّ كلمة الحق تُقال عند السلطان أمامه لا من ورائه وخُفيةً؛ فهذه المنشورات، وتلك الخطب، وتلك المجالس الخفيّة ليست من باب كلمة الحق عند سلطانٍ جائر، وكلمة الحق عند سلطانٍ جائر؛ أي: في ما بينك وبينه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانْ فَلَا يُنْكِرْ عَلَيْه عَلَانَيَة أَمَامَ النَّاس، وَلَكِنْ لِيَخْلُو بِهِ وَلْيَأَخُذ بِيَدِهِ وَلَيَنْصحَهُ فَإِن قَبِلَ وَإِلَّا كَانَ أَدَّى الذِي عَلَيْه)).
2 – (ومنها): فما المراد بالسلطان الجائر؟
المرادُ بالسلطان الجائر؛ الظلوم، الغشوم، القتّال؛ الذي يؤذي الناس.
لذلك من الخطأ تنزيل هذا الحديث على بعضِ حُكّام المسلمين أو على حُكّام المسلمين الذين لا يقتلون الناس ولا يؤذونهم؛ لأنّ بعض الناس يتكلم في ولاة الأمر، فإذا قلت له: “اتق الله”. يقول: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر! “.
نقول له: “لا، ليس كما فَهِمت، عند سلطانٍ جائر أمامه، عند سلطانٍ جائر بينك وبينه، عند سلطانٍ جائر أن يكون ظلومًا، غشومًا، قتّالًا، مُؤذِيًا للناس”.
فليس الحديث بفهمك تفهمه؛ إنّما الحديث تفهمه في ضوء الأحاديث، وفي ضوء فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم”. [سلسلة فوائد الخطب المنبرية].
3 – (ومنها): “أن الجهاد مراتب ودرجات وأنواع، يدل عليه قوله: “أفضل الجهاد”.
4 – (ومنها): أن الجهاد باللسان أفضل الجهاد وأعظمه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الجهاد باللسان، ومحاججة الكفار بحجج القرآن، في سورة الفرقان وهي سورة مكية، فقال: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (الفرقان:52). ولم يأت وصف الجهاد بهذا إلا في هذا النوع من الجهاد.
5 – (ومنها): أن هذا الفضل المذكور إنما يكون بعدة أمور:
1) في حق سلطان عرف بالجور والظلم، حتى أصبح الجور وصفاً راسخا ثابتا فيه؛ وهذا معنى (جائر) دل عليه التعبير بالإسمية (اسم فاعل)، فلو جاء بالفعلية بلفظ: (يجور) اختلف المعنى، وأصبح يصدق على من صدر منه مطلق جور، لكن الحديث جاء بلفظ: (جائر) ليدل على أن هذا الفضل محله مع (سلطان جائر)، أي: الجور صفة راسخة ثابتة فيه.
2) أن هذا الفضل إنما يناله من قال كلمة الحق بعدل لا مجرد كلمة حق، فقد يقول المسلم كلمة حق لكن لا بعدل، والفضل المذكور يناله من قالها بعدل.
فيدخل فيه مراعاة أدب الخطاب ونحوه مما يذكر في أدب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3) أن هذا الفضل إنما يناله من قالها عند هذا السلطان الجائر، لا بعيداً عنه، إنما عنده، وهذا في معنى حديث: ((فليأخذ بيده ولينصحه في خاصة نفسه)).
فمن تحققت فيه هذه الأمور نال هذا الفضل بإذن الله”. [(كلمة حق في وجه سلطان جائر)، متى يطبق هدا الكلام؟].
والرابع: ملحقات:
(المسألة الأولى):
“الإمامة هي: «موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع». الأحكام السلطانية للماوردي = ((1) / (60))، وانظر في تعريفها أيضا: المقدمة لابن خلدون (ص (190))، وغياث الأمم لأبي المعالي الجويني (ص (55))، وكتاب «المواقف» للإيجي ((3) / (574)).
إذا نصب الإمام وتمت له البيعة، فإن له حقوقا على رعيته، ومن تلك الحقوق: أن يبذلوا له النصح بالطرق التي بينها لنا الشرع الحكيم. [مر ذكر هذا في ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، 9 – بابُ عُقُوبَةِ مَن يَامُرُ بِالمَعْرُوفِ ولا يَفْعَلُهُ، ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ ويَفْعَلُهُ].
[تنبيه]: انظر: مسائل البيعة في فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند (1183).
(المسألة الثانية): الأدلة على مشروعية النصح لمن ولاه الله تعالى أمر المسلمين:
“قد دل الكتاب والسنة على مشروعية النصح لمن ولاه الله أمر المسلمين:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: (59)].
قال فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله في كتابه قطف الجنى الداني (ص (170)): «حق ولاة الأمر على الرعية النصح لهم بالسمع والطاعة لهم في المعروف، والدعاء لهم، وترك الخروج عليهم ولو كانوا جائرين». وانظر: الروضة الندية لصديق حسن خان ((3) / (510)).
وأما من السنة فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ((55)) عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي ? قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم». أخرجه الترمذي في السنن ((4) / (395) رقم (2658)) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ((2658)).
[تنبيه]: مر ذكر هذا في ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، 9 – بابُ عُقُوبَةِ مَن يَامُرُ بِالمَعْرُوفِ ولا يَفْعَلُهُ، ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ ويَفْعَلُهُ].
وعن سَلَمَةُ بن يَزيدَ الجُعفِيُّ رضي الله عنه، رسولَ الله ? فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله، أرأيتَ إنْ قامَت عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسألُونَا حَقَّهُم، وَيمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَامُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَألَهُ، فَقَالَ رسولُ الله ?: «اسْمَعْوا وَأَطِيعُوا، فإنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حملْتُمْ». رواه مسلم.
قال الأعظمي رحمه الله في كتابه الجامع الشامل (12/ 329 – 330):
” (50) – باب: نصيحة السلطان بالكلمة الطيبة والحكمة وإنْ كان جائرًا
قال اللَّه تعالى مخاطبا لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ((43)) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: (43) – (44)].
وأن تكون النصيحة سرًّا؛ لأن اللَّه لم يأمرهما أن يُشْهرا ظلمه أمام الملأ.
• عن طارق بن شهاب أن رجلا سأل النبي ? وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حق عند سلطان جائر».
صحيح: رواه النسائي ((4209))، وأحمد ((18828)، (18830)) من طرق عن سفيان (هو الثوري)، عن علقمة بن مرثد، عن طارق بن شهاب، فذكره.
وإسناده صحيح، وطارق بن شهاب رأى النبي ? ولم يسمع منه فروايته من قبيل مرسل الصحابي وهو حجة.
• عن أبي أمامة قال: عرض لرسول اللَّه ? رجل عند الجمرة الأولى، …. فذكر الحديث
- عن أبي سعيد الخدري أن النبي ? قال: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر».
حسن: رواه أبو داود ((4344))، والترمذي ((2174)) واللفظ له، وابن ماجه ((4011)) كلهم من حديث إسرائيل، حدّثنا محمد بن جحادة، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، فذكره.
قال الترمذيّ: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه».
قلت – القائل هو الأعظمي -: في إسناده عطية العوفي – هو ابن سعد بن جنادة ضعيف من سوء حفظه، وقد وجدت له متابعًا عند أحمد ((11143)) في حديث طويل، وهو مخرج في موضعه، رواه من طريق علي بن زيد ابن جدعان، عن أبي النضرة، عن أبي سعيد.
وابن جدعان ضعيف، وبهذين الطريقين يكون الحديث حسنا”. انتهى نقل الأعظمي رحمه الله تعالى.
وقال الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح (5/ 170 – 173):
” (18) – الإنكار على السلطان إذا خالف شرع الله
(3439) -[أورد فيه حديث الباب].
(3440) – عن طارق بن شهاب رضي الله عنه: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال «كلمة حق عند سلطان جائر» [رواه النسائي، وقال الوادعي: “هذا حديث صحيحٌ”].
(3441) – عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يؤمرون وسيكون بعدي خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون بما لا يؤمرون فمن أنكر عليهم برئ ومن أمسك يده سلم ولكن من رضي وتابع». [رواه أبو يعلى، وقال الوادعي: “هذا حديث صحيح”].
(3442) – عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «ما من نبي ولا وال إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وبطانة لا تألوه خبالًا ومن وقي شرهما فقد وقي وهو مع التي تغلب عليه منهما». [رواه أحمد، وقال الوادعي: “هذا حديث صحيح”].
– عن أبي سلمة رضي الله عنه: «إن الله لم يبعث نبيًّا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالًا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي». [رواه الترمذي]. انتهى باختصار من الجامع، ثم قال الوادعي بعد هذا الباب: ” (19) – الإنكار على الحاكم المسلم بدون التحريض على الخروج عليه”، ثم ذكر ما يتعلق به. بهذا انتهى المراد.
فصل:
في بعض الآثار:
عن أبي إدريس الخولاني، أنه قال: “إياكم والطعن على الأئمة، فإن الطعن عليهم هي الحالقة، حالقة الدين ليس حالقة الشعر، ألا إن الطعانين هم الخائبون وشرار الأشرار”. [رواه ابن زنجويه في الأموال (1/ 80)].
“ففي هذه الأثر – وما جاء في معناها – دليل جلي، وحجة قوية على المنع الشديد والنهي الأكيد عن سب الأمراء، وذكر معايبهم.
“فمن خالف هذا المنهج، واتبع هواه، فلا ريب أن قلبه مليء بالغل إذ أن السباب والشتائم ينافي النصح للولاة؛ وقد ثبت عن النبي ? أنه قال: ((ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ)).
ومن ظن أن الوقوع في ولاة الأمر بسبهم وانتقاصهم من شرع الله تعالى أو من إنكار المنكر ونحو ذلك، فقد ضل وقال على الله وعلى شرعه غير الحق؛ بل هو مخالف لمقتضي الكتاب والسنة، وما نطقت به آثار سلف الأمة”. [معاملة الحكام ص (159)].
فحق الإمام على الرعية: ما قاله ابن جماعة رحمه الله: “رد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة”،
وليس تنفير الناس عنه، وصد الناس عن طاعته، وذكر مثالبه كما يفعله هذا المفتون وأمثاله من خوارج العصر ينسبون ذلك إلى السنة والأئمة.
وأما ما ادعاه من تبديع القائلين بنصيحة الإمام سرا لا جهرا، وعزاه للأئمة، فقد نادى به على نفسه بعظم الجهل، ومنهج الافتراء على السنة والأئمة؛ وإلا فالسنة فيه أوضح من شمس النهار، والأقوال والآثار لا تخفى على من له أدنى اطلاع،
فعن عياض بن غنم – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله ? يقول: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَاخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ)). [رواه أحمد ح (15333)].
وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه، فقد برئ وخلت ذمته من التبعة.
– “قال العلامة السندي في (حاشيته على مسند الإمام أحمد) قوله: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ” أي: نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق”. [معاملة الحكام ص (123)].
– وقال الشوكاني رحمه الله: “ينبغي لمن ظهر له غلط في بعض المسائل أن تناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلوا به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله”. [السيل الجرار (4/ 556)].
وعن زياد بن كسيب العدوى، قال: ((كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق -، فقال أبو بلال ([هو مرداس بن أدية أحد الخوارج]) انظروا إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق! فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله? يقول: ((مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ)). [رواه الترمذي ح (2224)].
فهذا الخارجي أنكر على الإمام أمام الناس، فأسكته الصحابي – رضي الله عنه – وبين له أن هذا من إهانة السلطان، وأن من فعل ذلك فإن الله سيهينه.
وعن سعيد بن جُمْهَانَ، قَالَ: ((أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ؛ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ?: ((أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ))، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: “بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا”.
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: “وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ”. [رواه أحمد ح (19415)].
فتبين من هذا: أن المجاهرة في نصيحة ولاة الأمر من مذهب الخوارج، وليست من مذهب أهل السنة في شيء، فالإمام لا ينكر عليه علانية، ولا يسب، ولا يشغب عليه، ولكن ينصح خفية، هذا هو جهاد أهل الحق، فإن كنت صادقا مخلصا محبا لوطنك ولإمامك وللنابس، فانصح في السر، ابتغ وجه ربك، فهذا هو الجهاد؛ فقد: سئل النبي ? عن أفضل الجهاد؟ فقال: ((كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ)). [رواه أحمد ح (18828)].
وتأمل قوله ?: ((عِنْدَ إِمَامٍ))، وليس في الفضائيات، ولا في الإذاعات، ولا في مواقع الشبكات، ولا على المنابر والصحف والمجلات، وهذا مع جور الإمام وظلمه، فكيف بمن هو خير منه؟ كيف يُشغَّب عليه في الملأ؟! [مفهوم الخروج على ولي الأمر في ضوء الكتاب والسنة ومنهج الصحابة والأئمة والرد على أهل الأهواء والفتنة، بتصرف يسير].
(المسألة الثالثة): معنى النصيحة لولاة الأمر
قال الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم ((2) / (227)): «وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم».
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص (153)): «وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله».
وقال أبو نعيم الأصبهاني في كتابه «فضيلة العادلين من الولاة» ((139)): «من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى».
(المسألة الرابعة): طريقة نصح الوالي أو الإمام عند أهل السنة اتباع السلف
أما طريقة نصح الوالي أو الإمام فهي ليست اجتهادية كل بحسب ما يرى، وإنما هي توقيفية جاء النص الصريح من النبي ? ببيان كيفيتها.
فعن عياض بن غنم رضي الله عنه، عن النبي ? أنه قال: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر ….
فهذه هي الطريقة النبوية في نصح الإمام:
أن تكون سرا بينهما، وألا تكون على رؤوس الأشهاد، وأن تكون برفق ولين وحرص على مصلحة المنصوح.
وقد ترجم الصحابة الكرام أمر النبي ? عمليا، فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقال له ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه فتكلمه؟ فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه. ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه». أخرجه البخاري ((3267))، ومسلم ((2989)).
قال ابن حجر معلقا على فعل أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «أي: كلمته فيما أشرتم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر، بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها». [فتح الباري ((13) / (65))].
وقال أحمد بن النحاس في كتابه «تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين» (ص (64)): «يختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد».
وللمزيد في عرض منهج السلف في كيفية نصح الإمام فإني أحيل القارئ الكريم إلى كتاب «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ الدكتور عبد السلام بن برجس العبد الكريم رحمه الله (ص (103) – (132)).
[حاشية: الآثار الواردة عن السلف في العقيدة من خلال كتب المسائل المروية عن الإمام أحمد (2/ 529 – 532)].
(((((((
(المسألة الخامسة): “المنهج الشرعي في الإنكار على أخطاء ولاة الأمور:
إذا وقع ولاة الأمر – أو بعضهم – في شيء من الأخطاء الظاهرة – البينة -؛ فإن المنهج الشرعي (منهج أهل السنة) في التعامل معه يكون بأمور:
الأمر الأول: كراهة أخطائهم بالقلب، وعدم إظهار الموافقة لهم فيها.
الأمر الثاني: بذل النصيحة والإنكار عليهم سرًّا لمن أمكنه ذلك واستطاع الوصول إليهم؛ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المنهج الصحيح في الإنكار على ولي الأمر، فقال كما في حديث عياض بن غنم: ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فليأخذ بيده وليخل به، فإن قبل منه وإلا كان قد أدى الذي عليه)). [صححه الألباني في “ظلال الجنة”]، وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الجهاد كلمة عدل – أو قال كلمة حق – عند سلطان جائر))، فتأمل في قوله ((عند سلطان))، أي: فيما بينك وبينه. [المنهج الشرعي في الإنكار على أخطاء ولاة الأمور].
قال ابن رجب على حديث أبي سعيد «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا». الحديث.
بعد أن ساق عدة أحاديث، قال: «فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأما إنكاره بالقلب فلا بد منه، فما لم ينكر قلب المؤمن دلّ على ذهاب الإيمان من قلبه». اهـ
وقال بعد ذلك: «مبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال، وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة» اهـ[انظر جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم ص (281)].
(المسألة السادسة): مراتب الإنكار على ولاة الأمر، ومن يأثم من أخطائهم
“ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عيوب الولاة: ((فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع))، فذكر في هذا الحديث مرتبتين من مراتب الإنكار على ولاة الأمر:
الأولى: الإنكار عليهم، وتقدم تفسيره بأن يكون الإنكار سرّاً، كما في الحديثين السابقين، فإن الأدلة يفسِّر بعضها بعضا ويصدِّق بعضها بعضا، وهذا خاص بمن استطاع الوصول إليهم. [المنهج الشرعي في الإنكار على أخطاء ولاة الأمور].
والمرتبة الثانية: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ومن كره فقد سلم))، والكراهة محلها القلب، فيكره أخطاءهم ويبغضها بقلبه ولا يشاركهم فيها، فيسْلم بذلك من الإثم، وهذه أدنى مراتب الإنكار الثلاث التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي سعيد: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ((ولكن من رضي وتابع)).
* بيان لحال من يصيبه الإثم من أخطاء ولاة الأمر، فوصفه بصفتين:
إحداهما: ((من رضي)) بأخطاء الولاة، والرضا محله القلب، ولا سبيل إلى معرفته إلا أن يصرح به صاحبه بلسانه.
والثانية: ((وتابع)) أي: تابعهم على أخطائهم ووافقهم فيها.
أما من لم تظهر منه موافقة أو رضا؛ فلا يجوز أن يُتَّهم بموافقتهم أو تُنسب إليه أخطاؤهم، كما هو صنيع بعض الجهلة والمغرضين – هداهم الله -. [المنهج الشرعي في الإنكار على أخطاء ولاة الأمور].
(المسألة السابعة):
“إن كانت مخالفات ولاة الأمر عامة -كالحفلات الغنائية والبنوك الربوية مثلاً-، فلا بد من تحذير الناس من الوقوع فيها، ولكن ذلك يكون على وجه التعميم من غير تخصيص، وعلى وجه النصح والشفقة من غير تحريض أو تهييج، بخلاف ما عليه دعاة الفتنة والبدعة الذين يتخذون من عيوب الحكام وسيلة لأغراضهم الحزبية في إيغار صدور الناس عليهم وتحريضهم على الثورات ضدهم، وهو منهج الخوارج في الماضي والحاضر”.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن إنكار المنكرات الشائعة،
ونص السؤال والجواب: فضيلة الشيخ! من الذي يقرر أن ينكر علني لمنكرات معروفة في المجتمع هم العلماء أم هم الدعاة؟
مسألة التقرير وهو أن يتكلم عن الإنكار على الولاة وليس على المنكرات الشائعة، … ، فأقول: أما المنكرات الشائعة فأنكرها،
لكن كلامنا على الإنكار على الحاكم، مثل: أن يقوم الإنسان -مثلًا- في المسجد، ويقول: الدولة ظلمت، الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائبًا؛ لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم.
وهناك فرق بين كون الأمير حاضرًا أو غائبًا.
الفرق أنه إذا كان حاضرًا أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيبًا ونحن مخطئون،
لكن إذا كان غائبًا وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة.
، أنا أريد مثلًا أن أقول للناس: اجتنبوا الربا، ويأتي ويقول: هذه بيوت الربا معلنة ورافعة البناء، فلا يقول هكذا، يعني: هذا إنكار ظني على الولاة، لكن يقول: تجنبوا الربا والربا محرم وإن كثر بين الناس، الميسر حرام وإن أقر وما أشبه ذلك. [لقاء الباب المفتوح (62) / (13) — لابن عثيمين (ت (1421))، إنكار المنكرات الشائعة].
وسيأتي بإذن الله تعالى فيما بعد قول الشيخ ابن باز في طريقة إنكار على الأمور الحاصلة في المجتمع.
(المسألة الثامنة): الدعاء لهم بالهداية والصلاح، والصدق في ذلك،
مما قاله أئمة السنة في ذلك: “لو كنت أعلم أن لي دعوة مستجابة لدعوت بها للسلطان، فإن في صلاحه صلاح للمسلمين” جاء هذا عن الإمام أحمد والفضيل بن عياض.
قال الإمام البربهاري في “شرح السنة”: “إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب بدعة”.
قال الشيخ ابن باز معلقاً على أثر أسامة رضي الله عنه: “لما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلى بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه نسأل الله العافية”. [لمعلوم23 و المعاملة 44].
وقال أئمة الدعوة: “ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام، فالواجب فيها منا صحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس”. [نصيحة مهمة 30].
وقال العلامة السعدي رحمه الله: “على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام”. [الرياض الناضرة 50].
وقال الشيخ ابن باز: “الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
وإنكار المنكر يكون
من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي، والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم”. [المعلوم 22].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: “إذا صدر المنكر من أمير أو غيره ينصح برفق خُفْية ما يستشرف ـ أي ما يطلع ـ عليه أحد فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل؛ فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خُفْية” [نصيحة مهمة 33].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً أو التشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه”. [مقاصد الإسلام 393]ـ يريد الإسرار بالنصح ونحوه ـ.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: “أحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ـ أي: سراً بلطف ولين ـ أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت وقلت؛ فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أخرى معروفة”. [الرياض الناضرة ص50].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عمّا لهم من محاسن أو صواب!
ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة، فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة إنما يزيد البلاء بلاء ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها”. [وجوب طاعة السلطان للعريني ص23 – 24].
وقال الشيخ ابن عثيمين: ”
وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها،
فإذا حاول أحد يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن؛ لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد.
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان، وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب.
وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة.
ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ، بل معالجة الخطأ؛ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها”. [المعاملة 32]. [السنة في ما يتعلق بولي الأمة … ].
(المسألة الحادي عشر): مسؤولية العلماء والدعاة في مواجهة المنكرات والتحديات المعاصرة.
“ينبغي للعاقل أن يحذر التشنيع على علماء السنة المعروفين بالنصيحة للأمة، وأن يستحضر قول أسامة بن زيد – لما طلب منه الإنكار على بعض الولاة -: “ألا ترون أني لا أنكر عليه إلا أن أعلمكم! إني أنكر عليه فيما بيني وبينه، ما أريد أن أفتح باب شر أكون أول من فتحه)). رواه مسلم”.
وَشَرَحَ الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ ذَلِكَ فَقَال: إِنَّ الْحِسْبَةَ لَهَا خَمْسُ مَرَاتِبَ: أَوَّلُهَا التَّعْرِيفُ، وَالثَّانِي الْوَعْظُ بِالْكَلاَمِ اللَّطِيفِ، وَالثَّالِثُ السَّبُّ وَالتَّعْنِيفُ، وَالرَّابِعُ الْمَنْعُ بِالْقَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ، كَكَسْرِ الْمَلاَهِي وَنَحْوِهِ، وَالْخَامِسُ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ بِالضَّرْبِ، ثُمَّ قَال: أَمَّا التَّعْرِيفُ وَالْوَعْظُ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الإِْمَامِ، وَأَمَّا التَّجْهِيل، وَالتَّحْمِيقُ، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْفِسْقِ، وَقِلَّةِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَهُوَ كَلاَمُ صِدْقٍ، وَالصِّدْقُ مُسْتَحِقٌّ لِحَدِيثِ: أَفْضَل الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ ((2)) فَإِذَا جَازَ الْحُكْمُ عَلَى الإِْمَامِ عَلَى مُرَاغَمَتِهِ فَكَيْفَ يُحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ كَسْرُ الْمَلاَهِي، وَإِرَاقَةُ الْخُمُورِ، فَإِنَّ تَعَاطِيَ مَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ حَقًّا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِ الإِْمَامِ، وَأَمَّا جَمْعُ الأَْعْوَانِ، وَشَهْرُ الأَْسْلِحَةِ فَذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إِلَى فِتْنَةٍ عَامَّةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ ((1)) وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى اشْتِرَاطِ الإِْذْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَمْهَرَةُ الْعُلَمَاءِ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَهَيَجَانِ الْفَسَادِ ((2)).
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِالأَْئِمَّةِ وَالْوُلاَةِ فَلاَ يَسْتَقِل بِهَا الاحَادُ كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لاَ يُسْتَوْفَى إِلاَّ بِحَضْرَةِ الإِْمَامِ، لأَِنَّ الاِنْفِرَادَ بِاسْتِيفَائِهِ مُحَرِّكٌ لِلْفِتَنِ، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ لاَ يَنْفَرِدُ مُسْتَحِقُّهُ بِاسْتِيفَائِهِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فِي شِدَّةِ وَقْعِهِ وَإِيلاَمِهِ. وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ لاَ يُفَوَّضُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ إِلاَّ أَنْ يَضْبِطَهُ الإِْمَامُ بِالْحَبْسِ فِي مَكَان مَعْلُومٍ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَلاَّهُ الْمُسْتَحِقُّ ((3)).
الموسوعة الفقهية الكويتية (17) / (241)
======
وفي جامع العلوم والحكم:
[دلالة هذه الأحاديث]:
فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأنّ إنكاره بالقلب لابد منه فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قبله.
– وقد روي عن أبي جحيفة قال: قال علي: إنّ أولَ ما تُغْلَبُون عليه من الجهاد: الجهاد بأيديكم، ثم الجهادُ بألسنتكم، ثم الجهادُ بقلوبكم؛ فمن لم يعرف قَلْبُهُ المعروفَ ويُنكِر قَلْبُهُ المنكرَ نُكِسَ فَجُعِلَ أعلاه أسفلَه.
وسمع ابن مسعود رجلا يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، فقال ابن مسعود: هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر.
يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرضٌ لا يسقُطُ عَنْ أحد، فمن لم يعرفه هَلكَ.
وأما الإنكار باللسان واليد، فإنما يجب بِحَسَبِ الطَّاقة.
– وقال ابن مسعود: يوشك مَنْ عَاشَ منكم أن يَرَى مُنْكرًا لا يسطع له غير أن يعلم الله من قبله أنه له كاره.
– وفي سنن أبي داود عن الْعُرْسِ بن عَمِيرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها؛ كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها؛ كان كمن شهدها “.
– وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من حضر معصية فكرهها؛ فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها، فأحبها؛ فكأنه حضرها وهذا مثلُ الذي قبله.
فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرضٌ على كل مسلم في كل حال.
وأمّا الإنكار باليد واللسان؛ فبحسب القدرة كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيرون؛ إلَّا يوشك أن يعمهم الله بعقاب”.
خرّجه أبو داود بهذا اللفظ.
– وقال: قال شعبة فيه: “ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله، فلما يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب “.
– وخرج أيضًا من حديث جرير سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “ما مِنْ رَجُل يكون في قوم يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي، يقدرون أن يُغَيّروا عليه، فلا يغيرون؛ إلا أصَابَهُم الله بِعِقَابٍ قبل أَن يموتوا.
وخرجه الإمام أحمد ولفظه: “ما مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي هُمْ أَعَزُّ وأكثَرُ ممن يعمله فلم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب”.
– وخرج أيضًا من حديث عديّ بن عميرة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “إن الله لا يُعذِّبُ العامةَ بعمل الخاصة، حتى يَرَوا المنكرَ بَيْنَ ظَهْرَانيْهِمْ – وهُم قادرون على أن يُنْكِرُوه – فلا ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك؛ عَذَّب الله الخاصَّة والعامة”.
– وخرج أيضًا هو وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “إن الله لَيَسْأَلُ العَبْدَ يومَ القيامة حتى يقولَ: ما مَنَعَكَ إذ رأيتَ المنكرَ أن تُنكِره؟ فإذا لقَّن الله عَبْدًا حجتَه قال: يا ربّ! رجوتُك وفَرِقْتُ مِنَ الناس “.
– فأما ما خرجه الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي سعيد أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أنه قال في خطبة: “ألا لا يمنعنَّ رجلا هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه”.
وبكى أبو سعيد، وقال: قد – والله – رأينا أشياء فَهِبْنا.
– وخرجه الإمام أحمد، وزاد فيه: “فإنه لا يقرّبُ مِنْ أجَلٍ ولا يباعدُ من رِزْقٍ أن يُقَال بحقِّ أو يذكَّر بعظيم”.
وكذلك خرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا يحقرْ أحَدُكُمْ نَفْسَهُ، قالوا: يا رسول الله! كيفَ يَحْقِرُ أحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قال: يرَى أمرًا للهِ عليه فيه مَقَالٌ ثُمَّ لا يقولُ فيه، فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما مَنَعَكَ أن تقولَ في كذا وكذا؟ فيقولُ خَشْيَةُ الناس، فيقول الله: فَإياي كنت أحقَّ أن تخشى.
فهَذان الحديثان محمولان على أن يكون المانِع له من الإنكار مجردَ الهيْبةِ دونَ الخوفِ المسقِطِ للإنكار.
قال سعيد بن جُبَيْر: قُلتُ لابن عباس: آمرُ السلطانَ بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفتَ أن يقتلكَ فَلا، ثم عدتُ فقال لي مثْلَ ذلك، ثم عدتُ فقال لي مِثلَ ذلك، وقال: إن كنتَ لابدَّ فاعلا ففيما بينَكَ وبينَه”.
– وقال طاووس: أتى رجل ابنَ عباس فقال: ألا أقومُ إلى هذا السلطان فآمَره وأنهاه؟ قال لا تكن له فتنة.
قال: أفرأيت إن أمرنى بمعصية الله؟ قال: ذلك الذي تريدُ؛ فكنْ حينئذ رجلا.
– وقد ذكرنا حديث ابن مسعود الذي فيه. “يخلف من بعدهم خُلُوفٌ، فَمنْ جاهدهم بيده فهو مؤمن …. ” الحديث.
وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد.
وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبى داود وقال: هو خلاف الأحاديث التي أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على جور الأئمة.
وقد يجاب عن ذلك بأن التغييرَ باليد لا يستلزم القتال.
– وقد نص على ذلك أحمد أيضًا في رواية صالح فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح.
وحينئذٍ: فَجِهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يُريقَ خمورهم، أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ونحو ذلك، أو يبطلَ بيده ما أمَروا به من الظلم إن كانَ له قُدْرَةٌ على ذلك.
وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي وَرَد النهيُ عنه، فإنّ هذا أكثر ما يخشى منه أن يُقْتَلَ الآمِرُ وحده.
– وأما الخروج عليهم بالسيف؛ فيُخْشَى منْهُ الفتن التي تؤَدِّي إلى سَفْكِ دماء المسلمين.
– نعم! إن خَشِيَ في الإقدِامِ على الإنكار على الملوك أن يؤذَى أهلُه أو جيرانُه لم ينبغ له التعرضُ لهم حينئذ لان فيه من تَعدِّي الأذى إلى غيره.
– كذلك قال الفضيل بن عياض، وغيره.
ومع هذا فمتى خاف منهم على نفسه السيفَ أو السوط أو الحبسَ أو القيدَ أو النَّفْي أو أخذَ المال أو نحوَ ذلك من الأذى سقط أمرهم ونهيهُم.
* * *
وقد نص الأئمة على ذلك منهم مالك وأحمد وإسحق وغيرهم.
قال أحمد: لا تتعرَّض إلى السلطان فإِن سيفَهُ مَسْلُولٌ.
– وقال ابن شُبْرُمَة: “الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر، كالجهاد يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين، ويحرم عليه الفرار منهما، ولا يجب عليه مصابرة أكثَرَ من ذلك؛ فإن خَافَ السبَّ أو سماعَ الكلام السئ، لم يسقط عنه الإنكارُ بذلك.
نص عليه الإمامُ أحمد.
وإن احتمل الأذى، وقَوِي عليه؛ فهو أفضل.
نصّ عليه أحمد أيضًا.
وقيل له: أليس قد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “ليس للمؤمن أن يذل نفسه” أي يعرضها من البلاء لما لا طاقة له به؛ قال: ليس هذا من ذلك.
– ويدل على ما قاله ما خرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.
– وخرج ابن ماجه معناه من حديث أبي أمامة.
وفي مسند البزار بإسناد فيه جهالة، عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قلت: يا رسول الله! أي الشهداء أكرم على الله؟ قال: “رجل قام إلى إمام جائر فأمره بمعروف، ونهاه عن منكر؛ فقتله “.
– وقد روي معناه من وجوه أخرى كلها فيها ضعف.
– وأما حديث: “لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه” فإنما يدل علَى أنه إذا عَلم أنه لا يُطيقُ الأذَى ولا يَصْبِرُ عليه، فإنه لا يتعرَّض حينئذ للأمر.
وهذا حق.
وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر كذلك.
قاله الأئمة، كسفيان وأحمد والفضيل بن عياض، وغيرهم.
– وقد روي عن أحمد، ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب.
قال في رواية أبي داود: نحن نرجو إن أنكرَ بقلبه؛ فقد سَلِمَ، وإن أنكره بيده؛ فهو أفضل.
وهذا محمول على أنه يَخَافُ كما صَرَّح بذلك في رواية غير واحد.
– وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنْكَارِ المنكرِ على من يَعلم أنه لا يُقْبل منه.
وصَحَّحَ القول بوجوبه.
وهو قول أكثر العلماء.
– وقد قيل لبعض السلف في هذا؟ فقال: يكون لك معذرة.
وهذا كما أخبر الله تعالى عن الذين أنكروا على المعتدين في السَّبْتِ أنهم قالوا: لِمَنْ قال لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به: ففي سنن أبي داود وابن ماجه والترمذي عن أبي ثعلبة الخشنى أنه قيل له: كيف تقول في هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟ فقال: سألت عنها خبيرًا ..
أما والله! لقد سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “بل ائتَمِروا بالمعروفِ وانْهَوْا عن المنكر حتى إذا رأيتَ شُحًّا مُطَاعًا، وهَوًى مُتَّبعًا ودُنْيَا مُؤْثَرَةً، وإعجابَ كُلِّ ذي رَأىٍ برأيه؛ فعليكَ بنفسك وَدَعْ عَنْكَ أمرَ العوامّ”.
– وفي سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو قال: فبينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذكَر الفتنةَ فقال: إذا رَأَيتُمُ النَّاس مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وخَفّتْ أمانَاتهُمْ وكانوا هكذا وشَبَّكَ بن أَصَابِعِه، فقمتُ إليه فقلت له: كيفَ أفعلُ عند ذلك؟ جعلني الله فداك؟ قال: الْزَمْ بيتَك، وامْلِكْ عليكَ لسانَكَ، وخذ بما تعرِفُ، ودَعْ ما تُنْكِرُ، وعليك بأمر خاصّة نفسِكَ، ودَعْ عنكَ أمرَ العامة.
– وكذلك روى عن طائفة من الصحابة في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قالوا: لم يأت تأويلها بعد؛ إنما تأويلها في آخر الزمان.
وعن ابن مسعود قال: إذا اختلفت القلوبُ والأهواءُ، وأُلْبِسْتُم شِيَعًا، وذاق بعضكم بأسَ بعض؛ فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، فهو حينئذ تأويل هذه الآية.
– وعن ابن عمر قَال: هذه الآية لأقوام يجيئون مِنْ بَعْدِنَا إن قالوا لم يُقْبَلْ منهما.
– وقال جُبَيْرُ بن نُفَيْر: عن جماعة من الصحابة قالوا: إذا رأيتَ شحًّا مُطاعًا وهوًى متّبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليكَ حينئذ بنفسك لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلّ إذا اهْتَدَيْتَ.
– وعن مكحول قال: “لم يأت تأويلها بَعْدُ إذا هابَ الواعظُ، وأنكر الموعوظ، فعليك حينئذ بنفسك لا يضركَ مَنْ ضَلّ إذا اهتديتَ.
– وعن الحسن أنه كان إذا تلا هذه الآية قال: يا لها من ثقة ما أَوْلقَهَا! ومنْ سَعَةٍ ما أوسعها!.
وهذا كله قد يحمل على أن مَنْ عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر سقط عنه.
وكلام ابن عمر يدل على أن مَنْ كَلِمَ أنه لا يُقْبَلُ منه لما يَجب عليه، كما حكى رواية عن أحمد.
وكذا قال الأوزاعي: مُرْ مَنْ تَرى أن يقبل منكَ.
– وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي ينكر بقلبه: (وذلك أضعف الإيمان).
يدل على أن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر من خصال الإيمان، ويدلّ على أن مَنْ قدَر على خَصلة من خصال الإيمان وفَعلَها كان أفضلَ ممن تركها عجزًا عنها.
– ويدل على ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق النساء: “أمَّا نقصانُ دينها فإنها تمكثُ الأيامَ واللياليَ لا تُصلِّي” يشير إلى أيام الحيض، مع أنها ممنوعة من الصلاة حينئذ، وقد جعل ذلك نقصًا في دينها؛ فَدَلَّ على أن مَن قدر على واجب وفعله فهو أفضل ممن عجز عنه وتركه، وإن كان معذورا في تركه والله أعلم.
* * *
– وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “من رأى منكم منكرًا”.
يدل على أن الإنكار يتعلق بالرؤية، فلو كان مستورًا فلم يره، ولكن عَلِم به؛ فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يعرض له، وأنه لا يفتش على ما اسْتَراب به.
– وعنه رواية أخرى أنه يكشف المغطا إذا تحققه.
[جامع العلوم والحكم 3/ 949 ت الأحمدي أبي النور]
قال العباد:
درجات تغيير المنكر
يقول الإمام النووي رحمه الله: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان درجات تغيير المنكر، وأن الناس فيه ليسوا على حد سواء؛ لأنهم متفاوتون، وأن أعلى درجة للتغيير هي: التغيير باليد لمن قدر على ذلك، فمن لم يستطع فلابد من التغيير باللسان، فمن لم يستطع فلا بد من التغيير بالقلب، وليس هناك شيء أقل من هذا، بل ذلك أضعف الإيمان، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم …..
قال عليه الصلاة والسلام: (وذلك أضعف الإيمان).
يعني: هذا أقل شيء، وهذا يدل على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، ففيهم من هو قوي الإيمان، وفيهم من هو ضعيف الإيمان، وكما أن حصول الإيمان الناس يتفاوتون في كماله، فهم يتفاوتون في ضعفه.
فهم متفاوتون في الكمال، أي: في كمال الإيمان، ومتفاوتون في الضعف، ولهذا قال: (وذلك أضعف الإيمان).
يعني: أن من لم يحصل في قلبه شيء من التأثر والكراهية فمعنى ذلك أنه ليس عنده شيء من الإيمان الذي يحصل به أداء هذا الأمر الذي هو أقل شيء، وليس أقل أو أدنى منه.
فقوله: (من رأى منكم منكراً) يحتمل أن يكون المراد الرؤية البصرية، بمعنى أنه شاهد المنكر بعينه، فهو يغيره بيده إن كان من أهل اليد، وإلا فيغيره بلسانه إذا لم يستطع تغييره بيده.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية، بمعنى أنه يعلم ويتحقق عن طريق صحيح أن هناك منكر، وأن المنكر موجود، فإنه يعمل على تغييره بما علمه من حصوله ووجوده، وعلى هذا فلا يكون التغيير خاص بما رآه الإنسان، بل بما علمه ويتحقق علمه، فإن المطلوب منه أن يغيره مادام تحقق وجوده وعلم بذلك، وإن لم يشاهده ويعاينه، وعلى هذا فيكون المراد بالرؤية ما هو أشمل من الرؤية البصرية أي: ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية.
تفسير قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم))
ما جاء في هذا الحديث من الأمر بتغيير المنكر لا ينافي ما جاء في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105].
فلا يقال: أن بين الآية والحديث تعارض، فالآية فيها: أن الإنسان عليه نفسه، وأنه لا يضره من ضل إذا اهتدى، والحديث يقول: (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه).
والمعنى: أنكم إذا أديتم ما عليكم وما هو مطلوب منكم فقد برئت ذمتكم؛ ….
ولشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] تحقيقات في مباحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نذكرها بالنص لأهميتها: قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى: [قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105].
قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله: ((إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))؛ لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة وسعيد بن المسيب كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره وابن جرير ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب وأبي عبيد القاسم بن سلام ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر وابن مسعود فمن العلماء من قال: ((إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) أي: أمرتم فلم يسمع منكم، ومنهم من قال: يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية، وهو ظاهر جداً، ولا ينبغي العدول عنه لمنصف.
ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد: أن الله تعالى أقسم أنه في خسر، بقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 – 3].
فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل، وقد دلت الآيات كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده؛ فمن ذلك ما خرجه الشيخان في صحيحيهما عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (دخل عليها فزعاً مرعوباً يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها- فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) أخرجه البخاري والترمذي.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:78 – 81]، ثم قال: كلا والله! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن، وهذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم ((عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)) [المائدة:78] فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى يأطروهم على الحق أطراً).
ومعنى تأطروهم أي: تعطفوهم، ومعنى تقصرونه: تحبسونه، والأحاديث في الباب كثيرة جداً، وفيها الدلالة الواضحة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في قوله: ((إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))، ويؤيده كثرة الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110] وقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 – 79].
وقوله: {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] وقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر:94].
وقوله: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165].
وقوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
والتحقيق في معناها: أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره، هي: أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بالعذاب صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم، والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك كما قدمنا طرفاً منها.
مسائل تتعلق بالأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ذكر الشيخ الشنقيطي مسائل تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي:
وجوب اتباع الحق على الآمر والمأمور
المسألة الأولى: اعلم أن كل من الآمر والمأمور يجب عليه اتباع الحق المأمور به، وقد دلت السنة الصحيحة على أن من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله أنه حمار من حمر جهنم يجر أمعاءه فيها، وقد دل القرآن العظيم على أن المأمور المعرض عن التذكرة حمار أيضاً.
أما السنة المذكورة: فقوله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها في النار …..
اشتراط العلم في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
المسألة الثانية: يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إن كان جاهلاً بذلك، فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، ولاسيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل، وصار فيه الحق منكراً، والمنكر معروفاً، والله تعالى يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108].
فدل على أن الداعي إلى الله لابد أن يكون على بصيرة، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه، وينبغي أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة، وحسن الأسلوب واللطافة مع إيضاح الحق؛ لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] فإن كانت دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسناداً مطلقاً، إلا لمن جمع بين العلم والحكمة والصبر على أذى الناس؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم، وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة، وأغراضهم الباطلة، ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده فيما قص الله عنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ورقة بن نوفل: أوَ مُخرجيّ هُم؟! -يعني: قريش- أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما ترك الحق لـ عمر صديقاً.
واعلم أنه لا يحكم على الأمر بأنه منكر إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص فيه، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكراً، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطئ منهم معذور كما هو معروف في محله.
واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة.
أما طريق اللين فهي: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده، وتقام حدوده، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:25].
ففيه الإشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
عدم جواز النهي عن المنكر إذا أدى إلى مفسدة أكبر
المسألة الثالثة: يشترط في جواز الأمر بالمعروف: ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر، بإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين، قال في مراقي السعود: وارتكب لأخف من ضررينِ وخيرنْ لدى استوا هذينِ ويشترط في وجوبه: مظنة النفع به، فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه، كما يدل له ظاهر قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى} [الأعلى:9].
فقوله صلى الله عليه وسلم: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهو عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن كالقابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم).
وفي لفظ: (قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم) أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه وأبو داود وابن ماجه وابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، وقال الراوي هذا الحديث عنه أبو أمية الشعباني، وقد سأله عن قوله تعالى: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)): والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا) إلى آخر الحديث.
وهذه الصفات المذكورة في الحديث من الشح المطاع والهوى المتبع إلى آخره، مظنة لعدم نفع الأمر بالمعروف، فدل الحديث على أنه إن عدمت فائدته سقط وجوبه.
حكم الأمر بالمعروف
تنبيه: الأمر بالمعروف له ثلاث حكم: الأولى: إقامة حجة الله على خلقه، كما قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165].
الثانية: خروج الآمر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف، كما قال تعالى في صالح القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف:164].
وقال تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54].
فدل على أنه لو لم يخرج من العهدة لكان ملوماً.
الثالثة: رجاء النفع للمأمور، كما قال تعالى: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164] وقال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55].
وقد أوضحنا هذا البحث في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة الأعلى في الكلام على قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى} [الأعلى:9]، ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته وأولاده ونحوهم وينهاهم عن المنكر؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر
المسألة الرابعة: اعلم أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف: كلمة حق عند سلطان جائر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز: (أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر) رواه النسائي بإسناد صحيح كما قاله النووي رحمه الله.
واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث: الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه، ويجب أن يكون نصحه له بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن ذلك هو مظنة الفائدة.
الثانية: ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره وتأدية نصحه لمنكر أعظم، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهية منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.
الثالثة: أن يكون راضياً بالمنكر الذي يعمله السلطان متابعاً له عليه، فهذا شريكه في الإثم، والحديث المذكور هو ما قدمنا في سورة البقرة عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا.
ما أقاموا فيكم الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن كره).
يعني: بقلبه ولم يستطع إنكاراً بيد ولا لسان فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بها وتابع عليها فهو عاص كفاعلها.
ونظيره حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
وقوله في هذه الآية الكريمة: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)) صيغة إغراء يعني: الزموا حفظها، كما أشار له في (الخلاصة) بقوله: والفعل من أسمائه عليك وهكذا دونك مع إليك انتهى.
هذا هو كلام شيخنا: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في المسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك في كتابه أضواء البيان عند قول الله عز وجل في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105].
[شرح الأربعين النووية – العباد 30/ 2 بترقيم الشاملة آليا]
قال ابن عثيمين في شرح الحديث من رياض الصالحين:
قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر”.
فللسطان بطانتان: بطانة السوء، وبطانة الخير …
وقول كلمة الحق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد. وقال: ” عند سلطان جائر” لأن السلطان العادل، كلمة الحق عنده لا تضر قائلها؛ لأنه يقبل، أما الجائر فقد ينتقم من صاحبها ويؤذيه.
فالآن عندنا أربع أحوال:
1 – كلمة حق عند سلطان عادل، وهذه سهلة.
2 – كلمة باطل عند سلطان عادل، وهذه خطيرة؛ لأنك قد تفتن السلطان العادل بكلمتك، بما تزينه له من الزخارف.
3 – كلمة حق عند سلطان جائر، وهذه أفضل الجهاد.
4 – كلمة باطل عند سلطان جائر، وهذه أقبح ما يكون.
فهذه أقسام أربعة، لكن أفضلها كلمة الحق عند السلطان الجائر.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يقول الحق ظاهراً وباطناً على نفسه وعلى غيره.
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 453]
قال ابن عبد البر في التمهيد (13) / (53):
وَقَدْ كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يُشَدِّدُ فِي هَذَا فَيَقُولُ
رُبَّمَا دَخَلَ الْعَالَمُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينُهُ فَيَخْرُجُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَالُوا كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ يَمْدَحُهُ فِي وَجْهِهِ وَيُصَدِّقُهُ فِي كَذِبِهِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَا تَاتِهِمْ فَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فَاصْدُقْهُمْ قَالَ وَأَنَا أَخَافُ أَلَّا أَصْدُقَهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ نُصْحَ السُّلْطَانِ
فَالصَّبْرُ وَالدُّعَاءُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ
فتوى:
كلمة حق عند سلطان جائر
السؤال السابع من الفتوى رقم ((8502)):
س (7): إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ما المقصود بهذا الحديث ومتى يطبق؟
ج (7): معناه: أن إبلاغ السلطان الظالم الحق بالمشافهة
أو الكتابة ونحوهما أفضل أنواع الجهاد، قال المناوي في [شرح الجامع الصغير]: لأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير، فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير، بخلاف قتل الكافر. اهـ.
وهو من مناصحة ولاة الأمور في كل زمان لمن قدر عليه، مع العلم والحلم والصبر.
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (4) / (402) – (403)
[تنبيه:]
انظر: مسائل الحسبة وأحوال الرعية في إنكار المنكر في كِتَابُ ((56)): الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ من صحيح مسلم، بابُ (9) عُقُوبَةِ مَن يَامُرُ بِالمَعْرُوفِ ولا يَفْعَلُهُ، ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ ويَفْعَلُهُ. وفي فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند (1ج/ رقم (397))، وقد ذكر فيه بيان المعروف والمنكر ودرجات ذلك، ـ ومتى يجب ومتى لا يجب.