[1ج/ رقم (480)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
و أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (480)]:
(480) – قال الطبراني رحمه الله (ج (8) ص (118)): حدثنا أحمد بن خليد الحلبي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام حدثني أبو أمامة: أن رجلًا قال: يا رسول الله أنبيًّا كان آدم؟ قال: «نعم». قال: كم كان بينه وبين نوح ((1))؟ قال: «عشرة قرون» قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: «عشرة قرون» قال: يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم، إلا أحمد بن خليد الحلبي، وقد ترجمه ابن العديم في «تاريخ حلب» (ج (2) ص (730)) ونقل (ص (732)) عن الدار قطني أنه وثَّقه.
الحديث أخرجه ابن حبان (ج (14) ص (69)) وليس عنده: كم كانت الرسل … الخ.
* قال الحاكم رحمه الله (ج (2) ص (262)): حدثني إبراهيم بن إسماعيل القارئ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، حدثني زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنبيٌّ كان آدم؟ قال: «نعم، معلَّم مكلَّم» قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: «عشر قرون» قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال: «عشر قرون» قالوا: يا رسول الله، كم كانت الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وخمس عشرة جمًّا غفيرًا».
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
——
الحاشية:
((1)) في «الكبير» بزيادة (وإبراهيم)، والصواب في حذفها كما في «الأوسط» (ج (1) ص (128)) ط الحرمين، و «مسند الشاميين» (ج (4) ص (105)) وكلاهما للطبراني وقد ذكره بسنده ومتنه. اهـ مصححه.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني (ت (360) هـ) رحمه الله في المعجم الكبير، باب الصاد، أبو سلام الأسود، عن أبي أمامة، ((7545)).
ورواية أبو عبد الله الحاكم (ت (405)) رحمه الله في المستدرك، كتاب التفسير، بسم الله الرحمن الرحيم من سورة البقرة، ((3039)). [التعليق – من تلخيص الذهبي] (3039) – على شرط مسلم.
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(15) – كتاب دلائل النبوة، (25) – عدد الرسل وفترة ما بينهم، ((2288))، وفي: (26) – أبونا آدم عليه السلام، ((2295)).
وبوب ابن حبان:
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا مِنَ الْقُرُونِ
التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9) / (37)
قال الألباني رحمه الله تعالى:
(3289) – (كان بين آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونِ، وبين نوحٍ وإبراهيم عشرةُ
قرونٍ)
أخرجه الحاكم ((2) / (262))، والطبراني في «المعجم الكبير» ((8) / (139) – (145))،
وفي «المعجم الأوسط» ((1) / (24) / (2) / (398) – بترقيمي) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي: ثنا معاوية بن سلام: حدثني زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام
يقول: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه:
أن رجلًا قال: يا رسول الله! أنبي كان آدم؟ قال: «نعم، مُعلَّمٌ مُكلَّمٌ» …. وتكلم على السند وصححه ثم قال
وقد وجدت للشطر الثاني من حديث الترجمة شاهدًا موقوفًا قويًا من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
«كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق؛ فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا)».
أخرجه الطبري في «تفسيره» ((2) / (194))، والحاكم ((2) / (546) – (547)) وقال: «صحيح على شرط البخاري». ووافقه الدهبي.
قلت – أي: الألباني -: كنت خرجت هذا الحديث من مصدر مخطوط فيما تقدم برقم ((2668))، ومن مصادر أخرى مطبوعة، لم يقع في بعضها الشطر الثاني من حديث الترجمة، فرأيت أن أبرزه هنا وأفرده بالتخريج، وأن أقويه بهذا الشاهد الصحيح عن ابن عباس؛ فإنه وإن كان موقوفًا رواية؛ فهو مرفوع دراية؛ فإنه في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) [البقرة: (213)]، وبخاصة أنه من رواية ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وفيه ما يؤكد رفعه، وهو قوله: «وكذلك هي في قراءة عبد الله .. » يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وفيه فائدة هامة؛ وهي: أن الناس كانوا في أول عهدهم أمة واحدة على التوحيد الخالص، ثم طرأ عليهم الشرك، خلافًا لقول بعض الفلاسفة والملاحدة؛ أن الأصل فيهم الشرك ثم طرأ عليهم التوحيد!
ويبطل قولهم هذا الحديثُ وغيرهُ مما هو نصٌّ في نبوة أبيهم آدم عليه السلام، إلى أدلة أخرى كنت ذكرت بعضها في كتابي «تحذير الساجد» (ص (147) – (150))، فراجعه فإنه مهم”. انتهى.
وفي أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (8) / (5562)، قال:
” (3889) – حديث أبي أمامة أنّ رجلًا قال: يا رسول الله، أنبي كان آدم؟ قال» نعم «قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال» عشرة قرون «
قال الحافظ: صححه ابن حبان».
صحيح.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» ((6177) و (6969) و (15183)) وابن البختري في «الأمالي» ((768)) وابن حبان ((6190)) والطبراني في «الكبير» ((7545)) و «الأوسط» ((405)) وابن منده في «التوحيد» ((571)) من طرق عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي ثنا معاوية بن سلام ثني زيد بن سلام أنّه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة به
وقال ابن منده: هذا إسناد صحيح على رسم مسلم والجماعة إلا البخاري «
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم»
وقال ابن كثير: قلت: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه «البداية (1) / (101)
وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح» المجمع (1) / (196) و (8) / (210)
قلت: وهو كما قالوا.
وللحديث طريق أخرى عند ابن أبي حاتم ((2550) و (6283) و (16944)) وفيها علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف.”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
المعنى الإجمالي:
“ذكر أبو أمامة رضي الله عنه في هذا الحديث أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن آدم هل كان نبيًّا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم كان نبيًّا.
فسأله عن مقدار الزمن بينه وبين نوح؟
فذكر صلى الله عليه وسلم أن المدة بينهما عشرة قُرون،
ثم سأله عن مقدار الزمن بين نوح وإبراهيم؟
فأجابه صلى الله عليه وسلم بنفس الجواب وأنها عشرة قُرون،
ثم سأله عن عدد الرسل؟
فأجابه صلى الله عليه وسلم بأنهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولًا”.
والثالث: ملحقات:
(المسألة الأولى): الإيمان بالرسل معناه وأهميته والصلة بينه وبين الإيمان بالله
أولاً: “الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
1) الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى.
2) الإيمان بمن عَلِمَنا اسمه منهم باسمه مثل: نبينا محمد ?، وبقية الأنبياء المذكورين في القرآن كنوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام.
3) تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم.
4) العمل بشريعة من أُرْسِلَ إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد ? المرسل إلى جميع الناس إلى الثقلين من الجن والإنس”.
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى: “الرسل هم الذين اختارهم الله للرسالة من البشر، وفضلهم على غيرهم، وأنزل عليهم الوحي بواسطة جبريل، فيجب الإيمان بهم، والتصديق بما جاء من أخبارهم، ومن سمي منهم نؤمن به باسمه، ومن لم يسمَّ نؤمن به وإن لم نعرف اسمه، والله عزوجل بين لنا أن منهم من قص علينا ومنهم من لم يقصص علينا، فنحن نؤمن بمن قص باسمه، ومن لم يقص فنؤمن به وإن لم نعرف اسمه.
وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه بعث في كل أمة رسولًا؛ فقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: (36)]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: (25)]، فكل رسول أرسله الله تعالى للدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والتحذير من عبادة غيره عزوجل، سواء عُبد غيره استقلالًا، أو عُبد الله وعُبد غيره معه، فإنّ العبادة لا تنفع إلا إذا كانت خالصة لله سبحانه وتعالى لا شريك له فيها.
فإذًا: نحن نؤمن بمن سمي وبمن لم يسمَّ، وبمن قص علينا ومن لم يقص، وقد سمى القرآن خمسة وعشرين منهم، فنحن نؤمن بهم وبأسمائهم، وغيرهم نؤمن به وإن لم نعرف اسمه.
ونعتقد -أيضًا- أنهم بلغوا البلاغ المبين، وأن كل واحد منهم أدى ما عليه على التمام والكمال، كما قال الله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: (35)]؛ لأن هذه مهمتهم، وقد أدوها على التمام والكمال، كما جاء عن الزهري -رحمة الله عليه- أنه قال: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
فالذي من الله هو الإرسال، وقد حصل، والذي على الرسل هو البلاغ، وقد حصل، والذي على أتباعهم هو الاستسلام والانقياد لما جاءوا به، وهنا ينقسم الناس إلى موفق ومخذول، وإلى شقي وسعيد، فالموفق والسعيد هو الذي يستسلم وينقاد لما جاءوا به، والمخذول الشقي الطريد هو الذي يعرض عما جاءوا به ولا يقبله ولا يعمل به.
وقد جاء وصف نبينا ? بالنبوة والرسالة، وخاطبه الله تعالى بهذين الوصفين فقال: (يا أيها الرسول) وقال: (يا أيها النبي) وذلك في آيات كثيرة. [شرح الأربعين النووية للعباد حفظه الله- تراث].
ثانيًا: “حكم الإيمان بالرسل، وأدلته:
الإيمان برسل الله تعالى واجب من واجبات هذا الدين، وركن عظيم من أركان الإيمان.
وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة:
قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: (285)]، فذكر الله تعالى الإيمان بالرسل في جملة ما آمن به الرسول والمؤمنون، من أركان الإيمان.
وبين أنهم في إيمانهم بالرسل لا يفرقون بينهم فيؤمنوا ببعضهم دون بعض، بل يصدقون بهم جميعًا.
وقد بين الله في كتابه حكم من ترك الإيمان بالرسل؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا – أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: (150) – (151)].
فأطلق الكفر على من كذب بالرسل أو فرق بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم.
ثم قرر أن هؤلاء هم الكافرون حقًّا، أي: الذين تحقق كفرهم وتقرر صراحة.
كما بين الله في مقابل ذلك في السياق نفسه ما عليه أهل الإيمان من ذلك، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: (152)].
فوصفهم بالإيمان بالله ورسله كلهم من غير تفريق بين الرسل في الإيمان ببعضهم دون بعض، وإنما يعتقدون أنهم مرسلون من الله تعالى.
وأما السنة فدلت كذلك على ما دل عليه الكتاب من أن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان؛ وقد دَلّ على ذلك حديث جبريل المتقدم بنصه في مبحث «الإيمان بالملائكة» وفيه أن النبي ? أجاب لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان، فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر». . .) الحديث. فذكر الإيمان بالرسل مع بقية أركان الإيمان الأخرى الواجب على المسلم تحقيقها واعتقادها.
وفي دعاء النبي ? في التهجد عند قيام الليل أنه كان يقول: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق». . .). [صحيح البخاري برقم ((7499))].
فشهادة النبي ? أن النبيين حق ضمن ما ذكر من أصول الإيمان العظيمة، كالإيمان بالله وبوجود الجنة والنار وقيام الساعة وتقديمه ذلك بين يدي دعائه وقيامه دليل على أهمية الإيمان بالرسل والأنبياء ومكانته في الدين.
فتقرر وجوب الإيمان بالرسل وأنه من أعظم دعائم هذا الدين ومن أكبر خصال الإيمان وأن من كذب بالرسل أو بأحد منهم فإنه كافر بالله العظيم كفرًا صريحًا بجحده هذا الركن العظيم من أركان الإيمان.
ثالثًا: ثمرات الإيمان بالرسل:
إذا تحقق الإيمان بالرسل ترك آثاره الطيبة وثماره اليانعة على المؤمن فمن ذلك:
(1) – العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد.
(2) – شكر الله على هذه النعمة الكبرى.
(3) – محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، ولما قاموا به من تبليغ رسالة الله لخلقه وكمال نصحهم لأقوامهم وصبرهم على أذاهم. [انظر: أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، لنخبة من العلماء، (151 – 155)].
(المسألة الثانية): عدد الأنبياء وطرق معرفتهم عليهم الصلاة والسلام:
أولاً:
الأنبياء والرسل جمّ غفير عليهم الصلاة والسلام:
اقتضت حكمة الله تعالى في الأمم قبل هذه الأمّة أن يرسل في كلّ منها نذيرًا، ولم يرسل رسولًا للبشرية كلّها إلاّ محمدًا ?، واقتضى عدله ألاّ يعذب أحدًا من الخلق إلاّ بعد أن تقوم عليه الحجة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: (15)] من هنا كثر الأنبياء والرسل في تاريخ البشرية كثرة هائلة، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: (24)]. وقد أخبرنا رسول الله ? بعدّة الأنبياء والمرسلين، «فعن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جمًّا غفيرًا وقال مرة: خمسة عشر» [رواه أحمد ((5) / (178)) ((21586))، والحاكم ((2) / (652))، والبيهقي ((9) / (4)) ((18166)). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ((1) / (164)): فيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، وصححه أحمد شاكر في «عمدة التفسير» ((1) / (309)) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، والألباني في «تخريج مشكاة المصابيح» ((5669))]، وفي رواية أبي أمامة «قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرُّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا» [رواه أحمد ((5) / (265)) ((22342)). من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. والحديث ضعفه ابن كثير في «البداية والنهاية» ((2) / (140))، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ((1) / (164)): مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف].
* من الأنبياء والرسل من لم يقصصهم الله علينا:
وهذا العدد الكبير للأنبياء والرسل يدلنا على أنَّ الذين نعرف أسماءهم من الرسل والأنبياء قليل، وأنَّ هناك أعدادًا كثيرة لا نعرفها، وقد صرّح القرآن بذلك في أكثر من موضع، قال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: (164)]، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّن لّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: (78)].
فالذين أخبرنا الله بأسمائهم في كتابه أو أخبرنا بهم رسوله – ? – لا يجوز أنّ نكذّبَ بهم، ومع ذلك فنؤمن أنَّ لله رسلًا وأنبياء لا نعلمهم. [الموسوعة العقيدية].
قال الملا على القاري (ت (1014)) عفا الله عنه، بعد أن أورد حديث: (قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قُلْتُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ وَفَاءُ عِدَّةِ الْأَنْبِيَاءِ)؟ أَيْ كَمْ كَمَالُ عَدَدِهِمْ (قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا»)، قال:
“الْعَدَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ مَجْزُومًا بِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فِي عَدَدٍ، لِئَلَّا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فِيهِمْ”. [مرقاة المفاتيح، (9/ 3669 – 3670، رقم (5737))].
ثانيًا:
الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام المذكورون في القرآن:
ذكر الله في كتابه خمسة وعشرين نبيًا ورسولًا، فذكر في مواضع متفرقة آدم وهودًا وصالحًا وشعيبًا وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى: {إِنّ اللهَ اصْطَفَىَ آدَمَ … } [آل عمران: (33)]، وقال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود: (50)]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود: (61)]، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود: (84)]، {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلّ مّنَ الصّابِرِينَ} [الأنبياء: (85)] {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ … } [الفتح: (29)].
وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد في سورة الأنعام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: (83) – (86)].
* أربعة من العرب:
من هؤلاء الخمسة والعشرين أربعة من العرب، فقد جاء في حديث أبي ذر في ذكر الأنبياء والمرسلين: «منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر» [رواه ابن حبان ((2) / (76)) ((361))، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» ((1) / (166)). وقال: تفرد به يحيى بن سعيد العبشمي عن ابن جريج، وقال الزيلعي في «تخريج الكشاف» ((2) / (388)): [فيه] يحيى بن سعيد السعدي قال البيهقي: ضعيف وله طريق آخر، وقال الألباني في «ضعيف الجامع» ((2122)): ضعيف جدًا].
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل: العرب العاربة، وأمّا العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل [«البداية والنهاية» ((1) / (119) – (120))]، وهود وصالح كانا من العرب العاربة.
الأسباط: الأنبياء الذين سبق ذكرهم مذكورون في القرآن بأسمائهم، وهنا بعض الأنبياء أشار القرآن إلى نبوتهم، ولكننا لا نعرف أسماءهم، وهم الأسباط، والأسباط هم أولاد يعقوب، وقد كانوا اثني عشر رجلًا عرّفنا القرآن باسم واحد منهم وهو يوسف، والباقي وعددهم أحد عشر رجلًا لم يعرفنا الله بأسمائهم، ولكنه أخبرنا بأنّه أوحى إليهم، قال تعالى: {قُولُوَا آمَنّا بِاللهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ} [البقرة: (136)].
وقال: {أَمْ تَقُولُونَ أن إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىَ .. } [البقرة: (140)].
ثالثًا:
أنبياء مذكورون في السنة:
هناك أنبياء عرفناهم من السنة، ولم ينصّ القرآن على أسمائهم، وهم:
(1) – شيث:
يقول ابن كثير: (وكان نبيًّا بنصّ الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر مرفوعًا أنّه أنزل عليه خمسون صحيفة) [«البداية والنهاية» ((1) / (99))].
(2) – يوشع بن نون:
روى أبو هريرة قال: قال رسول الله ?: «غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولمّا يبنِ، ولا آخر قد بنى بنيانًا ولما يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات وهو منتظر ولادها، قال: فغزا، فأدنى للقرية حين صلاةِ العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهمَّ احبسها عليَّ شيئًا، فحسبت عليه حتى فتح الله عليه» [رواه البخاري ((3124))، ومسلم ((1747)) واللفظ له].
والدليل على أنَّ هذا النبي هو يوشع قوله ?: «إنَّ الشمس لم تحبس إلاّ ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس» [رواه أحمد ((2) / (325)) ((8298)). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الذهبي في «ترتيب الموضوعات» ((106)): صحيح، وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» ((6) / (286)): إسناده على شرط البخاري، وحسنه ابن الملقن في «الإعلام» ((2) / (281))، وصححه ابن حجر في «فتح الباري» ((6) / (255))].
ربعًا:
صالحون مختلف في نبوتهم:
(1) – ذو القرنين:
ذكر الله خبر ذي القرنين في آخر سورة الكهف، ومما أخبر الله به عنه أنه خاطبه {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف: (86)].
فهل كان هذا الخطاب بواسطة نبيّ كان معه، أو كان هو نبيًّا؟ جزم الفخر الرازي بنبوته [«فتح الباري» ((6) / (382))]، وقال ابن حجر: (وهذا مرويٌّ عن عبد الله بن عمرو، وعليه ظاهر القرآن) [«فتح الباري» ((6) / (382))]، ومن الذين نفوا نبوته عليُّ بن أبي طالب [رواه ابن أبى عاصم في «السنة» ((2) / (597)) ((1318))].
(2) – تبع:
ورد ذكر تبع في القرآن الكريم، قال تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [الدخان: (37)]، وقال: {كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرّسّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تّبّعٍ كُلّ كَذّبَ الرّسُلَ فَحَقّ وَعِيدِ} [ق: (12) – (14)]، فهل كان نبيًّا مرسلًا إلى قومه فكذبوه فأهلكهم الله؟ الله أعلم بذلك.
الأفضل التوقف في أمر ذي القرنين وتُبّع:
والأفضل أن يتوقف في إثبات النبوة لهذين؛ لأنه صحّ عن الرسول ? أنه قال: «ما أدري أتُبّع نبيًّا أم لا، وما أدري ذا القرنين نبيًا أم لا» [رواه الحاكم ((1) / (92))، والبيهقي ((8) / (329)) ((18050)). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» ((2217))]. فإذا كان الرسول ? لا يدري، فنحن أحرى بأن لا ندري.
تنبيه: ذكرنا في بعض التخاريج تعليل الحديث
(3) – الخضر:
الخضر هو العبد الصالح الذي رحل إليه موسى ليطلب منه علمًا، وقد حدثنا الله عن خبرهما في سورة الكهف.
وسياق القصة يدلّ على نبوته من وجوه [انظر: «البداية والنهاية» ((1) / (326))]:
أحدها: قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْمًا} [الكهف: (65)]، والأظهر أنّ هذه الرحمة هي رحمة النبوة، وهذا العلم هو ما يوحى إليه به من قبل الله.
الثاني: قول موسى له: {هَلْ أَتّبِعُكَ عَلَىَ أَن تُعَلّمَنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىَ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْرًا قَالَ فَإِنِ اتّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتّىَ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: (66) – (70)] فلو كان غير نبيّ لم يكن معصومًا، ولم يكن لموسى – وهو نبيٌّ عظيم، ورسول كريم، واجب العصمة – كبيرُ رغبةٍ، ولا عظيم طلبة في علم وَليٍّ غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه، والتفتيش عنه، ولو أنَّه يمضي حقبًا من الزمان، قيل: ثمانين سنة، ثمَّ لما اجتمع به، تواضع له، وعظّمه، واتبعه في صورة مستفيد منه، دلّ على أنه نبيٌّ مثله، يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خصّ من العلوم اللدنيَّة والأسرار النبويَّة بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم، نبيّ بني إسرائيل الكريم.
الثالث: أنّ الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقلٌّ على نبوتَّه، وبرهان ظاهر على عصمته، لأنَّ الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأنَّ خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز الخطأ عليه بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم علمًا منه بأنّه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشّدة محبتهما له، فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته دلّ ذلك على نبوته وأنّه مؤيد من الله بعصمته.
الرابع: أنّه لمَّا فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره وجلاَّه، قال بعد ذلك كلّه: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف: (82)]، يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمرت به، وأوحي إليّ فيه.
خامسًا:
لا تثبت النبوة إلاّ بالدليل:
يذكر علماء التفسير والسير أسماء كثير من الأنبياء نقلًا عن بني إسرائيل، أو اعتمادًا على أقوال لم تثبت صحتها، فإن خالفت هذه النقول شيئًا مما ثبت عندنا من كتاب ربنا وسنة نبينا ? رفضناها، كقول الذين قالوا: (إنَّ الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين بعد عيسى) [«فتح الباري» ((6) / (489))].
نردّ هذّا كله، لأنَّه ثبت في الحديث الصحيح أنّه ليس بين عيسى ابن مريم وبين رسولنا صلوات الله وسلامه عليهما نبيٌّ [رواه البخاري ((3442))، ومسلم ((2365)) بلفظ: «ليس بيني وبينه نبي». من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، فالرسل المذكورون في آية سورة يس إما رسل بعثوا قبل عيسى، وهذا هو الراجح، أو هم – لا كما يقول بعض المفسرين – مبعوثون من قبل عيسى وهذا بعيد، لأن الله أخبر أنّه مرسلهم، والرسول عند الإطلاق ينصرف إلى الاصطلاح المعروف، وما ورد من أنَّ خالد بن سنان نبي عربي ضيعه قومه فهو حديث لا يصحُّ، وهو مخالف لحديث صحيح أخبر الرسول ? فيه أنَّ عدد الأنبياء الذين من العرب أربعة [رواه ابن حبان ((2) / (76)) ((361))، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» ((1) / (166)). وقال: تفرد به يحيى بن سعيد العبشمي عن ابن جريج، وقال الزيلعي في «تخريج الكشاف» ((2) / (388)): [فيه] يحيى بن سعيد السعدي قال البيهقي: ضعيف وله طريق آخر، وقال الألباني في «ضعيف الجامع» ((2122)): ضعيف جدًا].
أما ما ورد عن بني إسرائيل من أخبار بتسمية بعض الأنبياء مما لا دليل عليه من الكتاب والسنة، فلا نكذَّبه، ولا نصدّق به، لأنَّ خبرهم يحتمل الصدق والكذب. [الموسوعة العقدية، بتصرف].
(المسألة الثالثة): أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة:
وأهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الدعوة، فهم -ومن في حكمهم- يمتحنون يوم القيامة كما في حديث قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ? قَالَ: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا» [مسند أحمد ((26) / (228)) رقم ((16301)) -ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة ((4) / (255)) -، قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، به. ومن طريق علي وهو ابن المديني رواه البيهقي في القضاء والقدر ((644))، وفي الاعتقاد (ص: (169))، وتابعه إسحاق بن راهويه فرواه كما في مسنده ((41)) -ومن طريقه المروزي [كما في أحكام أهل الذمة لابن القيم ((2) / (257))]، وابن حبان في صحيحه ((7357))، والطبراني في المعجم الكبير ((1) / (287)) رقم ((841)) وأبو نعيم في المعرفة ((911)) والضياء في المختارة ((4) / (256)) رقم ((1456)) – قال أخبرنا معاذ به. وأعله محققوا المسند بالانقطاع، فقتادة لم يسمع من الأحنف.
واختلف فيه على معاذ: فرواه عبيد الله بن عمر القواريري – كما في تاريخ أصبهان ((2) / (225)) لأبي نعيم-، ومحمد بن المثنى، -كما في مسند البزار ((9597)) – قالا: حَدَّثَنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادةَ، عَنِ الأَسْوَدِ به -ليس فيه الأحنف-. والحديث يشهد له ما بعده. والحديث صححه الألباني في الصحيحة ((1434)) والشيخ الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ((584))].
ورواه قَتَادَةُ أيضا، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا» [مسند أحمد ((26) / (228)) رقم ((16302)) -ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة ((4) / (255)) -قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، به. ومن طريق علي -وهو ابن المديني-، رواه البيهقي في القضاء والقدر ((645)) وفي الاعتقاد (ص: (169))، وتابعه إسحاق بن راهويه -كما في مسنده ((42)) [وعنه المروزي كما في أحكام أهل الذمة لابن القيم ((2) / (257))]-، وعبيد الله بن عمر القواريري – كما في تاريخ أصبهان ((2) / (225)) لأبي نعيم-، ومحمد بن المثنى، -كما في مسند البزار ((9597)) – (ثلاثتهم: إسحاق، والقواريري، وابن المثنى) قالوا: حَدَّثَنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادةَ، به. وصحح البيهقي إسناده في كتابيه. وقال الألباني في «ظلال الجنة» ((1) / (176)): وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم والحسن هو البصري وإنما يخشى من تدليسه إذا عنعن عن الصحابة وأما إذا عنعن عن أقرانه من التابعين كما هنا فما علمت أنهم يخشون هذه العنعنة ا. هـ].
وعن علي بن زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ يُدْلِي عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحُجَّةٍ وَعُذْرٍ رَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ وَرَجُلٌ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ [مَاتَ] هَرَمًا وَرَجُلٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ وَرَجُلٌ مَعْتُوهٌ فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلَكًا رَسُولا فَيَقُولُ اتَّبِعُوهُ فَيَاتِيهِمُ الرَّسُولُ فَيُؤَجِّجُ لَهُمْ نَارًا ثُمَّ يَقُولُ اقْتَحِمُوهَا فَمَنِ اقْتَحَمَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَا، حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ» [رواه أسد بن موسى في «الزهد» ((97)) وإسحاق بن راهويه في مسنده ((514)) والمروزي [كما في أحكام أهل الذمة لابن القيم ((2) / (257))]-، وابن أبي عاصم في «السنة» ((404)) والثعلبي في تفسيره ((1251))، من طرق عن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن علي به، قال الألباني في ظلال الجنة: – حديث صحيح ورجاله ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف لكنه قد توبع … إلخ يعني الإسناد المتقدم. ورواه أسد أيضا ((98)) قال: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ -وهو ابن أبي سليمان-، عَنْ إِبْرَاهِيمَ- وهو النخعي-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ. والنخعي لم يسمع من أحد من الصحابة].
وفي تفسير عبد الرزاق الصنعاني عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهَ، وَالْأَصَمَّ، وَالْأَبْكَمَ، وَالشِّيُوخَ الَّذِينَ لَمْ يُدْرِكُوا الْإِسْلَامَ، ثُمَّ يُرْسِلُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ»، قَالَ: «فَيَقُولُونَ: كَيْفَ وَلَمْ يَاتِنَا رَسُولٌ؟، قَالَ: «وَايْمِ اللَّهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُطِيعُهُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُطِيعَهُ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ((15))} [الإسراء] [«تفسير عبد الرزاق» ((1541)) ورواه المروزي كما في «أحكام أهل الذمة – ط عطاءات العلم» ((2) / (258)) قال: حدثنا أبو بكر بن زَنجَويه، ثنا عبد الرحمن، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «ثلاثةٌ يُمتحَنون يوم القيامة: المَعتُوه، والذي هَلَك في الفترة، والأصمُّ … » فذكر الحديث]. [ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان، (2/ 21 – 23)].
(المسألة الرابعة): أول الرسل و آخرهم عليهم الصلاة والسلام:
أولاً: أول الرسل:
الأنبياء والرسل دينهم واحد، وشرائعهم مختلفة، أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به، وآخرهم يصدق بأولهم ويؤمن به.
وأول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض نوح – صلى الله عليه وسلم-، أرسله الله لقوم كافرين، ليدعوهم إلى الله، ويأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن الشرك.
1 – قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران/81].
2 – وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء/163].
3 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه- مرفوعاً- في حديث الشفاعة، وفيه أن آدم- صلى الله عليه وسلم- قال: «اذْهَبُوا إلَى نُوحٍ، فَيَاتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوْحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسلِ إلَى أَهْلِ الأرْضِ». متفق عليه.
ثانيًا: آخر الرسل:
آخر الرسل محمد- صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب/40]. [مختصر الفقه الإسلامي].
(المسألة الخامسة): “إلى مَنْ بعث الله تعالى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:
1 – بعث الله الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى أقوامهم خاصة كما قال سبحانه: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد/7].
2 – وبعث الله محمداً- صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، فهو سيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، أرسله الله رحمة للعالمين.
1 – قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ/28].
2 – وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء/107]. [مختصر الفقه الإسلامي].
(المسألة السادسة):
قال سبط ابن الجوزي (ت (654)) رحمه الله في مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (2/ 344):
فصل: في عدد الأنبياء والمرسلين، وذكر ما بينهم من السنين [في الحاشية: “في (ب): الباب الثلاثون في عدد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين وذكر ما بينهم من السنين”.].
حدثنا عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد الطُّوسي بإسناده عن ابن المسيب عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كمِ الأنبِيَاءُ؟ قال: «مئةُ ألفٍ وأربعةٌ وعِشرُونَ أَلفًا» قال: قلت: كم الرُّسُلُ منهم؟ قال: «ثَلاثُ مئةٍ وثَلاثَةَ عَشرَ جَمًّا غفِيرًا» قلت: من كان أولهم؟ قال: «آدمُ نبى مُرسَلٌ، خَلَقَهُ اللهُ بِيده، ونَفَخَ فيهِ من رُوحِهِ، وسَواهُ قُبُلًا. ثُم قال: أربعةٌ مِنهم سُريَانِيونَ آدمُ، وشيثُ، وخَنُوخُ، وهو: إدريس، ونُوحٌ. وأربعةٌ من العربِ: هودٌ، وصالحٌ، وشعيبٌ ونَبِيُّكَ، وأولُ الأنبِياءِ من بَني إسرائِيلَ: مُوسى وآخِرُهم: عيسى». قال: فقلت: فكم أَنزَلَ الله مِنَ الكُتُبِ؟ فقال: «مئةٌ وأربَعة كُتُبٍ» [أخرجه ابن حبان في «صحيحه» ((361))، وابن الجوزي في «المنتظم» (2) / (142)، وإسناده ضعيف جدًا].
وقوله: «قبُلًا» أي: عيانًا. ومنه: {أَوْ يَاتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: (55)]، وقوله: «أول أنبياء بني إسرائيل موسى» أي: بعد يعقوب ويوسف.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: المرسلون ثلاث مئة وخمسة عشر أو ستة عشر على عدة قوم طالوت.
وروى عنه عكرمة أنه قال: بعث الله من بني إسرائيل أربعة آلاف نبي. قال: وكل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: إدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ولوط، وشعيب، ومحمد ?، وقال: ليس من نبي له اسمان إلا يعقوب وهو إسرائيل، وعيسى وهو المسيح [انظر «تلقيح فهوم أهل الأثر» ص (4)] “. انتهى.
(المسألة السابعة):
قال سبط ابن الجوزي (ت (654)) رحمه الله في مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (2/ 344 – 346، تراث):
فصل: في مقدار ما بينهم من السنين:
واختلفوا فيه على أقوال:
[بين نوح وآدم]
أحدها: أنه كان بين نوح وآدم ألفا سنة ومئتا سنة وثمانٍ وعشرون سنة، قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وذكره جدي في «التلقيح». [تلقيح فهوم أهل الأثر ص (5)].
وفي رواية عكرمة: مئتي سنة لا غير.
وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس: أنَّ بين آدم ونوح ألف سنة، عشرة قرون. قال: وكلهم كانوا على الإسلام. [انظر «المعارف» ص (57)].
قال الشنقيطي:
فوائد:
الجهة الثالثة: أن قوله: {مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} يدل على أن القرون التي كانت بين آدم ونوح أنها على الإسلام، كما قال ابن عباس: كانت بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام. نقله عنه ابن كثير في تفسير هذه الآية.
وهذا المعنى تدل عليه آيات أخر، كقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} الآية، وقوله: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} الآية؛ لأن معنى ذلك على أصح الأقوال أنهم كانوا على طريق الإسلام، حتى وقع ما وقع من قوم نوح من الكفر، فبعث الله النبيين ينهون عن ذلك الكفر، مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار، وأولهم في ذلك نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ويدل على هذا قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} الآية، وفي أحاديث الشفاعة الثابتة في الصحاح وغيرها أنهم يقولون لنوح: إنه أول رسول بعثه الله لأهل الأرض كما قدمنا ذلك في سورة البقرة.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن – ط عطاءات العلم (3) / (581) – (582)
قال ابن القيم:
وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: (213)].
قال سعيد عن قتادة ((1)): ذُكِرَ لنا أنه كان بين آدم ونوح عليه الصلاة والسلام عشرةُ قرون، كلهم على الهُدَى وعلى شريعة من الحقّ، ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعثَ الله عزوجل نوحًا، وكان أولَ رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض، وبُعِث عند الاختلاف بين الناس وترْك الحق.
وقال ابن عباس: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} كانوا على الإسلام كلهم.
وهذا هو القول الصحيح في الآية.
وقد روى عطية، عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا أمة واحدة كانوا كفارًا.
وهذا قول الحسن، وعَطاء، قالا: كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح عليه الصلاة والسلام أمة واحدة، على مِلّة واحدة، وهى الكفر، كانوا كفارًا كلهم أمثال البهائم، فبعث الله نوحًا، وإبراهيم، والنبيين.
وهذا القول ضعيف جدًا، وهو منقطع عن ابن عباس، والصحيح عنه خلافه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرعة، حدثنا شَيبان بن فَرُّوخ، حدثنا هَمّامٌ، حدثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانوا على الإسلام كلهم.
وهذا هو الصواب قطعًا، فإن في قراءة أُبيّ بن كعب: «فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين».
ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى في سورة يونس: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: (19)].
والمقصود أن العدوّ كادهم وتلاعَبَ بهم، حتى انقسموا قسمين: كفارًا ومؤمنين، فكادهم بعبادة الأصنام، وإنكار البعث.
وكان أول ما كاد به عُبّاد الأصنام من جهة العكوف على القبور، وتصاوير أهلها، ليتذكروهم بها، كما قصّ الله سبحانه قصتهم في كتابه، فقال: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: (13)].
قال البخاري في «صحيحه» عن ابن عباس رضي الله عنهما: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحَى الشيطانُ إلى قومهم أن انصِبُوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِخَ العلم عُبِدَتْ.
وقال ابن جرير ((2)): عن محمد بن قَيْس، قال: كانوا قومًا صالحين من بني آدم، كان لهم أتباعٌ يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم: لو صوَّرناهم كان أشوقَ لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوَّروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دَبّ إليهم إبليسُ، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسْقَون المطر، فعبدوهم.
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان – ط عطاءات العلم (2) / (955) – (957)
مسائل:
السؤال
هل آدم نبي، وما الدليل؟
الجواب
نعم آدم نبي، جاء في الحديث عن آدم قال: (إنه نبي مكلم) فهو نبي إلى ذريته، ونوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك، وأما في زمن آدم فلم يقع شرك، وإنما وقعت معصية قابيل لما قتل أخاه هابيل، ثم أيضًا آدم مرسل إلى ذريته فقط، ونوح مرسل إلى ذريته وغير ذريته، وكان بين آدم ونوح عشرة قرون، كما جاء في عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: (19)]، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد ثم وقع الشرك، فأرسل الله نوحًا.
فتاوى منوعة – الراجحي (14) / (24)
[بين نوح وإبراهيم]
وبين نوح وإبراهيم ألف ومئة وثلاث وأربعون سنة. ذكره جدي في «التلقيح» [«التلقيح» ص (5)]، وقد اختلفوا فيه: فروى الوالبي عن ابن عباس قال: بين نوح وإبراهيم ألف ومئة سنة: أحد عشر قرنًا.
[بين إبراهيم وموسى]
قال في «التلقيح»: ومن إبراهيم إلى موسى خمس مئة وخمس وسبعون سنة.
وروي عن ابن عباس: أنَّ بينهما ست مئة سنة.
[بين موسى وداود]
قال: ومن موسى إلى داود خمس مئة وتسع وسبعون سنة.
وروي عن ابن عباس: أن بينهما لست مئة سنة. وقيل: خمس وخمسون.
[بين داود وبين عيسى]
ومن داود إلى عيسى ألفُ سنة وثلاث وخمسون سنة. وقال غيره ألف وثلاث مئة وخمسون سنة.
[بين داود وعيسى]
ومن عيسى إلى محمد ست مئة سنة.
وهذه الرواية بالاتفاق ما بين عيسى ومحمد ?، ولهم فيما عدا ذلك اختلاف كثير اقتصرنا على الأصول.
[بين آدم ومحمد]
وحكى في «التلقيح» عن ابن أبي خيثمة قال: منذ خلق الله آدم إلى أن بعث محمدًا ? خمسة آلاف سنة وثمان مئة سنة [انظر تلقيح فهوم أهل الأثر (5) – (6)، والمنتظم (1) / (145) و (197)، والمحبر (1) – (2)، والمعارف (56) – (57)، وطبقات ابن سعد (1) / (35) – (36)]. وقد أشرنا إلى طرفٍ من هذا في خطبة الكتاب.
[الإشارة إلى الفترتين في التاريخ]
وأنبأنا جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بإسناده إلى الضحاك عن ابن عباس قال: كانت فترتان فترة بين آدم ونوح، وفترة بين عيسى ومحمد ?، فكان أول نبي بعث بعد آدم إدريس، وبين موت آدم وبعث إدريس مئتا سنة؛ لأن آدم عاش ألف سنة إلا خمسين عامًا، وولد إدريس وآدم حي، ومات آدم ولإدريس مئة سنة، ورُفِعَ وهو ابن أربع مئة سنة وخمس وستين، وكان الناس من لدن آدم إلى إدريس ملةً واحدة، مستمسكين بالإسلام، وتصافحهم الملائكة، فلما رُفِعَ إدريس فتر الوحي إلى أن بعث الله نوحًا، وكان يوم بُعِثَ: ابن أربع مئة سنه وثمانين سنة، وكانت نبوة نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا، ثم عاش بعد الغرق خمسين عامًا، ومات. وقيل: مئتي عام.
وانقطع الوحي ما بين إدريس ونوح، وكان سام ابن نوح بعدما مات نوح ابن أربع مئة سنة، وعاش بعده مئتي سنة.
[تسلسل الزمني بعد نوح]
وكان بين نوح وهود ثمان مئة سنة، وعاش هود أربع مئة وستين سنة.
وكان بين هود وصالح مائة سنة، وعاش صالح ثلاث مئة سنة وثلاثين سنة، وقيل: ثلاث مئة إلا عشرين سنة.
وكان بين صالح وإبراهيم لست مئة وثلاثون سنة، وعاش إبراهيم مئة سنة وخمسًا وسبعين سنة، وقيل: مئتي سنة. وعاش إسماعيل مائة سنة وتسعًا وثلاثين سنة، وعاش إسحاق مئة وثمانين سنة، وعاش يعقوب مئة وتسعًا وأربعين سنة.
[بين موسى وعيسى]
وكان بين موسى وإبراهيم سبع مئة سنة، وكانت الأنبياء بين موسى وعيسى متواترة.
وبين عيسى ومحمد ست مئة سنة [لم أقف عليه فيما بين يدي من كتب ابن الجوزي، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) / (12) (مخطوط) و (1) / (29) – (30) (طبعة شيري) من طريق الخطيب بإسناده إلى الضحاك عن ابن عباس، وانظر تاريخ الطبري (2) / (235) – (238)].
قلت –القائل هو سبط -: وقد وهم الخطيب في هذه الرواية بإسقاط شيث، ولم يتدبر حقيقة التاريخ، فإنهم لا يختلفون أنه كان بين آدم وإدريس، وأنه نبي مرسل، ووصيُّ آدم، وكان أفضل أولاده، وقد ذكرناه بعد آدم عليه السلام”. انتهى.
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): إثبات نبوة آدم عليه السلام وكونه أول الأنبياء.
2 – (ومنها): بين آدم ونوح عشرة قرون، وكذلك بين نوح وإبراهيم عشرة قرون.
3 – (ومنها): عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر رسولًا.
4 – (ومنها): مكانة آدم عليه السلام كنبي مكلّم.
5 – (ومنها): الفرق بين النبوة والرسالة في الإسلام.
6 – (ومنها): مشروعية معرفة التسلسل التاريخي للرسل.
7 – (ومنها): عناية الله عز وجل بإرسال الرسل.
8 – (ومنها): فضل العلم بالسنة وأثره في فهم العقيدة.
9 – (ومنها): حث الصحابة على السؤال والتعلم.
10 – (ومنها): تأكيد عقيدة التوحيد منذ الخلق الأول.
للفائدة: للحافظ ابن رجب رحمه الله كلام عن مدة الدنيا ومدة هذه الأمة، تحت باب ((16)) فضل صلاة العصر، ((557)).
(المسألة الثامنة) الفرق بين النبي والرسول
“وقد جاء في القرآن ذكر الرسل والأنبياء، فمن العلماء من قال: إنه لا فرق بين النبي والرسول.
ولكن الأدلة دلت على الفرق بين النبي والرسول،
وأن الرسل هم الذين أنزل عليهم الكتب، وأرسلوا برسالة مستقلة ابتداء، كما حصل لموسى الذي أنزلت عليه التوراة، وإبراهيم الذي أنزلت عليه الصحف، وكذلك نبينا محمد ? الذي أنزل عليه القرآن،
ومنهم من أمر بأن يبلغ رسالة سابقة، ولم ينزل عليه كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين كانوا يحكمون بالتوراة، كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: (44)]، فالأنبياء من بعد موسى كانوا يحكمون بالتوراة، ولم ينزل عليهم كتاب، وإنما أمروا بأن يبلغوا هذا الكتاب، وأن يحكموا به، وأن يدعوا إليه،
وعلى هذا فالرسول هو الذي أوحي إليه بشرع ابتداء، وأنزل عليه الكتاب، كموسى الذي أنزلت عليه التوراة، والنبي هو الذي أمر بأن يبلغ رسالة سابقة ولم ينزل عليه كتاب، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يحكمون بالتوراة من بعد موسى، كما جاء ذلك في سورة المائدة، لكن قد جاء وصف نبينا بأنه نبي وأنه رسول، وجاء وصف إسماعيل بأنه نبي ورسول، وجاء وصف موسى بأنه نبي ورسول.
أما نبينا محمد ? فقد خوطب بـ (يا أيها الرسول) و (يا أيها النبي)، فهو ? نبي ورسول، وموسى قال الله عزوجل عنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: (51)]، وقال الله تعالى عن إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: (54)]، فوصفهم جميعًا بالنبوة والرسالة.
فنبينا محمد ? أوحي إليه أولًا ولم يؤمر بالتبليغ، وذلك عندما أنزل عليه (اقرأ) قبل أن تنزل عليه سورة المدثر، فهو نبي وليس رسولًا في ذلك الوقت، وبعدما أنزلت عليه سورة المدثر صار نبيًا رسولًا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب (الأصول الثلاثة): نبئ بـ (اقرأ) وأرسل بالمدثر يعني: صار نبيًا بنزول (اقرأ) عليه، وصار رسولًا بنزول سورة المدثر عليه.
وعليه فيمكن أن يقال: إنّ النبي هو الذي أوحي إليه بشرع في وقت ما ولم يؤمر بتبليغه، وهذا مثل الحالة التي كانت قبل نزول المدثر في حق نبينا محمد ?، أو هو الذي أمر بأن يبلغ رسالة سابقة، كما حصل في حق أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، فإنهم كانوا يحكمون بالتوراة،
وأما التفريق المشهور الذي يقول: إنّ الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فإنه لا يستقيم فيما يتعلق بالنبي؛ لأنه جاء في القرآن أن النبي مرسل، كما قال الله عزوجل: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ} [الزخرف: (6)]، فوصف النبي بأنه مرسل، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} [الحج: (52)] فعطف الرسول على النبي معناه أنهما شيئان وليسا شيئًا واحدًا.
والله تعالى أعلم. [شرح الأربعين النووية – العباد].