[1ج/ رقم (471)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي. وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وعدنان البلوشي وأسامة الحميري وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (471)]:
مسند شداد بن أوس رضي الله عنهما
(471) – قال أبو داود رحمه الله (ج (2) ص (354)): حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم».
هذا حديث حسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو داود السجستاني ((202) – (275) هـ) رحمه الله، كتاب الصلاة، (89) – باب: الصلاة في النَّعل، ((652)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(4) – كتاب الصلاة، (19) – وضع النعلين على يساره إذا لم يكن عن يساره أحد، ((826)).
وقال محققو سنن أبي داود – ط: دار الرسالة العالمية – (1/ 486): “إسناده حسن؛ من أجل هلال بن ميمون، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه البزَّار في «مسنده» ((3480))، وابن حبان ((2186))، والطبراني ((7164)) و ((7165))، والحاكم (1) / (260)، والبيهقي (2) / (432)، والبغوي في «شرح السنة» ((534)) من طريق مروان بن معاوية، بهذا الإسناد.
ولفظ ابن حبان وحده: «خالفوا اليهود والنصارى».
قال في «الدر المختار» للحصكفي: وينبغى لداخل المسجد تعاهد نعله وخفه، وصلاته فيهما أفضل، وعلق ابن عابدين في «حاشيته» على قوله: «وصلاته فيهما» فقال: أي: في النعل والخف الطاهرين أفضل مخالفة لليهود.
لكن إذا خشي تلويث فرش المسجد بها ينبغي عدمه وإن كانت طاهرة، وأما المسجد النبوي فقد كان مفروشًا بالحصى في زمنه ? بخلافه في زماننا، ولعل ذلك محمل ما في «عمدة المفتي» من أن دخول المسجد منتعلًا من سوء الأدب. فتأمل. انتهى.
وقال الذهبي:
(9835) – يعلى بن شداد [د، ق].
بعض الائمة توقف في الاحتجاج بخبره، وهو: صلوا في النعال، خالفوا اليهود،.
ويعلى شيخ مستور، محله الصدق.
يروي عن أبيه شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، وكان مقدسيا.
حدث عنه سليمان ابن يسير، وأبو سنان عيسى بن سنان، وجماعة.
وقد وثق. انتهى من ميزان الإعتدال
وانظر حديث رقم (1334) من الصحيح المسند
والثاني: شرح وبيان الحديث
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم كثيرًا ما يَأمُرُ بِمُخالفَةِ أهلِ الكتابِ، ومِن ذَلِكَ: أمرُه صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم في هذا الحديثِ بِمُخالَفَةِ اليَهُودِ بِالصَّلَاةِ فِي النِّعالِ والخِفَافِ بِخِلافِهم.
“أورد أبو داود رحمه الله حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي ? قال: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم) أي: بأن تصلوا في نعالكم وخفافكم، وليس ذلك على سبيل الدوام، ولكن في بعض الأحيان، فالمهم أن يوجد ذلك فإن فيه مخالفة لليهود.
وقد ذكرنا أن ذلك حيث تكون الأماكن التي يصلى فيها لا تؤثر فيها الصلاة بالنعال كأن تكون ترابية، وأما إذا كانت مفروشة فقد ذكرنا أن الإنسان لا يعمل على تقذيرها، ولا على إظهارها بالمظهر الذي لا يليق، فيمكن أن يفعل ما أرشد إليه الرسول ? حيث يتيسر له ذلك، وبدون أن يترتب على ذلك أذى”. [شرح سنن أبي داود للعباد حفظه الله على السنة].
قال الشيخ البسام رحمه الله:
فائدة:
الصلاة في النعال ودخول المسجد فيهما، أصبحت مسألة مشكلة.
فسنة النبي ? صريحة بجواز ذلك بل باستحبابه، وأنه من السنة التي ينبغي المحافظة عليها.
فقد قال ? فيما رواه أبو داود عن شداد بن أوس: «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم».
وقال ?، فيما أخرجه أبو داود أيضا، عن أبي سعيد الخدري: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعله قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما» إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة الصريحة، في مشروعية الصلاة فيهما بعد تنظيفهما من الأنجاس والأقذار.
أما العامة وبعض المتعصبين من طلبة العلم، فيجادلونك في ذلك، ويرون أن إحياء هذه السنة من الكبائر، التي لا يسكت عليها.
وإذا أوردت عليهم هذه النصوص قالوا: هذا في وقت دون وقت، وزمن دون زمن.
كأن شريعة محمد ? أتى بعدها من نسخها وبدلها.
وما دروا أنها شريعة الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والمناسب: أن من أراد اتباع السنة في ذلك وفي غيره، مما تركه أو فعله، لا يمس جوهر الإسلام أن ينظر، فإن كان فعله أو تركه يسبب فتنة وشرا اكبر من مصلحته فليراع المصالح، فإن الشرع يكون حيث توجد المصلحة الخالصة، أو الراجحة على المفسدة. [تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للبسام رحمه الله، (163 – 164)].
(765) -[(12)] (شداد بن أوس) قوله: (خالفوا اليهود) أي: صلّوا في نعالكم وخفافكم إظهارًا للمخالفة مع اليهود، وظاهره أنه يستحب ذلك بهذه النية، ففيه أن الرخصة قد يكون مأمورًا به، ويصير في حكم العزيمة بقصد إظهار الخلاف مع أهل الضلالة، وقد صرحوا بذلك في أفضلية مسح الخف إظهارًا للخلاف لمن خالف في ذلك.
لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (2) / (513)
ذِكْرُ الأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِي الْخِفَافِ وَالنِّعَالِ إِذْ أَهْلُ الْكِتَابِ لَا يَفْعَلُونَهُ.
صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (2) / (481)
(3863) – «خالفوا اليهود: فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم». (د ك هق) عن شداد بن أوس.
(خالفوا اليهود) قال ابن حبان: في رواية: «والنصارى». (فإنهم لا يصلون في نعالهم) هو تعليل لمطوي أي خالفوهم وصلوا في نعالكم وخفافكم فإنهم إلى آخره. (ولا خفافهم) ويمكن أنهم نهوا عن الصلاة فيهما ويحتمل أنهم ابتدعوا ذلك، قال العراقي: وحكمة الصلاة في النعلين مخالفة أهل الكتاب كما تقرر فيه خشية أن يتأذى أحد بنعليه إذا خلعهما مع ما في لبسهما من حفظهما من سارق أو دابة تنجس نعليه، قال: وقد نزعت نعلي مرة فأخذه كلب فعبث به ويجوز هذا إذا لم يعلم فيهما نجاسة، قيل وهذا من الرخص لا من المندوب لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة
فقد تقصر به عن هذه الزينة انتهى، قال ابن حجر ((1)): هذا الحديث دليل يرجع إليه أي فيندب ذلك، قلت: وهو الأظهر قال وقد ورد في كون النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف، أورده ابن عدي والعقيلي وابن مردويه من حديث أنس. (د ك هق) ((2)) عن شداد بن أوس) صححه الحاكم وأقره الذهبي وقال الزين العراقي: في شرح الترمذي إسناده صحيح.
التنوير شرح الجامع الصغير (5) / (457) – (458)
و (النَّعلُ): هو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ عند المشيِ، وكلُّ ما وُقِيتْ به القدَمُ من الأرضِ، والغالِبُ أَنَّه لَا يَستُرُ القَدَمَ،
(والخِفَافُ): جمعُ خُفٍّ، وهو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ مِن جِلدٍ رقيقٍ، ويكونُ ساترًا للكَعبينِ فأكثرَ؛ يُتَّخَذُ مِنَ الجِلدِ يُستَرُ به القَدَمُ ويُغطِّيها بقَصْدِ التَّدفِئَةِ وَمَا شابَه، ويُلبَسُ داخِلَ الحِذَاءِ والنَّعلِ. [الموسوعة الحديثية].
والثالث: المسائل والأحكام:
(المسألة الأولى): حكم طهارة البدن، والثوب، والمكان.
• وهو الشرط الثامن من شروط صحة الصلاة، وهو: طهارة البدن، والثوب، والمكان.
• وقد ذهب إلى اشتراط ذلك جمهور العلماء.
واستدلوا [عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «إذا جاء أحدكم المسجد، فلينظر، فإن رأى في نعليه أذى أو قذرا فليمسحه وليصل فيهما». أخرجه أبو داود، وصححه ابن خزيمة. [صحيح]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب». أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان [صحيح لغيره]]، وبقوله تعالى: {وثيابك فطهر} [المدثر: (4)]، وبحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في دم الحيض يصيب الثوب: «تحته، وتقرصه، وتنضحه، ثم تصلي فيه».
وهذه الأدلة تدل على اشتراط الطهارة في الثوب.
وأما أدلتهم في اشتراط الطهارة في البدن، فأحاديث الاستنزاه من البول، وأحاديث الاستنجاء، والاستجمار كلها تفيد أنه يجب التنزه من النجاسة في البدن.
وأما أدلتهم في اشتراطها في المكان؛ فقوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} … [البقرة: (125)].
وحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول، ولا للقذر، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن». [أخرجه مسلم برقم ((285))، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]، ثم أمر بذنوب من ماء، فأهريق عليه.
ويدل إجمالا على جميع ما تقدم قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: (31)].
• وقد ذهب مالك في رواية عنه إلى أن إزالة النجاسة سنة، لكن قال النووي: وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات، أصحها، وأشهرها: أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته، وإن كان جاهلا، أو ناسيا، صحت.
• وذهب أحمد في رواية عنه غير مشهورة إلى أن ذلك واجب، وليس بشرط، ورجح ذلك الإمام الشوكاني ببحث قوي كما في «النيل».
وأجاب عن أدلة الجمهور:
بأنها لا تفيد أكثر من الوجوب، واستدل لعدم الشرطية بحديث أبي سعيد.
لكن قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: ولكن بلا شك القول الراجح هو قول الجمهور؛ لأن هذا الواجب خاص بالصلاة، وكل ما وجب في العبادة؛ فإن فواته مبطل لها إذا كان عمدا. ثم استدل على ذلك بحديث: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد» اهـ
ومن القواعد الأصولية المقررة أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، وأن النهي يقتضي الفساد، وأما حديث أبي سعيد الخدري الذي استدل به الشوكاني على عدم الشرطية فهو محمول على من صلى بالنجاسة جاهلا بها، أو ناسيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «الاختيارات» (ص (43)): ومن صلى بالنجاسة ناسيا، أو جاهلا؛ فلا إعادة عليه، قاله طائفة من العلماء؛ لأن ما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد مخطئا، أو ناسيا، لا تبطل العبادة به. انتهى.
ولهذا فالراجح – والله أعلم – هو قول الجمهور، وهو ترجيح ابن حزم، وشيخ الإسلام، وابن القيم، وابن باز، وابن عثيمين رحمة الله عليهم أجمعين. [وانظر: «شرح المهذب» ((3) / (122))، «المحلى» ((343))، «المغني» ((2) / (464) – (465))، «نيل الأوطار» ((2) / (133) -)، «الشرح الممتع» ((2) / (219) -)، «الإنصاف» ((1) / (444))، «غاية المرام» ((3) / (494) -)، بواسطة: فتح العلام (2/ 208 – 210)].
(المسألة الثانية): إذا رأى نجاسة على بدنه، أو ثيابه بعد أن صلى؟
قال ابن قدامة رحمه الله: وإذا صلى، ثم رأى عليه نجاسة في بدنه، أو ثيابه، لا يعلم: هل كانت عليه في الصلاة، أو لا؟
فصلاته صحيحة؛ لأن الأصل عدمها في الصلاة، وإن علم أنها كانت في الصلاة، لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة، ففيه روايتان:
إحداهما: لا تفسد صلاته، هذا قول ابن عمر [وهو ثابت عنه بإسناد صحيح كما في «مصنف عبدالرزاق» ((1) / (372))، و «الأوسط» لابن المنذر ((2) / (163))]، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وسالم، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والزهري، ويحيى الأنصاري، وإسحاق وابن المنذر.
والثانية: يعيد، وهو قول أبي قلابة، والشافعي؛ لأنها طهارة مشترطة للصلاة، فلم تسقط بجهلها، كطهارة الحدث.
وقال ربيعة ومالك: يعيد ما كان في الوقت، ولا يعيد بعده. انتهى.
وقد رجح ابن قدامة القول الأول، واستدل له بحديث أبي سعيد رضي الله عنه؛ فإن فيه قصة، وهي: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فلما رأى ذلك القوم خلعوا أنعلتهم، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عقب الصلاة: «إن جبريل أتاني، فأخبرني أن فيهما قذرا أو قال: أذى فإذا جاء أحدكم المسجد … ». الحديث.
ثم قال: ولو كانت الطهارة شرطا، مع عدم العلم بها، لزمه استئناف الصلاة، وتفارق طهارة الحدث؛ لأنها آكد؛ لأنها لا يعفى عن يسيرها، وتختص بالبدن. اهـ
وقد رجح النووي القول الأول أيضا، وعزاه للجمهور، كما في «شرح المهذب» ((3) / (157)).
القول الأول هو الراجح؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه، وهو ترجيح شيخ الإسلام كما في المسألة السابقة، وابن القيم، والسعدي، وابن عثيمين، وابن إبراهيم، وغيرهم.
وما عزاه ابن قدامة لمالك من القول بأن عليه الإعادة خلاف المشهور عنه بأنه يوجب الإعادة في الوقت فيما إذا نسي طهارة الحدث، وأما طهارة الخبث فالمعروف في مذهبه عدم الإعادة، وإن كان في الوقت، والله أعلم. [وانظر: «المغني» ((2) / (466))، «مجموع الفتاوى» ((22) / (184) -)، «غاية المرام» ((3) / (510) – (511))، بواسطة: فتح العلام (2/ 211 – 212)].
(المسألة الثالثة): إذا سقطت عليه نجاسة وهو يصلي؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» ((2) / (467)): وإذا سقطت عليه نجاسة، ثم زالت عنه، أو أزالها في الحال، لم تبطل صلاته؛ لأن النبي ? لما علم بالنجاسة في نعليه خلعهما، وأتم صلاته، ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها، فعفي عن يسير زمنها، ككشف العورة، وهذا مذهب الشافعي. انتهى.
(المسألة الرابعة): حكم الصلاة في النعال.
قال ابن رجب رحمه الله في «فتح الباري» ((2) / (274)): والصلاة في النعلين جائزة لا اختلاف بين العلماء في ذلك. انتهى.
وقال أيضا – بعد أن ذكر بعض الأحاديث في ذلك -: وهذا يدل على أن عادة النبي ? المستمرة الصلاة في نعليه، وكلام أكثر السلف يدل على أن الصلاة في النعلين أفضل من الصلاة حافيا، وقد أنكر ابن مسعود على أبي موسى خلعه نعليه عند إرادة الصلاة، وقال له: أبالوادي المقدس أنت؟! [أخرجه عبد الرزاق ((1) / (386))، وابن أبي شيبة ((2) / (418))، بإسناد صحيح]
وكان أبو عمرو الشيباني يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم في الصلاة، وأنكر الربيع بن خثيم على من خلع نعليه عند الصلاة، ونسبه إلى أنه أحدث – يريد: أنه ابتدع -.
وكان النخعي، وأبو جعفر محمد بن علي إذا قاما إلى الصلاة لبسا نعالهما وصليا فيها.
وأمر غير واحد منهم بالصلاة في النعال، منهم: أبو هريرة وغيره.
وقال أصحاب الشافعي -ونقلوه عنه-: إن خلع النعلين في الصلاة أفضل؛ لما فيه من مباشرة المصلي بأطراف القدمين إذا سجد عليهما. ووافقهم على ذلك القاضي أبو يعلي، وغيره من أصحابنا. انتهى.
وما ذهب إليه الجمهور هو الراجح أعني أن الأفضل هو الصلاة في النعال؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم»، أخرجه أبو داود ((652))، من حديث شداد بن أوس، وهو في «الصحيح المسند».
ولولا أنه ثبت أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلى حافيا كما في «مسند أحمد» ((7384))، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء عن غيره لكان القول بالوجوب أقرب؛ لظاهر حديث شداد، والله أعلم. [فتح العلام، ()].
[تنبيه]:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أصل المسألة وهو الصلاة في النعلين سنة؛ لأن النبي ? كان يصلي في نعليه، وكان الصحابة يصلون في نعالهم، بل أمر في الصلاة بالنعلين أن يصلي الإنسان فيهما أو يجعلهما عن يساره أو تحت قدميه.
وعليه فنقول: إن الصلاة في النعلين مباحة جائزة، بل نقول: إنها سنة.
ولكن لنعلم أن السنن إذا ترتب عليها مفسدة صار تركها أفضل،
ومعلوم أننا إذا قلنا للناس: صلوا في النعال يترتب على هذا مفسدة تلويث الفرش وتطهير الفرش، ليس بالأمر السهل والمشقة على من كان حول الإنسان والتهاون في احترام المساجد، فمن ثم رأينا علماءنا رحمهم الله لا يفعلون هذا حتى العلماء الحريصين على تطبيق السنة لا يفعلونه خوفا من المفسدة؛
كنت أرى أن هذا من السنة وأفعله بقيت سنوات أفعله أصلي في النعلين، فبدأ الناس بدل أن يكونوا إذا دخلوا المسجد رفعوا نعالهم بأيديهم جعلوا يمشون بالنعال، وإذا وصلوا الصف خلعوها، فأتوا بالمفسدة وتركوا السنة،
فرأيت أن العدول عن هذا أولى خصوصا بعد أن فرشت المساجد بهذا الفراش وكانت في الزمن الأول مفروشة بالرمل.
فعلى كل حال: إذا كانت المسألة سنة بدليل أن الرسول ? قال: «وإلا فليجعلها عن يساره أو تحت قدميه»، فالمسألة سنة وليست واجبة، فإذا ترتب على السنة مفسدة فإن تركها أولى. [فتح ذي الجلال والإكرام، (1/ 527 – 528)].
(المسألة الخامسة): الصارف على الوجوب
الأصل في الأمر بمخالفة المشركين هو الوجوب، ما لم يدل دليل على جواز ترك المخالفة: فمثلا ما جاء في البخاري ((5892))، ومسلم ((259)) من حديث ابن عمر؛ أن النبي ? قال: «خالفوا المشركين وفروا اللحى»، لا نعلم وجود دليل صارف عن وجوب إعفاء اللحية …
أما النوع الثاني: فقد روى أبو داود ((652)) بإسناد صحيح من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول الله ?: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم»؛ فقد جاء في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «رأيت رسول الله ? يصلي حافيا ومنتعلا». قاله الشيخ عبد الله البسام رحمه الله [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (1/ 154)].
وقال في نفس الموضع: “ومن تشبه بقوم، فهو منهم، وأعظم ما يكون التشبه في الاعتقاد والتحليل والتحريم”. انتهى.
تنبيه: قال السهارنفوري في «بذل المجهود» (4) / (320) – (321): «وأما في زماننا فينبغي أن تكون الصلاة مأمورة بهما حافيًا لمخالفة أهل الكتاب، فإنهم لا يخلعونها عن أرجلهم».
وهذا القول متعقب:
فالصلاة في النعال مأمورٌ بها، ولا يتغير الحكم بتغير حال أهل الكتاب، لأن الأمر ما زال سارياً.
قال ابن باز:
الدين التي هي من أزيائهم وأخلاقهم ليست من ديننا، أما ما كان من ديننا نستعمله، ولو تشبهوا بنا فيه، ولو شاركونا، كما لو أجمعوا على إرخاء اللحى فلنرخيها نحن ولو أرخوها، لا نخالفهم في ذلك، بل نرخيها لأنا مأمورون بإرخائها، وهكذا لو بنوا مساجد وصلوا في مساجد صلواتهم لا نهدم مساجدنا، ما كان من ديننا نلزمه ولو شاركونا فيه.
وقال ابن عثيمين رحمه الله:
وأما كون الحكمة من إبقائها مخالفة اليهود وانتفت الآن فغير مسلم؛ لأن العلة ليست مخالفة اليهود فقط بل الثابت في الصحيحين خالفوا المشركين، وفي صحيح مسلم أيضا خالفوا المجوس، ثم إن المخالفة لهؤلاء ليست وحدها هي العلة؛ بل هناك علة أخرى أو أكثر مثل موافقة هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبقائها، ولزوم مقتضى الفطرة، وعدم تغيير خلق الله فيما لم يأذن به الله، فكل هذه علل موجبات لإبقائها وإعفائها مع مخالفة أعداء الله من المشركين والمجوس واليهود. ثم إن ادعاء انتفائها غير مسلم، فإن أكثر أعداء الله اليوم من اليهود وغيرهم، يحلقون لحاهم، كما يعرف ذلك من له خبرة بأحوال الأمم وأعمالهم، ثم على فرض أن يكون أكثر هؤلاء اليوم يعفون لحاهم، فإن هذا لا يزيل مشروعية إعفائها؛ لأن *تشبه أعداء الإسلام بما شرع لأهل الإسلام لا يسلبه الشرعية، بل ينبغي أن تزداد به تمسكا حيث تشبهوا بنا فيه وصاروا تبعا لنا، وأيدوا حسنه ورجعوا إلى مقتضى الفطرة.
“قد يُماشي صلى الله عليه وسلم قومه في بعض الأشياء ,وأحيانا يُخالفهم مثل هذه التي ذكرناها (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم) (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ,خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب). وهكذا عليه الصلاة والسلام ,فهناك بعض الأمور يقصدها عليه الصلاة والسلام ,ويقصد فيها المخالفة بين المسلمين وبين غيرهم؛ حتى قال اليهود: (ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه) فيما يتعلق بعشرة النساء ,فيما يتعلق بالمظهر ,فيما يتعلق باللباس عليه الصلاة والسلام.
وبعض الأشياء تبقى على ما عليه الناس؛ أمور مشتركة بين المسلم وبين الكافر.
الكافر إذا لبس ثوبا لا نقول: نترك الثياب! إذا لبس عمّة؛ لا نقول: نترك العمّة؟ بارك الله فيكم ,أشياء عُهِد عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصحابته نحافظ عليها ولو شاركنا الناس في ذلك.
لكن لا نطيل الشعر مثل النِّساء! بعض الخنافس يطيلونه مثل النِّساء ويتشبهون بالنساء! الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بالنساء ,والعرب كانوا يفعلون هذا ويفرقون بين شعر المرأة وشعر الرجل في الطول ,فالمرأة تطيل شعرها وهذا من محاسنها ,ومطلوب منها ,والرجل ليس كذلك – بارك الله فيكم – ونحن إذا عندنا سنناً لا نلغيها من أجل أنّ الناس أخذوا بها! إذا وفرّوا لحاهم مثلا نقول: خلاص نتركها! – والله قالوها –؛قالها بعض السفهاء! قالوا: الآن اليهود يوفرون لحاهم فنحن نحلق لحانا! انظروا إلى هذا الكذب بارك الله فيكم. قاله الشيخ ربيع بن هادي [فتاوى فقهية متنوعة (الحلقة الأولى) لفضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، من الموقع الرسمي].
(المسألة الخامسة): أين يضع نعليه إذا لم يصل بهما؟
إذا كان يصلي وليس عن يساره أحد؛ فله أن يضع نعليه بين رجليه، أو عن يساره، وإذا كان عن يساره أحد، فيضعهما بين رجليه، فقد ثبت في «سنن أبي داود» ((655))، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا صلى أحدكم، فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما أحدا، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل فيهما».
وأخرج أبو داود ((648)) بإسناد صحيح عن عبد الله بن السائب، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصلي يوم الفتح، ووضع نعليه عن يساره.
وأخرج ابن أبي شيبة ((2) / (418))، بإسناد صحيح عن أبي سعيد، قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصلي، فخلع نعليه، فوضعهما عن يساره. وانظر: «شرعية الصلاة بالنعال» للشيخ مقبل رحمه الله (ص (18) – (19))، ضمن «مجموعة رسائل».
(المسألة السادسة): تطهير نجاسة أسفل النعل.
قال ابن رجب رحمه الله في «الفتح» ((2) / (277)): وقد اختلف العلماء في نجاسة أسفل النعل ونحوه: هل تطهر بدلكها بالأرض، أم لا تطهر بدون غسل، أم يفرق بين أن يكون بول آدمي أو عذرته، فلابد من غسلها وبين غيرها من النجاسات، فتطهر بالدلك؟
على ثلاثة أقوال، وقد حكى عن أحمد ثلاث روايات كذلك،
والقول بطهارتها بالدلك، اختيار كثير من أصحابنا، وهو قول قديم للشافعي، وقول ابن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى النيسابوري،
وقال ابن حامد من أصحابنا: تطهر بذلك.
والقول بالفرق بين البول، والعذرة قول أبي خيثمة، وسليمان بن داود الهاشمي. انتهى.
الراجح أنها تطهر بالدلك؛ إلا إذا لم تذهب النجاسة، فيغسلها بالماء. [فتح العلام، (2/ 216)].
(المسألة السابعة): المسح على الخفين.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط» ((1) / (434)): وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وكل من لقيت على القول به. انتهى.
وقال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» ((1) / (476)): ومذهبنا، ومذهب العلماء كافة جواز المسح على الخفين في الحضر، والسفر. انتهى.
ثم نقل الخلاف عن الشيعة، والخوارج، وعن أبي بكر بن داود، ورواية شاذة عن مالك، ثم قال: وكل هذا الخلاف باطل، مردود، وقد نقل ابن المنذر في كتاب «الإجماع» إجماع العلماء على جواز المسح على الخف”.
وقد تواترت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في المسح على الخفين، فقد نقل ابن المنذر عن الحسن البصري، أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مسح على خفيه.
وقال الإمام أحمد: ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وقال ابن منده: ثمانون رجلا. وقال ابن المبارك: ليس بين الصحابة خلاف في جواز المسح على الخفين. [انظر: «شرح المهذب» ((1) / (477))، «المغني» ((1) / (359))، «توضيح الأحكام» ((1) / (256) – (257))].
ثم رأيت أثر الحسن البصري في «الأوسط» ((1) / (433))، وفي إسناده: محمد ابن الفضل بن عطية، وهو كذاب.
فائدة: قال الشوكاني رحمه الله في «الدراري» ((1) / (126) – (127)): ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف؛ لأن كل من روي عنه منهم إنكاره فقد روي عنه إثباته، وقد ذكر أحمد أن حديث أبي هريرة في إنكار المسح باطل، وكذلك ما روي عن عائشة، وابن عباس، فقد أنكره الحفاظ، ورووا عنهم خلافه، وكذلك ما روي عن علي أنه قال: سبق الكتاب الخفين. فهو منقطع، وقد روى عنه مسلم، والنسائي القول بالمسح عليهما بعد موت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.انتهى.
أما أثر ابن عباس؛ فقد صح عنه كما في سنن البيهقي ((1) / (272))، ولكن قد صح عنه القول بالمسح.
فقد أخرج ابن أبي شيبة ((1) / (186)) فقال: حدثنا ابن إدريس، عن فطر، قال: قلت لعطاء: إن عكرمة، يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين، فقال عطاء: كذب عكرمة، أنا رأيت ابن عباس يمسح عليهما.
وقال ((1) / (181)): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الزبير بن عدي، عن عطاء، عن ابن عباس أنه مسح. إسناده الأول حسن، وإسناده الثاني صحيح.
قال البيهقي: وأما ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه كرهه حين لم يثبت له مسح النبي ? على الخفين بعد نزول المائدة، فلما ثبت له رجع إليه. اهـ
وأما أثر علي؛ فهو منقطع، محمد بن علي بن الحسين لم يدرك عليا.
وأما أثر عائشة؛ ففيه: محمد بن مهاجر، وهو وضاع، قال الحافظ كما في التلخيص ((1) / (279)) وأما ما رواه محمد بن مهاجر، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لأن أقطع رجلي أحب إلي من أن أمسح على الخفين. فهو باطل عنها. اهـ
ثم وجدت للأثر عنها طريقا أخرى؛ فقد ثبت عنها رضي الله عنها أنها قالت: لأن أحزهما بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما. أخرجه ابن أبي شيبة ((1) / (185))، وأبو عبيد في الطهور ((394)) عن هشيم، قال: أنا يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: «لأن أحزهما بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما».
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.
قال أبو عبيد: على أن بعض، أصحاب الحديث كان يتأوله في المسح على القدمين، ويصدق ذلك حديثها عن النبي ?: «ويل للأعقاب من النار» فهل يكون هذا إلا على الأقدام وهي كانت أعلم بمعنى حديثها. اهـ
وقال البيهقي رحمه الله: وأما عائشة فإنها كرهت ذلك، ثم ثبت عنها أنها أحالت بعلم ذلك على علي رضي الله عنه، وعلي أخبر عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالرخصة فيه. اهـ
تنبيه: ومشروعية المسح في السفر، والحضر عليه عامة أهل العلم، وجاءت رواية عن مالك بأنه مخصوص في السفر، وكرهه في الحضر، والأحاديث الصحيحة المتواترة ترد على هذا القول، وسيأتي بعضها في الكتاب. [فتح العلام، (1/ 257 – 260)].
انظر “أحكام لبس الخفين”: رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة (206)، والتعليق على الصحيح المسند (1033)
تنبيه: أثر عائشة ذكر الدارقطني الخلاف في العلل ثم اعتبره صحيح إلى القاسم يعني عن عائشة:
(3582) – وسئل عن حديث القاسم، عن عائشة؛ أنها قالت: لأن أحزهما تعني: الخفين، بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما.
فقال: يرويه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة.
واختلف عن عبد الرحمن؛
فرواه شعبة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة.
ورواه جعفر بن محمد، واختلف عنه؛
فقال محمد بن ميمون الزعفراني: عن جعفر، عن خاله عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة، ولم يذكر: أباه.
وقيل: عن جعفر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة.
وقيل: عن جعفر، عن عائشة.
وهو صحيح عن القاسم.
تنبيه:
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على عائشة، وضعه محمد بن مهاجر. الموضوعات
لكن المحقق قال:
لكن هذا الأثر روي من طرق عن عائشة رضي الله عنها؛ رواه أبو عبيد في الطهور ص (391) رقم (394)، وابن أبي شيبة في المصنف ((1) / (185)) عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: لَأَن أحزّهما بالسكاكين أحبّ إليّ مِن أن أمسح عليهما.
ورواه عبد الرزاق في المصنف ((1) / (221)) رقم (860) عن ابن جريج عن أبي بكر بن حفص بن عمر عن عائشة نحوه. ورواه وكيع الضبي في أخبار القضاة ((3) / (49)) من طريق ابن شبرمة عن ابن يسار عن عائشة نحوه أيضًا. فإيراد هذا الأثر في الموضوعات لا وجه له، والله أعلم.
قال أبو عبيد: (بعض أهل الحديث كان يتأوّله في المسح على القدمين، ويصدِّق ذلك حديثُها عن النبي ?: «ويلٌ للأعقاب من النار». فهل يكون هذا إلا على الأقدام، وهي كانت أعلم بمعنى حديثها) الطهور ص (391).
وقال ابن عبد البر: (لا أعلم أحدًا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين مِمّن لا يُختلف عليه إلا عائشة) الاستذكار ((2) / (241)).
وقال ابن المبارك: (ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز، وذلك أنّ كل عن روي عنه مِن أصحاب النبي ? انه كره المسح على الخفين فقد روي عنه غير ذلك) الأوسط لابن المنذر ((1) / (434)) وفتح الباري ((1) / (399)).
وفي صحيح مسلم ((1) / (232)) ح (276) عن شريح بن هانئ قال: أتيتُ عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسلهُ فإنه كان يسافر مع رسول الله ?، الحديث. وفي رواية: ائتِ عليًا فإنه أعلم بذلك منّي انتهى
وقال صاحب كتاب المسح على الخفين:
استَنكر جماعة من الصحابة المسح على الخُفين
– تواتر المسح على الخفين.
فعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَاسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ.
– وثَبَت عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وعلي رضي الله عنهم أنهم أنكروا المسح على الخُفين:
أما عائشة فثَبَت عنها وأيضًا عنها في مسلم: سَلُوا عَلِيًّا.
– وأما أبو هريرة، فثَبَت عنه موقوفًا، ووَرَد مرفوعًا، وأسانيده معلة، أنكرها الإمام أحمد ومسلم.
– وأما ابن عباس، فورد عنه من طرق قد يتقوى بها.
– وأما علي، فالموقوف عليه سنده ضعيف، وثَبَت عنه في المسح مرفوعًا.
والحديث في المسح على الخفين متواتر، وخَفِيَ على بعض الصحابة رضي الله عنهم.
(المسألة الثامنة): أهمية التميز عن أهل الكتاب والمشركين
يدعو الإسلام إلى تميّز المسلمين عن غيرهم من أهل الكتاب والمشركين في بعض التصرفات والعادات، خاصة فيما يتعلق بالعبادات. مخالفة اليهود في الصلاة بالنعال والخفاف هي نوع من هذا التميز.
والحديث يوجهنا إلى الاختلاف عن اليهود في هيئة الصلاة، وهذا يدخل في إطار تعزيز الهوية الإسلامية المميزة.
(المسألة التاسعة): أثر مخالفة أهل الكتاب على تقوية الهوية الإسلامية:
التميّز عن أهل الكتاب يقوي شعور الانتماء للإسلام، ويعزز لدى المسلم حس الطاعة لله والتمسك بتعاليم النبي ?. وهذا يساعد على تقوية الهوية الإسلامية ويمنع التقليد الأعمى لأمم أخرى.
وفي الحديث، أمر النبي ? بمخالفة اليهود في أمر واضح، وهو الصلاة في النعال والخفاف؛ ليبقى للمسلم طابعه الخاص في عبادته.
(المسألة العاشرة): مخالفة أهل الكتاب في إطار التميز الشرعي لا الشخصي
المخالفة التي يأمر بها النبي ? هي في الأمور الدينية والشعائر التعبدية، وليست لأجل العنصرية أو التفريق بلا سبب.
والهدف هو الحفاظ على نقاء العبادة وإظهار الطاعة لله وحده، وليس الانخراط في ما قد يشوب العبادة من تأثر بالثقافات الأخرى.
والمخالفة جاءت في سياق العبادات التي هي حق الله تعالى، وليس لأجل أمور دنيوية بحتة أو تفاضلية شخصية.
(المسألة الحادي عشر): حكم مخالفة أهل الجاهلية
لقد تظاهرت النصوص من الكتاب والسنة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية، وتحريم التشبه بهم، سواء في عباداتهم أو في أعيادهم، وأجمع أهل العلم على ذلك. [انظر اقتضاء الصراط المستقيم ((1) / (82) و (320))].
ولكثرة النصوص الواردة في هذا، فحصر دلالاتها، مع الاستدلال لكل دلالة بنص أو أكثر، يكون على النحو الآتي:
أولا: الأمر الصريح بالمخالفة:
جاءت أحاديث عن النبي ? صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية، مما يعني وجوب مخالفتهم؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف، ولا صارف هنا، ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى». [أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب اللباس- باب تقليم الأظافر- ((7) / (56)) ومسلم في صحيحه-كتاب الطهارة- ((1) / (122)) ح (259)، واللفظ له].
وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: «خرج رسول الله ? على مشيخة الأنصار، بيض لحاهم، فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرو، فقال ? تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي ? فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم [العثانين: جمع عثنون وهو اللحية، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ((3) / (133))] ويوفرون سبالهم [السبال جمع سبلة بالتحريك، وهي الشارب، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ((3) / (339))]، فقال النبي ? قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب». [أخرجه أحمد في مسنده ((5) / (264)) والطبراني في الكبير ((8) / (282))، قال الهيثمي في مجمه الزوائد ((5) / (131)): «رجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم، وهو ثقة وفيه كلام لا يضر» وحسن إسناد ابن حجر في فتح الباري ((10) / (367))، والألباني في السلسلة الصحيحة ((3) / (249))]
وقال ?: «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم»
ثانيا: النهي عن مشابهة أهل الجاهلية في أهوائهم بصيغته:
كما جاءت الأدلة صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية، فقد جاءت أيضا صريحة في النهي عن مشابهتهم في أهوائهم بصيغة النهي الحقيقية: «لا تفعل»، ومن هذه الأدلة:
قوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق}
وقوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}
وقوله تعالى: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم}
وقوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}
ففي هذه الآيات نهي من الله تعالى لنبيه ? أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون.
واهواؤهم هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك، فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه» [اقتضاء الصراط المستقيم ((1) / (85))].
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم». [تفسير ابن كثير ((1) / (148))].
فهذه بعض الأدلة على النهي عن مشابهة أهل الجاهلية بصيغته.
ثالثا: بيان سوء عاقبة من اتبع أهل الجاهلية:
لقد جاءت الأدلة صريحة في بيان العاقبة المخزية التي أعدها الله تعالى لمن خالف أمره، وتشبه بأعدائه، مما يدل على شناعة الفعل وقبحه، ومن هذه الأدلة:
قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}
وقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}.
ففي هاتين الآيتين تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة، والخطاب مع الرسول ? والمراد أمته [انظر تفسير ابن كثير ((1) / (163))]، ووصف –تعالى- التابعين بأنهم ظالمون، {والظالمين أعد لهم عذابا أليما}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم، اتباع لأهوائهم، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك» [اقتضاء الصراط المستقيم ((1) /- (8685))].
وقوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ثم قوله فاستمتعتم وخضتم، خبر عن وقوع ذلك في الماضي، وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة، كسائر من أخبر الله به عن الكفار والمنافقين عند مبعث محمد ?، فإنه ذم لمن حالهم كحالهم إلى يوم القيامة». [اقتضاء الصراط المستقيم ((104) – (105))].
رابعا: نعت المتشبهين بما يفيد شناعة فعلهم:
كما في قوله ?: «أَبْغَضُ النَّاسِ إلى اللَّهِ ثَلاثَةٌ: مُلْحِدٌ في الحَرَمِ، ومُبْتَغٍ في الإسْلامِ سُنَّةَ الجاهِلِيَّةِ، ومُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بغيرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ». [أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الديات- باب من طلب دم امرئ بغير حق ((8) / (39))].
وقوله ?: “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن”. [أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الأنبياء- باب ما ذكر عن النبي ?:» لتتبعن سنن من كان قبلكم «- ((8) / (151))، ومسلم في صحيحه –كتاب العلم- باب اتباع سنن اليهود والنصارى- ((4) / (2054)) ح (1669)]
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: “وكان ? يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله ? على جهة التعيير والتوبيخ: «لتتبعن سنن من كان قبلكم … ». [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ((5) / (45))].
وقال المناوي: «وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي والكفر، ثم إن هذا لفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم، ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام». [فيض القدير بشرح الجامع الصغير ((5) / (261))].
فهذه بعض الأدلة الدالة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية وحرمة التشبه بهم، وبقي كثير تركتها اختصارا، والله تعالى أعلم. [مقدمة دراسة كتاب: فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية]
(المسألة الثاني عشر):
من الشبه التي قاله المستشرقون: “شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية”، ودللوا لذلك بزعمهم، ومن أوجه الرد عليه، وهو ما يتعلق بحديث الباب: من أقوى ما يدل على أن الإسلام لم يكن مقتبسا من اليهودية أو النصرانية، وجود الخلاف في كثير الأحكام؛ وكثير من العقائد جاء الإسلام فيها بالحق وبين تحريفهم لدينهم
بل جعل الشارع الحكيم جنس مخالفتهم أمرا مقصودا له، ومن متطلبات الشرع، وهناك كثير من الأحكام جعلت العلة فيها هي مخالفة اليهود أو النصارى من ذلك:
قوله ?: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم». [أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بنى إسرائيل (6) / (572) رقم (3462)، وكتاب اللباس، باب الخضاب (10) / (366) رقم (5899)، ومسلم (بشرح النووي) كتاب اللباس والزينة باب مخالفة اليهود في الصبغ (7) / (330) رقم (2103) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه].
وقوله ?: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» [أخرجه أبو داود في سنته كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعال (1) / (176) رقم (652)، والبيهقي في سننه، كتاب الصلاة، باب سنة الصلاة في النعلين (2) / (432)، والحاكم فى المستدرك (1) / (391) رقم (956) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي].
عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي ?، النبي ?، فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، فقال رسول الله ?: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود فقالوا: «ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه»! [أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها (2) / (214) رقم (302)]،
قال الإمام ابن تيميه رحمه الله: «فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم، حتى قالوا: “ما يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه”. [اقتضاء الصراط المستقيم (1) / (187)].
فهذا إقرار من اليهود بأنفسهم، بمخالفة النبي ? لما كانوا عليه من شعائر حتى اشتهر ذلك بينهم، ألا يكفي ذلك برهانا ساطعا على بطلان قول المستشرقين: أنه كيف شعائر الإسلام لتتفق مع شعائر اليهود؟ [ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص (46)، (47)].
أولم يكفهم أنه ?، أخرج اليهود أذلاء حقيرين من المدينة، وأجلاهم عنها لما نقضوا عهودهم معه، وأبى عليهم أن يساكنوه في بلد واحد؟ [روى البخاري ومسلم في صحيحهما بسندهما عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: «حاربت النضير وقريظة، فأجلى بنى النضير، وأقر قريظة، ومن عليهم، حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي ?، فأمنهم، وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم بنى قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بنى حارثة، وكل يهود المدينة» أهـ. أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب المغازي، باب حديث بنى النضير (7) / (383) رقم (4028)، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد، باب إجلاء اليهود من الحجاز (6) / (334) رقم (1766)] وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله: {هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} [الآية (2) الحشر، والمراد بالآية يهود بنى النضير. ينظر: تفسير القرآن العظيم (8) / (81)]،
أما وقف المستشرقون على الآيات والأحاديث العديدة الذامة لليهود الهاتكة لستورهم؟ أفي ذلك أيضا دلالة على أن النبى كان يتقرب منهم ويتزلف لهم لكسبهم وإرضائهم؟!
إن النبى ?، منذ أن بعث وحمل رسالة الإسلام، نسخ الأديان السابقة، وأبطل شرعيتها، فلا نجاة لأحد من الخلق يهوديا كان أو نصرانيا إلا بالتزام شرعه، والسير على نهجه، وهو القائل ?: «والذى نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» [أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ? إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته (1) / (463) رقم (240) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه].
والحديث هنا بيانا وتأكيدا لقوله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}.
فلا بقاء لدين مع دينه ?، ولا شريعة مع شريعته، بل دينه هو الحاكم والمهيمن على كل الأديان. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}. [رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم، (454 – 457)].
(المسألة الثالث عشر): الفتاوى
[1]: س (1): رجل صلى في محل عمله لابسا حذاءه المعتاد لبسه في كل حين، غير أنه لم يكن في مكان الوطء من نعليه أي خبث أو أذى ظاهر، فما حكم صلاته بالحذاء؟
ج (1): من صلى وهو لابس لحذائه فصلاته صحيحة؛ لدلالة الأحاديث الصحيحة على إباحة الصلاة بالنعلين، ومن ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه سئل: «أكان النبي ? يصلي في نعليه؟ قال: نعم» أخرجه البخاري ومسلم في (صحيحيهما)، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند)، وقد حث النبي ? على الصلاة بالنعال والخفاف، ويدل لذلك ما رواه شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» رواه أبو داود في (سننه)، وقد ثبت عن النبي ? أنه صلى حافيا ومنتعلا، مما يدل على جواز الأمرين، ويدل لذلك ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد جيد، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنه قال: «رأيت رسول الله ? يصلي حافيا ومنتعلا ((3))» لكن من أراد أن يصلي بنعليه فإنه يجب عليه أن يتأكد من عدم وجود نجاسة بهما، فإن كانتا طاهرتين صلى بهما، وإلا خلعهما وأزال النجاسة عنهما، ويدل لذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله ?: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى، فليمسحه وليصل فيهما» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[2]:س (3): ما حكم الدين في من يؤدي الصلاة بالحذاء، على الرغم من وجود موكيت وعليه سجادة الصلاة، ورغم ذلك يؤدي الصلاة وهو مرتدي الحذاء؟
ج (3): الصلاة بالنعلين الطاهرين سنة، إلا إذا ترتب على ذلك محذور كتلويث فرشة المسجد، فإنه لا يصلى فيهما؛ تفاديا للضرر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
والرابع: خلاصة فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): مخالفة اليهود وأهل الكتاب، دعوة إلى التميز عنهم في بعض التصرفات والعبادات التي قد تحمل مدلولات دينية أو طقوسًا معينة.
2 – (منها): مرونة الشريعة، الإسلام يسمح بالصلاة في النعال والخفاف، مما يوضح أن الشريعة تراعي الظروف المختلفة وتقدم مرونة في بعض الأحكام.
3 – (منها): الحفاظ على النظافة، حتى مع الجواز بالصلاة في النعال، يجب مراعاة النظافة والطهارة دائمًا.
4 – (منها): التيسير في العبادة.
5 – (منها): الحكمة في العادات، الإسلام لا يفرض مخالفة أهل الكتاب في كل الأمور، وإنما يركز على ما له دلالة أو رمز ديني يعزز تميز الأمة الإسلامية.