[1ج/ رقم (456) و (457)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي.
أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (456)]:
(456) – قال الإمام أبو داود رحمه الله (ج (3) ص (474)): حدثنا مُسَدَّدٌ، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن زيد بن عقبة
عن سمرة بن جُندب، أن رسولَ الله ? كان يقرأُ في صَلاة الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى} و {هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الغاشِيَةِ}.
هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه النسائي (ج (3) ص (111)) فقال رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، عن شعبة، قال: أخبرني معبد بن خالد … فذكره.
(457) – قال الإمام أحمد ? (ج (5) ص (7)): حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة وحجاج قال حدثني شعبة قال سمعت معبد بن خالد يحدث عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في العيدين بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}.
هذا حديث صحيحٌ.
وأخرجه ابن أبي شيبة (ج (2) ص (176)) فقال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن معبد ((2)) بن خالد به.
والبيهقي (ج (3) ص (294)) فقال ?: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ عمر بن حفص، ثنا المسعودي، عن معبد بن خالد به.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو داود السجستاني (ت (275)) رحمه الله في السنن، كتاب: الصلاة، (241) – باب: ما يقرأ به في الجمعة، ((1125)).
والنسائي رحمه الله في السنن، 14 – كتاب الجمعة، ((39)) القراءة في صلاة الجمعة: بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}، ((1422)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(4) – كتاب الصلاة، (195) – القراءة في صلاة الجمعة، ((1104)).
و (33) – كتاب التفسير، (386) – سورة الأعلى، ((4396)).
ولم يجعل له باب في سورة الغاشية.
قال الألباني رحمه الله: (صحيح) – صحيح أبي داود (1030)، صفة الصلاة. [صحيح سنن النسائي ((1348))].
وقال محققو سنن أبو داود – ط: دار الرسالة العالمية – (6/ 76): “إسناده صحيح.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» ((1751)) من طريق خالد بن الحارث، عن شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» ((20150))، و «صحيح ابن حبان» ((2808)).انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
(عن سمرة بن جُندب) رضي الله عنه، (أن رسولَ الله ? كان يقرأُ في صَلاة الجمعة بـ {سَبِّحِ) سَبِّح: فعل أمر من «التسبيح»، وهو تنزيه الله تعالى عن النقص والعيب، وهو تنزيه يثبت ضده من الكمال والجلال. (اسْمَ) اختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: إنّه زائد؛ لأنّ الذي يُسَبَّح هو الرب، والتقدير: «سبح ربك»، فالتسبيح وارد على المسمى.
وقال بعضهم: إنّ الاسم هو المسمى، والراجح الأول، ولكن زيادات القرآن تكون لفائدة، ومنها: التوكيد. (رَبِّكَ الأعْلى}) الأعلى: مجرور على أنّه صفة لـ «رب»، والكسرة لا تظهر على آخره للتعذر، وهو اسم تفضيل محلى بـ «أل»؛ ليفيد العلو المطلق للذات والصفات. (و {هَلْ) استفهام يراد به التحقيق؛ لأنّها متضمنة معنى التقدير. (أتاكَ) الخطاب للنبي ?، وما خوطب به، فهو خطاب لأمته. (حَدِيثُ) النبأ، وحديثها: ما جاء في نفس السورة من أخبار الفريقين، وما جاء من وصف الجزاءين. (الغاشِيَةِ}). الغشي هو: الإغماء، وما يصيب من فتور الأعضاء، وتعطل لقوى الإرادة والحركة من أثر شدة الصدمة، والمراد هنا: «يوم القيامة» الذي يصيب الناس بأهواله، فيفقدون وعيهم وإحساسهم، فتراهم سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (2/ 592 – 593)].
وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: (كان رسول الله ? يقرأ في العيدين، وفي الجمعة، بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}، قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين).
(قال: كان رسول الله ? يقرأ في) صلاة (العيدين، وفي) صلاة (الجمعة، بـ {سبح اسم ربك الأعلى ((1))}) أي: في الركعة الأولى {هل أتاك حديث الغاشية}) أي: في الركعة الثانية (قال) النعمان رضي الله عنه، (وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين) قال النووي رحمه الله: فيه استحباب القراءة فيهما بهما، وفي الحديث الآخر القراءة في العيد بـ {ق} و {اقتربت}، وكلاهما صحيح، فكان النبي ? في وقت يقرأ في الجمعة
«الجمعة»، و «المنافقين»، وفي وقت {سبح}، و {هل أتاك}. انتهى [«شرح النووي» (6) / (167)].
وقال القرطبي رحمه الله: قوله: «وإذا اجتمع العيد والجمعة … إلخ» هذا يدل على أنه لا يكتفى بصلاة العيد عن صلاة الجمعة إذا اجتمعا في يوم واحد، وهو المشهور من مذاهب العلماء؛ خلافا لمن ذهب إلى أن الجمعة تسقط يومئذ، وإليه ذهب ابن الزبير، وابن عباس رضي الله عنهما، وقالا: هي السنة، وذهب غيرهما إلى أن أنهما يصليان، غير أنه يرخص لمن أتى العيد من أهل البادية في ترك إتيان الجمعة، وإلى هذا ذهب عثمان رضي الله، والذي استمر العمل عليه ما دل عليه ظاهر الحديث المتقدم. انتهى [«المفهم» (2) / (517)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: القول بسقوط الجمعة عمن حضر العيد هو الحق؛ لصحة الأدلة على ذلك، وقد استوفيت بحثه في «شرح النسائي» [راجع: «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» (17) / (236) – (237)]، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان. [البحر المحيط الثجاج، (17/ 369 – 372)].
والحديث يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورتي “سبح اسم ربك الأعلى” و”هل أتاك حديث الغاشية”، هذا يدل على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة هذه السور في صلاة الجمعة؛ لما تحمله من معاني التذكير بالله والتذكير بيوم القيامة.
السورتين تحتويان على تذكير بعظمة الله سبحانه وتعالى وبيان مصير الأمم الكافرة، وهذا ما يناسب خطبة الجمعة التي تهدف إلى تذكير المسلمين بمسؤولياتهم ووجوب تقوى الله.
قال العباد في شرح سنن أبي داود:
كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: (1)] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: (1)]؛ وذلك لما فيهما من ذكر البعث، وذكر الدار الآخرة، ويوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فناسب أن يذكر فيه بالموت والبعث والدار الآخرة؛ ليكون الاستعداد والتهيؤ للقاء الله.
شرح سنن أبي داود للعباد (140) / (17)
والحكمة من القراءة بسورة الجمعة يوم الجمعة أنها مشتملة على أحكام الجمعة، وأما سورة المنافقون فإن المنافقين كانوا يأتون للجمعة، فيسمعون هذه السورة من الإمام وفيها بيان حالهم وفضحهم وخزيهم، ولعل ذلك يكون رادعًا لهم وموقظًا لهم ومنبهًا لهم.
شرح سنن أبي داود للعباد (140) / (21)
يقرأ في الجمعة والعيدين:
(433) – وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي ? كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين». رواه مسلم.
تقدم لنا عدة مرات أن «كان» تفيد الاستمرار غالبًا لا دائمًا، وقد يراد به مجرد اتصاف الصفة بقطع النظر عن الدوام وعدمه، وقد يراد بها أيضًا مجرد اتصاف الصفة مع وجود قرينة تدل على الاستمرار مثل: {وكان الله غفورًا رحيمًا}. هذا ما يمكن، نقول: غالبًا، ولا يمكن أن نقول مجرد الصفة التي تزول، بل هو الاستمرار الدائم الأزلي الأبدي.
قال: «كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة»، وهي التي ذكر فيها قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: (9)]، ووجه قراءته بها صلى الله عليه وسلم: لما فيها من تقرير التوحيد، وبيان نعمة الله عزوجل على العباد، وبعث الرسول ? وتحذير مخالفته بضرب المثل القبيح للذين حملوا التوراة؛ ولأنها تشتمل على الدليل الصريح في وجوب صلاة الجمعة والحضور إليها، وعلى الترهيب من التشاغل عنها، ولو بما كان مباحًا كالتجارة، فالمهم أن فيها مناسبات متعددة لأن تقرأ في هذا الجمع الكثير، فتكون كأنها قراءة صلاة وفي نفس الوقت خطبة وموعظة.
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (2) / (349) — ابن عثيمين
وسيأتي ذكر ذلك في المسائل بإذن الله تعالى.
قال ابن باز رحمه الله تعالى عن القراءة في الجمعه:
فالمحفوظ عنه ? ثلاث صور يعني: ثلاثة أنواع:
النوع الأول: سبح في الأولى والغاشية في الثانية بعد الفاتحة.
النوع الثاني: الجمعة في الأولى والمنافقون في الثانية.
النوع الثالث: الجمعة في الأولى والغاشية في الثانية. نعم.
والثالث: المسائل والأحكام:
(المسألة الأولى):
أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام حديثين:
(441) – وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ? كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقين. رواه مسلم.
(442) – وله عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: كان يقرأ في العيدين، وفي الجمعة: بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}.
ولفظه في صحيح مسلم: (كان رسول الله ? يقرأ في العيدين، وفي الجمعة، بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}، قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين). [صحيح مسلم، (7) – (كتاب الجمعة) ? ((19)) – (باب ما يقرأ في صلاة الجمعة)، رقم ((2028))].
(المسألة الثانية): حكم قراءة السور المذكورة في صلاة الجمعة.
استحب أهل العلم القراءة في صلاة الجمعة بالسور المذكورة؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
في الأولى: [سورة الجمعة]، وفي الثانية: [سورة المنافقين]، أو في الأولى: سورة {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية: {هل أتاك حديث الغاشية}. [فتح العلام (3/ 218))]. كما تقدم من قول النووي رحمه الله
(المسألة الثالثة): حكم الالتزام بالقراءة
الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السور في صلاة الجمعة، مما يدل على أنها سنة مستحبة، ولكن ليس واجباً إلزامياً.
(المسألة الرابعة): المناسبات الثلاث
المناسبة الأولى:
مناسبة سورة الجمعة في صلاة الجمعة ظاهرة؛ ففيها الحث على هذه الشعيرة الكبيرة، والحض على الإتيان إليها، وإلى ذكر الله فيها، وترك ما يشغل عنها من أعمال الدنيا ولهوها، ولو كان مباحًا نافعًا، فكيف إذا كان ما يشغل ضارًّا محرَّمًا؟! كما أنّ فيها تمثيلَ من عنده أسفار العلم النافعة، ولا يستفيد منه فمثله كمثل الحمار، الذي يحمل تلك الأسفار، ولا ينتفع بها، وهو مَثَل يُضربُ لمن يأتي إلى الجمعة، ولكنه يشتغل عن سماع الذكر بالكلام، والانشغال بما لا فائدة فيه.
المناسبة الثانية:
أما سورة المنافقين: فقال بعض العلماء: إنّ مناسبتها إسماعها المنافقين الذين لا يحضرون إلاَّ لهذه الصلاة فقط، ولكني أرى فيها شيئًا من سورة الجمعة، حينما انفض المسلمون: وأعرضوا عن سماع الذكر، حينما قدمت العير، ففيها ما ينبه على هذه الغلطة منهم بقوله تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ ولا أوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ ((9))} [المنافقون].
في سورة المنافقين أيضًا التحذير من هذا الخلُق الذميم وهو النفاق سواء كان هذا النفاق اعتقاديًا وهو النفاق الأكبر المخرج من الملة، أو كان نفاقًا عمليًّا، وهو النفاق الأصغر، الذي صاحبه على خطر كبير، إلاَّ أنّه لم يخرج من الملة.
المناسبة الثالثة:
أما مناسبة سورة {الأعلى}: فالأعلى هو صاحب العلو المطلق في الذات والصفات، فعلو الذات هو أنّه سبحانه وتعالى عالٍ بذاته، فوق جميع مخلوقاته، فله العلو المطلق فليس فوقه شيء، ولا يحيط به شيء، بل هو المحيط بكل شيء، العالي على كل شيء، ولو أحاط به شيء، أو كان فوقه أو ساواه شيءٌ، لانتفى عنه العلو المطلق، ومن وصف الله بغير ذلك من العلو، فقد نقصه، ورضي له بأدنى الأمكنة، وعلو الله تعالى شهد به القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع أهل السنة، والعقل الكامل، والفطرة السليمة.
كما بينت هذه السورة أحوال يوم القيامة والجزاء فيها، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا، وبيَّنتها سورة الغاشية، فقد احتوت على حالي الآخرة بالنعيم والجحيم.
فهذا وجه جمع هاتين السورتين في المواضع العامة، لمناسبة مخاطبة الجمهور، وتذكيرهم بسرعة، وإيجاز عن معادهم. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (2/ 593 – 945)].
(المسألة الخامسة): تنوع القراءة
يجوز للإمام أن يقرأ سوراً أخرى، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر صلاة الجمعة على هذه السور.
قال الطحاوي في «شرح معافى الآثار» (1) / (414): فلما جاء عن رسول الله ? في هذه الآثار أنه قرأ في العيدين والجمعة غير ما جاء عنه في الآثار الأُول، لم يجُز أن يُحمل ذلك على التضاد والتكاذب، ولكنا نحمله على الاتفاق والتصادق،
فنجعل ذلك كله قد كان من رسول الله ?، فقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، فحكى عنه كل فريق من الفريقين ما حضره منه،
ففي ذلك دليل على أن لا توقيت للقراءة في ذلك، وأن للإمام أن يقرأ في ذلك مع فاتحة الكتاب أي القرآن شاء، وكذلك ما روي عن رسول الله ? أيضًا أنه كان يقرأ في ذلك يوم الجمعة”. انتهى.
(المسألة السادسة): يتولى الصلاة من يتولى الخطبة.
• ذهب عامة أهل العلم إلى أن الصلاة يتولاها الذي يتولى الخطبة، وهو مذهب أحمد، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي، ويجزئ عندهم أن يصلي بالناس من لم يخطب.
• ولكن اختلفوا: هل يشترط أن يكون ممن حضر الخطبة، أم لا؟
وفي ذلك روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: أنه يشترط أن يكون ممن حضر الخطبة، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وأبي ثور.
والثانية: أنه لا يشترط، وهو قول الأوزاعي، والشافعي.
والقول الثاني هو الصواب -والله أعلم-؛ لأنه تصح منه الجمعة؛ فتصح منه الإمامة. انظر: «المغني» ((3) / (177) – (178))، «الأوسط» ((4) / (83)). [فتح العلام (3/ 219)].
(المسألة السابعة): الخطبة لا تكون إلا بعد دخول وقت الصلاة، كالصلاة.
• ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون بعد دخول وقت صلاة الجمعة؛ فإن وقعت، أو جزء منها قبله لم تجزئ، وقد قال بذلك الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وقال به ابن حزم أيضا.
ويدل على ذلك أن الخطبة لا تكون إلا بعد النداء، والنداء لا يجوز إلا عند دخول الوقت، وفي «البخاري» ((912))، عن السائب بن يزيد رضي الله عنهما: أن الأذان يوم الجمعة أوله حين يجلس الإمام على المنبر، كان ذلك على عهد رسول الله ?، وأبي بكر، وعمر … . الحديث.
ولكن كونها لا تصح إذا حصل جزء منها قبل الوقت موضع نظر؛ لأنه قد حصل بعضها في الوقت، والأظهر صحتها، والله أعلم. انظر: «المجموع» ((4) / (514)، (522))، «الفروع» ((2) / (109))، «بدائع الصنائع» ((1) / (589))، «خطبة الجمعة» (ص (56) -). [فتح العلام (3/ 220)].
والرابع: خلاصة فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): قال الإتيوبي رحمه الله في ذخيرة العقبى (16/ 283): “الحديث يدل على استحباب قراءة هاتين السورتين في صلاة الجمعة، ولا تعارض بينه وبين حديث الباب السابق، لإمكان حمله على أوقات مختلفة، فكان النبي ? يقول في بعض الأوقات بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}، وفي بعضها بسورة الجمعة، وسورة المنافقين”. انتهى.
2 – (ومنها): تضمن السور المذكورة تذكيراً بيوم القيامة وبعظمة الله، وهو ما يتناسب مع خطبة الجمعة التي تهدف إلى تقوية الوازع الديني عند المسلمين.
3 – (ومنها): الحديث يُبرز أهمية السنة النبوية في توجيه الأئمة والمصلين في صلاتهم، وما ينبغي عليهم قراءته.
4 – (ومنها): مشروعية قراءة السور المتنوعة في الصلاة؛ رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هاتين السورتين، إلا أن الشرع لم يُلزم بقراءتهما فقط، بل أتاح التنوع وفق ما يراه الإمام مناسبًا.
وقال البسام رحمه الله:
5 – (ومنها): استحباب الجهر في صلاة الجمعة، ولو كانت صلاة نهارية؛ وذلك لجمعها الخلق الكثير، فينبغي أن يسمعوا القرآن ممن يحسن القراءة.
6 – (ومنها): الأحاديث تدل على الجهر في صلاة الجمعة، وصلاة العيد.
7 – (ومنها): قوله: «كان يقرأ الجمعة والمنافقين»، وقوله: «كان يقرأ سبح والغاشية» -دليلٌ على أن «كان» لا يراد بها الدوام، وإلاَّ لتعارض الحديثان، وإنما المراد أنّ أكثر قراءته في هذه السور الأربع، تارةً هاتين السورتين، وتارةً السورتين الأخيرتين. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (2/ 593 – 945)].
8 – كلام مفيد لابن القيم:
وقال ابن القيم رحمه الله في “إعلام الموقعين” (2/ 91):
” وأما التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار في الجهر والإسرار ففي غاية المناسبة والحكمة ; فإن الليل مظنة هدوء الأصوات وسكون الحركات وفراغ القلوب واجتماع الهمم المشتتة بالنهار , فالنهار محل السبح الطويل بالقلب والبدن , والليل محل مواطأة القلب للسان، ومواطأة اللسان للأذن ; ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر على سائر الصلوات , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بالستين إلى المائة , وكان الصَّدَّيق يقرأ فيها بالبقرة , وعمر بالنحل وهود وبني إسرائيل ويونس ونحوها من السور ; لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم , فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير كله بحذافيره صادفه خاليا من الشواغل فتمكن فيه من غير مزاحم ; وأما النهار فلما كان بضد ذلك كانت قراءة صلاته سرية إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح منه , كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف ; فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود , وأنفع للجمع , وفيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة ” انتهى.