[1ج/ رقم (445)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي. وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (445)]:
قال أبو داود رحمه الله (ج (7) ص (257)): حدَّثنا هَنّادٌ، عن ابنِ المبارَك، عن عكرمةَ بن عمارٍ، عن إياسِ بن سلمة عن أبيه، قال: غَزَونا مع أبي بكرِ رضي الله عنه زمنَ النبيَّ لا فكان شعارُنا أمِتْ أمِتْ.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
* قال أبو داود رحمه الله (ج (7) ص (299)): حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الصمدِ وأبو عامرٍ، عن عكرمةَ ابن عمّارٍ، حدَّثنا إياسُ بن سَلمةَ
عن أبيه، قال: أمَّرَ رسولُ الله لا علينا أبا بكرٍ، فغزونا ناسًا من المشركين، فبَيَّتنْاهم نقتُلُهم، وكان شعارُنا تلك الليلة: أمِتْ، أمِتْ، قال سلمةُ: فقتلتُ بيديّ تلك الليلةَ سبعةَ أهلِ أبياتٍ من المشركين.
هذا حديث حسنٌ. وقد تقدم ذكر الشعار.
الحديث رواه ابن ماجه (ج (2) ص (947)).
===================
ذكر الحديث ابن عدي في الكامل في ترجمة عكرمة بن عمار وختم ذلك بقوله:
ولعكرمة بْن عمار غير ما ذكرت من الحديث، وَهو مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، كتاب الجهاد، (76) – باب: في الرجل ينادي بالشِّعار، ((2596)).
وبوب أبو داود رحمه الله على الحديث الملحق: ” (100) – باب: في البَيات”، ((2638)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه في:
(13) – كتاب الجهاد والغزوات، (26) – الشعار للمجاهدين وقت المعركة، ((445)).
وفي الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، بوب على طرق أحاديث الباب: “ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ نَفَى جَوَازَ الشعار للمجاهد في سبيل الله”، ((4747))، و”ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ شِعَارَ الْقَوْمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمُصْطَفَى لا”، ((4748)).
قال محققو سنن أبو داود – ط: دار الرسالة العالمية – (6/ 76)
عن الإسناد الأول: إسناده قوي من أجل عكرمة بن عمار. سلمة: هو ابن الأكوع، وابن المبارك: هو عبد الله، وهناد: هو ابن السَّريِّ. وأخرجه النسائي في «الكبري» ((8612)) و ((8811)) من طريق عكرمة بن عمار، به. وهو في «مسند أحمد» ((16498))، و «صحيح ابن حبان» ((4744)).
وسيأتي عند المصنف أيضًا ((2638)).
والشعار: العلامة في الحرب. “أمت أمت” قال ابن الأثير: هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الفرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل. قيل: المخاطب هو الله تعالى، فإنه المميت، فالمعنى: يا ناصر أمت؛ وفي رواية في «أخلاق النبي» ص (165): يا منصور أمت أمت، فالمخاطب على هذه الرواية: كل واحد من المقاتلين ذكره القاري.”. انتهى.
وقال الألباني رحمه الله في [صحيح سنن أبي داود ط غراس (7/ 347)]:
“إسناده: حدثنا هَنَّادٌ عن [ابن] المبارك عن عكرمة بن عَمَّار عن إياس بن سَلَمَةَ.
قلت – أي: الألباني -: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ فهو على شرطه؛ وفي عكرمة بن عمار كلام لا يضر، وقد توبع كما يأتي؛ فهو صحيح.
والحديث أخرجه الحاكم ((2) / (107))، وعنه البيهقي ((6) / (361)) من طريق عَبْدان: أنا عبد الله … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!!
وعكرمة بن عمار إنما روى له البخاري تعليقًا.
ورواه النسائي في «السير» من «سننه الكبرى» -كما في «تحفة المزي» ((4) / (38)) – من طريقين آخرين عنه … نحوه.
والمصنف … أتم منه، كما سيأتي في «البيات» رقم ((2371)).
وقد تابعه أبو عُمَيْسٍ عن إياس بن سلمة عن أبيه قال:
بارزت رجلًا فقتلته، فَنَفَّلَنِي رسولُ الله لا سَلَبَهُ، فكان شعارنا مع خالد بن الوليد: أمِتْ! يعني: اقْتُلْ.
أخرجه الدارمي ((2) / (219)). وسنده صحيح على شرط الشيخين.
والحاكم ((2) / (108)) … مختصرًا، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وشطره الأول: عند البخاري كما يأتي ((2383)) “. انتهى.
وأما عن ملحق الروايات:
وقال الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود ط غراس (7/ 390)): ” (قلت: إسناده حسن، وصححه ابن حبان).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عبد الصمد وأبو عامر عن عكرمة بن عمار: ثنا إياس بن سلمة.
قلت – أي: الألباني -: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ على كلام في عكرمة لا يضر، كما تقدم تحت هذا الحديث، وقد أخرجه المؤلف ((2336)) مختصرًا.
والحديث أخرجه البيهقي ((9) / (79)) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد ((4) / (46))، وابن ماجة ((2840))، وابن حبان ((4724)) من طريقين آخرين عن عكرمة … به”. انتهى.
وقال محققو سنن أبي داود -ط: دار الرسالة العالمية (4/ 275) – رحمهم الله جميعا: “إسناده قوي من أجل عكرمة بن عمار. سلمة: هو ابن الأكوع، وعبد الصمد: هو ابن عبد الوارث العنبري، وأبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي، والحسن ابن علي: هو الخلال.
وأخرجه ابن ماجه ((2840))، والنسائي في «الكبرى» ((8612)) من طريق عكرمة ابن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» ((16498))، و «صحيح ابن حبان» ((4744)).
وقد سلف برقم ((2596)).
قوله: أمِت أمِت، قال ابن الأثير: هو أمرٌ بالموت”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث في: “باب في الرجل ينادي بالشعار”.
يعني: أنه يتكلم بالشعار أو ينادي غيره بهذا الشعار. قاله الشيخ عبد المحسن في شرح السنن.
أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (غزونا مع أبي بكر رضي الله عنه في زمن رسول الله لا فكان شعارنا أمت أمت)
وقوله: (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) رضي الله عنه، ويقال: سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي يكنى أبا إياس؛ لأن ابنه إياس الراوي عنه. قاله ابن رسلان. (قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ) رضي الله عنه، أي: وكان هو أميرًا على السرية، (فِي زَمَنِ النَّبِيِّ لا) ولعل هذه السرية سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى نجد قِبَل بني فزارة، ومعه سلمة بن الأكوع، ووقع في سهمه جارية حسناء، فاستوهبها رسول الله لا، وفادى بها أسرى كانوا من المسملين. (فَبَيَّتْنَاهُمْ نَقْتُلُهُمْ): اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ، أَوْ حَالٌ (وَكَانَ شِعَارُنَا): بِالرَّفْعِ لَا غَيْرَ، أي: علامتنا في الحرب في تلك الليلة.
قال السندي رحمه الله: “الشعار بكسر الشين العلامة، والمراد هاهنا: ما يجعل في الحرب علامة بينهم من الكلمات لأجل ظلمة الليل – يعرف الرجل بها رفقاءه”. انتهى.
فيه: أنه يستحب أن يجعل لكل طائفة شعارًا يعرفون به في الحرب ويعرف بعضهم بعضًا به، وفي «سنن النسائي»: كان سيمانا يوم بدر الصوف الأبيض. قاله ابن رسلان رحمه الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة؛ قال الشثري في تحقيقه للمصنف:
صحيح؛ أخرجه النسائي ((8640))، والبيهقي في الشعب ((6158))
وصححه أيضا صاحب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (2) / (91) — محمد الصوياني (معاصر)
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قوله: (كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض)، وفي رواية أخرى عنده: (كان سيما الملائكة أهل بدر الصوف الأبيض، وكان سيما الملائكة -أيضًا- في نواصي الخيل). «تفسيره» (2) / (525).
وورد في «مصنف ابن أبي شيبة» بنفس السند الذي عند ابن أبي حاتم، ولكن لفظه: (كان سيما أصحاب رسول الله لا .. ) وذكره
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» ((2) / (310)) ونسبه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، ولفظه: «كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها».
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {مسوّمين} قَالَ: بالعهن الْأَحْمَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مسوّمين} قَالَ: أَتَوا مسومين بالصوف فسوم النَّبِي لا وَأَصْحَابه أنفسهم وخيلهم على سِيمَاهُمْ بالصوف
وقال فيصل المبارك (ت (1376)) رحمه الله في (بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار): “وفِيهِ التَّفاؤُلُ بِمَوْتِ الخَصْمِ”. انتهى.
قال المنذري رحمه الله تعالى في مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/ 173): “المراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة، مع حصول الغرض بالشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها؛ لأجل ظلمة الليل، فيعرف بها الرجل رفقاءه”. انتهى.
(تِلْكَ اللَّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتِ): بفتح الهمزة وكسر الميم وإسكان المثناة هو أمر بالموت، فيحمل: أنه يراد به سؤال الموت وهو القتل في سبيل الله حبًّا للشهادة، فعبر عن القتل بالموت؛ لأنه سببه كما عبر عنه في قوله تعالى: {ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ}، ويحتمل: أن يراد به: اللهم أمتهم. يعني: الكفار بما بأيدينا من السلاح.
قال البغوي: روي كان شعار النبي لا يا منصور أمت. قيل: هو أمر بالموت أراد به التفاؤل بالنصر بعد الإماتة مع حصول الغرض بالشعار؛ فإنه علامة يتعارفون بها في ظلمة الليل. قاله ابن رسلان رحمه الله.
وفي مرقاة المفاتيح: التَّكْرَارُ لِلتَّاكِيدِ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّر -على لسانهم-، قِيلَ: الْمُخَاطَبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ الْمُمِيتُ، فَالْمَعْنَى يَا نَاصِرَ أَمِتِ الْعَدُوَّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ فَالْمُخَاطِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ.”. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2540) – تراث].
قال السندي رحمه الله: «أمت أمت» صيغة أمر من إماتة والمخاطب هو الله تعالى، فهو مع كونه شعارًا دعاء على الأعداء أو المخاطب كل أحد من المقاتلين فهو حث لهم على القتال”. انتهى.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد: ” يعني: هذه كلمة اتفقوا عليها بحيث إن الواحد يذكرها ليعرف أنه من القوم، أي: حتى لو دخل فيهم أحد أو جاء وهو لا يعرف هذه العلامة فسئل عنها فلم يعرفها معناه أنه دخل فيهم وهو ليس منهم، وأما هم فقد تواطئوا واتفقوا على هذه العلامة وهي: أمت أمت.
وهذه الكلمة قيل: إن المقصود بها أنها دعاء، وهي أن الله تعالى يميت الكفار أو يميت العدو الذي يقاتلونه … قاله الشيخ عبد المحسن في شرح السنن”. انتهى.
(رسول الله لا أبا بكر) رضي الله عنه، على جيش في سرية قبل نجد إلى بني فزارة، (فغزونا ناسًا من المشركين) أي: من بني فزارة، (فبيَّتناهم) أي: هجمنا عليهم ليلًا.
قال الشيخ عبد المحسن العباد:
قوله: [(فغزونا ناسًا من المشركين فبيتناهم نقتلهم)].
يعني: أنهم هاجموهم بالليل وهم بائتون، وفي قصة بني المصطلق قال: (وهم غارون)، وهنا قال: (وهم بائتون) يعني: هجموا عليهم في البيات، ومعلوم أن هذا بعد بلوغ الدعوة، وليس لمن لم تبلغهم الدعوة كما عرفنا”. انتهى
(قال سلمة: فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات) أي: سبعة عشائر (من المشركين). [بذل المجهود (9/ 233)].
قال الشيخ عبد المحسن العباد “سبع أسر”.
وقوله: (فغزونا ناسًا من المشركين فبيتناهم نقتلهم):
قال ابن رسلان رحمه الله في شرح السنن: فيه جواز التبييت، وهو الإغارة عليهم ليلًا في غفلة.
فإن قيل: التبييت فيه قتل النساء والصبيان، وقد نهى الشارع عنه كما تقدم.
فأجيب: بأنه إنما نهى عن قتلهم صبرًا بعد السبي؛ لأنهم صاروا غنيمة، وأما إذا كانوا في دار الحرب فهي دار إباحة فيقتلون تبعًا لرجالهم.
فإن قيل: ادعى الزهري وسفيان بن عيينة نسخ حديث التبييت بحديث النهي عن قتل النساء والصبيان، وادعاه ابن حبان في «صحيحه» [«صحيح ابن حبان» (11) / (107)].
فالجواب: أن الشافعي أنكر ذلك.
وقال ابن الجوزي: إنه ليس بصحيح، وأن النهي عن تعمد النساء والصبيان بالقتل [«إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث» (ص (57))، «إعلام العالم بعد رسوخه بناسخ الحديث ومنسوخه» (ص (401))]، وحديث أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال: “هم منهم”. فيما إذا لم يتعمد. وهذا حسن؛ لأن فيه الجمع بين الحديثين”. انتهى. وسيأتي ذكر المسألة.
والثالث: المسائل والأحكام:
(المسألة الأول): ما ورد في سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني فزارة في شعبان سنة سبع.
و (فَزارَةَ)؛ أي: القبيلة المدعوّة بفزارة – بفتح الفاء، والزاي، آخره راء، وهو: فَزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غَطَفان، وهي قبيلة كبيرة من قيس عيلان، يُنسب إليها خلق كثير، قاله في «اللباب» [«اللباب في تهذيب الأنساب» (2) / (429)].
و كانت هذه الغزوة في شعبان سنة سبع من مُهاجَر رسول الله لا، قاله ابن سعد رحمه الله.
- عن سلمة بن الأكوع رض الله عنه، قال: غَزَوْنَا فَزَارَةَ، وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، أمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ لا عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ، فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْه، وَسَبَى، وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاس، فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَل، فَرَمَيْتُ بسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَل، فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ، وَفِيهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَيْهَا قِشْعٌ مِنْ أَدَمٍ – قَالَ: الْقِشْعُ: النِّطَعُ – مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَب، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أتيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَلَقِيَني رَسُولُ اللهِ لا فِي السُّوق، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأةَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، وَاللهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، ثُمَّ لَقِيَني رَسُولُ اللهِ لا مِنَ الْغَدِ فِي السُّوق، فَقَالَ لِي: «يَا سَلَمَة هَبْ لِي الْمَرْأةَ لِلَّهِ أَبُوكَ»، فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ الله، فَوَاللهِ مَا كشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ لا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ).
[قال أبو البقاء: هو في حكم القَسَم، وقال بعضهم: هي كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها، مثل قولهم: لله درّك، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف، فإذا وُجد من الولد ما يُحْمَد، يقال: لله أبوك، حيث أتى بمثلك.].
صحيح: رواه مسلم في الجهاد ((1755)) عن زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدثني أبي، فذكره.
وسيأتي بعض النصوص المتعلقة بهذه الغزوة.
فصل:
فيما ورد عن الشعار في المعركة
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح (3/ 225 – 226):
(26) – الشعار للمجاهدين وقت المعركة:
[1] (445) – قال أبو داود رحمه الله (ج (7) ص (257)): حَدَّثَنا هَنّادٌ عَنْ ابْنِ المُبارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ عَنْ إياسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: غَزَوْنا مَعَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ زَمَنَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَكانَ شِعارُنا أمِتْ أمِتْ.
[3] (1977) – قال أبو داود رحمه الله (ج (7) ص (257)): حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «إن بُيِّتُّمْ فليكن شعاركم حم لا ينصرون».
هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه الترمذي (ج (5) ص (329)).
وأخرجه عبد الرزاق (ج (5) ص (233)) عن معمر والثوري، عن أبي إسحاق، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة … به”. انتهى.
قال البغوي: إذا وقع البيات واختلط المسلمون بالعدو فيجعل الامام للمسلمين شعارًا يقولونه يتميزون به عن العدو. شرح السنة ((11) / (52)).
وأما ما روي عن سمرة بن جندب، قال: «كان شعار المهاجرين عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن» فلا يصح.
رواه أبو داود ((2595))، والبيهقي ((6) / (361)) كلاهما من طريق الحجاج بن أرطاة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب فذكره.
وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو مدلس وقد عنعن.
وله طرق أخرى أضعف من هذه”. انتهى. [الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل للأعظمي رحمه الله (7/ 274) وما بعدها]. باختصار الحذف
(كان شعار المهاجرين عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن)]. قال الشيخ عبد المحسن العباد: ” الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة، وفيه أيضًا الحجاج بن أرطأة.”. انتهى.
(المسألة الثانية): من مهام الإمام
قال ابن النجار الفتوحي (ت (972)) رحمه الله تعالى، في منتهى الإرادات (2/ 215 – 220) في “باب ما يلزم الإمام والْجَيْشَ”، قال: ” … وعَلَى إمَامٍ عِنْدَ الْمَسِيرِ: تَعَاهُدُ الرِّجَالِ وَالْخَيْلِ ومَنْعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِحَرْبٍ، … “، وبعد أن عدد المهام الذي على الإمام، وذكر من ذلك: “وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعُونَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ”. ثم ذكر الباقي.
(المسألة الثالثة): أسباب اتخاذ الشعار
قال أبو البركات، ابن المنجى (ت (695)) رحمه الله “وأما كونه يجعل لكل طائفة شعارًا يتداعون به عند الحرب؛ فلأن الإنسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه فإذا كان بينهم شِعار وهو العلامة دعى أحدهم صاحبه بها.
ولأن الإنسان ربما ضل فيهتدي بالشعار”. انتهى. [«الممتع»، (2/ 290)].
(المسألة الرابعة): حكم الدعوة قبل القتال
عَنْ نَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَغَارَ رَسُولُ اللهِ لا عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ لا إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: ادْعُهُمْ إلَى الإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ تَعَالَى وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلَا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي: أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى أَمْ لَا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وأما حكم الدعوة قبل القتال:
قال الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم» ((1730)): فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي:
أَحَدهَا: يَجِب الْإِنْذَار مُطْلَقًا، قَالَهُ مَالِك وَغَيْره. وَهَذَا ضَعِيف.
وَالثَّانِي: لَا يَجِب مُطْلَقًا. وَهَذَا أَضْعَف مِنْهُ، أَوْ بَاطِل.
وَالثَّالِث: يَجِب إِنْ لَمْ تَبْلُغهُمْ الدَّعْوَة، وَلَا يَجِب إِنْ بَلَغَتْهُمْ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَبِهِ قَالَ نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر، وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْث، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْر، وَابْن الْمُنْذِر، وَالْجُمْهُور، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَلَى مَعْنَاهُ، فَمِنْهَا هَذَا الْحَدِيث، وَحَدِيث قَتْل كَعْب بْن الْأَشْرَف، وَحَدِيث قَتْل ابْنِ أَبِي الْحُقَيْق. اهـ
وكذلك حديث الصعب بن جثامة أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سئل عن المشركين يبيتون، فيصيبون ذراريهم؟ فقال: «هم منهم» متفق عليه.
وحديث رجل مبهم عند أبي داود ((2597))، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إن بيتم؛ فليكن شعاركم (حم لا ينصرون)».
وحديث سلمة بن الأكوع عند أبي داود ((2638))، قال: بعثنا رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مع أبي بكر على سرية، فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة (أمِتْ، أمِتْ)، وكلاهما في «الصحيح المسند».
ويدل على استحباب التبليغ حديث بريدة الذي في الباب، وحديث غزوة خيبر عند أن دفع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الراية لعلي، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام.
وأما وجوبه إذا لم تبلغهم الدعوة؛ فلقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: (15)]، وما أشبهها من الآيات.
وقد قال باشتراط الدعوة عمر بن عبدالعزيز، وأما مالك، فقال بذلك إذا بعدت ديارهم عن دار الإسلام. [وانظر: «الفتح» ((2938)) «المغني» ((13) / (29) – (30))]. [فتح العلام، (10/ 24)].
(المسألة الخامسة): قتل النساء والصبيان.
• ذهب الجمهور إلى جواز قتل النساء، والصبيان في البيات؛ عملًا بحديث الصعب، وقوله: «هم منهم»، أي: في إباحة القتل تبعًا لا قصدًا إذا لم يمكن انفصالهم عمَّن يستحق القتل.
• وذهب مالك، والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال، حتى ولو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان، أو تحصَّنوا بحصن أو سفينة، وجعلوا معهم النساء والصبيان؛ لم يجز رميهم، ولا تحريقهم.
قال الحافظ رحمه الله: وَاتَّفَقَ الْجَمِيع كَمَا نَقَل اِبْن بَطَّال وَغَيْره عَلَى مَنْع الْقَصْد إِلَى قَتْل النِّسَاء وَالْوَلَدَانِ، أَمَّا النِّسَاء؛ فَلِضَعْفِهِنَّ، وَأَمَّا الْوِلْدَان؛ فَلِقُصُورِهِمْ عَنْ فِعْل الْكُفْر، وَلِمَا فِي اِسْتِبْقَائِهِمْ جَمِيعًا مِنْ الِانْتِفَاع بِهِمْ، إِمَّا بِالرِّقِّ، أَوْ بِالْفِدَاءِ فِيمَنْ يَجُوز أَنْ يُفَادَى بِهِ. اهـ
وكذلك عند الجمهور: الشيخ الفاني، والزمن، والأعمى، خلافًا للشافعي في قول، وابن المنذر، ولا خلاف في أنَّ من قاتل من هؤلاء قُتل. [انظر: «الفتح» ((3012)) «المغني» ((13) / (177) -)] [فتح العلام (10/ 33)].
فصل:
في صحيح مسلم: (عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ لا عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُبَيَّتُونَ، فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَذَرَارِيِّهِمْ؟، فَقَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ»)، وفي رواية عمرو بن دينار التالية: «هم من آبائهم»؛ أي: هم في الحكم في تلك الحالة كحكم آبائهم في جواز القتل، وليس المراد: إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد: إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية [المراد: وطؤهم بالأقدام]، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. أفاده في «الفتح» [» الفتح «(7) / (266)، كتاب» الجهاد «رقم ((3012))].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله لا في ذراريّ المشركين يبيّتون: «هم من آبائهم»: الذرية: تطلقه العرب على الأولاد والعيال والنساء، حكاه عياض، ومعنى الحديث: أن حُكمهم حُكم آبائهم في جواز قتلهم عند الاختلاط بهم في دار كفرهم، وبه قال الجمهور: مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، والثوريّ، ورأوا رميهم بالمجانيق في الحصون، والمراكيب.
واختلف أصحابنا: هل يُرْمَون بالنار إذا كان فيهم ذراريهم ونساؤهم، رمي المشركين؟ على قولين، وأما إذا لم يكونوا فيهم؛ فهل يجوز رمي مراكبهم وحصونهم بالنار؟ أما إذا لم يوصل إليهم إلا بذلك، فالجمهور على جوازه، وأما إذا أمكن الوصول إليهم بغيره، فالجمهور على كراهته؛ لِمَا ثبت من قوله لا: «لا يعذِّب بالنار إلا الله»، رواه البخاريّ، وأما إذا كان فيهم مسلمون؛ فَمَنَعه مالك جملة، وهو الصحيح من مذهبه ومذهب جمهور العلماء، وفي المسألة تفصيل يُعرف في أصول الفقه. انتهى [» المفهم” (3) / (529)].
[تنبيه]: ذكر ابن حبّان رحمه الله أن هذا الخبر منسوخ بخبر ابن عمر رضي الله عنهما الماضي، فقال في «صحيحه»:
«ذِكْر الخبر المصرِّح بأن نهيه لا عن قتل الذراريّ من المشركين كان بعد قوله لا:» هم منهم «، ثم ساق بسنده حديث الصعب رضي الله عنه، وفيه: وسألته عن أولاد المشركين، أنقتلهم معهم؟ قال: «نعم، فإنهم منهم»، ثم نَهَى عن قتلهم يوم حُنين. انتهى [» صحيح ابن حبان” (1) / (347)].
وفي رواية الإسماعيليّ: «وكان الزهريّ إذا حدّث بهذا الحديث قال: وأخبرني ابن كعب بن مالك، عن عمه: أن رسول الله لا لَمّا بعث إلى ابن أبي الْحُقَيق نَهَى عن قتل النساء والصبيان». انتهى.
قال الحافظ: وكأن الزهريّ أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب، وقال مالك، والأوزاعيّ: لا يجوز قتل النساء، والصبيان، بحال حتى لو تترَّس أهل الحرب بالنساء، والصبيان، أو تحصَّنوا بحصن، أو سفينة، وجعلوا معهم النساء، والصبيان لم يَجُز رميهم، ولا تحريقهم.
وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره: «ثم نَهَى عنهم يوم حنين»، وهي مُدْرَجة في حديث الصعب، وذلك بُيِّن في سنن أبي داود، فإنه قال في آخره: قال سفيان: قال الزهريّ: ثم نَهَى رسول الله لا بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان.
قال: ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما في حديث رياح بن الربيع: «فقال لأحدهم: الْحَقْ خالدًا، فقل له: لا تقتل ذريةً، ولا عسيفًا»، والعسيف بمهملتين وفاء: الأجير وزنًا ومعنًى، وخالد – يعني: ابن الوليد – أول مَشاهده مع النبيّ لا غزوة الفتح، وفي ذلك العام كانت غزوة حنين.
وأخرج الطبرانيّ في «الأوسط» من حديث ابن عمر قال: «لمّا دخل النبيّ لا مكة أُتِي بامرأة مقتولة، فقال: ما كانت هذه تقاتِل»، ونَهَى … ، فذكر الحديث.
وأخرج أبو داود في «المراسيل» عن عكرمة: «أن النبيّ لا رأى امرأة مقتولة بالطائف، فقال:» ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحبها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، أردفتها، فأرادت أن تَصْرَعني، فتقتلني، فقتلتها، فأَمَر بها أن تُوارَى «، ويَحْتَمِل في هذه التعدد.
والذي جنح إليه غيرهم الجمع بين الحديثين، كما تقدمت الإشارة إليه، وهو قول الشافعيّ، والكوفيين، وقالوا: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها، وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت، إلا إن باشرت القتل، وقصدت إليه، قال: وكذلك الصبيّ المراهق.
قال: ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وابن حبان، من حديث رِيَاح بن الربيع – وهو بكسر الراء، والتحتانية – التميميّ قال: «كنا مع رسول الله لا في غزوة، فرأى الناس مجتمعين، فرأى امرأة مقتولةً، فقال: ما كانت هذه لتقاتِل».
فإن مفهومه أنها لو قاتلت لَقُتلت، واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلِضَعفهنّ، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولمَا في استبقائهم جميعًا من الانتفاع بهم، إما بالرقّ، أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به.
وحَكَى الحازمي قولًا بجواز قتل النساء، والصبيان، على ظاهر حديث الصعب رضي الله عنه، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب. انتهى كلام الحافظ رحمه الله [«الفتح» (7) / (267) – (268)، كتاب «الجهاد» رقم ((3012))]، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله: جعل الزهري حديث الصعب بن جثّامة منسوخًا بنهي رسول الله لا عن قتل النساء، والولدان، وغيرُه يجعله مُحْكَمًا غير منسوخ، ولكنه مخصوص بالغارة، وترك القصد إلى قتلهم، فيكون النهي حينئذ يتوجه إلى من قَصَد قَتْلَهم، وأما من قَصَد قتل آبائهم على ما أُمر به من ذلك فأصابهم وهؤلاء (((((((يريدهم))))))، فليس ممن توجَّه إليه الخطاب بالنهي عن قتلهم على مثل تلك الحال، ومن جهة النظر لا يجب أن يتوجه النهي إلا إلى القاصد؛ لأن الفاعل لا يستحقّ اسم الفعل حقيقة دون مجاز إلا بالقصد، والنية، والإرادة، ألا ترى أنه لو وجب عليه فعل شيء ففعله، وهو لا يريده، ولا ينويه، ولا يقصده، ولا يذكره، هل كان ذلك يجزي عنه من فعله، أو يسمى فاعلًا له؟ وهذا أصل جسيم في الفقه، فافهمه. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله [«التمهيد» لابن عبد البرّ (16) / (145)]، وهو تحقيق مفيدٌ.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: الذي يترجّح عندي هو ما قاله الجمهور من أن حديث الصعب رضي الله عنه ليس منسوخًا، وإنما هو محمول على حالة الاضطرار إليه، بأن لا يُمكن الوصول إلى قتل الآباء إلا ببيات النساء والأطفال معهم، فهذا هو الجمع الحسن بين الحديثين دون ادّعاء النسخ، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج، (30/ 391 – 304)].
(المسألة السادسة): شبهة والرد عليها
إنَّ الصَّحابَةَ كانُوا يَسْتَغِيثُونَ بِالنَّبِيِّ لا بَعْدَ مَوْتِهِ، فابْنُ عُمَرَ كانَ يَسْتَغِيثُ بِالنَّبِيِّ لا إذا ألَمَّ بِهِ مَكْرُوهٌ، بَلْ حَتّى إذا خَدِرَتْ رِجْلُهُ فَقَط!
فَفِي الحَدِيثِ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ حَنَشٍ قالَ: (كُنّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما فَخَدِرَتْ رِجْلُهُ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: أُذْكُرْ أحَبَّ النّاسِ إلَيْكَ فَذَكَرَ مُحَمَّدًا، فَكَأنَّما نَشِطَ مِن عِقالٍ) [ضَعِيفٌ. عَمَلُ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ ((141) / (1)). تَحْقِيقُ الكَلِمِ الطَّيِّبِ لِلشَّيْخِ الألْبانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ ((236))]!
بوأيْضًا ما جاءَ فِي الأحادِيثِ مِن أنَّ الصَّحابَةَ كانَ شِعارُهُم فِي الحَرْبِ (يا مُحَمَّدُ)! ق
والجَوابُ هُوَ مِن أوْجُهٍ:
(1)) أنَّ حَدِيثَ الخَدَرِ ضَعِيفٌ.
(2)) أنَّ الحَدِيثَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِلاسْتِغاثَةِ بِغَيْرِ اللهِ، لِأنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِغاثَةٌ أصْلًا، بَلْ هُوَ عِلاجٌ قَدِيمٌ مَعْرُوفٌ لِلخَدَرِ؛ حَيْثُ يَذْكُرُ صاحِبُهُ أحَبَّ النّاسِ إلَيْهِ فَيَزُولُ الخَدَرُ. [قالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتابِهِ (المَجْمُوعُ) ((652) / (4)): ((يُسْتَحَبُّ) وإذا خَدِرَتْ رِجْلُهُ؛ ذِكْرُ مَن يُحِبُّهُ). قُلْتُ: فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنَّبِيِّ لا أصْلًا].
وهَذا الدَّواءُ التَّجْرِيبِيُّ لِلخَدَرِ كانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الجاهِلِيِّينَ قَبْلَ الإسْلامِ وجُرَّبَ فَنَفَعَ بِإذْنِ اللهِ، ولَيْسَ فِيهِ إلّا ذِكْرُ المَحْبُوبِ، وقِيلَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: إنَّ ذِكْرَهُ لِمَحْبُوبِهِ يَجْعَلُ الحَرارَةَ الغَرِيزِيَّةَ تَتَحَرَّكُ فِي بَدَنِهِ، فَيَجْرِي الدَّمُ فِي عُرُوقِهِ، فَتَتَحَرَّكُ أعْصابُ الرِّجْلِ؛ فَيَذْهَبُ الخَدَرُ، وجاءَتِ الأشْعارُ بِهَذا كَثِيرَةً فِي الجاهِلِيَّةِ والإسْلامِ، فَمِنها ما فِي:
دِيوانِ عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ: (إذا خَدِرَتْ رِجْلِي أبُوحُ بِذِكْرِها … لِيَذْهَبَ عَنْ رِجْليَ الخُدُورُ؛ فَيَذهَبُ)
وفِي دِيوانِ جَمِيلِ بُثَيْنَةَ: (وأنْتِ لِعَيْنِي قُرَّةٌ حِينَ نَلْتَقِي … وذِكْرُكِ يَشْفِينِي إذا خَدِرَتْ رِجْلِي)
(3)) أمّا ما ذُكِرَ مِن كَوْنِ (يا مُحَمَّد) شِعارُهُم فِي الحَرْبِ؛ أنَّهُ مِن بابِ الاسْتِغاثَةِ بِهِ! فَحَمْلُهُ عَلى هَذا الوَجْهِ مَرْدُودٌ، لِأنَّ الشِّعارَ فِي الحَرْبِ هُوَ ما يُمَيِّزُ بِهِ المُحارِبُونَ أنْفُسَهُم عَنْ عَدُوِّهِم عِنْدَ الاخْتِلاطِ، وهُوَ يُشْبِهُ ما يُعْرَفُ اليَوْمَ بِـ (كَلِمَةِ السِّرِّ).
قالَ الرّازِي فِي كِتابِهِ (مُخْتارُ الصِّحاحِ): (شِعارُ القَوْمِ فِي الحَرْبِ: عَلامَتُهُم؛ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُم بَعْضًا). [مُخْتارُ الصِّحاحِ (ص (165))].
وفِي الحَدِيثِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ؛ قالَ: (غَزَوْنا مَعَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ زَمَنَ النَّبِيِّ لا فَكانَ شِعارُنا: أمِتْ؛ أمِتْ).
ومِثْلُهُ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ مَرْفُوعًا (إنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعارُكُم: (حَم، لا يُنْصَرُونَ)). [صَحِيحٌ. أبُو داوُدَ ((2597)) عَنِ المُهَلَّبِ بْنِ أبِي صُفْرَةَ عَنْ أحَدِ أصْحابِ النَّبِيِّ لا. الصَّحِيحَةُ ((3066))].
(4)) أنَّ حَمْلَ الأثَرَيْنِ عَلى الاسْتِغاثَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِيَزُولَ الضُّرُّ بِذِكْرِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، لِأنَّ النَّبِيَّ لا وغَيْرَهُ مِن بابِ أوْلى – لا يَمْلِكُ كَشْفَ الضُّرِّ أصْلًا، قالَ اللهُ تَعالى: {قُلْ إنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَدًا} (الجِنّ: (21)) “. انتهى.
والرابع: خلاصة فقه وفوائد الباب:
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى في “فصل: الأحاديث في إبطال دعوى إنكار جهاد الطلب”، بعد أن أورد جملة من النصوص الشرعية ومن ذلك حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فقال:
“إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على نقيض ما قرره صاحب المقال وأشباهه من المعجبين بآراء أعداء الله تعالى وقوانينهم، وقد اشتملت هذه الأحاديث التي ذكرنا ههنا على فوائد كثيرة – أي: الفوائد من الأحاديث الواردة في جهاد الطلب – نذكر منها ما نحن بصدده:
1 – (منها): مشروعية ابتداء المشركين بالقتال، إذا كانوا ممن بلغتهم دعوة الإسلام فلم يقبلوها،
وهذا يرد قول صاحب المقال أنه لا يجوز قتالهم ابتداء، وإنما يقاتلون دفاعًا عن الإسلام إذا اعتدوا على المسلمين، أو وقفوا في طريق الدعاة.
2 – (ومنها): تعليل قتال المشركين وأهل الكتاب بما هم عليه من الكفر بالله وتعالى، فيقاتلون على الإسلام حتى يدخلوا فيه، أو يبذلوا الجزية إذا كانوا ممن تقبل منهم الجزية؛
والنصوص على ذلك واضحة في كثير من هذه
3 – (ومنها): جواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من الكفار في حال غرتهم وغفلتهم، وجواز تبييتهم في الليل.
4 – (ومنها): جواز قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وأخذ أموالهم
5 – (ومنها): وجوب اتخاذ القوة؛ لتأييد الدعوة الإسلامية وقتال من خالفها، ويدل على ذلك قوله لا: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله»،
فإن الأمر بالقتال يتضمن الأمر باتخاذ القوة لذلك؛ لأن القتال بدون القوة غير ممكن، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
ويدل عليه أيضا ما كان النبي لا يفعله من بعث الجيوش والسرايا لقتال من لم يدخل في الإسلام، وما فعله مع بني المصطلق وغيرهم من المشركين وأهل الكتاب؛ من الإغارة عليهم ومهاجمتهم بما معه من القوة،
وما فعله أصحابه رضي الله عنهم من بعث الجيوش والقوات؛ لقتال المرتدين وغيرهم من أمم الكفر والضلال،
وهذا يبطل ما زعمه صاحب المقال من أن الإسلام لا يجيز مطلقًا أن يتخذ المسلمون القوة من سبل الدعوة إلى دينهم.
6 – (ومنها): وجوب التثبت في أمر الكفار إذا أظهروا شعائر الإسلام؛ بأن سمع عندهم أذان أو رُؤي عندهم مسجد، فلا يغار عليهم والحالة هذه، ولا يقتل منهم أحد، بل يجب الكف عنهم حتى تتضح حقيقية أمرهم.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: إظهار شعائر الإسلام في القتال وعند شن الغارة يحقن به الدم، وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة التي يتسع فيها معرفة الأمور على حقائقها واستيفاء الشروط اللازمة فيها. انتهى.
وظاهر حديث أنس، وحديث عصام المزني أن النبي لا لم يكن يخص بالإغارة المعتدين من الكفار، والواقفين منهم في طريق الدعاة إلى الإسلام دون غيرهم، بل كان يغير ويأمر بالإغارة على من بلغتهم الدعوة الإسلامية فلم يقبلوها، سواء كانوا معتدين أو غير معتدين، وسواء كانوا من الواقفين في طريق الدعاة إلى الإسلام أو لم يكونوا منهم، والله أعلم. [غربة الإسلام، (2/ 904 – 910)، بتصرف يسير]. ثم تحدث رحمه الله عن قتال المرتدين.
7 – (ومنها): أنه يُستنبط منه الردّ على من يتخلى عن النساء، وغيرهنّ من أصناف الأموال زهدًا؛ لأنهم وإن كان قد يحصل منهم الضرر في الدين، لكن يتوقف تجنبهم على حصول ذلك الضرر، فمتى حصل اجتُنبن، وإلا فليُتَناوَل من ذلك بقدر الحاجة. [«الفتح» (7) / (268)، كتاب «الجهاد» رقم ((3012))].
8 – (ومنها): ما قال ابن بطّال رحمه الله: لا يجوز عند جميع العلماء قصد قتل نساء الحربيين، ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن يقاتِلون في الغالب، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الآية [البقرة: (190)]، وبذلك حَكم الشارع في مغازيه أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى الذريّة؛ لأنهم مال للمسلمين إذا سُبُوا.
واتّفق الجمهور على جواز قتل النساء، والصبيان إذا قاتلوا، وهو قول مالك، والليث، وأبي حنيفة، والثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقال الحسن البصريّ: إن قاتلت المرأة، وخرجت معهم إلى ديار المسلمين قُتلت، وقد قتل رسول الله لا يوم قريظة والخندق أم قرفة، وقتل يوم الفتح قينتين كانتا تغنّيان بهجاء رسول الله لا.
واتفق مالك، والكوفيون، والأوزاعيّ، والليث: أنه لا يُقتل الشيوخ، ولا الرهبان، وأجاز قَتْلهم الشافعيّ في أحد قوليه، واحتجّ بأن رسول الله لا أمر بقتل دُريد بن الصِّمّة يوم حنين، وكذلك أجمعوا أن من قاتل من الشيوخ أنه يُقْتَل، واحتجّ الطحاويّ، فقال: قد رَوَى علقمة بن مرثد، عن ابن بُريدة، عن أبيه: أن الرسول لا كان إذا بعث سرية قال: «لا تقتلوا شيخًا كبيرًا»، وهذا خلاف حديث دريد، وقد قال رسول الله لا في حديث الْمُرَقّع بن صيفيّ في المرأة المقتولة: «ما كانت هذه تقاتل»، فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتِل.
والذي يَجمع بين الأحاديث أن النهي من الرسول لا في قتل الشيوخ هم الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب في قَتْل، ولا رأي، وحديث دُريد في الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب، كما كان لدُريد، فلا بأس بقتلهم، وإن لم يكونوا يقاتِلون؛ لأن تلك المعونة أشدّ من كثير من القتال، وهذا قول محمد بن الحسن، وهو قياس قول أبي حنيفة، وأبي يوسف. [«شرح ابن بطال» (5) / (170) – (171)]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج، (30/ 395 – 396)].
9 – قال الشيخ مقبل رحمه الله:
445 – قال أبو داود رحمه الله (ج 7 ص 257): حَدَّثَنَا هَنَّادٌ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ زَمَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
* قال أبو داود رحمه الله (ج 7 ص 299): حدثنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الصمد وأبو عامر عن عكرمة بن عمار حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علينا أبا بكر فغزونا ناسًا من المشركين فبيتناهم نقتلهم وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت قال سلمة فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين.
[ص: 377] هذا حديث حسنٌ. وقد تقدم ذكر الشعار.
الحديث رواه ابن ماجه (ج 2 ص 947).
[حكم الألباني]: حسن صحيح سنن أبي داود: 2596
بوب عليه مقبل في الجامع:
26 – الشعار للمجاهدين وقت المعركة
قال ابن رسلان:
باب في الرجل ينادي بالشعار
الشعار بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة هي العلامة التي يعرف بها القوم، ومنه: إشعار البدن يجرح أحد جانبي الشعار ليجعل علامة على أنه من الهدي.
(عن سمرة بن جندب قال: كان شعار المهاجرين عبد الله) فيه استحباب الشعار في الحرب ليعرف الرجل صاحبه فلا يضربه، (وشعار الأنصار عبد الرحمن) وإنما اختير هذين الاسمين دون غيرهما لأنهما أحب الأسماء إلى الله تعالى كما في “صحيح مسلم” (5)، ولأن هذين الاسمين تضمنتا وصفي الآدمي الواجبين له وهما العبودية والافتقار إلى المعبود ورحمته لهم في ملاقاة عدوهم ونصرة دينه، وتضمنتا وصفين واجبين لله تعالى وهو الإلهية والرحمانية
(غزونا مع أبي بكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان شعارنا) فيه أنه يستحب أن يجعل لكل طائفة شعارًا يعرفون به في الحرب ويعرف بعضهم بعضًا به، وفي “سنن النسائي” (1): كان سيمانا يوم بدر الصوف الأبيض.
(أمت أمت) بفتح الهمزة وكسر الميم وإسكان المثناة هو أمر بالموت، فيحمل أنه يراد به سؤال الموت وهو القتل في سبيل الله حبًّا للشهادة، فعبر عن القتل بالموت؛ لأنه سببه كما عبر عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} (2)، ويحتمل أن يراد به: اللهم أمتهم يعني: الكفار بما بأيدينا من السلاح.
قال البغوي (3): روي كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يا منصور أمت (4). قيل: هو أمر بالموت أراد به التفاؤل بالنصر بعد الإماتة مع حصول الغرض بالشعار؛ فإنه علامة يتعارفون بها في ظلمة الليل
(عن المهلب بن أبي صفرة قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن بُيِّتم) بضم الباء وتشديد المثناة المكسورة، أي: إن بيتكم (5) العدو كما في رواية، وفي بعض النسخ
بفتح الباء والتاء المثناة، أي: أوقعتم القتل بهم ليلًا وهو كناية عما يفعل ليلًا كما أن (ظل) كناية عن فعل النهار.
(فليكن شعاركم) فيه الأمر بأن البيات إذا وقع واختلط المسلمون بالعدو فيستحب للإمام أن يجعل للمسلمين شعارًا يقولونه يتميزون به عن العدو
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 11/ 298]
قال السيوطي:
[باب في الرجل ينادي بالشّعار]
(فكان شعارنا أمت أمت) قال في النهاية: هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض بالشّعار، فإنّهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.
(إن بيّتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون) قال الخطّابي: بلغني عن ابن كيسان النّحوي أنَّه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى عنه فقال: معناه الخبر، ولو كان بمعنى الدعاء لكان مجزومًا أي لا ينصروا، وإنّما هو إخبار كأنّه قال والله لا ينصرون، وقد روي عن ابن عباس أنَّه قال: حم اسم من أسماء الله، فكأنّه حلف بالله أنّهم لا ينصرون
وقال في النهاية: قيل معناه اللَّهم لا ينصرون، ويريد به الخبر لا الدعاء، لأنّه لو كان دعاء لقال لا ينصروا مجزومًا، فكأنّه قال والله لا ينصرون. وقيل: إنّ السّور التي أوّلها حم، سور لها شان، فنبّه أنّ ذكرها لشرف منزلتها ممّا يستظهر بها على استنزال النصر من الله، وقوله: لا ينصرون، كلام مستأنف كأنّه حين قال قولوا حم، قيل ماذا يكون إذا قلناها؟ فقال: لا ينصرون
[مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود 2/ 655]
قال البهوتي:
1 – باب ما يَلزم الإمامَ والجيشَ
يلزمُ كلَّ أحدٍ إخلاصُ النيةِ للَّه -تعالى- في الطاعات، وأن يَجْتَهدَ في ذلك.
وعلى الإمام عند المسيرِ: تعاهُدُ الرجالِ، والخيلِ، ومنعُ من لا يصلُحُ لحرب، ومُخَذِّلٍ، ومُرْجِفٍ، ومكاتِبٍ بأخبارنا ومعروفٍ بنفاق، أو زندقة، ورامٍ بيننا بفتنٍ، وصبيٍّ، ونساءٍ، إلا عجوزًا لسقيٍ، ونحوه.
وتحرُم استعانةٌ بكافر إلا لضرورةٍ، وبأهلِ الأهواء في شيءٍ من أمورِ المسلمين، وإعانتُهم إلا خوفًا.
ويسيرُ برفق إلا لأمر يحدث، ويُعِدُّ لهم الزادَ، ويحدثهم بأسباب النَّصر، ويُعرِّف عليهم العُرَفاء (1)، ويَعقِدُ لهم الألْوِيَةَ، وهي: العصابة تُعقد على قَناةٍ ونحوِها، والراياتِ وهي: أعلامٌ مربعةٌ ويجعلُ لكلِّ طائفةٍ شعارًا يتداعَون به عنده الحرب
ويتخيَّرُ المنازلَ، ويحفظ مكامِنَهَا، ويتعرَّف حال العدو، ويبعث العيون، ويمنعُ جيشَه من مُحَرَّمٍ، وتشاغلٍ بتجارة، ويَعِدُ الصابر بأجرٍ ونَفْلٍ، ويُشاوِرُ ذا رأي، ويَصُفُّهم ويجعل في كلِّ جنبة كُفئًا، ولا يميلُ معَ قريبه، وذي مذهبه …
ــــــــــــــــــــــ
الشرح:
باب ما يلزم الإمام والجيش
أيْ ما يلزمهما على سبيل الاختصاص أو الاشتراك بينهما، أو بين غيرهما، بدليل أول مسألة، فتأمل (1)!.
* قوله: (وعلى الإمام عند المسير) وفي دار الحرب.
وبخطه: لعل المراد عند إرادته، كذا قرره شيخنا، والأولى عند ابتدائه؛ لأنه أقوى في الاختيار وإفراز من لا يصلح.
* قوله: (تعاهد الرجال والخيل) يدل على أن في قوله: (من لا يصلح) تغليبًا للعقلاء على غيرهم.
* قوله: (ومخذل) مُفَنِّد مُزَهِّد في الحرب.
* قوله: (ومرجف)؛ أيْ: مُخَوِّف
* قوله: (وَصبي) ولو مميزًا.
* قوله: (ونحوه) كمعالجة (2) الجرحى والمرضى.
* قوله: (إلا لضرورة) ككونه حسن الرأي، لكن بشرط أن يكون مأمونًا.
* قوله: (إلا خوفًا) ظاهره ولو كان عدوهم في هذه الحالة مسلمًا، وهو مشكل، فلتحرر المسألة (3)!.
* قوله: (ويسير برفق) بحيث يقدر عليه الضعيف، ولا يشق في بطئه على القوي.
* قوله: (وهي أعلام مربعة) قال في المطلع (4): “قال صاحب المطالع (5)
وغيره (1): اللواء راية لا يحملها إلا صاحب جيش العرب، أو صاحب دعوة الجيش، والناس له تبع، وأما الرايات: فجمع راية، قال الجوهري (2) وغيره (3): الراية العلم، وقيل: الراية اللواء، فيكون على هذا مترادفًا”، انتهى، فتدبر كلام المص هل يمكن تطبيقه على هذا؟!.
* قوله: (شعارًا يتداعون به) كأمِتْ أمِتْ (4)، وكَهُم لا ينصرون (5)
* قوله: (يبعث العيون) جمع عين، وهو: الربيئة (1) (2)
(2) الربيئة: الطليعة الذي يرقب العدو من مكان عال لئلا يَدْهَم قومه. المعجم الوسيط (1/ 321) مادة (ربأ)
[حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات 2/ 471]
قال ابن النجار:
(ويجعل لكل طائفة) من الجيش (شعارا يتداعون به عند الحرب)؛ لئلا
يقع بعضهم على بعض. وهي علامة بينهم يعرفونها؛ لما روى سلمة قال: ” غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا أمت أمت “. رواه أحمد.
وقد ورد أيضا: ” حم لا ينصرون “.
ولأن الإنسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه، وربما يهتدي بها إذا ضل
[شرح المنتهى لابن النجار 4/ 368]
قال العباد:
أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (غزونا مع أبي بكر رضي الله عنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا أمت أمت) يعني: هذه كلمة اتفقوا عليها بحيث إن الواحد يذكرها ليعرف أنه من القوم، أي: حتى لو دخل فيهم أحد أو جاء وهو لا يعرف هذه العلامة فسئل عنها فلم يعرفها معناه أنه دخل فيهم وهو ليس منهم، وأما هم فقد تواطئوا واتفقوا على هذه العلامة وهي: أمت أمت.
وهذه الكلمة قيل: إن المقصود بها أنها دعاء، وهي أن الله تعالى يميت الكفار أو يميت العدو الذي يقاتلونه، ولكنها هي المقصود بها لفظة تواطئوا عليها، بحيث إذا كانوا في ظلام وكانوا في اختلاط فقد يدخل فيهم من ليس منهم، فإنه يعرف أنه منهم بذكره هذه العلامة، حتى لو جاء أحد أو كان واحداً منهم قد ذهب ليقضي حاجته أو ما إلى ذلك ثم جاء وظن أنه من العدو، فإذا ذكر هذه العلامة التي تواطئوا عليها عرف أنه منهم فلا يحلقه أذى منهم
[شرح سنن أبي داود للعباد 306/ 37 بترقيم الشاملة آليا]
ورد في بعض لجان الفتوى ما يلي:
حم لا ينصرون ليست دعاء على الأعداء
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
” حم لا ينصرون ” كانت شعار المسلمين في إحدى المعارك، وذكر بعض العلماء أن ذلك في الخندق، كما في ” جوامع السيرة ” لابن حزم (ص/189)،
(إِنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ)
رواه أبو داود (رقم/2599) وبوَّب عليه بقوله: باب في الرجل ينادي بالشعار. وقال ابن كثير: إسناده صحيح. ” تفسير القرآن العظيم ” (7/ 117)، وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (رقم/3097).
وليس في هذا الحديث دلالة على استحباب الدعاء بهاتين الكلمتين: ” حم لا ينصرون ” عند طلب النصر، يؤكد ذلك ما يلي:
1 – أن معنى الشعار هو العلامة المتعارفة في الحرب، يقول الشوكاني رحمه الله: “الغرض بالشعار – وهو العلامة في الحرب – بوب البيهقي في ” السنن الكبرى ” (6/ 361) على هذه الأحاديث بقوله: ” باب ما جاء في شعار القبائل ونداء كل قبيلة بشعارها ” انتهى.
2 – وقد ورد اتخاذ المسلمين شعارات أخرى في معارك أخرى
3 – وأما ما يرد في بعض كتب ” الأوراد ” من أدعية خاصة للنصر، وتذكر فيها هذه الجملة (حم، حَمِيَ الأمرُ، وجاء النصر، فعلينا لا ينصرون) فلم يصح في ذلك حديث ولا أثر، وما جاء عن الصحابي الجليل أبي دجانة رضي الله عنه في هذا الشأن فلم يثبت. يقول البيهقي رحمه الله: ” وقد روي في حرز أبي دجانة حديث طويل، وهو موضوع لا تحل روايته، والله تعالى أعلم بالصواب ” انتهى. ” دلائل النبوة ” (8/ 188)
قال الإمام النووي رحمه الله:
فيتحصل مما سبق أنه لا يشرع الدعاء بهاتين الكلمتين (حم لا ينصرون) لغرض استنزال النصر من الله عز وجل.
يقول الشوكاني رحمه الله:
” هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم، مع حصول الغرض بالشعار، وهو العلامة في الحرب … قوله: (أمت، أمت) أمر بالموت، وفيه التفاؤل بموت الخصم ” انتهى.
” نيل الأوطار ” (8/ 50)
قال النووي رحمه الله:
” وفي الحديث شعاركم حم لا ينصرون قال الأزهري سئل أبو العباس عن قوله حم لا ينصرون فقال معناه والله لا ينصرون الكلام خبر ليس بدعاء ”
تهذيب الأسماء واللغات النووي مد/3 دار الفكر – (3/ 68) اهـ
10 – تخريج بعض الأحاديث من البدر المنير:
قَالَ: «وَيجْعَل لكل طَائِفَة شعارًا حَتَّى لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا بياتًا».
هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» و «صَحِيح الْحَاكِم» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله لا: «إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ الْعَدو غَدا، فَلْيَكُن شِعَاركُمْ حم لَا ينْصرُونَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث الْمُهلب بن أبي صفرَة، عَمَّن سمع النَّبِي لا مثله، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَالرجل الَّذِي لم يسمعهُ الْمُهلب هُوَ الْبَراء بن عَازِب، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظه – حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي لا قَالَ: قَالَ رَسُول الله لا لَيْلَة الخَنْدَق «[إِنِّي] لَا أرَى الْقَوْم إِلَّا يبيتوكم اللَّيْلَة فَإِن شِعَاركُمْ [حم] لَا ينْصرُونَ» وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله»: سكت عبد الْحق عَنهُ وَهُوَ عَمَّن لم يسم.
قلت: لَا يضرّهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَابِيّ فَلَا يضر جهالته، وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه قَالَت: «جعل رَسُول الله لا
شعار الْمُهَاجِرين يَوْم بدر عبد الرَّحْمَن [والأوس بني عبد الله] والخزرج عبيد الله» ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: لَا فَفِيهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة وهما ضعيفان، وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما «أَن رَسُول الله لا جعل شعار الأزد يَا مبرور يَا مبرور». ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِيه نظر أَيْضا؛ لِأَن فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة الرقي، قَالَ الْأَزْدِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث، وَأما ابْن حبَان فوثقه. وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث عَلّي رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ سيمانا يَوْم بدر الصُّوف الْأَبْيَض» وَفِيه وَأبي دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، قَالَ: «أمَّر علينا رَسُول الله لا أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه لَيْلَة بيتنا هوَازن فَكَانَ من شعارنا أمت أمت».
البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير (9) / (67) — ابن الملقن
[تنبيه]: انظر: التعليق على الصحيح المسند ((1525))، على لفظ: (إن بيتم، فليكن شعاركم: حم لا ينصرون). فيه ما لم يذكر هنا.