[1ج/ رقم (442)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي.
و أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي وسلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (442)]:
قال الحاكم رحمه الله (ج (3) ص (130)): أخبرني أحمد بن عثمان بن يحيى المقرئ ببغداد، ثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي، ثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري، ثنا عوف عن ((1)) أبي عثمان النهدي، قال: قال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني».
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
كذا قال، وأبو زيد الأنصاري لم يخرجا له، فالحديث صحيحٌ.
((1)) وقع في الأصل: عوف بن أبي عثمان. والصواب ما أثبتناه، كما في «التلخيص».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت (405)) في مستدركه، ((4648)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(16) – كتاب الفضائل، (11) – فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ((2464)).
والثاني: شرح وبيان الحديث
“لآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فضائلُ كثيرةٌ، وتجِبُ لهم حقوقٌ على مَن عَداهُم، وقد أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحبِّهم ونَهى عن بُغضِهم”.
قوله صلى الله عله وسلم: ((من أحب عليا)) بنِ أبي طالِبٍ رضي الله عنه، ((فقد أحبني))، أي: إنَّ مِن عَلاماتِ حُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُحِبَّ المُسلِمُ عليّ بن أبي طالِب رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم: عن علي رضي الله عنه، («وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأميِّ صلى الله عليه وسلم إِليَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ). أي: خالص الإيمان من النفاق.
والمراد بحبه الحبّ اللائق به، لا على وجه الإفراط، فإن الخروج عن الحدّ غير مطلوب، وليس من علامات الإيمان، بل قد يؤدّي إلى الكفر والطغيان، فإن قومًا قد خَرَجُوا عن الإيمان بالإفراط في حبّ عيسى عليه السلام. قاله السنديّ [«شرح السنديّ» (1) / (81)].
وقال القاري: المعنى: لا يُحبّني حبًّا مشروعًا مُطابقًا للواقع من غير زيادة ونقصان؛ ليخرُج النصيريّ والخارجيّ. انتهى [«المرقاة» (10) / (457)].
و «النصيريّ» بالتصغير نسبة إلى نُصير اسم رجل، والنصيريّة طائفة من غلاة الشيعة، ينتسبون إلى رجل اسمه نُصير، وكان من جماعة قريبًا من سبعة عشر نفسًا، كانوا يزعمون أن عليًّا هو الله، وهؤلاء شرّ الشيعة، وكان ذلك في زمن عليّ، فحذّرهم، وقال: إن لم ترجعوا عن هذا القول، وتجدّدوا إسلامكم، وإلا عاقبتكم عقوبة ما سمعوا مثلها في الإسلام، ثم أمر بأخدود، وحفر في رحبة جامع الكوفة، فأشعل فيه النار، وأمرهم بالرجوع فما رجعوا، فأمر غلامه قنبر حتى ألقاهم في النار، فهرب واحد من الجماعة، اسمه نُصير، واشتهر هذا الكفر منه، وأن عليًّا لما ألقاهم في النار التفت واحد، وقال: الآن تحقّقت أنه هو الله؛ لأنه بلغنا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يعذّب بالنار إلا ربها». [انتهى. «الأنساب» (5) / (498) – (500)]. [البحر المحيط الثجاج].
وقوله صلى الله عله وسلم: ((ومن أبغض عليا فقد أبغضني)) أي: وكذلك فإنَّ مِن علاماتِ بُغْضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بُغْضَ عليّ بن أبي طالِب رضي الله عنه، وكفى شقاوةً ببُغْضِ مَن لا يَتِمُّ إيمانُه إلَّا بحُبِّه، وقد أوصى النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحُبِّ آلِ بيتِه، فقال- كما في صحيحِ مُسلِمٍ-: (أُذكِّركُم اللهَ في أهل بَيتي)، وأخرج أحمدُ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أذهبَ الله سُبحانَه الرِّجسَ عن أهلِ البيتِ وطهَّرهم تَطهيرًا؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
وهذا الحُبُّ الَّذي أَوْصى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الحُبُّ الَّذي ليس فيه مُغالاةٌ، ولا رفْعُ أحدٍ مِن آل البيتِ على مَرتبةِ البَشَرِ، ولا حُبٌّ يَكْرَهُ به غيرَه مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما يفعَلُ الشِّيعةُ مِن مُغالاتِهم في حُبِّ الحسنِ والحُسينِ؛ فقد أخرَج أحمدُ عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا تَطْرُوني كما أَطْرَتِ النَّصارى عيسى ابنَ مريمَ؛ فإنَّما أنا عبْدُ اللهِ ورسولُه»، وفي الصَّحيحَينِ عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا تَسُبُّوا أصحابي، فو الَّذي نفْسِي بيَدِهِ، لو أنَّ أحدَكم أنفَقَ مثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدْرَكَ مُدَّ أحدِهم، ولا نَصِيفَه». [الدرر].
قال الصنعاني (ت (1182)) رحمه الله تعالى: فالواجب حبهما معا؛ حتى يتم الإيمان، لكن القاصرون جهلوا معنى محبة علي، فظنوا أنها لا تتم إلا ببغض أصحابه – صلى الله عليه وسلم -، ففرطوا من جهة أخرى جهلاً، وزاد شر الجاهلين حتى سبوا الصحابة كما يفعله الأعاجم، وقابلهم آخرون فسبوا عليًّا كالخوارج، فصدق أنه يهلك فيه محب غال ومبغض. [التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 39)].
وفي صحيح مسلم: («وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ»). أي: إلا من ليس مؤمنًا باطنًا، وإن تظاهر بمظهر الإسلام.
والمراد بالبغض هو البغض لأجل مزاياه الدينيّة، وأما البغض الناشئ بسبب أمر دنيويّ يفضي إليه بالطبع، كما يجري في التعامل، فليس نفاقًا أصلًا، وقد سبّ العبّاس عليًّا رضي الله عهما بسبب ما جرى بينهما من التعامل في مجلس عمر صلى الله عليه وسلم أشدّ سبّ [ولفظه عند مسلم ((1757)): فقال عبّاس: «يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن … » الحديث]، وهو مشهور في «الصحيحين» وغيرهما، فلم ينقص ذلك من إيمانه رضي الله عنه [راجع: «شرح السنديّ» (1) / (81)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: من أحبّ عليًّا رضي الله عنه لسابقته في الإسلام، وقِدَمه في الإيمان، وغَنَائه فيه، وذَوْده عنه، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولمكانته من النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقرابته، ومصاهرته، وعلمه، وفضائله، كان ذلك منه دليلًا قاطعًا على صحّة إيمانه ويقينه، ومحبّته للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، ومن أبغضه لشيء من ذلك كان على العكس. انتهى [«المفهم» (1) / (264) «كتاب الإيمان»]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان وعليه التكلان. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
قال السهروردي: اقتضى هذا الخبر وما أشبهه من الأخبار الكثيرة في الحث على حب أهل البيت، والتحذير من بغضهم، وتحريم بغضهم، ووجوب حبهم.
وفي توثيق عرى الإيمان: أن خواص العلماء يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الإيمان حلاوة، ومحبة خاصة لنبيهم، وتقديما له في قلوبهم حتى يجد إيثاره على أنفسهم وأهليهم.
(ك) في فضائل الصحابة (عن صلى الله عليه وسلم (33) صلى الله عليه وسلم سلمان) الفارسي قيل له: ما أشد حبك لعلي، .. فذكره.
قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه أحمد باللفظ المزبور عن أم سلمة وسنده حسن. [فيض القدير، عبد الرؤوف المناوي (ت (1031))، (6، 32 – رقم الحديث: (8319))].
والثالث: المسائل والأحكام:
(أولاً تمهيد: الصحابة ومكانتهم رضي الله عنهم):
(المسألة الأولى):
الصحابي هو: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ، مؤمنًا به، ومات على ذلك.
(المسألة الثانية):
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أصحاب الأنبياء عليه الصلاة والسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني» [البخاري: كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم «(3651)». ومسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم … «(2533)» «(212)»، وغيرها من المواضع]، الحديث رواه البخاري وغيره.
وأفضل الصحابة: المهاجرون؛ لجمعهم بين الهجرة، والنصرة، ثم الأنصار.
وأفضل المهاجرين: الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
وأفضل هؤلاء الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهم: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان». رواه البخاري، ولأبي داود: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حَيُّ: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبوبكر ثم عمر ثم عثمان، زاد الطبراني في رواية: «فيسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره»، هذا ولم أجد اللفظ ذكره المؤلف بزيادة علي بن أبي طالب [إسناده صحيح: أبو داود «(4628)» والترمذي «(3707)» وابن أبي عاصم في السنة «(1190)» وإسناده صحيح كمال قال الألباني في تخريج السنة «(567) / (2)».
وأما الزيادة التي ذكرها الشيخ العثيمين عند الطبراني وهي: «فيسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره» فهي زيادة صحيحة ثابتة من طرق كثيرة عند ابن أبي عاصم في السنة «(1194)، (1195)، (1196)، (1197)» وأحمد «(14) / (2)» وغيرهم بأسانيد صحيحة وراجع تخريج السنة لابن أبي عاصم «(568) / (2)، (569)» وكذا فتح الباري «(16) / (7)، (17)»].
وأحقهم بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم : أبو بكر رضي الله عنه؛ لأنه أفضلهم وأسبقهم إلى الإسلام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه في الصلاة، ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تقديمه ومبايعته، ولا يجمعهم الله على ضلالة، ثم عمر رضي الله عنه؛ لأنه أفضل الصحابة بعد أبي بكر، ولأن أبا بكر عهد بالخلافة إليه، ثم عثمان، رضي الله عنه؛ لفضله وتقديم أهل الشورى له وهم المذكورون في هذا البيت:
علي وعثمان وسعد وطلحة … زبير وذو عوف رجال المشورة
ثم علي: رضي الله عنه؛ لفضله وإجماع أهل عصره عليه.
وهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ». [تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين، (140 – 143)].
(المسألة الثالثة):
قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة». رواه أحمد وأبو داود والترمذي، قال الألباني: وإسناده حسن، فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه، هكذا قال المؤلف –أي: ابن قدامة في لمعة الاعتقاد – وكأنه جعل خلافة الحسن تابعة لأبيه، أو لم يعتبرها حيث إنه رضي الله عنه تنازل عنها.
فخلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال، من (13) ربيع الأول سنة (11) هـ إلى (22) جمادى الآخرة سنة (13) هـ.
وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام، من (23) جمادى الآخرة سنة (13) هـ إلى (26) ذي الحجة سنة (23) هـ.
وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتا عشرة سنة إلا اثني عشر يومًا، من (1) محرم سنة (24) هـ إلى (18) ذي الحجة سنة (35) هـ.
وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنوات وتسعة أشهر من (19) ذي الحجة سنة (35) هـ إلى (19) رمضان سنة (40) هـ.
فجموع خلافة هؤلاء الأربعة: تسع وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة أيام.
ثم بويع الحسن بن علي رضي الله عنه يوم مات أبوه علي رضي الله عنه، وفي ربيع الأول سنة (41) هـ سلم الأمر إلى معاوية، وبذلك ظهرت آية النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» وقوله في الحسن: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين». رواه البخاري.
فالحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وهو أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولد في (15) رمضان سنة (3) هـ ومات في المدينة ودفن في البقيع في ربيع الأول (50) هـ.
والحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ولد في شعبان سنة (4) هـ، وَقُتِل في كربلاء في (10) محرم سنة (61) هـ. [تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين، (143)].
(المسألة الرابعة): ونشهد للعشرة بالجنة، وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد:
[(80)] “ونشهد للعشرة بالجنة، كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة».
[(81)] وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بها، كقوله: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وقوله لثابت بن قيس: «إنه من أهل الجنة».
[(82)] ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم لكنا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء”. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معلقا:
الشهادة بالجنة أو بالنار ليس للعقل فيها مدخل فهي موقوفة على الشرع، فمن شهد له الشارع بذلك شهدنا له، ومن لا فلا، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
وتنقسم الشهادة بالجنة أو بالنار إلى قسمين عامة وخاصة:
فالعامة: هي المعلّقة بالوصف مثل أن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة أو لكل كافر بأنه في النار أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع سببًا لدخول الجنة أو النار.
والخاصة: هي المعلقة بشخص: مثل أن نشهد لشخص معين بأنه في الجنة أو لشخص معين بأنه في النار، فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله.
المعينون من أهل الجنة
المعينون من أهل الجنة كثيرون ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، وخُصُّوا بهذا الوصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في حديث واحد فقال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة» رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد سبق الكلام على الخلفاء الأربعة وأما الباقون فجمعوا في هذا البيت:
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة
وعامر فهر والزبير المُمَدَّح
وممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، الحسن والحسين وثابت بن قيس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح [وقال الألباني في الصحيحة «(796)»: وهو كما قال. أ. هـ، وأورد له طرقًا كثيرة عن جمع من الصحابة، ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب، بل متواتر كما نقله المناوي أ. هـ].
وقال صلى الله عليه وسلم في ثابت بن قيس: «إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة» رواه البخاري (137).
المُعيَّنون من أهل النار في الكتاب والسنة
من المعينين بالقرآن: أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته أم جميل أَرْوى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان لقوله تعالى:
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: (1)] إلى آخر السورة.
ومن المعينين بالسنَّة: أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» رواه البخاري.
ومنهم عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم : «رأيته يجر أمعاءه في النار» رواه البخاري وغيره. [تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين، (144 – 148)].
(المسألة الخامسة): حقوق الصحابة رضي الله عنهم
قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد:
[(86)] “ومن السنة تَوَلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والتَّرحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: (10)].
وقال تعالى:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: (29)] “. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين معلقا:
“للصحابة رضي الله عنهم فضل عظيم على هذه الأمة حيث قاموا بنصرة الله ورسوله والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وحفظ دين الله بحفظ كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علما وعملا وتعليما حتى بَلَّغُوه الأمة نقيا طريا.
وقد أثنى الله عليهم في كتابه أعظم ثناء حيث يقول في سورة الفتح:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: (29)] إلى آخر السورة.
وحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى كرامتهم؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» متفق عليه.
* فحقوقهم على الأمة من أعظم الحُقُوق فلهم على الأمة:
(1) – محبتهم بالقلب، والثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف والإحسان.
(2) – الترحم عليهم، والاستغفار؛ لهم تحقيقًا لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: (10)].
(3) – الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم؛ فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل، وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أصحابي» الحديث”. انتهى.
(المسألة السادسة): حكم سب الصحابة رضي الله عنهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» “.
وقد تقدم في الشرح الحديث الإشارة إلى هذه المسألة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
“سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول: بأنه لا يكفر، يجب أن يجلد، ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل، فلا يكفر، ولكن يُعَزَّر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول ونقل عن أحمد في ص: (573)، قوله: “لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فَمَنْ فعل ذلك أُدِّبَ، فإن تاب، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع”. [تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين، (152)].
فصل:
حكم “سب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن:
يقول الإمام إسماعيل الصابوني رحمه الله، ضمن ذكره لعقيدة أهل السنة والجماعة: «وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين». [عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص (93)].
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير، قوله الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ((23)) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ((24))} [النور: (23) – (24)].
«هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، خرج مخرج الغالب، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا، ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن». [تفسير ابن كثير (3) / (276)، وذكر الإجماع كذلك في البداية والنهاية (8) / (95)].
* حكم سب عائشة رضي الله عنه -:
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: “فأما من سبَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال القاضي أبو يعلي: من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكي الإجماع على هذا غير واحد. وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم، فرُوي عن مالك: من سب أبا بكر جُلد، ومن سب عائشة قُتل. قيل له: لِمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}». [الصارم المسلول ص (565)، (566)، وانظر الشفا ص (1109) والمحلي (11) / (414)، (415)].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «ومن يقذف الطيبة الطاهرة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، كما صح ذلك عنه، فهو من ضرب عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين ولسان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: يا معشر المسلمين من يعذرني فيمن آذاني في أهلي {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ((57)) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. [الأحزاب: (57) – (58)]، فأين أنصار دينه، ليقولوا: نحن نعذرك يا رسول الله». [رسالة في الرد علي الرافضة (25)، (26). ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (ملحق المصنفات)].
كما أن الطعن بها رضي الله عنها فيه تنقيص برسول الله صلى الله عليه وسلم من جانب آخر، حيث قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ … } والآيات [النور: (26)].
• حكم قذف بقية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن:
القول في قذف سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كالقول في سب عائشة رضي الله عنها.
قال القاضي عياض: “ومن سب غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففيها قولان:
أحدهما: يقتل؛ لأنه سبّ النبي صلى الله عليه وسلم بسبِّ حليلته.
والآخر: أنها كسائر الصحابة؛ يُجلد حدّ المفتري؛ قال [في الحاشية: “يبدو أن النقل من القاضي عياض عن كتاب ابن شعبان؛ لأنه صدَّر به الكلام”. انتهى]: وبالأول أقول». [الشفا بتعريف حقوق المصطفي ص (1113)].
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «وأما من سبّ غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان:
أحدهما: أنه كسابِّ غيرهن من الصحابة سيأتي.
والثاني: وهو الأصح أنه من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة، وقد تقدم معنى ذلك عن ابن عباس، وذلك؛ لأن هذا فيه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده، وقد تقدم التنبيه علي ذلك فيما مضي عند الكلام علي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية، والأمر فيه ظاهر». [الصارم المسلول ص (567)].
وقال أحمد بن حجر الهيتمي المكي: «وأما الوقيعة في عائشة رضي الله عنها، فموجب للقتل.
إما لأن القرآن شهد ببراءتها فقذفها تكذيبٌ له وتكذيبُه كفرٌ، وإما لكونها فراشًا له صلى الله عليه وسلم ، والوقيعة فيها تنقيصٌ له، وتنقيصُه كفرٌ، وينبني وعلى ذلك حكم الوقيعة في بقية أمهات المؤمنين، فعلى الأول لا يكون كفرًا، وعلى الثاني يكون كفرًا، وهو الأرجح عند بعض المالكية، وإنما لم يقتل صلى الله عليه وسلم قذفة عائشة لأن قذفهم كان قبل نزول القرآن فلم يتضمن تكذيب القرآن، ولأن ذلك نزول بعد نزول الآية، فلم ينعطف حكمه على ما قبلها». [الصواعق المحرقة ص (387)].
[تفسير ابن جرير (18) / (83)، تفسير القرطبي (12) / (136)، الصارم المسلول علي شاتم الرسول لابن تيمية. المحلى (11) / (415). الصواعق المحرقة ص (387) الدرر السنية (1) / (32). اعتقاد أهل السنة في الصحابة ص (64)، (65). منهج الإمام مالك في العقيدة ص (438). بواسطة معجم التوحيد: (3/ 321 – 323)].
وقال ابن الملقن (ت (804)) رحمه الله: ومن سب أحدًا من الصحابة جلد، وإن سب عائشة رضي الله عنها قتل، كما ذكره في «الزاهي» عن مالك قال: لقوله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} [النور: (17)] فمن عاد لمثله كفر، ومن كفر قتل،
(قال): وفي سب أمهات المؤمنين غير عائشة رضي الله عنهن قولان: أحدهما: يقتل؛ لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم بسبه الحليلة.
والثاني: أنها كالصحابي يحد حد المفتري.
قال: ومن قال لواحد منهم هو ابن زانية وأمه مسلمة حُد عند بعض أصحابنا حدين، حدًّا له بسبه أمه، وحدًّا لها لإيمانها.
وقيل: من سب عائشة رضي الله عنها بما في القرآن براءتها منه فهو كفر، وإن سبها بخلافه فلا”. انتهى.
(ثانيا: فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه):
(المسألة الأولى):
وعلي: وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب.
أول من أسلم من الغلمان، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر ففتح الله على يديه، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان رضي الله عنه فكان هو الخليفة شرعًا إلى أن قتل شهيدًا في رمضان سنة (40) هـ عن (63) سنة. [تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين، (141)].
(المسألة الثانية):
قال الشيخ محمد ضياء الرحمن الأعظمي (ت (1441)) رحمه الله تعالى: باب: ما رُوي في حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ: «أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق».
رواه مسلم في الإيمان ((78)) من طرق عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حُبيش قال: قال علي: فذكره. وظاهر إسناده صحيح.
ولذا أخرجه الإمام مسلم، ولكنه أُعِلَّ بتفرد عدي بن ثابت؛ لأنه كان غاليا في التشيع، والصحيح في هذا ما رواه الشيخان: البخاري ((3783))، ومسلم ((75)) عن البراء بن عازب مرفوعا: «الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».
وهو مخرج في موضعه؛ لأن بغض المنافقين كان لجميع الصحابة، وخُصَّ بالأنصار؛ لأنهم من أهل بلدهم، وسارعوا إلى نصرة الإسلام، وتركوا رئيسهم عبد الله بن أبي ابن سلول الذي كان يحلم أن يكون ملكا على أهل المدينة.
وكذلك لا يصحّ ما روي عن أم سلمة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن».
رواه الترمذي ((3717))، وأحمد ((26507))، وأبو يعلى ((6904)) كلهم من طريق محمد بن فضيل، عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نضر، عن المساور الحميري، عن أمه قالت: دخلت على أم سلمة فسمعتها تقول: فذكرته.
وإسناده ضعيف لجهالة المساور وأمه فإنهما مجهولان. وبه أعله الذهبي، وحكم بأنه خبر منكر، إلا أن الترمذي قال: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه».
ورواه الطبراني في الكبير ((23) / (380)) عن يحيى بن عبد الباقي الأذني، ثنا محمد بن عوف الحمصي، ثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك، ثنا الحكم بن محمد -شيخ مكي-، عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة تقول: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله».
وأبو جابر محمد بن عبد الملك هو الأزدي، قال أبو حاتم: ليس بقوي، وذكره ابن حبان في الثقات. والحكم بن محمد المكي لم أقف على ترجمته.
وأما الهيثمي فقد حسَّن إسناده في المجمع ((9) / (132)).
وروي عن جميع بن عمير التيمي، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواما قواما.
رواه الترمذي ((3874))، وأبو يعلى ((4857))، والطبراني في الكبير ((22) / (404))، وصحّحه الحاكم ((3) / (154)) كلهم من طرق عن جميع بن عمير قال: فذكره.
قال الترمذي: «حسن غريب».
وقال الحاكم: «صحيح الإسناد».
قلت: جميع بن عمير التيمي أبو الأسود الكوفي، قال البخاري: فيه نظر، قال ابن حبان: كان رافضيا يضع الحديث، وبه أعله الذهبي في تلخيص المستدرك، فقال: «جُميع متهم، ولم تقل عائشة هذا أصلا». [الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل للشيخ محمد ضياء الرحمن الأعظمي (ت (1441)) رحمه الله تعالى، (9/ 72 – 74)].
وانظر جملة من الأحاديث في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين للوادعي رحمه الله في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي الجامع الكامل في الحديث للأعظمي رحمه الله: جموع ما جاء في فضائل علي بن أبي طالب وأخباره، (9/ 63 – 86)، والأحاديث الواردة في فضائل الصحابة للشيخ سعود بن عيد الصاعدي (ت (1439)) رحمه الله: القسم الرابع: ما ورد في فضائل علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (أبي الحسنين) رضي الله عنه -، (6/ 145 – 515 نهاية المجلد) – (7/ 5 – 86)].
(المسألة الثالثة):
قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري (ت (1413)) في غربة الإسلام (1/ 351 – 353) في “الفرق بين حب علي رضي الله عنه والغلو فيه والإطراء له”، من “أقسام المنتسبين إلى الإسلام وأصنافهم: الصنف الثامن من أدعياء الإسلام: المنافقون (ويسمون الزنادقة) “:
” ومن علامات المنافقين أيضا بغض علي رضي الله عنه؛ لما في صحيح مسلم عنه رضي الله عنه، أنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة؛ إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
ورواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفي المسند عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: «لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق».
وفي المسند أيضا، ومستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله».
وفي المستدرك للحاكم أيضا عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.
إذا علم هذا فليس المراد بحب علي رضي الله عنه، ما يفعله الروافض من الإطراء والغلو فيه، والإفراط في حبه، حتى آل بهم ذلك إلى أن اتخذوه إلها من دون الله، وإنما المراد ما عليه أهل السنة والجماعة من الاقتصاد في حبه؛ لما روى عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائد المسند»، وفي كتاب «السنة»، والحاكم في مستدركه عن علي رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به»، ثم قال: يهلك فيّ رجلان: محب مفرط يقرظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني.
وفي كتاب «السنة» أيضا عن علي رضي الله عنه، قال: مثلي في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم، أحبته طائفة فأفرطت في حبه فهلكت، وأبغضته طائفة فأفرطت في بغضه فهلكت، وأحبته طائفة فاقتصدت في حبه فنجت.
وإذا كان حب علي رضي الله عنه آية على الإيمان، وبغضه آية على النفاق، فحب من هو خير منه كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أولى أن يكون آية على الإيمان، وبغضهم آية على النفاق؛ لما روى البخاري، وأبو داود، والترمذي، وعبد الله ابن الإمام أحمد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم. هذا لفظ البخاري”. انتهى المراد.
(المسألة الرابعة): سبب المحبة وهذه المرتبة لعلي رضي الله عنه
قال القرطبيّ رحمه الله: من أحبّ عليًّا رضي الله عنه لسابقته في الإسلام، وقِدَمه في الإيمان، وغَنَائه فيه، وذَوْده عنه، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولمكانته من النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقرابته، ومصاهرته، وعلمه، وفضائله، كان ذلك منه دليلًا قاطعًا على صحّة إيمانه ويقينه، ومحبّته للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، ومن أبغضه لشيء من ذلك كان على العكس. انتهى [«المفهم» (1) / (264) «كتاب الإيمان»]. سبق هذا النقل.
وقال النووي (ت (676)) رحمه الله:
“لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ)، قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْآيَةَ هِيَ الْعَلَامَةُ.
وَمَعْنَى هَذَهِ الْأَحَادِيثِ: أَنَّ مَنْ عَرَفَ مَرْتَبَةَ الْأَنْصَارِ، وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّعْيِ فِي إِظْهَارِهِ، وَإِيوَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيَامِهِمْ فِي مُهِمَّاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ حَقَّ الْقِيَامِ، وَحُبِّهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، وَحُبِّهِ إِيَّاهُمْ، وَبَذْلِهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقِتَالِهِمْ وَمُعَادَاتِهِمْ سَائِرَ النَّاسِ إِيثَارًا لِلْإِسْلَامِ،
وَعَرَفَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قُرْبَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَحُبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَسَوَابِقِهِ فِيهِ،
ثُمَّ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ وَعَلِيًّا لِهَذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ، وَصِدْقِهِ فِي إِسْلَامِهِ؛ لِسُرُورِهِ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تعالى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نِفَاقِهِ وَفَسَادِ سَرِيرَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. انتهى. [شرح النووي على مسلم، ((2) / (64))].
(المسألة الخامسة):
سئل العراقي – رضي الله عنه – من أحب علياً أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان هل يكون بذلك آثماً أم لا؟
أجاب: بأن المحبة قد تكون لأمر ديني،، وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقد الإنسان أن أبا بكر أفضل ثم أحب علياً من جهة الدين أكثر، كان هذا تناقضاً وهو آثم بهذه المحبة، وأما المحبة الدنيوية فليست لازمة فإذا أحب علياً أكثر من أبي بكر لأمر دنيوي تكون من أقاربه وغير ذلك فلا تناقض في ذلك، وليس بآثم بهذه المحبة، إذ من اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر لكنه أحب علياً أكثر من أبي بكر فإنه كانت المحبة المذكورة محبة دينية فهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسان وأما بقلبه فهو مفضل لعلي لكونه أحب محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر وهذا لا يجوز، وإن كانت المحبة المذكورة محبة دنيوية ككونه من ذرية علي – رضي الله عنه – أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع من ذلك، والله اعلم. [شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (2/ 169)].
تنبيه1: قد سبق ذكر ما يتعلق بهذا في المسائل السابقة وفي التعليق على الحديث.
تنبيه2: سبق ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صحيح مسلم وغيره.
والرابع: خلاصة فقه وفوائد الباب:
1 – (منها): “بيانُ مَنقبةٍ وفضْلٍ عليّ بن أبي طالِب رضي الله عنه، وأنَّ حُبَّه مِن حُبِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم”.
2 – (ومنها): “بيان علامة الإيمان، وهو أن الإنسان إذا أحبّ عليًّا رضي الله عنه دلّ ذلك على أنه مؤمن بشهادة النبيّ صلى الله عليه وسلم له بذلك في هذا الحديث.
3 – (ومنها): أن بغض عليّ رضي الله عنه علامة من علامات النفاق، أعاذنا الله تعالى منه.
4 – (ومنها): أن فيه منقبة عظيمة لعليّ رضي الله عنه، حيث كان حبّه من الإيمان، وبغضه من النفاق، ومناقبه رضي الله عنه جمّة، قد كتب العلماء فيها كتُبًا كثيرة، ومنها «خصائص عليّ رضي الله عنه» للإمام النسائيّ رحمه الله تعالى.
5 – (ومنها): فضل السبق إلى الإسلام، وفضل بذل المال والنفس في نشره والذّبّ عنه، فإن عليًّا رضي الله عنه وغيره من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم ما نالوا الفضائل العظيمة، والمناقب الجسيمة إلا بسبب مسارعتهم إلى الإسلام، وإبلائهم فيه بلاءً حسنًا، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: (21)]. اللهم اهدنا كما هديتهم، وارزقنا اتّباع آثارهم، واحشرنا في زمرتهم، إنك أنت السميع العليم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
6 – (ومنها): بيان أن حبّ الصحابة رضي الله عنهم جميعًا عنوان لحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن بغضهم عنوان لبغضه صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «فبحبي أحبهم، وببغضي أبغضهم».
7 – (ومنها): هذا المعنى يرجع إلى ما تقدّم من أن من أحبّ المرء لا يحبّه إلا لله من علامات الإيمان، وأن الحبّ في الله من أوثق عُرى الإيمان، وأنه أفضل الإيمان ….
فمحبّة أولياء الله تعالى وأحبابه عمومًا من الإيمان، وهي من أعلى مراتبه، وبغضهم محرّم، فهو من خصال النفاق؛ لأنه مما لا يُتَظاهر به غالبًا، ومن تظاهر به فقد تظاهر بنفاقه، فهو شرّ ممن كتمه وأخفاه، ومن كان له مزيّة في الدين لصحبته النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو لقرابته، أو نصرته، فله مزيد خصوصيّة في محبّته وبغضه، ومن كان من أهل السوابق في الإسلام كالمهاجرين الأولين، فهو أعظم حقًّا مثل عليّ رضي الله عنه، وقد رُوي أن المنافقين إنما كانوا يُعرفون ببغض عليّ رضي الله عنه، ومن هو أفضل من عليّ، كأبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما، فهو أولى بذلك، ولذلك قيل: إن حبهما من فرائض الدين، وقيل: إنه يرجى على حبّهما ما يُرجى على التوحيد من الأجر. انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى [«فتح الباري شرح صحيح البخاري» للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى (1) / (64) – (66)].
8 – (ومنها): أن الجزاء من جنس العمل، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لَمّا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم جازاه الله تعالى بأن جعل حبه علامة الإيمان وبغضهم علامة النفاق. [البحر المحيط الثجاج (2/ 544)، وغيره من أبواب متفرقة، وبتصرف].
9 – (ومنها): “أن الرجل يصدع بالحق وإن كان فيه ثناء على نفسه من غير جبن عن ذلك، ولاسيما إذا وقع الجهل من أهل الشك، كما ذكر عثمان رضي الله عنه عن نفسه من فضله لما أرتاب الجاهلون بفضله”. [الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 284)].
10 – رسالة في فضل الخلفاء الراشدين (1) / (35) — ابن تيمية وكذلك قوله: «لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله» هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي، أخرجاه في الصحيحين. وقد زاد فيه بعض الكذابين أن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا. وفي الصحيح أنه لما قال ?: «لأعطين الراية رجلا» قال عمر: «ما أحببت الإمارة إلا يومئذ» واستشرف لها عمر وغيره. ولو جاء منهزما لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي رضي الله عنه، تبًّا لهم فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة، وإمامهم أبو بكر.
11 – وقد استدل بهذا الحديث الرَّوافض، والإمامية، وسائر فرق الشيعة: على أن النبي ? استخلف عليًّا على جميع الأمة. فأمَّا الرَّوافض فقد كفَّروا الصَّحابة كلهم، لأنَّهم عندهم تركوا العمل بالحق الذي هو النَّصُّ على استخلاف علي رضي الله عنه واستخلفوا غيره بالاجتهاد. ومنهم من كفَّر عليًّا رضي الله عنه لأنه لم يطلب حقَّه. وهؤلاء لا يشك في كفرهم، لأنَّ من كفر الأمَّة كلها والصَّدر الأول، فقد أبطل نقل الشريعة، وهدم الإسلام. وأما غيرهم من الفرق فلم يرتكب أحدٌ منهم هذه المقالة الشنعاء القبيحة القصعاء، ومن ارتكبها منهم ألحقناه بمن تقدَّم في التكفير. وعلى الجملة فلا حجَّة لأحدٍ منهم في هذا الحديث، فإنَّ النبي ? إنما استنابه في أمر خاص وفي وقت خاص، كما استناب موسى هارون عليهم الصلاة والسلام في وقت خاص، وهذا كما استخلف رسول الله ? على المدينة ابن أم مكتوم وغيره، ولا يلزم من ذلك استخلافه دائمًا بالاتفاق.
وراجع في معنى هذا الكلام
الإفصاح عن معاني الصحاح (1) / (284) — ابن هبيرة
وراجع أيضا أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (3) / (1637). وراجع إكمال المعلم بفوائد مسلم (7) / (412)
وراجع أيضا المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6) / (273)
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.