[1ج/ رقم (433)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي وسلطان الحمادي وعدنان البلوشي ومحمد سيفي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (433)]:
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (2) ص (1246)): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: يَقُولُ اللهُ عزوجل: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَأَنَا أَكْبَرُ. وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا شَرِيكَ لِي. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِي الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي».
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ الْأَغَرُّ شَيْئًا لَمْ أَفْهَمْهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ((1)): مَا قَالَ؟ فَقَالَ: «مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ».
الحديث أخرجه أبو يَعْلَى (ج (11) ص (14)) فقال رحمه الله: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا حسين بن علي … به.
((1)): أبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر.
===================
الحديث مكرر في الصحيح المسند (1434)
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ أبو عبد الله ابن ماجه رحمه الله في السنن، (33) – كتاب الأدب، ((54)) باب: فضل لاإله إلا الله، ((3794)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(2) – كتاب الإيمان، (32) – الإيمان بالقدر، ((398)).
(9) – كتاب الدعوات والأذكار، (79) – كلمات إذا قالهن في مرض موت ثم مات دخل الجنة، ((1643)، (1644)).
وذكر تحته رواية ملحقة:
* وقال أبو يعلى رحمه الله (ج (11) ص (26)): حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الأغر قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يصدق العبد في خمس يقولهن: إذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له قال: صدق عبدي وإذا قال: لا إله إلا الله والله أكبر قال: صدق عبدي وإذا قال: لا إله إلا الله والحمد لله قال: صدق عبدي وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال: صدق عبدي».
قال أبو إسحاق وحدثني أبو جعفر عن الأغر عن أبي هريرة أن قال: «إذا قالهن في مرضه ثم مات لم يدخل النار».
هذا حديث صحيحٌ.
(34) – كتاب التوحيد، (4) – فضل لا إله إلا الله، ((4459)).
وقال الشيخ الألباني تحت حديث: (1390) -» إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر قال الله عزوجل: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر …. قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، من رزقهن عند موته لم تمسه النار «.
قال: “أخرجه الترمذي ((2) / (253)) وابن ماجه ((3794)) وابن حبان ((2325)) وأبو يعلى
في» مسنده «((344) – (345)) وعبد بن حميد في» المنتخب من المسند «((104) / (1)
– ظاهرية) من طرق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي
سعيد أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والسياق لابن
ماجه وزاد قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئا لم أفهمه، قال: فقلت لأبي جعفر: ما قال؟ فقال: من رزقهن عند موته لم تمسه النار» وقال الترمذي: «حديث
حسن غريب، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي
سعيد بنحو هذا الحديث بمعناه لم يرفعه شعبة، حدثنا بذلك بندار حدثنا محمد بن
جعفر عن شعبة بهذا».
قلت: وإسناده صحيح، فإن شعبة ممن سمع من أبي إسحاق قبل اختلاطه وكونه
موقوفا لا يضر لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر. ويؤيد أن أبا إسحاق قد
توبع على رفعه، فقال عبد بن حميد: حدثنا مصعب بن مقدام حدثنا إسرائيل عن أبي
جعفر الفراء عن الأغر مثل حديث أبي إسحاق إلا أنه زاد فيه: «قال: ومن قال
في مرضه ثم مات لم يدخل النار». وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير
أبي جعفر الفراء، وهو ثقة كما في «التقريب» “. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
“ذِكرُ اللهِ مِن أفضَلِ القُرباتِ الَّتي يتَقرَّبُ بها العبدُ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ؛ فأجرُه عَظيمٌ وثَوابُه جَزيلٌ، وقد مَدَح اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِه الذَّاكِرين والذَّاكِرات”.
وقولُه: (أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد) ظاهرٌ على أن الأغر سمع الحديث منهما، قال ابن التين: أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية. انتهى.
وهو مِن ألفاظِ تحَمُّلِ الحديثِ.
قال السيوطي في «تدريب الراوي»: عقد الرامهرمزي بابًا في تنويع ألفاظ التحمُّلِ؛ منها: الإتيان بلفظ الشهادة؛ كقول أبي سعيد: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجَرِّ أَنْ يُنْتَبذَ فيه.
وقول عبد الله بن طاووس: أشهد على والدي أنه قال: أشهد على جابر بن عبد الله أنه قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس … » الحديث. انتهى، انتهى من «التحفة». [شرح سنن ابن ماجه].
“وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ” إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ”، أي: أيُّما عبدٍ قال شَهادةَ التَّوحيدِ وكبَّر اللهَ، ومعناها: لا مَعبودَ بحقٍّ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ وأعظمُ مِن كلِّ شيءٍ، ” قَالَ: يَقُولُ اللهُ عزوجل: صَدَقَ عَبْدِي”، أي: أقرَّه اللهُ عزَّ وجلَّ على قولِه وتَقبَّله منه، “وقال”، أي: وقال اللهُ عزَّ وجلَّ تصديقًا لعبدِه وإقرارًا له: “لا إلهَ إلَّا أنا، وأنا أكبرُ”.
وإذا قال”، أي: وإذا قال العبدُ: “لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه”، أي: لا أعبُدُ إلَّا اللهَ وحدَه، “قال: يقولُ اللهُ”، أي: قال اللهُ عزَّ وجلَّ تصديقًا لعبدِه وإقرارًا له: ” قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ”، أي: وإذا قال العبدُ: لا أعبُدُ إلَّا اللهُ وحدَه، ولا أُشرِكُ به شيئًا مِن مَخلوقاتِه، ولا أتَّخِذُ معبودًا سِواه، “قال اللهُ”، أي: قال اللهُ عزَّ وجلَّ تصديقًا لعبدِه وإقرارًا له: ” صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا شَرِيكَ لِي”.
“وإذا قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، له الملكُ وله الحمدُ”، أي: وإذا قال العبدُ: لا أعبُدُ إلَّا اللهَ فهو الإلهُ الحقُّ الَّذي له وحدَه المُلكُ والتَّحكُّمُ والتَّصرُّفُ في الكونِ، وهو وحدَه يستحِقُّ الحمدَ، “قال اللهُ”، أي: قال اللهُ عزَّ وجلَّ تصديقًا لعبدِه وإقرارًا له: “لا إلهَ إلَّا أنا، لِيَ الملكُ ولي الحمدُ.
“وإذا قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ”، أي: وإذا قال العبدُ: لا أعبُدُ إلَّا اللهَ؛ فهو وَحْدَه الَّذي بيَدِه القدرةُ والقوَّةُ، “قال اللهُ”، أي: قال اللهُ عزَّ وجلَّ تَصديقًا لعَبدِه وإقرارًا له: “لا إلهَ إلَّا أنا، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بي، وكان يَقولُ”، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “مَن قالَها في مرَضِه ثمَّ ماتَ لم تَطعَمْه النَّارُ”، أي: مَن قال وهو مريضٌ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحْدَه، لا شَريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، ثمَّ مات مِن هذا المرَضِ لن تَمَسَّه النَّارُ”. [الحديثية].
(عند موته) أي: في آخر حياته .. (لم تمسه النار) في الآخرة بإحراقه، استعار المس للإحراق؛ مبالغة في نفي الإحراق.
قال الشيخ عبد الرزاق العباد في مقال بعنوان: “خمس من رزقهن عند موته لم تمسه النار” عبر موقعه الرسمي:
“ورواه الترمذي في (باب ما يقول العبد إذا مرض)، ولفظه: «كان يَقُولُ: مَنْ قَالَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ».
ورواه النسائي وزاد: «يَعْقِدُهُنَّ خَمْسًا بِأَصَابِعِهِ»، وقال في رواية: «يُصَدِّقُ الله الْعَبْدَ بِخَمْسٍ يَقُولُهُنَّ» وذكرهن.
قال ابن القيم رحمه الله في عدِّه لفوائد الذكر: «أنَّ الذكر سببٌ لتصديق الرب عز وجل عبده؛ فإنه أخبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربه، ومن صدَّقه الله تعالى لم يُحشر مع الكاذبين، ورُجي له أن يُحشر مع الصادقين» وذكر هذا الحديث.
وقال رحمه الله: «ومن محبته سبحانه الثناء عليه صدَّق المثني عليه بأوصاف كماله».
وبهذا بوَّب ابن حبان لهذا الحديث في صحيحه؛ قال رحمه الله: «ذِكر الكلمات التي إذا قالها المرء المسلم صدَّقه ربه جل وعلا عليها».
قوله «مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ»:
- قال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن ابن ماجة: «أي من أعطاه الله تعالى هذه الكلمات عند الموت ووفقه لها لم تمسه النار بل يدخل الجنة ابتداء مع الأبرار اللهم اجعلنا ممن رزقته إياهن».
• وقال الشوكاني رحمه الله في تحفة الذاكرين: «وجه هذا: أن هذه الكلمات قد اشتملت على التوحيد خمس مرات، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وسيأتي (أن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، ووردت بهذا المعنى أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما».
• وقال المباركفوري رحمه الله في المرعاة: «وفي الحديث دليل على أن هذه الكلمات المذكورة في الحديث إذا قالها العبد في مرضه ومات في ذلك المرض على تلك الكلمات -أي كانت خاتمة كلامه الذي يتكلم به عاقلا مختاراً- لم تمسه النار، ولم يضره ما تقدم من المعاصي، وأنها تكفِّر جميع الذنوب».
• وقال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين: «فينبغي للإنسان أن يحفظ هذا الذكر، وأن يكثر منه في حال مرضه حتى يُختم له بالخير إن شاء الله تعالى، والله الموفق». - وأملى عليّ الوالد الشيخ عبد المحسن البدر حفظه الله فقال: «هذا الذكر العظيم جاء في حديث رواه بعض أهل السنن وغيرهم، وصححه جماعة من أهل العلم، وهو مشتمل على خمس تهليلات مضاف إليها ثناء على الله بما هو أهله، وقد ختم الإمام البخاري رحمه الله صحيحه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ»، وهذه التهليلات الخمس يصلح أن توصف بهذه الصفات الثلاث التي جاءت في هذا الحديث. وقد أحسن الابن عبد الرزاق حفظه الله بالتذكير بهذا الحديث ونشره، والذكرى تنفع المؤمنين، فحري بالمسلم العناية بهذا الذكر، ولا سيما في حال مرضه، والله ولي التوفيق».
• وكان الشيخ أحمد أبا عبيدة المحرزي المراكشي رحمه الله كثير الوصية به ويسميه «ورد الاحتضار»
وكان يقول: «لا تَغفل عن ورد الاحتضار … واجعله دائمًا في الاعتبار» ويقول في بيان الفرق بين هذا الورد وحديث: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». «يمكن أن تكون الجنة بعد سابقة عذاب وهذا ليس هناك سابقة عذاب لأن فيه “لم تمسه النار”» ويقول: «هذه الخمسة عند الموت أعظمُ رزق وأجلُّ رزق» وقد أكرمه الله بأن كانت آخر كلامه من الدنيا، بل ولقنها محتضرا إلى جواره فخُتم له بها، فاتفق له أن كان محتضرا يُلقن محتضرا غفر الله لهما ولجميع موتى المسلمين.فهذا ذكرٌ عظيمٌ مباركٌ ينبغي أن يعتني به المسلم وأن يكثر من تكراره، وأن يجعله هدفًا ومطمعًا يرجو الله عز وجل أن يمكنه من الإتيان به عند احتضاره؛ لينال من حسن الخاتمة ما يدخل به الجنة دخولًا أوليًا مع الأبرار دون أن تمسه النار.
والله الموفق وحده لا شريك له”. انتهى.
لكن تفريقه بين من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وحديث خمس من قالهن عند الموت …. فيه نظر
قال شيخ الإسلام وغيره: في هذا الحديث ونحوه أنها فيمن قالها ومات عليها، كما جاءت مقيدة بقوله: «خالصا من قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين» فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة» (2).
وتواترت بأن كثيرا ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليدا أو عادة، ولم تخالط حلاوة الإيمان بشاشة قلبه. وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء، كما في الحديث: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلته (3)». وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم من أقرب الناس من قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (4).
وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث؛ فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله. وهذا هو الذي يحرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص، وهذه التوبة وهذه المحبة وهذا اليقين، لا تترك له ذنبا إلا محي عنه كما يمحو الليل النهار، فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر، فهذا غير مصر على ذنب أصلا، فيغفر له ويحرم على النار. وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك، فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات، كما في حديث البطاقة (1).
فيحرم على النار. ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه، وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته ومات مصرا على ذلك؛ فإنه يستوجب النار. وإن قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر ولكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعدها بسيئات رجحت على حسنة توحيده، فإنه في حال قولها كان مخلصا لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن؛ فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته ولا يكون مصرا على سيئات، فإن مات على ذلك دخل الجنة.
وإنما يخاف على المخلص أن يأتي بسيئة راجحة، فيضعف إيمانه فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر بقي معه من الأصغر; فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك فيرجح جانب السيئات، فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين، فيضعف: قول لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم، أو من يحسن صوته بالآية من القرآن من غير ذوق طعم وحلاوة، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تنقض ذلك بل يقولونها من غير يقين وصدق ويحيون على ذلك، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة. فإذا كثرت الذنوب ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غير الله، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث،
ومخالطة أهل الغفلة، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله.
قال الحسن: «ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. فمن قال خيرا وعمل خيرا قبل منه، ومن قال خيرا وعمل شرا لم يقبل منه» وقال بكر بن عبد الله المزني: «ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه».
فمن قال: لا إله إلا الله ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوبا، وكان صادقا في قولها موقنا بها، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه، وانضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملي، فرجحت هذه السيئات على هذه الحسنة، ومات مصرا على الذنوب، بخلاف من يقولها بيقين وصدق، فإنه إما أن لا يكون مصرا على سيئة أصلا، ويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته. والذين يدخلون النار ممن يقولها: إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافيين للسيئات أو لرجحانها، أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم، ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام؛ لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات فترجح سيئاتهم على حسناتهم. انتهى ملخصا.
فتح المجيد
والثالث: ملحقات:
تمهيد:
“فلا يخفى على جميع المسلمين ما للكلمات الأربع: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر» من مكانة في الدّين عظيمة، ومنزلة في الإسلام رفيعة، فهُنَّ أفضل الكلمات وأجلهنَّ، وهنَّ من القرآن، وهنَّ أطيب الكلام وأحبّه إلى الله، وأحبُّ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من كلِّ ما طلعت عليه الشمس، وفيهنَّ رفعٌ للدرجات وتكفيرٌ للذنوب والسيّئات، وجُنَّة لقائلهنَّ من النار، ويأتين يوم القيامة مُنجيات لقائلهنَّ ومقدّمات له، إلى غير ذلك من صنوف الفضائل وأنواع المناقب، ممّا يدلُّ على عظيم شرف هؤلاء الكلمات عند الله وعلوِّ منزلتهنَّ عنده، وكثرة ما يترتَّب عليهنَّ من خيرات متواصلة وفضائل متوالية في الدنيا والآخرة”.
(المبحث الأول): النصوص الدّالة على فضل هؤلاء الكلمات الأربع:
لقد ورد في فضل هؤلاء الكلمات الأربع نصوصٌ كثيرةٌ تدل دلالةً قويةً على عظم شأنهنَّ وجلالة قدرهنَّ، وما يترتّب على القيام بهنَّ من أجورٍ عظيمةٍ وأفضالٍ كريمةٍ، وخيراتٍ متواليةٍ في الدنيا والآخرة، وفيما يلي عرضٌ لجملة من فضائل هؤلاء الكلمات:
أولًا: فمِن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّهنَّ أحب الكلام إلى الله، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَحبُّ الكلام إلى الله – تعالى – أربع، لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [صحيح مسلم (رقم: (2137))].
ثانيًا: ومِن فضائلهنَّ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّهنَّ أحبُّ إليه مِمَّا طلعت عليه الشمس (أي: من الدنيا وما فيها)، لما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس» [صحيح مسلم (رقم: (2695))].
ثالثًا: ومن فضائلهنَّ: ما ثبت في مسند الإمام أحمد، وشعب الإيمان للبيهقي بإسناد جيّد عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ:» إنِّي قد كبرتُ وضعُفت – أو كما قالت – فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: «سبّحي اللهَ مائة تسبيحة، فإنَّها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لكِ مائة فرس مُسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكَبِّري اللهَ مائة تكبيرة فإنَّها تعدل لك مائة بدَنة مُقلّدة متقبّلَة، وهلِّلي مائة تهليلة – قال ابن خلف (الراوي عن عاصم) أحسبه قال -: تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به» [المسند ((6) / (344))، شعب الإيمان (رقم: (612))]. قال المنذري: رواه أحمد بإسناد حسن [الترغيب والترهيب ((2) / (409))]. وحسّن إسناده العلامة الألباني حفظه الله [السلسلة الصحيحة ((3) / (303))].
وقال: أوردت الحديث من أجل ذلك في
” ضعيف الجامع الصغير ” برقم (3234)، فمن كان عنده فليتبين هذا، ولينقله
إلى ” صحيح الجامع ” إذا كان عنده. *
[سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 3/ 303]
بينما محققو المسند قالوا:
إسناده ضعيف لضعف أبي صالح، وهو باذام – ويقال: باذان – مولى أم هاناء،
وأخرجه البخاري في “التاريخ الكبير” 2/ 254 – 255 عن عبد السلام بن مطهر، عن موسى بن خلف، به. وقال عقبه: ولا يصح هذا عن أم هاناء.
وأخرجه البخاري في “التاريخ الكبير” 2/ 254 من طريق ثابت، عن مولى أم هاناء – ولم يسمه – به.
وأخرجه بنحوه ابن ماجه (3810)، والطبراني في “الكبير” 24/ (995) و (10071)، وفي “الأوسط” (4235)، والحاكم 1/ 513 – 514 من طرق عن أم هاناء، به. وهذه الطرق كلها ضعيفة.
وذكره الهيثمي في “مجمع الزوائد” 10/ 92، وقال: رواه أحمد، والطبراني في “الكبير”، ورواه في “الأوسط” ثم قال: وأسانيدهم حسنة!
وسيأتي بغير هذا الإسناد برقم (27393).44/ 480
وقالوا في حديث 27393:
إسناده ضعيف لضعف أبي معشر -وهو نَجِيح بن عبد الرحمن السِّنْدي- ولجهالة صالح مولى وَجْزَة، فقد ترجم له الحسيني في» الإكمال «، والحافظ في» التعجيل «ولم يذكروا في الرواة عنه سوى مسلم بن أبي مريم، ولم يؤثر توثيقُه عن أحد. وقال الحسيني: لا يُدرى من هو. وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفِّرت عنه ذنوبُه ولو كانت أكثر من زَبَد البحر»، حسنه الترمذي، وصححه الحاكم وأقرَّه الذهبي، وحسّنه الألباني. [المسند ((2) / (158)، (210))، وسنن الترمذي (رقم: (3460))، ومستدرك الحاكم ((1) / (503))، وصحيح الجامع (رقم: (5636))].
والمراد بالذنوب المكفَّرة هنا أي: الصغائر، لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر» [صحيح مسلم (رقم: (233))]، فقيّد التكفير باجتناب الكبائر؛ لأنَّ الكبيرة لا يُكفِّرها إلا التوبة.
وفي هذا المعنى ما رواه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بشجرة يابسة الورق فضربها بعصاه فتناثر الورق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لَتُساقط من ذنوب العبد كما تَساقط ورق هذه الشجرة»، وحسّنه الألباني [سنن الترمذي (رقم: (3533))، وصحيح الجامع (رقم: (1601))].
خامسًا: ومِن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّهنَّ غرس الجنة، روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلامَ، وأخبِرهم أنَّ الجنةَ طيِّبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنَّها قيعان، غِراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [سنن الترمذي (رقم: (3462))، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم: (105))]، وفي إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق، لكن للحديث شاهدان يتقوى بهما من حديث أبي أيوب الأنصاري، ومن حديث عبد الله بن عمر.
والقيعان جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه ماء السماء، فيمسكه ويستوي نباته، كذا في النهاية لابن الأثير [((4) / (132))]، والمقصود أنَّ الجنة ينمو غراسها سريعًا بهذه الكلمات كما ينمو غراس القيعان من الأرض ونبتها.
سادسًا: ومِن فضائلهنَّ: أنَّه ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده: روى الإمام أحمد، والنسائي في عمل اليوم والليلة بإسناد حسن عن عبد الله بن شداد: أنَّ نفرًا من بني عُذْرَة ثلاثةً أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسلموا قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من يكفينيهم» قال طلحةُ: أنا، قال: فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثًا فخرج فيه أحدُهم فاستشهدَ، قال: ثم بَعَثَ بعثًا آخر، فخرج فيهم آخر فاستشهد، قال: ثم مات الثالثُ على فراشه، قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استُشهد أخيرًا يليه، ورأيت الذي استُشهد أولَهم آخرَهم، قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنكرتَ من ذلك، ليس أحدٌ أفضل عند الله من مؤمن يُعمّرُ في الإسلام يَكثُر تكبيرُه وتسبيحُه وتهليله وتحميده» [المسند ((1) / (163))، والسنن الكبرى للنسائي كتاب: عمل اليوم والليلة ((6) /رقم: (10674))، وحسنه العلامة الألباني في الصحيحة (رقم: (654))].
وقد دلّ هذا الحديث العظيم على عِظم فضل من طال عمرُه وحسُن عملُه، ولم يزل لسانُه رَطْبًا بذكر الله سبحانه وتعالى.
سابعًا: ومن فضائلهنَّ: أنَّ الله اختار هؤلاء الكلمات واصطفاهنَّ لعِباده، ورتّب على ذِكر الله بهنّ أجورًا عظيمةً، وثوابًا جزيلًا، ففي المسند للإمام أحمد ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله اصطفى من الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كُتب له عشرون حسنة، وحُطّت عنه عشرون سيّئة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين مِن قِبَل نفسِهِ كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُطّ عنه ثلاثون خطيئة» [المسند ((2) / (302))، والمستدرك ((1) / (512))، وقال العلاّمة الألباني في صحيح الجامع (رقم: (1718)): صحيح].
وقد زاد في ثواب الحمد عندما يقوله العبد مِن قِبَل نفسه عن الأربع؛ لأنَّ الحمد لا يقع غالبًا إلا بعد سبب كأكلٍ أو شُربٍ، أو حدوث نعمة، فكأنَّه وقع في مقابلة ما أُسديَ إليه وقت الحمد، فإذا أنشأ العبد الحمد من قِبَل نفسه دون أن يدفعه لذلك تجدُّدُّ نعمةٍ زاد ثوابه.
ثامنًا: ومِن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ جُنّةٌ لقائلهنّ من النار، ويأتين يوم القيامة مُنجيات لقائلهنّ ومقدّمات له، روى الحاكم في المستدرك، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خُذوا جُنَّتَكم»، قلنا: يا رسول الله من عدو قد حضر! قال: «لا، بل جُنَّتُكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنَّهنّ يأتين يوم القيامة منجيات ومقدّمات، وهنّ الباقيات الصالحات». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححّه العلامة الألباني يرحمه الله [المستدرك ((1) / (541))، السنن الكبرى كتاب: عمل اليوم والليلة ((6) / (212))، صحيح الجامع (رقم: (3214))].
قد تضمّن هذا الحديث إضافة إلى ما تقدّم وصفَ هؤلاء الكلمات بأنَّهنَّ الباقيات الصالحات، وقد قال الله – تعالى -: {وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [سورة الكهف، الآية: ((46))] والباقيات أي: التي يبقى ثوابُها، ويدوم جزاؤُها، وهذا خيرُ أمَلٍ يؤمِّله العبد وأفضل ثواب.
تاسعًا: ومن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ يَنعَطِفْن حول عرش الرحمن ولهنّ دويٌّ كدويِّ النحل، يذكرن بصاحبهنَّ، ففي المسند للإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم عن النعمان بن بَشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، يَنعَطِفْن حول العرش لهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له، أو لا يزال له من يذكر به». قال البوصيري في زوائد سنن ابن ماجه: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وصحّحه الحاكم [المسند ((4) / (268)، (271))، سنن ابن ماجه (رقم: (3809))، المستدرك ((1) / (503))].
1568 صحيح الترغيب
فأفاد هذا الحديث هذه الفضيلة العظيمة، وهي أنَّ هؤلاء الكلمات الأربع يَنعَطِفْن حول العرش أي: يَمِلن حوله، ولهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل؛ أي: صوتٌ يشبه صوتَ النحل يذكرن بقائلهنّ، وفي هذا أعظم حضٍّ على الذِّكر بهذه الألفاظ، ولهذا قال في الحديث: «ألا يحب أحدكم أن يكون له أو لا يزال له من يذكر به».
عاشرًا: ومن فضائلهنَّ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّهنّ ثقيلاتٌ في الميزان، روى النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وغيرهم عن أبي سلمى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بَخٍ بَخٍ، – وأشار بيده بخمس – ما أثقلهنّ في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولدُ الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبُه»، صححه الحاكم، ووافقه الذهبي [السنن الكبرى كتاب: عمل اليوم واليلة ((6) / (50))، صحيح ابن حبان (الإحسان) ((3) / (114) /رقم: (338))، المستدرك ((1) / (511)، (512))]، وللحديث شاهد من حديث ثوبان، خرّجه البزار في مسنده، وقال: إسناده حسن [كشف الأستار عن زوائد البزار ((4) / (9) /رقم: (3072))].
وقوله في الحديث: «بَخٍ بَخٍ» هي كلمة تُقال عند الإعجاب بالشيء وبيان تفضيله.
حادي عشر: ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّ للعبد بقول كلِّ واحدة منهنّ صدقة، روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه: أنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : «يا رسول الله ذهب أهل الدُّثور بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضولِ أموالهم». قال: «أوَ ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلةٍ صدقة، وأمرٍ بالمعروف صدقة، ونهيٍ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة». قالوا: «يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟» قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ» [صحيح مسلم (رقم: (1006))].
وقد ظنّ الفقراء أن لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقةٌ، وذكر في مقدّمة ذلك هؤلاء الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ثاني عشر: ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهنّ عن القرآن الكريم في حقِّ من لا يُحسنه، روى أبو داود، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إنِّي لا أستطيع أن أتعلّمَ القرآنَ، فعلِّمني شيئًا يُجزيني». قال: «تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله». فقال الأعرابي: هكذا – وقبض يديه – فقال: «هذا لله، فمَا لي؟» قال: «تقول: اللهمّ اغفر لي وارْحمني وعافِني وارْزقني واهْدِني»، فأخذها الأعرابيُّ وقبض كفّيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما هذا فقد مَلأَ يديه بالخير» [سنن أبي داود (رقم: (832))، سنن النسائي ((2) / (143))، سنن الدارقطني ((1) / (313)، (314))].
قال المحدّث أبو الطيّب العظيم آبادي في تعليقه على سنن الدارقطني: سنده صحيح. وقال الألباني يرحمه الله: سنده حسن. [صحيح أبي داود ((1) / (157))].
فهذه بعض الفضائل الواردة في السنة النبوية لهؤلاء الكلمات الأربع، وقد ورد لكلِّ كلمة منهن فضائلُ مخصوصةٌ سيأتي تفاصيلها إن شاء الله.
[تنبيه]:
ومن يتأمل هذه الفضائل المتقدّمة يجد أنَّها عظيمةٌ جدًا، ودالّةٌ على عِظم قدرِ هؤلاء الكلمات، ورِفعة شأنهنّ وكثرة فوائدهنّ وعوائدهنّ على العبد المؤمن، ولعلّ السر في هذا الفضل العظيم – والله أعلم – ما ذُكر عن بعض أهل العلم: أنَّ أسماء الله سبحانه وتعالى كلَّها مندرجةٌ في هذه الكلمات الأربع، فسبحان الله يندرج تحته أسماءُ التنزيه كالقدّوس والسلام، والحمد لله مشتملة على إثبات أنواع الكمال لله – تبارك في أسمائه وصفاته -، والله أكبر فيها تكبير الله وتعظيمه، وأنَّه لا يُحصي أحدٌ الثناءَ عليه، ومن كان كذلك فـ (لا إله إلا هو) أي: لا معبود حق سواه [نظر: جزء في تفسير الباقيات الصالحات للعلائي (ص: (40))].
(المبحث الثاني): لا إله إلاَّ الله، فضلها ومعناها وشروطها ونواقضها:
* (المطلب الأول): فضائل لا إله إلاَّ الله:
إنَّ كلمة التوحيد: لا إله إلاّ الله، هي أفضل هؤلاء الكلمات الأربع، وأجلّهنّ وأعظمهنّ؛ فلأجلها خُلقت الخليقةُ، وأُرسلت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار، فهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدِّين وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وأصل الدين وأساسه ورأس أمره، وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفُه الواصفون ويعرفه العارفون {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
ومن فضائلها: أنَّ الله وصفها في القرآن بأنَّها الكلمة الطيّبة، قال الله – تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حَينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
وهي القول الثابت في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ}.
وهي العهد في قوله تعالى: {لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: «العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرّأ إلى الله صلى الله عليه وسلم من الحول والقوة، وهي رأس كلِّ تقوى» [رواه الطبراني في الدعاء ((3) / (1518))].
ومن فضائلها: أنَّها العروة الوثقى التي من تمسّك بها نجا، ومن لم يتمسّك بها هلك، قال تعالى: {فَمَن يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (1)، وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} (2).
ومن فضائلها: أنَّها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في عقِبِه لعلهم يرجعون، قال الله – تعالى -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَأَىءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3).
وهي كلمة التقوى التي ألزمها الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أحقَّ بها وأهلَها، قال الله – تعالى -: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاِهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (4).
روى أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون قال: ما تكلّمَ الناس بشيء أفضل من لا إله إلا الله، فقال سعد بن عياض: «أتدري ما هي يا أبا عبد الله؟ هي والله كلمة التقوى ألزمها الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أحقّ بها وأهلَها» [رواه الطبراني في الدعاء ((3) / (1533))].
ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّها منتهى الصواب وغايته، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلاَئِكَةُ صَفًاّ لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} (6).
ومن فضائلها: أنَّها هي دعوة الحق المرادة بقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} (3).
ومن فضائلها: أنَّها هي الرابطة الحقيقية التي اجتمع عليها أهل دين الإسلام، فعليها يُوالون ويعادون، وبها يُحبّون ويُبغضون، وبسببها أصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يَشُدُّ بعضها بعضًا.
قال الشيخ العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان: “والحاصل أنَّ الرابطة الحقيقية التي تَجمع المفترقَ وتؤلف المختلف هي رابطة لا إله إلا الله، ألا ترى أنَّ هذه الرابطة التي تجمع المجتمع الإسلامي كلَّه كأنَّه جسدٌ واحدٌ، وتجعله كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا، عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كَلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} (1)، فقد أشار – تعالى – إلى أنَّ الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنَّما هي الإيمان بالله – جلَّ وعلا -.
إلى أن قال: وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين أنَّ الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض وتربط بين أهل الأرض والسماء هي رابطة لا إله إلا الله، فلا يجوز ألبتة النداءُ برابطة غيرها» [أضواء البيان ((3) / (447)، (448))] اهـ.
ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّها أفضل الحسنات، قال الله – تعالى -: {مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}.
وقد ورد عن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وغيرهم: أنَّ المراد بالحسنة: «لا إله إلا الله» [انظر: الدعاء للطبراني ((3) / (1497)، (1498))]، وعن عكرمة في قول الله: {مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} قال: «قول: لا إله إلا الله. قال: له منها خير؛ لأنَّه لا شيء خير من لا إله إلا الله» [أورده ابن البنا في «فضل التهليل وثوابه الجزيل» (ص: (74))].
فهذه بعض فضائل هذه الكلمة العظيمة، من خلال ما ورد في القرآن الكريم، وفيما يلي ذكر لبعض فضائلها من خلال ما ورد من ذلك في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
فمن فضائلها: أنَّها أفضلُ الأعمال وأكثرُها تضعيفًا، وتَعدِلُ عِتقَ الرِّقاب، وتكون لقائلها حِرزًا من الشيطان، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٌ في يوم مائة مرّة كانت له عِدْل عشرِ رقاب، وكُتب له مائة حسنة، ومُحي عنه مائة سيّئة، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ عملَ أكثرَ من ذلك» [صحيح البخاري (رقم: (3293))، و (رقم: (6403))، وصحيح مسلم (رقم: (2691))].
وفيهما – أيضًا – عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قالها عشرَ مرات كان كمن أَعتقَ أربعة أنفس من وَلَدِ إسماعيل» [صحيح البخاري (رقم: (6404))، وصحيح مسلم (رقم: (2693))].
ومن فضائلها: أنَّها أفضل ما قاله النبيّون، لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «أفضل ما قلتُ أنا والنبيّون عشيةَ عَرَفَةَ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير» [أخرجه الطبراني في الدعاء (رقم: (874)) من حديث علي رضي الله عنه، وفي لفظ: «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلته أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير» [أخرجه الترمذي في السنن (رقم: (3585)) من حديث عبد الله بن عمرو. وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ((4) / (7)، (8))، وقال: الحديث ثابت بمجموع هذه الشواهد].
ومن فضائلها: أنَّها ترجحُ بصحائف الذنوبِ يوم القيامة كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه المُخرَّج في المسند، وسنن النسائي، والترمذي، وغيرهما بإسناد جيّد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «يُصاح برجل من أمّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامةِ، فيُنشرُ له تسعةٌ وتسعون سِجِلًا، كلُّ سِجِلٍّ منها مدّ البصر، ثم يقول الله عزوجل له: أَتُنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا ربّ. فيقول عزوجل: أَلَكَ عُذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب.
فيقول عزوجل: بلى إنَّ لك عندنا حسنة، وإنَّه لا ظلم عليك، فتُخرجُ له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السِجِلاَّت؟ فيقول صلى الله عليه وسلم : إنَّك لا تُظلم، قال: فتُوضَع السجلات في كِفَّة والبطاقة في كِفَّة، فطاشت السِجِلاَّت وثقُلت البطاقة» [المسند ((2) / (213))، سنن الترمذي (رقم: (2639))، سنن ابن ماجه (رقم: (4300))، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم: (8095))].
ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّها لو وُزِنت بالسموات والأرض رجحت بهنّ كما في المسند عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أنَّ نوحًا قال لابنه عند موته: آمُرُك بلا إله إلا الله، فإنَّ السموات السبع والأرضين السبع لو وُضعت في كفة، ووُضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهنّ لا إله إلا الله، ولو أنَّ السموات السبع في حلقة مبهمة لقصمتهنّ لا إله إلا الله» [المسند ((2) / (170))، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم: (134))].
ومن فضائلها: أنَّها ليس لها دون الله حجاب، بل تخرق الحُجب حتى تصل إلى الله عزوجل، ففي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ما قال عبدٌ لا إله إلا الله مخلصًا إلا فُتحت له أبواب السماء حتى تُفضي إلى العرش ما اجتَنَب الكبائر» [سنن الترمذي ((3590))، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم: (5648))].
ومن فضائلها: أنَّها نجاةٌ لقائلها من النار، ففي صحيح مسلم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذِّنًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: «خرج من النار» [صحيح مسلم (رقم: (382))]، وفي الصحيحين من حديث عِتبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّ الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» [صحيح البخاري (رقم: (6938))، وصحيح مسلم (رقم: (33)) ((263))].
ومن فضائل هذه الكلمة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعلها أفضل شُعب الإيمان، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» [صحيح البخاري (رقم: (9))، وصحيح مسلم (رقم: (35))].
ومن فضائلها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّها أفضلُ الذِّكر كما في الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضل الذِّكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله» [سنن الترمذي (رقم: (3383))، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم: (1104))].
ومن فضائلها: أنَّ من قالها خالصًا من قلبه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قيل: يا رسول الله من أَسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك لما رأيت من حِرصك على الحديث، أَسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه» [صحيح البخاري (رقم: (99))].
(المطلب الثاني): مدلولُ ومعنى كلمة لا إله إلاّ الله:
إنَّ كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي هي خير الذِّكر وأفضله وأكمله لا تكون مقبولة عند الله بمجرّد التلفّظ بها باللسان فقط، دون قيامٍ من العبدِ بحقيقة مدلولها، ودون تطبيق لأساس مقصودها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله، مع الاعتقاد الجازم لما تضمّنته من ذلك والعمل به، فبذلك يكون العبد مسلمًا حقًا، وبذلك يكون من أهل لا إله إلا الله.
والحاصل: أنَّ لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا، واعتقد ذلك وعمل به، أما من قالها وعمل بها ظاهرًا من غير اعتقاد فهو المنافق، وأما من قالها وعمل بضدّها وخلافها من الشرك فهو الكافر، وكذلك من قالها وارتدّ عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنَّها لا تنفعه ولو قالها ألف مرّة، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعًا من العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، والإنابة، والرجاء، والخوف والمحبة، ونحو ذلك … فمن صرفَ مما لا يصلحُ إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله؛ إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة العظيمة [انظر: تيسير العزيز الحميد (ص: (78))].
فإنَّ لا إله إلا الله معناها: لا معبود حق إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، والإله في اللغة هو المعبود، ولا إله إلا الله: أي لا معبود حق إلا الله كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) مع قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3)، فتبيّن بذلك أنَّ معنى الإله هو المعبود، وأنَّ لا إله إلا الله معناها إخلاص العبادة لله وحده واجتناب عبادة الطاغوت، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: «قولوا لا إله إلا الله» قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهً وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (4)، وقال قومُ هودٍ لنبيّهم لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (1)، قالوا ذلك وهو إنَّما دعاهم إلى لا إله إلا الله؛ لأنَّهم فهموا أنَّ المراد بها نفي الألوهية عن كلِّ ما سوى الله وإثباتُها لله وحده لا شريك له، ف لا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات، فنفت الإلهية عن كلِّ ما سوى الله – تعالى -، فكلُّ ما سوى الله من الملائكة والأنبياء فضلًا عن غيرهم فليس بإله، وليس له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أنَّ العبد لا يأْلَهُ غيرَه، أي: لا يقصده بشيء من التألّه، وهو تعلّق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك.
(المطلب الثالث): شروط لا إله إلاّ الله
إنَّ من المعلوم لدى كلِّ مسلمٍ أنَّ كلَّ طاعةٍ يتقرّب بها العبد إلى الله لا تُقبل منه إلا إذا أتى بشروطها، فالصلاة لا تُقبل إلا بشروطها المعلومة، والحج لا يُقبل إلا بشروطه، وجميع العبادات كذلك لا تُقبل إلاّ بشروطها المعلومة من الكتاب والسنة، وهكذا الشأن في لا إله إلا الله لا تُقبل إلا إذا قام العبد بشروطها المعلومة في الكتاب والسنة.
وقد أشار سلفُنا الصالح إلى أهميّة العناية بشروط لا إله إلا الله ووجوب الالتزام بها، وأنَّها لا تُقبل إلا بذلك، ومن ذلك ما جاء عن الحسن البصري: أنَّه قيل له: إنَّ ناسًا يقولون: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة». فقال: «من قال لا إله إلا الله فأدّى حقّها وفرضَها دخل الجنة».
وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: «ما أعددتَّ لهذا اليوم؟» قال: «شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة». فقال الحسن: «نِعمَ العُدّة، لكن لـ لا إله إلا الله شروطًا فإياك وقذف المحصنات».
وقال وهب بن منبه لمن سأله: «أليس مفتاح الجَنَّة لا إله إلا الله؟» قال: «بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يُفتح. يشير بالأسنان إلى شروط لا إله إلا الله» [أورد هذه الآثار ابن رجب في «كلمة الإخلاص» (ص: (14))].
ثم إنَّه باستقراء أهل العلم لنصوص الكتاب والسنة تبيّن أنَّ لا إله إلا الله لا تُقبل إلا بسبعة شروط وهي:
(1) – العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا المنافي للجهل.
(2) – اليقين المنافي للشك والريب.
(3) – الإخلاص المنافي للشرك والرياء.
(4) – الصدق المنافي للكذب.
(5) – المحبّة المنافية للبغض والكره.
(6) – الانقياد المنافي للترك.
(7) – القبول المنافي للردّ.
وقد جمع بعضُ أهل العلم هذه الشروط السبعة في بيتٍ واحدٍ فقال:
علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقُك معْ … محبّةٍ وانقيادٍ والقَبولُ لها
(المبحث الثالث): في التسبيح فضله ومكانته ومدلوله
(المطلب الأول): فضل التسبيح
إنَّ التسبيح له شأن عظيم ومكانة رفيعة؛ إذ هو أحد الكلمات الأربع التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنَّها خيرُ الكلام وأحبُّه إلى الله، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [صحيح مسلم (رقم: (2137))].
قال بعض أهل العلم [انظر: بصائر ذوي التمييز للفبروزابادي ((2) / (285) وما بعدها)]: والتسبيح ورد في القرآن على نحو من ثلاثين وجهًا، ستةٍ منها للملائكة، وتسعةٍ لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأربعةٍ لغيره من الأنبياء، وثلاثةٍ للحيوانات والجمادات، وثلاثةٍ للمؤمنين خاصة، وستةٍ لجميع الموجودات.
لم يَرِد التسبيحُ مجرّدًا، لكن ورد مقرونًا بما يدلّ على إثبات الكمال، فتارةً يُقرنُ بالحمد كما في هذه النصوص، وتارةً يُقرنُ باسم من الأسماء الدّالة على العظمة والجلال، كقول: سبحان الله العظيم، وقول: سبحان ربّي الأعلى، ونحو ذلك (2).
والتنزيه لا يكون مدحًا إلاّ إذا تضمّن معنىً ثبوتيًّا، ولهذا عندما نزَّه الله عزوجل نفسه عمّا لا يليق به ممّا وصفه به أعداء الرُّسل سلَّم على المرسلين الذين يثبتون لله صفات كماله ونعوت جلاله على الوجه اللاّئق به، وذلك في قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.
(المطلب الثاني): تسبيحُ جميع الكائنات لله
إنَّ الله – تعالى – لكمال عظمته، ولتمام ملكه وعزَّته، تسبِّحُ له جميعُ الكائنات، من سماء، وأرض، وجبال، وأشجار، وشمس، وقمر، وحيوان، وطيرٍ، وإنْ مِن شيءٍ إلاّ يُسبِّح بحمده.
يقول الله – تعالى -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
(المطلب الثالث): معنى التسبيح
لا ريب أنَّ التسبيح يُعدُّ من الأصول المهمّة والأُسُس المتينة التي ينبني عليها المُعتَقَد فيما يتعلّق بمعرفة الربّ عزوجل وأسمائه وصفاته، إذ إنَّ المُعتَقَدَ في الأسماء والصفات يقوم على أصلين عظيمين وأساسين متينين هما الإثبات للصفات بلا تمثيل، وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقات بلا تعطيل.
والتسبيح هو التنزيه، فأصل هذه الكلمة من السَّبح وهو البُعد، قال الأزهري في تهذيب اللغة: «ومعنى تنزيه الله من السوء تبعيده منه، وكذلك تسبيحه تبعيده، من قولك: سبحتُ في الأرض إذا أبعدتَ فيها، ومنه قوله جلّ وعزّ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وكذلك قوله: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا}» [تهذيب اللغة ((4) / (338))].
فالتسبيح هو إبعادُ صفات النقص من أن تُضافَ إلى الله، وتنزيهُ الربِّ سبحانه عن السوء وعمَّا لا يليقُ به، «وأصلُ التسبيح لله عند العرب التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك» [جامع البيان لابن جرير ((1) / (211))].
وبهذا يتبيَّنُ معنى التسبيح والمراد به، وأنَّه تنزيه الله تعالى عن كلِّ نقص وعيبٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والأمر بتسبيحه يقتضي تنزيهه عن كلِّ عَيبٍ وسُوءٍ، وإثباتَ المحامد التي يُحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده» [دقائق التفسير لابن تيمية ((5) / (59))]. اهـ كلامه رحمه الله.
(المبحث الرابع): في الحمد، فضله وأنواعه ودلالته
(المطلب الأول): فضلُ الحمدِ والأدلَّةُ عليه
تناولتُ فيما سبق بيان فضلِ كلمة التوحيد لا إله إلا الله وفضلِ التسبيح، وهما إحدى الكلمات الأربع التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّها أحبّ الكلام إلى الله.
فقد افتتح – سبحانه – كتابه القرآن الكريم بالحمد فقال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وافتتح بعض السور فيه بالحمد.
وقال – سبحانه -: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ}، فهو سبحانه المحمود في ذلك كلِّه كما يقول المصلي: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئتَ من شيء بعد».
وقد ورد الحمد في القرآن الكريم في أكثر من أربعين موضعًا، جُمع في بعضها أسباب الحمد، وفي بعضها ذُكرت أسبابه مفصّلةً، فمن الآيات التي جُمع فيها أسباب الحمد قوله تعالى: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، وقوله: {لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ}، وقوله: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}.
ومن الآيات التي ذُكر فيها أسباب الحمد مفصّلة قوله تعالى: {وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ}.
وفي الجَنّة بيتٌ يُقال له بيتُ الحمد، خُصَّ للذين يحمدون الله في السرّاء والضراء ويصبرون على مُرِّ القضاء، روى الترمذي بإسناد حسن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا مات ولَدُ العبد قال الله – تعالى – لملائكته: قبضتُم ولدَ عبدي فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي فيقولون: حمدَك واسترجع. فيقول الله – تعالى -: ابنوا لعبدي بيتًا في الجَنّة وسمُّوه بيتَ الحمد» [سنن الترمذي (رقم: (1021))، وحسّنه العلاّمة الألباني في الصحيحة (رقم: (1408))]. فهذا حَمِدَ الله على الضرّاء فنال بحمده هذه الرتبة العلية، ولكن كيف يبلغ العبدُ هذه المنزلة، وكيف يصل إلى هذه الدرجة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والحمد على الضرّاء يوجبه مشهدان:
أحدهما: علم العبد بأنّ الله – سبحانه – مستوجبٌ ذلك، مستحقٌّ له بنفسه، فإنّه أحسنَ كلَّ شيء خلقه، وأتقن كلَّ شيء، وهو العليم الحكيم، الخبير الرحيم.
والثاني: علمُه بأنّ اختيارَ الله لعبدِه المؤمن خيرٌ من اختياره لنفسه، كما روى مسلمٌ في صحيحه وغيرُه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:» والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلاّ كان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن، إن أصابته سرّاءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيرًا له «[صحيح مسلم (رقم: (2999)) بلفظ:» عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذلك … “، الحديث]، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ كلَّ قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السرّاء فهو خير له» [مجموع الفتاوى ((10) / (43)، (44))]. اهـ.
فإذا عَلم ذلك العبدُ وتيقّنه أقبل على حمد الله في أحواله كلِّها في سرّائه وضرّائه، وفي شدّته ورخائه، ثم هو في حال شدّته لا ينسى فضلَ الله عليه وعطاءَه ونعمتَه.
(المطلب الثاني): المواطن التي يتأكّد فيها الحمد
والحمدُ مطلوبٌ من المسلم في كلِّ وقت وحين؛ إذ إنَّ العبد في كلِّ أوقاته متقلِّبٌ في نعمة الله.
والمواطن التي يتأكّد فيها الحمدُ ممّا وردت به سنّة النبي صلى الله عليه وسلم :
– فمن هذه المواطن حمد الله عند الفراغ من الطعام والشرب.
– ومِن مواطن الحمد حمدُ الله في الصلاة، ولا سيّما عند الرفع من الركوع.
– ومن المواطن التي يتأكّد فيها الحمد حمدُ الله في ابتداء الخُطب والدروس، وفي ابتداء الكتب المصنّفة ونحوِ ذلك.
– ويتأكّد الحمدُ إذا عطس العبدُ، والعطاس نعمة عظيمة من نعم الله على عباده؛ إذ به يزول المحتقن في الأنف، والذي قد يكون في بقائه أذى أو ضررٌ على العبد.
ويُستحب للمسلم أن يحمد الله إذا رأى مبتلىً بعاهةٍ أو نحوها.
(المطلب الثالث): في بيان موجبات الحمد، وأنواعه
لا ريب أنَّ الحمدَ كلَّه لله ربِّ العالمين، فإنّه سبحانه المحمود على كلِّ شيء، وهو المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، والحمدُ أوسعُ الصفات وأعمُّ المدائح وأعظم الثناء، والطرقُ إلى العلم به في غاية الكثرة؛ لأنَّ جميعَ أسمائه تعالى حمدٌ، وصفاته حمدٌ، وأفعاله حمدٌ، وأحكامه حمدٌ، وعدله حمدٌ، وانتقامه من أعدائه حمدٌ، وفضله وإحسانه إلى أوليائه حمدٌ، والخلق والأمر إنّما قام بحمده ووُجد بحمده وظهر بحمده، وكان الغاية منه هي حمده، فحمدُه سبحانه سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كلِّ شيء، وقيامُ كلّ شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات وظهور آثاره أمرٌ مشهودٌ بالأبصار والبصائر.
وقد نبّه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأنْ حَمِدَ نفسَه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرّده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمد اللهُ به نفسه في كتابه.
وبهذا – أيضًا – يتبيَّن أنَّ حمد الله نوعان: حمدٌ على إحسانه إلى عباده وهو من الشكر، وحمدٌ لما يستحقُّه هو بنفسه من صفات كماله ونعوت جلاله سبحانه، وقد كان أكثر الحديث فيما سبق عن حمد الله على أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة، وأنَّ عِلم العبد بها علمًا صحيحًا هو من أعظم موجبات قيامه بحمد الله على أحسن وجه وأتمِّ حالٍ.
وأمَّا حمد الله على نعمه وآلائه، وهو النوع الثاني من أنواع الحمد، فقد ورد في شأنه نصوصٌ كثيرةٌ.
(المطلب الرابع): أفضلُ صِيَغِ الحمد وأكملُها
تقدّم بيانُ فضل الحمد وعظم ثوابه عند الله، والإشارةُ إلى بعض صِيَغه الواردة في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كقول: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، وقول: «الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحب ربّنا ويرضى»، ونحو ذلك مما ورد في القرآن الكريم مما حمد به الربُّ نفسه، وما ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مما حمد به الرسول صلى الله عليه وسلم ربَّه، وهي صيغٌ عظيمةٌ مشتملةٌ على أحسن الحمد وأكمله وأوفاه.
قال ابن القيِّم رحمه الله: “والمعروف من الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به رسوله صلى الله عليه وسلم وسادات العارفين بحمده من أمته ليس فيه هذا اللفظ ألبتة، وأورد بعض صيغ الحمد الواردة في القرآن ثم قال: فهذا حمدُه لنفسه الذي أنزله في كتابه وعلَّمه لعباده، وأخبر عن أهل جنَّته به، وهو آكد من كلِّ حمدٍ وأفضلُ وأكملُ، كيف يبرُّ الحالف في يمينه بالعدول إلى لفظ لم يحمد به نفسه، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا سادات العارفين من أمته، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حمد الله في الأوقات التي يتأكّد فيها الحمد لم يكن يذكر هذا الحمدَ ألبتة كما في حمد الخطبة، والحمد الذي تستفتح به الأمور، وكما في تشهّد الحاجة، وكما في الحمد عقب الطعام والشراب واللباس والخروج من الخلاء، والحمد عند رؤية ما يسرّه وما لا يسرّه … ».
ثم ساق رحمه الله جملةً كبيرةً مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من صيغ الحمد مما يقال في مثل هذه الأوقات، ثم قال: «فهذا جُملُ مواقع الحمد في كلام الله ورسوله وأصحابه والملائكة قد جُلِّيتْ عليك عرائسها وجُلِبَتْ إليك نفائسها، فلو كان الحديث المسؤول عنه أفضلَها وأكملَها وأجمعَها كما ظنّه الظانّ لكان واسطة عقدها في النظام، وأكثرِها استعمالًا في حمد ذي الجلال والإكرام». [صيغ الحمد المطبوع باسم مطالع السعد (ص: (98))]. اهـ.
وسبق أن مرّ معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أفضلُ الدعاء الحمدلله»، وبهذا يُعلم أنَّ هذه الصيغة في الحمد لو كانت أكملَ لما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(المطلب الخامس): تعريفُ الحمد، وبيان الفرق بينه وبين الشكر
الحمد في اللغة نقيض الذمِّ، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: «الحاء والميم والدال كلمةٌ واحدة وأصلٌ واحد يدل على خلاف الذمّ، يُقال: حمدتُ فلانًا أحمده، ورجلٌ محمودٌ ومحمدٌ إذا كثرت خصالُه المحمودة غير المذمومة. ولهذا الذي ذكرناه سُمِّيَ نبيّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم » [معجم مقاييس اللغة ((2) / (100))]. اهـ.
وقال الليث: أحمدت الرجل وجدته محمودًا، وكذلك قال غيرُه: يُقال أتينا فلانًا فأحمدناه وأذممناه أي: وجدناه محمودًا أو مذمومًا [انظر: تهذيب اللغة للأزهري ((4) / (434))].
وقوله – تعالى -: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَاتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}، فيه تنبيه على أنّه – صلوات الله وسلامه عليه – محمود في أخلاقه وأفعاله ليس فيه ما يُذمّ، وكذلك قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} (4) فمحمّدٌ ههنا وإن كان اسمًا له عَلَمًا عليه ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بوافر معناه، وأما سواه فقد يُسمَّى بذلك ويكون له حظ من الوصف الذي دلّ عليه هذا الاسم وقد لا يكون، أما الرسول الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – فهو محمّدٌ اسمًا ووصفًا.
فالحمد هو الثناء بالفضيلة وهو أخصُّ من المدح وأعمُّ من الشكر، فإنَّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ومما يكون منه وفيه بالتسخير، فقد يُمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يُمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمد يكون في الثاني دون الأول، أي: أنَّ الإنسان يُحمد على بذل المال والشجاعة والعلم ونحو ذلك مما يكون منه باختياره، ولا يُحمد على صباحة الوجه وطول القامة وحسن الخِلقة ونحو ذلك مما ليس له فيه اختيار.
والشكر لا يُقال إلاَّ في مقابلة نعمة، فكلُّ شكر حمد، وليس كلُّ حمدٍ شكرًا، وكلُّ حمد مدح، وليس كلُّ مدح حمدًا [انظر: بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي ((2) / (499))].
قال ابن القيّم رحمه الله: «الفرق بين الحمد والمدح أن يُقال: الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخبارًا مجرّدًا من حبٍّ وإرادة أو مقرونًا بحبّه وإرادته، فإن كان الأول فهو المدح، وإن كان الثاني فهو الحمد، فالحمد إخبارٌ عن محاسن الممدوح مع حبِّه وإجلاله وتعظيمه» (2). اهـ.
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الحمد والشكر ما حقيقتهما؟ هل هما معنى واحد أو معنيان؟ وعلى أيّ شيء يكون الحمد؟ وعلى أي شيء يكون الشكر؟
فأجاب رحمه الله بقوله: “الحمد يتضمّن المدحَ والثناءَ على المحمود بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلاّ على إحسان المشكور إلى الشاكر، فمِن هذا الوجه الحمد أعمّ من الشكر؛ لأنّه يكون على المحاسن والإحسان، فإنّ الله يُحمد على ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى، وما خلقه في الآخرة والأولى؛ ولهذا قال تعالى: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}، وقال: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ}، وقال: {الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلاَئِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَآءُ}، وأما الشكر فإنّه لا يكون إلاّ على الإنعام، فهو أخصُّ من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، كما قيل:
أفادتكم النَّعماءُ مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجّبا
ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعمّ من جهة أنواعه، والحمد أعمّ من جهة أسبابه، ومن هذا الحديثُ: «الحمد لله رأس الشكر، فمن لم يحمد الله لم يشكره» [رواه عبد الرزاق في المصنف ((10) / (424))، والبيهقي في الآداب (ص: (459)) من طريق قتادة: أنَّ عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره.
قال البيهقي: «هكذا جاء مرسلًا بين قتادة ومن فوقه»]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّ الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» [صحيح مسلم (رقم: (2734))]، «[الفتاوى ((11) / (133)، (134))]. اهـ كلامه رحمه الله.
وإذا قيل: الحمد كلّه لله، فإنَّ هذا له معنيان:
أحدهما: أنّه محمودٌ على كلِّ شيء، وهو ما يُحمد به رسله وأنبياؤه وأتباعهم، فذلك من حمده تعالى، بل هو المحمود بالقصد الأول وبالذات، وما نالوه من الحمد فإنّما نالوه بحمده، فهو المحمود أوّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
والمعنى الثاني: أن يُقال: لك الحمد كلّه؛ أي: التامّ الكامل هذا مختصٌّ بالله ليس لغيره فيه شركه.
قال ابن القيّم رحمه الله بعد أن ذكر هذين المعنيين: «والتحقيق أنَّ له الحمد بالمعنيين جميعًا، فله عمومُ الحمد وكمالُه، وهذا من خصائصه – سبحانه -، فهو المحمود على كلِّ حال، وعلى كلِّ شيء أكمل حمد وأعظمه» [طريق الهجرتين (ص: (206))].
فالحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعِزِّ جلاله بمجامع حمده كلِّها ما علمنا منها وما لم نعلم.
(المبحث الخامس): في التكبير، فضله ومعناه
(المطلب الأول): فضل التكبير ومكانته من الدِّين
إنَّ التكبير شأنُه عظيم وثوابُه عند الله جزيل وقد تكاثرت النصوص في الحث عليه والترغيب فيه وذكر ثوابه.
يقول الله – تعالى -: {وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، وقال – تعالى – في شأن الصيام: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال – تعالى – في شأن الحج وما يكون فيه من نُسك يَتقرَّب فيه العبدُ إلى الله: {لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو بصدد بيان تفضيل التكبير وعظم شأنه: «ولهذا كان شعائرُ الصلاة والأذان والأعياد والأمكان العالية هو التكبير، وهو أحد الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجئ في شيء من الأثر بدل قول الله أكبر، الله أعظم؛ ولهذا كان جمهور الفقهاء على أن الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ التكبير، فلو قال: الله أعظم لم تنعقد به الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :» مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» [رواه أبو داود في سننه (برقم: (61))، وصححه العلاّمة الألباني في الإرواء ((2) / (8))]. وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف وداود وغيرهم، ولو أتى بغير ذلك من الأذكار مثل: سبحان الله، والحمد لله لَم تنعقد به الصلاة.
ولأنَّ التكبيرَ مختصٌّ بالذكر في حال الارتفاع كما أن التسبيح مختص بحال الانخفاض كما في السنن عن جابر بن عبد الله قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك» [رواه مسلم في صحيحه (برقم: (2734))] …….. «[الفتاوى ((16) / (112)، (113))]. اهـ.
ثم إنَّ التكبيرَ مصاحِبٌ للمسلم في عبادات عديدة وطاعات متنوعة فالمسلم يكبر الله عند ما يكمل عدَّة الصيام، ويكبر في الحج كما سبق الإشارة إلى دليل ذلك من القرآن الكريم، وأما الصلاة فإنَّ للتكبير فيها شأنًا عظيمًا ومكانة عالية، ففي النداء إليها يشرع التكبير وعند الإقامة لها، وتحريمها هو التكبير، بل إنَّ تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، ثم هو يصاحب المسلم في كلِّ خفض ورفع من صلاة.
(المطلب الثاني): في معنى التكبير وبيان مدلوله
التكبير هو تعظيم الربّ تبارك وتعالى وإجلاله، واعتقاد أنّه لا شيء أكبرُ ولا أعظمُ منه، فيصغر دون جلاله كلُّ كبير، فهو الذي خضعت له الرقاب وذلَّت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كلَّ شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوّه وقدرته الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره المخلوقات.
قال الإمام الأزهري في كتابه تهذيب اللغة: «وقول المصلي: الله أكبر، وكذلك قول المؤذِّن، فيه قولان:
أحدهما: أنّ معناه الله كبير، كقول الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ} (1)، أي: هو هيّنٌ عليه
والقول الآخر: أنّ فيه ضميرًا، المعنى: الله أكبرُ كبيرٍ، وكذلك الله الأعزّ، أي: أعزُّ عزيزٍ، قال الفرزدق:
إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لنا بيتًا دعائمُه أَعَزُّ وأطولُ
معناه: أعز عزيز، وأطول طويل» [تهذيب اللغة ((10) / (214))]. اهـ
والصواب من هذين القولين اللذين ذكرهما رحمه الله هو الثاني، بمعنى أن يكون اللهُ عند العبد أكبرَ من كلِّ شيء، أي: لا أكبرَ ولا أعظمَ منه، أما الأول فهو غيرُ صحيحٍ وليس هو معنى الله أكبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “التكبير يُراد به أن يكون (الله) عند العبد أكبر من كلِّ شيء، كما قال صلى الله عليه وسلم لعديِّ بن حاتم: «يا عديّ ما يُفرُّك؟ أيُفرُّك أن يُقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم مِن إله إلاّ الله؟ يا عديّ ما يفرُّك. أيُفرُّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟»، وهذا يُبطل قولَ من جعل أكبر بمعنى كبير «. [الفتاوى ((5) / (239))]. اهـ.
[تنبيه]:
والتكبير معناه كما تقدّم التعظيم، لكن ينبغي أن يُعلم أنّ التعظيم ليس مرادفًا في المعنى للتكبير، فالكبرياء أكمل من العظمة؛ لأنّه يتضمّنها ويزيد عليها في المعنى، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:» وفي قوله «الله أكبر» إثبات عظمته، فإنّ الكبرياء تتضمّن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول: «الله أكبر» فإنّ ذلك أكمل من قول الله أعظم، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «يقول الله – تعالى -: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذّبته» [صحيح مسلم (رقم: (2620))]، فجعل العظمة كالإزار والكبرياء كالرداء، ومعلوم أنّ الرداء أشرف، فلمّا كان التكبيرُ أبلغَ من التعظيم صرّح بلفظه، وتضمّن ذلك التعظيم» [الفتاوى ((10) / (253))]. اهـ.
وها هنا أمرٌ ينبغي التنبّه له وعدم إغفاله، وهو أن المسلم إذا اعتقد وآمن بأنّ الله تبارك وتعالى أكبر من كلِّ شيء، وأنّ كلَّ شيء مهما كبر يصغر عند كبرياء الله وعظمته، علمَ من خلال ذلك علم اليقين أن كبرياءَ الربِّ وعظمتَه وجلالَه وجمالَه وسائرَ أوصافه ونعوته أمرٌ لا يمكن أن تحيط به العقول أو تتصوّره الأفهام أو تدركه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأعظم من ذلك، بل إنّ العقولَ والأفهامَ عاجزةٌ عن أن تدركَ كثيرًا من مخلوقات الرب تبارك وتعالى، فكيف بالرب – سبحانه -.
(الخاتمة): في بيان التلازم بين الكلمات الأربع
الحمد لله أولًا وآخرًا، والشكر له ظاهرًا وباطنًا على نعمه العديدة وآلائه الكثيرة، ومنها إتمام هذا الذي تحدثتُ فيه عن الكلمات الأربع «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر» وما ورد في فضلهنَّ إجمالًا وتفصيلًا، وما يتعلّق كذلك بمعانيهنَّ ومدلولهنّ،
ولعلَّ من الحسن في ختام الحديث عن هؤلاء الكلمات أن أشير إلى ما بينهنَّ من ترابط وتلازم، وقد علمنا من خلال ما تقدّم أنَّ هؤلاء الكلمات هنَّ أفضل الكلام بعد القرآن الكريم وهنَّ من القرآن الكريم،
وتقدّم معنا – أيضًا – الإشارة إلى جملة كبيرة من النصوص الدالة على عظم شأن ذكر الله – تعالى – بهؤلاء الكلمات الأربع،
وما يترتّب على ذلك من أجور كثيرة وفضائل وفيرة وخير مستمر في الدنيا والآخرة، ولا شك أنَّ هذا فيه أوضح إشارة على قوة الارتباط بين هذه الكلمات الأربع وشدة الصلة بينهنَّ.
وهؤلاء الكلمات كما أوضح أهل العلم» شطران، فالتسبيح قرين التحميد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة [صحيح البخاري (رقم: (6406))، وصحيح مسلم (رقم: (2694))]. وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي ذر: «أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده» [صحيح مسلم (رقم: (2731))]، وفي القرآن يقول الله – تعالى -: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}، وقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»، يتأوّل القرآن، هكذا في الصحاح عن عائشة رضي الله عنها -[صحيح البخاري (رقم: (817))، وصحيح مسلم (رقم: (484))]، فجعل قوله: «سبحانك اللهم وبحمدك» تأويل {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}، وقد قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}، وقال: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، والآثار في اقترانهما كثيرة.
وأمَّا التهليلُ فهو قرينُ التكبيرِ كما في كلمات الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، ثم بعد دعاء العباد إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلاَّ الله، فهو مشتملٌ على التكبير والتشهد [في] أوله وآخره، وهو ذكر لله تعالى، وفي وسطه دعاء الخلق إلى الصلاة والفلاح، فالصلاة هي العمل، والفلاح هو ثواب العمل، لكن جعل التكبير شفعًا والتشهد وترًا، فمع كلِّ تكبيرتين شهادة، وجعل أوله مضاعفًا على آخره، ففي أول الأذان يكبر أربعًا، ويتشهّد مرّتين، والشهادتان جميعًا باسم الشهادة، وفي آخره التكبير مرتان فقط مع التهليل الذي لم يقترن به لفظ الشهادة.
وكما جمع بين التكبير والتهليل في الأذان جمع بينهما في تكبير الإشراف، فكان على الصفا والمروة، وإذا علا شرفًا في غزوة أو حجة أو عمرة يكبر ثلاثًا ويقول: “لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاَّ الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» يفعل ذلك ثلاثًا، وهذا في الصحاح [صحيح البخاري (رقم: (1797))، وصحيح مسلم (رقم: (1344))]،
وكذلك على الدابة كبّر ثلاثًا وهلّل ثلاثًا فجمع بين التكبير والتهليل، وكذلك حديث عدي بن حاتم الذي رواه الترمذي فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عدي ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: لا إله إلاَّ الله، فهل تعلم من إله إلاَّ الله؟ يا عدي ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: الله أكبر فهل من شيء أكبر من الله» فقرن النبي صلى الله عليه وسلم بين التهليل والتكبير «[سنن الترمذي ((2935) م)]» [مجموع الفتاوى ((24) / (231) – (233))].
ثم إنَّ أفضل هؤلاء الكلمات هو التهليل لاشتماله على التوحيد الذي هو أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصلح إسلام أحد إلاَّ به ومن كان آخر كلامه لا إله إلاَّ الله دخل الجنة، ومنزلة التحميد والتسبيح منه منزلة الفرع من الأصل، فالتهليل أصل وما سواه فرع له وتابع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلاَّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». فجعل – صلوات الله وسلامه عليه – التهليل أعلا وأرفع شعب الإيمان، وفي المسند عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: «قلت: يا رسول الله أفمن الحسنات لا إله إلاَّ الله؟ قال: هي أفضل الحسنات» [المسند ((5) / (169))]، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًاّ، وقد تقدّم معنا جملة كبيرة منها.
ولا يعارض هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده» [صحيح مسلم (رقم: (2731))]؛ إذ لا يلزم منه – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يكون أفضل مطلقًا بدليل أنَّ قراءة القرآن أفضل من الذكر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها في الركوع والسجود وقال: «إني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، أما الركوع فعظموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ أن يستجاب لكم» [صحيح مسلم (رقم: (479))].
وها هنا أصل عظيم نبّه عليه شيخ الإسلام رحمه الله وهو أنَّ الشيء إذا كان أفضل من حيث الجملة لم يجب أن يكون أفضل في كل حال ولا لكل أحد، بل المفضول في موضعه الذي شرع فيه أفضل من الفاضل المطلق، كما أنَّ التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن ومن التهليل والتكبير، والتشهد في آخر الصلاة والدعاء بعده أفضل من قراءة القرآن، فالتفضيل مختلف باختلاف الأحوال فقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أيُّ الكلام أفضل؟ فقال: «سبحان الله وبحمده»، هذا خرج على سؤال سائل، فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال السائل حالًا مخصوصة.
وعلى كلٍّ فالتفضيل مختلف باختلاف الأحوال، وإن كان التهليل أفضل مطلقًا والأحوال ثلاثة: حال يستحب فيها الإسرار ويكره فيها الجهر لأنَّها حال انخفاض كالركوع والسجود، فهنا التسبيح أفضل من التهليل والتكبير، وكذلك في بطون الأودية، وحال يستحب فيه الجهر والإعلان كالإشراف والأذان فهنا التهليل والتكبير أفضل من التسبيح، وحال يشرع فيه الأمران [انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ((24) / (235) – (239))].
نسأل الله الكريم أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل خير يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. [دراسات في الباقيات الصالحات — عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، بتصرف].
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): ” فَضلُ ذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأثَرُه في تَصديقِ اللهِ العبدَ وإقرارِه له.
2 – (ومنها): الحَثُّ على المداوَمةِ على ذِكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والإكثارِ منه؛ لأنَّ ذِكْرَ اللهِ سَببٌ للنَّجاةِ مِن النَّارِ”. [الدرر].
3 – ذكرنا فوائد الذكر التي ذكرها ابن القيم كاملة تحت شرح حديث (1304)
وراجع لهذه الفوائد فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبد الرزاق البدر (1) / (23) – (27)