[1ج/ رقم (423)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبد الحميد البلوشي، ومحمد البلوشي. وعدنان البلوشي، وعمر الشبلي، وأحمد بن خالد.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (423)]:
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (193)): حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ بِاللَّيْلِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَنَامَ.
هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، ابن ماجة (ت (273)) رحمه الله في السنن، أبواب التيمم، (99) – بَابُ: مَنْ قَالَ: لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ((586)).
قال محققو السنن في الحاشية: “في النسخ المطبوعة: باب ما جاء في السبب، وأُقحم فيها قبله بين حاصرتين: أبواب التيمم”.
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(3) – كتاب الطهارة، (54) – جواز تأخير الغسل إلى آخر الليل، ((782)).
وقال محققو سنن ابن ماجه – ت الأرنؤوط – ط: الرسالة -:
(1/ 371): “حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد العزيز بن محمَّد -وهو الدراوردي- فهو صدوق لا بأس به، وقد توبع.
وأخرجه أبو يعلى ((1365)) من طريق عبد العزيز الدراوردي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» ((11523)) من طريق حيوة بن شُريح المصري، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، به.
تنبيه: هذا الحديث ليس في (م) “. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
“الإسلامُ دِينُ الرَّحمةِ والشَّفقةِ بالنَّاسِ واليُسرِ عليهم، ومِن مَظاهرِ ذلك: أنَّ التطهُّرَ مِن الحَدثِ الأكبَرِ بعْدَ الجَنابةِ صِفةٌ حُكميَّةٌ لمباشرةِ العِبادةِ، ولا تَمنَعُ الجنابةُ مِن مُباشرةِ سائرِ شُؤونِ الحياةِ”.
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (193)): حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) هو سعد بن مالك الأنصاري المدني رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات. (أَنَّهُ) أي: أن أبا سعيد رضي الله عنه، (كَانَ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ بِاللَّيْلِ) بالاحتلام، أي: في الليل، كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: (9)]، ويحتمل: أنه لابتداء الغاية في الزمان، أي: ابتداءُ إصابة الجنابة الليل. قاله ولي الدين العراقي رحمه الله. اهـ زهر.
والظاهر أن الضمير في «أنه» وفي «تصيبه» يعود إلى أبي سعيد رضي الله عنه.
(فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ) مع الجنابة قبل الاغتسال، (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ) قبل النوم، (ثُمَّ يَنَامَ) تخفيفًا للحدث. [شرح سنن ابن ماجه للهرري، (4/ 360)]. وفي الرواية التي بعد هذه الرواية في السنن: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأ» أَيْ: ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَلْيَتَوَضَّا بَيْنَ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَالْعَوْدِ، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ»، وَقَدْ حَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيّ؛ ِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فَلْيَتَوَضَّا وُضُوأَهُ لِلصَّلَاةِ، وَأَوَّلَهُ قَوْمٌ بِغَسْلِ الْفَرْجِ، وَقَالَ: إِنَّمَا شُرِعَ الْوُضُوءُ لِلْعِبَادَةِ لَا لِقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَلَوْ شُرِعَ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَكَانَ الْجِمَاعُ الْأَوَّلُ مِثْلَ الْعَوْدِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ لَهُ، وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْعَوْدِ وَالْجِمَاعُ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِذِكْرِ اللَّهِ مِثْلَ: «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» فَلَا مَانِعَ مِنْ نَدْبِ الْوُضُوءِ ثَانِيًا تَخْفِيفًا لِلْجَنَابَةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قاله السندي رحمه الله [حاشية السندي على سنن ابن ماجه، (1/ 205 – 206)].
(هذا حديث حسنٌ). قال السندي في حاشيته: “قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) قَالَ فِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ”.
والثالث: ملحقات:
(المسألة الأولى): الطَّهَارَةُ وأَسْبَابُ الْجَنَابَةِ
الطَّهَارَةُ لُغَةً: النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ،
وَاصْطِلاَحًا: رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلاَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ أَوْ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، فَالطَّهَارَةُ ضِدُّ الْجَنَابَةِ [ابن عابدين (1) / (205)، والحطاب (1) / (45)، ومغني المحتاج (1) / (17)، كشاف القناع (1) / (28)].
أَسْبَابُ الْجَنَابَةِ:
لِلْجَنَابَةِ سَبَبَانِ:
(6) – أَحَدُهُمَا: غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ، وَسَوَاءٌ أَحَصَل إِنْزَالٌ أَمْ لَمْ يَحْصُل، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ بِاتِّفَاقٍ، قَال الشَّافِعِيُّ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجِمَاعَ – وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ – جَنَابَةً، وَالْجَنَابَةُ تَحْصُل لِمَنْ وَقَعَ الْوَطْءُ مِنْهُ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ.
[البدائع (1) / (36) – (37)، ومنح الجليل (1) / (72) – (73)، والشرح الصغير (1) / (62) – (63) ط الحلبي، ومغني المحتاج (1) / (69)، والمجموع شرح المهذب (2) / (134) إلى (139) تحقيق المطيعي وشرح منتهى الإرادات (1) / (75)، والمغني (1) / (204) – (205) – (206)].
الثَّانِي: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَنِ احْتِلاَمٍ أَمِ اسْتِمْنَاءٍ، وَاشْتِرَاطُ الشَّهْوَةِ لِحُصُول الْجَنَابَةِ هُوَ مَا قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَلِذَلِكَ لاَ تَحْصُل الْجَنَابَةُ عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِهِ لِمَرَضٍ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ الْجَنَابَةَ تَحْصُل عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. [البدائع (1) / (36) – (37)، والهداية (1) / (16)، ومنح الجليل (1) / (71) – (72) والمجموع (2) / (141) – (142)، والمغني (1) / (199) – (200)]. [الموسوعة الكويتية، بتصرف].
(المسألة الثانية): مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَنَابَةُ:
سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَكُونُ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ بِدُونِ إِنْزَالٍ أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ، وَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ بِمَا يَاتِي:
أ – بِالْغُسْل، وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل مِنَ الْجِمَاعِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِل.
ب – التَّيَمُّمُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ هَل هُوَ رَافِعٌ لِلْجَنَابَةِ، أَوْ غَيْرُ رَافِعٍ لَهَا؟ وَمَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ بِهِ مَا يُبَاحُ بِالْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ – غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ – أَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.
[البدائع (1) / (44) – (45)، (55)، والفروق للقرافي (2) / (114)، (116)، الفرق الثاني والثمانون، ومنح الجليل (1) / (86) إلى (89)، ومغني المحتاج (1) / (97) – (98)، والمجموع (2) / (210)، (223)، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص (22)، والمغني (1) / (252)]. [الموسوعة الكويتية، بتصرف].
(المسألة الثالثة): مَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ:
– يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الصَّلاَةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا؛ لأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلاَةِ وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ.
وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. وَيَشْمَل ذَلِكَ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ وَصَلاَةَ الْجِنَازَةِ [البدائع (1) / (33)، (37)، وجواهر الإكليل (1) / (21)، (23)، ومغني المحتاج (1) / (36)، (71)، والمجموع (2) / (68)، (69)، وشرح منتهى الإرادات (1) / (72)، (83)].
– وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ الطَّوَافَ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ. [البدائع (2) / (129)، والاختيار (1) / (163)، وجواهر الإكليل (1) / (21)، (23)، ومغني المحتاج (1) / (36)، (71)، والمجموع (2) / (159)، وشرح المنتهى (1) / (72)، (83)].
– وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُصْحَفًا جَامِعًا لِلْقُرْآنِ، أَمْ كَانَ جُزْءًا أَمْ وَرَقًا مَكْتُوبًا فِيهِ بَعْضُ السُّوَرِ، وَكَذَا مَسُّ جِلْدِهِ الْمُتَّصِل بِهِ.
– وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ كَذَلِكَ حَمْل الْقُرْآنِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِأَمْتِعَةٍ، وَالأَمْتِعَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ، كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
– وَيَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ؛ لأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَسِّهَا مَاسًّا لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ.
– وَيَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَسُّ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
– وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لاَ يَكْتُبَ؛ لأَنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى الْقِرَاءَةِ [البدائع (1) / (33)، (37)، (38)، ومنح الجليل (1) / (70) – (71)، (78) – (79)، والشرح الصغير (1) / (57)، (67) ط الحلبي، ومغني المحتاج (1) / (36) – (37)، (72)، والمجموع شرح المهذب (2) / (69) – (73)، (159) – (162)، والمغني (1) / (143) – (144)، (147) – (148)].
– وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
– وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُخُول الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثُ فِيهِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عُبُورَهُ. [الاختيار (1) / (13)، ومنهج الجليل (1) / (78) – (79)، ومغني المحتاج (1) / (71) ومنتهى الإردات (1) / (77)].
– وَيَحْرُمُ الاِعْتِكَافُ لِلْجُنُبِ. [الموسوعة الكويتية، بتصرف].
(المسألة الرابعة): مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُبَاحُ لِلْجُنُبِ:
– يُبَاحُ لِلْجُنُبِ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُل أَحْيَانِهِ.
– يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَاكُل أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِل فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَاكُل أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّا بَيْنَهُمَا وُضُوءًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِمُعَاوَدَةِ الأَهْل وَاجِبٌ؛ لأَنَّ الْجُنُبَ مَامُورٌ بِالْوُضُوءِ قَبْل النَّوْمِ، فَهَل الأَمْرُ لِلإِيجَابِ أَوْ لِلنَّدْبِ؟ قَوْلاَنِ [المجموع (2) / (160)، والمغني (1) / (229)، ومنح الجليل (1) / (78)].
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ مُعَاوَدَةَ الأَْهْل الْوُضُوءَ وَعَدَمَهُ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لاَ بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَال: نَعَمْ ((2))، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْل أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً وَلأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لأَدَاءِ الصَّلاَةِ، وَلَيْسَ فِي النَّوْمِ ذَلِكَ – وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
لَكِنِ اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَكْل وَالشُّرْبِ لِمَنْ كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَغْسِل يَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَقَال مُجَاهِدٌ: يَغْسِل كَفَّيْهِ [البدائع (1) / (38)، والمغني (1) / (229)]. [الموسوعة الكويتية، بتصرف].
(المسألة الخامسة):
قال النووي عفا الله عنه، بوب في صحيح مسلم رحمه الله: ((6)) – (بَابُ جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ، وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ، وَغَسْلِ الْفَرْجِ إَذَا أَرَادَ أَنْ يَاكُلَ، أَوْ يَشْرَبَ، أَو يَنَامَ، أَوْ يُجَامِعَ)، وفي تعليقه على حديث عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ ينام»). قال: حاصل هذه الأحاديث كلِّها أنه يجوز للجنب أن ينام، ويأكل، ويشرب، ويجامع، قبل الاغتسال، وهذا مُجْمَعٌ عليه، وأجمعوا على أن بَدَن الجنب، وعَرَقه طاهران، وفيها أنه يُسْتَحَبّ أن يَتوضأ، ويغسل فرجه لهذه الأمور كلِّها، ولا سيما إذا أراد جماع مَن لم يجامعها، فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: الفرق بين التي جامعها والتي لم يُجامعها فيه نظر، فقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه طاف على نسائه، وهنّ تسع بغسل واحد، ولم يُنقَل أنه توضّأ لكلّ أيضًا، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قال: وقد نَصّ أصحابنا أنه يُكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك، والجمهور.
وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه، وهو مذهب داود الظاهريّ، والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل.
وأما حديث ابن عباس المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين، فقد قدّمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة، بل في الحدث الأصغر.
وأما حديث أبي إسحاق السبيعيّ عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينام، وهو جنب، ولا يمس ماءً»، رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وغيرهم، فقال أبو داود، عن يزيد بن هارون: وَهِمَ أبو إسحاق في هذا – يعني في قوله: «لا يمس ماءً» -، وقال الترمذيّ: يَرَون أن هذا غلطٌ من أبي إسحاق، وقال البيهقيّ: طَعَن الحفاظ في هذه اللفظة، فبان بما ذكرناه ضعف الحديث.
وإذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يُعْتَرَض به على ما قدمناه، ولو صحّ لم يكن أيضًا مخالفًا، بل كان له جوابان:
[أحدهما]: جواب الإمامين الجليلين، أبي العباس بن سُرَيج، وأبي بكر البيهقيّ أن المراد لا يَمَسّ ماءً للغسل.
[والثاني]: وهو عندي حسنٌ أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يَمَسّ ماءً أصلًا؛ لبيان الجواز؛ إذ لو واظب عليه لتُوُهِّم وجوبه. انتهى كلام النوويّ رحمه الله عنه، وهو تحقيق حسن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان. [البحر المحيط الثجاج، (7/ 447 – 450)].
(المسألة السادسة): المراد بالوضوء
في الحديث: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ ينام)، قال الإتيوبي عفا الله عنه: أي: توضّأ وضوءًا مثل وضوئه لا صلاة، قيّدته به لئلا يُظنّ أن المراد الوضوء اللغويّ، كأن يغسل يديه، وفرجه، وما أصابه من الأذى.
قال القرطبيّ عفا الله عنه: هذا يدلّ على بطلان قول من قال: إنه الوضوء اللغويّ. انتهى [“المفهم” (1) / (564)].
(المسألة السابعة): الحكمة في ذلك
قال السيوطي عفا الله عنه: وقال الداودي، وابن عبد البر: فيه تقديم وتأخير، أراد اغسل ذكرك، وتوضأ، والواو لا ترتب، وقد أخرجه المصنف في «الكبرى» وابن حبان بلفظ: «اغسل ذكرك، وتوضأ، ثم ارقد».
وروى الطبراني عن ميمونة بنت سعد، قالت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فإني أخشى أنه يتوفى فلا يحضره جبريل”، وهو تصريح بالحكمة فيه.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: وهذا الحديث رواه الطبراني في الكبير، ج (25) ص (36) – (37)، وفي سنده من لا يعرف. وروى ابن أبي شيبة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ، فإنه لا يدري لعله تصاب نفسه في منامه.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: أخرجه في المصنف ج (1) ص (60) ورجاله رجال الصحيح. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، (4/ 526)].
(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في الجنب إذا أراد النوم:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اختلفوا فيما يفعله الذي يريد النوم، وهو جنب،
فقالت طائفة بظاهر هذه الأخبار التي رُويت في هذا الباب، وممن رُوي عنه أنه قال ذلك: عليّ، وشداد بن أوس، وأبو سعيد، وابن عباس، وعائشة، والنخعيّ، والحسن، وعطاء، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
وقد رَوَينا عن ابن عمر أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، إلا غسل قدميه، وذلك إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام.
وفيه قول ثالث، قاله ابن المسيِّب، قال: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ.
وقال أصحاب الرأي في الجنب إذا أراد أن ينام، أو يعاود أهله قبل أن يتوضأ، فلا بأس بذلك، إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ، فإذا أراد أن يأكل غسل يديه، وتمضمض، ثم يأكل.
قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول، وذلك للأخبار الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم الدالة على ذلك، قال: وفي قوله: «يتوضأ وضوءه للصلاة»، دليل على أن الوضوء الذي يتوضأه من أراد النوم، وهو جنب وضوءٌ كاملٌ تامّ، لو لم يكن جنبًا كان له أن يصلي به. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذا الذي اختاره ابن المنذر: من أن من أراد أن ينام يتوضّأ وضوء الصلاة هو الذي أختاره؛ للأدلّة الواضحة الكثيرة، وقد ذُكر بعضها في الباب، وسيأتي بيان الخلاف هل هذا الوضوء واجب أم مستحبّ؛ في هذا الباب عند شرح حديث عمر رضي الله عنه [(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا، وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَم، إِذَا تَوَضَّأَ»).]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
(المسألة التاسعة): بيان الخلاف هل هذا الوضوء واجب أم مستحبّ
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا، وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَم، إِذَا تَوَضَّأَ»).
وقوله (قَالَ) صلى الله عليه وسلم جوابًا لسؤاله (» نَعَمْ) بفتحتين، هذه اللفظة يُعبّر عنها النحاة أنها عِدَةٌ وتصديقٌ، زاد الجوهريّ: وجواب الاستفهام، وربّما ناقض «بَلَى»، إذا قال: ليس لي عندك وديعةٌ، فقولك: «نَعَم» تصديق له، و «بَلَى» تكذيب، ونَعِمَ بكسر العين لغة فيه، حكاه الكسائيّ [» الصحاح” (5) / (1653)]. (إِذَا تَوَضَّأَ «)، أي: يرقد إذا كان متوضّئًا.
وقال في» الفتح «: قال ابن دقيق العيد: جاء الحديث بصيغة الأمر، وجاء بصيغة الشرط، وهو مُتَمَسَّك من قال بوجوبه.
وقال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذ.
وقال ابن العربيّ: قال مالك، والشافعيّ: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل، وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يَعْرِف ذلك أصحابه، وهو كما قال، لكن كلام ابن العربيّ محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين، لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة، أي متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب: هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرًا، وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبَوَّب عليه أبو عوانة في «صحيحه»: «إيجابُ الوضوء على الجنب إذا أراد النوم»، ثم استَدَلَّ بعد ذلك هو، وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس رضي الله عنه، مرفوعًا: «إنما أُمِرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة».
وقد قَدَحَ في هذا الاستدلال ابنُ رشد المالكيّ، وهو واضح.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي ما ذهب إليه الجمهور من الاستحباب هو الأرجح؛ جمعًا بين الأدلّة، فقد أخرج ابن خزيمة، وابن حبّان في «صحيحيهما» من حديث ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا، وهو جنبٌ؛ فقال: «نعم، ويتوضّأ إن شاء». [أخرجه أحمد في: «مسنده» ((1) / (24) – (25))، وابن خزيمة في: «صحيحه» رقم ((212))، و (ابن حبان) ((127))]، وحديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام، وهو جنبٌ، ولا يمسّ ماءً»، والحديث وإن تكلّم فيه الأكثرون، إلا أن الدارقطنيّ، والبيهقيّ، وغيرهما صححوه، وقد استوفيت البحث فيه في «شرح النسائيّ»، فراجعه تستفد.
والحاصل أن الجمع بحمل الأمر بالوضوء على الاستحباب هو الأحسن، كما لا يخفى على الفطن، والله تعالى أعلم.
قال في «الفتح» أيضًا: ونَقَلَ الطحاويّ، عن أبي يوسف أنه ذَهَب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يُجنِب، ثم ينام ولا يمس ماء»، رواه أبو داود وغيره.
وتُعُقِّب بأن الحفاظ قالوا:
إن أبا إسحاق غَلِطَ فيه، وبأنه لو صَحَّ حُمِل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز؛ لئلا يُعْتَقد وجوبه، أو أن معنى قوله: «لا يَمَسّ ماء»، أي للغسل، وأورد الطحاويّ من الطريق المذكورة، عن أبي إسحاق ما يَدُلّ على ذلك، ثم جَنَح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث، وهو صاحب القصة، كان يتوضأ، وهو جنب، ولا يغسل رجليه، كما رواه مالك في «الموطأ»، عن نافع.
وأُجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته، ومن رواية عائشة، فيُعتَمَد، ويُحْمَل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر [«الفتح» (1) / (469) – (470)].
(فائدة):
تتعلّق بقوله: «إذا توضّأ»:
قال ابن الملقّن رحمه الله: التعليق شرعًا على أربعة أقسام:
[أحدها]: تعليق واجب على واجب، كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: (6)].
[الثاني]: تعليق مستحبّ على مستحبّ، كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: (98)].
[الثالث]: تعليق واجب على غير واجب، كقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} إلى قوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: (237)].
[الرابع]: تعليق غير واجب على واجب، كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: (10)]. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: الثاني، والرابع، إنما هما على رأي الجمهور، وقد خالف بعضهم، فأوجبهما. [البحر المحيط الثجاج].
(المسألة العاشرة): في اختلاف أهل العلم في معنى الوضوء لمعادوة الجماع:
(اعلم): أنهم اختلفوا في المراد بهذا الوضوء، فقيل: هو غسل الفرج فقط مما به من أذى، قال عياض: وهو قول جماعة من الفقهاء، وقال القرطبيّ: ذهب بعض أهل الظاهر إلى أن هذا الوضوءَ هنا هو الوضوء العرفيّ، وأنه واجبٌ، واستحبّه أحمد وغيره، وذهب الفقهاء، وأكثر أهل العلم إلى أنه غسل الفرج فقط، مبالغةً في النظافة، واجتنابًا لاستدخال النجاسة، ويُستدلّ على ذلك بأمرين:
[أحدهما]: أنه قد روى هذا الحديث ليث بن أبي سُليم من حديث عمر، وقال فيه: «فليغسل فرجه» مكان: «فليَتوضّأ بينهما وضوءًا».
[وثانيهما]: أن الوطء ليس من قبيل ما شُرع له الوضوء، فإن أصل مشروعيّته للقُرَب والعبادات، والوطء ينافيه، فإنه للملاذّ والشهوات، وهو من جنس المباحات، ولو كان ذلك مشروعًا لأجل الوطء لشرع في الوطء المبتدأ، فإنه من نوع الْمُعَاد، وإنما ذلك لِمَا يتلطّخ به الذكر من نجاسة الفرج والمنيّ، فإنه مما يُكره، ويُستثقل عادةً وشرعًا. انتهى [«المفهم» (1) / (566) – (567)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هكذا قزر المسألة القرطبيّ على وجه يُتعجّب، ويُستغرب من مثله، فإن هذا التقرير اشتمل على عجائب:
(الأول): أن الحديث الذي أورده «فليغسل فرجه» رواه ليث بن أبي سُليم كما قال، وهو متروك الحديث؛ فكيف ساغ له معارضة ما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه مسلم: «فليتوضّأ وضوءًا»، مؤكدًا بالمصدر؛ ليفيد كونه وضوءًا شرعيًّا، بل جاء التصريح به فيما صححه ابن خزيمة، بلفظ: «فليتوضّأ وضوءه للصلاة»، فهل معارضة هذا الصحيح برواية ليث بن أبي سُليم من مناهج المحقّقين، أو من بضائع أهل الجدل الذين انقطعت بهم سبل الأدلة الصحيحة، فاحتاجوا للمغالطة بالواهيات؟ إن هذا لهو العجب العُجاب.
(الثاني): أن قوله: إن الوطء ليس من قبيل ما شُرع له الوضوء إلخ، من العجائب أيضًا، فَمِمَّن يريد التشريع؟، أليس الذي قال: «فليتوضّأ وضوءه للصلاة» هو الذي شرع العبادة؟، فهل هناك للتشريع معنى غير هذا؟.
(الثالث): قوله: «إن الوطء ينافي العبادة» من أين أخذه؟، أما قال الصحابة صلى الله عليه وسلم لما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «وفي بضع أحدكم أجرٌ»: «أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ …. » الحديث، أخرجه مسلم.
فهلا يكون هذا من قسم العبادة التي يُحبّها الله، ويُثيب عليها؟.
(الرابع): قوله: «لما يتلطخ به الذكر من نجاسة ماء الفرج والمني» هذا مما اختلف فيه العلماء، والراجح طهارتهما، فكيف يَستدلّ بما اختُلف فيه على معارضة مقتضى الصحيح؟، هذا شيء غريب.
فتبيّن بهذا أن الصواب في معنى الوضوء هنا هو الوضوء الشرعيّ الذي هو وضوء الصلاة، لا مطلق النظافة من غسل الفرج ونحوه، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والماب.
(المسألة الحادي عشر): في اختلاف أهل العلم في حكم هذا الوضوء:
ذهب ابن حبيب المالكيّ، والظاهريّة إلى وجوبه؛ أخذًا بظاهر الحديث.
وذهب الجمهور إلى استحبابه، وذهب أبو يوسف من الحنفيّة إلى أنه ليس بواجب، ولا مندوب، ورُدّ عليه بحديث الباب وغيره.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي القول باستحبابه هو الأرجح؛ لما سبق من رواية ابن خزيمة، حيث علّله بكونه أنشط للعود، فإنه يدلّ هذا التعليل على الندبيّة والإرشاد، يؤيّد ذلك ما رواه الطحاوقي بسنده عن عائشة قالت: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يجامع، ثم يعود، ولا يتوضّأ»، وحديث: «إنما أُمرتُ بالوضوء إذا قُمتُ إلى الصلاة».
والحاصل أن الأمر بالوضوء للندب، لا للوجوب، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [البحر المحيط الثجاج].
(المسألة الثاني عشر): من أدركه الفجر وهو جُنُب، فهل يصح صومه؟
ذهب الجمهور إلى صحة صومه؛ لحديث عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهن، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جُنُبًا من جماع، ثم يغتسل ويصوم. متفق عليه. [أخرجه البخاري ((1931)) ((1932))، ومسلم ((1109))].
وقد كان هناك خلاف في زمن التابعين، ثم استقر الإجماع على صحة الصوم كما جزم بذلك النووي،
وسبب الخلاف هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في «الصحيحين» [أخرجه البخاري برقم ((1925))، ومسلم برقم ((1109))] أنه كان يفتي يقول: «من أدركه الفجر وهو جنب فلا صوم له».
وجاء عند النسائي [انظر «السنن الكبرى» ((2) / (176) – (177))]، وغيره أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عبدالرحمن بن الحارث بعد أن سمع حديث عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما، فأخبره بحديثهما، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أهما قالتاه لك؟! قال: نعم. قال أبو هريرة: هما أعلم. ثم أخبره أنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمعه من الفضل بن عباس، ورجع عن فُتْياه.
وأما حديث الفضل بن عباس: فمنهم من حمله على أن الأمر بالغسل قبل الفجر للإرشاد.
قال الحافظ رحمه الله: ويعكر عليه التصريح في كثير من طرق الحديث بالأمر بالفطر، وبالنهي عن الصيام، فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان؟ ومنهم من حمله على من أدركه الفجر مجامعًا، فاستدام بعد طلوعه عالمًا بذلك.
قال الحافظ: ويعكر عليه ما رواه النسائي [انظر «الكبرى» ((2) / (179))] من طريق أبي حازم عن عبدالملك ابن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول: «من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم».
ومنهم من سلك مسلك الترجيح، فرجح حديث عائشة، وأم سلمة عنهن، على حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي أخذه من الفضل، وهو مسلك الشافعي، والبخاري، وابن عبد البر.
ومنهم من حمل حديث الفضل على أنه منسوخ.
قال ابن خزيمة رحمه الله: توهم بعض العلماء أن أبا هريرة رضي الله عنه غلط في هذا الحديث.
ثم رد عليه ابن خزيمة بأنه لم يغلط، وإنما أحال على رواية صادق، إلا أن الخبر منسوخ؛ لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليلة الصوم من الأكل، والشرب، والجماع بعد النوم، فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذٍ، ثم أباح الله ذلك إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه، فيلزم أن يكون اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل، ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ، فاستمر أبو هريرة على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه. اهـ
وأيد الحافظ القول بالنسخ بحديث عائشة صلى الله عليه وسلم ، الذي في «صحيح مسلم» ((1110))، أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الحجاب، فقال: يا رسول الله، يدركني الفجر وأنا جُنُب أفأصوم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وأنا يدركني الفجر، وأنا جنب فأصوم»، قال: لست مثلنا يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: «والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي».
قال الحافظ رحمه الله: ويقوي النسخ أن في حديث عائشة هذا الأخير ما يُشعر أن ذلك كان بعد الحديبية؛ لقوله فيه: «قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر».
وأشار إلى [آية الفتح]، وهي إنما أنزلت عام الحديبية عام ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية. اهـ
وإلى القول بالنسخ ذهب ابن المنذر، والخطابي، وابن دقيق العيد، ورجحه الحافظ، وتبعه الصنعاني.
انظر: «الفتح» ((1926))، «السبل» ((2) / (335) – (336)) ط/ دار الكتاب العربي. [إتحاف الأنام بأحكام ومسائل الصيام، لابن حزام، (98 – 100)].
(المسألة الثالثة عشر): الفتاوى
(100) – في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل
حديث عائشة رضي الله عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة [أخرجه «مسلم» ((305)) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن علية ووكيع وغندر، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة،].
قال الإمام أحمد: قال يحيى بن سعيد: رجع شعبة عن قوله: يأكل.
قال أحمد: وذلك لأنه ليس أحد يقوله غيره، إنما هو في النوم [ابن رجب في «شرح البخاري» (1) / (350)]. [الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث (14) / (135)].
(المسألة الرابعة عشر): فوائد الحديث
1 – (منها): بيان مشروعيّة الوضوء للجنب عند إرادة النوم تخفيفًا.
2 – (ومنها): بيان أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يُضيّق عند القيام إلى الصلاة، وهذا أمر مُجمع عليه،
قال النوويّ رحمه الله تعالى: وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة،
هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين، أو إنزال المنيّ، أم هو القيام إلى الصلاة، أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا، ومن قال: يجب بالجنابة، قال: هو وجوب مُوسَّع، وكذا اختلفوا في موجب الوضوء، هل هو الحدث، أم القيام إلى الصلاة، أم المجموع؟ وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض، هل هو خروج الدم، أم انقطاعه؟، والله تعالى أعلم. انتهى [«شرح النوويّ» (3) / (219)].
3 – (ومنها): استحباب التنظّف عند النوم، قال ابن الجوزيّ رحمه الله تعالى: والحكمة فيه أن الملائكة تبعُد عن الوسخ، والريح الكريهة بخلاف الشياطين، فإنها تقرُب من ذلك، أفاده في «الفتح».
4 – (ومنها): أن في قولها: «وضوءه للصلاة» دلالةً على أن المراد بالوضوء هنا هو الوضوء الشرعيّ، لا اللغويّ، وبه قال جمهور العلماء، فيُردّ به على الطحاويّ حيث جنح إلى أن المراد به التنظيف، واحتجّ بأن ابن عمر رضي الله عنها روى هذا الحديث، وكان يتوضّأ، وهو جنبٌ، ولا يغسل رجليه، كما رواه مالك في «الموطّأ» عن نافع، عنه، ويردّ أيضًا بأن مخالفة الراوي لما روى لا تقدح في مرويّه، ولا تصلح لمعارضته، وقد أشبعت الكلام في هذا في «شرح النسائيّ»، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
5 – (ومنها): ما قيل: إن الحكمة في هذا الوضوء تخفيف الحدث، ولا سيّما على القول بجواز تفريق الغسل، فينويه، فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ويؤيّده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات، عن شدّاد بن أوس الصحابيّ رضي الله عنه، قال: «إذا أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام، فليتوضّأ، فإنه نصف غسل الجنابة» [«الفتح» (1) / (669)].
وقيل: الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه، وقد رَوَى البيهقيّ بإسناد حسن، عن عائشة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب، فأراد أن ينام توضأ، أو تيمم، وَيحْتَمِل: أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، ذكره في «الفتح» [«الفتح» (1) / (469)].
وقال النوويّ رحمه الله: واختَلَفَ العلماءُ في حكمة هذا الوضوء، فقال أصحابنا: لأنه يُخَفِّف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء، وقال أبو عبد الله المازريّ رحمه الله: اختُلِف في تعليله، فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين؛ خشيةَ أن يموت في منامه، وقيل: بل لعله أن يَنشَط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه، قال المازريّ: ويجري هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن عَلَّل بالمبيت على طهارة استحبّه لها. انتهى.
قال النوويّ: وأما أصحابنا فإنهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء؛ لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب. انتهى [«شرح النوويّ» (3) / (218)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: ما ذهب إليه الشافعيّة من عدم استحباب الوضوء للحائض هو الحقّ؛ لأنه لا دليل عليه، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
6 – (منها): “جواز تأخير الغسل عن الجنابة.
7 – (منها): بيان ما كان عليه السلف من الحرص على السؤال في أمور دينهم.
8 – (ومنها): بيان ما كانوا عليه من تتبّع أفعال النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأقواله، وأحواله حتى يقتدوا به فيها، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على ذلك، قال الله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: (158)].
9 – (ومنها): سماحة الشريعة، وسهولتها، حيث لم تضيّق على أهلها بإيجاب الغسل كلّما أجنب الإنسان؛ إذ فيه حرج شديد، والحرج مرفوع بالنصّ، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: (78)]، وهذه نعمة عظمى ينبغي أن تقابل بالشكر، كما فعل عبد الله بن قيس هنا، حيث قال: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، أي حيث أباح لنا الأمرين: تقديم الغسل على النوم وتأخيره، وبيّن ذلك لنا النبيّ صلى الله عليه وسلم . (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ؟ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ، قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً) [م: [(711)] ((307))]. [البحر المحيط الثجاج].
10 – (منها): بيان جواز وطء الزوجة مرّة ثانيةً من إحداث اغتسال للأول.
11 – (ومنها): مشروعيّة الوضوء بين الجماعين، سواء كان الجماع لنفس المرأة، أو لغيرها؛ لكونه أنشط للعود، كما علّله في رواية ابني خزيمة، وحبّان.
12 – (ومنها): بيان أن الاغتسال من الجنابة ليس على الفور، بل إنما يُضيّق عند إرادة الصلاة ونحوها، مما لا يجوز إلا بالغسل.
13 – (ومنها): بيان جواز كثرة الجماع، بل هو مستحبّ، لأنه سبب لكثرة النسل، وقد رغّب النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقد أخرج أحمد بسند صحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نَهْيًا شديدًا، ويقول: «تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة» [حديث صحيح، أخرجه أحمد في: «مسنده» برقم ((12152) و (13080))]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
14 – (ومنها): السُّؤالُ عن المُهمَّاتِ، وعدَمُ الحَياءِ من ذلك.