1، 2 نفح الطيب شرح أحاديث في الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
[(1) – كتاب الإخلاص] ((1))
(1) – (الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة)
(1) – ((1)) [صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: «انطلقَ ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم، حتى آواهمُ المبيتُ إلا غارٍ، فدخلوه، فانحدَرَت صخرةٌ من الجبل، فَسَدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعُوا الله بصالحِ أعمالِكم.
فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنت لا أغبُقُ قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى ((2)) بي طلبُ شجرٍ يومًا فلم أُرِحْ ((3)) عليهما حتى ناما، فحلبتُ لَهما غَبوقَهما، فوجدتُهما نائمين، فكرهتُ أن أغبُقَ ((4)) قبلَهما أهلًا ولا مالًا، فلبثتُ والقَدَحُ على يدي، أنتظر استيقاظهما، حتى بَرَقَ الفجرُ، (زاد بعض الرواةُ: والصبيةُ يتضاغَوْن عند قَدَميَّ)، فاستيقظا، فشربا غَبوقَهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففرِّجْ عنا ما نحنُ فيه من هذه الصخرةِ، فانْفَرَجَتْ شيئًا لا يستطيعون الخروجَ، -قال النبي
قالَ الآخرُ: اللهم كانتْ لي ابنةُ عم كانت أحبُّ الناس إلي، فأرَدْتُها عن نفسها، فامتنعتْ مِني، حتى ألَمَّتْ بها سَنَةٌ من السنين، فجاءتني، فأعطيتُها عشرين ومئة دينارٍ، على أن تُخلِّيَ بيني وبين نَفسِها، فَفَعلتْ، حتى إذا قَدَرْتُ عليها قالت: لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فتخرّجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهم إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافرُجْ عنّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها، -قال النبي :-
وقال الثالثُ: اللهم إني استأجرتُ أُجَراء، وأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ، تَرك الذي له وذَهَبَ، فثمَّرتُ أجرَه، حتى كثُرَتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حين، فقال لي: يا عبدَ الله أدِّ إليَّ أجري. فقلتُ: كلُّ ما ترى من أجرِك؛ من الإبل والبقر والغنم والرقيق! فقال: يا عبدَ الله! لا تَسْتَهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئُ بك، فأخذه كلَّه، فاستاقه، فلم يتركْ منه شيئًا. اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ فافرُجْ عنا ما نحن
فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشون.
وفي رواية: أن رسول الله قال:
“بينما ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قَبلكم يمشون، فأصابهم مطرٌ، فأوَوْا إلى غارٍ، فانطبقَ عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه واللهِ يا هؤلاءِ لا يُنجيكم إلا الصدقُ، فليدْعُ كلُّ رجلٍ منكم بما يعلم أنه قد صَدَقَ فيه، فقال أحدُهم: اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنه كان لي أجيزٌ، عمِلَ لي على فَرَقِ من أرزٍّ، فذهب وتَرَكه، وأني عَمَدْتُ إلى ذلك الفَرَق فَزَرَعْتُه، فصار من أمرهَ إلى أن اشتريتُ منه بقرًا، وأنّه أتاني يطلبُ أجرَه، فقلتُ له: اعمِدْ إلى تلك البقرِ؛ فإنها من ذلك الفَرَقِ،
فساقها، فإنْ كنتَ تَعلمُ أنّي فعلتُ ذلك من خشيتِكَ ففرِّجْ عنا، فانساحَتْ عنهم الصخرةُ»، فذكر الحديث قريبًا من الأول.
رواه البخاري ومسلم والنسائي.
(2) – ((2)) [صحيح] ورواه ابن حبان في «صحيحه» من حديث أبي هريرة باختصار، ويأتي لفظه في [ج (2) / (22) – البر/ (1)] «بر الوالدين» إنْ شاء الله تعالى.
قوله: «وكنت لا أغبقُ قبلهما أهلًا ولا مالًا».
(الغَبوق): بفتح الغين المعجمة هو الذي يشرب بالعشي، ومعناه كنت لا أقدّم عليهما في شرب اللبن أهلًا ولا غيرهم.
(يَتضاغون) ((1)): بالضاد والغين المعجمتين، أي: يصيحون من الجوع.
(السَّنَة): العام القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئًا سواء نزل غيث أم لم ينزل.
(تفضّ الخاتم): هو بتشديد الضاد المعجمة، وهو كناية عن الوطء.
(الفَرَق): بفتح الفاء والراء مكيال معروف.
(فانساحت) ((2)): هو بالسين والحاء المهملتين، اي: تَنَحَّتِ الصخرة وزالت عن فم الغار.
:::::::::::::::::::
الشرح:
الإخلاص من أسباب تفريج الكربات، و كل عبادة ليس فيها إخلاص فتكون هباءا منثورا، و تعب بلا فائدة، و قد حث الشارع على أهمية الإخلاص في جميع أقوالك و أعمالك و حركاتك و سكناتك، و قبل الكلام على الحديث و نقل فوائد العلماء، ننظر الى بعض أقوال السلف في الإخلاص و خوفهم من الرياء. فاليكم
أقوال السلف في الإخلاص
قال ابن تيمية: الإخلاص هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. [الإيمان الأوسط – ط ابن الجوزي (1) / (583) —
ابن تيمية (ت (728))].
وقد ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ((2) / (95)) تعريفات أخرى للإخلاص غير ما ذكر، منها: «قيل: التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك، وقيل: من شهد في إخلاصه الإخلاص، احتاج إخلاصه إلى إخلاص، وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء يكون ظاهره خيرًا من باطنه .. ، وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق .. ».
و قد ذكر النووي رحمه الله في كتابه الأذكار (0) (34)): وعن حُذيفة المَرْعَشِيّ رحمه الله، قال: الإخلاصُ أن تستوي أفعالُ العبد في الظاهر والباطن. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص؛ راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: (30)].
(19) – ورُوِّينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله، قال: الإخلاصُ إفرادُ الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يُريد بطاعته التقرّب إلى الله تعالى دون [أي] شيء آخر؛ من تَصنعٍ لمخلوق، أو اكتساب مَحْمَدَةٍ عند الناس، أو محبّة مدحٍ من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرّب إلى الله تعالى. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص].
(20) – وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ رضي الله عنه: نظر الأكياسُ في تفسر الإخلاص، فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركتُه وسكونه في سرِّه وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه [شيءٌ، لا] نَفسٌ، ولا هوىً، ولا دنيا. [بستان العارفين، رقم: (82)؛ التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: (33)].
ما الفرق بين الإخلاص والصدق؟ [*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: وقد تنوعت عبارتهم في الإخلاص والصدق والقصد واحد. فقيل: «هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة» وقيل: «تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين» وقيل: «التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك» «و الصدق التنقي من مطالعة النفس» «فالمخلص لا رياء له» «والصادق لا إعجاب له» «ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا الصدق إلا بالإخلاص» ولا يتمان إلا بالصبر وقيل: «من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص» فنقصان كل مخلص في إخلاصه: بقدر رؤية إخلاصه فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص صار مخلصا مخلصا.
علامات الإخلاص:
وعن ذي النون المصري رحمه الله، قال: ثلاثٌ من علامات الإخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة. [الرسالة القشيرية: باب الإخلاص، حلية الأولياء، (9) / (361)؛ راجع: التبيان في آداب حملة القرآن، رقم: (31)].
من فوائد الحديث:
قال ابن هبيرة:
*وفي هذا الحديث من الفقه أن الدعاء في الشدة أقمنه بالإجابة ما صدق داعيه فيه، وهو أن يدعو الله سبحانه وتعالى جاعلًا وسيلته ما كان من عمل صالح يذكر منه كلما لا يعلم الله تعالى خلافه، وليس هذا مما يخرج مخرج التمنن بالعبادة، ولكن هذا الداعي بذكره هذا قد استشهد إيمانه الماضي بإخلاصه فيه حيث ظهر منه ذلك الإيمان في حالة الرخاء؛ فكان هو الذي أنقذه الله به في الشدة.
*وفيه أيضًا أن هؤلاء الثلاثة لما اشتدت بهم الأزمة لم يفزعوا إلى مخلوق بأن يقولوا: نحتال في قلع هذه الصخرة أو حفرها أو نقرها أو غير ذلك، بل فزعوا إلى الله تعالى، فكان عونه هو الأقرب الأرجى.
*وفيه أيضًا أن المسلم إذا حاطت به الشدة فلا ينبغي له أن يستصرخ ويسقط في يديه، وتمتد عنقه للهلاك بل يلجأ إلى الدعاء فيكون هجيراه فإنه في ذلك الوقت الشديد يكون مخلصًا في الدعاء فليغتنمه.
*وفيه أيضًا أن هؤلاء الثلاثة كانوا أصولًا في ثلاثة أمور كلها عظيم الشأن فسنوا سنة الحسنى فيها إلى يوم القيامة، وهي التي شكر النعمة التي من أرفعها بر الوالدين، وكسر الشهوة التي من أشدها قذع النفس عن الجماع بعد جلوس الرجل من المنزلة ذلك المجلس، والأخرى أداء الأمانة لمن لا يخاف ولا يرجي.
فكانت هذه الأصول الثلاثة إذا نظر فيها حق النظر، وجدت مشتملة على ثغور العبادة لله تعالى؛ فلذلك لما اجتمعت من الثلاثة في حال واحدة، ودعوا بها دعوة رجل واحد، رفع الله بها الصخرة الهابطة من الجبل، خارًقا سبحانه وتعالى العادة في مثلها، واستمر ذلك حديًثا تكلم به محمد ، ورواه عنه الثقات ليعمل به لا ليتخد سمرًا فقط، ومما يحض على أن لا يستطرح الإنسان عند انقطاع حيلته بنزول البلاء واشتداده بل يفزع إلى الدعاء.
فإنه كنت مرة في جوف الليل نائمًا في زمان مر أخال أنه في أول نصف الليل الثاني، فأيقظني الله سبحانه وتعالى وأوقع في نفسي أن الشيخ محمد ابن يحيى- رحمه الله- في مثل هذه الليلة الباردة مع قلة كسوته يخاف عليه من أذية البرد فناديت غلامًا لنا اسمه كان (يحيى) بيت في الدار عندي. وقلت له: خذ في شيء نارًا، وأقصد به إلى بيت الشيخ محمد بن يحيى فأخذ مجمرة وملأها نارًا من تنور هناك، وذهب بها إليه، فلما كان بعد ذلك بيوم أو يومين؛ وقد جلسنا في المسجد فقال الشيخ محمد بن يحيى: إني كنت قد غشيث أهلي ثم اغتسلت في الليل بالماء البارد فأصابتني وإياها ما تخيلت أن الموت قد دنا أو نحو ذلك، ثم قلت لنفسي: والله لا أستطرح هكذا بل أدعو الله سبحانه وتعالى قال: فمددت يدي ودعوت الله بأن يعيننا مما نحن فيه، فإذا الباب يدق، وإذا قد جاء (يحيى) الغلام بمجمرة نار من عندك، فلما حدثني بذلك كثر تعجبي من إيقاظي لذلك، فكأنه وقت خروج الدعاء منه أيقظت لأجله، وقد كان الله تعالى قادرًا على إدفائه وأهله بغير نار، ولكن الله تعالى أراد بما قدره من ذلك إظهار كرامة الشيخ وما يتبع ذلك من فضله سبحانه، إذا دعاه المضطر أنه مجيب ليعرف سبحانه، فإنني لا أحقق أنني نفذت إليه نارًا قبل تلك الليلة ولا بعدها.
*وفيه من الفقه: التنبيه على حسن تدبير المؤمن في إصلاح المال له ولغيره إذا كان ينمي اليسير منه، فيكثر ويتضاعف. [الإفصاح ((4) / (38) – (41))].
و في الحديث: استحباب الدعاء حال الكرب والتوسل بصالح العمل، وفيه فضيلة بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما، وفيه فضل العفاف، وفيه فضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة وإثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل الحق.
انظر: دليل الفالحين (1) / (86).
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله
ففي هذا الحديث من الفوائد والعبر: فضيلة بر الوالدين؛ وأنه من الأعمال الصالحة التي تفرج بها الكربات، وتزال بها الظلمات.
وفيه: فضيلة العفة عن الزنا، وأن الإنسان إذا عف عن الزنا- مع قدرته عليه- فإن ذلك من أفضل الأعمال، وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله».
فهذا الرجل مكنته هذه المرأة التي يحبها من نفسها، فقام خوفًا من الله عز وجل، فحصل عنده كمال العفة، فيرجي أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وفي هذا الحديث أيضًا: دليل علي فضل الأمانة وإصلاح العمل للغير، فإن هذا الرجل بإمكانه- لما جاءه الأجير- أن يعطيه أجرته، ويبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وثقته وإخلاصه لأخيه ونصحه له؛ أعطاه كل ما أثمر أجره.
ومن فوائد هذا الحديث: بيان قدرة الله – عز وجل- حيث إنه تعالي أزاح عنهما الصخرة بإذنه، لم يأت آله تزيلها، ولم يأت رجال يزحزحونها، وإنما هو أمر الله عز وجلن أمر هذه الصخرة أن تنحدر فتنطبق عليهم ثم أمرها أن تنفرج عنهم، والله سبحانه- على كل شيء قدير.
وفيه من العبر: أن الله تعالي سميع الدعاء؛ فإنه سمع دعاء هؤلاء واستجاب لهم.
وفيه من العبر: أن الإخلاص من أسباب تفريج الكربات؛ لن كل واحد منهم يقول: «اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه».
أما الرياء- والعياذ بالله- والذي لا يفعل الأعمال إلا رياء وسمعة، حتى يمدح عند الناس؛ فإن هذا كالزبد يذهب جفاء، لا ينتفع منه صاحبه،
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص له؛ فالإخلاص هو كل شيء زلا تجعل لأحد من عبادتك نصيبًا، اجعلها كلها لله وحده، عز وجل- حتى تكون مقبولة عند الله؛ لأنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالي أنه قال: «أنا أغني الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» والله الموفق.
[شرح رياض الصالحين ((1) / (384) – (385))].
تنبيه:
قال العلامة الألباني رحمه الله: أما غير هذه التوسلات الأربعة: التوسل باسم من أسماء الله، أو بصفة من صفات الله، أو بعمل الداعي الصالح، أو التوسل بدعاء الرجل الصالح، ما سوى ذلك من التوسلات فكلها من محدثات الأمور، وطالما سمعتم قول الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وشر البدع ما كان منها يؤدي إلى إشراك بالله تبارك وتعالى.
وبعض هذه التوسلات المبتدعة غير مشروعة كثيرًا ما يختلط بها ما هو الشرك الأكبر، كقولهم: اللهم إني أسألك بحق فلان وبحق فلان .. بجاه نبيك أو بنحو ذلك؛ لأن هذا التوسل يُشعر أن هذا المُتوسِل يعتقد أن المتوسَّل به له تأثير على الله عز وجل، وأن الله ليس يفعل ما يشاء كما نص القرآن .. إن الله عز وجل يفعل ما يشاء: {وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ} (الإنسان: (30)) بل بعض هؤلاء المتوسلين يشعرون أنفسهم بأن لصاحب الجاه تأثيرًا على الخالق للناس أجمعين، والدليل على ذلك كما جربنا كثيرًا وناقشنا فيهم أي: العامة وبعض الخاصة، يقولون في إنكارهم علينا حينما ننكر عليهم التوسل المبتدع بغير هذه التوسلات الأربعة، يقولون يضربون مثلًا وبئس المثل:
أليس إذا كان لأحدنا حاجة عند ملك أو وزير أو أمير أنه لا بد من أن يقدم إليه واسطة لنقضي حاجتنا، نقول: نعم هكذا الناس، ولكن هل هذا مدح لذاك الأمير أو الوزير أو الملك أم هو قدح؟
فنقول حينئًذ: اتقوا الله عز وجل، لو أنكم شبهتم رب العالمين بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لكفرتم؛ لأن الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: (11)) فكيف وأنتم قد أبيتم أن تشبهوا الله بالأمير العادل والتشبيه هذا كفر حتى شبهتموه بالظَلَمة من الحكام والأمراء، أفلا تتقون؟!
إذا اقترن بالتوسل هذا المعنى وهو شرك في الربوبية وليس فقط بالعبادة، أما إذا تعرى التوسل عن هذا التشبيه للخالق بالمخلوقين فهو بدعة وكفى بذلك تحذيرًا كما سمعتم آنفًا من قوله عليه السلام: «وإياكم ومحدثات الأمور … » إلى آخر الحديث.» رحلة النور” (ب (42) / (00): (08): (32)) باختصار
التوسل البدعي التوسل بالذوات:
أما التوسل بالذوات، ذات فلان، وذات فلان، أو جاه فلان، أو حق فلان، هذا توسل بدعي، ولا يتوسل بجاه فلان، ولا بحق فلان، ولا بالنبي فلان، ولا بذات فلان، هذا توسل بدعي. [فتاوى نور على الدرب ((2) / (137)).