٩ – فتح رب البرية في شرح القواعد الفقهية والأصولية
أحمد بن علي وأسامة
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
القواعد الفقهية
رقم القاعدة: 9
نص القاعدة: الأصْلُ عُمومُ الأحْكَامِ وتَسَاوي الناسِ فيها
صيغ أخرى للقاعدة:
1 – حكم الله على العباد واحد
2 – أحكام الشريعة عامة لا خاصة
3 – الأصل في الشرائع هو العموم في حق الناس كافة
4 – الشريعة سوَّتْ بين الناس إلا ما قام الدليل على تخصيصه
5 – الأحكام عامة إلا حيث يرد التخصيص
قواعد ذات علاقة:
1 – ما شرعه الله للرجال فالنساء مثلهم [7] /قاعدة متفرعة
2 – يدخل الكافر تحت خطاب الناس وكلِّ لفظ عام /قاعدة متفرعة
شرح القاعدة:
المعنى الإجمالي لهذا المبدأ, أو لهذه القاعدة, يفيد أن الأصل في أحكام الشريعة, هو كونها تشمل جميع الناس, وتنطبق عليهم على قدم المساواة.
فهي تتكون من شطرين متلازمين, كل منهما يدل على الآخر ويقتضيه: العموم, والتسوية . فالتسوية بين الناس تقتضي الحكم عليهم بحكم واحد, أي تعميم الحكم المعين على عموم الناس. ووجودُ أحكام عامة للناس معناه التسوية بينهم, ومعاملتهم معاملة واحدة. فالمعنيان متلازمان, وهما الأصل في أحكام الشريعة وقواعدها التشريعية, وأما التمييز والتخصيص في الأحكام, فهو الاستثناء.
فأما التسوية, أو المساواة, فأصلها الأول هو الخِلقة التي خلق اللهُ الناسَ عليها. فقد خلقهم جنسا واحدا, من مادة واحدة, ونفخة واحدة, {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} سورة (ص) – 71 – 72. ومن هذا الأصل الواحد انبثقت الصفات والخصائص المشتركة بين بني آدم, سواء كانت جسدية, أو نفسية, أو قلبية, أو اجتماعية.
أدلة القاعدة:
1 – {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف-26, 27].
2 – {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف-31].
3 – {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} [الأعراف-35].
4 – {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات-13].
5 – وفي حجة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا أيها الناس ألاَ إن ربكم واحد وإن أباكم واحد, لا فضل لعَربي على عجمي ولا لِعجمي على عربي ولا لأسودَ على أحمرَ ولا لأحمرَ على أسود إلا بالتقوى ”
6 – عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم, إنما هم فحم من جهنم أو ليكونن على الله أهون من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه, إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها؛ إنما هو مؤمن تقي, أو فاجر شقي, كلكم بنو آدم وآدم من تراب ”
7 – عَنْ عَائِشَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ « … إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ » .
… تطبيقات القاعدة:
1 – عن عائشة رضى الله عنها أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فكلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال «أتشفع في حد من حدود الله». ثم قام فخطب قال: «يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه , وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد, وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ».
استثناءات من القاعدة:
… لهذه القاعدة استثناءات كثيرة ومتنوعة, تبعا لسَعة التنوع والاختلاف بين أصناف الناس وأحوالهم التي يقوم التشريع على أساسها ولأجلها.
1 – قال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [سورة السجدة-18]. والفاسق في هذه الآية جاء مقابل المؤمن, فدل ذلك على أن الفسق هنا بمعنى الكفر والشرك. فالآية تنفي المساواة بين المؤمن والكافر, فيما هو ناجم عن الإيمان والكفر من الصفات ومن الاستحقاقات. وهذا ينطبق بالدرجة الأولى في الآخرة. ولكن تنبني عليه آثار وأحكام في الدنيا أيضا. منها منع ولاية الكافرين على المؤمنين {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [سورة النساء-141]. فلا يجوز للمؤمنين أن يكونوا تحت سلطان الكافرين وولايتهم, إلا أن يقع ذلك اضطرارا. ومنها, منع زواج المسلمة بالكافر, لأنه يجعلها تحت ولاية الكافر وقوامته.
2 – تعدد الأزواج, أبيح للرجال دون النساء.
3 – لبس الذهب والحرير, أبيح للنساء دون الرجال.
4 – النفقة فرضت على الرجال دون النساء.
5 – العدة في الطلاق والوفاة, فرضت على النساء دون الرجال.
قد يبدو أن هناك شيئاً مَن التعارض بين عموم أحكام الشريعة الإِسلامية، وكون كثير من الآيات نزلت في مناسبات خاصة
القرآن من حيث سبب النزول على قسمين: قسم نزل ابتداءً من غير سبب خاص، وإنما اكتفاء بالسبب العام، وقسم نزل بسبب خاص.
ومثال ذلك قول الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)} [الليل: 17 – 18] فقد قيل إنَّها خاصة في أبي بكر الصِّديق على اعتبار”ال” في “الأتقى” للعهد، والمعهود هو الصِّديق – رضي الله عنه -.
القسم الثاني: أن يكون السبب خاصًّا واللفظ عامًّا، وهذا الذي اختلف فيه العلماء: هل العبرة بخصوص السبب أم بعموم اللفظ؟
نُسِبَ إلى أبي الحسن الأشعري والمزني وأبي ثور والشافعي وبعض أصحابه القول بأن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، أي أن الآيات التي نزلت في أسباب خاصة تثبت أحكامها لمن نزلت فيهم حصرًا ولا تعمّ غيرهم.
أما جمهور العلماء فقد ذهبوا إلى أنه مادام اللفظ عامّاً فإن الحكم يتناول كلّ أفراد اللفظ، سواء منها أفراد سبب النزول، وغيرها مما يمكن أن ينطبق عليه.
يقول ابن تيمية: “والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب: هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعيَّن، وإنما غاية ما يقال: إنَّها تختص بنوع ذلك الشخص، فيعمّ ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ. والآية التي لها سبب معيَّن إن كانت أمراً أو نهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته”.