[٦٦٦٨] (٢٦٢٧) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وعبدالملك
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(٤٤) – (بابُ اسْتِحْبابِ الشَّفاعَةِ فِيما لَيْسَ بِحَرامٍ)
[٦٦٦٨] (٢٦٢٧) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وحَفْصُ بْنُ كِياثٍ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسى رضي الله عنه، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ – إذا أتاهُ طالِبُ حاجَةٍ أقْبَلَ عَلى جُلَسائِهِ، فَقالَ: ((اشْفَعُوا، فَلْتُؤْجَرُوا، ولْيَقْضِ اللهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ)).
==========
التمهيد:
“يقول الله تعالى ﴿من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا﴾ [النساء ٨٥] الشفاعة وهي طلب الخير للغير من الغير .
وهذا الحديث توجيه للحاشية أن يكونوا ألسنة خير ومعروف ومساعدة لا أن يكونوا ألسنة شر وأعوانا للشياطين «اشفعوا تؤجروا» إذا عرضت قضية أمامكم فحاولوا جبر العثرات واقترحوا على الحاكم العفو وتخفيف العقوبات يكن لكم أجركم من الله قبلت شفاعتكم أو لم تقبل، وما شفاعتكم إلا نصيحة ودعوة إلى الخير، وسيقضي الحاكم بما يشاء الله حكمه وكان الله على كل شيء قديرا”.[فتح المنعم]
“إن من حكمة الله في خلقه أن خلق الناس متفاوتين في منازلهم، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام: 165] ، وسخر بعض خلقه لبعض {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّ} [الزخرف: 32 ]
قال الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]
كان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يمنعه عن قضاء حاجة المحتاج أنه غير معروف ، فعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجته [رواه مسلم: (2326).] .
وإن الإحسان إلى الناس وقضاءَ حوائجِهم من أسباب انشراح الصدر وسرور النفس، يقول ابن القيم – رحمه الله -: “ومن أسباب شرح الصدر: الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال، والجاهِ، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم قلباً” [زاد المعاد: (2/25).] .
تنبيه وتوضيح لبعض النقاط حول الموضوع، فمن ذلك:
- إن قضاء حوائج الناس ونفعَهم معنى واسع قد يحجره البعض، فقضاء الحوائج يشمل نفعَهم بالمال والخدمة والعلم والشفاعة الحسنة والرأي والنصيحة والمشورة. وإن الأمر يتأكد حينما تشتد الحاجة لقضاء الحاجة وذلك في صورة الضعفاء كالمرأة واليتيم وكبير السن والغريب المنقطع
- من سعى لأخيه فلم تقض حاجته أو ردت شفاعته فلا يحزن ولو عظم قدره، فقد ردت امرأةٌ شفاعة النبي صلى لله عليه وسلم ، وذلك في قصة بريرة مع زوجها مغيث [رواه البخاري: (5268).] .
3– وهو في غاية الأهمية-، وهو محذور من المحاذير يكثر في قضاء حوائج الناس والشفاعة لهم ينبغي التنبه والتنبيه عليه: الشفاعة في أمر محرم، أو في اقتطاع حق امرئ مسلم، أو في إلحاق الضرر به أو غيره، أو في تقديم المؤخر، أو تأخير المقدم، فهذه الشفاعة أو ما يسمى في عرف الناس (الواسطة) تكون محرمة في مثل هذه الصور لما يترتب عليها من الظلم والضرر والغش
أولاً: تخريج الحديث وشرحه ، وبيان مفرداته:
١- تخريجه وتبويبات الأئمة؛
أخرجه البخاري في صحيحه في عدة مواضع بوب على أول المواضع 6026 بَابُ تَعَاوُنِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وأورد حديث أبي موسى وفي أوله: ” «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ، أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ …” الحديث.
* ثم بوب الباب الذي يليه بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} {كِفْلٌ} [النساء: 85]: نَصِيبٌ قَالَ أَبُو مُوسَى: {كِفْلَيْنِ} [الحديد: 28]: أَجْرَيْنِ، بِالحَبَشِيَّةِ، ثم أورد حديث أبي موسى 6027.
* وأورده في كتاب التوحيد في آخر صحيحه في بَاب فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} برقم 7476.
* بوب المنذري في مختصر مسلم باب في شفاعة الجلساء.
وبوب النسائي:
٦٥ – (الشَّفاعَةُ فِي الصَّدقَةِ)
أي هذا باب ذكر الحديثين الدّالّين على مشروعية الشفاعة في الصدقة، وأن ذلك ليس من المسألة المذمومة الآتي بيانها في باب «المسألة»، إن شاء اللَّه تعالى.
ومعنى الشفاعة في الصدقة أن يشفع الشخص للفقير عند الغنيّ حتى يدفع إليه الصدقة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب. انتهى من شرح ذخيرة العقبى
* جمع ابن الأثير روايات حديث أبي موسى الأشعري في جامع الأصول:
4807 – (خ م ت د س) أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه -: قال: «كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- جالساً، فجاء رجل يسأل؟ فأقبل علينا بوجهه، وقال: اشفعُوا لِتُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللهُ على لسانِ نبيهِ مَا شاءَ» .
وفي رواية: «كان إِذا أتَاه طالبُ حاجة أقْبَلَ على جُلسَائِهِ، فقال: اشْفَعُوا تُؤجَرُوا … » وذكر الحديث. أَخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
وفي رواية أَبي داود، والنسائي قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «اشفعوا إِليَّ لِتُؤْجَروا، ولَيَقْضِ الله على لسانِ نبيه ما شاء» .
* وجاء في سنن أبي داود 5132 من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما مرفوعا: (د س) معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما -: قال: «اشفعوا تُؤجروا، فإني أُريدُ الأمرَ فأُؤخِّرُهُ كَيْما تشفعوا فتُؤجروا، فَإِنَّ [ص:572] رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: اشفعوا تُؤْجَرُوا» . أخرجه أبو داود. [صححه الألباني وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 1122]
وفي رواية النسائي: «إِن الرجلَ لَيَسألُني الشيءَ فَأَمنَعهُ حَتَّى تَشْفَعُوا فيه فَتُؤْجَرُوا، و إِنَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: اشفعوا تُؤجروا» ، ولم يزد على هذا .
قال العباد:
وهذا يدلنا على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أحرص الناس على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ، لهذا معاوية يقول: إنه يريد الأمر فيؤخره من أجل أن يشفعوا فيكون لهم نصيب من الأجر، وذلك بشفاعتهم. أما المشفوع له فعليه أن يلجأ إلى الله عز وجل ”
من الأحاديث في الباب :
من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
وكل الأحاديث التي فيها فضل قضاء حوائج الناس تدخل في الباب لأن الشفاعة تعتبر من قضاء حوائج الناس فهي زكاة الجاه كما قال بعض الفضلاء .
الشفاعة الشركية ليست من دعوة الرسل:
قال ابن تيمية:
﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥].
فالمَسِيحُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسَلامُهُ ومَن قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ إنَّما دَعَوْا إلى عِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وفِي التَّوْراةِ مِن ذَلِكَ ما يَعْظُمُ وصْفُهُ، لَمْ يَأْمُرْ أحَدُ الأنْبِياءِ بِأنْ يُعْبَدَ مَلَكٌ ولا نَبِيٌّ ولا كَوْكَبٌ ولا وثَنٌ، ولا أنْ تُسْألَ ولا تُطْلَبَ الشَّفاعَةُ إلى اللَّهِ مِن مَيِّتٍ ولا غائِبٍ، لا نَبِيٍّ ولا مَلَكٍ، فَلَمْ يُأْمَرْ أحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ بِأنْ يَدْعُوَ المَلائِكَةَ، ويَقُولَ: اشْفَعُوا لَنا إلى اللَّهِ ولا يَدْعُوَ الأنْبِياءَ والصّالِحِينَ المَوْتى والغائِبِينَ، ويَقُولَ: اشْفَعُوا لَنا إلى اللَّهِ ولا تُصَوَّرُ تَماثِيلُهُمْ لا مُجَسَّدَةً ذاتَ ظِلٍّ، ولا مُصَوَّرَةً فِي الحِيطانِ، ولا بِجَعْلِ دُعاءِ تَماثِيلِهِمْ وتَعْظِيمِها قُرْبَةً وطاعَةً، سَواءٌ قَصَدُوا دُعاءَ أصْحابِ التَّماثِيلِ، وتَعْظِيمَهُمْ والِاسْتِشْفاعَ بِهِمْ، وطَلَبُوا مِنهُمْ أنْ يَسْألُوا اللَّهَ – تَعالى -، وجَعَلُوا تِلْكَ التَّماثِيلَ تَذْكِرَةً بِأصْحابِها، أوْ قَصَدُوا دُعاءَ التَّماثِيلِ ….. الجواب الصحيح ٣/١١٤
الشفاعة قد يكون نفعها للشافع أعظم:
قال ابن تيمية في تفسير آيات الشفاعة:
ولا تَنْفَعُ إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ مِن هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ. فَكَما أنَّ الإذْنَ لِلطّائِفَتَيْنِ فالنَّفْعُ أيْضًا لِلطّائِفَتَيْنِ. فالشّافِعُ يَنْتَفِعُ بِالشَّفاعَةِ. وقَدْ يَكُونُ انْتِفاعُهُ بِها أعْظَمَ مِن انْتِفاعِ المَشْفُوعِ لَهُ. ولِهَذا قالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ ﴿اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. ويَقْضِي اللَّهُ عَلى لِسان نَبِيِّهِ ما شاءَ﴾. ولِهَذا كانَ مِن أعْظَمِ ما يُكْرِمُ بِهِ اللَّهُ عَبْدَهُ مُحَمَّدًا ﷺ هُوَ الشَّفاعَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِها. وهِيَ المَقامُ المَحْمُودُ الَّذِي يَحْمَدُهُ بِهِ الأوَّلُونَ والآخرون. وعَلى هَذا لا تَحْتاجُ الآيَةُ إلى حَذْفٍ بَلْ يَكُونُ مَعْناها:
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ لا شافِعًا ولا مَشْفُوعًا ﴿إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وقالَ صَوابًا﴾. ولِذَلِكَ جاءَ فِي الصَّحِيحِ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ ﴿يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ لا أمْلِكُ لَكُمْ مِن اللَّهِ مِن شَيْءٍ. يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لا أمْلِكُ لَك مِن اللَّهِ مِن شَيْءٍ، يا عَبّاسُ عَمَّ ….
مجموع الفتاوى 14/394
* [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأنه مسلسلٌ بالكوفيين من أوله إلى آخره، وأبو موسى – رضي الله عنه – ممن سكن الكوفة والبصرة، وفيه رواية الراوي عن جدّه عن أبيه، وأنه صحابيّ من مشاهير الصحابة – رضي الله عنهم -، ذو مناقب جمّة.
تنبيه : في ترجمة وازع بن نافع في ضعفاء العقيلي وصفه بأنه منكر الحديث وقال:
عَنْ جابِرٍ قالَ: جاءَ سائِلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأعْرَضَ عَنْهُ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ما كُنْتَ تُعْرَضُ عَنِ السّائِلِ إذا أتاكَ، فَقالَ: «أما إنِّي لَمْ أُعْرِضْ عَنْهُ حَتّى يَكُونَ مِن حاجَتِهِ ما يَقُولُ، ولَكِنْ أحْبَبْتُ أنْ يَشْفَعَ لَهُ بَعْضُكُمْ، فَتُؤْجَرُونَ، وتُشْرَكُونَ فِي الأجْرِ». وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِن غَيْرِ هَذا الوَجْهِ، مِن طَرِيقٍ أصْلَحَ مِن هَذا: اشْفَعُوا لِتُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ
٢ – شرح الحديث : قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٤٤) – (بابُ اسْتِحْبابِ الشَّفاعَةِ فِيما لَيْسَ بِحَرامٍ)
شرح الحديث:
(فَقالَ: «اشْفَعُوا) أمْر بالشفاعة، وهي الطلب، والسؤال بوسيلة، أو ذِمام، (فَلْتُؤْجَرُوا)؛ أي: يُثبكم الله على الشفاعة، وإن لم تُقبل، والكلام فيما لا حدّ فيه من حدود الله تعالى؛ لورود النهي عن الشفاعة في الحدود. [«فيض القدير» ١/ ٥٢٥].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «تؤجروا» كذا وقع هذا اللفظ: «تؤجروا»، بغير فاء، ولا لام، وهو مجزوم على جواب الأمر المضمّن معنى الشرط، ومعناه واضح، لا إشكال فيه، وقد رُوي: «فلتؤجروا» بفاء، ولام، وهكذا وجدته في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب، وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة؛ لأنها لام كَيْ، وتكون الفاء زائدة، كما زيدت في قوله – ﷺ -:
«قوموا فلأصلّ لكم» [متّفقٌ عليه]، في بعض رواياته، وقد تقدم قول من قال: إن الفاء قد تأتي زائدة، ويكون معنى الحديث: اشفعوا لكي تؤجروا، ويَحْتَمِل أن يقال: إنها لام الأمر، ويكون المأمور به التعرّض للأجر بالاستشفاع، فكأنه قال: استشفعوا، وتعرّضوا بذلك للأجر، وعلى هذا فيجوز كسر هذه اللام، على أصل لام الأمر، ويجوز تخفيفها بالسكون؛ لأجل حركة الحرف الذي قبلها. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٣٢].
قال الحافظ –رحمه الله -: ووقع في رواية أبي داود: «اشفعوا لتؤجروا»، وهو يقوّي أن اللام للتعليل.
وجوّز الكرمانيّ أن تكون الفاء سببيّةً، واللام بالكسر، وهي لام «كي»، قال: وجاز اجتماعهما؛ لأنهما لأمر واحد.
ويَحْتَمِل أن تكون جزائيّةً جوابًا للأمر.
ويَحْتَمِل أن تكون زائدةً على رأي، أو عاطفة على «اشفعوا»، واللام لام الأمر، أو على مقدّر؛ أي: اشفعوا لتؤجروا، فلتؤجروا، أو لفظ: «اشفعوا تؤجروا» في تقدير: إن تشفعوا تؤجروا، والشرط يتضمّن السببيّة، فإذا أُتي باللام وقع التصريح بذلك.
وقال الطيبيّ –رحمه الله -: الفاء واللام زائدتان للتأكيد؛ لأنه لو قيل: اشفعوا تؤجروا صحّ؛ أي: إذا عَرَضَ المحتاجُ حاجته عليّ، فاشفعوا له إليّ، فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر، سواء قَبِلتُ شفاعتكم، أم لا، ويُجرِي الله تعالى على لسان نبيّه – ﷺ – ما شاء؛ أي: من مُوجَبات قضاء الحاجة، أو عدمها؛ أي: إنْ قضيتُها، أو لم أقضها، فهو بتقدير الله تعالى وقضائه. انتهى [»الفتح«١٣/ ٥٧٤ – ٥٧٥، كتاب»الأدب” رقم (٦٠٢٧)].
وقال القرطبيّ –رحمه الله -: قوله: ((وليقض الله على لسان نبيه – ﷺ – ما أحبّ)).
هكذا صحت الرواية هنا،((وليقض)) باللام، وجزم الفعل بها، ولا يصحّ أن تكون لام كَيْ كذلك، ولا يصحّ أيضًا أن تكون لام الأمر؛ لأنّ الله تعالى لا يُؤمَر، وكأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر، كما قد جاء في بعض نُسخ مسلم: «ويقضي الله» على الخبر بالفعل المضارع، ومعناه واضح، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه. [البحر المحيط الثجاج].
قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (2/397): ” (اشفعوا تؤجروا) أي إلى أولي الأمر أو عام إلى كل من نزلت به الحاجة والمراد هنا الأول نصاً وغيره بالقياس …..
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في بهجة قلوب الأبرار ص 41: ” الحديث الرابع عشر: السعي في الخير بين الناس
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه “أَنَّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان إِذَا أَتَاهُ سَائِلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، قَالَ: اشفعوا فلتؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء” متفق عليه.
وهذا الحديث متضمن لأصل كبير، وفائدة عظيمة، وهو أنه ينبغي للعبد أن يسعى في أمور الخير سواء أثمرت مقاصدها ونتائجها أو حصل بعضها، أو لم يتم منها شيء. وذلك كالشفاعة لأصحاب الحاجات عند الملوك والكبراء، ومن تعلقت حاجاتهم بهم فإن كثيراً من الناس يمتنع من السعي فيها إذا لم يعلم قبول شفاعته. فيفوّت على نفسه خيراً كثيراً من الله، ومعروفاً عند أخيه المسلم. فلهذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن يساعدوا أصحاب الحاجة بالشفاعة لهم عنده ليتعجلوا الأجر عند الله، لقوله: “اشفعوا تؤجروا” فإن الشفاعة الحسنة محبوبة لله، ومرضية له. قال تعال: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} [النساء:85] , ومع تعجله للأجر الحاضر فإنه أيضاً يتعجل الإحسان وفعل المعروف مع أخيه، ويكون له بذلك عنده يد.
وأيضاً، فلعل شفاعته تكون سبباً لتحصيل مراده من المشفوع له أو لبعضه، ما هو الواقع. فالسعي في أمور الخير والمعروف التي يحتمل أن تحصل أو لا تحصل خير عاجل، وتعويد للنفوس على الإعانة على الخير، وتمهيد للقيام بالشفاعات التي يتحقق أو يُظن قبولها.
وفيه من الفوائد: السعي في كل ما يزيل اليأس، فإن الطلب والسعي عنوان على الرجاء والطمع في حصول المراد، وضده بضده، وفي الحديث دليل على الترغيب في توجيه الناس إلى فعل الخير، وأن الشفاعة لا يجب على المشفوع عنده قبولها إلا أن يشفع في إيصال الحقوق الواجبة، فإن الحق الواجب يجب أداؤه وإيصاله إلى مستحقه، ولو لم يشفع فيه. ”
* قال الشيخ فيصل آل مبارك في تطريز رياض الصالحين (ص: 183)
” في هذا الحديث: الحضُّ على الخير، والتسبُّب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير، ومعونة الضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على تبيين حاله للرئيس.
قال ابن القيم:
الباب الخامس والعشرون: في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين
قال الله تعالى: ﴿من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها﴾ وكل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع يشفع صاحب الحاجة فيصير له شفعا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها فدخل في حكم هذه الآية كل متعاونين على خير أو شر بقول أو عمل ونظيرها قوله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ وفي الصحيح عنه أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما أحب» وفي صحيح البخاري قال النبي ﷺ: لبريرة «لوراجعتيه فإنه أبو ولدك» فقالت أتأمرني قال: «لا إنما أنا شافع» قالت فلا حاجة لي فيه فهذه شفاعة من سيد الشفعاء لمحب إلى محبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين
روضة المحبين ونزهة المشتاقين ١/٣٧٧
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): “فالواسطة في المصطلح الشرعي هي الشفاعة في الدنيا.
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)): ((الشفاعة معناها: التوسط في قضاء حاجة المحتاج لدى من هي عنده. سميت بذلك لأن طالب الحاجة كان منفرداً في الأول، ثمّ لما انضم إليه الشافع صار شفعاً، لأن الشفع ضد الوتر. فلما كان طالب الحاجة منفرداً، ثمّ انضم إليه الواسطة شفعه في الطلب، ولذلك سمّي شافعاً، وسمّي هذا العمل شفاعة)) اهـ.
وقد أمر الشارع الحكيم بوساطة الخير والشفاعة الحسنة في هذه الدنيا وحث عليها ورغب فيها؛ قال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء: 85].
قال القرطبي رحمه الله في ((تفسيره)): ((فقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم)) اهـ.
وقال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)): ((من سعى في أمر، فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك)) اهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((إشارة إلى أن الأجر على الشفاعة ليس على العموم بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة، وهي الشفاعة الحسنة، وضابطها ما أذن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه، كما دلت عليه الآية وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد قال: هي في شفاعة الناس بعضهم لبعض وحاصله أن من شفع لأحد في الخير كان له نصيب من الأجر ومن شفع له بالباطل كان له نصيب من الوزر)) اهـ.
كما جاء النهي عن أخذ ثمن لهذه الواسطة والأجر على هذه الشفاعة؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هدية عليها فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا)) أخرجه أحمد وأبو داود في (باب في الهدية لقضاء الحاجة) وحسنه الإمام الألباني.
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في ((سبل السلام)): ((فيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة وظاهره سواء كان قاصدا لذلك عند الشفاعة أو غير قاصد لها وتسميته ربا من باب الاستعارة للشبه بينهما ذلك لأن الربا هو الزيادة في المال من الغير لا في مقابلة عوض وهذا مثله)) اهـ.
الشفاعة الحسنة: هي التي رُوعي بها حقُّ مسلمٍ ودفع بها عنه شرٌّ أو جُلب إليه خيرٌ وابتغي وجهُ الله ولم تؤخذ عليها رشوةٌ، والسيئة ما كانت بخلاف ذلك.
«الذخائر والعبقريات» (1/ 82)
ومن توسط فهو مأجور سواء قُضِي ما شفع له أو لم يقض :
ومن توسط في فعل خير كجلب نفع أو دفع ضر، فهو مأجور سواء قُضِي ما شفع له أو لم يقض؛ عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أتاه السائل وربما قال جاءه السائل أو صاحب الحاجة، قال: ((اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء)) متفق عليه، وفي لفظ عند البخاري ((اشفعوا لتؤجروا))، وفي رواية عند أبي داود وصححها الإمام الألباني ((اشفعوا إِليَّ لِتُؤْجَروا))، وفي رواية عند النسائي وصححها الإمام الألباني ((اشفعوا تُشفعوا)).
قال السندي: اشفعوا تشفعوا على بِناء المَفْعُول من التشفيع أي تقبل شفاعتكم أحْيانًا فَتكون سَببا لقَضاء حاجَة
حاشية السندي على سنن النسائي ٥/٧٨
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): ((ووقع في رواية أبي داود اشفعوا لتؤجروا وهو يقوي أن اللام للتعليل)) اهـ.
وأخرج النسائي في ((الصغرى)) و ((الكبرى)) وصححه الإمام الألباني عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه، فتؤجروا))، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اشفعوا، تؤجروا)).
وفي روية عند أبي داود وصححها الإمام الألباني عن معاوية: اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر، فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اشفعوا تؤجروا)).
فتعلق الأجر بالشفاعة، والنصيب من الأجر لم يعلق بتحقق ما شفع من أجله، فالشافع محسن فهو مأجور على كل حال فضلا من الله ونعمة، فالساعي في خير وإن لم تنقض الحاجة، فإن قبلت الشفاعة فخير على خير.
قال ابن الجوزي في ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)): ((والمراد من الحديث أنكم تؤجرون في الشفاعة وإن لم تقض الحوائج)) اهـ.
فهذه تسلية لكل من توسط في فعل خير فقبلت وساطته بالرفض، فهو مأجور على ما بذله لتحقيق المطلوب، هذا أولا.
وثانيا: لتعلم يا راعاك الله أنه لم تقبل شفاعة من هو خير منك، ورفض وساطته، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن مغيثا كان عبدا، فقال: يا رسول الله اشفع لي إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا بريرة اتقي الله، فإنه زوجك وأبو ولدك)).
فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك.
قال: ((لا، إنما أنا شافع فكان دموعه تسيل على خده))، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعباس: ((ألا تعجب من حب مغيث بريرة، وبغضها إياه)).
أخرجه أبو داود وصححه الإمام الألباني.
بل الله عز وجل لم يحقق بعض دعوات أنبيائه، والدعاء شفاعة.
فهذا نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام دعا فقال: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45]، فلم يستجب له، قال الله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
وهذا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا لأبيه فقال: {قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا} [مريم : 47]، فلم يستجب له قال الله تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة: 114].
وكذلك ما جاء عن نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)).
وهذا أيضا فيه تسلية وسلوان لمن لم تقبل وساطته.
وانظر نموج لعالم من علماء الأمة في هذا العصر أشتهر بكثرة الشفاعة، وهو سماحة الإمام ابن باز رحمه الله كان مثلا حيا لبذل جاهه وقضاء حوائج الناس بالشفاعات وبماله وبكل ما يقدر عليه وانظر كتاب جوانب من سيرة ابن باز”.
(المسألة الثانية): مسائل في الشفاعة
شَفاعَةٌ
والشَّفاعَةُ تَكُونُ فِي الآْخِرَةِ وفِي الدُّنْيا:
أوَّلًا – الشَّفاعَةُ فِي الآْخِرَةِ:
– أجْمَعَ أهْل السُّنَّةِ، والجَماعَةِ عَلى وُقُوعِ الشَّفاعَةِ فِي الآْخِرَةِ ووُجُوبِ الإْيمانِ بِها. لِصَرِيحِ قَوْله تَعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إلاَّ مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ورَضِيَ لَهُ قَوْلًا}، وقال عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿ولاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضى﴾، وقَدْ جاءَتِ الأْحادِيثُ الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِها حَدَّ التَّواتُرِ بِصِحَّةِ الشَّفاعَةِ فِي الآْخِرَةِ لِمُذْنِبِي المُسْلِمِينَ، فَيَشْفَعُ لَهُ مَن يَأْذَنُ لَهُ الرَّحْمَنُ مِنَ الأْنْبِياءِ والمَلاَئِكَةِ وصالِحِي المُؤْمِنِينَ [شرح النووي لصحيح مسلم ٣ / ٣٥].
جاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفاعَةِ فَيَقُول اللَّهُ تعالى: شَفَعَتِ المَلاَئِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلاَّ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النّارِ فَيُخْرِجُ مِنها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ.. إلَخْ. [حديث الشفاعة: «فيقول الله: شفعت الملائكة» أخرجه مسلم (١ / ١٧٠ – ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري].
– قال العُلَماءُ: الشَّفاعَةُ فِي الآْخِرَةِ خَمْسَةُ أقْسامٍ وبعضها يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم:
[روضة الطالبين ٧ / ١١٣، أسنى المطالب ٣ / ١٠٤، الشرقاوي على شرح التحرير ٢ / ٣٢٠، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ / ٣٥].
– ويَجُوزُ لِلإْنْسانِ أنْ يَسْأل اللَّهَ أنْ يَرْزُقَهُ شَفاعَةَ الحَبِيبِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وقال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قال القاضِي عِياضٌ: «قَدْ عُرِفَ بِالنَّقْل المُسْتَفِيضِ سُؤال السَّلَفِ الصّالِحِ -: شَفاعَةَ نَبِيِّنا ﷺ ورَغْبَتُهُمْ فِيها، وعَلى هَذا لاَ يُلْتَفَتُ إلى مَن قال: إنَّهُ يُكْرَهُ أنْ يَسْأل الإْنْسانُ اللَّهَ تَعالى: أنْ يَرْزُقَهُ شَفاعَةَ نَبِيِّنا ﷺ لِكَوْنِها لاَ تَكُونُ إلاَّ لِلْمُذْنِبِينَ؛ لأِنَّ الشَّفاعَةَ قَدْ تَكُونُ لِتَخْفِيفِ الحِسابِ، وزِيادَةِ الدَّرَجاتِ. ثُمَّ كُل عاقِلٍ: مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ مُحْتاجٌ إلى العَفْوِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِعَمَلِهِ مُشْفِقٌ مِن أنْ يَكُونَ مِنَ الهالِكِينَ. ويَلْزَمُ هَذا القائِل ألاَ يَدْعُوَ بِالمَغْفِرَةِ، والرَّحْمَةِ لأِنَّها لأِصْحابِ الذُّنُوبِ. [شرح صحيح مسلم للنووي ٣ / ٣٦]».
ثانِيًا – الشَّفاعَةُ فِي الدُّنْيا:
أ – الشَّفاعَةُ فِي الحَدِّ:
– لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الفُقَهاءِ فِي تَحْرِيمِ الشَّفاعَةِ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلى الحاكِمِ.
[ابن عابدين ٣ / ١٤٠، حاشية الجمل ٥ / ١٦٢ – ١٦٥، أسنى المطالب ٤ / ١٣١، شرح الزرقاني ٨ / ٩٢، المدونة ٦ / ٢٧١، مطالب أولي النهى ٦ / ١٥٩]،
لِقَوْلِهِ ﷺ: لأِسامَةَ لَمّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ: ((أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟!)) ….. أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٥١٣ – ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٣١٥ – ط الحلبي) من حديث عائشة]،
ولِقَوْلِهِ ﷺ: مَن حالَتْ شَفاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضادَّ اللَّهَ.
أخرجه أبو داود (٤ / ٢٣ – تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر وإسناده صحيح]؛
ولأِنَّ الحَدَّ إذا بَلَغَ الحاكِمَ وثَبَتَ عِنْدَهُ وجَبَ إقامَتُهُ والسَّعْيُ لِتَرْكِ واجِبٍ أمْرٌ بِالمُنْكَرِ،
واسْتَظْهَرَ بَعْضُ الحَنَفِيَّةِ جَوازَ الشَّفاعَةِ عِنْدَ الرّافِعِ لَهُ بَعْدَ وُصُولِها إلى الحاكِمِ وقَبْل الثُّبُوتِ عِنْدَهُ.
وقال المالِكِيَّةُ: وكَذَلِكَ لاَ تَجُوزُ الشَّفاعَةُ إذا بَلَغَ الحَدُّ الشُّرَطَ والحَرَسَ؛ لأِنَّ الشُّرَطَ والحَرَسَ بِمَنزِلَةِ الحاكِمِ. [المدونة ٦ / ٢٧١].
أمّا قَبْل بُلُوغِهِ إلى مَن ذُكِرَ
فَتَجُوزُ الشَّفاعَةُ فِيهِ لِما ورَدَ أنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ مُرَّ عَلَيْهِ بِسارِقٍ فَتَشَفَّعَ لَهُ، قالُوا: أتَشْفَعُ لِسارِقٍ؟ قال: نَعَمْ، ما لَمْ يُؤْتَ بِهِ إلى الإْمامِ، فَإذا أُتِيَ بِهِ إلى الإْمامِ فَلاَ عَفا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفا عَنْهُ
[أثر أن الزبير مر عليه بسارق أخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٤٦٥ – ط الدار السلفية – بمبي) وحسنه ابن حجر في الفتح (١٢ / ٨٧ – ط السلفية)، وورد عنده كذلك عن علي بن أبي طالب وحسنه ابن حجر كذلك].
قال المالِكِيَّةُ: إلاَّ إذا كانَ المَشْفُوعُ فِيهِ مِنَ الأْشْرارِ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلى ارْتِكابِ المَعاصِي الَّتِي تُوجِبُ الحَدَّ، فَلاَ يَجُوزُ الشَّفاعَةُ فِيهِ.
[المصادر السابقة والقوانين الفقهية ٣٤٩، ٣٥٤، ومواهب الجليل ٦ / ٣٢٠، والشرح الصغير ٤ / ٤٨٩].
ب – الشَّفاعَةُ فِي التَّعازِيرِ:
– أمّا التَّعازِيرُ: فَيَجُوزُ فِيها الشَّفاعَةُ بَلَغَتِ الحاكِمَ أمْ لاَ، بَل يُسْتَحَبُّ.
قال المالِكِيَّةُ: إذا لَمْ يَكُنِ المَشْفُوعُ لَهُ صاحِبَ شَرٍّ. [المصادر السابقة، زرقاني ٨ / ٩٢].
ج – الشَّفاعَةُ إلى وُلاَةِ الأْمُورِ:
– الشَّفاعَةُ إلى وُلاَةِ الأْمُورِ إنْ كانَتْ فِي حاجَةِ المُسْلِمِينَ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ؛[حاشية الجمل ٥ / ١٦٥، الإقناع للخطيب ٢ / ١٨٣].
لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً﴾ … الآْيَةَ. ولِما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبِي مُوسى رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا أتاهُ طالِبُ حاجَةٍ أقْبَل عَلى جُلَسائِهِ، فَقال: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ.
أخْذُ الهَدِيَّةِ عَلى الشَّفاعَةِ:
– إنْ قال المَشْفُوعُ لَهُ: هَذِهِ الهَدِيَّةُ جَزاءُ شَفاعَتِكَ فَقَبُولُها حَرامٌ كَذَلِكَ.
أمّا إنْ لَمْ يَشْرِطِ الشّافِعُ ولَمْ يَذْكُرِ المُهْدِي أنَّها جَزاءٌ فَإنْ كانَ يُهْدى لَهُ قَبْل الشَّفاعَةِ، فَقال الشّافِعِيَّةُ: لاَ يُكْرَهُ لَهُ القَبُول، وإلاَّ كُرِهَ إلاَّ أنْ يُكافِئَهُ عَلَيْها فَإنْ كافَأهُ عَلَيْها لَمْ يُكْرَهْ. [حاشية الرملي على روضة الطالب ٤ / ٣٠٠].
وقال الحَنابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ لِلشّافِعِ أخْذُ هَدِيَّةٍ بِحالٍ مِنَ الأْحْوال، لأِنَّها كالأْجْرَةِ، والشَّفاعَةُ الحَسَنَةُ مِنَ المَصالِحِ العامَّةِ فَيَحْرُمُ أخْذُ شَيْءٍ فِي مُقابِلِها.
أمّا الباذِل فَلَهُ أنْ يَبْذُل فِي ذَلِكَ ما يَتَوَصَّل بِهِ إلى حَقِّهِ، وهُوَ المَنقُول عَنِ السَّلَفِ والأْئِمَّةِ. [مطالب أولي النهى ٦ / ٤٨١، كشاف القناع ٦ / ٣١٧].
الاِسْتِشْفاعُ إلى اللَّهِ تَعالى بِأهْل الصَّلاَحِ:
– الاِسْتِشْفاعُ بِالأْعْمال الصّالِحَةِ وبِالنَّبِيِّ ﷺ وبِأهْل الصَّلاَحِ هُوَ مِنَ التَّوَسُّل، ويُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي (تَوَسُّلٌ).[الموسوعة الكويتية، بتصرف يسير]
(المسألة الثالثة): الفتاوى:
[1]: حكم الوساطة للغير
أولاً : “إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها ، والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك – فالشفاعة محرمة ؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها ، وظلم لأولي الأمر بسبب حرمانه من عمل الأكفاء وخدمتهم لهم ، ومعونتهم إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة ، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ، ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال ، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء ، ومفسدة للمجتمع .
أما إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة ، بل مرغب فيها شرعاًُ ، ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء ) .
ثانياً : المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة ، يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة ، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك كانت الواسطة ممنوعة، لما يترتب عليها من الظلم لمن حرم أو اضطر إلى مدرسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
[“فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” (25/389)].
الشفاعة في العفو في قصاص قتل :
ما حكم الشفاعة عند أهل المقتول بعد صدور حكم القصاص في القاتل؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول تعالى: (مِن أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّما قَتَل النّاسَ جَمِيعًا ومَن أحْياها فَكَأنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا).
وصح، من حديث أبي موسى، قول النبي ﷺ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ﷺ ما شاءَ» أخرجه مسلم (٢٦٢٧).
وعلى ذلك، فإن الشفاعة عند أهل المقتول من مقاصد الشرع الحنيف، ومن أعظم القرب عند الله إذ يقع به عتق رقبة مؤمن من القتل، وصون لنفسه من التلف، وعون لأهل المقتول باحتساب الأجر والثواب عند الله بالعفو، وهذا عين تحقيق قوله تعالى: (وتَعاوَنُواْ عَلى البرِّ والتَّقْوى) [المائدة: من الآية٢]. والله أعلم
(المسألة الرابعة): فوائد الباب:
1 – “(منها): قال النوويّ – رحمه الله – في «الأذكار»: تُستحبّ الشفاعة إلى وُلاة الأمر، وغيرهم من ذي الحقوق، ما لم تكن في حدّ، أو في أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر طفل، أو مجنون، أو وقْف في ترك بعض حقّ من في ولايته، فهذه شفاعة محرّمة. انتهى [«فيض القدير» ١/ ٥٢٥].
وقال في «شرحه» لهذا الكتاب: فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان، ووالي، ونحوهما، أو إلى أحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كفّ ظلم، أو إسقاط تعزيرٍ، أو في تخليص عطاء لمحتاج، أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود فحرامٌ، وكذا الشفاعة في تتميم باطلٍ، أو إبطال حقّ، ونحو ذلك، فهي حرامٌ. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٧ – ١٧٨].
2 – (ومنها): الحضّ على الخير بالفعل، وبالتسبب إليه بكلّ وجه حتى يحصل الأجر بذلك.
3 – (ومنها): أن هذا من مكارم أخلاقه – ﷺ -؛ لِيَصِلوا جناح السائل، وطالب الحاجة، وهو تخلُّق بأخلاقه تعالى، حيث يقول لنبيه – ﷺ -: «اشفع، تُشَفَّع»، وإذا أمَر بالشفاعة عنده مع استغنائه عنها؛ لأن عنده شافعًا من نفسه، وباعثًا من وجوده، فالشفاعة عند غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية للخير أولى، ففيه حثّ على الشفاعة، ودلالة على عِظَم ثوابها، والأمر للندب، وربما يَعْرِض له ما يُصَيِّر الشفاعة واجبة.
4 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ – رحمه الله -: أن هذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج، والرغبات للسلطان، وذوي الأمر والجاه، كما شهد به صَدْر الحديث ومساقه، ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب؛ لأنّها من باب صنائع المعروف، وكشف الكُرَب، ومعونة الضيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى السلطان، وذوي الأمر، جوهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿مَن يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنها﴾ [النساء ٨٥]، قال القاضي: ويدخل في عموم الحديث الشفاعة للمذنبين فيما لا حدّ فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه، والعفو عنه إذا رأى ذلك كله، كما له العفو عن ذلك ابتداءً، وهذا فيمن كانت منه الزلّة والفلتة، وفي أهل الستر والعفاف، وأما المصرّون على فسادهم، المستهترون في باطلهم، فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم، ولا تَرْك السلطان عقوبتهم؛ ليزدجروا عن ذلك، وليَرْتدع غيرهم بما يُفعل بهم، وقد جاء الوعيد بالشفاعة في الحدود. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٣٢ – ٦٣٣]
5- (ومنها): وقال عياض ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب فيها الشفاعة إلا الحدود
وقد ترجم البخاري بباب كراهة الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، والجمهور على تحريمها أما قبل أن يرفع إلى السلطان فهي على استحبابها فعند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في قصة الذي سرق رداؤه ثم أراد أن يقطع السارق فقال له النبي ﷺ «هلا قبل أن تأتيني به» وفي حديث آخر في قصة رجل سرق فأمر النبي ﷺ بقطعه، فلما قطع رأوا منه أسفا عليه، فقالوا يا رسول الله كأنك كرهت قطعه، فقال «وما يمنعني لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم».
6- (ومنها): قال العلماء عن استحبابها قبل وصول الأمر إلى الحاكم ولا سيما إذا وقعت الحادثة من أهل العفاف، وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع لهم لينزجرواعن ذلك. [فتح المنعم]
7- (ومنها): قال الحافظ الحكمي رحمه الله في معارج القبول: “والأحادِيثُ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي إثْباتِ المَشِيئَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنها قَوْلُهُ -ﷺ- فِي شَأْنِ الجَنِينِ: «فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شاءَ ويَكْتُبُ المَلَكُ»، وقوله: «اشفعوا تأجروا ويَقْضِي اللَّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ما يَشاءُ»”.
8- (ومنها): قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى: “الحثّ على الأصحاب الطّيبين، والوزراء الطّيبين، والحذر من أصحاب السّوء، ووزراء السّوء، وعدم تولية الإمارة مَن طلبها وحرص عليها.
يقول الله جلَّ وعلا: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، [رياض الصالحين – تعليق على قراءة الشيخ محمد إلياس 230 من: (باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح..)]
9- (ومنها): “وفي الحديثِ: الحثُّ على تقريبِ أهل الصَّلاحِ.
10- (ومنها): وفيه: أنَّ تقريبَ أهل الصَّلاحِ مُعِينٌ على التوفيقِ والهِدايةِ .
11- (ومنها): أنَّ الرَّجُلَ إذا تولَّى وِلايةً كانت «له بِطانَتانِ» وبطانةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُه الذين يُباطِنهم في الأمورِ ولا يُظهِر غيرَهم عليها”
12- (ومنها): قال البخاري رحمه الله: باب إذا قَضى دُونَ حَقِّهِ أوْ حَلَّلَهُ فَهْوَ جائِزٌ
٢٣٩٥ – حَدَّثَنا عَبْدانُ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ، أخْبَرَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، أنَّ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ﵄ أخْبَرَهُ، أنَّ أباهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وعَلَيْهِ دَيْنٌ، فاشْتَدَّ الغُرَماءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ – ﷺ – فَسَألَهُمْ أنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حائِطِي ويُحَلِّلُوا أبِي فَأبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمِ النَّبِيُّ – ﷺ – حائِطِي، وقالَ: «سَنَغْدُو عَلَيْكَ». فَغَدا عَلَيْنا حِينَ أصْبَحَ، فَطافَ فِي النَّخْلِ ودَعا فِي ثَمَرِها بِالبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُها فَقَضَيْتُهُمْ، وبَقِيَ لَنا مِن تَمْرِها. [انظر: ٢١٢٧ – فتح ٥/ ٥٩]
قال ابن الملقن رحمه الله:
وترجم عليه فيما سيأتي باب: من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مَطْلًا. وذكره معلقًا بلفظ: وقال جابر: اشتد الغرماء.
وكذا ترجم عليه أبو نعيم والإسماعيلي؛ لأنه لا يجوز أن يقضي رب الدين دون حقه وتسقط مطالبته بباقيه إلا إن تحلل منه، كذا قال ابن بطال، وأما ابن المنير فصوبه، والمقصود: أو حلله من جميعه، وأخذ البخاري هذا من جواز قضاء البعض والتحلل من البعض.
قلت -أي ابن الملقن-: عرض ذلك – عليه السلام – فأبوا، ولا خلاف بين العلماء أنه لو حلله من جميع الدين وأبرأ ذمته أنه جائز، فكذلك إذا حلله من بعضه، وأما تأخير الغريم الواحد إلى الغد فهو مرتبط بالعذر، وأما من قدر على الأداء فلا مطل؛ لأنه ظلم، وإنما أخر جابر غرماءه رجاء بركته – عليه السلام -؛ لأنه كان وعده أن يمشي معه على التمر ويبارك فيها؛ فحقق الله رجاءه وظهرت بركة نبيه وذلك من أعلام نبوته.
وفيه: مشي الإمام في حوائج الناس واستشفاعه في الديون وقد ترجم لذلك. [أشار الشارح هنا إلى باب: الشفاعة في وضع الدين حديث رقم (٢٤٠٥)].
وقوله: (فسألهم أن يقبلوا)، وذكره بعده في باب الشفاعة في وضع الدين كذلك، وذكر بعد أيضًا على الأثر في باب: إذا قاصَّ أو جازف، أن الدين كان ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود؛ وفيه: فكلم جابر رسول الله ليشفع إليه فكلمه فأبى اليهودي، وإنما شفع لقوله: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء».
قال الحسن: مصداقه قوله: ﴿مَن يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً﴾ أي: من يشفع أثيب وإن لم يشفَّع [رواه ابن جرير في «تفسيره» ٤/ ١٨٨ – ١٨٩، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ٣/ ١٠١٨]، وإنما سألهم في قبول تمر الحائط؛ لأنه كان أقل من حقوقهم بالأمر البين فسلموا من المزابنة.
وفيه: تأخير الغريم ما لا مضرة فيه على الطالب. [ التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن رحمه الله].
13- (ومنها): فضل قضاء حوائج الناس.
14- (ومنها): “إن من حكمة الله في خلقه أن خلق الناس متفاوتين في منازلهم، فقد فاضل بين عباده في الجاه والمنصب والشرف والمال والعلم وغير ذلك، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام: 165]”.
15- (ومنها): قال ابن حزم رحمه الله في “المحلى” ( 8/118) : ” ولا تحل الرشوة: وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل , أو ليولي ولاية , أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ.
فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي , وأما الآخذ فآثم” انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول : ( إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا . قيل : يا رسول الله , فلم تعطيهم ؟ قال : يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ) . ومثل ذلك : إعطاء من أعتق وكتم عتقه , أو أسر خبرا , أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي , حرام عليهم أخذه .
وأما الهدية في الشفاعة , مثل : أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية , ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه , هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر ” انتهى من الفتاوى الكبرى (4/174).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه ، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال ، فإن هذا حرام على الآخذ ، وليس حراماً على المعطي ، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه ، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق ” انتهى نقلا عن “فتاوى إسلامية” (4/302) .
16- (ومنها): “حرص الإسلام على أن يسود التعاون والتلاحم بين المسلمين، ومما يحقق هذا المعنى ( الشفاعة) فيما بينهم”.