٢٦٥٤ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وطارق أبي تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي ونزار
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الحافظ النووي رحمه الله:
٣ – بابُ: تَصْرِيفِ اللهِ تَعالى القُلُوبَ كَيْفَ شاءَ
قال الإمام مسلم رحمه الله:
١٧ – (٢٦٥٤) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وابْنُ نُمَيْرٍ كِلاهُما، عَنِ المُقْرِئِ – قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ – قالَ: حَدَّثَنا حَيْوَةُ، أخْبَرَنِي أبُو هانِئٍ، أنَّهُ سَمِعَ أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ، أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ، يَقُولُ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّها بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ واحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشاءُ» ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا عَلى طاعَتِكَ».
==========
التمهيد:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٣) – بابُ: تَصْرِيفِ اللهِ تَعالى القُلُوبَ كَيْفَ شاءَ
في حديث النَّوّاس بن سَمْعان – رضي الله عنه- عند ابن ماجه: (ما من قلبٍ إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه … )،
وفي الصحيح المسند (ج2/رقم1180) الذي أخرجه أحمد في مسنده، بلفظ: ((ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، وكان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، والميزان بيد الرحمن عز وجل يخفضه ويرفعه)).
وقوله: (كُلَّها) بالنصب توكيد لـ”قلوبَ”، (بَيْنَ إصْبَعَيْنِ) -بكسر الهمزة، وفتح الموحّدة- أفصح لغاتها، وهي عشرة، تثليثُ الهمزة، مع تثليث الموحّدة، والعاشرة أُصْبُوع، بوزن أُسْبُوع.
(مِن أصابعِ الرَّحْمَنِ) .
قال الأتيوبي عفا الله عنه معقبا على تأويل النووي :
هذا التأويل الذي ذكره النوويّ قد سبق لنا تفنيده غير مرّة، وأن الواجب في أحاديث الصفات أن يؤمَن بها، كما جاءت، وتُثبَت كما أثبتَها النصّ الصحيح الصريح، فنُثبت الأصابع ونحوها لله تعالى كما أثبتها هذا الحديث الصريح الصحيح على ما يليق بجلاله -عزوجل -.
والحاصل: أن هذا الحديث من أحاديث الصفات التي نؤمِن بها، ونعتقد أنها حقّ من غير تعرّض للتأويل، ولا لمعرفة الكيفيّة؛ لأن الإيمان بها فرضٌ، والامتناع عن الخوض في معرفة حقائقها واجب، فالمهتدي من سلك فيها سبيل التسليم، والخائض في إدراك كيفيّتها زائغ، والمنكِر لها معطّلٌ، والمكيّف مشبّه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى ١١].
وقد نقل الطيبيّ – رحمه الله- في «شرحه» عن شيخه أبي حفص السُّهْرورديّ -رحمه الله- أنه قال في «كتاب العقائد» له: أخبر الله -عزوجل – أنه استوى على العرش، فقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى (٥)﴾ [طه ٥]، وأخبر رسوله – ﷺ – بالنزول، وغير ذلك مما جاء من اليد، والقدم، والتعجّب، والتردد، وكلّ ما ورد من هذا القبيل، فلا يُتصرّف فيها بتشبيه، ولا تعطيل، فلولا إخبار الله تعالى، وإخبار رسوله – ﷺ – ما تجاسر عقلٌ أن يحوم حول ذلك الحمى، وتلاشى دون ذلك عقل العقلاء، ولُبّ الألبّاء. انتهى [راجع: «الكاشف عن حقائق السنن» ٢/ ٥٤٤].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: هذا الذي نقله الطيبيّ عن شيخه هو التحقيق الحقيق بالقبول، فيا ليت الطيبيّ مشى على طريقة شيخه، ولكنه حاد، ومال عن الصراط المستقيم، فترى في شرحه يختار مذهب المؤوّلين، ويقوّيه، ويطوّل نفسه في تقريره، فلا حول ولا قوّة إلا بالله، اللَّهُمَّ اهدِنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت .
(كَقَلْبٍ واحِدٍ) بيّن بهذا التشبيه أن التصرّف في تلك الأصابع سهل كسهولة التصًرّف في قلب واحد، (يُصَرِّفُهُ) بتشديد الراء؛ أي: يقلّب ذلك القلب الواحد، والمراد: تلك القلوب جميعها.
(حَيْثُ يَشاءُ) وفي حديث النوّاس: «إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه»، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها (٨)﴾ [الشمس ٨]، فيقلّبها تارة من فجورها إلى تقواها، بأن يجعلها تقيّةً بعد أن كانت فاجرة، ويعْدِلها أخرى عن تقواها إلى فجورها، بأن يجعلها فاجرة بعد أن كانت تقيّةً.
قال بعضهم: إنما نَسَب تقليب القلب إلى الله تعالى إشعارًا بأن الله تعالى إنما تولّى بنفسه أمر قلوبهم، ولم يَكِله إلى أحد من ملائكته، وخصّ الرحمن بالذكر إيذانًا بأن ذلك التولّي لم يكن إلا بمحض رحمته، وفَضْل نعمته؛ كيلا يطّلع أحد غيره على سرائرهم، ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم. انتهى [»الكاشف” ٢/ ٥٤٤].
(ثُمَّ قالَ رَسُولُ أللهِ – ﷺ -: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ) بتشديد الراء؛ أي: مقلّبها تارة إلى الطاعة، وتارة إلى المعصية، وتارة إلى اليقظة، وتارة إلى الغفلة، (صَرِّفْ قُلُوبَنا عَلى طاعَتِكَ»)؛ أي: قلّبها على أنواع طاعتك، بأن تتقلّب من طاعة إلى طاعة أخرى، ولا تخرج عنها إلى المعاصي، وفي حديث النوّاس: «وكانَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ – يَقُولُ: ((يا مُثَبِّتَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنا عَلى دِينِكَ))؛ أي: اجعله ثابتًا على دينك القويم، غير مائل عن صراطك المستقيم، والله تعالى أعلم. [البحر الثجاج بتصرف]
الفوائد:
1 – (منها): بيان أن الله -تعالى- هو المتصرّف في قلوب عباده كيف يشاء، إن شاء هداها، وإن شاء أزاغها.
2 – (ومنها): إثبات صفة الأصابع لله -تعالى-، وهو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، فيثبتونها كما أثبتتها النصوص الصحيحة، على مراد الله تعالى.
ومن أنكر ذلك كالجهميّة، ضالّ مضلّ، ومن أوَّلَ، فهو مخطئ زائغ عن الحقّ.
3 – (ومنها): ما قاله البغويّ –رحمه الله-: فيه بيان أن العبد ليس إليه شيء من أمْر سعادته أو شقاوته، بل إن اهتدى فبهداية الله إياه، وإن ثبت على الإيمان فبتثبيته، وإن ضلّ فبصرفه عن الهدى، قال الله -عزوجل-: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَداكُمْ لِلْإيمانِ﴾ [الحجرات ١٧]، وقال -عزوجل- إخبارًا عن حمد أهل الجنة: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ﴾ [الأعراف ٤٣]، وقال -عزوجل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم ٢٧].
4 – (ومنها): شدّة خوف النبيّ – ﷺ – من ربّه -عزوجل-، حيث يدعو أن يصرّف الله قلبه على طاعته، وشدّة حرصه على تنبيه أمته أن لا يصيبها ذُهول ولا غفلة عن مراقبة الخواتم، فإن الأمر بالخواتم، وفي حديث أنس – رضي الله عنه – عند الترمذيّ في «جامعه»: كان رسول الله – ﷺ – يُكْثر أن يقول: “يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك»، قالوا: يا رسول الله آمنّا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلّبها كيف يشاء».
اللَّهُمَّ ثبّت قلوبنا على دينك، ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ (٨)﴾ [آل عمران ٨]، آمين. [البحر المحيط الثجاج].
5 – (ومنها): الحَثُّ على الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ والهدى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه رياض الصالحين:
” دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف، ويوجل، ويخشى من زيغ القلب، ويسأل الله دائما الثبات، فإنه ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه والعياذ بالله”. انتهى.
6 – (ومنها): “استحباب الحلف بقوله: «لا، ومقلّب القلوب».
6 – (ومنها): أن فيه أن أعمال القلوب من الإرادات، والدواعي، وسائر الأعراض بيد اللَّه تعالى.
7 – (ومنها): ما قال البيضاويّ: في نسبة تقليب القلوب إلى اللَّه تعالى إشعارٌ بأنه يتولى قلوب عباده، ولا يكلها إلى أحد من خلقه. وفي دعائه – ﷺ – «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء، ورفع توهّم من يتوهّم أنهم يُستثنَون من ذلك، وخصّ نفسه بالذكر إعلامًا بأن نفسه الزكيّة إذا كانت مفتقرةً إلى أن تلجأ إلى اللَّه تعالى، فافتقار غيرها ممن هو دونه أحقّ بذلك [راجع «الفتح» ١٥/ ٥٣٣٠ «كتاب التوحيد»]”. [ذخيرة العقبى]
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
قال الأتيوبي رحمه الله: “المرادَ بتقليبِ القلوب تقليب أعراضها، وأحوالها، لا تقليب ذات القلب.
فالمعنى أنه تعالى متصرّف في قلوب عباده بما شاء، لا يمتنع عليه شيء منها، ولا تفوته إرادة”.
قال الكرمانيّ: ما معناه: كان يحتمل أن يكون المعنيُّ بقوله: «مقلّب القلوب» أن يجعل القلب قلبًا، لكن مظانّ استعماله تنشأ عنه، ويستفاد منه أن أعراض القلب، كالإرادة وغيرها بخلق اللَّه تعالى، وهي من الصفات الفعليّة، ومرجعها إلى القدرة. انتهى [«فتح» ١٥/ ٣٣٠ «كتاب التوحيد». رقم الحديث ٧٣٩١].
وقال الراغب الأصفهانيّ: قَلبُ الشيء: تصريفه، وصرفه عن وجه إلى وجه، كقلب الثوب، وقلب الإنسان، أي: صرفه عن طريقته.
قال: وتقليب القلوب والبصائر: صرفها من رأي إلى رأي، والتقلُّبُ: التصرُّفُ. قال تعالى: ﴿أوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ الآية [النحل ٤٦].
وقلب الإنسان سُمي به؛ لكثرة تقلّبه.
وُيعبّر بالقلب عن المعاني التي يختصّ بها، من الروح، والعلم، والشجاعة، وقوله تعالى: ﴿وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ الآية [الأحزاب ١٠] أي: الأرواح، وقوله تعالى: ﴿لِمَن كانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ الآية [ق ٣٧] أي: علمٌ، وفهمٌ، وقوله تعالى: ﴿ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ الآية [الأنفال ١٠]، أي: تثبت به شجاعتكم، ويزول خوفكم. انتهى الراغب. [«مفرات ألفاظ القرآن» ص ٦٨١ – ٦٨٢].
وما سمى القلب إلا من تقلبه *** والرأي يصرف بالإنسان أطواراً
وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: القلب جزء من البدن، خلقه، وجعله للإنسان محلّ العلم، والكلام، وغير ذلك، من الصفات الباطنة، وجعل ظاهر البدن محلّ التصرّفات الفعليّة والقوليّة، ووكل بها ملكًا يأمر بالخير، وشيطانًا يأمر بالشرّ، فالفعل بنوره يهديه، والهوى بظلمته يُغويه، والقضاء والقدر مسيطرٌ على الكلّ، والقلب يتقلّب بين الخواطر الحسنة والسيّئة، واللِّمَّة من الملك تارة، ومن الشيطان أخرى، والمحفوظ من حفظه اللَّه تعالى. انتهى [راجع «الفتح» ١٣/ ٣٧٤].
(المسألة الثانية): الأحوال تتغير، وهي أربعة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
﴿لتركبن طبقًا عن طبق﴾ هذه الجملة جواب القسم وهي مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم، واللام، ونون التوكيد والخطاب هنا لجميع الناس، أي: لتتحولن حالًا عن حال، وهو يعني أن الأحوال تتغير فيشمل أحوال الزمان، وأحوال المكان، وأحوال الأبدان، وأحوال القلوب:
الأول: أحوال الزمان
تتنقل ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ [آل عمران ١٤٠]. فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس، حتى إن الإنسان ليشعر بهذا من غير أن يكون هناك سبب معلوم، هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقًا عن طبق. وتتغير حال الزمان من أمن إلى خوف، ومن حرب إلى سلم، ومن قحط إلى مطر، ومن جدب إلى خصب إلى غير ذلك من تقلبات الأحوال
الثاني: الأمكنة
ينزل الإنسان هذا اليوم منزلًا، وفي اليوم التالي منزلًا آخر، وثالثًا ورابعًا إلى أن تنتهي به المنازل في الآخرة، وما قبل الآخرة وهي القبور هي منازل مؤقتة. القبور ليست هي آخر المنازل بل هي مرحلة. وسمع أعرابي رجلًا يقرأ قول الله تعالى: ﴿ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾ فقال الأعرابي: «والله ما الزائر بمقيم»
قال الله تعالى: ﴿الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير﴾ [الروم ٥٤].
الرابع: حال القلوب وما أدراك ما أحوال القلوب؟!
أحوال القلوب هي النعمة وهي النقمة، والقلوب كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، فإن شاء أزاغه وإن شاء هداه، ولما حدّث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: «اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»[أخرجه الترمزي كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (٢١٤٠). وقال: حديث حسن صحيح]، فالقلوب لها أحوال عجيبة، فتارة يتعلق القلب بالدنيا، وتارة يتعلق بشيء من الدنيا، وتارة يتعلق بالمال ويكون المال أكبر همه، وتارة يتعلق بالنساء وتكون النساء أكبر همه، وتارة يتعلق بالقصور والمنازل ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يتعلق بالمركوبات والسيارات ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يكون مع الله عزوجل، دائمًا مع الله يتعلق بالله عزوجل، ويرى أن الدنيا كلها وسيلة إلى عبادة الله، وطاعتة، فيستخدم الدنيا من أجل تحقيق العبودية لله عزوجل؛ لأنها خلقت له ولا تستخدمه الدنيا، وهذه أعلى الأحوال، وأصحاب الدنيا هم الذين يخدمونها، هم الذين أتعبوا أنفسهم في تحصيلها… إلى آخر كلامه رحمه ونصح فيه بأن بأن يتوكل على الله ويسعى لطلب الرزق ويطمئن . ونصح بالاقبال على الصلاة بخشوع وتدبر فبتكميلها تنهاه عن الفحشاء والمنكر “.[تفسير جزء عم]
وقال ابن عثيمين رحمه الله في رياض الصالحين:
“القلوب بيد من؟ بيد الله ﷿ كما أخبرنا النبي ﷺ يقول ما من قلب من قلوب بني آدم إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن ﷿ يقلبه كيف يشاء، إن شاء أزاغه وإن شاء هداه.
وهذا شيء مسلم به حتى الإنسان أحيانًا يجد في قلبه أشياء يعرف أنها من الشيطان، وأنه إن لم يثبته الله زل، فالقلوب بيد الله عزوجل …. إلى آخركلامه رحمه حيث حذر من اليأس من هداية الناس وضرب مثلا بعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد “.
بعض ما جاء في كتب الأئمة
– قال الطبري، أبو جعفر (ت ٣١٠) رحمه الله: “وأن له أصابع؛ لقول النبي ﷺ: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن»”.[التبصير في معالم الدين للطبري]
قال ابن خزيمة :
بَابُ إِثْبَاتِ الْأَصَابِعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلًا لَهُ لَا حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ أَنَّ خَبَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ
«التوحيد لابن خزيمة» (1/ 187)
– قال الآجري (ت ٣٦٠) رحمه الله: “بابُ الإيمانِ بِأنَّ قُلُوبَ الخَلائِقِ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّبِّ عزوجل بِلا كَيْفٍ” ثم أوردة جملة من الأحاديث في الباب.[الشريعة للآجري]
– قال إسماعيل الأصبهاني (ت ٥٣٥) رحمه الله: ” فصل، والدَّلِيل عَلى أن الله تَعالى مُقَلِّب القُلُوب عَلى ما يَشاء: قَوْله تَعالى: ﴿ونُقَلِّبُ أفئدتهم وأبصارهم﴾. وقَوله ﴿يحول بَين المَرْء وقَلبه﴾ وقَوله ﴿فَلَمّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم﴾، وقَوله ﴿رَبنا لا تزع قُلُوبنا بعد إذْ هديتنا﴾.” ثم أورد حديث النواس بْن سمْعان رضي الله عنه، ثم قال: “ومن مَذْهَب أهل السّنة: الإيمان بِجَمِيعِ ما ثَبت عَن النَّبِي – ﷺ – فِي صفة الله تَعالى”، ثم أورد جملة من الأحاديث ومنها: “ما من قلب إلا وهُوَ بَين أصبعين من أصابِع الله عزوجل»”.[ الحجة في بيان المحجة]
– قال ابن منده محمد بن إسحاق (ت ٣٩٥) رحمه الله: “ذِكْرُ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن ذِكْرِ الأصابِعِ” ثم ذكر حديث النواس وغيره .[الرد على الجهمية لابن منده ]
– وقال ابن منده محمد بن إسحاق (ت ٣٩٥) رحمه الله: “ذِكْرُ آياتٍ تَدُلُّ عَلى وحْدانِيَّةِ الخالِقِ وأنَّهُ مُقَلِّبُ القُلُوبِ عَلى ما يَشاءُ قالَ اللَّهُ عزوجل، مُخْبِرًا عَلى قُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ بِما فِي قُلُوبِ العِبادِ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ [الأنفال ٢٤] وقالَ: ﴿ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصارَهُمْ﴾ [الأنعام ١١٠] الآيَةُ. وقالَ مُنَبِّهًا عَلى دُعائِهِ: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ [آل عمران ٨] وقالَ: ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥] بَيانُ ذَلِكَ مِنَ الأثَرِ”، ثم سرد الأحاديث.[التوحيد لابن منده]
– أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: ٣٠٣هـ) رحمه الله: أورد حديث النواس برقم (٨٠)، وأورد الروايات الأخرى، وطريقته في الكتاب سرد الأحاديث.[النعوت الأسماء والصفات]
– وفي السنن الكبرى، أورد عدة أحديث، حديث النواس وغيره رضي الله عنهم تحت قوله: “قَوْلُهُ: ﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾ [طه ٣٩]”.
– قال الطبراني (ت ٣٦٠) رحمه الله: “بابُ الدُّعاءِ بِتَثْبِيتِ القَلْبِ عَلى طاعَةِ اللَّهِ عزوجل”.[الدعاء للطبراني]
– قال ابن ماجه (ت ٢٧٣) رحمه الله: “بابٌ فِيما أنْكَرَتِ الجَهْمِيَّةُ”، وأورد من حديث حديث النواس رضي الله عنه، برقم (١٩٩).[سنن ابن ماجه]
– قال العكبري، ابن بطة (ت ٣٨٧) رحمه الله: “بابُ الإيمانِ بِأنَّ قُلُوبَ العِبادِ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّبِّ تَعالى بِلا كَيْفٍ”، ثم أورد حديث النواس برقم (٢٠٢)، وغيره.[الإبانة الكبرى لابن بطة].
– قال حمد بن ناصر آل معمر (ت ١٢٢٥) رحمه الله: “وأن له إصبعا بقوله ﷺ: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن»؛ فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله به نفسه ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية – لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهائها.”.[ التحفة المدنية في العقيدة السلفية]
– قال أبو بكر البيهقي (ت ٤٥٨) رحمه الله: “بابٌ القَوْلُ فِي الهِدايَةِ والإضْلالِ قالَ اللَّهُ تعالى ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِ ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ وقالَ: ﴿مَن يَشَإ اللَّهُ يُضْلِلْهُ ومَن يَشَأْ يَجَعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام ٣٩] وقالَ: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ [القصص ٥٦] وقالَ مَعْناهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِن كِتابِهِ كَتَبْناها فِي كِتابِ القَدَرِ”.[الاعتقاد للبيهقي]
– قال البغوي ، أبو محمد (ت ٥١٦) رحمه الله: “بابُ قَوْلِ اللَّهِ عزوجل
﴿ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنْعام ١١٠]، وقالَ اللَّهُ تعالى: ﴿أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ [الأنْفال ٢٤].
قِيلَ: مَعْناهُ: يَمْلِكُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَيَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشاءُ”، ثم أورد بعض الأحاديث، وقال: “قالَ الشَّيْخُ الإمامُ: فِيهِ بَيانُ أنَّ العَبْدَ لَيْسَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِن أمْرِ سَعادَتِهِ أوْ شَقاوَتِهِ، بَلْ إنِ اهْتَدى، فَبِهِدايَةِ اللَّهِ إيّاهُ، وإنْ ثَبَتَ عَلى الإيمانِ فَبِتَثْبِيتِهِ، وإنْ ضَلَّ فِبِصَرْفِهِ عَنِ الهُدى.
قالَ اللَّهُ تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَداكُمْ لِلإيمانِ﴾ [الحجرات ١٧]، وقالَ اللَّهُ عزوجل إخْبارًا عَنْ حَمْدِ أهْلٍ الجَنَّةِ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ﴾ [الأعْراف ٤٣] وقالَ اللَّهُ عزوجل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ﴾ [إبْراهِيم ٢٧]”.[ شرح السنة للبغوي]
وقال البغوي في تفسيره:
والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجي، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح – إلى أن يقول في صفحة (170) فهذه ونظائرها صفات الله تعالى، ورد بها السمع يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها معرضًا فيها عن التأويل، مجتنبًا عن التشبيه، معتقدًا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيءٌ من صفاته صفاتِ الخلق، كما لا تشبه ذاتُه ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى.
وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعًا بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل،” اهـ
«تفسير البغوي – طيبة» (1/ 18)
– قال ابن أبي عاصم (ت ٢٨٧) رحمه الله: “٣٩- «بابُ: إنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ ما شاءَ أقامه منها وما شاءَ أنْ يُزِيغَهُ أزاغَهُ»”، ثم أورد جملة من الأحاديث.[السنة لابن أبي عاصم ومعها ظلال الجنة للألباني].
وهذا سؤال وجه للجنة الدائمة حول موقفنا من بعض العلماء الذين تؤلوا بعض الصفات ؟ فاجابوا:
موقفنا من أبي بكر الباقلاني ، والبيهقي ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأبي زكريا النووي ، وابن حجر ، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى ، أو فوَّضوا في أصل معناها : أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم ، فرحمهم الله رحمة واسعة ، وجزاهم عنا خير الجزاء ، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله ، سواء تأولوا الصفات الذاتية ، وصفات الأفعال ، أم بعض ذلك . انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
يقول بعض الناس: الله تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: ((إنّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ)) كمال السيطرة والتدبير.
سبحانَ الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولًا وعطّلوا ثانيًا، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.
وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من أصابع الرحمن.
قطع الله هاتين الأصبعين. فهل يحلّ هذا؟
الجواب: لا يحل ……
فعلى كل حال، أكرر: احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.[شرح الأربعين النووية للعثيمين].
– قال الراجحي في تعليقه على مسلم:
بَابُ تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ
في هذا الحديث: إثبات الأصابع لله عز وجل، وهي صفة من صفاته، كما يليق بجلاله، وجاء في الحديث الآخر: أنها خمسة أصابع لله عز وجل، ((يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ)).
وما جاء في بعض الأحاديث من الإشارة إلى الأصابع فالمراد به: تحقيق الصفة، وأنها صفة حقيقية، وليس المراد التمثيل، مثل ما جاء في الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: {إن الله كان سميعًا بصيرًا} ((يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ)).
وقوله: ((بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)): البينية هنا استشكلها بعض المؤولين، وقالوا: كيف لا نجد في صدورنا أصابع الرحمن؛ لأن هذا يلزم منه أن تكون أصابع الرحمن داخل صدورنا، وأن تكون القلوب مماسة للأصابع، وهذا من الجهل بالأحاديث وباللغة، فإن البينية لا تقتضي المماسة، ولا تقتضي المقاربة، والبينية أمرها واسع، قال تعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض}، فالسحاب بين السماء والأرض، وبينهما مسافة، وليس السحاب مماسًّا للسماء، ولا للأرض.
قال النووي رحمه الله: ((هذا من أحاديث الصفات، وفيها القولان السابقان قريبًا، أحدهما: الإيمان بها من غير تعرض لتأويل، ولا لمعرفة المعنى، بل يؤمن بأنها حق، وأن ظاهرها غير مراد)).
قلت: وهذا قول المفوضة، والصواب: أن ظاهرها مراد، وأن إثبات الأصابع حقيقة.
ثم قال: ((والثاني: يتأول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا فالمراد: المجاز، كما يقال: فلان في قبضتي، وفي كفي، لا يراد به: أنه حالٌّ في كفه، بل المراد: تحت قدرتي)).
قلت: وهذا قول المؤولة المعطلة الذين عطلوا الله من صفاته، وهو قول باطل، ما هو الداعي إلى القول بالمجاز؟ والله تعالى يقول: {قل أأنتم أعلم أم الله}، وهل أنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه؟ والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت الأصابع لله، فقال: ((بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)).
والمجاز خلاف الحقيقة، واللغة العربية لا مجاز فيها، كما بين ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والنووي رحمه الله لم يذكر قول السلف؛ لأن الأول: قول المفوضة، والثاني: قول المؤولة.
أما قول السلف فهو: إثبات الأصابع لله، والمعنى معروف، وأما الكيفية فالله أعلم بها، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)).
للفائدة ومن باب الدقة في التعبير :
العلماء يقولون الأفضل قول بلا تمثيل وليس بلا تشبيه راجع ما قاله ابن عثيمين في شرحه للواسطية
والمقصود بالإمرار الذي يذكره السلف إثبات المعنى وتفويض الكيفية
(المسألة الثالثة): فَصْلٌ فِي مَرَضِ القُلُوبِ وعِلاجِهِ
قال ابن مفلح، شمس الدين (ت ٧٦٣) رحمه الله:
“القُلُوبُ تَمْرَضُ كَغَيْرِها مِن الأعْضاءِ وعِلاجُها فِي كُتُبِ الأطِبّاءِ وتَمْرَضُ بِالشُّبُهاتِ، والشُّكُوكِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [البقرة ١٠] وقالَ تَعالى: ﴿ولِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [المدثر ٣١] تَمْرَضُ القُلُوبُ بِالشَّهَواتِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب ٣٢].
أيْ فُجُورٌ وهُوَ شَهْوَةُ الزِّنا، وعِلاجُ ذَلِكَ اتِّباعُ كِتابِ اللَّهِ وسَنَةِ رَسُولِهِ – ﷺ – والِاجْتِهادُ فِي الطّاعاتِ الظّاهِرَةِ، والباطِنَةِ وتَرْكِ المُحَرَّماتِ الظّاهِرَةِ، والباطِنَةِ فالقُلُوبُ كَثِيرَةُ التَّقَلُّبِ «وكانَ النَّبِيُّ – ﷺ – يَحْلِفُ لا ومُقَلِّبِ القُلُوبِ».
وقالَ «ما مِن قَلْبٍ إلّا وهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشاءُ إنْ شاءَ أنْ يُقِيمَهُ أقامَهُ وإنْ شاءَ أنْ يُزِيغَهُ أزاغَهُ، وصَلاحُ القُلُوبِ رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ، وفَسادُها رَأْسُ كُلِّ شَرٍّ».
وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ – صَلَّى الله عليه وسلم- «ألا وإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهِيَ القَلْبُ» فَنَسْألُ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ فَسادَ قُلُوبِنا وقُلُوبِ إخْوانِنا المُسْلِمِينَ.
واعْلَمْ أنَّهُ يَحْصُلُ بِأعْمالِ القُلُوبِ مِن التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ، والِاعْتِمادِ عَلَيْهِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن الشِّفاءِ ما لا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ؛ لِأنَّ النَّفْسَ تَقْوى بِذَلِكَ. ومَعْلُومٌ أنَّ النَّفْسَ مَتى قَوِيَتْ وقَوِيَتْ الطَّبِيعَةُ تَعاوَنا عَلى دفع الدّاءِ وأوْجَبَ ذَلِكَ زَوالَهُ بِالكُلِّيَّةِ ومِثْلُ هَذا مَعْلُومٌ مُجَرَّبٌ مَشْهُورٌ، ولا يُنْكِرهُ إلّا جاهِلٌ أوْ بَعِيدٌ عَنْ اللَّهِ”. [ الآداب الشرعية والمنح المرعية].
[نصيحة لكل مسلم، وللدعاة خاصة]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رياض الصالحين:
“قال ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»…. ثم ذكر حديث الباب وقال : يقول الله عن المنافقين: (وإذا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسامُهُمْ وإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (المنافقون: ٤) (وإذا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسامُهُمْ) من الهيئة الحسنة، وحسن عمل الجوارح، وإذا قالوا، قالوا قولًا تسمع له من حسنه وزخرفته، لكن قلوبهم خربة والعياذ بالله (كَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) (المنافقون: ٤) ليس فيها خير.
فأنت اعتنِ بصلاح القلب، انظر قلبك هل فيه شيء من الشرك؟ هل فيه شيء من كراهة ما أنزل الله؟ هل فيه شيء من كراهة عباد الله الصالحين؟ هل فيه شيء من الميل إلى الكفار؟ هل فيه شيء من موالاة الكفارة؟ هل فيه شيئًا من الحسد، هل فيه شيء من الغل؟ هل فيه شيء من الحقد؟ وما أشبه ذلك من الأمراض العظيمة الكثيرة في القلوب، فطهر قلبك من هذا وأصلحه، فإن المدار عليه”. انتهى.
فصل: مفسدات القلب
قال ابن القيم رحمه الله في مفسدات القلب:
اعلم أن القلب يسير إلى الله عز وجل، والدار الآخرة، ويكشف عن طريق الحق ونهجه، وآفات النفس، والعمل، وقطاع الطريق؛ بنوره وحياته وقوته، وصحته وعزمه، وسلامة سمعه وبصره، وغيبة الشواغل والقواطع عنه.
وهذه الخمسة تطفئ نوره، وتعور عين بصيرته، وتثقل سمعه إن لم تَصُمه وتُبْكِمَه، وتضعف قواه كلها، وتوهن صحته، وتفتِّر عزيمته، وتوقف همته، وتنكسه إلى وراءه، ومن لا شعور له بهذا فميت القلب، وما لجرح بميت إيلام، فهي عائقة له عن نبل كماله، قاطعه له عن الوصول إلى ما خلق له، وجعل نعيمه وسعادته وابتهاجه ولذته في الوصول إليه.
فإنه لا نعيم له ولا لذة، ولا ابتهاج، ولا كمال؛ إلا بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره، والفرح والابتهاج بقربه، والشوق إلى لقائه، فهذه جنته العاجلة، كما أنه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة، فله جنتان لا يدخل الثانية منهما إن لم يدخل الأولى.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة”.
وقال بعض العارفين: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول : “إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب”.
وقال بعض المحبين: “مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها”. قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: “محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه والإعراض عما سواه، أو نحو هذا من الكلام.
وكل من له قلب حي يشهد هذا ويعرفه ذوقاً.
وهذه الأشياء الخمسة: قاطعة عن هذا، حائلة بين القلب وبينه، عائقة له عن سيره، ومحدثة له أمراضاً وعللاً إن لم يتداركها المريض خيف عليه منها.
* المفسد الأول :كثرة الخلطة.
فأما ما تؤثره كثرة الخلطة : فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقاً وهماً وغماً وضعفاً وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسُّم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من منحة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضرَّ من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد.
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا وقضاء وطر بعضهم من بعض؛ تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلِّط عليها يديه ندما؛ كما قال تعالى : ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾[الفرقان:27-29]، وقال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف:67]، وقال خليله إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾[العنكبوت:25]، وهذا شأن كل مشتركين في غرض، يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض أعقب ندامة وحزنا وألماً، وانقلبت تلك المودة بغضاً ولعنةً وذماً من بعضهم لبعض، لما انقلب ذلك الغرض حزناً وعذاباً، كما يشاهد في هذه الدار من أحوال المشتركين في خزيه إذا أُخِذوا وعوقبوا، فكلُّ متساعدين على باطل متوادين عليه: لا بد أن تنقلب مودتهما بغضاً وعداوة!
والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير – كالجمعة، والجماعة، والأعياد، والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة – ويعتزلهم في الشر، وفضول المباحات.
فإذا دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذَر الحذَر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لا بد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر، ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين.
وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت وذم منهم ومن المؤمنين ومن رب العالمين.
فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة وأحمد مآلا.
وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه، ويشجع نفسه، ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك، بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليحاربه، وليستغن بالله، ويؤثر فيهم من الخير ما أمكنه.
فإن أعجزته المقادير عن ذلك، فليَسُلَّ قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضراً غائباً، قريباً بعيداً، نائماً يقظاناً، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه؛ لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى، يسبح حول العرش مع الأرواح العلوية الزكية، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
فبين العبد وبينه: أن يصْدُق الله تبارك وتعالى، ويديم اللجأ إليه، ويلقي نفسه على بابه طريحاً ذليلاً، ولا يُعين على هذا إلا محبة صادقة، والذكر الدائم بالقلب واللسان، وتجنب المفسدات الأربع الباقية الآتي ذكرها، ولا ينال هذا إلا بعدة صالحة، ومادة قوة من الله عز وجل، وعزيمة صادقة، وفراغ من التعلق بغير الله تعالى، والله تعالى أعلم.
* المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمني
وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليسِ، وبضاعة ركابه مواعيد الشيطان، وخيالات المحال والبهتان، فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية؛ ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل أعتاضت عنها بالأماني الذهنية، وكل بحسب حاله من متمن للقدرة والسلطان وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان أو للنسوان والمردان.
فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها، والتَذَّ بالظفر بها، فبينا هو على هذه الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير.
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره.
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرور.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله، كالقائل : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان الذي يتقي في ماله ربه. ويصل فيه رحمه، ويخرج منه حقه. وقال: “هما في الأجر سواء” وتمنى في حجة الوداع : أنه لو كان تمتع وحل ولم يسق الهدي، وكان قد قرَن فأعطاه الله ثواب القِران بفعله، وثواب التمتع الذي تمناه بأمنيته فجمع له بين الأجرين.
* المفسد الثالث : التعلق بغير الله تبارك وتعالى
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.
فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل، بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمّله ممن تعلّق به وصل؛ قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا . كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾[مريم:81-82]، وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ . لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس:74-75].
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات، ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت.
وبالجملة : فأساس الشرك وقاعدته التي بنى عليها: التعلق بغير الله، ولصاحبه الذم والخذلان؛ كما قال تعالى: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً﴾[الإسراء:22]، مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك، إذ قد يكون بعض الناس مقهورا محمودا؛ كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموما منصورا كالذي قهر وتسلط عليه بباطل، وقد يكون محمودا منصورا كالذي تمكن وملك بحق، والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة لا محمود ولا منصور.
* المفسد الرابع: الطعام
والمفسد له من ذلك نوعان :
أحدهما : ما يفسده لعينه وذاته، كالمحرمات، وهي نوعان :
– محرمات لحق الله: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع، والمخلب من الطير.
– ومحرمات لحق العباد: كالمسروق، والمغصوب، والمنهوب، وما أخذ بغير رضي صاحبه؛ إما قهرا وإما حياء وتذمما.
والثاني : ما يفسده بقدره وتعدي حده كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط؛ فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة، ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها، ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم، فالصوم يضيق مجاريه ويسد عليه طرقها، والشبع يطرقها ويوسعها.
ومن أكل كثيرا، شرب كثيرا، فنام كثيرا، فخسر كثيرا، وفي الحديث المشهور: ((ما مَلأ آدميّ وعاء شَرّا من بَطْن ، بِحَسْب ابن آدم لُقَيْمَات يُقِمنَ صُلْبَه ، فإن كان لا مَحَالةَ : فَثُلُث لطَعَامِه ، وثُلث لشرابِهِ ، وثُلُث لنَفَسِه)).
ويحكى أن إبليس – لعنه الله – عرض ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فقال له يحيى: هل نلت مني شيئا قط؟
قال : لا، إلا أنه قُدِّم إليك الطعام ليلة فشَهَّيتُه إليك حتى شبعت منه، فنمت عن وردك.
فقال يحيى : لله علي أن لا أشبع من طعام أبدا.
فقال إبليس : وأنا لله علي أن لا أنصح آدمي أبدا.
* المفسد الخامس: كثرة النوم
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل، ومنه المكروه جداً، ومنه الضار غير النافع للبدن.
وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه.
ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه.
وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره، ولا سيّما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؛ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم، لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس؛ فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثّر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه، فهو مكروه شرعاً وطبعاً.
وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات؛ فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام: من سوء المزاج، ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضاً متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها، وما قام الوجود إلا بالعدل، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير، وبالله المستعان. [مدارج السالكين].
(المسألة الخامسة):
تفسير قول الله تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [سورة الأنفال (٢٤)]
قال ابن كثير رحمه الله: “وقَوْلُهُ تَعالى: واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ يَحُولُ بَيْنَ المُؤْمِنِ وبَيْنَ الكُفْرِ وبَيْنَ الكافِرِ وبَيْنَ الإيمانِ، رَواهُ الحاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَوْقُوفًا، وقالَ صَحِيحٌ ولَمْ يُخْرِجاهُ، ورَواهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن وجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا، ولا يَصِحُّ لِضَعْفِ إسْنادِهِ والمَوْقُوفُ أصَحُّ، وكَذا قالَ مُجاهِدٌ وسَعِيدٌ وعِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ وأبُو صالِحٍ وعَطِيَّةُ ومُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ والسُّدِّيُّ، وفِي رِوايَةٍ عَنْ مُجاهِدٍ فِي قَوْلِهِ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ أي حتى يتركه لا يَعْقِلُ، وقالَ السُّدِّيُّ يَحُولُ بَيْنَ الإنْسانِ وقَلْبِهِ فَلا يَسْتَطِيعُ أنْ يُؤْمِنَ ولا يَكْفُرَ إلّا بِإذْنِهِ.
وقالَ قَتادَةُ هُوَ كَقَوْلِهِ ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ [ق ١٦]،
وقَدْ ورَدَتِ الأحادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بما يُناسِبُ هَذِهِ الآيَةَ…”. انهى، ثم أورد جملة من الأحاديث. [تفسير ابن كثير ط العلمية].
(المسألة السادسة): الفتاوي
[1] في مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله: “وسُئِلَ عَنْ البارِي – سُبْحانَهُ -: هَلْ يَضِلُّ ويَهْدِي ؟
فَأجابَ:
إنّ كُلَّ ما فِي الوُجُودِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وقُدْرَتِهِ وما شاءَ كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وهُوَ الَّذِي يُعْطِي ويَمْنَعُ ويَخْفِضُ ويَرْفَعُ ويُعِزُّ ويُذِلُّ ويُغْنِي ويُفْقِرُ ويُضِلُّ ويَهْدِي ويُسْعِدُ ويُشْقِي ويُوَلِّي المُلْكَ مَن يَشاءُ ويَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشاءُ ويَشْرَحُ صَدْرَ مَن يَشاءُ لِلْإسْلامِ ويَجْعَلُ صَدْرَ مَن يَشاءُ ضَيِّقًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ وهُوَ يُقَلِّبُ القُلُوبَ؛ ما مِن قَلْبٍ مِن قُلُوبِ العِبادِ إلّا وهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شاءَ أنْ يُقِيمَهُ أقامَهُ وإنْ شاءَ أنْ يُزِيغَهُ أزاغَهُ وهُوَ الَّذِي حَبَّبَ إلى المُؤْمِنِينَ الإيمانَ وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وكَرَّهَ إلَيْهِمْ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ أُولَئِكَ هُمْ الرّاشِدُونَ. وهُوَ الَّذِي جَعَلَ المُسْلِمَ مُسْلِمًا والمُصَلِّيَ مُصَلِّيًا. قالَ الخَلِيلُ ﴿رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ وقالَ: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ وقالَ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا مِنهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا﴾ وقالَ عَنْ آلِ فِرْعَوْنَ: ﴿وجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ﴾ وقالَ تَعالى: {إنّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا} ﴿إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ ﴿وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾ وقالَ: ﴿واصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا﴾ وقالَ: ﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ﴾. والفُلْكُ مَصْنُوعَةٌ لِبَنِي آدَمَ وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى أنَّهُ خَلَقَها بِقَوْلِهِ: ﴿وخَلَقْنا لَهُمْ مِن مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ﴾ وقالَ: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وجَعَلَ لَكُمْ مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ ويَوْمَ إقامَتِكُمْ ومِن أصْوافِها وأوْبارِها﴾ الآياتِ. وهَذِهِ كُلُّها مَصْنُوعَةٌ لِبَنِي آدَمَ. وقالَ تَعالى: ﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ ﴿واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ﴾ فَما بِمَعْنى «الَّذِي» ومَن جَعَلَها مَصْدَرِيَّةً فَقَدْ غَلِطَ لَكِنْ إذا خَلَقَ المَنحُوتَ كَما خَلَقَ المَصْنُوعَ والمَلْبُوسَ والمَبْنِيَّ دَلَّ عَلى أنَّهُ خالِقُ كُلِّ صانِعٍ وصَنْعَتِهِ وقالَ تَعالى: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ وقالَ ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ وهُوَ سُبْحانَهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ورَبُّهُ ومَلِيكُهُ ولَهُ فِيما خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ ونِعْمَةٌ سابِغَةٌ ورَحْمَةٌ عامَّةٌ وخاصَّةٌ وهُوَ لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْألُونَ لا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وقَهْرِهِ بَلْ لِكَمالِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ ورَحْمَتِهِ وحِكْمَتِهِ. فَإنَّهُ ﷾ أحْكَمُ الحاكِمِينَ وأرْحَمُ الرّاحِمِينَ وهُوَ أرْحَمُ بِعِبادِهِ مِن الوالِدَةِ بِوَلَدِها وقَدْ أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. وقالَ تَعالى: {وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وقَدْ خَلَقَ الأشْياءَ بِأسْبابِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن ماءٍ فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ وقالَ: ﴿فَأنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأخْرَجْنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ وقالَ تَعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ﴾”. انتهى.
[2] س: هنا التَّثبيت (في قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا..) يكون في السؤال عند القبر فقط أو مِن قَبْل؟
الجواب:
التثبيت عنده وعند خروج الروح، فالمؤمن إذا حضره الأجلُ بُشِّر بالجنة، فتأتيه الملائكةُ تُبشره برحمة الله، فيُحب لقاء الله، ويحب الله لقاءه، والكافر بضد ذلك: يكره لقاءَ الله، ويكره اللهُ لقاءَه.
س: قوله ﷺ في دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك هنا؟
ج: كل هذا من الدعاء الطيب كان يستعمله ﷺ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك هذا من الدعاء العظيم من جوامع الكلم، فإذا كان الرسول ﷺ يقول ذلك فغيره من باب أوْلى. [فتاوى الدروس لابن باز رحمه الله، معنى قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا..}].
[3] معنى حديث «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن…»
السؤال:
هذا السائل الذي أرسل بهذه الرسالة لم يكتب الاسم في هذه الرسالة يقول: كان ﷺ يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال لـعائشة: إن القلوب بين أصبعي الرحمن نريد تكملة لهذا الحديث، وما المناسبة لهذا الحديث؟
الجواب:
الحديث واضح، يقول ﷺ: إن القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فالمعنى أن الله جل وعلا هو الذي بيده تثبيت الأمور، فالمؤمن يسأل ربه الثبات على الإيمان والثبات على الحق، فالقلوب تتقلب وهي بين إصبعين من أصابع الله، هذا يجرى على ظاهره، يثبت لله الأصابع على الوجه اللائق بالله، وأن الله جل وعلا بيده تصريف الأمور وتقليب القلوب كيف يشاء، هذا يقلب فيرتد عن دينه، وهذا يقلب فيسلم، وهذا يقلب قلبه فيقع في المعاصي، فالقلوب بيد الله جل وعلا، هو الذي يصرفها كيف يشاء ، والمؤمن يسأل ربه يقول: اللهم ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، يسأل ربه الثبات.
والله يوصف بأن له أصابع وله يد جل وعلا على الوجه اللائق به ، لا يشابه عباده لا في اليد ولا في الأصابع ولا في الكلام ولا في الرضا ولا في الغضب ولا في غير ذلك، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا سماحة الشيخ. [نور على الدرب لابن باز رحمه الله، معنى حديث «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن…»].
[4] تشعر بنقص في إيمانها فماذا تفعل ؟
السؤال:
فتاة ملتزمة تحمد الله على ذلك منذ ما يقارب من سنة. تقول: ولكن قلبي في تغيّر مستمر وتقلب، فأحياناً أشعر بقوة في إيماني، وإقبالي على الصلاة بخشوع، وحب للخير، وأحياناً تقل هذه القوة وأشعر بقسوة في قلبي، فلا أبقى على حال واحدة لدرجة أني بدأت أشعر بالخوف على ديني، وأخشى أن أعود كما كنت، وأشعر أن إيماني بدأ يقل تدريجياً، وجهوني يا فضيلة الشيخ بما يقوى إيماني ادع لي بالهداية والثبات على الحق جزاكم الله خيراً؟
الجواب:
الشيخ: نسأل الله لنا ولها الهداية والثبات على الحق، إن الإنسان بشر يتغير بحسب ما يرد على قلبه، وما ينظر إليه بعينه، ويسمع فيه بأذنه، ولكن على المؤمن أن يسأل الله تعالى الثبات دائماً، وأن يفعل الأسباب التي يثبت بها إيمانه؛ من كثرة مراقبة الله عز وجل، وذكره بالقلب، واللسان، والجوارح، وقراءة القرآن بتدبر وتفكر، فإن قراءة القرآن على هذا الوجه تلين القلب وتزيده إيماناً، وكذلك يكثر من مخالطة أهل الخير والصلاح الذين يعينونه إذا ضعف، ويذكّرونه إذا نسي، والمهم أن يسأل الله تعالى الثبات دائماً؛ مثل أن يقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك. وما أشبه ذلك من الأدعية، وسيجد الخير إن شاء الله تعالى، ولكن لا يتقاعس ولا ييئس من رحمة الله، ولا ينظر إلى ما وراءه مما كان من معصية الله عز وجل، بل ينظر إلى ما أمامه من الطاعة والخير والثواب الجزيل لمن أطاع الله.
[فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين رحمه الله، الشريط رقم (246)].