١٠ – فتح رب البرية في شرح القواعد الفقهية والأصولية
أحمد بن علي وأسامة
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
القواعد الفقهية
رقم القاعدة: 10
نص القاعدة:
تَتَغيَّرُ الأحكامُ بِتَغَيُّرِ مُوجِباتِها (بتصرف)
صيغ أخرى للقاعدة:
1 – الأحكام تتغير بتغير مناطاتها
2 – تتغير بعض الأحكام بتغير الزمان
3 – لا ينكر اختلاف الأحكام باختلاف الأزمان
4 – لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان
قواعد ذات علاقة:
1 – نسخ الأحكام مجمع عليه قاعدة أخص
2 – النسخ لا يكون في الكليات
شرح القاعدة:
فنحن هنا نتحدث عن المبدأ, مبدأ التغيير في الأحكام الشرعية, وأنه واقع وممكن الوقوع, بصور متعددة, تبعا للأسباب والحِكَم التي يراعيها الشرع في وضع أحكامه وتغييرها.
فكل حكم جديد, لفعل من أفعال المكلفين, يكون مغايراً أو مغيِّرا لحكمه الشرعي المقرر له من قبل, فهو نوع من تغيير الأحكام الذي نعنيه في هذا المبدأ, بغض النظر عن مصدره وسببه واصطلاحه الخاص الذي يسمى به, لأن كل ذلك يندرج في المعنى العام للتغير والتغيير, ويعرب عن جريان هذا المبدأ واعتماده – بمقاصده وضوابطه – في الشريعة الإسلامية.
فجوهر المسألة واحد, وهو طرو التغيير وتعاقبه على بعض الأحكام الشرعية. وكذلك الأسباب الموجبة – أو المسوغة – للتغيير, هي في جوهرها وفي جملتها واحدة, وهي تغير موجبات الحكم, أي تغير الحالة السابقة التي نيط بها الحكم وبني على أساسها.
ولمزيد من التوضيح, نعرض فيما يلي أهم وجوه التغيير المتحدث عنه في هذا المبدأ:
1 – النسخ, وهو أبرز وجوه تغيير الأحكام….
2 – الرخص, وهي تعطي حكما مغايرا للحكم الأصلي للفعل, بسبب وجود مشقة أو حرج أو ضرر, أو نحو ذلك من أسباب الترخيص. بمعنى أن ثبوت موجب الترخيص يغير الحكم الأصلي للمسألة, وينقله من حكم العزيمة إلى حكم الرخصة.
3 – تغير الفتوى بتغير الزمان. وتغير الزمان غالبا ما يراد به تغير أحوال الناس
4 – تغيير الأحكام المبنية على عادات, وذلك عند تغير تلك العادات التي وضعت الأحكام لأجلها, أو رتبت على وفقها. وهذا الوجه قريب من سابقه وقد يتداخل معه….
أدلة القاعدة:
1 – قول الله جل وعلا {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة- 48]. فالآية نصت على اختلاف الشرائع وأثبتت مبدأ التغير في أحكامها, من أمة لأخرى, ومن زمن لآخر…
3 – دليل الاستقراء. فتغير الأحكام من شريعة لأخرى, وداخل الشريعة الواحدة, أمر ثابت باستقراء كافة الشرائع المعروفة. وذلك مبني على تغير أحوال الناس وظروفهم واحتياجاتهم.
4 – من ذلك مثلا: ” أن أول بدء الإنسان من زمن آدم عليه السلام كان الحال ضيقا, فأبيحت الأخت لأخيها, وأشياء كثيرة وسع الله – تعالى – فيها. فلما اتسع الحال وكثرت الذرية حرم ذلك في زمن بني إسرائيل, وحرم السبت والشحوم والإبل وأمور كثيرة, وفرض عليهم خمسون صلاة, وتوبة أحدهم بالقتل لنفسه, وإزالة النجاسة بقطعها, إلى غير ذلك من التشديدات. ثم جاء آخرُ الزمان وضعف الجسد وقل الجلد, فلطف الله بعباده فأحلت تلك المحرمات وخففت الصلوات وقبلت التوبات. فقد ظهر أن الأحكام والشرائع بحسب اختلاف الزمان, وذلك من لطف الله عز وجل ”
5 – وباستقراء التراث الفقهي الإسلامي لمختلف المذاهب , نجد أحكاما كثيرة تغير فيها الاجتهاد والإفتاء بعد تغير الأزمان والأحوال؛ ونجد تعدد الأقوال في المسألة الواحدة عند المجتهد الواحد, كما هو مشهور عند الإمامين الشافعي وابن حنبل على سبيل المثال. ومن أسباب ذلك أن “من الأحكام الاجتهادية ما مأخذه ومستنده مصلحة زمنية تغيرت…
تطبيقات القاعدة:
1 – على مدى ثلاث وعشرين سنة من البعثة المحمدية, تغيرت أحكام كثيرة, في العبادات والمعاملات والعقوبات, وتغيرت مرارا أحكام تتعلق بالجهاد وتوابعه, وبالعلاقة مع غير المسلمين , من مشركين وكتابيين.
3 – ومن تغير الأحكام الذي حصل في زمن الصحابة والخلفاء الراشدين ” أن المطلِّق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خليفته أبي بكر وصدرا من خلافة عمر , كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة, كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس…
4 – ذهب عدد من العلماء , من الصحابة فمن بعدهم, إلى أن سهم الزكاة الذي خصص للمؤلفة قلوبهم, كان خاصا بالفترة الأولى من تاريخ الإسلام, ثم انتهى العمل به بعد ذلك. قال الجصاص: “إن سهم المؤلفة قلوبهم كان مقصورا على الحال التي كان عليها أهل الإسلام, من قلة عدد وكثرة عدد الكفار..
6 – “ومن ذلك: ما نصت عليه بعض كتب الفقه في معاملة أهل الذمة , بوجوب تمييزهم في الزي عن المسلمين , اتباعا لما روي في ذلك عن عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز….
قال ابن القيم:
[تَغْيِيرِ الْفَتْوَى وَاخْتِلَافِهَا]
[الشَّرِيعَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]
فَصْلٌ فِي تَغْيِيرِ الْفَتْوَى، وَاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ تَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالنِّيَّاتِ وَالْعَوَائِدِ
الشَّرِيعَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ
هَذَا فَصْلٌ عَظِيمُ النَّفْعِ جِدًّا وَقَعَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ أَوْجَبَ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَتَكْلِيفِ مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْبَاهِرَةَ الَّتِي فِي أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ لَا تَأْتِي بِهِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَهِيَ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ الْعَدْلِ إلَى الْجَوْرِ، وَعَنْ الرَّحْمَةِ إلَى ضِدِّهَا، وَعَنْ الْمَصْلَحَةِ إلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ إلَى الْبَعْثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ أُدْخِلَتْ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ؛ فَالشَّرِيعَةُ عَدْلُ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَرَحْمَتُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَظِلُّهُ فِي أَرْضِهِ، وَحِكْمَتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى صِدْقِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَتَمَّ دَلَالَةً وَأَصْدَقُهَا، وَهِيَ نُورُهُ الَّذِي بِهِ أَبْصَرَ الْمُبْصِرُونَ، وَهُدَاهُ الَّذِي بِهِ اهْتَدَى الْمُهْتَدُونَ، وَشِفَاؤُهُ التَّامُّ الَّذِي بِهِ دَوَاءُ كُلِّ عَلِيلٍ، وَطَرِيقُهُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي مَنْ اسْتَقَامَ عَلَيْهِ فَقَدْ اسْتَقَامَ عَلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ….
وَنَحْنُ نَذْكُرُ تَفْصِيلَ مَا أَجْمَلْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَمَعُونَتِهِ بِأَمْثِلَةٍ صَحِيحَةٍ.
[إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَشُرُوطُهُ]
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا كَانَ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ، وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ…
الْمِثَالُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى أَنْ تُقْطَعَ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَهَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نَهَى عَنْ إقَامَتِهِ فِي الْغَزْوِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ تَعْطِيلِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ مِنْ لُحُوقِ صَاحِبِهِ بِالْمُشْرِكِينَ حَمِيَّةً وَغَضَبًا…
[إعلام الموقعين عن رب العالمين 3/ 11 ط العلمية]
قال الأستاذ عابد السفياني ـ أستاذ مساعد بجامعة أم القرى ـ
القول بتغير بعض الأحكام بتغير الزمان عرض ونقد – مع دراسة تطبيقية
توطئة:
يكثر الكلام عند بعض الباحثين على أن هناك قاعدة شرعية إسمها “تغير الأحكام بتغير الزمان” ويقصدون بعض الأحكام المتصلة بالمعاملات دون العبادات، والتغير أوجبه عندهم تغير المصالح والأعراف والعادات.
فالأحكام الشرعية المتصلة بمعاملات الناس وعاداتهم وأعرافهم جاءت لتحقق مصالح معينة، وهذه المصالح تتغير في كثير من الأحيان بسبب تغير الزمان، وحينئذ ينبغي -كما يرى أصحاب هذا الرأي- أن تتغير تلك الأحكام ما دام قد تغيرت مصالحها، ومن هنا وضعوا تلك المقالة وسموها قاعدة.
وفي هذا الفصل نحدد موضع النزاع بيننا وبينهم ونحرره وخاصة أنه شديد الالتباس…
تحرير موضع النزاع
المقصود “بالتغير” في الحكم الشرعي هو انتقاله من حالة كونه مشروعاً فيصبح ممنوعًا، أو ممنوعاً فيصبح مشروعاً باختلاف درجات المشروعية والمنع.
فهذه حادثة حكمها الشرعي المنصوص عليه أو المستنبط كذا، ثم تصبح في زمن آخر تحت حكم مخالف للحكم الأول، هذا هو جملة ما يصوره البحث عند المطلقين لتلك القاعدة أو المقيدين لها.
وإلى هنا يبقى كثير من اللبس في تحرير موضع النزاع، أكشف عنه بإضافة أمر مهم جداً ألا وهو النظر في تلك الحادثة التي تغير حكمها هل هي في الحالين سواء؛ هل الحادثة التي أخذت الحكم الأول ثم أخذت الحكم الثاني هي هي بالخصائص نفسها وبجميع الملامح والاعتبارات والحيثيات أم أنها تختلف في خصائصها .. من حالة إلى حالة؟.
وبالجواب عن هذا السؤال ينكشف لنا اللبس الذي أحاط بهذه القضية حتى كثر فيها القول وتشعب ..
إن تلك الحادثة التي تغيّر حكمها إما أن تكون هي هي عند تغيّر الحكم بجميع خصائصها والحيثيات التي تكتنفها، وإما أن تختلف في بعض خصائصها وحيثياتها.
فإن كانت الأولى فنحن ننازع أشد المنازعة في تغيّر حكمها لأن ذلك هو النسخ والتبديل المنهي عنهما كما سيأتي بيانه، وإن كانت الثانية فليست في موضع النزاع، لأنها حينئذ حادثتان متميزتان من حيث خصائصهما والاعتبارات التي تحفهما وحادثتان لهما حكمان ليس غريباً ولا عجيباً، ولا يقال له تغيّر ولا تبدل.
فإذا خرجت الثانية عن موضع البحث رجعنا لدراسة الأولى، وهي أساس القول ومحل النزاع والدعوى التي عنون لها أصحابها بقولهم: “تغيّر بعض الأحكام بتغير الزمان” ومقصدهم حادثة وواقعة لها حكم منصوص عليه أو مستنبط تغير حكمها في وقت آخر والحادثة هي الحادثة بجميع خصائصها واعتباراتها …
إن تغير حكم الحادثة إذا تغير جوهرها وأصبح لها خصائص مغايرة لطبيعتها الأولى أمر طبيعي لا ينبغي أن ينازع فيه أحد.
ويبقى النزاع في تغير حكم الحادثة التي لم يتغير جوهرها ولا شيء من خصائصها وحيثياتها.
نقول هذا ونؤكد عليه لأن هناك خلطًا بين هاتين القضيتين لا يمكن أن نَخْلص من آثاره السلبية إلّا أن ندخل في دراستنا لهذه المسألة من هذا المدخل وحينئذ نستطيع أن نفرّق بين حكم الحادثة الواحدة ذات الخصائص والحيثيات الواحدة، وإن مرت عليها عصور متتابعة – ونجزم بأن حكمها الأول في العصر الأول ينبغي أن يكون هو حكمها نفسه في العصور الأخرى، لأن شيئاً من خصائصها وحيثياتها لم يتغير، وإذا أردنا أن نغيّر حكمها من المشروعية إلى المنع علمنا أنه لا بد لنا من القول بالنسخ، والنسخ ليس لأحد من البشر، وإنما الذي ينسخ الأحكام هو الشارع، وقد انقطع بعد انقطاع الوحي، وبهذا نستطيع أن نفرق بين هذه الصورة – وبين الصورة الأخرى وهي انتقال الحادثة في الزمن الأول – لتصبح ذات خصائص أخرى تختلف عن خصائصها الأولى وهذه يختلف حكمها ويتغير لأن الأولى تعتبر حادثة مستقلة لها حكم خاص وذلك مثل حكم المؤلفة قلوبهم…
فيأتي الإِمام ليطبق هذا المعنى فيجد أمامه حالتين:
الأولى: حالة ضعف الإِسلام، وقوم يحتاجون لهذا التأليف.
الثانية: حالة قوة الإِسلام، وقوم يزعمون أنهم من المؤلفة قلوبهم.
فيطلق حكم الله على الحالة الأولى فيعطيهم سهمهم، ويطبق حكم الله على الحالة الثانية فلا يعطيهم لأنهم ليسوا ممن أمر الله بإعطائهم، وهذا ما يسميه العلماء تحقيق المناط .
فهما إذاً حادثتان لكل حادثة حالة خاصة تحتاج إلى حكم خاص ثابت لها لا يتغير، وحادثتان لها حكمان كما قلنا ليس غريباً ولا عجيباً، وكلا الحكمين من الشرع.
ومن خلال هذا التحليل ينكشف لنا خطأ من أراد أن يفرق بين التغيير والنسخ…
وإنما يقال تغيّر في طبيعة الحادثة، لتصبح حادثة جديدة، فالمجموع حادثتان مختلفتان فيكون لهما حكمان مختلفان.
ولم يبق سوى هاتين الصورتين:
- إما أن تكون الحادثة هي هي مع اختلاف الأزمان فلا يمكن تغيّر حكمها إلّا بالقول بالنسخ ولا سبيل إلى ذلك.
- وإما أن تكون الحادثة في الزمن الجديد غير الحادثة في الزمن القديم واختلاف حكمهما حينئذ لايقال له نسخ ولا تغيير، وهنا يتضح ما قلته أن مقابلة النسخ بالتغيير لا ينبني عليه فقه، والقول بأن النسخ قد انقطع والتغيير لم ينقطع لأن هناك فروقًا بينهما ليس صحيحاً.
ومن هنا يتبين موضع النزاع وهو الصورة الأولى والتغيير فيها هو النسخ والتبديل المنهي عنهما.
وأما الصورة الثانية فليست في موضع النزاع ولا ينبغي أن تقترب منه.
وبهذا يتضح لنا السبيل ونحن ندرس هذه المسألة الخطيرة في الدين .. ونستطيع أن نعلم السبب في عدم التفات فقهاء السلف إلى أمثال هذه المقالة، التي أسماها بعض الباحثين “قاعدة”، ذلك أنهم من الفقه والبصيرة، بحيث لا يلتفتون إلى القول بالتغيير، لأنه لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يكون نسخاً وتبديلًا وهذا ليس لأحد من البشر، وإما أن لا يكون تغيراً ولا نسخاً ولا تبديلًا، وإنما هو اختلاف وقائع وتحقيق مناط…
[الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ص448]