وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
17( بحث مجموع من أجوبة الإخوة حول وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
وممن شارك الأخ أحمد بن علي وسعيد بن راشد الكلباني وفيصل وأبو عبدالله )
[ جمعها الأخ؛ سيف الكعبي ]
أرسل بعض الأخوة بحث طيب حول هذه المسألة فأضفت إليه إضافات يسيرة؛
أجمع العلماء على وجوب الزكاة في مال المسلم البالغ العاقل(5)، لكنهم اختلفوا في وجوبها في مال الصبي والمجنون ومن في حكمهما، مثل: المعتوه، والعبد المكاتب، ونحوهم ممن لا يستطيعون الاستقلال في التصرفات المالية.
والمراد بالصبي، هو: غير البالغ، والبلوغ يعرف بأمارات طبيعية أو بالسن، أما الأمارات فمنها متفق عليها، مثل: الاحتلام، والحيض، والحمل، ومنها مختلف في تحقق البلوغ بها، مثل: غلظ الصوت.
أما السن التي يحصل بها البلوغ فهي خمس عشرة سنة عند الشافعية(6)، والحنابلة(7)، وهو المفتى به عند الحنفية(8)، ودليلهم على ذلك: خبر ابن عمر رضي الله عنهما عندما قال: «عُرِضْت عَلَى النَّبيّ ? يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي – في المقاتلة-، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي»(9).
ويرى المالكية أن سن البلوغ تمام ثماني عشرة سنة(10)، وهو قول أبي حنيفة في الذكر، أما الأنثى فسن بلوغها عنده سبع عشرة سنة(11)، ووجهتهم أن تلك السن هي التي يقع فيها اليأس من الاحتلام.
والراجح في ذلك قول الجمهور؛ لاستناده إلى النص، وعلى هذا فإذا لم يحصل بلوغ طبيعي ثبت بلوغ الصبي أو الصبية خمس عشرة سنة.
أما المجنون فهو من أصابه الجنون وهو اختلال في العقل ينشأ عنه اضطراب وهيجان، وقد يكون مطبقًا، أي: مستمرًا، أو غير مطبق، أي: متقطع، وأيضًا فقد يكون أصليًّا، وقد يكون طارئًا، فالأصلي أن يبلغ الشخص مجنونًا، والطارئ هو ما يقع بالشخص بعد بلوغه عاقلًا.
والمراد بالجنون هنا عند الحنفية الجنون الأصلي وكذا الطارئ الذي يدوم سنة أو أكثر، أما الطارئ الذي لا يدوم سنة فالصحيح أن صاحبه يُعَد كالسليم بالنسبة للزكاة(12)، ووجهتهم في ذلك: أن السنة للزكاة كالشهر، أي: شهر رمضان بالنسبة للصوم والإفاقة، فالإفاقة في جزء من الشهر توجب صوم الشهر، فكذا الإفاقة في جزء من السنة تكفي لانعقاد الحول على المال، قال أبويوسف: العبرة في الطارئ الذي لا يدوم سنة بأكثر السنة، فإن أفاق أكثر السنة كان كالصحيح، وإلا فلا، لأن للأكثر حكم الكل، فمن كان مفيقًا في معظم السنة عُدَّ مفيقًا في كلها.
هذا والذي يجن ويفيق كالصحيح، لأنه بمنزلة النائم والمغمى عليه وهؤلاء كالصحيح بالنسبة للزكاة.
أما المعتوه فهو قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير وإن كان لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون، وهو في حكم الصحيح بالنسبة للزكاة (13).
وبعد هذا التوضيح لمفردات العنوان أقول: اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، إلا أن هذا الخلاف يتطلب منا الوقوف على محل تحرير النزاع أولًا، فأقول: إن الاتفاق قائم على وجوب إخراج زكاة الفطر عن الصبي، وعن المجنون؛ وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله ص زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»(14).
وكذلك الاتفاق قائم على وجوبها في زكاة مال أبي الصبي والمجنون إن لم يكن للصبي أو المجنون مال(15)، لأن نفقتهما واجبة على الأب، أما إن كان لهما مال فقد اتفق عامة أهل العلم على وجوبها في مالهما؛ لأنها حق الفقير والمسكين، وحق العبد لا يمنع وجوبه صِبًى ولا جنون، ولم يخالف في هذا أحد سوى محمد بن الحسن وزفر من الحنفية(16)، حيث قالا بوجوبها حينئذ في مال أبيه أيضًا، أي: كما لو لم يكن للصبي أو المجنون مال، ووجه قولهما: إنها عبادة والعبادات لا تجب على الصبي أو المجنون كالصوم والصلاة.
والراجح القول الأول؛ لأنها ليست عبادة محضة كما سيتبين لنا فيما بعد، مع العلم أن الخلاف الآتي إنما هو في غير زكاة الفطر، وبيانه على النحو التالي:
اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون على عدة آراء يمكن إجمالها في رأيين، بيانهما فيما يلي:
الرأي الأول: ذهب جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الظاهر، إلى أن الزكاة عبادة مالية واجبة في مال الصبي والمجنون مطلقًا ذكرًا كان أو أنثى، أي: سواء أكان زروعًا أم ثمارًا، وسواء أكان ظاهرًا كالنعم، أم باطنًا كالذهب، وسواء أكان ينمى ويستثمر أم كان لا ينمى(17)، وهذا مروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم منهم أم المؤمنين عائشة، وابن عمر، وعلي بن أبـي طالب، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم (18).
لكن هؤلاء قد اختلفوا فيمن يتولى إخراج تلك الزكاة، أهو الولي أم الصبي بعد بلوغه والمجنون بعد إفاقته؟ فذهب أكثرهم إلى أنه الولي فإن لم يفعل تقصيرًا أو اعتقادًا لعدم وجوبها في مالهما وجب على كل منهما بعد البلوغ أو الإفاقة إخراجها عما مضى من سنين(19).
وذهب ابن مسعود والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلي إلى أنه الصبي بعد بلوغه والمجنون بعد إفاقته أي: إنها تجب في مال كليهما لكن لا تخرج منه حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون فيخبره الولي بما عليه من زكاة فيقوم بدفعها(20).
وبناء على هذا القول، فالولي ينوب عنهما في إخراج زكاة أموالهما، وتفريقها، ومن ثم ينوي عنهما؛ لأنهما لا نية لهما، فلما تعذرت منهما قام بها الولي قياسًا على الإخراج عنهما(21).
إذن الولي يقوم مقامهما في أداء ما عليهما، ومن ثم تعتبر نيته في الإخراج كما تعتبر النية من رب المال، وذلك باتفاق القائلين بوجوب الزكاة في أموالهما في الجملة(22).
وقال النووي في المجموع (5/302) :
” الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف ، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات ، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما , فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى ; لأن الحق توجه إلى مالهما , لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما ” انتهى
وقريب منه كلام ابن قدامة في المغني
الرأي الثاني: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، وبعض من ذهب إلى ذلك لا يستثنون شيئًا من المال وهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن البصري كما حكى ابن رشد عنه، لكن أكثرهم يستثنون بعض أموالهما فيوجبون الزكاة فيه، ومعظم هؤلاء يستثنون زروع وثمار كل من الصبي والمجنون فيوجبون الزكاة فيهما، وهؤلاء هم الحنفية وزيد بن علي وجعفر الصادق من أئمة الشيعة، وبعضهم يستثنون أموالهما الظاهرة، أو النامية كالنعم والثمار والزروع فيوجبون فيها الزكاة وهم ابن شبرمة والحسن البصري كما حكى ابن حزم عنه(23).
والسبب في الاختلاف أمران:
الأول: اختلاف العلماء في مفهوم الزكاة الشرعية، هل هي عبادة كالصلاة والصيام أم هي حق العبد للفقراء ونحوهم على الأغنياء؟ فمن قال: إنها عبادة، قال: الصبي والمجنون ليسا من أهل وجوب العبادة، فلا تجب عليهما الزكاة كما لا تجب عليهما الصلاة والصوم، ومن قال: إنها حق العبد، قال: الصبي والمجنون من أهل وجوب حقوق العباد كضمان المتلفات وأروش الجنايات ونفقة الأقارب والزوجات(24).
الثاني: لقد وردت بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب الزكاة في أموال الصغار، ومن ثبتت عنده تلك الأحاديث، قال: بوجوب الزكاة في أموالهم، ومن لم تثبت عنده تلك الأحاديث، أو رآها أضعف من أن تخصص العمومات الواردة بعدم تكليفهم، قال: بعدم وجوب الزكاة في أموالهم (25).
وقد استدل القائلون بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون بأدلة كثيرة هاك بعضًا منها:
الدليل الأول: النصوص العامة في الزكاة الواردة في الكتاب والسنة والتي دلت على وجوب الزكاة في أموال المسلمين ولم تفصل بين البالغين والصبيان ولا بين العقلاء والمجانين، بل أمرت بأخذ الصدقة من أموال المسلمين عمومًا دون استثناء لمال الصبي والمجنون، ومنها قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقه} (التوبة:103)، فهذا النص عام في كل صغير وكبير وعاقل ومجنون؛ لأنهم جميعًا بحاجة إلى التطهير والتزكية والدعاء، ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «…فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» (26)، فهذا النص أيضًا عام يشمل كل أغنياء المسلمين صغارًا أو كبارًا، عقلاء أو مجانين، كما أنه عام في فقرائهم، إذ لم يقل أحد بأن الصغير الفقير أو المجنون الفقير لا يأخذ من الزكاة.
الدليل الثاني: إن المقصود من الزكاة هو مواساة الفقير والمسكين، وتطهير مال الغني وحصوله على الثواب، وكل من الصبي والمجنون بحاجة إلى التطهير والثواب، كما أنهما من أهل المواساة، ولهذا يجب في مالهما نفقة أصولهما وفروعهما المحتاجين، وإذا ملك أي منهما أباه الرقيق فإنه يعتق عليه ويصير حرًّا بمجرد ملكه إياه، فتجب الزكاة في أموالهما.
الدليل الثالث: الزكاة حق العباد، والصبي والمجنون أهل بالاتفاق لوجوب حقوق العباد في أموالهما كضمان المتلفات، وأروش الجنايات، ونفقة الأقارب والزوجات، ويدل على أنها حق العبد ما يلي:
– قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} (التوبة:60)، وقوله جل وعلا: {والذين في أموالهم حق معلوم < للسائل والمحروم} (المعارج: ٢٤ -25)، والإضافة بحرف اللام تقتضي الاختصاص على جهة الملك إذا كان المضاف إليه من أهل الملك كما في الآيتين الكريمتين.
– الإجماع على أن من عليه الزكاة إذا وهب جميع النصاب للفقير بدون نية أداء الزكاة سقطت عنه الزكاة، والعبادة لا تحصل بدون نية، فدل ذلك على أنها حق للعبد.
– الزكاة يجري فيها الجبر على الأداء والاستخلاف من الساعي، ويصح فيها توكيل الذمي بأدائها وهو ليس من أهل العبادات، لأن شرط صحة أداء العبادات الإسلام، ولو كانت الزكاة عبادة ما صح ذلك.
الدليل الرابع :
– أن الزكاة حق المال قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) . فالزكاة واجبة في المال ، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها ، كملك النصاب ، ومرور الحول .
الدليل الخامس : ما رواه الترمذي (641) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : ( أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ ) وهو حديث ضعيف وكذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ضعفها النووي في المجموع (5/301) والألباني في ضعيف الترمذي . وراجع علل الدارقطني 2/156 حيث رجح الموقوف، والشاهد الذي ذكره ابن حجر في البلوغ 592 فيه علتان : علة الإرسال وعنعنة ابن جريج
وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه ، رواه عنه عبدالرزاق 4/68 وابن أبي شيبة 3/150، والبيهقي (4/178) وقال : إسناده صحيح . وأقره النووي على تصحيحه كما في “المجموع” .
الدليل السادس : حكى ابن المنذر وجوب الزكاة في مال الصبي عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وعائشة وجابر رضي الله عنهم.
وأموالهم كلها صحيحة محتج بها أخرجها عبدالرزاق 4/66 وابن أبي شيبة 3/149 والبيهقي 4/107
روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال : كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة ” انتهى .
تنبيه 1:جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال :من ولي يتيما، فليحص عليه السنين، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة؛ فإن شاء زكَّى، وإن شاء ترك. أخرجه عبدالرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي و فيه علتان :إحداهما :ليث بن أبي سليم ضعيف مختلط، والثانية :انقطاع بين مجاهد، وابن مسعود.
تنبيه 2: ذهب من المعاصرين بالقول بوجوب الزكاة في مال الصبي؛ علماء اللجنة الدائمة وابن باز في فتاويه وابن عثيمين.