– نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
دعاء الخوف من الشرك
(36) – ((15)) [حسن لغيره] وعن أبي علي -رجلٍ من بني كاهلٍ- قال:
خطبَنا أبو موسى الأشعريُّ فقال:
يا أيها الناسُ! اتَّقوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النملِ. فقام إليه عبدُ الله بن حَزَن وقيسُ بن المُضارِب فقالا: والله لَتخْرُجَنَّ مما قلتَ، أو لنأتينَّ عُمَرَ مأذونًا لنا أو غيرَ مأذونٍ، فقال: بل أخرجُ مما قُلتُ، خطبنا رسولُ الله – ? – ذات يومٍ، فقال: «يا أيها الناسُ! اتّقُوا هذا الشركَ؛ فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ».
فقال له من شاءَ اللهُ أن يقولَ: وكيف نَتَّقيه وهو أخفى من دبيبِ النملِ يا رسول الله! قال:
«قولوا: اللهمَّ إنّا نَعوذُ بك من أنْ نُشركَ بك شيئًا نَعلمُه، ونستغفرُكَ لما لا نعلمُه».
رواه أحمد والطبراني.
الشرح
قال ابن عثيمين رحمه الله: فإن الإنسان يستعيذ بالله عزوجل أن يشرك بالله وهو يعلم وأن يستغفر الله لما لا يعلم أنه شرك لأن الإنسان قد يقع في الشرك وهو لا يدري فيستغفر الله تعالى من شركٍ لم يعلم به.
*** فتاوى نور على الدرب للعثيمين (6) / (2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والشِّرْكُ غالِبٌ عَلى النُّفُوسِ. وهُوَ كَما جاءَ فِي الحَدِيثِ. {وهُوَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أخْفى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ} وفِي حَدِيثٍ آخَرَ {قالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ. كَيْفَ نَنْجُو مِنهُ وهُوَ أخْفى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ? لِأبِي بَكْرٍ: ألا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً إذا قُلْتَها نَجَوْتَ مِن دِقِّهِ وجِلِّهِ؟ قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أُشْرِكَ بِكَ وأنا أعْلَمُ وأسْتَغْفِرُكَ لِما لا أعْلَمُ}. وكانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي دُعائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صالِحًا واجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خالِصًا ولا تَجْعَلْ لِأحَدِ فِيهِ شَيْئًا. وكَثِيرًا ما يُخالِطُ النُّفُوسَ مِن الشَّهَواتِ الخَفِيَّةِ ما يُفْسِدُ عَلَيْها تَحْقِيقَ مَحَبَّتِها لِلَّهِ وعُبُودِيَّتِها لَهُ.
مجموع الفتاوى (10/ 214 – 215).
قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله:
التفريق بين الشرك الأصغر مع العلم، والشرك الأصغر مع الجهل؛ ولذا قال: «أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه»؛ لأن أمر الشرك الأصغر مع العلم عظيم فيجب أن يستعيذ المرء بالله من أن يشرك به شركا أصغر فما هو أعلى منه من باب أولى، وهو يعلم.
ثم قال: «وأستغفرك مما لا أعلم»؛ قد يقع في الشرك الأصغر أو الخفي، وهو لا يعلم، ويظهر شيء من ذلك على فلتات لسانه، وهو لا يقصد، ولمثل ذلك شرع هذا الدعاء.
فهذا يدل على أن الشرك أمره عظيم، فلا يتهاونن أحد بهذا الأمر؛ لأن من تهاون بالشرك وبالتوحيد، فإنه يكون، فإنه يكون متهاونا بأصل دين الإسلام، بل يكون متهاونا بالذي دعا إليه النبي ? في مكة سنين عددا، بل يكون متهاونا بدعوة الأنبياء والمرسلين؛ فإنهم اجتمعوا على شيء واحد، وهو العقيدة، وتوحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات، وأما الشرائع فشتى.
لهذا وجب عليك الحذر كل الحذر من الشرك بأنواعه، وأن تتعلم ضده، وأن تتعلم أيضا أفراد الشرك، وأفراد التوحيد، وبذلك يتم العلم، ويستقيم العمل. وأما تعلم ذلك على وجه الإجمال، فهذا كما يقال: نحن على الفطرة، لكن إذا أتت الأفراد فربما رأيت بعض الناس يخوضون في بعض الأقوال أو الأعمال التي هي من جنس الشرك، وهم لا يشعرون؛ وذلك لعدم خوفهم وهربهم من الشرك، نسأل الله جل وعلا العفو والعافية.
فاحرص – إذًا – على تعلم هذا الكتاب ومدارسته، وعلى كثرة مذاكرته، وفهم ما فيه من الحجج والبينات؛ لأنه أفضل ما تودعه صدرك، بعد كتاب الله – جل وعلا – وسنة نبيه ?، فلعله أن يكون – إن شاء الله – سببا عظيما من أسباب النجاة والفلاح. [التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قال العلامة حمود التويجري رحمه الله:
وينبغي للمسلم -أيضا- أن يواظب على الدعاء المأثور في اتقاء الشرك وإذهابه، وهو ما رواه الإمام أحمد، والبخاري في الكُنى، والطبراني وغيرهم، عن أبي موسى – رضي الله عنه – أن رسول الله – ? – قال: «أيها الناس اتقوا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل» قالوا: وكيف نتقيه يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه».
غربة الإسلام (2/ 542).
وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائمًا مستعينًا به.
*** فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4) / (2)