[مشكل رقم: {(20)}]
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ ? (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ.
رواه أحمد (3687) وأبو يعلى (5219) والبخاري في الأدب (909) وأبو داود (10/ 405 والترمذي (1614) وقال: حسن صحيح.
وجه الإشكال:
ظاهر الحديث يدل على أن النبي-?- كذلك لم يسلم من الوقوع في الطيرة والمقرر عند العلماء عصمة الأنبياء من الوقوع في الشرك؟
——–
إجابة نورس الهاشمي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
قبل الجواب عن الإشكال أردت عرض أقوال أهل العلم في [عصمة الأنبياء] و أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله، وكذلك معصومون عن الكبائر، وقد تقع من بعضهم الصغائر ولا يقعون منهم الإصرار على الصغائر.
فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (فتاوى ابن باز ج6/ 371))
” قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى: ” والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى ” النجم /1 – 5)، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم ” انتهى.
عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم
أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر، سواء قبل بعثتهم أم بعدها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (مجموع الفتاوى: ج4/ 319):
” إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف … وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ” انتهى
قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: ج4/ 320))
” وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم (أي الأنبياء) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل ” انتهى
فاذا علمت وتاملت وتدبرت كلام اهل العلم تبين من ذلك
فاذا لم يقعوا في الكبائر، فمن باب أولى أن لا يقع منهم الطيرة، لان الطيرة شرك، وأنما يقع ممن دونهم، واذا وقع في قلبه مع كراهته فلا يضره، اليكم بعض كلام أهل العلم:
وعن ابن مسعود، مرفوعا: ” الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا … ولكن الله يذهبه بالتوكل ” قال سليمان: هذا عندي قول عبد الله بن مسعود “. وقال الحاكم: ” حديث صحيح سنده، ثقات رواته “، وأقره الذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر والألباني وغيرهم.
وانظر: ” الصحيحة ” (430)، و ” غاية المرام ” (303)، و ” صحيح [الجامع الصغير ” (3855)، و ” سنن أبي داود ” (3309)، و ” سنن الترمذي ” (1314)، و ” سنن ابن ماجه ” (285)] للألباني.
” تنبيه “: قال المؤلف رحمه الله تعالى: ” وبيّن الحافظ في ” الفتح ” (10/ 213 – طبعة دار المعرفة) أن قوله: (وما منّا … ) من كلام ابن مسعود “.
قلتُ: يعني أنه مدرج ليس من كلامه – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اعتماداً على كلام سليمان بن حرب المتقدم قريباً في كلام الترمذي، وإليه مال جمع من الحفاظ كالبخاري والترمذي والمنذري وغيرهم، وذهب الحافظ ابن القطان الفاسي وغيرهُ- واختاره الألباني- أن الإِدراج دعوى لا تقبل إلّا بحجة؛ فالحديث صحيح بكامله، مرفوع بتمامه. [رسالة الشرك ومظاهره].
وهذا صريح في تحريم الطيرة وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب بغير الله، قال ابن مفلح: الأولى القطع بتحريمها؛ لأنها شرك، وكيف يكون الشرك مكروها الكراهة الاصطلاحية. قوله: “وما منا إلا ” قال أبو القاسم الأصبهاني والمنذري: في الحديث إضمار التقدير: وما منا إلا وقد وقع في شيء من ذلك. انتهى.
أن الواقع في القلوب من ذلك مع كراهته لا يضر، بل يذهبه الله وقوله: “ليس منا ” دليل على نفي الإيمان الواجب، وهو لا ينافي ما تقدم من أن الطيرة شرك والكهانة كفر [كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين]
وعن عمران بن حصين مرفوعاً: “ليس منا” أي ليس من اتباعنا الذين يقتفون أثرنا ويمتثلون بأمرنا ” من تطير” لأنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم “الطيرة شرك” فتح المجيد (328)
قال العثيمين: وقوله: “شرك”: أي: إنها من أنواع الشرك، وليست الشرك كله، وإلا; لقال: الطيرة الشرك.
هل المراد بالشرك هنا الشرك الأكبر المخرج عن الملة، أو أنها نوع من أنواع الشرك؟ نقول: هي نوع من أنواع الشرك; كقوله صلى الله عليه وسلم ” اثنتان في الناس هما بهم كفر “34 أي: ليس الكفر المخرج عن الملة، وإلا; لقال: “هما بهم الكفر”، بل هما نوع من الكفر.
لكن في ترك الصلاة قال: ” بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة “56 فقال: “الكفر”; فيجب أن نعرف الفرق بين “أل” المعرفة أو الدالة على الاستغراق، وبين خلو اللفظ منها، فإذا قيل: هذا كفر; فالمراد أنه نوع من الكفر لا يخرج من الملة، وإذا قيل: هذا الكفر; فهو المخرج من الملة.
فإذا تطير إنسان بشيء رآه أو سمعه; فإنه لا يعد مشركا شركا يخرجه من الملة، لكنه أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذي لم يجعله الله سببا، وهذا يضعف التوكل على الله ويوهن العزيمة، وبذلك يعتبر شركا من هذه الناحية، والقاعدة: “إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببا; فإنه مشرك شركا أصغر”.
وهذا نوع من الإشراك مع الله; إما في التشريع إن كان هذا السبب شرعيا، وإما في التقدير إن كان هذا السبب كونيا، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله; فهو مشرك شركا أكبر; لأنه جعل لله شريكا في الخلق والإيجاد.
قوله: “وما منا”: “منا”: جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، إما قبل (إلا) إن قدرت ما بعد إلا فعلا; أي: وما منا أحد إلا تطير، أو بعد (إلا) ; أي: وما منا إلا متطير.
والمعنى: ما منا إنسان يسلم من التطير; فالإنسان يسمع شيئا فيتشاءم، أو يبدأ في فعل; فيجد أوله ليس بالسهل فيتشاءم ويتركه.
والتوكل: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله وفعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا. فلا يكفي صدقالاعتماد فقط، بل لا بد أن تثق به; لأنه سبحانه يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2. [القول المفيد (1/ 574)]
ذكر ما يقول من وجده: وسبق أنه شيئان:
أن يقول: “اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
أو يقول: “اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك”.
فالصواب أنه: لا يقع منهم
———–
سيف بن غدير النعيمي
مشكل الحديث {(20)}
قال الإمام مسلم في صحيحه حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك: ” أن رسول الله? أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال: أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره “.
قال بعض الباحثين: ”
فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه? وتطهيره لقلبه فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره.
في رسالته ” حقوق النبي? على أمته في ضوء الكتاب والسنة”.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
{فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه.} ”
مجموع الفتاوى ” (18/ 7).
قال ابن تيمية (ت: 728 هـ)
{القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر ” أبو الحسن الآمدي ” أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ولم ينقل عنهم ما يوافق القول …….. وإنما نقل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة ثم عن بعض المعتزلة ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين.
وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها ولا يقولون إنها لا تقع بحال و أول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك: الرافضة فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل.
وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته وقالوا بعصمة علي والاثني عشر ثم ” الإسماعيلية ” الذين كانوا ملوك القاهرة و كانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون وهم عند أهل العلم من ذرية عبيد الله القداح كانوا هم وأتباعهم يقولون بمثل هذه العصمة لأئمتهم و نحوهم مع كونهم كما قال فيهم أبو حامد الغزالي – في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم – قال: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض.
وقد صنف ” القاضي أبو يعلى ” وصف مذاهبهم في كتبه وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين فهؤلاء وأمثالهم من الغلاة القائلين بالعصمة وقد يكفرون من ينكر القول بها وهؤلاء الغالية هم كفار باتفاق المسلمين}.
مجموع الفتاوى لابن تيمية {25/ 106}
قال الذهبي (ت: 748هـ):
{وَقد يَقع مِنْهُم الذَّنب وَلَا يقرونَ عَلَيْهِ وَلَا يقرونَ على خطأ وَلَا فسق أصلا فهم منزهون عَن كل مَا يقْدَح فِي نبوتهم وَعَامة الْجُمْهُور الَّذين يجوزون عَلَيْهِم الصَّغَائِر يَقُولُونَ إِنَّهُم معصومون من الْإِقْرَار عَلَيْهَا}
المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال ص {50}
قال ابن عبد البر {ت: 463هـ}:
{معْلُومٌ أَنَّهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ إِلَّا الصَّغَائِرُ لِأَنَّهُ لَا يَاتِي كَبِيرَةً أَبَدًا لَا هُوَ و َلَا أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ}
الاستذكار لابن عبد البر {3/ 266}
——-
إجابة ناصر الكعبي ونقل معه الأخ عامر كلام الألباني:
قال سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ص376:-
قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هـذا: “وما منا” هـذا عندي من قول ابن مسعود، فالترمذي نقل ذلك عن سليمان بن حرب ووافقه على ذلك العلماء.
قال ابن القيم: وهـو الصواب، فإن الطيرة نوع من الشرك. انتهى
ونقل الألباني -رحمه الله- ما يلي:
“وقال الترمذي: ” حسن صحيح، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هـذا الحديث: ” وما منا ولكن الله يذهـبه بالتوكل ” قال: هـذا عندي
قول عبد الله بن مسعود “.
قلت (الألباني): يعني أن هـذا القدر من الحديث مدرج ليس مرفوعا وكأنه لهذا لم يورده السيوطي بتمامه وإنما أورد الجملة ا?ولى منه اعتمادا على ك?م ابن حرب.
قال الشارح المناوي:
” لكن تعقبه ابن القطان بأن كل ك?م مسوق في سياق، ? يقبل دعوى درجه إ? بحجة “.
قلت (الألباني): و? حجة هـنا في ا?دراج فالحديث صحيح بكامله.
قال ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري (10/ 213): ” وأخرج أبو داود والترمذي وصححه هـو وابن حبان عن ابن مسعود رفعه: (الطيرة شرك وما منا إ? تطير ولكن الله يذهـبه بالتوكل). وقوله: ” وما منا إ? .. ” من ك?م ابن مسعود رضي الله عنه أدرج في الخبر، وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري فيما حكاه الترمذي عن البخاري عنه، وإنما جعل ذلك شركا ?عتقادهـم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا؛ فكأنهم أشركوه مع الله تعالى.
وقوله؛ ” ولكن الله يذهـبه بالتوكل” إشارة إلى أن من وقع له ذلك فسلم لله ولم يعبأ بالطيرة أنه ? يؤاخذ بما عرض له من ذلك”. انتهى
وفي كلام ابن حجر الجواب على الحديث من وجهين:
1 – أن الزيادة من قول ابن مسعود رضي الله عنه.
2 – وعلى فرض ثبوتها؛ فإن من وقع منه ذلك فسلَّم لله ولم يلتفت إليها لم يؤاخذ بما عرض له من ذلك.
——-
إجابة رامي:
[444] باب في عدم المؤاخذة بما قد يجده المرء في قلبه من التطيرعن ابن مسعود قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «الطيرة شرك وما منا إلا .. ولكن يذهبه الله بالتوكل».
[قال الهيثمي في الموارد]:
قلت: قول: «وما منا .. » الخ من قول ابن مسعود [فعلق الألباني قائلا]:
قلت: يعني: أنه مدرج والمؤلف تبع في ذلك «سليمان بن حرب» من شيوخ البخاري, وهذا هو الذي نقله عنه, فيما حكاه الترمذي, وهو من الغرائب عندي؛ لأنه يستلزم تخطئة الثقة من رواته-وكلهم ثقات لا مغمز فيهم-بمجرد الدعوى, وهذا خلاف الأصول, ولم أزل مستنكرا لها, حتى وجدت-والحمد لله-من سبقني إلى ذلك تلويحا أو تصريحا, فهذا هو البيهقي يشير في «شعبه» إلى تمريض الدعوى بقوله (2/ 62): يقال: هذا من قول عبد الله بن مسعود. وتبعه في هذا التمريض عبد الحق الأشبيلي, فأورد الحديث في «الأحكام الصغرى» , وهي خاصة بما صح من الحديث عنده, كما نص عليه في «المقدمة» , ثم أكد بذلك بقوله (2/ 521) عقبه مثل قول البيهقي المذكور, وكذا قال في الإحكام الوسطى (3/ 30).ثم صرح برد الدعوى الحافظ ابن القطان الفاسي في كتابه القيم «بيان الوهم والإيهام» عقب قول عبد الحق المذكور (5/ 387)؛ فقال: كل كلام مسوق في السياق لا ينبغي أن يقبل ممن يقول: إنه مدرج؛ إلا أن يجيء بحجة, وهذا الباب معروف عند المحدثين, وقد وضعت فيه كتب. قلت: ومن المعروف عند أهل العلم: أن أبا حاتم الرازي من المتشددين في هذا المجال, ومن أوسع الحفاظ خطوا في استنكار الأحاديث, ومع ذلك فقد خلا كتاب ابنه «العلل» من هذا الحديث. ولعل الحامل على تلك الدعوى إنما هو الوقوف عند لفظه «شرك» الذي لا
يليق بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فأقول: المراد بها شرك الجاهلية؛ فإنها كانت تصدهم عن حاجاتهم, وهذا ليس مرادا من قوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «وما منا إلا … » , وإنما قد يجده الشخص في نفسه, ثم يصرفه بالتوكل على الله, فهذا التوكل مما كلف به العبد بخلاف ما يجده فإنه لا يملكه, وهذا صريح في حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ أنه قال للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم؛ فلا يصدنهم» رواه مسلم (2/ 70).فلم ينكر عليهم ما يجدون من الطيرة, فضلا أن يصفه بالشرك, وقد صح عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: «من ردته الطيرة فقد قارف الشرك» , وهو مخرج في «الصحيحة» (1065) ,فهذا يوضح تمام التوضيح حديث الباب, ويبطل الإدراج المدعى, فتأمل! “صحيح موارد الظمآن” (2/ 37 – 38).
موسوعة الألباني في العقيدة
——–
إجابة أحمد بن علي:
قال في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
كما قد روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ أنه قال: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك -ثلاثا -، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل))؛ أي: من اعتقد في الطيرة ما كانت الجاهلية تعتقده فيها، فقد أشرك مع الله تعالى خالقا آخر، ومن لم يعتقد ذلك فقد تشبه بأهل الشرك، ولذلك قال: ((وما منا))؛ أي: ليس على سنتنا.
وقوله: ((إلا)): هي إلا الاستمنائية، ومعنى ذلك: أن المتطير ليس على سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن يمضي لوجهه، ويرضى عنها، غير أنه قد لا يقدر على الانفكاك عنها بحيث لا تخطر له مرة واحدة، فإن إزالة تأثيرها من النفوس لا تدخل تحت استطاعتنا، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث معاوية بن الحكم – لما قال له: ومنا رجال يتطيرون – فقال: ((ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم. وفي بعض النسخ: ((فلا يضرهم))، لكنه إذا صح تفويضه إلى الله تعالى، وتوكله عليه، وداوم على ذلك أذهب الله تعالى ذلك عنه، ولذلك قال: ((ولكن الله يذهبه بالتوكل)).اهـ
قال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود:
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في الطيرة، والطيرة هي حصول التشاؤم والتفاؤل، فالإنسان قد يقدم على شيء أو يحجم عنه بسبب هذا التطير. وأورد أبو داود حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك) ثم قال ابن مسعود: وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل، يعني: لا يسلم أحد أن يقع في ذهنه شيء من هذا، لكنه لا يكون بالتعويل على زجر الطير، أو الخط في الأرض أو ما إلى ذلك، فإن هذا محرم لا يسوغ، ولكنه قد ينقدح في ذهن الإنسان شيء مما يكون فيه مسرة أو مما يكون فيه مضرة، ولكن المسلم يعتمد على الله، ويضيف الأمور إلى الله عز وجل، ويتوكل عليه سبحانه وتعالى … اهـ
————-
إجابة سيف بن دورة الكعبي:
اللهم بارك لم يترك الأصحاب قولاً إلا ذكروه، وأنا مع القائلين بالإدراج، لأنهم هم أصحاب هذا التخصص.