[مشكل رقم: ((18))]
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
وشارك نورس الهاشمي وهيثم الزعابي
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله-?: {ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء} [رواه البخاري].
وجه الإشكال:
كيف يكون الذكر أعلى وأفضل من الجهاد في سبيل الله وهو من الأعمال الفاضلة التي تواردت النصوص بذكر فضله وشأنه، فهل معنى هذا أن الذكر أفضل من الجهاد؟
————
مشاركة سيف بن غدير:
قال ابن رجب رحمه الله: ” وقد تكاثرت النصوص بتفضيل الذّكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال ”
جامع العلوم والحكم (الحديث الخامس والعشرون، ص: 66).
ثم أورد حديث أبي الدرداء المتقدم، وجملة من الأحاديث الأخرى الدالة على المعنى نفسه.
وفي
إحكام الأحكام 1/ 163:
اختلفت الأحاديث في فضائل الأعمال و تقديم بعضها على بعض و الذي قيل في هذا إنها أجوبة مخصوصة لسائل مخصوص أو من هو في مثل حاله أو هي مخصوصة ببعض الأحوال التي ترشد القرائن إلى أنّها المراد ومثال ذلك أن يحمل ما ورد عنه صلى الله عليه و سلم من قوله [ألا أخبركم بأفضل أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم؟] و فسره بذكر الله تعالى على أن يكون ذلك أفضل الأعمال بالنسبة إلى المخاطبين بذلك أو من هو في مثل حالهم أو من هو في صفاتهم و لو خوطب بذلك الشجاع الباسل المتأهل للنفع الأكبر في القتال لقيل له الجهاد و لو خوطب به من لا يقوم مقامه في القتال و لا يتمحض حاله لصلاحية التبتل لذكر الله تعالى و كان غنياً ينتفع بصدقة ماله لقيل له الصدقة و هكذا في بقية أحوال الناس قد يكون الأفضل في حق هذا مخالفا للأفضل في حق ذاك بحسب ترجيح المصلحة التي تليق به و أمّا بر الوالدين فقد قدم في الحديث على الجهاد و هو دليل على تعظيمه و لا شك في أن أذاهما بغير ما يجب من البر في غير هذا ففي ضبطه إشكال كبير وأما الجهاد في سبيل الله تعالى فمرتبته في الدين عظيمة و القياس يقتضي أنه أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل فإن العبادات على قسمين منها ما هو مقصود لنفسه و منها ما هو وسيلة إلى غيره و فضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه فحيث تعظم فضيلة المتوسل إليه تعظم فضيلة الوسيلة و لما كان الجهاد في سبيل الله وسيلة إلى إعلان الإيمان و نشره وإخماد الكفر و دحضه كانت فضيلة الجهاد بحسب فضيلة ذلك و الله أعلم.
قال في “الفتح الرباني” 14/ 198:
“وقد استَشكَلَ بعضُ أهل العلم تفضيلَ الذِّكر على الجهاد مع ورود الأدلَّة الصحيحة أنَّه أفضلُ الأعمال، وقد أجابَ العلماء بأجوبةٍ كثيرة أظهرها: أنَّ ما وَرَدَ من الأحاديث المشتمِلة على تفضيلِ بعض الأعمال على بعضٍ آخَر، وما ورد منها ممَّا يدلُّ على تفضيل البعض المفضَّل عليه يختلفُ باختلافِ الأشخاص والأحوال؛ فمَن كان مطيقًا للجهاد وقوي الأثر فيه فأفضل أعماله الجهاد، ومَن كان كثيرَ المال فأفضل أعماله الصَّدقة، ومَن كان غير متَّصفٍ بأحدٍ من الصفتين المذكورتين فأفضلُ أعماله الذِّكر والصَّلاة ونحو ذلك”، ا. هـ.
قال بعض الباحثين:
قوله ?:” تَلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم “؛ المراد منه ـ في هذا الحديث ـ جهاد الطلب المندوب، المجرد عن الذِّكر، الذي تكون تحصيل الغنائم من العدو غرض من أغراضه، إن لم يكن الغرض الأكبر، فهذا النوع من القتال أو الجهاد المجرد، نعم ذكر الله يعلوه فضلاً ودرجة عند الله تعالى كما أفاد بذلك الحديث.
أما جهاد الدفع الواجب .. ورد العدو الصائل عن بلاد وحرمات المسلمين .. أو جهاد الطلب الواجب الخالص لوجه الله تعالى من أجل إعلاء كلمته في الأرض .. الذي لا يشوبه غرض من أغراض الدنيا .. فإنه لا يعدله شيء من الطاعات .. وعليه ينبغي أن تُحمل الأحاديث الدالة على فضل الجهاد في سبيل الله على ما سواه من الأعمال والمندوبات، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه: أن رجلاً جاء إلى رسول الله ?فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال?-:” لا أجده؛ هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدكَ فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ ” قال: ومن يستطيع ذلك؟!
أمَّا ما المراد من ” ذِكر الله ” الوارد في الحديث أعلاه .. ؟
أقول: هو ذِكرُ اللسان الذي يُرافقه استحضار خشوع القلب، الذي يحمل الجوارح الظاهرة والباطنة على الانقياد لتعاليم الشريعة أمراً ونهياً .. هذا هو المراد من الذكر الوارد في الحديث أعلاه، وهذا الذكر بهذا الوصف والشروط هو الذي يُعد أفضل وخير من إنفاقِ الذَّهب والورق، وخير لكم من أن تَلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم .. وليس الذكر المجرد الذي لا يعدو مجرد تحريك الشفاه، وطقطقة حبات السبحة .. مع غفلة تامة لخشوع القلب وأعماله، وغياب انقياد الجوارح الظاهرة لتعاليم الشريعة .. كما يظن البعض!
قال الشيخ عبدالرزاق البدر:
ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام: أن ذكر الله تعالى لا يختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير والتحميد ونحوه، بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه، بل إنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك، لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به من ذلك، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة، وأما معرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه وما يكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه.
قال الحافظ في فتح الباري 11/ 210
أخرج الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا” الا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله عز وجل ”
وقد أشرت إليه مستشكلا في أوائل الجهاد مع ما ورد في فضل المجاهد أنّه كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر وغير ذلك مما يدل على افضليته على غيره من الأعمال الصالحة وطريق الجمع والله اعلم ان المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى وأنّ الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك وأنّ أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له أنّه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى
وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنّه ما من عمل صالح الا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن ابلغ من عمله الحديث الأول.
قال ابن دقيق العيد:
وَقَوْلُهُ: ” لا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ ” يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الأَذْكَارِ عَلَى فَضِيلَةِ الْمَالِ، وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لِلأَغْنِيَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ لا يَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْفُقَرَاءُ. اهـ
قال الإمام المناوى رحمه الله:
قوله?: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم) أي أفضلها (وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب والورق) بكسر الراء الفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) يعني الكفار (فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلوكم بسيف أو غيره قالوا وما ذاك؟ قال: (ذكر الله)، لأن جميع العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وغيرهما وسائل ووسايط يتقرب بها إلى الله والذكر هو المقصود الأعظم والقلب الذي تدور عليه رحا جميع الأديان وهذا الحديث يقتضى أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن.
(التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ 1صـ 814).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله -:
“وممَّا ينبغي أنْ يُعرَف أنَّ الله ليس رضاه أو محبَّته في مجرَّد عَذاب النفس وحملها على المشاقِّ؛ حتى يكون العمل كلَّما كان أشقَّ كان أفضل، كما يحسبُ كثيرٌ من الجهال أنَّ الأجر على قدر المشقَّة في كلِّ شيء، لا، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل، ومصلحته، وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله، فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع، وأتبع – كان أفضل؛ فإنَّ الأعمال لا تتفاضَلُ بالكثرة، وإنما تتفاضَلُ بما يحصل في القلوب حالَ العمل”؛
“الفتاوى” 25/ 281 – 282.
قوله: {ذكر الله} قال عز الدين بن عبد السلام في قواعده:
هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف انتهى.
من الضوابط التي يعملُ بها في تفضيل عملٍ على عمل آخَر:
1 – الواجب مقدَّم على غيره بإطلاق.
2 – المستحبُّ مقدَّم على المباح بإطلاق، ما لم يكن وسيلة إلى واجب أو مستحب آخَر.
3 – عند التزاحُم بين الأعمال الصالحة: إذا أمكن الأخْذ من كلِّ عمل صالح مستحب ما يمكنه على سبيل المداومة، وإنْ كان قليلاً كان أفضل؛ ((أحبُّ العمل إلى الله أدومُه وإنْ قلَّ))، وسبَق الحديث عن المداومة على العمل الصالح، وعند التعارُض بين أنواع الأعمال الصالحة يحتاجُ المسلم إلى فقه الموازنة بين دَرجات المصالح، ويمكنُ الاستئناس بما يلي:
1) العمل المرتبِط فضلُه بوقتٍ هو المقدَّم؛ كالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فهو مُقدَّم على التعليم ونحوه، وقد كان هذا هدي النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومثلُه الانشغال بإكرام الضيف عند قُدومه، أو قتال العدو عند هُجومه، ولو على حِساب أعمال صالحة أخرى.
2) العمل الذي يكون فيه خيرٌ مُتعدٍّ للناس أفضلُ من القاصر؛ أخرج البخاري 4191 عن أبي هريرة – رضي الله عنه – {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قال: “خيرُ الناس للناس؛ تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخُلوا في الإسلام”.
وأخرج الترمذيُّ 2431 عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((المسلم إذا كان مخالطًا الناسَ ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من المسلم الذي لا يخالطُ الناسَ ولا يصبرُ على أذاهم))، فالعلمُ والتعليم خيرٌ من العبادة النافلة القاصرة من حيث الأصل.
ومن ذلك ما يُروَى أنَّ مالكًا كان في حلقتِه فقام أحدُ طلابه من الحلقة ليُصلِّي نافلةً، فقال له مالك: الذي قمتَ عنه خيرٌ من الذي قُمتَ إليه.
قال السعدي في “القواعد” ق33: “ويقدم العبادات التي نفعها يعمُّ العامل وغيره على العبادات المختصَّة بالعامل”.
3) العملُ الذي يكونُ فيه صَلاح القلب وحُضوره مقدَّمٌ؛ وراجع كلام ابن تيمية المتقدم
4) العمل الصالح المستحبُّ الذي يقومُ به المسلم لإعداد نفسه وتقوية إيمانه وقلبه مقدَّمٌ، وهذا من تربية الله تعالى لنبيِّه؛ {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97 – 99]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا … } [المزمل: 1 – 2] الآيات، {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 7 – 8]، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 26].
• قال ابن القيِّم في “الوابل الصيب” في بيان فوائد الذكر: “السابعة عشرة: أنَّه قوت القلب والروح، فاذا فقَدَه العبد صارَ بمنزلة الجسم إذا حِيلَ بينه وبين قُوتِه، وحضرتُ شيخ الاسلام ابن تيميَّة مرَّةً صلَّى الفجر ثم جلس يذكُر الله تعالى إلى قريبٍ من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداءَ سقطتْ قوَّتي، أو كلامًا قريبًا من هذا”، ا. هـ.
(24) / (12) / (2015)، (09): (23) – ?+971 50 713 3354?: – – – – – – – – – – – –
مشاركة نورس الهاشمي:
أي العمل أفضل
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رواه البخاري
الحمدلله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
العمل الصالح مطلوب في هذه الأيام وغيرها ولكن يتأكد في هذه الأيام لما فيها من الحث على الازدياد من الطاعات، وقد تتضمن هذه الأيام أجور عظيمة من صيام ليوم عرفة والإكثار من التهليل و التكبير والتحميد، إلا رجل خاطر بنفسه و لم يرجع، ولا يعني هذا ان الجهاد ليس له فضل في هذه الأيام، بل يكون أجره أفضل ممن يعمل في أيام العشر أو مساوياً له، وقد تكون الأفضلية بحسب الحال والوقت.
قال ابن رجب: وهذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه.
وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره.
ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء. (فتح الباري) (9/ 12) ….
و قال أيضاً: وهذه النصوص: تدل على أن كل عمل في العشر فإنه أفضل من العمل في غيره، أما سنة أو أكثر من ذلك أو اقل. والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة ذلك كله.
قال ابن الملقن في (التوضيح) (8/ 113): قوله: (“وَلاَ الجِهَادُ”) أي: ليس مطلق الجهاد كله بموجب، بل الموجب ما ذكر من المخاطرة بالنفس والمال ففضله لا يحاط به.
قَالَ الداودي: ولم يرد هنا أن هذِه الأيام خير من يوم الجمعة لأنه قد يكون فيها يوم جمعة، وفيه نظرٌ؛ لأنه إذا كان فيها زاد الفضل.
ومعنى: “يخاطر بنفسه”: يكافح العدو بنفسه وسلاحه وجواده فيسلم من القتل أو لا يسلم منه، فهذِه المخاطرة، وهذا العمل أفضل منه في هذِه الأيام وغيرها مع أن هذا العمل لا يمتنع صاحبه من إتيان التكبير والإعلان به.
قال الحافظ في الفتح [12/ 130]: وَفِيه أَن الْفَضَائِل لاتدرك بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا هِيَ إِحْسَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ شَاءَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ لِأَنَّ الْجِهَادَ وَسِيلَةٌ إِلَى إِعْلَانِ الدِّينِ وَنَشْرِهِ وَإِخْمَادِ الْكُفْرِ وَدَحْضِهِ فَفَضِيلَتُهُ بِحَسَبِ فَضِيلَةِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يقولُ ابن تيميَّة: “الصلاة، والجهاد، والعلم، هذه الثلاث هي أفضلُ الأعمال بإجماع الأمَّة، قال أحمد بن حنبل: أفضل ما تطوَّعَ به الإنسان الجهادُ، وقال الشافعي: أفضلُ ما تطوَّع به الصلاة، وقال أبو حنيفة ومالك: العلم، والتحقيق أنَّ كلاًّ من الثلاثة لا بُدَّ له من الآخرَيْن، وقد يكونُ هذا أفضل في حال، وهذا أفضلُ في حالٍ، كما كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وخُلَفاؤه يفعَلُون هذا وهذا وهذا، كلٌّ في موضعه بحسَب الحاجة والمصلحة”؛ “منهاج السنة النبوية”: جـ6، ص75.
• وابن القيِّم – رحمه الله – قد قسم الناس في العبادة إلى أربعة أصناف، ثم رجح الصِّنف الرابع الذين قالوا: إنَّ أفضل العبادة العمل على مَرْضاة الربِّ في كلِّ وقتٍ بما هو مُقتَضى ذلك الوقت ووظيفته”، وانظر كلامَه في “مدارج السالكين” 1/ 88.
قال ابن القيم:
والتحقيق في ذلك أن المراتب ثلاث:
المرتبة الأولى: ذكر وجهاد، وهي أعلى المراتب، قال – تعالى -: “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ” [الأنفال: 45]
المرتبة الثانية: ذكر بلا جهاد، فهذه دون الأولى
المرتبة الثالثة: جهاد بلاذكر، فهي دونها، والذاكر أفضل من هذا
وإنما وضع الجهاد لأجل ذكر الله، فالمقصود من الجهاد أن يذكر الله ويعبد وحده، فتوحيده وذكره وعبادته هو غاية الخلق التي خلقوا لها، انظر عون المعبود حاشية ابن القيم (7/ 126(
قال المناوي في [فيض القدير]: (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي الله لأهل الجنة فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم الله بها في التنزيل بقوله {والفجر وليال عشر} ولهذا سن الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكا بأن اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام. وقال ابن القيم: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض.
و للفائدة:
• وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِلَ: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: ((إيمانٌ بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهادُ في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا قال: حجٌّ مبرور)))).
• وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعودٍ قال: سألت النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصلاةُ على وقتها))، قال: ثم أيٌّ؟ قال: ((ثم برُّ الوالدين)) قال: ثم أيٌّ؟ قال: الجهادُ في سبيل الله)))).
• وعند البخاري عن مسروق قال: سألت عائشةَ – رضي الله عنها -: أيُّ العمل كان أحبَّ إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقومُ؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ”.
- وعند مسلمٍ عن عائشة (((أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِلَ: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: أدومُه وإن قلَّ)))).
• وعند مسلمٍ عن أبي ذرٍّ قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: ((الإيمان بالله، والجهاد في سبيله)) قال: قلت: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ قال: أنفَسُها عند أهلِها وأكثرها ثمنًا، قال: قلت: فإنْ لم أفعَلْ؟! قال: ((تُعِينُ صانعًا، أو تصنع لأخرق))، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ ضعُفت عن بعض العمل؟ قال: تكفُّ شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك)).
• وعند النسائي عن عبدالله بن مسعودٍ قال: سألت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله – عزَّ وجلَّ؟ قال: ((إقامُ الصلاة لوقتِها)).
• وعند النسائي عن رجاء بن حَيْوَةَ عن أبي أُمامة أنَّه سأل رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: ((عليك بالصوم؛ فإنَّه لا عدلَ له)).
• وعند البخاريِّ عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قالوا: يا رسول الله، أيُّ الإسلام أفضلُ؟ قال: ((مَن سَلِمَ المسلمون من لسانِه ويدِه)).
• وعند البخاريِّ عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – أنَّ رجلاً سألَ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير، قال: ((تُطعِمُ الطعام، وتقرأُ السلام على مَن عرفت ومَن لم تعرف)).
• وعند مسلمٍ عن أبي موسى قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الإسلام أفضل؟ قال: ((مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويدِه)). - وعند النسائيِّ عن عبدالله بن حبشي الخثعمي أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِلَ: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: ((إيمانٌ لا شكَّ فيه، وجهادٌ لا غلول فيه، وحجةٌ مبرورة))، قيل: فأيُّ الصَّلاة أفضلُ؟ قال: ((طُول القنوت))، قيل: فأيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلِّ)) قيل: فأيُّ الهجرة أفضلُ؟ قال: ((مَن هجَر ما حرَّم الله – عزَّ وجلَّ)) قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: ((مَن جاهَد المشركين بمالِه ونفسِه))، قيل: فأيُّ القتل أشرفُ؟ قال: مَن أُهريقَ دمُه وعُقِر جَوادُه)))).
• وعندَ ابنِ ماجه عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِل: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: ((العجُّ والثجُّ)).
• وعند أحمد والترمذي والحاكم عن أبي الدَّرداء – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا أنبِّئكم بخيرِ أعمالكم، وأزكاها عند مَلِيككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أنْ تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى)).
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قَالَ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ ضَائِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلَ؟ قَالَ: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِكَ» أخرجه البخاري في الادب المفرد [قال الشيخ الألباني]: صحيح.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الجهاد لابن أبي عاصم.
عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَمَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَدَارَسُونَهُ إِلَّا أَظَلَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَكَانُوا أَضْيَافَ اللَّهِ مَا دَامُوا فِيهِ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» مصنف ابن أبي شيبة (7/ 135).
————–
مشاركة هيثم زعابي:
حاشية السندي على ابن ماجه
باب صيام العشر
1727 حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء
قوله: (ما من أيام) كلمة من زائدة لاستغراق النفي وجملة العمل الصالح صفة أيام والخبر محذوف أي [ص: 527] موجودة أو خير وهو الأوجه قوله: (من هذه الأيام) متعلقة بأحب والمعنى على حذف المضاف أي من عمل هذه الأيام ليكون المفضل والمفضل عليه من جنس واحد ثم المتبادر من هذا الكلام عرفا أن كل عمل صالح إذا وقع في هذه الأيام فهو أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها وهذا من باب تفضيل الشيء على نفسه باعتبارين وهو شائع وأصل اللغة في مثل هذا الكلام لا يفيد الأحبية بل يكفي فيه المساواة لأن نفي الأحبية يصدق بالمساواة وهذا واضح وعلى الوجهين لا يظهر لاستبعادهم المذكور بلفظ ولا الجهاد إذ لا يستبعد أن يكون الجهاد في هذه الأيام أحب منه في غيرها أو مساويا للجهاد في غيرها نعم لو كان المراد أن العمل الصالح في هذه الأيام مطلقا أي عمل كان، أحب من العمل في غيرها مطلقا أي عمل كان، حتى إن أدنى الأعمال في هذه الأيام أحب من أعظم الأعمال في غيرها لكان الاستبعاد موجها لكن كون ذلك مرادا بعيد لفظا ومعنى فلعل وجه استبعادهم أن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج فينبغي أن يكون في غيرها أحب منها فيها وحينئذ قوله: ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا رجل أي جهاد رجل بيان لفخامة جهاده وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغا لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه.
المعنى الإجمالي لكلام الشيخ السندي أعلاه: أي ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل نفسه في أيام العشر، فسألوا الصحابة عن الجهاد لكونه يتعارض مع عبادة الحج التى لا تأتي في العام إلا مرة، فاحتملوا الصحابة الجهاد في غير العشر أفضل للتعارض المذكور، فرد عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، “ولا الجهاد … إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” أي أن جهاد ذلك الرجل قد بلغ مبلغا عظيما لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه.
وعليه فليس المقصود بأن الذكر أفضل من الجهاد، هذا والله أعلم