مشكل الحديث 36
مجموعة: إبراهيم البلوشي وعبدالله البلوشي أبي عيسى وطارق أبي تيسير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——”——-”——‘
———-‘———-‘
مشكل الحديث 36
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري (1037) ومسلم (2905)، واللفظ للبخاري.
وجه الإشكال: هل المقصود بها نجد الرياض في السعودية؟ لأن بعضهم يطعن في دعوة محمد بن عبد الوهاب
————‘———‘———
منقول من جواب لبعض المشايخ:
أولا:
الحديث المقصود في السؤال جاء عن جماعة من الصحابة، ورواه عنهم جماعة كبيرة من التابعين، وأنقل واحدا من هذه الأحاديث، فهي متقاربة في اللفظ والمعنى:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري (1037) ومسلم (2905)، واللفظ للبخاري.
ثم الكلام على هذا الحديث في مسائل:
المسألة الأولى:
من المعلوم لدى أهل العلم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض، لا يعني ذلك أبدا تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان، أو لأولئك القوم، على غيرهم من البشر، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن، وذكر ما فيها من الشر، فلا يعني ذلك – بأي حال من الأحوال – ذم وانتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان.
والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم (2564)
فميزان الصلاح والفساد هو القلب والعمل، وليس القبيلة أو العرق أو الجنس أو اللون، وهذا التقرير متفق عليه بين أهل العلم.
روى مالك في “الموطأ” (1459) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة – يعني بلاد الشام -، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ ” انتهى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في “مجموع الفتاوى” (27/ 45 – 47):
” وهو كما قال سلمان الفارسى، فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع، وقد كانت فى غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها، وقد كانت الشام فى زمن موسى عليه السلام قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين، وفيها قال تعالى لبنى إسرائيل: (سأريكم دار الفاسقين)
فإن كون الأرض دار كفر أو دار السلام أو إيمان، أو دار سلم أو حرب، أو دار طاعة أو معصية، أو دار المؤمنين أو الفاسقين، أوصافٌ عارضةٌ لا لازمة، فقد تنتقل من وصف إلى وصف، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم، وكذلك بالعكس.
وأما الفضيلة الدائمة فى كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) الآية. وقال تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) الآية. وقال تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم)
فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة فى فضل أهلها مطلقا، بل يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ولكن العبرة بفضل الإنسان فى إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب.
وإذا فضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد: كتفضيل القرن الثاني على الثالث، وتفضيل العرب على ما سواهم، وتفضيل قريش على ما سواهم، فهذا هذا والله أعلم ” انتهى.
المسألة الثانية:
وعليه فلا يجوز أن يفهم الحديث السابق على أنه ذم لجميع أهل نجد عبر التاريخ، بل وليس فيه ذم (نجد) مطلقا، وإنما ورد الذم والتنفير عنها مقيدا بوجود الفتن والشرور، ولا يلزم أن يكون ذلك في جميع القرون مُطَّرِدًا، بل قد يكون في عصر من العصور منارة علم وهدى وفضل وخير.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في “مجموعة الرسائل والمسائل” (4/ 265):
” وعلى كل حال؛ فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل، وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس ” انتهى.
المسألة الثالثة:
ليس في لفظ الحديث ذم لأهل (نجد) وساكنيها، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج منها، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا.
فقد جاء في السنة النبوية ذكر وقوع الفتن في المدينة المنورة، كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) رواه البخاري (1878) ومسلم (2885)
ولا يجوز أن يفهم من ذلك أي ذم لأهل المدينة المنورة.
يقول الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في كتابه “صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان” (ص/500):
” وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه، لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين، وهذا لا يقول به أحد، على أن مكة والمدينة كانتا في زَمَنٍ موضع الشرك والكفر، وأي فتنة أكبر منهما، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة، فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا؟ وإنما مناطُ ذم شخصٍ معينٍ كونُه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع ” انتهى.
فالمقصود من الحديث هو ذكر ما سيقع في منطقة (نجد) من الفتن والبلايا العظيمة في مرحلة من التاريخ، وأنها ستكون كالزلازل التي تطال كل من فيها، وسيكون كثير من أهل تلك البلاد ضحايا الفتنة، ولا يعني أن جميع أهلها هم من يُثيرُها ويقومُ عليها، ومَن فهم ذلك من الحديث فقد أساء وظلم.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في “السلسلة الصحيحة” (5/ 305):
” وجهلوا أيضاً أنَّ كونَ الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه , والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر , وفي العراق من عالم وصالح , وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلي الشام: أما بعد , فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً , وإنما يقدس الإنسان بعمله ” انتهى.
المسألة الرابعة:
فسر العلماء المتقدمون هذا الحديث، وقالوا المقصود بالفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي فتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، والشر الذي يأتي به، وما يلحقه من المتنبئين الكذابين.
يقول الحافظ ابن حبان رحمه الله:
كما في “الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان” (15/ 24) بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول: إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)
قال أبو حاتم رحمه الله:
” مشرق المدينة هو البحرين، ومسيلمة منها، وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام ” انتهى.
كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في (العراق)، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز، وفي العراق (نجد) أيضا، فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث:
فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: (يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا – وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ – مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) رواه مسلم (2905)
فالحديث يشمل كل (نجد): أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “مجموع الفتاوى” (27/ 41 – 42):
” هذه لغة أهل المدينة النبوية فى ذاك الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق ” انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (13/ 47):
” كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.
وقال الخطابي: (نجد) من جهة المشرق، ومَن كان بالمدينة كان نَجدُهُ باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة. انتهى كلام الخطابي.
وعُرف بهذا وهاء ما قاله الداودي: أن (نجدا) من ناحية العراق، فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا، والمنخفض غورا ” انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق في “غاية الأماني” (2/ 148):
” ولا بدع، فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به … إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في علي وسائر الأئمة ومسبة أكابر الصحابة .. كل هذا معروف مستفيض ” انتهى باختصار.
وللشيخ “حكيم محمد أشرف سندهو” رحمه الله، رسالة في بيان ما ذكرناه بعنوان: ” أكمل البيان في شرح حديث: نجد قرن الشيطان “، وهي مطبوعة، قال الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي في تقدمته لها ـ ص (8) ـ:
” والموضع الذي يُعَيَّن من قِبَل أهل الجهل والضلالة اليوم [يعني: نجد المعروف في السعودية]
لم يقله أحد من السلف ولا من الخلف، إلا بعد ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، التجديدية للدين الحنيف، إلا هؤلاء الذين لم يفهموا هذه العقيدة الصحيحة، أو يتجاهلون عنها، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يدلهم على تلك الفتن العظيمة التي ظهرت ظهورا واضحا بينا في ذلك النجد الحقيقي … ” انتهى.
المسألة الخامسة:
ويخطئ كثير من الناس حين يظنون أن المقصود بـ (قرن الشيطان) شخص معين، إذ المقصود هو مطلع الشمس وما يعتريها عند الشروق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهَا – يعني الشمس – تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) رواه البخاري (3273) ومسلم (612)
ودليل ذلك ما في رواية البخاري (7092): قال صلى الله عليه وسلم: (الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ: قَرْنُ الشَّمْسِ) والشك من الراوي.
يقول الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (13/ 46):
” وأما قوله: ” قرن الشمس ” فقال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان، وما يستعين به على الإضلال، وهذا أوجه، وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه ” انتهى.
المسألة السابعة:
فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته التجديدية؟!!
وبأي برهان يُعَيِّنُ بعضُ الحاقدين – من غلاة المتصوفة ومن الرافضة – مقصودَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذم في واحد من أشهر علماء المسلمين، وأشهر دعاة الإصلاح في القرون المتأخرة، والذي تحمل دعوة التوحيد علما وعملا ودعوة، وعَدَّهُ أهلُ العلم مجدِّدَ ذلك القرن؟!!
أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية، بالهوى والتشهي!
وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية؟!!
وفي فتاوى الجامع الكبير الإمام إبن باز في جوابه عن معنى حديث: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا فقالوا: وفي نجدنا، فسكت. وهل صحيح أن قرن الشيطان يطلع من نجد؟
هذا صحيح حديث صحيح رواه مالك بإسناده .. فأعاده مرات ثم قال: هناك قرن الشيطان يعني في الشرق، وأنه في نجد، وفي الشرق كله، ونجد بين الرسول أن هناك مضر وربيعة عندهم من الشر والجفاء، قال: أصحاب الإبل.
بين عليه الصلاة والسلام أن قبائل العرب عندها من الجهل وعندها من الشر ما عندها إلا من هداه الله، وليس المقصود نجد فقط، المقصود به الشرق هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني من الشرق كله شرق المدينة … لأنه هناك وجد أصناف البدع وأصناف الشرور وظهرت الشيوعية وظهر الفساد هناك في الشرق.
وكذلك يوجد في الجزيرة .. من الشرور وارتد كثير من العرب بعد موته ، وشر في بني حنيفة، وبني أسد، وفي بني تميم، وادعى بعضهم النبوة، مسيلمة في بني حنيفة، وسجاح في بني تميم، وطليحة في بني أسد، .. شر كبير، ثم هداهم الله ودخلوا في دين الله، ولكن .. من جهة خراسان ومن جهة …
انتهى النقل من البحث
أقوال أهل العلم:
كلام العلماء على المقصود من هذه الأحاديث: لقد تكلم العلماء في تحديد تلك البقعة وهي نجد، والعجيب أن بعض العلماء حددوا تلك البقعة قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
المراد بالمشرق في الأحاديث العراق، وأن نجد هو نجد العراق لا نجد اليمامة.
قال الحافظ (ت: 852) أيضا في الفتح (6/ 352) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم ” رأس الكفر نحو المشرق “: وفي ذلك إشارة إلى أن شدة كفر المجوس، لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة. ا. هـ.
قال ابن عبد البر في التمهيد: (1/ 279) (وبها يطلع قرن الشيطان قال أبو عمر دعاؤه صلى الله عليه وسلم للشام يعني لأهلها كتوقيته لأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم علما منه بأن الشام سينتقل إليها الإسلام وكذلك وقت لأهل نجد قرنا يعني علما منه بأن العراق ستكون كذلك وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم) أ. هـ.
وقال أيضا: (017/ 12): (في هذا الحديث علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما المطلوب ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم)
قال الكرماني كما في الفتح (13/ 47): (ومن كان بالمدينة الطيبة صلى الله على ساكنها وسلم كان نجده بادية العراق وهي مشرق أهلها)
وقال الشيخ العلامة الألباني – رحمه الله – في تخريجه لكتاب فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي (ص26): فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من نجد في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما هو العراق، وبذلك فسره الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني … وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام، فإن كثيرا من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق … فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته. ا. هـ.
ومن استقرأ التاريخ علم أن مصداق هذه الأحاديث قد وقع منذ زمن الصحابة ومن بعدهم فكان قتل عثمان رضي الله عنه على أيدي أهل العراق ومن ما لأهم من أجلاف أهل مصر، ومن العراق ظهر الخوارج، والشيعة، والرافضة، والباطنية، والقدرية، والجهمية، والمعتزلة.
وقال القرطبي في شرح مسلم في تعليقه على الحديث
وقيل: المرادُ بهذا الحديث: ما ظهَرَ بالعراق من الفتنِ العظيمة، والحروبِ الهائلة؛ كوقعةِ الجَمَل، وحروبِ صِفِّين، وحَرُورَاء، وفِتَنِ بني أميَّة، وخُرُوجِ الخوارج؛ فإنَّ ذلك كان أصلُهُ، ومنبعُهُ العراقَ ومَشْرِقَ نَجْد، وتلك مساكنُ ربيعةَ ومُضَرَ إذْ ذاك، والله أعلم.
وقال رحمه الله
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الايمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ، وَفِي رِوَايَةٍ: رَاسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ.
وقوله في أهل اليمن: هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، يعني: مِنْ أهلِ المشرق، لا مِنْ أهل الحجاز؛ لأنَّه ِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال في الحديث الآخر: وَالايمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، واليَمَنُ من الحجاز؛ كما سيأتي بيانُهُ إِنْ شاء الله تعالى.
وقد وصَفَ أهلَ اليمنِ في هذا الحديث بضدِّ ما وصَفَ به فيه أهلَ العراق؛)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عن الفتن (13/ 16) (وأول مانشأ ذلك من العراق من جهة المشرق).
قال الشيخ محمد اشرف الهندي في كتابه (اكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان):
[والحق الذي اتفق عليه الشراح ودلت عليه الحقائق التاريخية والحوادث الماضية أن نجد العراق هي مبدأ الفتن والشرور .. فلذلك أبى رسول الله عليه الصلاة والسلام ان يدعوا لنجد العراق).
قد كان بلد الشيخ اليمامة ولم تكن اليمامة مشرق المدينة، بل مشرق العراق، فليست مشرق المدينة، ولا هي وسط المشرق بين المدينة والعراق، بل اليمامة شرق مكة المشرفة اهـ
وقال العلامة أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاّني عليه رحمة الله في ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) (10/ 188) دار الكتاب العربي ط7 سنة 1323 هـ:
وإنّما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق لأنّ أهله يومئذ أهل كفر فأخبر أنّ الفتنة تكون من تلك النّاحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثمّ ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرقو كان أصل ذلك كلّه وسببه قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه. وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلّم وشرف وكرم. اهـ
وجاء في الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه (ص761 مع تنوير الحوالك) مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد وسعد حسن محمد:
(11) باب ما جاء في المشرق
29 – حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر انه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول ها إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
30 – وحدّثني مالك أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّابأراد لخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإنّ بها تسعة أعشار السّحر وبها فسقة الجنّ وبها الداء العضال.
والحقائق التأريخية المؤكَّدة، والأحداث الواقعة والمتوقعة، وشواهد القرون الماضية والغابرة يظهر منها صدق هذه الأخبار، ويستحيل فيها بأدنى احتمال التخلّف وعدم الوقوع، ويستفاد منها جميعاً أن (العراق) مركز مثار الفتن، التي صرح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء فيما لم يقع؛ مثل:
خروج يأجوج ومأجوج،
وظهور الدجال، وحسر الفرات عن جبل من ذهب،
واقتتال الناس عنده مقتلة عظيمة
، أو ما وقع وحصل مثل: وقعة الجمل،
ومحاربة صفين،
وفتنة كربلاء،
وحادثة التتر،
وكمقتل الحسين
، وفتنة ابن الأشعث
، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة …
وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.
وكذلك ظهور الفرق البدعيّة الضالة؛ كالخوارج الذين ظهروا من (الحروراء) -وهي قرية على نحو ميلين من الكوفة-،
والروافض -ولا زال وجودهم فيها قويّاً-،
وسائر الفرق؛ كالمعتزلة، والجهمية، والقدرية، فإنّ أول ظهورهم كان في العراق
كما في أول حديث في «صحيح مسلم».
ويدل على هذا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/ 654 – ط. دار الفكر) بسند صحيح عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا: نعم. قال: (فإنّ الدجال يخرج منها)
وقد جاء في فضل بعض أهل نجد كتميم، ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أُحِبُّ تميماً لثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله لما جاءت صدقاتهم: «هذه صدقات قومي»، وقوله في الجارية التميمية: «اعتقها فإنها من ولد إسماعيل»، وقوله: «هم أشد أمتي على الدجال» ..
ملحوظه وهذا لا يعني أن أهل نجد كلهم صالحين أو أن أهل العراق كلهم طالحين فاسدين
وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام:
«أما بعد؛ فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله»
——–
——–
نقلنا في شرحنا لحديث 1385 من الصحيح المسند؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لتقمصن بكم قماص البكر) يعني الأرض هذا النقل:
وفي كتاب العراق في أحاديث وآثار الفتن:
في بيان أنّ العراق تهيّج منها الفتن،
وصلتها بأهمّ فتن هذا العصر
أخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب الاستسقاء (باب ما قيل في الزلازل والفتن) (رقم 1037) وكتاب الفتن (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الفتنة من قبل المشرق») (رقم 7094)، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن وأشراط الساعة (باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان) (رقم 2905) بسنديهما إلى نافع، عن ابن عمر، قال:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا؟! قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا؟! -فأظنه قال في الثالثة-: «هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان» لفظ البخاري.
ولفظ مسلم (2905) بعد (45) من طريق الليث، عن نافع به: «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مستقبل المشرق، يقول: ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا؛ من حيث يطلع قرن الشيطان»
وعن نافع به: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب حفصة، فقال بيده نحو المشرق: الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» قالها مرتين أو ثلاثاً.
وهنالك ألفاظ عن نافع في الحديث لا بد من إيرادها؛ لتعلّقها بموضوع بحثنا، ولأنها توضح المراد بلفظة (نجد) الواردة في رواية البخاري السابقة، هي:
ما أخرجه الطبراني في «الكبير» (12/ 384 رقم 13422) من طريق إسماعيل بن مسعود: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عون، عن أبيه، عن نافع، به. ولفظه:
«اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك في يمننا، فقالها مراراً، فلما كان في الثالثة أو الرابعة، قالوا: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ قال: «إنّ بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان».
و علل بعضهم لفظة (وفي عراقنا) بمخالفة لما في الصحيحين بلفظ (نجد) خاصة أنه ورد في رواية (حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر)، وفي رواية (عند أذناب الإبل) وبوب ابن حبان على أحاديث الفتنة من قبل المشرق أن المقصود البحرين، وأول فتنة لمسيلمة، والعراق ليست مرتفعة، فلا تسمى نجد، لكن ذكر بعضهم أن بعض الصحابة كان يذم أهل العراق، وأكثر الفتن من جهتها التتار وغيرها من الفتن، وأكثر العلماء حملوا ذلك على العراق. ابن حجر والخطابي وابن تيمية والالباني. صحح رواية (وفي عراقنا) كما في الصحيحة
تنبيه 1:
قال صاحبنا أبو صالح: أشار ا لباني إلى روايات وبعضها في الصحيح تفيد المعنى منها:
حديث صحيح مسلم 2905 قال سالم بن عبد الله بن عمر يا أهل العراق ….. سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان
ولا أدري إذا كان فهمي لموضع الشاهد صحيحا
قلت سيف: والمشرق في هذا الحديث اختلفوا الباحثون في تحديده. وإن كان يترجح أنها نجد العراق وما وراءها لكثرة الفتن التي كان مبدؤها هذه المناطق. ومن أحب التوسع فليرجع لتلك البحوث التي أشرنا اليها
تنبيه 2: راجع لفضائل الشام: شرحنا للصحيح المسند 1079
قال الإمام الترمذي رحمه الله:
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة.
وكذلك شرحنا على الصحيح المسند (2/رقم 1051):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة قال سمعت جبير بن نفير يحدث عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق.
———‘———‘——–‘
هذه نقولات من كتاب صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان:
قال صاحب كتاب “صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان” (1 – 500/ 524) (بتصرف):
قوله: وقوله صلى الله عليه وسلم “اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا” قالوا يا رسول الله وفي نجدنا” 1 الحديث.
أقول: أخرجه البخاري في أبواب الاستسقاء (باب ما قيل في الزلازل والآيات) ولفظه هكذا: حدثني محمد بن المثني قال حدثنا حسين بن الحسن قال حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: قال:” اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” قال قالوا: وفي نجدنا؟ قال فقال:” اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” قال قالوا وفي نجدنا؟ قال قال “هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان. اهـ.
قال الحافظ في الفتح: حديث ابن عمر: “اللهم بارك لنا في شامنا” الحديث وفيه قالوا: وفي نجدنا؟ قال “هناك الزلازل والفتن” هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت لنا بصورة الموقوف عن ابن عمر “قال اللهم بارك” لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال القابس: سقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخ ولابد منه، لأن مثله لا يقال بالرأي. اهـ. وهو من رواية الحسين بن الحسن النصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع، ورواه أزهر السمان عن ابن عون مصرحاً فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن، ويأتي الكلام عليه أيضاً هناك، ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى.
وأخرج في كتاب الفتن ولفظه هكذا: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:” اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا” قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال “اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا” قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة “هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان”. اهـ.
قال الحافظ في الفتح: كذا أورده عن علي بن عبد الله عن أزهر السمان، وأخرجه الترمذي عن بشر بن آدم ابن بنت أزهر حدثني جدي أزهر بهذا السند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. ومثله للإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم الدورقي عن أزهر. وأخرجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عون عن أبيه كذلك، وقد تقدم من وجه آخر عن ابن عون في الاستسقاء. موقوفاً، وذكرت هناك الاختلاف فيه. اهـ.
وقال في مجمع الزوائد: وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” فقال رجل: وفي شرقنا يا رسول الله؟ فقال: “اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” فقال رجل: وفي شرقنا يا رسول الله؟ قال: “اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” إن من هناك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال” رواه الطبراني في الأوسط واللفظ له، وأحمد ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا” مرتين فقال رجل في مشرقنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من هناك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الشرك” ورجال أحمد رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن عطاء وهو ثقة وفيه خلاف لا يضر. اهـ.
وفي موطأ مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإن بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال. اهـ.
قوله: وقوله صلى الله عليه وسلم: يخرج ناس من المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما قطع قرن نشأ قرن آخر حتى يكون أخرهم مع المسيح الدجال.
أقول: لم أقف على اللفظ، ولكن أخرج معناه النسائي من حديث أبي برزة وقد ذكرناه فيما سلف، وأخرج ابن ماجة أيضاً معناه من حديث ابن عمر ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع”، قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجال”. اهـ.
وفي مجمع الزوائد عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يخرج ناس من قبل المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون مع بقيتهم الدجال” رواه الطبراني وإسناده حسن. اهـ.
وكل من تيك الأحاديث لم تصل إلى درجة الصحة، أما حديث أبي برزة فلأن راويه شريك بن شهاب مجهول، قال النسائي: شريك بن شهاب ليس بذلك المشهور، قال الذهبي في الميزان: شريك بن شهاب عن أبي برزة لا يعرف إلا براوية الأزرق بن قيس عنه. اهـ. وأما قول الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول. فلا يقتضي الصحة.
وأما حديث ابن عمران فلأن راويه هشام بن عمار بن نصير قد كبر فصار يتلقن، قال الذهبي في الميزان: صدوق مكثر له ما ينكر، قال أبو حاتم: صدوق قد تغير فكان كل ما لقنه تلقن. وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها. اهـ ملخصاً وهو وإن وثقه جماعة، لكن لا نسلم وصول ما تفرد به إلى درجة الصحة.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فإسناده وإن سلم كونه حسناً كما قال الهيثمي، ولكن حسن الإسناد لا يقتضي حسن الحديث فضلاً عن صحته.
هذا الكلام منا كله كان متعلقاً بتخريج الأحاديث وصحتها، والآن ننظر في ما ادعاه المؤلف من كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ممن يصدق عليهم تلك الأحاديث فنقول بحول الله وقوته:
إن جهة المشرق منشأ الفتن ومبدؤها، قال الحافظ في الفتح تحت قوله صلى الله عليه وسلم “رأس الكفر نحو المشرق” الواقع في كتاب بدء الخلق: وفي ذلك إشارة إلى شدة كفر المجوس، لأنه مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة، وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه، واستمرت الفتن من قبل المشرق كما سيأتي واضحاً في الفتن.
وقال الحافظ في الفتح تحت قوله صلى الله عليه وسلم:” هل ترون ما أرى”؟ قالوا لا. قال: “فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر” الواقع في كتاب الفتن: وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه.
ثم إن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم، وأول ما نشأ ذلك في العراق وهي من جهة المشرق، فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي: “إن الفتنة من قبل المشرق”. اهـ ..
قال الحافظ في الفتح تحت قوله صلى الله عليه وسلم” اللهم بارك لنا في شامنا” الحديث”
وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة. اهـ. وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي: إن نجداً موضع مخصوص، وليس كذلك بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجداً والمنخفض غوراً. اهـ.
قال الحافظ في الفتح: (باب قتل الخوارج) وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان، فطعنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك، فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا علياً فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ علياً فخرج إليهم فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة، وانتصر علي وقتل طلحة في المعركة، وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق، ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك، وكان أمير الشام إذ ذاك، وكان علي أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام، فاعتل بأن عثمان قتل مظلوماً، وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته ……
ورضي علي بالتحكيم لحقن دماء المسلمين ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف، وقيل كانوا أكثر من عشرة آلاف، وقيل ستة آلاف، ونزلوا مكاناً يقال له (حروراء) بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة ومن ثم قيل لهم الحرورية، وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل عليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معهم رئيساهم المذكوران، ثم أشاعوا أن علياً تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك علياً فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال: كلمة حق يراد بها باطل، فقال لهم: لكم علينا ثلاثة أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدأكم بقتال ما لم تحدثوا فساداً، وخرجوا شيئاً بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن فراسلهم في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضاً فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا على أن من يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، وانتقلوا إلى الفعل فاستعرضوا الناس، فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان والياً لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فبلغ علياً فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام فأوقع بهم بالنهروان، ولم ينج منه إلا دون العشرة، ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة، فهذا ملخص أول أمرهم. اهـ.
وقال الحافظ في الفتح آخر كتاب التوحيد تحت قوله صلى الله عليه وسلم: “يخرج ناس من قبل المشرق”: تقدم في كتاب الفتن أنهم الخوارج وبيان مبدأ أمرهم وما ورد فيهم، وكان ابتداء خروجهم في العراق وهي من جهة الشرق بالنسبة إلى مكة المشرفة. اهـ.
وأخرج البخاري عن بشير بن عمر، وقال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً؟ قال سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق “يخرج منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية”. وفي رواية لمسلم وأشار بيده نحو الشرق، وفي رواية قال: “يتيه قوم قبل المشرق محلقة رءوسهم”.
قال الحافظ في الفتح: أخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد من طريق الفرزدق الشاعر أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما فقال: إني رجل من أهل الشرق وأن قوماً يخرجون علينا يقتلون من قال لا إله إلا الله ويؤمنون من سواهم، فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قتلهم فله أجر شهيد، ومن قتلوه فله أجر شهيد” اهـ. وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد قال: قال أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.
فعلم من تلك الروايات أن الخوارج يخرجون من المشرق والعراق، وأن أهل العراق والشرق هم الذين يقتلونهم، وهذا يدل دلالة واضحة على أن جميع أهل العراق والمشرق ليس ممن تصدق عليهم هذه الأحاديث التي فيها ذكر الخوارج بل منهم من يقتلونهم، وكذلك المراد بنجد في حديث ابن عمر ” هناك الزلازل والفتن” نجد العراق، قال بعض المحققين: وأما قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له وفي نجدنا “تلك موضع الزلازل والفتن وهنا يطلع قرن الشيطان” فالمقصود بها نجد العراق وشرق المدينة، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث ابن عمر ونص عليه الخطابي وغيره،
ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها وأكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة وأهل الجرح والتعديل أكثرهم أهل العراق، وإمام السنة أحمد بن حنبل …. وعلم الزهاد الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأصحابه وإسحاق ابن إبراهيم بن راهويه ومحمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج وأبو داود وأصحاب السنن وأصحاب الدواوين الإسلامية كلهم عراقي الدار مولداً أو سكنى، والليث بن سعد ومحمد بن إدريس وأشهب ومن قبل هؤلاء كلهم سكن العراق ومصر، وجملة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين بعدهم، ومن عاب الساكن بالسكنى والإقامة في مثل تلك البلاد فقد عاب جمهور الأمة وسبهم وآذاهم بغير ما اكتسبوا، وقد داول الله تعالى الأيام بين البقاع والبلاد، كما داولها بين الناس والعباد، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
وكم من بلد قد فتحت وصارت من خير بلاد المسلمين بعد أن كانت في أيدي الفراعنة والمشركين والفلاسفة والصابئين والكفرة من المجوس وأهل الكتابين، بل الخربة التي كانت بها قبور المشركين صارت مسجداً هو أفضل مساجد المسلمين بعد المسجد الحرم، ودفن بها أفضل المرسلين وسادات المؤمنين.
ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين، وطرد هذا القول جرأة على النبيين وأكابر المؤمنين، وهذا المعترض كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه ولا يدري، وقد قال بعض الأزهريين: مسيلمة الكذاب من خير نجدكم، فقلت: وفرعون اللعين رأس مصركم فبهت. وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون. اهـ.
وأيضاً قال وقد تقدم أن طرد هذا الكلام يوجب ذم كل من سكن بلدة من بلاد المسلمين التي سكنها قبله أعيان المشركين ورؤوس الكافرين، فأي أحد يبقى لو طرد هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله رجال من فارس” مع أن بلادهم من شر البلاد، فيها الأوثان والنيران، وكفر فيها بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن. اهـ.
وأيضاً قال: وسكنى الدار لا تؤثر، فإن الصحابة سكنوا مصر وبلاد الفرس، وفضلهم لا يزال في مزيد، وإيمانهم قهر أهل الكفر والشرك والتنديد، وعادت تلك البقاع والأماكن أفضل مساكن أهل التوحيد. اهـ.
وجملة القول أن الأحاديث التي ذكرها المؤلف في هذا المقام منها ما هو خاص بإجماع المسلمين بالحرورية الخارجين على علي رضي الله تعالى عنه وهو ماعدا حديث ابن عمر “الفتنة ههنا الفتنة ههنا” وحديث أبي هريرة “رأس الكفر نحو المشرق” وحديث أبي مسعود “من ههنا جاءت الفتن” وحديث جابر “غلظ القلوب والجفاء في المشرق” وحديث ابن عمر “اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” الحديث.
قال بعض المحققين: والجواب أن يقال هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يصف أهل نجد وأهل اليمامة بهذا، ولا دخل في وصفه من يؤمن بالله ورسوله منهم ولا من غيرهم، بل الموصوف بإجماع المسلمين هم الحرورية الخارجون على علي الذين قاتلهم علي من أهل الكوفة والبصرة وما يليها، وفيهم من بني يشكر ومن طي وتميم وغيرهم من قبائل العرب ودارهم ومسكنهم بالعراق ولا يختلف في هذا، ودولتهم وشوكتهم كانت هناك دون النهر، ولذلك نسبوا إليه وقيل أهل النهروان، وحروراء بلدة هناك نسبوا إليها فقيل الحرورية، اهـ ملخصاً. وبعض ألفاظ الحديث في بعض الطرق دال على تلك الخصوصية كما وقع في رواية البخاري عن أبي سعيد: “يخرجون على حين فرقة من الناس” قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه، جئ بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد “تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق”. اهـ.
ولا شك أن هذا لا يمكن صدقه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، لا يقال وقع في رواية النسائي عن أبي برزة: “لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال” وفي رواية ابن عمر وابن ماجه “كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجال” اهـ، لأن كل من يأتي بعد قوم خرجوا على علي رضي الله عنه ممن يصلي يتخشع ويقرأ كتاب الله إلى يوم القيامة ويجتهد في التلاوة والعبادة لا يكون من الخوارج بالضرورة وإلا لزم أن يكون معظم الأمة من أهل الفقه والحديث من الخوارج، بل إنما يكون من الخوارج من يستن بسنة هؤلاء الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ويسلك مسلكهم، ومن قتل أهل الإسلام، وودع أهل الأوثان، وتكفير من لا يعتقد معتقدهم، وإباحة دمه وماله وأهله، وأن عثمان وعلياً وأصحاب الجمل وصفين، وكل من رضى بالتحكيم كفار، وأن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبداً، وأن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم، وإبطال رجم المحصن وقطع يد السارق من الإبط، وإيجاب الصلاة على الحائض في حال حيضها، وكفر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادراً، وإن لم يكن قادراً فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وسائر معتقداتهم الفاسدة، وأعمالهم الزائغة ولا يتحقق شيء من عقائدهم وأعمالهم في الشيخ وأتباعه، بل مذهبهم في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتهم طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ومن روى عنهم شيئاً من تلك أو نسبه إليهم فقد كذب عليهم وافترى، وهذا ظاهر لمن طالع كتابه (كتاب التوحيد) وسائر الرسائل المؤلفة للشيخ.
ومن ثم عرفت فساد ما قال السيد محمد أمين المعروف بابن عابدين الحنفي في (رد المحتار على الدر المختار) في باب البغاة تحت قول الماتن (ويكفرون أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم): علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله عنه، وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليهم كما وقع في زمننا في أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل الشر وقتل علمائهم حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم، وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف. اهـ.
وكذا فساد ما على هامش سنن النسائي المطبوع في الهند في المطبع النظامي سنة ستة وتسعين بعد الألف ومائتين في ص412: ثم ليعلم أن الذين يدينون دين عبد الوهاب النجدي ويسلكون مسالكه في الأصول والفروع ويدعون في بلادنا باسم الوهابيين وغير المقلدين، ويزعمون أن تقليد أحد الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم شرك، وأن من خالفهم هم المشركون، ويستبيحون قتلنا أهل السنة، وسبي نسائنا وغير ذلك من العقائد الشنيعة التي وصلت إلينا منهم بواسطة الثقات وسمعنا بعضاً منهم أيضاً، هم فرقة من الخوارج، وقد صرح به العلامة الشامي في كتابه (رد المختار). اهـ.
وكذا فساد ما في هامش سنن النسائي المذكور في 634 حيث قال: وقد وقع خروجهم مراراً أفاده العيني. وقال الشامي: كما وقع في زمننا خروج أتباع عبد الوهاب. اهـ.
وجه الفساد أن الشيخ وأتباعه لم يكفروا أحداً من المسلمين ولم يعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالفهم هم مشركون، ولم يستبيحوا قتل أهل السنة وسبي نسائهم، ولم يقولوا إن تقليد أحد الأئمة الأربعة شرك، ولقد لقيت غير واحد من أهل العلم من أتباع الشيخ، وطالعت كثيراً من كتبهم فما وجدت لهذه الأمور أصلاً وأثراً بل كان هذا بهتان وافتراء1، وليعلم أن ابن عابدين وصاحب الهامش قد أخطآ في قولهما (عبد الوهاب) والصواب محمد بن عبد الوهاب.
وأما بقية الأحاديث التي ذكرها المؤلف في هذا المقام فأولاها بأن يشنع به على الشيخ وأتباعه حديث ابن عمر: “اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا” الحديث فإنه ذكر فيه نجداً وقال صلى الله عليه وسلم في شأنه “هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان” والشيخ من أهل نجد.
(والجواب): أن المراد بنجد نجد العراق كما عرفت فيما تقدم، ومما يؤيد هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: “اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجل من القوم يا نبي الله وعراقنا؟ قال “إن بها قرن الشيطان وتهيج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق” رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات كذا في (الترغيب والترهيب) للمنذري، وأن عمر ابن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين، فإن بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال، وقد تقدم تخريجه،
وحديث ابن حوالة وهو عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيصير الأمر أن تكونوا أجناداً مجندة: جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق” قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ فقال:” عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما أن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل -وفي رواية تكفل- لي بالشام وأهله” رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد كذا في (الترغيب والترهيب) للمنذري ويكفي لذم العراق حديث سهل بن حنيف الذي أخرجه البخاري وفيه قال: سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق “يخرج منه قوم” الحديث وقد تقدم.
ثم لو لم يكن في أهل نجد خير ما غزا قبل نجد، فإن الغزو المقصود منه بالذات إسلام أهله، وما قبل إسلام ثمامة بن أثال ولم يبشره بخيري الدنيا والآخرة أو بالجنة أو بمحو ذنبوه وتبعاته السابقة.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفلح إن صدق”. اهـ.
فهذا الرجل من أهل نجد بشره صلى الله عليه وسلم بالفلاح -وقد وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرن المنازل فلو لم يكن في نجد خير فأي حاجة إلى تعيين الميقات لأهلها؟ وقد ورد فضل بني تميم في الحديث، والشيخ عبد الوهاب منهم وهم من أهل نجد.
أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: مازلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعته يقول: “هم أشد أمتي على الدجال: قال وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هذه صدقات قومنا”، وكانت سبية منهم عند عائشة فقال: “اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل” اهـ.
و قد جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ما يشينهم” قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي تميم “أبشروا” قال: بشرتنا فأعطنا، فتغير وجهه، فجاءه أهل اليمن فقال: “يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم” قالوا: قبلنا، الحديث أخرجه البخاري.
قلت هذه مقولة بعضهم منهم الأقرع بن حابس، ذكره ابن الجوزي كذا في الفتح.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه فيما أورده غير واحد
قلت سيف بن دورة: ومع ذلك ختمها رب العزة بالمغفرة
وقد جاء في الأحاديث “فضل العرب عموماً” أخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه”. اهـ.
وأخرج الترمذي عن العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً” وقال: هذا حديث حسن.
وأخرج مسلم عن أم شريك أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليفرن الناس من الدجال في الجبال” قالت أم شريك يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال “هم قليل” وأخرجه الترمذي أيضاً وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وأخرج مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم، كذا في (مشكاة المصابيح) وأخرجه الترمذي بغير لفظ (في جزيرة العرب) وقال: وفي الباب عن أنس وسليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه: هذا حديث حسن. اهـ.
فقد علم من هذه الأحاديث فضل العرب على غير العرب، وقد ورد في الصحيح عن أبي هريرة “لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء” 1 وقد وقع هكذا، فإن كثيراً من أهل الحديث من أبناء فارس، وإذا أمكن نيل جماعة من أهل فارس -الذين هم في الخيرية أدون من أهل نجد التي هي من العرب وشرهم أزيد من شر أهل نجد- الإيمانَ، فما ظنك بأهل نجد؟
وجملة القول أن ورود مدح قبيلة أو موضع في الحديث لا يقتضي خيرية أفراده وجميع سكانه، وكذلك ورود ذم قبيلة أو موضع في الحديث لا يقتضي شرية جميع أفراده وجميع سكانه، ألا ترى أن خيرية قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار والأسد والأشعرين والأزد وحمير وذم عصية وبني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان وبني عامر بن صعصعة وربيعة ومضر وثقيف وبني حنيفة وبني أمية، قد ورد في الأحاديث مع أن الأول قد جاءت منها أشرار أيضاً، والأخر قد جاءت منها أخيار أيضاً.
وكذلك قد ورد مدح اليمن وأهله وذم المشرق والعراق وأهلها مع أن الأسود العنسي قد نشأ في اليمن وكثير من أهل الحديث من المشرق والعراق، وهذا لا يخفى على من له أدنى إلمام بفن التاريخ والرجال، وحسبك من خيرية مضر كون النبي صلى الله عليه وسلم من مضر.
أخرج البخاري عن ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنة أبي سلمة قال قلت لها: أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أكان من مضر؟ قالت فممن كان إلا من مضر من بني النضر بن كنانة اهـ. وحسبك من خيرية ربيعة قول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم “من القوم -أو من الوفد؟ – قالوا ربيعة، قال “مرحباً بالقوم –أو بالوفد– غير خزايا ولا ندامى” فقالوا يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، الحديث أخرجه البخاري من حديث ابن عباس.
والمقصود أن ربيعة ومضر مع أن ذمهما قد ورد في الحديث ومن الأخيرة سيد المرسلين ومن الأولى وفد عبد القيس وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وأما ما عدا ذلك من الأحاديث التي ذكرها المؤلف مما ذكر فيه “أن الفتنة من المشرق ورأس الكفر نحو المشرق وغلظ القلوب والجفاء بالمشرق” فالتشنيع بها على الشيخ وأتباعه تشنيع على معظم هذه الأمة من الفقهاء والمحدثين، فإن كثيراً منهم قد جاءوا من المشرق، وهذا مما لا مجال لإنكاره لأحد من أهل العلم، بل هذا التشنيع من جنس تشنيع الرافضة على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأن البخاري أخرج عن عبد الله رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحن مسكن عائشة فقال: “هنا الفتنة -ثلاثاً- من حيث يطلع قرن الشيطان” بل هذا أخف منه على ما لا يخفى، وإذ لم يكن التشنيع الذي هو أشد سبباً للذم عند أهل السنة فما ظنك بالأخف؟
قوله: لأنهم كانوا يأمرون من اتبعهم أن يحلق راسه ولا يتركونه يفارق مجلسهم إذا تبعهم حتى يحلقوا رأسه.
أقول: هذا كذب صريح وبهتان قبيح.
قوله: ولم يقع مثل ذلك قط من أحد الفرق الضالة التي مضت قبلهم، إلى قوله فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم.
أقول: هذا غلط صريح وخطأ شنيع، قال الحافظ في كتاب المغازي من الفتح تحت قوله “محلوق” سيأتي في أواخر التوحيد من وجه آخر أن الخوارج سيماهم التحليق، وكان السلف يوفرون شعورهم ولا يحلقونها، وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رؤوسهم. انتهى.
وقال في أواخر (كتاب التوحيد) تحت قوله “التحليق” ثم أجاب بأن السلف كانوا لا يحلقون رءوسهم إلا للنسك وفي الحاجة، والخوارج اتخذوه ديناً فصار شعاراً لهم وعرفوا به. اهـ.
فالسلب الكلي غلط قطعاً.
وقوله: وكان ابن عبد الوهاب يأمر أيضاً بحلق رءوس النساء اللاتي يتبعنه. اهـ.
أقول: هذا البهتان صريح.
قوله: جاء في رواية “قرنا الشيطان” بصيغة التثنية، قال بعض العلماء: المراد من قرني الشيطان مسيلمة الكذاب وابن عبد الوهاب.
أقول: هذه رواية مسلم من حديث سالم بن عبد الله بن عمر يقول: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة، سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الفتنة تجيء من ههنا -وأومأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان”. الحديث.
قال النووي: وأما قرنا الشيطان فجانبا رأسه، وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس، وقيل شيعتاه من الكفار، والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر. اهـ.
قلت: لعل المراد بقرني الشيطان ربيعة ومضر، والدليل عليه حديث أبي مسعود قال أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال “ألا إن الإيمان ههنا، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر”. أخرجه مسلم.