*مشكل الحديث رقم: (6)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
وممن شارك أحمد بن علي وحمد الكعبي وعبدالحميد
حديث: ((يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
رواه البخاري.
ظاهره يعارض قوله تعالى:
(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)
[سورة التوبة 114]
————-
جواب أحمد بن علي:
قال ابن كثير في التفسير:
وقوله: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. وفي رواية: لما مات تبين له أنه عدو لله.
وكذا قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، رحمهم الله.
وقال عبيد بن عمير، وسعيد بن جبير: إنه يتبرأ منه [في] يوم القيامة حين يلقى أباه، وعلى وجه أبيه الغبرة.
نقل القولين عن الطبري باسانيدها ثم قال:
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدوٌّ، يبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدوٌّ، وهو به مشرك، وهو حالُ موته على شركه. اهـ
————–
جواب عبدالحميد وحمد الكعبي:
مختلف الحديث رقم: (60)
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:
( … وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك وقال غيره هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) انتهى والجواب عن ذلك أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل: كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركا وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده صحيح وفي رواية فلما مات لم يستغفر له ومن طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه قال استغفر له ما كان حيا فلما مات أمسك وأورده أيضا من طريق مجاهد وقتادة وعمرو: إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها وهذا الذي أخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول إن إبراهيم يقول يوم القيامة: رب والدي رب والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه، ومن طريق عبيد بن عمير قال يقول إبراهيم لأبيه إني كنت آمرك في الدنيا وتعصيني ولست تاركك اليوم فخذ بحقوى فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعا فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ منه ويمكن الجمع بين القولين: بأنه تبرأ منه لما مات مشركا فترك الاستغفار له لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرقة فسأل فيه فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرءا أبديا وقيل: إن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك وتكون تبرئته منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث قال الكرماني: فإن قلت إذا أدخل الله أباه النار فقد أخزاه لقوله إنك من تدخل النار فقد اخزيته وخزى الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال ولو لم
يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله إن الله حرم الجنة على الكافرين والجواب أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقى في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي فهو عمل بالوعد والوعيد وجواب آخر: وهو أن الوعد كان مشروطا بالإيمان وإنما استغفر له وفاء بما وعده فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه قلت: وما قدمته يؤدي المعنى المراد مع السلامة مما في اللفظ من الشناعة والله أعلم) اه
———
جواب سيف بن دورة الكعبي:
بحث بعنوان لبعض الباحثين:
التحقيق في الوقت الذي يتبرأ فيه إبراهيم الخليل من أبيه آزر
قال الباحث ونقل القولين:
والذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ أَنَّ تبري إبراهيم من أبيه كائنٌ يوم القيامة، ذلك أَنَّ إبراهيم يطلب لأبيه الشفاعة يوم القيامة ظناً منه أَنَّ ذلك نافعه، فإذا قال الله له: إني حرمت الجنة على الكافرين، ومُسِخَ أبيه ذيخاً علم أَنَّ ذلك غير نافعه، وأنه عدو لله، فيتبرأ منه في الحال.
وهذا الاختيار ليس فيه ما يخالف الظاهر من سياق الآية؛ إذ ليس في الآية ما يدل على أَنَّ هذا التبري كائن في الدنيا، والآية وإنْ رُويَ في تفسيرها عن ابن عباس أَنَّ ذلك كائن في الدنيا إلا أَنَّ الدليل قد دل على خلافه، وسأذكر من الأدلة ما يؤيد كون ذلك في الآخرة:
وهو بعد تلك المفارقة لا يدري ما حال أبيه، والاستغفار وقع منه بعد أنْ وهبه الله تعالى إسماعيل وإسحاق، والذي كان بعد اعتزاله لأبيه،
فظاهر سياق الآيات في سورة إبراهيم كان في آخر حياة إبراهيم، لقوله في الآيات: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ}، ثم إنه بعد هذا الدعاء دعا لأبيه فقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} فدلَّ على أَنَّ دعاءه لأبيه وقع في آخر حياته عليه السلام.
وفي قوله تعالى في سورة الممتحنة: دلالة واضحة على أَنَّ استغفاره كان بعد وفاة أبيه، لأنه لو كان في حياته لم يُمْنَعْ منه؛ لأنه يجوز الاستغفار ـ بمعنى طلب الإيمان ـ لأحياء المشركين.
ثم أنه لن ينكشف له أنه عدو لله إلا في الآخرة حينما يلقاه فيطلب له الشفاعة فيُعْلِمُه الله تعالى بأنَّ الجنة حرام على الكافرين، ويمسخ أباه ذيخاً؛ فيعلم حينئذ أنه عدو لله ويتبرأ منه.
ومما يقوي كون التبري في الآخرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ …. )
قال باحث متعقبا: الجمع أولى. فذكر الآثار للقولين عند الطبري وانه لما مات مشركا لم يستغفر له عن ابن عباس وغيره، وذكر أنه استغفر له يوم القيامه. ونقل أثرا ليس عند الطبري:
*روى ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1893/10050 تحقيق أسعد محمد الطيب) عن ابن المسيب عن أبيه فلما تبين له انه عدو لله قال: لما مات وهو كافر – قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والحسن أنهما قالا: لما مات.
ويتضح من هذه النقول أن أثر ابن عباس رضي الله عنهما رواه سعيد بن جبير عنه، وهو قائل بالقول الثاني، أيضا، فالجمع بين التفسيرين أولى، والله أعلم
تنبيه: إثر عبيد بن عمير فيه ابن حميد شيخ الطبري متروك
قال باحث آخر: مؤيدا أن الجمع بين الأقوال وجيه:
فتبين إبراهيم عداوة أبيه واليقين بعدم إيمانه يتحقق بموت آزر على الكفر مع علم إبراهيم بذلك، وموقفه المذكور في الحديث يوم القيامة يؤكد لإبراهيم الأمر أيضاً.
ولا أظنُّ أن إبراهيم عليه السلام يدع تعاهد والده بالسؤال عنه في حياته بعد فراقه له لكونه كافراً، فبر الوالدين مأمور به حتى في حال الكفر، والتعاهد بالسؤال أقل درجات البر. وليس بالضرورة قول أخي: (وهو بعد تلك المفارقة لا يدري ما حال أبيه) لأنه ليس كل ما يدور في حياة إبراهيم قصه الله علينا ورواه لنبيه، بدلالة: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) فمن دلالالتها أنه قص بعض أخبار الأنبياء ولم يستوعبها لنبيه صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
بينما ذهب باحث لتضعيف الحديث قال:
قال ابن حجر في مقدمة الفتح (1/ 363): ((الحديث التاسع والأربعون: قال الدارقطني: أخرج البخاري حديث ابن أبي أويس، عن أخيه، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: “يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة” الحديث. قال: وهذا رواه إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة. قلت: قد علَّق البخاري حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير، فلم يهمل حكاية الخلاف فيه)). اهـ
والباحث: ضعف رواية إبراهيم بن طهمان وإن كانت في البخاري بعدم معرفة سماعه من ابن أبي ذئب.
ثم استشكل أمور فقال: بعد أن قرر أن الحديث مخالف للقرآن (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه):
وقد استشكلتُ أموراً أخرى:
– كيف يكون في إدخال هذا الكافرِ النارَ خزيٌ لإبراهيم وقد انقطع النسب بينه وبينه! كما قال تعالى لنوح عن ابنه الكافر (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود 46). فهل يُخزَى نوح لأن ابنه من أصحاب الجحيم؟
– أن قوله: ((يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟)) تنقضه تكملة الآيات الكريمات لقول إبراهيم: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء 87). فإبراهيم عليه السلام يقرّ بأن الأبناء لن يغنوا عن آبائهم شيئاً يوم القيامة، فهل مَن أقرّ بهذا في الدنيا يشفع لأبيه الكافر يوم القيامة؟
– وقع في رواية ابن أبي أويس ((أبي الأبعد)) وليست الياء للنسب، بل وقع في رواية ابن طهمان: ((فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد))، فعُلم أن المقصود بـ ((الأبعد)) هو إبراهيم. وحاشا الخليل عليه السلام أن يُقال له “الأبعد”! فهذه لفظة نكراء شنيعة فيها اجتراء على مقام النبوّة الطاهر، سامحهم الله وغفر لهم!
هذا ما استُشكِل عليّ في هذا الحديث .. فماذا ترون أكرمكم الله؟
ورد عليه باحث: تكذيبه لابن أبي أويس لأنها تعتبر متابعه، واعتبر رواية إبراهيم بن طهمان صحيحه.
أما المتن فقال:
ثانيا: من ناحية المتن
ليس في المتن إشكال ولله الحمد، فإن الخزي الذي قصده إبراهيم هو أن يسحب أباه إلى النار والناس ينظرون ويعلمون أنه أباه.
قلت (سيف): هذا التوجيه بعيد، وأفضل التوجيهات توجيه ابن حجر.
وما استشكله يمكن الإجابه عليه