مشكل الحديث رقم: {(25)}
[ومن كتاب الصلاة]
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)
متفق عليه.
يشكل علينا ما ورد في رواية أخرى وهي قوله: [فإن عن يمينه ملك] ومن المعلوم أيضا وجود الملك كذلك عن يساره، فكيف يتفل عن يساره؟
و أيضا حديث
فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا، وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره)
فالإنسان الذي يرى حلما من الأحلام إذا استيقظ من منامه يتفل عن يساره ثلاث مرات،
——-
جواب أبي طارق تيسير:
البصاق أثناء الصلاة
الحمد لله الواحد الأحد، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، أحمد سبحانه وأشكره، ومن مساوئ عملي أستغفره، وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الإنسان عندما يقف بين يدي الله في الصلاة متوجهاً إلى القبلة إنما يقف مخاطباً ربه، مستشعراً عظمة ذلك الموقف، فينبغي أن يكون على أحسن حال وأفضل هيئة، وأتم أدب، وأن يبتعد عن كل ما يؤدي إلى الإخلال بذلك الموقف الجليل من أعمال تنافي روح الصلاة ولبها والغاية منها .. ومن الأمور التي تتنافى مع الصلاة عند الوقوف بين يدي الله: البصاق وقت الصلاة، فما هو الحكم في ذلك؟
هذه المسألة لها حالتان:
الحال الأولى: إذا كان يصلي مع جماعة؛ فإن اعترضه البصاق واضطره فإنه يبصق في منديله، أو طرف عمامته، أو ردائه، ويحكه ببعضه حتى يذهب أثره؛ لما جاء في مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس، فقال: (ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟، فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا)، ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض ..
الحال الثانية: إذا كان يصلي منفرداً، فله أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يكن هناك فرش يوسخه؛ كأن كان يصلي على تراب أو برحة، أو في مزرعة ونحو ذلك، فله أن يبصق تحت قدمه أو عن يساره، وليس إلى اتجاه القبلة؛ لما جاء في البخاري من حديث أنس-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة فحكها بيده، ورئي منه كراهة أو رئي كراهيته لذلك وشدته عليه، وقال: (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه -أو ربه بينه وبين قبلته- فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه) ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال (أو يفعل هكذا) ..
وهذا ما يشبه الآن استخدام بعض الناس للمناديل حيث تكون سهلة الاستخدام.
والدليل على منع المصلي من البصاق أمامه ما جاء في البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البصاق تجاه القبلة، وقال: (إن الله قِبَل وجه المصلي).
وأما الدليل على المنع من البصاق عن اليمين فحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي أخرجه البخاري في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البصاق عن اليمين، وقال: (إن عن يمينه ملكاً) ..
وقد يورد البعض على حديث أبي هريرة السابق إشكالاً وذلك أنه قال فيه: (إن عن يمينه ملكاً) ومن المعلوم أن على الشمال أيضاً ملكاً، فلماذا نهي عن البصاق في جهة اليمين وأبيح في جهة الشمال؟
فأجاب بعض العلماء: “باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفاً له وتكريماً .. وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية، فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه بن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفاً في هذا الحديث قال: (ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات)، وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث “فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره”. فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين”. راجع فتح الباري
ومن هذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصابه وسواس من الشيطان أن يتفل عن يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله من الشيطان. فكأن الأمر بالتفل عن اليسار لوجود الشيطان المسمى “خنزب” عن يسار المصلي، فحينئذ لا يمنع من التفل أو البصق عن اليسار، كما سبق بيانه فلله الحمد والمنة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
—
جواب سيف الكعبي:
كنت نقلت كلام ابن حجر، لكن اكتفينا بالبحث الذي نقله أبو طارق فقد نقل كلام ابن حجر
وأثر حذيفة الموقوف (ولا عن يمينه، فإن عن يمينه كاتب الحسنات) إسناده صحيح لكن اورده الشيخ الالباني في صحيحه فقال.
أخرج ابن نصر في الصلاة 1/ 24 حدثنا محمد بن يحيى ثنا الحجاج عن حماد عن حماد عن ربعي بن خراش أن شيث بن ربعي بزق في قبلته فقال حذيفة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم، أو قال الرجل في صلاته، يقبل الله عليه بوجهه، فلا يبزقن عن يمينه، فإن كاتب الحسنات عن يمينه، ولكن ليبزقن عن يساره)
قال الالباني في الصحيحة 1062: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، و حماد الأول هو ابن زيد، وحماد الراوي عنه هو ابن أسامة أبو أسامة الكوفي.
قلت سيف: وعزاه ابن حجر في الفتح لابن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا وفيه (ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات)
لكن هل الموقوف يعل المرفوع
وهل الموقوف له حكم الرفع
قال صاحبنا ابوصالح:
أورد الشيخ مقبل المرفوع في الصحيح المسند برقم 297.
وصرح الخطيب البغدادي بأن حماد هو بن سلمة فرواه في تاريخه 4572 من طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان به
فلا أدري كيف جزم الالباني بغير ذلك؟
أخرجه الخطيب من طريق المحاملي وهذا في أماليه
قلت سيف: وتعقب مقبل على الألباني جزمه أنه حماد بن زيد. حيث قال حجاج معروف بالرواية عن حماد بن سلمة. وحماد بن أبي سليم معروف بالرواية عن حماد بن أبي سلمة
اما حديث ابي امامه (فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره) له تتمة وهي (عن يساره تحت قدمه اليسرى ثم ليعرك فليشدد عركه فإنما يعرك أذى الشيطان. … ) وفيه عبيد الله بن زحر وابن جدعان.
قال ابن رجب بعد أن ذكر أن ظاهر تبويب البخاري باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة، أن ذلك مختص بالصلاة وهو في رواية من حديث أنس وهو قول المالكية. والاكثرون على خلاف ذلك قال معاذ: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت خرجه ابن سعد. وروي كراهته عن ابن مسعود وابن سيرين.
قال أحمد في رواية مهنا: يكره أن يبزق الرجل عن يمينه في الصلاة، وفي غير الصلاة؛ لأن عن يمينه ملك الحسنات.
يشير إلى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبزق عن يمينه فإن عن يمينه ملكا)
وقد خرجه البخاري فيما بعد.
وخرج أبو داود هذه اللفظة من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخرج الطبراني بإسناد ضعيف عن أبي أمامه فذكر الحديث السابق الذي ذكرناه
قال: وروى وكيع في كتابه عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: المصلي لا يبزق في القبلة، ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه كاتب الحسنات ولكن عن شماله أو خلف ظهره.
وقد قال كثير من السلف في قول الله عز وجل: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) ان الذي عن اليمين كاتب الحسنات والذي عن الشمال كاتب السيئات منهم الحسن والاحنف بن قيس ومجاهد وابن جريج والإمام أحمد.
وزاد ابن جريج قال: إن قعد فاحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وان مشى فاحدهما أمامه والآخر خلفه وإن رقد فاحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه.
وعلى هذا فقد يخلو اليمين عن الملك اذا مشى أو رقد.
وحديث أبي امامه فيه أن الذي على الشمال هو القرين …. انتهى من فتح الباري 2/ 340
تنبيه: قوله (وعلى هذا فقد يخلو اليمين عن الملك اذا مشى أو رقد). كذا في المطبوع ولعل الصواب (يخلو الشمال) لأن التفل جهته
تنبيه آخر: ذكر ابن رجب أثر حذيفة موقوفا فلا أدري لماذا لم يذكروا المرفوع عن حذيفة هو وابن حجر ثم انتبهت أنهما أوردا الموقوف لزيادة لفظة (كاتب الحسنات) حيث المرفوع الذي في الصحيح المسند وعزاه للبزار ليس فيه هذه اللفظة: ولفظ المرفوع: إذا بصق أحدكم في المسجد فلا يبصق عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه.
====
ومن بحث السيوطي في الحبائك في أخبار الملائك:
وأخرج أحمد والبخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبزق أمامه فإنه يناجي الله تعالى ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره أوتحت قدمه.
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي هريرة قال: أقر نعليك في رجليك أو اجعلهما بين يديك ولا تجعلهما عن يمينك؛ فإن الملك عن يمينك، ولا تجعلهما عن يسارك؛ فيكونا عن يمين أخيك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة رفعه قال: إذا قام أحدكم يصلي فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، فإن عن يمينه كاتب الحسنات، ولكن يبزق عن يساره أو خلف ظهره.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وبيده عرجون – وكان يحب العراجين – فرأى نخامة في القبلة فحكها، ثم أقبل على الناس فقال:) أيها الناس إن أحدكم إذا قام يصلي استقبله الله وعن يمينه ملك، أفيحب أحدكم أن يستقبله الرجل فيبزق في وجهه؟ فلا يبزق أحدكم في القبلة ولا عن يمينه، وليبزق تحت رجله اليسرى أو عن يساره فإن عجلت به بادرة فليقل هكذا يعني في ثوبه.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طلحة بن مصرف قال: تقليب الحصى في المسجد أذى للملك.
وأخرج ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لابنه عبد الملك وقد بصق عن يمينه وهو في ميسرة: إنك تؤذي صاحبك ابصق عن شمالك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا تقلب الحصى في الصلاة فإن ذلك من الشيطان.