*مشكل الحديث رقم: (10)
حديث:” (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع. . . .)
رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
يشكل مع قوله تعالى:
: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}
حيث ظاهر الحديث أنه ضاع عليه عمل سنين، فكيف نرفع الإشكال؟
———————
جواب فيصل الشامسي وأبي أيوب هشام:
أجاب الشيخ ابن عثيمين كما في مجموع فتاوى ورسائل فضيلته بقوله:
هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -يخبر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ لقرب أجله وموته ثم يسبق عليه الكتاب الأول الذي كتب أنه من أهل النار، فيعمل بعمل أهل النار – والعياذ بالله – فيدخلها، وهذا فيما يبدو للناس ويظهر كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار). -نسأل الله العافية – وكذلك الأمر بالنسبة للثاني يعمل الإنسان بعمل أهل النار، فيمُنُّ الله تعالى عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
والآية التي ذكرها السائل لا تعارض الحديث لأن الله -تعالى – قال: {أجر من أحسن عملاً} ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره فإن الله -تعالى -لا يضيع أجره، لكن الأول الذي عمل بعمل أهل الجنة فسبق عليه الكتاب، كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب، وعلى هذا يكون عمله ليس حسناً وحينئذ لا يعارض الآية الكريمة. والله الموفق.
——–
جواب أحمد بن علي:
قال أحد الباحثين:
المبحث العاشر: الأعمال بالخواتيم
المطلب الأول: الأدلة على أن الأعمال بالخواتيم
ذكر البخاري في كتاب القدر من صحيحه (باب العمل بالخواتيم) وساق بسنده حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما: “عن سهل بن سعد أن رجلاً من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشدّ الناس على المشركين، حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم”.
وفي موضع آخر ذكر البخاري (باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها)، وذكر فيه الحديث السابق عن سهل بن سعد الساعدي وفيه قوله صلى الله عليه وسلم “إن العبد ليعمل ـ فيما يرى الناس ـ عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل ـ فيما يرى الناس ـ عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها”.
قال ابن بطال: “في تغييب الله عن عباده خواتيم أعمالهم حكمة بالغة وتدبير لطيف؛ وذلك أنه لو علم أحد خاتمة عمله لدخل الإعجاب والكسل من
علم أنه يختم له بالإيمان، ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غياً وطغياناً وكفراً، فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك؛ ليكون العباد بين خوف ورجاء، فلا يعجب المطيع لله بعمل، ولا ييأس العاصي من رحمته، ليقع الكل تحت الذل والخضوع والافتقار إليه”.
وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن أحدكم ـ أو الرجل ـ ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غيرُ باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها”.
يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ لقرب أجله ووفاته، فيسبق عليه الكتاب الأول، الذي كتب أنه من أهل النار، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وقد دل الحديث السابق ذكره، وهو”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار” على أن عمله بعمل أهل الجنة هو فيما يبدو للناس وليس حسناً، وكذلك الرجل الثاني الذي يعمل بعمل أهل النار، فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره؛ فإن الله تعالى لا يضيع أجره، قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}
وقال ابن دقيق العيد: “وأما الحديث”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار”؛ فإنه لم يكن عمله صحيحاً في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة .. ، وقوله صلى الله عليه وسلم “فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة … إلى قوله: فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها” المراد: أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، وذلك من لطف الله سبحانه وسعة رحمته؛ فإن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور، ولله الحمد والمنة على ذلك”.
فقوله صلى الله عليه وسلم “وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة … إلخ” ظاهر الحديث يدل على أن هذا العامل كان عمله صحيحاً، وأنه قرب من الجنة بسبب عمله، حتى بقي له على دخولها ذراع، وإنما منعه من ذلك سابق القدر الذي يظهر عند الخاتمة؛ فإذاً الأعمال بالسوابق لكن لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة جاء في الحديث “إنما الأعمال بالخواتيم” يعني عندنا، بالنسبة إلى اطلاعنا في معنى الأشخاص وفي بعض الأحوال”.
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زماناً من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه”.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله” فقيل:
كيف يستعمله يا رسول الله؟! قال: ” يوفقه لعمل صالح قبل الموت”.
وروى الإمام أحمد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا أراد الله بعبد خيراً عَسَلَه، فقيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله”، وفي رواية قال: “يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه” 2.
نخلص مما مضى إلى أن الشقاوة والسعادة قد سبق بهما الكتاب الأول، وأنهما مقدرتان بحسب خواتم الأعمال، وكلٌ ميسر لما خلق له، ومن مات على شيء حكم له به من خير أو شر، مع الجزم بأن أصحاب الكبائر غير الكفر تحت المشيئة.
———————
جواب سيف بن دورة الكعبي:
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم: وقوله في ما يبدو للناس: إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، ويوضح هذا المعنى ما رواه مسلم في الحديث الذي قبله: عن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: هذا من أهل النار ـ فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة … فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه …. إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وقال مرة: خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس (جامع العلوم الحديث الرابع)
وأورد ابن تيمية في كتاب الإيمان الكبير: قال سفيان بن عيينة: كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم لبعض: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس. ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر الدنيا. أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخلاص.
قال باحث: وورد عن معقل بن عبيد الله الجزري (الإخلاص والنية، وعن عون بن عبد الله بن عتبة (الزهد لهناد)
– قال الفوزان: فإذا تاب إلى الله قبل وفاته، قبل الغرغرة فإن الله يقبل توبته ويدخل الجنة، ولذلك يجب على المسلم دائماً وأبداً أن يسأل الله حسن الخاتمة، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). انتهى مختصراً
– قال النووي: فيه التحذير من الاغترار بالأعمال وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ولا يركن إليها … ، وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ولغيره أن لا يقنطه من رحمة الله “.
وراجع تعليقنا على الصحيح المسند 922، وراجع بحوث حول حكم الشهادة لشخص معين