مختلف الحديث 99
مجموعة عبدالله البلوشي ابوعيسى. وسيف بن غدير. وإبراهيم البلوشي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——————-
[ومن كتاب الصلاة]
مختلف الحديث رقم: {99}
جاء في حديث ابن عمر أن رسول الله قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)
وكان يقول: اجعلوا آخرَ صلاتكم بالليل وتراً؛ فإن النبي -أمر به.
رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936)، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239).
وبين ما جاءعنه أنه كان يصلي الركعتين أحيانا بعد وتره تارة جالسا وتارة قائما.؟!
———‘——-‘——–
قال الألباني -رحمه الله- في حاشية كتابه صفة الصلاة:
ثبتت هاتان الركعتان في “صحيح مسلم” وغيره، وهما تنافيان قوله -صلى الله عليه وسلم- “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا” رواه البخاري ومسلم، وقد اختلف العلماء في التوفيق بين الحديثين على وجوه لم يترجح عندي شيء منها، والأحوط تركهما اتباعا للأمر. والله أعلم.
ثم وقفت على حديث صحيح يأمر بالركعتين بعد الوتر، فالتقى الأمر بالفعل، وثبت مشروعية الركعتين للناس جميعا، والأمر الأول يحمل على الاستحباب فلا منافاة، وقد خرجته في “الصحيحة (1993) “. والحمد لله على توفيقه.
*انتهى النقل من صفة الصلاة*
__________________
*وهذا كلامه -رحمه الله- من السلسلة الصحيحة:*
1993 – ” إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له “.
أخرجه الدارمي (1/ 374) وابن خزيمة في ” صحيحه ” (2/ 159 / 1103) وابن حبان (683) من طرق عن ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال: ” كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: ” فذكره، وليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، ولذلك عقب على الحديث بقوله: ” ويقال: ” هذا السفر ” وأنا أقول: السهر “! وبناء عليه وقع الحديث عنده بلفظ: ” هذا السهر “.
ويرده أمران: الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر.
والآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح به مناسبة ولفظا. أخرجه الدارقطني (ص 177) والطبراني في ” الكبير ” (1410). وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة.
فدل ذلك كله على أن المحفوظ في الحديث ” السفر ” وليس ” السهر ” كما قال الدارمي.
والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على ” أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إذ لم النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة “. وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله:
” اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا “، وقلنا في التعليق على ” صفة الصلاة ” (ص123 – السادسة): ” والأحوط تركهما اتباعا للأمر. والله أعلم”.
وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمرا عاما، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم.
__________
*الخلاصة:*
(1). مشروعية الركعتين بعد الوتر.
(2). أما الجزم أنهما للاستحباب أم الإباحة؟ فلعل في هذا الحديث ما يدل على أن الذي يخشى أن لا يقوم لصلاة الليل (التهجد) بسبب الثقل، أن يصلي وتره ويصلي بعدها ركعتين للاستحباب قبل أن ينام.
والله أعلم
——–
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 244):
“وكذلك الركعتان اللتان كان يصليهما أحيانا بعد وتره تارة جالسا وتارة قائما مع قوله: [اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا] فإن هاتين الركعتين لا تنافيان هذا الأمر كما أن المغرب وتر للنهار وصلاة السنة شفعا بعدها لا يخرجها عن كونها وترا للنهار وكذلك الوتر لما كان عبادة مستقلة وهو وتر الليل كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة المغرب من المغرب ولما كان المغرب فرضا كانت محافظته عليه السلام على سنتها أكثر من محافظته على سنة الوتر وهذا على أصل من يقول بوجوب الوتر ظاهر جدا وسيأتي مزيد كلام في هاتين الركعتين إن شاء الله تعالى وهي مسألة شريفة لعلك لا تراها في مصنف وبالله التوفيق” ..
ثم قال بعد ذلك بصفحات:
“وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا تارة وتارة يقرأ فيهما جالسا فإذا أراد أن يركع قام فركع وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بعد النداء والإقامة من صلاة الصبح وفي المسند عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي: روي نحو هذا عن عائشة وأبي أمامة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم
وفي المسند عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما ب {إذا زلزلت} و {قل يا أيها الكافرون}
وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس رضي الله عنه
وقد أشكل هذا على كثير من الناس فظنوه معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم: [اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا] وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنع من فعله قال: وأنكره مالك وقالت طائفة: إنما فعل هاتين الركعتين ليبين جواز الصلاة بعد الوتر وأن فعله لا يقطع التنفل وحملوا قوله: [اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا] على الاستحباب وصلاة الركعتين بعده على الجواز
والصواب: أن يقال: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم.
—
باختصار كتاب لابن حجر بعنوان: كشف الستر عن حكم الصلاة بعد الوتر
مسألة الركعة بعد الوتر فيها أقوال:
الجواز
الخصوصية
النسخ
الترجيح
السنية
فائدة: قال ابن حبان في ((صحيحه)): ذكر الأمر بركعتين بعد الوتر إن خاف أن لا يستيقظ للتهجد وهو مسافر.
ثم أخرج عن ثوبان رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله في سفر فقال: (إن هذا السفر جهد وثقل فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين فإن استيقظ وإلا كانتا له) انتهى.
قلت ذكر الحافظ ابن حجر حال الحديث ومن أخرجه من الائمة، ثم حسنه الحافظ في أصل الرسالة، وممن صححه ابن خزيمة وابن حبان وجود إسناده العظيم آبادي في تعليقه على سنن الدارقطني، وصححه الألباني في قيام الليل ص33، والمشكاة (1/ 401)، وانظر الصحيحة رقم 1993، وضعفه جماعة بسبب اختلافهم في أبي صالح بسبب سوء حفظه.
ثم بين الحافظ رحمه الله تعالى، ما وقع في إسناد الحديث من الإختلاف، وكذلك بين ما وقع في ألفاظ المتن من أختلاف الرواة ثم شرح مفردات الحديث، والذي يهمنا من البحث بيان خصوص الذي ترجم له ابن حبان، وقد اشتمل كلامه على أمرين:
أحدهما: إيقاعهما بعد الوتر.
ثانيهما: تقييده بالمسافر.
قوله: (فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين).
ظاهره أن الركعتين بعد الوتر، ويحتمل أن تقدر الإرادة كما قدرت في أحد القولين في قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} (وكان إذا دخل الخلاء) قال: (وإذا أتى أحدكم أهله فليقل) ويقوى هذا الاحتمال في حديث ثوبان من وجهين:
أحدهما: أن السياق يرشد إلى أن الحكمة في الأمر بالركعتين الحصول على ما يقوم مقام التهجد، ولا أثر لتقديمهما على الوتر ولا تأخيرهما من هذه الحيثية.
ثانيهما: أن أكثر الأخبار صريحة في استحباب جعل الوتر آخر صلاة الليل، وما ورد من الأخبار بخلاف ذلك فمحمول على بيان الجواز على الراجح عند النووي كما سيأتي البحث فيه.
وممن صرح بتقدير الإرادة في حديث ثوبان البيهقي في السنن الكبير والله أعلم.
قوله: (فإن استيقظ).
في إيراده مورد الشرط دلالة على أن الاستيقاظ ليس من قدرة الآدمي بل الأمر في ذلك إلى غيره، فلما كان النائم ربما غلبته عيناه ففات الوقت الذي يريد القيام فيه، وربما استيقظ فيه أو قبله، وإن كان عن قرب فذاك، وإلا شق عليه مريد السهر إلى أن يدخل الوقت الذي يريده فأرشدهم الشارع إلى أمر إذا فعلوه لم يفت المقصود من العبادة على كل حال.
فإن قيل: ثبت في الصحيح (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)، فإذا كان يكتب للمسافر ما كان يعمل حالة الإقامة فما فائدة الاعتناء بالصورة التي دل عليها حديث ثوبان، وأكثر ما فيها تحصيل الحاصل أو بعضه.
قلنا: وجهه تحصيل زيادة الأجر بالمباشرة لأن لحركات الجوارح بالعبادة قولية وفعلية مزية على ما يحصل من أصل الأجر المشار إليه في الخبر.
قوله: (وإلا).
في الكلام حذف معنى الشرط، تقديره فإن لم يستيقظ أو نحو ذلك.
وقوله: (كانتا له).
أي محسوبة من التهجد قائمة مقامه، ويؤخذ منه أن التهجد لا يكون إلا بعد قدرة كما هو الراجح.
وأما الثاني، فهو ظاهر الخبر، لكن لم يخصه من أخرج الخبر غيره بالمسافر، بل جعلوه من الأدلة على جواز التطوع [بعد الوتر] ترجيحاً لمن قال لا ينقص الوتر، منهم الدارمي قال: باب الركعتين بعد الوتر.
قلت سيف الكعبي: لعل الصواب (لا ينقض الوتر)
وأورده الطحاوي وغيره في باب التطوع بعد الوتر.
قال ابن خزيمة: باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر تباح لجميع من يريد الصلاة بعده وأن الركعتين بعد الوتر لم يكونا خاصتين برسول الله
دون أمته إذ قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر، وهو أمر فضيلة أو ندب، لا أمر إيجاب وفريضة. انتهى.
وما أشار إليه من الخصوصية يأتي الكلام عليه بعد.
والراجح عندي في حديث ثوبان تخصيصه بالمسافر كما قال ابن حبان، لكنه يستنبط منه إلحاقاً من به مرض ونحوه بالعلة الجامعة.
وأما مسألة نقض الوتر فاختلف فيها، فقال جماعة:
إذا أوتر قبل أن ينام صلى أو أوتر في الليل ثم أراد أن يتطوع يصلي ركعة يشفع بها وتره الأول ثم يصلي ما أراد ثم يوتر ليكون الوتر آخر صلاته امتثالاً بالأمر الوارد به، وهذا هو نقض الوتر، وقد منع منه مطلقاً من قال لا يشرع التنفل بركعة فردة، وفيه نظر لإمكان تصوره بغير ركعة فردة كالثلاث مثلاً.
وقال الآخرون وهو الراجح من قولي العلماء، ومن مذهب الشافعي بل يصلي ما أراد من غير أن يتعرض إلى الوتر، واحتجوا بحديث: (لا وتران في ليلة) وهو حديث حسن أخرجه ابن خزيمة والنسائي وغيرهما من حديث طلق بن علي، واحتجوا أيضاً بالأحاديث الواردة في أنه كان يصلي بعد وتره ركعتين، وقد ورد ذلك من حديث عائشة وغيرها كما سأذكره في الفصل الذي يليه.
وأجابوا عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما الصحيح (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) بأنه أمر ندب واستحباب وفضيلة، لا أمر حتم ووجوب.
ومنهم من خصه بمن أوقع وتره آخر الليل، بخلاف من أوتر ثم نام.
وعن أحمد في ذلك روايات:
الأولى: كالراجح لا ينقضه ثم إذا صلى صلى ما شاء شفعاً ثم لا يوتر.
الثانية: يوتر ليكون آخر صلاته بالليل وتراً، وضعف حديث (لا وتران في ليلة) أو حمله على الضرورة.
الثالثة: ينقضه كإحدى الروايتين عن الشافعية والمالكية، وهل ينقضه على سبيل الجواز أو الوجوب فيه روايتان عن أحمد أيضاً.
الرابعة: يتخير بين نقضه وبين عدم نقضه لاختلاف الآثار في ذلك. والله أعلم.
في بيان حكم الركعتين اللتين جاء أن النبي كان يصليهما بعد الوتر والتفصيل بذلك
قال الشيخ الموفق أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة في كتاب (المغني) لما ذكر التطوع في الصلاة: ((ومنها الركعتان بعد الوتر، وكلام أحمد يقتضي أنه لا يستحب فعلهما، فإن فعلها إنسان جاز.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الركعتين بعد الوتر، وقيل له: روي عن النبي من وجوه فما ترى؟ قال: أرجو إن فعله إنسان أن لا يضيق عليه، ولكن يكون وهو جالس كما جاء الحديث، قلت: تفعله أنت. قال: لا ما أفعله.
قال الموفق: وقد عدهما أبو الحسن الأمدي -يعني من الحنابلة- من السنن الراتبة، والصحيح أنهما ليستا بسنة، لأن الذين وصفوا تهجد النبي لم يذكروهما، من ذلك حديث ابن عباس، وزيد بن خالد، وكذا عائشة من رواية عروة، وعبد الله بن شقيق، والقاسم، وإنما جاء ذلك عنها من رواية سعد بن هشام، واختلف عنها في ذلك في رواية ابن سلمة، وأما أكثر الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم فعلى تركهما.
ووجه الجواز رواية سعد بن هشام وأبي سلمة عن عائشة وهما في مسلم، وروى ذلك أيضاً أبو أمامة، وأوصى بهما خالد بن معدان وكثير بن مرة، وفعلهما الحسن البصري)) انتهى كلامه.
وعليه فيه مؤاخذات:
الأولى: أن دعواه خلو حديث ابن عباس عنهما فيها نظر، لأن ابن خزيمة أورد في باب الرخصة في الصلاة بعد الوتر من صحيحه طريق أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (زرت خالتي ميمونة فوافقت ليلة النبي عندها، فذكر الحديث وفيه فأوتر بسبع أو بتسع ثم صلى ركعتين ووضع جنبه حتى سمعت صفيره).
قال ابن خزيمة: يحتمل أن يكون أراد الركعتين اللتين في حديث عائشة بعد الوتر، ويحتمل أن يكون أراد ركعتي الفجر. انتهى.
والثاني هو المعتمد لأنه مقتضى ما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانيهما: جزمه بخلو رواية عروة عن عائشة عن ذكر الركعتين فيه نظر أيضاً، فقد أخرج الطبراني في (الأوسط) من طريق عياش بن عباس القتباني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى العتمة ثم صلى في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات، يسلم في الأربع في كل ثنتين، ويوتر بثلاث، يتشهد ويوتر بالمعوذات، فإذا رجع إلى بيته ركع ركعتين ورقد، فإذا أتيته صلى ركعتين ثم ركعتين، فكملت صلاته ثلاث عشرة ركعة.
لكن هذا الحديث شاذ مخالف لسائر الروايات عن عائشة ثم عن عروة عنها وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف.
ثالثهما: ما اقتضاه كلامه من تفرد سعد بن هشام ومن متابعة أبي سلمة في إحدى الروايتين عنه عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، فيه نظر، لأن علقمة بن وقاص قد روى ذلك عنها أيضاً، أخرجه أبو داود وفيه فركع ركعتين وهو جالس بعد الوتر.
رابعها: في اقتصاره على ذكر أبي أمامة في من تابع عائشة قصور، فإنه جاء أيضاً من حديث أم سلمة، وأنس، وابن الزبير، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
أما حديث أبي أمامة الذي أشار إليه فهو عند أحمد من روايته عن حسن بن موسى شيخه عن عمارة وهو ابن زاذان قال حدثني أبو غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يوتر بتسع حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ (بإذا زلزلت، وقل يا أيها الكافرون)
وأخرجه أحمد أيضاً والطبراني والطحاوي والبيهقي من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أبي غالب بالحديث مختصراً: (أن النبي كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس)
قال البيهقي: أبو غالب ليس بقوي.
وأما حديث أنس رضي الله عنه، فأخرجه ابن خزيمة من رواية مؤمل بن إسماعيل كلاهما عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (كان النبي يوتر بتسع فلما أسن وثقل أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بالرحمن والواقعة).
قال أنس: ونحن نقرأ بقصار المفصل ((إذا زلزلت وقل يا أيها الكافرون)).
وعمارة بن زاذان فيه ضعف، وقد اختلف عليه في سنده ومتنه، وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه (أن النبي كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ في الأولى بأم القرآن وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وهو من رواية عتبة بن حكيم عن قتادة عن أنس، وأخرجه الدارقطني من هذا الوجه، وقال: قال لنا ابن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل البصرة وحملها عنهم أهل الشام، وعتبة مختلف في توثيقه.
وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها: فأخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق ميمون بن موسى عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي
كان يصلي بعد الوتر ركعتين (زاد ابن ماجه في روايته وهو جالس، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه وقال: تابعه زكريا بن حكيم عن الحسن، وخالفهما هشام فرواه عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها.
وأما حديث ابن الزبير رضي الله عنه، فأخرجه أحمد من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي أخبرني نافع بن ثابت عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة حتى يصلي صلاته بالليل بعد).
وأما حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، فأخرجهما محمد بن نصر المروزي في كتاب ((قيام الليل) من طريق الشعبي عن ابن عباس [وابن عمر] أنهما قالا (سن رسول الله للمسافر ركعتين، والوتر في السفر من السنة) وسنده ضعيف، لأنه من رواية جابر الجعفي عن الشعبي، ثم الظاهر أنه في قصر الصلاة، وفي الحث على الوتر لا في خصوص ما نحن فيه، ولكن أورده محمد بن نصر في هذا الباب، وفيه ما فيه.
خامسها: في اقتصاره على ما نقل عن أحمد وبعض أصحابه، وقد جزم جماعة من أصحاب أحمد بأنهما سنة من آخرهم ابن تيمية وهو خلاف الراجح من المذاهب الثلاثة في المشهور عنهم وأغرب ابن القيم صاحب ابن تيمية، فقال في (الهدي النبوي) معه على الخلاف:
والصواب أن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر، فإن الوتر عبادة مستقلة، ولا سيما عند من قال بوجوبه، فتجري الركعتين مجرى سنة المغرب بعد المغرب، لأنه بسبب أنها [وتر] النهار، والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد الوتر. انتهى.
ولم أر له فيه سلفاً إلا ما سأذكره قريباً عن بعض الشافعية في إضافته إياهما إلى الوتر.
وقد وقفت على فتيا أجاب فيها بعض متأخري الحنابلة بما نصه: (ليستا راتبة في المذاهب الأربعة، بل ولا غير راتبة، بل ولا مستحبة، بل ولا مشروعة في جميع الأمة، وقد قال مالك: هي بدعة، وقال الشافعي: هي منسوخة، وقال أحمد: لا آمر ولا أنهى، وروى عن الأوزاعي أنهما سنة، وعن بعض العلماء أنهما من الخصائص لحديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقد ثبت أنه فعلهما ليكون خصوصاً له لئلا يتعارض قوله وفعله ).
وكتب بعض الحنفية بعده بصورته وزاد: (وقول الشافعي في هذا أقوى وأبين وهو قول أبي حنيفة وأصحابه).
نقلت السؤال والجوابين من خط الشيخ أبي أمامة بن النقاش ملخصاً، ولم يسم المجيبين المذكورين، لكن تعقب كلام الأول فقال: (لا يوجد عن الشافعي نص خاص بنفي الاستحباب لا في كتبه القديمة ولا الجديدة، ولا عن أبي حنيفة، بل نقل ابن تيمية الإتفاق على جوازهما، والذي نقله أحمد عن مالك الكراهة، وأما لفظ بدعة فلا يوجد عنه) انتهى كلامه.
وأظن مستند المجيب في نقله عن الشافعي أنهما من الخصائص ما أشار إليه ابن خزيمة حيث ترجم لحديث ثوبان أن فيه دلالة على خلاف ذلك، فأما أن يكون عن الشافعي في ذلك شيء والراجح خلافه -ودعوى ابن النقاش عدم الوجود لا يثبت وجود العدم- وأما أن يكون أشار إلى الرد على من قال بذلك من الحنفية، كما أشار إليه المجيب الحنفي.
ثم قال: وسئل أفضل الشافعية في زماننا عن ذلك، فقال: صح الحديث من رواية مسلم وغيره، وليس الحكم منسوخاً، لأن النسخ يتوقف على أمور لم تثبت وإنما ترك العمل به من ترك لترجح مقابله عنده، ومن عمل به أمكن الجمع عنده، ومن قال أنه فعله لبيان الجواز فهو الأرجح انتهى.
وهذا الجواب منتزع من كلام الشيخ محيي الدين، فإنه قال في شرح المهذب ما نصه:
فرع: إذا أوتر ثم أراد أن يصلي نافلة أو غيرها في الليل، جاز بلا كراهة، ولا يعيد الوتر، ودليله حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سئلت عن وتر رسول الله فقالت: (كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم ينهض، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد) رواه مسلم في أثناء حديث طويل.
قال: وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد الوتر لبيان الجواز، ويدل عليه أن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما مع رواية خلائق من الصحابة مصرحة بأن آخر صلاة رسول الله في الليل كانت وتراً، وفي الصحيحين أحاديث مصرحة بأن آخر صلاة الليل تكون وتراً، كحديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وحديث (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة).
قال: (فكيف يظن بالنبي أنه كان يداوم على ركعتين بعد الوتر مع هذا، وإنما معناه ما ذكرنا من بيان الجواز، وإنما أطلت في هذا لأني رأيت بعض الناس يعتقد أنه تستحب صلاة ركعتين بعد الوتر جالساً، ويفعل ذلك، ويدعو الناس إليه، وهذه جهالة منه وغباوة لعدم أنسه بالأحاديث الصحيحة وتنوع طرقها وكلام العلماء فيها، فاحذر من الاغترار به، واعتد بما ذكرنا أولاً).
وقال أيضاً في شرح مسلم:
(حكى القاضي عياض عن مالك أنه أنكر الركعتين بعد الوتر، قال عياض: والأحاديث الأخر تعارضها وهي أصح، قال النووي: ما أشار إليه من الترجيح ليس بصواب، لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع تعين، والصواب أنه فعلهما لبيان جواز الأمرين فعل الصلاة تطوعاً بعد الوتر وبعد النافلة جالساً، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قلائل ولا يعتبر بقول الراوي كان يصلي لأن المختار الذي عليه الأكثر والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه، فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا يقتضيه وضعها. انتهى.
وفي جواب الذي ذكر ابن النقاش أنه أفضل الشافعية في زمانه، وكذلك فيما ذكره الشيخ محيي الدين رحمة الله تعالى عليه نظر في مواضع:
الأول:
ترجيح أن الفعل لبيان الجواز وأنه لا استحباب في ذلك، وكلام الشيخ محيي الدين يشعر بأن الذي أشار إليه من أهل عصره انفرد بذلك في مذهب الشافعي وليس كذلك، بل ذكر ذلك من كبار أصحاب الشافعي الشيخ أبو حامد شيخ طريقة العراق، وتبعه تلميذه المحاملي فقال في (اللباب): وأما ركعتا الوتر فهو أن يصلي بعد الوتر ركعتين قاعداً متربعاً يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الزلزلة وفي الثانية الكافرون، فإذا ركع وضع يديه على الأرض ورفع وركيه عنها وثنى رجليه كما يركع في القيام، وقد تعقبه شيخنا الإمام البلقيني في تدريسه فقال: هذه الصفة لم تثبت، وأصل الركعتين ورد فيه حديث في صحيح مسلم انتهى.
وقد ذكرها الغزالي في الإحياء فقال: ورد في بعض الأخبار أنه كان إذا أراد أن يدخل فراشه يعني بعد أن يوتر يزحف إليه ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما إذا زلزلت وألهاكم التكاثر، وفي رواية (قل يا أيها الكافرون).
ونقل شيخنا الإمام العراقي في (شرح الترمذي) عن الشيخ مرزوق البصري رأس الطائفة الذين يقال لهم الرازقة وهم بنواحي بلبيس وغيرها من الشرقية، ويزحفون على الأرض في أثنائهما.
قال شيخنا: وشيخهم المذكور حنبلي المذهب لكن لأصحابه بدع وحوادث.
وممن صرح باستحبابهما من الشافعية الشيخ تاج الدين ابن الفركاح، والمحب الطبري وكانا معاصري الشيخ محيي الدين، وتبعهما بعض المتأخرين.
الموضع الثاني:
أن البيهقي وهو من الشافعية جنح إلى النسخ فقال: باب من قال يجعل آخر صلاته وتراً، وأن الركعتين بعد الوتر تركتا، ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم ساق حديث أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم ساق حديث [الأسود بن يزيد] أنه دخل على عائشة ليسألها عن صلاة رسول الله فقالت: (كان يصلي ثلاث عشرة ثم يصلي إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين ثم قبض حتى قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات وآخر صلاته من الليل الوتر.
أخرجه أبو داود عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن إبراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق، وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن مؤمل بن هشام بهذا الإسناد لكن قال عن مسروق بدل الأسود.
قال البيهقي: وقول أبي داود أولى بالصواب.
الموضوع الثالث:
ما جزم به من حكم (كان يفعل كذا)، نزع فيه بما بسط في غير هذا الموضع، والذي يتبادر إلى الفهم من (كان) إذا علق بها الفعل المضارع الزيادة على المرة.
الموضع الرابع:
ما أنكره من الترجيح بين الروايتين ليس بجيد، لأن الجمع الذي ذكر صلاته فعلهما لبيان الجواز بعيد، لأنه كان يصلي الوتر غالباً في بيته، وقد فعل النافلة جالساً بحضرة الصحابة، فكيف يحتاج إلى فعله لبيان الجواز سراً، وكيف يبين الجواز بفعله
مع صريح قوله وأمره بخلاف ذلك مع ما يطرق الفعل من الخصوصية، واحتمال أن يكون ذلك بعد طلوع الفجر فيكونا سنة الفجر، واحتمال أن يكون قضاء الفائتة ونحو ذلك.
وإذا كان هذه الأمور موجودة وأمكن التمسك بها تعين المصير إلى الترجيح ويتأيد بما ذكره البيهقي فيبقى الأمر على ظاهره، ويتعين القصد إلى جعل آخر الصلاة بالليل وتراً.
فإن قيل احتمال كونهما ركعتي الفجر بعيد، لأنه لم ينقل أنه صلى الرواتب جالساً.
قلنا: قد ورد ما يدل على أن المراد بصلاتهما جالساً إنما هو حال القراءة فيهما فقد أخرج ابن خزيمة في (صحيحه) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن صلاة رسول الله فقالت: (كان يصلي ثلاث عشرة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع) وهذه الزيادة تقيد الروايات المطلقة عن عائشة رضي الله عنها وهي صحيحة الإسناد فتعين المصير إلى ما دلت عليه وذلك بحمل المطلق على المقيد.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى النافلة قاعداً، وأنه قال لعبد الله بن عمرو لما سأله عن ذلك، وذكر له حديث صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم قال: (أجل ولكني لست كأحدكم) فعرف أنه يختص بكون صلاته النافلة عن قعود يقع له ثوابها تاماً لا على النصف كغيره ممن يصلي النافلة عن قعود بلا عذر، فلو حمل صلاة الركعتين اللتين بعد الوتر جالساً في جميعها لم يقدح في كونهما راتبة الفجر.
وقد جنح القرطبي في (المفهم) إلى أن المراد بالركعتين اللتين صلاهما بعد الوتر ركعتا الفجر، قال: (وقول عائشة رضي الله عنها ((ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد)،معناه أنه كان يسلم من وتره وهو قاعد، وأرادت بذلك الإخبار بمشروعية السلام، ولم ترد أنه صلى ركعتي الفجر فتهجد) انتهى، ولا يخفى تعسفه.
وقد ورد حديث عائشة رضي الله عنها في النسائي بسند صحيح بلفظ (وصلى الركعتين وهو قاعد بعدما سلم).
ويدل على أنهما غير ركعتي الفجر ما وقع عند مسلم في رواية أخرى (ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة).
ورأيت عن الشيخ شهاب الدين السهروردي في صلاة الركعتين بعد الوتر شيئاً لم أره لغيره، فإنه حمل ذلك على من أراد أن يتطوع بعد وتره، وحاول بذلك الجمع بين عدم نقض الوتر وبين وجود كون الوتر آخر صلاة الليل، فقال: (إذا أوتر ثم أراد أن يتهجد فليصل ركعتين جالساً فإنه يقوم له مقام ركعة من حيث الثواب فتصير صلاته من هذه الجهة شفعاً ثم يصلي ما بدا له ثم يوتر فلا ينقض الوتر صورة وإن لزم من ذلك نقضه حكماً، ويقع الوتر آخر صلاته) انتهى.
ولا يخفى تكلفه ويبعده ما تقدم من الألفاظ التي أوردتها عن القرطبي. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.