*مختلف الحديث (53)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
ومشاركة أحمد بن علي وأخ لم يذكر اسمه
كيف التوفيق بين حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى {أولئك هم الوارثون).
الصحيح المسند برقم: (1323)،وفي الصحيحة برقم: (2279)
وبين ما جاء في قول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
————–
جواب احمد بن علي: مختلف الحديث 53
قال ابن حجر في الفتح:
ووقع عند بن ماجة أيضا وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك قوله تعالى (أولئك هم الوارثون) وقال جمهور المفسرين في قوله تعالى (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) الآية المراد أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة وهو موافق لهذا الحديث وقيل المراد أرض الدنيا لأنها صارت خبزة فأكلوها كما تقدم، وقال القرطبي: يحتمل أن يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث اختصاصهم بذلك دون غيرهم فهو إرث بطريق الاستعارة والله أعلم
قال ابن كثير في تفسيره وذكر الحديث الأول:
وقال ابن جُرَيْج، عن لَيْث، عن مجاهد: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة، ويُهدّم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة، ويُبنى بيته الذي في النار. وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك.
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم [كلهم] خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له -أحرزَ هؤلاء نصيب
أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضَعُها على اليهود والنصارى”.
وفي لفظ له: وذكر حديث (فكاكك كن النار)
ثم قال: وهذه الآية كقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63]، وكقوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 73].
……………………………….
قال البغوى في معالم التنزيل وذكر الحديث الأول وذكر أثر مجاهد السابق:
وقال بعضهم: معنى الوراثة هو أنه يئول أمرهم إلى الجنة وينالونها، كما يئول أمر الميراث إلى الوارث.
…………………………………
جواب سيف بن غدير النعيمي وسيف بن دورة الكعبي:
قال صاحبنا عبدالله الديني في شرح حديث أبي هريرة 1323من الصحيح المسند وهو الحديث الأول:
وهو في الصحيحة (2279)، وجاء في مسلم (2767) من حديث عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا كان يوم القيامة، دفع الله عز وجل إلى كل مسلم، يهوديا، أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار ”
وفي رواية أبي طلحة الراسبي عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى» فيما أحسب أنا. قال أبو روح: لا أدري ممن الشك، قال أبو بردة: فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال: أبوك حدثك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم.
قال النووي رحمه الله: ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار. فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره. معنى (فكاكك من النار) أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين.
وأما رواية (يجيء ناس من المسلمين بذنوب) فمعناه أن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)،
وقوله: ويضعها مجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه لكن لم أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الاثم الباقي وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنوها فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها والله أعلم.
أما رواية أبي طلحة الراسبي: (( … يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى فيما أحسب)) أخرجه مسلم، وذكر الشيخ الألباني رحمه الله في” الضعيفة ” (1316) (5399) أن الحديث معل، وذكر أن البيهقي في ” الشعب ” أعله.
وقال البيهقي عن حديث ابي هريرة: – “ويشبه أن يكون هذا الحديث تفسيراً لحديث الفداء، فالكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار؛ يصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر.
قلت (سيف الكعبي) الإمام مسلم ذكر حديث أبي طلحة الراسبي عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، آخر الروايات بعد رواية أبي أسامة عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا (إذا كان يوم القيامة دفع الله عزوجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار) ورواية قتادة أن عونا وسعيد بن أبي بردة حدثاه أنهما شهدا أبا بردة به ولفظه (لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا … )
قال البيهقي في البعث والنشور: إلا أن اللفظ الذي تفرد بها شداد أبوطلحة بروايته في هذا الحديث. وهو قوله: (ويضعها على اليهود والنصارى) مع شك الراوي فيه لا أراه محفوظا، والكافر لا يعاقب بذنب غيره قال الله عزوجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وإنما لفظ الحديث على ما رواه سعيد بن أبي بردة وغيره، عن أبي بردة ووجهه ما ذكرناه والله أعلم. وقد علل البخاري حديث أبي بردة باختلاف الرواة عليه في إسناده، ثم قال: الحديث في الشفاعة أصح، قال أحمد – يعني البيهقي -: ويحتمل أن يكون حديث الفداء في قوم قد صارت ذنوبهم مكفرة في حياتهم، وحديث الشفاعة في قوم لم تعد ذنوبهم مكفرة في حياتهم، ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة، فلا يكون بينهما اختلاف. انتهى
وذكرت مسألة حديث الشفاعة، ومخالفته لحديث الفداء استطرادا؛ وإلا لعلنا نفردها ببحث في مختلف الحديث إن شاءالله.
وممن ضعف حديث أبي طلحة الراسبي كذلك الذهبي فقال متعقبا الحاكم: شداد له مناكير. ولم يتعقبه بأن مسلما أخرجه.
وممن ضعفه ابن حجر في الفتح وأعله بغيلان. نقله عنه محققو المسند 32/ 233.
حتى الإمام أحمد لم يخرج إلا حديث قتادة.
والعقيلي يرى صحة حديث أبي بردة خلافا للبخاري فقال في ترجمة يحيى بن زياد بن عبدالرحمن: وذكر الحديث من طريقه عن سعيد بن أبي بردة به (يؤتى كل مؤمن يوم القيامة برجل من أهل الشرك فقال: يا مؤمن هذا فداؤك من النار) هذا يروى عن أبي موسى بأسانيد صالحة من غير هذا الوجه.
———–
جواب أخ لم يذكر اسمه:
السلام عليكم ورحمة الله
وقال الشنقيطي في الأضواء في قوله ليحملوا أوزارهم كاملة. . . . . > >
قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أولئك الكفار الذين يصرفون الناس عن القرآن بدعواهم أنه أساطير الأولين، تحملوا أوزارهم أي ذنوبهم كاملة، وبعض أوزار أتباعهم الذين اتبعوهم في الضلال، كما يدل عليه حرف التبعيض الذي هو {من} في قوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ}.
وقال القرطبي: {من} لبيان الجنس. فهم يحملون مثل أوزار من أضلوهم كاملة.
وأوضح تعالى هذا المعنى في قوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْألُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} واللام في قوله (ليحملوا) تتعلق بمحذوف دل المقام عليه. أي قدرنا عليهم أن يقولوا في القرآن: أساطير الأولين. ليحملوا أوزارهم.
تنبيه
فإن قيل: ما وجه تحملهم بعض أوزار غيرهم المنصوص عليه بقوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} مع أن الله يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ويقول جل وعلا: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا}، ويقول {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلاَ تُسْألُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات.
فالجواب والله تعالى أعلم أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين: أحدهما وزر ضلالهم في أنفسهم.
والثاني وزر إضلالهم غيرهم. لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً. وإنما أخذ بعمل غيره لأنه هو الذي سنه وتسبب فيه، فعوقب عليه من هذه الجهة لأنه من فعله، فصار غير مناف لقوله {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ}.
وقال الشيخ الألباني في الصحيحة وأما كون الكافر في النار مكان المسلم فيها. وفكاكاً له منها؛ فقد جاء بيانه في قوله – صلى الله عليه وسلم -:
“ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار؛ ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون) “.
وهو مخرج في “الصحيحة” (2279).
ونحوه في “صحيح البخاري” (6569)، وهو من حديث أبي هريرة.
وبه احتج البيهقي على ما ذكرنا من المعنى، فقال عقبه: ونقل توجيه البيهقي وسبق.