مختلف الحديث 37
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—————-
كيف الجمع بين مشروعية التورك في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه، والنهي عنه في حديث أنس رضي الله عنه ..
عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه، أنه قال في نفر من أصحاب رسول الله صلى: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى “”وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته””. رواه البخاري
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: “نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة”. أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1670.
————————-
جواب سيف بن دورة الكعبي:
الحديث أخرجه البزار كما في الكشف 549 – حَدَّثَنا هارون بن سفيان، حَدَّثَنا يحيى بن إسحاق، حَدَّثَنا حماد بن سلمة، عَن قَتادةَ، عن أنس (أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الاقعاء والتورك في الصلاة)
550 – حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّوَرُّكِ، وَالإِقْعَاءِ، وَأَنْ لا نَسْتَوْفِزَ فِي صَلَاتِنَا.
والحديث في «البحر الزخار» (13/ 470برقم7261)، (10/ 434برقم 4588).
هارون بن سفيان هو المستملي. والله أعلم.
وأخرجه أحمد (13437) والطحاوي في «شرح المشكل» (6174) والبيهقي (2/ 120) من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني به.
قال البزار: في «البحر الزخار»: (وهذا الحديث أظن أن يَحْيَى بن إسحاق أخطأ فيه، وسعيد بن بشير فلا يحتج بحديث له إذا تفرد به، والحديث المحفوظ: رواه حماد بن سلمة وغيره، عن قتادة، عَن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم قال: «إذا صلى أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، أو السبع»، هذا هو الحديث عندنا، والله أعلم).
والحديث معلٌّ بالإرسال:
قال الإمام البرديجي في كتاب «أصول الحديث» له -كما في «فتح الباري لابن رجب» (5/ 165) -: (هذا حديث لا يثبت؛ لأن أصحاب حماد لم يجاوزوا به قتادة)، قال الإمام ابن رجب: (كأنه يشير إلى أن يحيى أخطأ في وصله بذكر انس، وأنما هو مرسل).
وقال البيهقي عن حديث يحيى ” تفرد به يحيى بن إسحاق السيلحني عن حماد بن سلمة، وقد قيل عنه عن حماد و بحر بن كثير عن قتادة عن أنس، والرواية الأولى أصح.
قلت: وهناك علة أخرى وهي أن حماد بن سلمة يخطئ كثيرا عن قتادة، نص عليه الإمام مسلم فى التمييز كما نقله عنه ابن رجب الحنبلي فى ملحق شرح العلل. والله أعلم.
وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي قد ترك هذا الحديث.
أما حديث سعيد بن بشير فهو في «البحر الزخار» (مجـ10برقم4586).
وتمام الحديث في «البحر الزخار»: «وأن لا يصلي المهاجر خلف الأعرابي».
والحديث بهذا الإسناد منكر، فيه سعيد بن بشير الأزدي ضعيف، وروايته عن قتادة منكرة؛ قال محمد بن عبد الله بن نمير: يروي عن قتادة المنكرات، وقال الساجي: حدث عن قتادة بمناكير «الإكمال لمغلطاي» (5/ 264).
والحسن مدلس وقد عنعن، ولم يسمع من سمرة غير حديث العقيقة.
قال البزار في «البحر الزخار»: (ولا نعلم روى هذا الحديث إلاَّ سَعِيد بن بشير عن قتادة، تفرد سَمُرة في هذا الحديث بقوله: «لا نستوفز في صلاتنا»).
أما قول البزار ( .. إلاَّ سَعِيد بن بشير عن قتادة .. )؛ لعله يعني بهذا السياق، وإلا فقد روى الحاكم (1/ 271) من طريقين عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا الإسناد، بلفظ: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوفز الرجل في صلاته». فهذه متابعة لسعيد بن بشير-إن سلمت من وهم الحاكم رحمه الله-، وتبقى العلة في عدم سماع الحسن من سمرة مع عنعنته كما سبق.
ولهذه اللفظة – «لا نستوفز» – طريق أخرى عن سمرة رضي الله عنه، عند الطبراني في «المعجم الكبير» (7/ 250) من طريق جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عنه مرفوعا، وهذا إسناد منكر.
قال ابن رجب بعد أن نقل التعليلات التي ذكرناها لحديث يحيى السيلحيني، وورد:
من رواية سعيد بن بشير، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن التورك وإلاقعاء، وأن لا نستوفز في صلاتنا. خرّجه البزار.
وقال: سعيد بن بشير، لا يحتج به. وخرّجه الإمام أحمد، ولفظه: أمرنا
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نعتدل في الجلوس، وأن لا نستوفز.
[فتح الباري: 5/ 165].
انتهى مجموعاً من تخريجات لبعض الإخوة.
تنبيه: قال الألباني في الصحيحة 1670:الجمع ممكن، بحمل الحديث على الإقعاء والتورك في غير الموضعين – يقصد الإقعاء بين السجدتين، والتورك في التشهد الثاني الذي يليه السلام كما هو مبين في كتابي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
————————-
جواب حمد الكعبي:
قال ابن الجوزي:
( … في الحديثِ كَرِهَ أن يَسْجُدَ الرَّجُلُ مُتَوَرِّكاً أي أَنْ يَرْفَعَ وِرْكَهُ إذا سَجَدَ حتى يُفْحِش في ذلك وقيل التَّوَرُّكُ أن يُلْصِق إلْيَتَيْهِ بِعَقَبْيهِ في السجودِ قال الأزهريُّ التَّوَرُّكُ في الصلاةِ ضربان أحدهما سُنَّةٌ والآخَر مكروةٌ فأمَّا السُّنَّةُ فَأَنْ يُنَحِّي رِجْلَيْهِ في التَّشَهُّدِ الأخيرِ ويُلْزِق مَقْعَديْه بالأرض وأَمَّا المكروه فأَنْ يَضَعَ يديه على وِرْكَيْهِ في الصلاة وهُوَ قائِمٌ وهذا مَنْهِيٌّ عَنْهُ .. )
وسئلت اللجنه الدائمة للإفتاء
س: هل يجوز للإنسان أن يصلي على قدميه ويجعل إليته على عراقيبه أثناء الصلاة لأن هذه المشكلة حدثت فيها منازعة فنرجو من سماحتكم الإفتاء بهذا الموضوع.
ج: ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صفة جلوسه بين السجدتين وفي التشهد الأول والثاني وفي التورك والإقعاء، فعن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ لسعيد بن منصور قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قعد وتشهد فرش قدمه اليسرى على الأرض وجلس عليها.
وعن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: إذا سجدت فمكن لسجودك فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى رواه أحمد، وفي حديث أبي حميد عند البخاري: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته، وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد ومسلم وأبي داود: كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقب الشيطان، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الغراب وإقعاء كإقعاء الكلب … الحديث، رواه أحمد، ففي هذه الأحاديث بيان أنه كان عليه الصلاة والسلام يجلس بين السجدتين مفترشًا يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، وهكذا في التشهد الأول، وأنه يجلس في التشهد الأخير يقدم رجله اليسرى وينصب اليمنى ويجلس على مقعدته، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن عقب الشيطان، وجاء تفسيره في الحديث الآخر بأنه إقعاء كإقعاء الكلب، قال الشوكاني: وفسره أبو عبيد وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، وقال ابن رسلان في (شرح السنن): هي أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، وقال النووي: والصواب الذي لا يعدل عنه أن الإقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيد ومعمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه، والنوع الثاني: أن يجعل إليتيه على العقبين بين السجدتين، انتهى، وقال الشوكاني في (النهاية): والأول أصح.
والنوع الثاني هو المروي عن ابن عباس في (صحيح مسلم) وغيره، وقال: إنه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وبهذا يعلم أن الإقعاء المنهي عنه هو أن ينصب المصلي فخذيه وساقيه حال جلوسه ويعتمد على يديه على الأرض، أما الإقعاء الذي ذكره ابن عباس أنه سنة فقد فسر بحالين: إحداهما: أن يفرش قدميه ويجلس عليهما، والثاني: أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه، والأفضل من ذلك هو الافتراش بين السجدتين وفي التشهد الأول؛ لأنه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة الصحيحة، أما التورك فهو سنة في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء