مختلف الحديث رقم: {92}
[ومن كتاب الآداب]
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
و سيف بن دورة الكعبي
جمعه مجموعة حسين البلوشي
كيف التوفيق بين ما جاء في حديث أبي هريرة قال رسول الله («لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فليعزم مسألته إن الله يفعل ما يشاء لا مُكره له»
وبين حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (دخل على أعرابي يعوده فقال «له لا بأس عليك طهور إن شاء الله … »
1_ قال فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
قوله: [(لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة)] أي يقول: (اللهم اغفر لي) ولا يضيف إلى ذلك شيئاً من التقييد الذي هو (إن شئت). قوله: [(فإن الله لا مكره له)] أي: فإن الله تعالى يعطي ويتفضل ويجود على عباده دون إكراه من أحد، أما العباد فمنهم من يعطي رغبة ورهبة، فتجد الشخص يعطي من يسأله من أجل رغبة في تحصيل شيء من وراء إعطائه إياه، أو يعطيه خوفاً منه، والله عز وجل لا مكره له، فلا يليق أن يسأل بهذا السؤال، وإنما يسأل بالعزيمة بدون التقييد بذكر المشيئة. وهذا الحديث عقد له شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باباً خاصاً، وهو (باب قول اللهم اغفر لي إن شئت). أما قوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إن شاء الله) وقوله: (وإنا بكم إن شاء الله لاحقون) فهذا ليس من التعليق، بل هو من التحقيق؛ لأنه لابد من أن يلحق بهم، ولا يوجد احتمال أنه لا يلحق بهم، وكذلك قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الفتح:27] يعني: تحقيقاً لا تعليقاً. فقوله: (طهور إن شاء الله) من هذا القبيل، وليس شكاً. اهـ.
2_ قال ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري:
وأما قوله للأعرابى: (لا بأس عليك طهور إن شاء الله) فإنما أراد تأنيسه من مرضه بأن الله يكفر ذنوبه، ويقيله، ويؤخر وفاته فوقع الاستثناء على ما رجا له من الإقالة والفرج اهـ.
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله في شرحه على سنن أبي داود:
السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم للمريض: (لا بأس طهور إن شاء الله)، هل هو من قبيل الدعاء أو أنه إخبار؟
الجواب: يبدو أنه إخبار، وأن التطهير يحصل إن شاء الله.
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرحه على رياض الصالحين:
هذا الحديث الذي ذكره النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب ما يدعى به للمريض.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده وكان إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله.
لا بأس يعني لا شدة عليك ولا أذى طهور يعني هذا طهور إن شاء الله وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله لأن هذه جملة خبرية وليست جملة دعائية لأن الدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به ولا يقل إن شئت ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت لا تقل هذا لأن الله لا مكره له إن شاء غفر لك وإن شاء لم يغفر ولم يرحم فلا يقال إن شئت إلا لمن له مكره أو لمن يستعظم العطاء فإذا سألت الله فلا تقل إن شئت.
أما قول إن شاء الله في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس طهور إن شاء الله فهذا لأنه خبر وتفاؤل فيقول لا بأس كأنه ينفي أن يكون به بأس ثم يقول إن شاء الله لأن الأمر كله بمشيئة الله عز وجل فيؤخذ من هذا الحديث أنه ينبغي لمن عاد المريض إذا دخل عليه أن يقول لا بأس طهور إن شاء الله اهـ.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ عند ذكر عدة أجوبة في شرحه على العقيدة الطحاوية:
(من أحسنها أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم ” طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله) هذا من باب الخبر لا من باب الدعاء، فهو قال للأعرابي هذه الحمى طهور لك؛ طهور لك في دينك وطهور لك أيضا في بدنك فتصبح بعدها سالما، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
لأنَّ قوله (طهورٌ) مرفوع، والرافع له مبتدأ محذوف أو الابتداء المحذوف بقوله (هي طهور إن شاء الله) وليس المراد الدعاء لأنه لو كان دعاءً لصارت منصوبة اللهم اجعلها طهوراً.
لو قال: طهوراً إن شاء الله؛ يعني: اجعلها اللهم طهوراً، فيكون دعاء.
فالظاهر من السياق من اللغة ومن القصة أنَّ المراد الخبر.
فإذا كان المراد الخبر فلا يعارض الدعاء بقول القائل اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الخبر بالمشيئة فقال ” طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله”، كما قال تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [الفتح:27]، وكقوله تعالى (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) [يوسف:99]، فقوله اغفر لي إن شئت، هذا تعليق للدعاء بالمشيئة، والله (لا مُسْتَكْرِهَ له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد في خلقه) اهـ
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري:
قوله: (طهور إن شاء الله): هذا هو الشاهد، ففيه إثبات المشيئة لله عز وجل. وهذا الحديث لا يعارض ما سبق من وجوب العزم في الدعاء، وعدم التردد فيه؛ لأن هذا ليس من باب الدعاء، إنما هذا من باب الخبر. اهـ.
3_ قال الشيخ صالح آل الشيخ في التمهيد:
وقال طائفة من أهل العلم من شراح البخاري: وقد يكون قوله: «طهور إن شاء الله» للبركة، فيكون ذلك من جهة التبرك، كقولهجل وعلامخبرا عن قول يوسف: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وهم قد دخلوا مصر، وكقولهجل وعلا: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27]. اهـ
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه على العقيدة الطحاوية أيضا:
وتعليق الدعاء أو السؤال بالمشيئة يخالف عزم المسألة، ولهذا لما قال رجل (اللهم اغفر لي إن شئت)، قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت. وليعزم المسألة فإن الله لا مُكره له”9 فتعليق الدعاء بالمشيئة الأصل فيه أنه خلاف أدب الدعاء، والله ـ لا مكره له على إجابة الدعاء حتى تُعَلِّقَهُ بالمشيئة.
لكن إن كان تعليقه المشيئة ليس المقصود به التعليق، إنما المقصود به التبرك فهذا لا بأس به.
وبعض أهل العلم يرى أنَّ قوله (إن شاء الله) في مثل هذا لا بأس به؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لَّما زار رجلا! وهو مصابا بالحمى فقال له “طهورٌ إن شاء الله”10، فأجاب الرجل بجواب سيئ، المقصود أنه يُسْتَدَلُّ بقوله “طهور إن شاء الله” على أنَّه لا بأس أن يُعَلَقَ الدعاء بالمشيئة.
والأول هو الأوْلى، وللمسألة مزيد تفصيل لا يناسب هذه الأجوبة المختصرة. اهـ.
فائدة متعلقة بهذا الجواب:
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري:
وما يحصل من بعض الناس، أنه إذا قابل صاحبه وقد حج، أو اعتمر قال له: تقبل الله منك إن شاء اللهلعل هذا من باب التبرك بذكر اسم الله، ومع ذلك الأولى ألا يأتي به، بل يقول: تقبل الله منا ومنك غفر الله لنا ولك، من دون استثناء؛ لأن الدعاء ليس فيه استثناء اهـ.
4_ قال فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية أيضا:
(الوجه الثاني وهو وجه حسن أيضاً أنَّ قول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت هذا على جهة المخاطبة، اغفر لي إن شئت.
وأما إذا كان على جهة الغَيْبَةْ فإنه لا بأس به، فلو قال غَفَرَ الله له إن شاء الله، هذا أخف من التعليق بالمواجهة اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت.
لأنَّ المخاطبة تقتضي الذل والتقرب إلى الله (بما يحبه من نعوت جلاله وصفاته ومدحه سبحانه والثناء عليه.
والتعليق بالمشيئة فيه نوع استغناء، فلهذا قال في آخره ” إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ ” وقال “إن الله لا مستكره له”.
وهذا الوجه الثاني قال به بعض أهل العلم ولكنه ليس في القوة كالأول فالأول ظاهر، والثاني قيل به وليس هو المختار. اهـ
قلت –أبو علي حسين البلوشي الأول أي أنه من باب الخبر