*مختلف الحديث رقم: (59)
كيف التوفيق بين حديث-أنس بن مالك قال- لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له: هلم أقاسمك مالي نصفين، ولي امرأتان فأطلق إحداهما، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فما رجع يومئذ إلا ومعه شيء من أقط وسمن قد استفضله، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وعليه وضر صفرة، فقال: مهيم، فقال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: فما أصدقتها؟ قال: نواة
مختصر صحيح البخاري برقم (966)
وبين حديث أبي هريرة مرفوعا
(لا يَخطُبُ الرجلُ على خِطبةِ أخيه …. )
صحيح مسلم برقم: (1408)
———–
جواب أحمد بن علي: على مختلف الحديث 59:
لم أجد من جمع بين حديث لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه وبين ما حصل بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع
والظاهر أن قصة عبدالرحمن بن عوف لا تدخل في هذا الباب
وإنما هو من باب الإيثار على النفس
—————-
جواب سيف بن دورة الكعبي على مختلف الحديث 59:
الحافظ بن حجر يقول في فتح الباري:
“قَوْله (بَاب قَوْل الرَّجُل لِأَخِيهِ: اُنْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْت حَتَّى أَنْزِل لَك عَنْهَا)
هَذِهِ التَّرْجَمَة لَفْظ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي الْبُيُوع.
قَوْله (رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف)
وَصَلَهُ فِي الْبُيُوع عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد أَيْ اِبْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ: قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف. وَأَوْرَدَهُ فِي فَضَائِل الْأَنْصَار عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْس عَنْ إِبْرَاهِيم وَقَالَ فِي رِوَايَته ” اُنْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْك فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقهَا، فَإِذَا اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا فَتَزَوَّجْهَا ” وَهُوَ مَعْنَى مَا سَاقَهُ مَوْصُولًا فِي الْبَاب عَنْ أَنَس بِلَفْظِ ” فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفهُ أَهْله وَمَاله ” وَيَاتِي فِي الْوَلِيمَة مِنْ حَدِيث أَنَس بِلَفْظِ ” أُقَاسِمك مَالِي، وَأَنْزِل لَك عَنْ إِحْدَى اِمْرَأَتَيَّ “، وَسَيَاتِي بَقِيَّة شَرْح الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي أَبْوَاب الْوَلِيمَة. وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْإِيثَار حَتَّى بِالنَّفْسِ وَالْأَهْل. وَفِيهِ جَوَاز نَظَر الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة عِنْد إِرَادَة تَزْوِيجهَا، وَجَوَاز الْمُوَاعَدَة بِطَلَاقِ الْمَرْأَة، وَسُقُوط الْغَيْرَة فِي مِثْل ذَلِكَ، .. ” أهـ (14/ 304)
فلو لم يكن يفهم المراد من قوله “أنظر أعجبهما اليك” على أنه نظر العين لما خرج من الحديث بجواز نظر الرجل الى المرأة عند ارادة تزويجها!
قال باحث:
سارع سعد بن الربيع وهو من الذين قال الله فيهم”ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”
إلى مناصفة أخيه بكل ما يملك .. ولو كان يملك قسمة روحه لفعل ..
وقال باحث آخر: حتى قدمه على الغيرة الفطرية التي يغار بها الرجل على زوجه ويحبها على نفسه وهذا كان قبل نزول الحجاب.
قال باحث:
أعداء الله يقولون: قاتلهم الله أن هذا معناه أن المرأة عند المسلمين هي دابة لا تمييز لها ولا اختيار، فكأنما يعرض الرجل على غيره من الرجال بعض الدواب التي عنده ليختار التي تعجبه فيهبها له، فيسوقها خلفه وينصرف بها! زد على ذلك مسألة النخوة والغيرة وما الى ذلك.
ونقول أن مبالغة الرجل من آحاد الأنصار في اظهار شدة محبته لأخيه على هذا النحو، – وقد رفض عبد الله بن عوف ذلك العرض شديد السخاء – لا تعني أنه لا غيرة له ولا مروءة، بل في نفسه خصاصة من ذلك كما نص القرءان ولكنه يؤثر أخاه حتى في أخص ما عنده، ولم يكن من الشرع حينئذ ما يمنع ذلك، فأظهر ايثاره لأخيه بصدق … الا أنه لا يؤسس عليه حكم شرعي عام كمثل الذي بوب له البخاري وصرح به ابن حجر في شرحه رحمهما الله ….
وحتى لو فرضنا – للتنزل مع المجادل – أن عبد الرحمن رضي الله عنه قبل عرض أخيه هذا ووافق عليه، واختار احدى امرأتي سعد ليتركها له، فما موقف تلك المرأة؟ لو رفضت هي الزواج من عبد الرحمن لم يكن لسعد أن يجبرها على ذلك ولا لغيره! لأن القبول من كلا طرفي العقد شرط في صحته! فهذه مسألة لم يتطرق أحد من الصحابة أو الأئمة الى النظر فيها وتفصيلها – فيما أعلم – لأنه وبكل بساطة، عبد الرحمن لم يقبل العرض، ولم يتحول الأمر الى شريعة تمضي في الناس بعد حتى توضع لها الضوابط والشروط وتبحث في كتب أئمة الفقه! انتهى
وقال باحث: آخر لم يقصد البخاري وابن حجر أن في هذه الصورة تشريع دائم.
وفي فتاوى بعض لجان الفتوى حول سؤال أن هذا الإيثار فيه امتهان للمرأة؟ اجابوا:
ليس فيما ذكر امتهان للمرأة، وإنما يتنازل عنها بالطلاق سعد ثم تعتد ثم يتزوجها عبد الرحمن بعد رضاها؛ لأن الثيب قد تقرر في الشرع أنها لا تزوج برجل إلا إذا صرحت نطقا بقوله، فقد اتفق العلماء أنه لا بد من رضا الثيب. قال الإمام ابن رشد: وأما النساء اللاتي بعتبر رضاهن في النكاح: فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: والثيب تعرب عن نفسها. رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي. اهـ.
ويدل لهذا ما ورد من التفصيل في روايات أخرى فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن في رواية ابن سعد: فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا، وقال: لي امرأتان، وأنت أخي لا امرأة لك، فأنزل عن إحداهما فتتزوجها. وفي رواية إسماعيل بن جعفر: ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها، فإذا حلت تزوجها. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف: فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها. ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفي لفظ: فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد: فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها.
هذا ومن المعلوم أن الغالب عن هذه المرأة لو طلقها زوجها أنها سترضى بعبد الرحمن بن عوف زوجا لها وذلك لأكثر من سبب.
الأول: أنها صحابية جليلة تحب الدين وأهله، وتعلم أن عبد الرحمن من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ترك وطنه وماله وأهله وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرارا بدينه واعتزازا بربه واتكالا عليه، فهو أهل لأن يقدر له هذا الموقف.
الثاني: أن عبد الرحمن من وسط مرموق فهو من أوسط قريش نسبا.
الثالث: أنه تاجر ماهر ذو خبرة عالية في التجارة وقد يكون ممن عُرفوا بذلك في الجاهلية، والنساء يرغبن في الزواج بالرجل الناجح لاسيما إذا كان ينحدر من وسط محترم.
والله أعلم.