مختلف الحديث رقم (45)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
وممن شارك أحمد بن علي
وعبد الله الديني
كيف التوفيق بين حديث:
(اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من التردِّي و الهدْمِ و الغرقِ و الحرقِ، و أعوذُ بك أن يتَخبطَني الشيطانُ عند الموتِ، و أعوذُ بك أن أموتَ في سبيلِك مُدْبرًا، و أعوذُ بك أن أموتَ لديغًا)
صحيح الجامع برقم: (1282)
وبين ما جاء أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال:
(بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ، وجَد غُصنَ شَوكٍ على الطريقِ فأخَّرَه، فشَكَر اللهُ له فغَفَر له. ثم قال: الشُّهَداءُخمسةٌ:
المَطعونُ، والمَبطونُ، والغَريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ. وقال: لو يَعلَمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجِدوا إلا أن يَستَهِموا لاستَهَموا عليه. ولو يعلَمون ما في التَّهجيرِ لاستَبَقوا إليه، ولو يَعلَمون ما في العَتَمَةِ والصبحِ لأَتَوهما ولو حَبوًا).
صحيح البخاري برقم: (652)
——————–
جواب عبدالله الديني: حديث أبي اليسر: ((اللهم أني أعوذ بك من التردي … )) الحديث في سنن أبي داود (1552)
راجعت تعليقنا على الحديث.
قلنا: هو في الصحيح المسند (1454)،وأعله أبو حاتم ” العلل ” (2084)، وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله؛ ?ن الإنسان إذا أصابته هذه الأمور وبقي حيا يكون مشوها، وقد يسبب له إعاقة عن كثير من الأمور، ولا يعارض حديث ((الغريق شهيد … )).
—————-
جواب سيف بن دورة الكعبي:
كما قال صاحبنا الديني الحديث معل، حيث علقنا على سنن أبي داود فقلنا: قال محققو المسند مضطرب اختلف على عبدالله بن سعيد بن أبي هند، فرواه هنا عن صيفي – يعني سنن أبي داود – دون واسطه، ورواه في مسند أحمد 15524 عن جده أبي هند عن صيفي به، وجده أبوهند ليس له ترجمة. وذكر ابو داود وجه آخر من الخلاف فرواه عبدالله بن سعيد حدثني مولى لأبي أيوب عن أبي اليسر.
ورجح أبوحاتم الرواية التي فيها ذكر الجد، فيكون الإسناد ضعيف (العلل 2084) ثم على فرض صحته انظر نقولات صاحبنا الديني وأحمد بن علي في أوجه الجمع.
—————–
جواب احمد بن علي: مختلف الحديث 45
رد الإيرادات واحدة واحدة:
قال ابن حجر:
أما كون الطاعون رحمة، فإنه لا ينافي طلب رفعه؛ لأن الرحمة شئ و أثرها أو سببها شئ. و الأثار و الأسباب تتفاوت مراتبها؛ فربّ أمر منها يطلب من الله ما هو أعلى منه.
و أما كونه شهادة، فهي حاصلة لمن أقام صابرًا محتسبًا راضيًا بوقوعه؛ أن لو وقع به، سواء أدعا برفعه أم لا. والطلب من الله و الإلتجاء إليه مرغوب فيه مندوب إليه، و غاية الطاعون أن يكون كملاقاة العدو، و قد ثبت سؤال العافية منه، ثم الصبر إذا وقع اللقاء. فوزانه أن لا يتمنى الطاعون، و يسأل الله العافية منه، فإن قدر نزوله به صبر و احتسب.
قلت: و يقوى ذلك بما قدمناه، أنه من طعن أعدائنا من الجن، و يكفي في امتثال الأمر بالصبر عند وقوعه عدم الفرار منه؛ بالخروج من البلد التي يقع فيها إلى بلدة أخرى، طلبًا للنجاة منه، و عدم التضجر منه و التبرم. و ليس ذلك مباينًا لسؤال العبد ربَّه العافيةَ، و لا يعارض ذلك الإيمان بالقدر؛ لاحتمال أن يكون الله تعالى جعل الدعاء سببًا لسلامة الداعى من الطاعون، فيجتمع له أجر الشهيد بالصبر، والعافية بالدعاء، و كل ذلك من فضل الله و رحمته.
و قد ثبتت الاستعاذة في أمور كثيرة، جاء أن صاحبها شهيد؛ فقد أخرج أبو داود و النسائى، و صححه الحاكم، من حديث أبى اليسَر، أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كان يدعو: ” اللهم إني أعوذ بك من الهدم، و أعوذ بك من التَّرَدِّي، و أعوذ بك من الغَرَقِ و الحَرَقِ، و أعوذ بك أن أموت لَديغًا .. ” الحديث.
و أما كونه مقدورًا فحق و صدق، و لا يستلزم منع الدعاء، بل منع الدعاء من / جنس ترك الأعمال الصالحة، اتكالًا على ما قدر، فيستلزم [93/أ] ترك جميع الأسباب المرتب عليها السعادة، و يضادّ مدح {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}. و قد جاء من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: ” لا تعجزوا في الدعاء، فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد “. صححه ابن حبان و الحاكم. و من حديث سلمان رضي الله عنه
رفعه: ” لا يرد القضاء إلا الدعاء .. “. أخرجه الترمذي، و صححه ابن حبان من حديث ثوبان. و عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: ” لا يغني حذر من قدر، و الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل، و إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان “. صححه الحاكم.
فرد البلاء بالدعاء مثل دفع السهم بالترس، و ليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يحمل السهم و لا يتقى بالترس.
و أما أن فيه نوعًا من الفرار فممنوع؛ فإن معنى النهي عن الفرار أن لا يغالب القدر بالحول و القوة و الحيلة، فيشارك الذين {ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ}. و الدعاء بخلاف ذلك، فإنه اعتراف من الداعي بالعجز عن الحول و الحيلة، مع ما فيه من الخضوع و التذلل، فلا ينافي التسليم لأمر الله و التفويض لقضائه.
(بَذْلُ المَاعُونِ في فَضْلِ الطَّاعُون لابن حجر)
…………
قال القاضي: … استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه؛ ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي ذكره القاضي، وقال الطيبي استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة؛ لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها، أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة وكان الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمني كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها ولو سعى فيها عصى.
فيض القدير للمناوي
……………
وفي بعض أشرطة الألباني قال:
لا يحضرني الجواب الآن عن هذه المشكلة وإن كان يمكن القول أن الغرق والحرق هو مما يبتلي الله به عباده المؤمنين ولكن ذلك لا يعني أن المسلم ينبغي أن يطلب من ربه مثل هذا الابتلاء لكن إذا ما ربنا عز وجل قدر عليه مثل هذا الابتلاء وصبر على ذلك فهو في حكم الشهيد وليس شهيداً حقيقياً هذا يمكن أن يقال والله أعلم.
تفريغ سلسلة فتاوى جدة للشيخ الألباني