مختلف الحديث رقم (38)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
كيف التوفيق بين هذا الحديث أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِل َعَن فأرَةٍ سقطتْ في سَمْنٍ، فقال: ألْقوها وما حولها فاطرَحوهُ، وكلوا سمنكم.
وبين حديث (إن كان جامدًا فأَلْقوها وما حولَها وكلوه وإن كان مائعًا فارمُوه).
?—————
جواب حسين البلوشي:
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه على الترمذي:
وفي رواية: (إن كان جامدا فألقوهـا وما حولها، وإن كان ذائبا ف? تقربوه)، لكن هـذه رواية ضعيفة.
قال المحدث الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن ابي داود:
وحديث أبي هـريرة هـذا -كما هـو معلوم- إسناده ظاهـره الصحة، ولكن قال جماعة من المحدثين: إنه خطأ، وإن المحفوظ هـو الحديث ا?ول …
وقال صاحب تحفة الأحوذي:
قد ذكر الحافظ في الفتح في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الوضوء وجه كون حديث بن عباس عن ميمونة أصح
وكذا ذكر فيه أيضا وجه كون حديث معمر عن الزهـري عن سعيد بن المسيب عن أبي هـريرة خطأ فمن شاء الوقوف على ذلك فليراجعه
والحديث أعله البخاري وأبو حاتم
قال الأمير الصنعاني في سبل السلام:
رواه أحمد وأبو داود، وقد حكم عليه البخاري وأبو حاتم بالوهـم.
وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ:
وفي البخاري عن ابن عيينة إنكاره على معمر إسناده، وقال: سمعته مرارا من الزهـري ما قال إ? عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح:
وأشار الترمذي إلى أنها شاذة
وقال الذهـلي في الزهـريات الطريقان عندنا محفوظان لكن طريق بن عباس عن ميمونة أشهر والله أعلم
اما الفقه فقال الحافظ:
فائدة أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب
ونقل ابن عبد البر ا?تفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه
وأما المائع فاختلفوا فيه:
1 – فذهـب الجمهور إلى أنه ينجس كله بم?قاة النجاسة
2 – وخالف فريق منهم الزهـري وا?وزاعي وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح (فتح الباري شرح صحيح البخاري)
وأما مسألة التعارض ان شاء الله لا تعارض بين الاول والثاني
انما جاء في الحديث الاول ذكر نوع وهو الجامد
واما الحديث الثاني ففيه التفصيل
ومما يرجح أن الحديث الأول المقصود منه الجامد وليس المقصود الإطلاق ما سيأتي:
قال الحافظ وقد تمسك ابن العربي بقوله وما حولها على أنه كان جامدا
قال: ?نه لو كان مائعا لم يكن له حول ?نه لو نقل من أي جانب منها نقل لخلفه غيره في الحال فيصير مما حولها فيحتاج إلى إلقائه كله كذا قال
وقد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى القطان عن مالك في هـذا الحديث فأمر أن يقور ما حولها فيرمي به
قال الحافظ وهـذا أظهر في كونه جامدا من قوله وما حولها فيقوي ما تمسك به ابن العربي انتهى
……………….
جواب حمد الكعبي:
قال ابن قدامة في المغني 1/ 23:
فاما غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة ففيه ثلاث روايات (إحداهن) انه يتنجس وان كثر وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال ” ان كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ” رواه الامام احمد – نهى عنه ولم يفرق بين قليله وكثيره؛ ولأنها لا تطهر غيرها فلا تدفع النجاسة عن نفسها كاليسير (والثانية) انها كالماء لا ينجس منها ما بلغ قلتين إلا بالتغير قياسا على الماء قال حرب: سألت أحمد، قلت: كلب ولغ في سمن وزيت، قال: إذا كان في آنية كبيرة مثل حب أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس يؤكل وإن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني. (والثالثة) أن ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة؛ لأن الغالب فيه الماء وما لا فلا والأولى أولى. اه
وقال ابن قدامه رحمه الله في المغني1/ 29:
واذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعا نجس وإن كان جامدا كالسمن الجامد أخذت النجاسة بما حولها فألقيت الباقي طاهر لما روت ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم] رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه] أخرجه الإمام أحمد في مسنده وإسناده على شرط الصحيحين وحد الجامد الذي لا تسري النجاسة إلى جميعه هو المتماسك الذي فيه قوة تمنع انتقال أجزاء النجاسة عن الموضع الذي وقعت عليه النجاسة إلى ما سواه قال المروذي: قيل لإبي عبد الله في الدوشاب يعني يقع فيه نجاسة؟ قال: اذا كان كثيرا أخذوا ما حوله مثل السمن وقال ابن عقيل: حد الجامد ما اذا فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه وظاهر ما رويناه عن أحمد خلاف هذا فان الدوشاب لا يكاد يبلغ هذا وسمن الحجاز لا يكاد يبلغه والمقصود بالجمود أن لا تسري أجزاء النجاسة وهذا حاصل بما ذكرنا فيقتصر عليه. اه
-ثم نقل الأخ حمد الكعبي شذوذ التفصيل كما سبق بيانه في الجواب السابق.
وقال الحافظ في “الفتح” (9) / (669): استدل بهذا الحديث -يعني حديث ميمونة الذي ليس فيه زيادة: “وإن كان مائعاً فلا تقربوه” عند البخاري- لِإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلَّت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير، وهو اختيار البخاري … وأخرج البخاري ((5539)) عن عبدان، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري: عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد، الفأرة وغيرها، قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أكل. قال الحافظ: وهذا يقدح في صحة من زاد في هذا الحديث عن الزهري التفرقة بين الجامد والذائب لأنه لو كان عنده مرفوعاً ما سوى في فتواه بين الجامد وغير الجامد، وليس الزهري ممن يُقال في حقه: لعله نسي الطريقَ المفصَّلة المرفوعة، لأنه كان أحفظَ الناسِ في عصره، فخفاء ذلك عنه في غاية البعد.
…………………..
———————-
جواب سعيد الجابري:
مختلف الحديث رقم (38)
كيف التوفيق بين الحديثين:
التوفيق بين الحديثين:
الحديث في رواية البخاري مطلقة تعم السمن المائع والجامد،
ورواية أحمد والنسائي تقيد ذلك في السمن الجامد، ولكن محققي المحدثين كالبخاري وأبي حاتم، وابن تيمية، حكموا على رواية “في سمن جامد”، بالوهم، والشذوذ
قال الترمذي: سمعت البخاري يقول: هو خطأ، والصواب: ما رواه الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة -رضي الله عنهم-.
وقال الترمذي: هو حديث غير محفوظ.
حكم عليها الإمام البخاري وذلك لتفرد عبد الرحمن بن مهدي بها، ومخالفته لرواية الجماعة عن الإمام مالك.
وفي التلخيص الحبير لابن حجر: ذكر عدة روايات وطرق تقوي هذه الزيادة، وتجود الحديث، وكذلك في الفتح ((9) / (669)) لكن رجح فيه الوقف.
قال ابن القيم: اختلف العلماء في هذا الحديث إسنادا ومتنا، ولكن أئمة الحديث طعنوا فيه، ولم يروه صحيحا، بل رأوه خطأ محضا، فكثير من أهل الحديث جعلوا هذه الرواية: إذا كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان ذائبا فلا تقربوه، موهومة معلولة، فإن الناس إنما رووه عن سفيان عن الزهري من غير تفصيل، كما رواه البخاري وغيره.
فوائد الحديثين:
(1) – يدل الحديثان على نجاسة الفأرة، وأنها من الخبائث، فلقد جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتلها، وسماها فاسقة.
(2) – أن الفأرة إذا وقعت في سمن أو مائع، وماتت فيه نجست ما حولها مما وقعت فيه، فيجب إلقاؤها وإلقاء ما حولها.
قال الحافظ: لم يأت تحديد ما يلقى، لكن أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء: أن يكون قدر الكف، وسنده جيد لولا أنه مرسل.
(3) – أن بقية السمن أو اللبن أو نحوهما مما ليس حولها طاهر، يجوز أكله واستعماله، فلا تسري النجاسة إلى كل أجزائه.
(4) – أن ذكر السمن إنما هو واقعة عين لميمونة، وإلا فالحكم عام في كل المائعات من دهن، وزيت، ولبن، وعصير، وغير ذلك.
قال الحافظ: وإلحاق غير السمن به في القياس واضح.
(5) – قال الخطابي: في الحديث دليل على أن المائعات لا تزال بها النجاسة، وذلك أنها إذا لم تدفع عن نفسها النجاسات، فلأن لا تدفع عن غيرها أولى.
(6) – في الحديث دلالة على تحريم الأعيان النجسة، وأنه لا يجوز الاستفادة منها ولا استعمالها، وتقدم مثله في حديث جابر ((661)).
(7) – مفهوم قوله: “فماتت فيه” أنها لو سقطت فيه وخرجت حية أن السمن لا ينجس، فإن الفقهاء جعلوا الهرة وما دونها في الخلقة طاهرا في حال الحياة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم” وقيس عليها الباقي.
(8) – قوله: “كلوه” ليس أمرا، وإنما هو إباحة، وبيان حكم طهارته.
(9) – هذا الحكم ما لم يتغير السمن بالنجاسة في ريحه، أو طعمه، أو لونه، فإن تغير فإنه نجس لا يجوز استعماله ولا قربه، فإن الماء وهو الطهور إذا تغير طعمه أو ريحه أو لونه بالنجاسة نجس، فكيف بالمائعات التي لا تدفع عن نفسها نجاسة.
(10) – الحديث عام في السمن: قليله وكثيره، فليس فيه تقييد، فيبقى على عمومه أن الفأرة إذا وقعت فيه وماتت ولم تغيره أنها تلقى، ويؤكل السمن، كثر أو قل.
(11) – وفي الحديث: دلالة على جواز ملامسة النجاسة لإزالتها، وتطهير المكان منها، ومن أدلة هذه المسألة مشروعية الاستنجاء، وغسل النجاسات.
———————
جواب الأخ سيف بن دورة الكعبي:
عدم التفريق بين المائع والجامد هو الراجح وأن حكم المائعات لها حكم الماء إلا أنها إذا تغيرت بوقوع النجاسة فيها فهي نجسة، ولا عبرة بالتحديد بالقلتين. لضعف الرواية كما سبق وممن ضعفها أيضا ابن تيمية في المجموع
وورد عن ابن عباس وسأل عن الجرذ يجول في الجرة ثم يموت؟ قال: إنه جال وفيه الروح، فاستقر حيث مات. 21/ 489.
ورجح ابن تيمية هذا القول كما في مجموع الفتاوى واختاره البخاري، ورجحه ابن عثيمين كما في الشرح الممتع (1/ 48) وراجع فتح العلام 1/ 32