* مختارات من معاملة الحكام للشيخ عبد السلام بن برجس – رحمه الله – {(6)}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
عمل مجموعة من الطلاب: سيف النعيمي، وعبدالله البلوشي، ومحمد رحيمي، وخلفان الساعدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
?طريقة الإنكار على الولاة?
فإن سألت عن الطريقة الشرعية للإنكار على السلاطين فهي مبسوطة في كتب السنة وغيرها من كتب أهل العلم.
وفي مقدم الإجابة عن هذا السؤال أمهد بنقلين ثم أورد الأدلة على ما أُقَرِّرُه والله الموفق:
النقل الأول:
قال ابن مفلح في {الآداب الشرعية}:
{ولا ينكر أحد على سلطان إلا واعظاً له وتخويفاً، أو تحذيراً من العاقبة في الدنيا والآخرة فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك. ذكره القاضي، وغيره.
والمراد: ولم يَخَفْ منه بالتخويف والتحذير، وإلا سقط وكان حكم ذلك كغيره.
النقل الثاني:
قال ابن النحاس في كتابه ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين))
{ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يَوَدُّ لو كلمة سراً ونصحه خُفيةً من غير ثالث لهما} اهـ.
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين:
أحدهما: الخوارج والمعتزلة، والذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً.
والأخرى: الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة.
وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب وبمنأى عن صريح السنة والكتاب.
ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلي عين الهدى والحق، فذهبوا إلي وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية والحق، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر، ولكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة.
يقول العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى -:
{ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلي الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلي الخوض الذي يضر ولا ينفع.
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلي الخير.
وإنكار المنكر من دون ذكر الفاعل، فينكر الزني، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة ابن زيد – رضي الله عنه -: لا تنكر على عثمان؟
قال:
أأنكر عليه عند الناس؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه ولا أفتح باب شر على الناس.
ولما فتحوا الشر في زمن عثمان – رضي الله عنه – وأنكروا على عثمان جهرةً تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلي اليوم، حتى حصلت الفتنة بين على ومعاوية، وقُتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقُتل جمٌّ كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً، حتى أبغضَ الناسُ وليَّ أمرهم وحتى قتلُوهُ. نسال الله العافية}
وهذا الذي قرره الشيخ – رحمه الله – هو امتداد لما قرره أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالى– في كتبهم وهو في الحقيقة امتداد لما عليه السف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين .. من كون مناصحة ولي الأمر إنما تكون سراً قد نطقت به النصوص النبوية وشهدت له الآثار السلفية، وها هي الأدلة على ذلك:
الدليل الأول:
قال الإمام أحمد – رحمه الله -:
{حدثنا أبو المغرة: ثنا صفوان: حدثني شريح بن عبيد الحضرمي – وغيره -، قال: جلد عياض بن غنم صاحب (دارا) حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي ? يقول: {إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس}.
فقال عياض ابن غنم: يا هشام بن حكيم! قد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت أولم تسمع رسول الله?يقولمن أراد أن، ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية .. }، فما كان من هشام بن حكيم –رضي الله عنه – إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غاية في الدلالة على المقصود.
والحجة إنما هي في حديث رسول الله، لا في قول أو فعل أحد من الناس، مهما كان.?
صححه الشيخ الألباني في {كتابه ظلال الجنة في تخريج السنة}
وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه، فقد برئ وخلت ذمته من التبعة
قال العلامة السندي في {حاشيته على مسند الإمام أحمد}
قوله: {من أراد أن ينصح لسلطان}، نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق} اهـ.
قال الشوكاني في {السيل الجرار}
{ينبغي لمن ظهر له غلط في بعض المسائل أن تناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد.
بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلوا به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله.
وقد قدمنا: أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة في هذا المعني متواترة.
ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} انتهى.
الدليل الثاني:
أخرج البخاري في {صحيحه}، كتاب الإيمان وكتاب الزكاة، ومسلم في {صحيحه}، كتاب الإيمان وكتاب الزكاة عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه -، قال:
أعطي رسول الله?-رهطاً – وأنا جالس فيهم -، قال: فترك رسول الله? منهم رجلاً لم يعطه، وهو أعجبهم إلي، فقمت إلي رسول الله-?-فساررته، فقلت: يا رسول الله! ما لك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمناً، قال: {أو مسلماً … }
وفيه قال ? {إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه وخشية أن يكب في النار على وجهه}.
قال النووي –رحمه الله -: {فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولا يجاهرون فقد يكون في المجاهرة به مفسدة} اهـ
الدليل الثالث:
أخرج الترمذي في {سننه} – أبواب الفتن -، قال:
حدثنا بندار: حدثنا أبو داود: حدثنا حميد بن مهران، عن سعد بن أوس، عن زياد بن كسيب العدوى، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال:
انظر إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق!
فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله -? يقول: {من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله}.
وقد حسنه الشيخ الألباني – رحمه الله –في {الصحيحة}
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى –في كتابه {مقاصد الإسلام} عندما قرر أن النصيحة تكون للولاة سراً لا علانية وساق بعض الأدلة على ذلك، ومنها هذا الحديث، قال: {فإذا كان الكلام في الملك بغيبة، أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد اله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه –يريد الإسرار بالنصح ونحوه –لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم …
إلي أن قال: {فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدي بهم، والله يتولى هداك}
الدليل الرابع:
قال الإمام أحمد في {المسند}: {ثنا أبو النضر: ثنا الحشرج بن نباتة العبسي – كوفي -: حدثنا سعيد بن جُمهان قال أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة فسلمت عليه. قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جُهمان.
قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزراقة.
قال: لعن الله الأزراقة، لعن الله الأزراقة، حدثنا رسول الله-?أنهم كلاب النار.
قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جُمْهَان، عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك، فائته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قَبِلَ منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه}.
قال الهيثمي في {المجمع}:
{رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات} اهـ.
وقد حسنه الشيخ الألباني في {تخريج السنة}.
الدليل الخامس:
أخرج البخاري، ومسلم في {صحيحيهما} عن أسامة بن زيد ن أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال:
{أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه} هذا سياق مسلم.
قال الحافظ في {الفتح} قال المهلب: قوله: {قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً}، أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة … وقال عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سراً، فذلك أجدر بالقول. اهـ.
وقال الشيخ الألباني في تعليقه على {مختصر صحيح مسلم}
يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملإ، لأن في الإنكار جهاراً ما يُخشى عاقبته، كما أتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله)) اهـ.
الدليل السادس:
أخرج هناد بن السري في {الزهد} عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أنه قال:
{أيتها الرعية! إن عليكم حقاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير … }
الدليل السابع:
أخرج ابن أبي شيبة في {المصنف} وسعيد بن منصور في {سننه} وابن أبي الدنيا في {الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر} والبيهقي في {الشعب} عن سعيد بن حبير قال: قلت لابن عباس آمُرُ إمامي بالمعروف؟
فقال: ابن عباس:
{إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك}، وهذا أثر صحيح.