مبطلات الحج
١١:٥٤ ص ٢٤/٠٩/٢٠١٣ – سيف الكعبي: (بحث مجموع من أجوبة الإخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي وسعيد الجابري وعلي البلوشي وسعيد الكلباني)
مبطلات الحج :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” المعصية مطلقا تنقص من ثواب الحج ، لقوله تعالى :(فمن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197.
بل إن بعض أهل العلم قال : إن المعصية في الحج تفسد الحج ؛ لأنه منهي عنها في الحج ، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة أن التحريم إذا لم يكن خاصا بالعبادة فإنه لا يبطلها ، والمعاصي ليست خاصة بالإحرام ، إذ المعاصي حرام في الإحرام وغير الإحرام ، وهذا هو الصواب ، وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج ولكنها تُنْقِصُ الحج ” اهـ . “فتاوى أركان الإسلام” ص 571 .
مبطلات الأعمال تنقسم إلى مبطلات عامة ومبطلات خاصة :
فالردة مبطل عام فهي تبطل جميع العبادات أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه فالوضوء مثلاً يبطله الحدث والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه والصدقة يبطلها المن والأذى والصوم يبطله الأكل والشرب والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول فالمهم أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها.
انتهى كلام ابن عثيمين باختصار
مبطلات الحج والعمرة:
1-الجماع ونقل ابن قدامة في المغني ٥/١٦٦ : الإجماع أنه من مبطلات الحج عن ابن المنذر . وكذلك نقله ابن تيمية كما في شرح عمدة الفقه عن ابن عبد البر قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة: 197،والجماع من الرفث.
2-ترك ركن من أركان الحج.
٣- من كان مسلما , ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه عن الملة أثناء الإحرام أما إذا انتهى من الحج ثم ارتد , ثم تاب , أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام على الراجح وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يحبط بموته على الكفر , قال تعالى : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
والله اعلم.
٤- عدم إدراك وقت الوقوف بعرفة في الحج خاصة‘ وهو ما يسمى بالفوات .
٥- عدم توفر شروط الصحة فيه كالإسلام والعقل.
٦- ترك النية عند الإحرام.
فائدة :هل هناك فرق بين الباطل والفاسد
الجمهور في عدم التفرقة بين الباطل والفاسد وأنهما مترادفان يطلق كل منهما في مقابلة الصحيح
وأما الحنفية فإنهم فرقوا بينهما وخصصوا اسم الباطل بما لا ينعقد بأصله كبيع الخمر‘ والحر. والفاسد بما ينعقد عندهم بأصله دون وصفه كعقد الربا فإنه مشروع من حيث انه بيع ‘ وممنوع من حيث انه عقد ربا فالبيع الفاسد عندهم يشارك الصحيح في إفادة الملك إذا اتصل بالقبض .
وحاصل هذا أن قاعدتهم انه لا يلزم من كون الشيء ممنوعا بوصفه أن يكون ممنوعا بأصله فجعلوا ذلك منزلة متوسطة بين الصحيح والباطل ‘وقالوا الصحيح هو المشروع بأصله ووصفه وهو العقد المستجمع لكل شرائطه. والباطل هو الممنوع بهما جميعا والفاسد المشروع بأصله الممنوع بوصفه
ومذهب الشافعي وأحمد وأصحابهما أن كل ممنوع بوصفه فإنه ممنوع بأصله
(البحر المحيط في أصول الفقه) بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر.
تنبيه:
الحنابلة، لا يفرقون بين الفاسد والباطل إلا في موضعين:
الاول : في النكاح.
والثاني : في الحج.
ففي باب الحج قالوا: إن الفاسد في الحج هو الذي جامع فيه قبل التحلل الأول، ويمضي فيه،
والباطل هو الذي ارتد فيه، كحاج استهزأ بآيات الله فصار مرتدا، وبطل حجه.
والفاسد في النكاح ما اختلف العلماء في فساده،
والباطل ما أجمعوا على فساده، كنكاح الأخت، كرجل تزوج امرأة، ثم تبين أنها أخته من الرضاع فالنكاح باطل؛ لأن العلماء مجمعون على فساده، ومثال الفاسد النكاح بلا ولي، أو بلا شهود، أو نكاح امرأة رضعت من أمه مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا.
الشرح الممتع .(12/134)
وسنتكلم أولا عن الجماع:
هل الجماع مفسد للحج وما هي الكفارات الواجبة بالجماع ودواعيه :
لا خلاف بين الفقهاء في أن الجماع من مفسدات الحج لقوله سبحانه وتعالى : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } .
كما لا خلاف بينهم في أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ، وعليه الكفارة ، وكذلك من وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف ويسعى ‘ولا خلاف بينهم أيضا في وجوب الكفارة بالوطء قبل التحلل الأكبر.(الموسوعة الفقهية)
وقد ثبت القول بفساد الحج عن عمر ‘ وابن عمر ‘ وابن عباس‘ وابن عمرو رضي الله عنهم كما في مصنف ابن أبي شيبة ٤/٢٣٩ ‘ وسنن البيهقي ٥/١٦٧
قال ابن قدامة : ولم نعلم لهم في عصرهم مخالفا‘ وقالوا كلهم بفساده سواء قبل الوقوف أو بعده‘ إلا أبا حنيفة فقال : إن جامع بعد الوقوف ؛ لم يفسد حجه ؛ ومن أدلة الأحناف:
قولهم:
فأما إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا يفسد حجه عندنا ، ولكن يلزمه بدنة ، ويتم حجه ‘والحجة لنا في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال « إذا جامع قبل الوقوف فسد نسكه ، وعليه بدنة ، وإذا جامع بعد الوقوف بعرفة فحجته تامة ، وعليه دم » . وقال صلى الله عليه وسلم « الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه » ، وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الأفعال فقد بقي عليه بعض الأركان ، وإنما أراد به الإتمام من حيث إنه يأمن الفساد بعده ، وهو المعنى الفقهي أن بالوقوف تأكد حجه ، ألا ترى أنه يأمن الفوات بعد الوقوف
وهذا لأن الجماع محظور كسائر المحظورات ، وارتكاب محظورات الحج غير مفسد له فكان ينبغي أن لا يكون الجماع مفسدا
واستدل الجمهور:
بالآثار الثابته عن الصحابة وليس لهم مخالف كما سبق النقل .
وأن إحرامه قبل الرمي مطلق ، ألا ترى أنه لا يحل له شيء مما هو حرام على المحرم ، والجماع في الإحرام المطلق مفسد للنسك كما قبل الوقوف بعرفة بخلاف ما بعد الرمي فقد جاء أوان التحلل ، وحل له الحلق الذي كان حراما قبل على المحرم ،
وأجابوا عن حديث ( الحج عرفه) بأن المقصود ؛ معظمه أو ركن متأكد فيه . ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد بدليل العمرة.أما حديث ابن عباس فلم أقف على من خرجه وذكره ابن قدامة في المغني ٣/٣٣٤
وانظر المجموع ٧/٤١٤ ‘ والمحلى ٨٥٥
تنبيه : ذهب الشوكاني في السيل الجرار أن الجماع غير مفسد للحج وهو محجوج بالإجماع قبله.
مسألة : ماذا عليه إذا جامع وهو محرم قبل الوقوف؟
ذهب أكثر أهل العلم أن عليه إكمال المناسك، وقضاء الحج والهدي في العام المقبل. والمضي في العبادة الفاسدة خاصٌ بالحج، أما غيره من العبادات فلا.
وعلى هذا اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من شرع في الإحرام لا يصير خارجا عنه إلا بأداء الأعمال فاسدا كان أو صحيحا ،
وعليه عند الجمهور بدنة بمنزلة ما لو جامع بعد الوقوف ،
وعليه دم عند أصحاب الرأي ؛ قالوا : نقول هذا الدم لتعجيل هذا الإحلال ، والشاة تكفي فيه كما في المحصر ، وجزاء فعله هنا وجوب القضاء عليه ؛ لأنه أهم ما يجب في الحج فلا يجب معه كفارة أخرى
والراجح: قول للجمهور لحكم الصحابة بذلك.
هل يستمر في الحج الفاسد أم يجعله عمرة؟
الراجح عليه إتمامه ، وليس له الخروج منه . روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وأبي هريرة ، وابن عباس رضي الله عنهم وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي وغيرهم ومن أدلتهم قوله تعالى ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ البقرة١٩٦
وبحديث ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل جامع أمرأته وهما محرمان(أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى فأقبلا ؛ حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما ‘ فأحرما وتفرقا‘ ولا يرى واحد منكما صاحبه ‘ ثم أتما نسككما وأهديا)
لكنه حديث مرسل ‘ ولا يشهد له مرسل يزيد بن نعيم أخرجه البيهقي ٥/١٦٧ لأن له رواية عن سعيد بن المسيب فمحتمل يرجع إليه لكن سيأتي كلام ابن تيمية فيه تقوية للحديث
وقال الحسن ، ومالك : يجعل الحجة عمرة ، ولا يقيم على حجة فاسدة .
وقال داود : يخرج بالإفساد من الحج والعمرة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » .
والراجح قول الجمهور ‘ ففي أضواء البيان :قال الشنقيطي: وَاعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي : أَنَّ الْحَجَّ الْفَاسِدَ بِالْجِمَاعِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَوْرًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْآثَارُ الَّتِي سَتَرَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَدِلَّةِ هَذَا الْمَبْحَثِ .
وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي أَيْضًا – أَنَّ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ أُفْسِدَا حَجُّهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِذَا أَحْرَمَا بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ لِئلا يُفْسِدَا حَجَّةَ الْقَضَاءِ أَيْضًا بِجِمَاعٍ آخَرَ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَالْأَظْهَرُ أَيْضًا : أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ فِي الْجِمَاعِ يَلْزَمُهَا مِثْلُ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : يَكْفِيهِمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنْ أَكْرَهَهَا : لَا هَدْيَ عَلَيْهَا . وَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جِمَاعِ الْمُحْرِمِ ، وَمُبَاشَرَتِهِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ غَايَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ : أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْإِحْرَامِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [2 \ 197] ، أَمَّا أَقْوَالُهُمْ فِي فَسَادِ الْحَجِّ وَعَدَمِ فَسَادِهِ ، وَفِيمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ ، فَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِآثَارٍ مَرْوِيَّةٍ عَنِ الصَّحَابَةِ . وَلَمْ أَعْلَمْ بِشَيْء ….وأفتى عمر أن عليهما الحج من قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا ، وَيَفْتَرِقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا ، وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-ُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا : أَنْ مُجَاهِدًا سُئِلَ عَنِ الْمُحْرِمِ ، يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ ؟ فَقَالَ : كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ : يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ، فَإِذَا كَانَ مَنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا ، وَتَفَرَّقَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – : فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ؟ قَالَ : اقْضِيَا نُسُكَكُمَا ، وَارْجِعَا إِلَى بَلَدِكُمَا ، فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ ، فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا ، وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا ، وَاهْدِيَا هَدْيًا . وَفِي رِوَايَةٍ : ثُمَّ أَهِلَّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، ا هـ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ ؟ فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ . قَالَ شُعَيْبٌ : فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ ، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : بَطَلَ حَجُّكَ . فَقَالَ الرَّجُلُ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ قَالَ : اخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا ، فَحَجٌ وَاحِدٌ ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ ، قَالَ شُعَيْبٌ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَأَنَا مَعَهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، ثُمَّ قَالَ : مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : قَوْلِي مِثْلُ مَا قَالَا ، ا هـ . ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَدِّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَتَرَى هَذَا الْأَثَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَنْهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً ، وَفِي بَعْضِهَا : أَنَّهُمَا تَكْفِيهِمَا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَهَذِهِ الْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ خِيَارِ التَّابِعِينَ هِيَ عُمْدَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .انتهى من الأضواء
وانظر(إرواء الغليل. 1045).
ولا يعلم لهؤلاء الصحابة مخالف فوجب الرجوع لفتواهم ، فإن كان هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فهو في حكم المرفوع وإن كان ذلك عن اجتهاد منهم، فالمصير إلى اجتهادهم أولى من اجتهاد غيرهم، وهذا ما ترجح عند الأئمَّة الأربعة، والله أعلم.
قال ابن تيمية كما في شرح عمدة الفقه : أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا وَطِئَ فِي الْإِحْرَامِ فَسَدَ حَجُّهُ وَالْإِحْرَامُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ فَيُتِمَّهُ، وَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ حُكْمَ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ: فِي تَحْرِيمِ الْمَحْظُورَاتِ، وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، ثُمَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَهْدِيَ بَدَنَةً.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ وَالْهَدْيُ قَابِلًا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا نَعْلَمُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا فِي غَيْرِهِ،
ثم ذكر مرسل سعيد بن المسيب وقال:
وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ شَهِدَ لَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَعَمَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَوَامُّ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ” سَأَلْنَا مُجَاهِدًا عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ – وَهُوَ مُحْرِمٌ – قَالَ: كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَقَالَ عُمَرُ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا – وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا – ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا وَتَفَرَّقَا مِنْ حَيْثُ أَصَابَا فَلَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا.
واختار هذا القول ابن باز وابن عثيمين
الخلاصة:
الجماع عامدا قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور:
الأول: الإثم.
الثاني: فساد النسك.
الثالث: وجوب المضي فيه.
الرابع: وجوب القضاء.
الخامس: الفدية.
مسألة : الجماع بعد التحلل الأول:
قال ابن عمر بفساد الحج كما في مصنف ابن أبي شيبة ٤/٤٥٠قال: عليه الحج من قابل‘ واختار هذا القول الزهري وحماد والنخعي والظاهرية.
والجمهور قالوا : لا يفسد حجه وبه أفتى ابن عباس كما في مصنف ابن أبي شيبه ٤/٤٥٠ ‘ وسنن البيهقي ٥/١٧١ وهذا أرجح وسبق أن ذكرنا أن بعد الرمي هو أول التحلل ويباح له حلق الشعر ففارق قبل الرمي وهذا القول رجحه ابن باز وابن عثيمين .
مسألة : إذا جامع المعتمر :
قال ابن المنذر رحمه الله : وأجمعوا على أنه لو وطئ قبل الطواف ؛ فسدت عمرته .أه
أما إذا جامع المعتمر بعد الطواف قبل السعي؟
قال ابن قدامة في المغني: ومن وطئ قبل التحلل من العمرة، فسدت عمرته، وعليه شاة مع القضاء. وقال الشافعي: عليه القضاء وبدنة، لأنها عبادة تشتمل على طواف وسعي، فأشبهت الحج. وقال أبو حنيفة: إن وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط كقولنا، وإن وطئ بعد ذلك فعليه شاة، ولا تفسد عمرته.
ولنا على الشافعي أنها عبادة لا وقوف فيها فلم يجب فيها بدنة، كما لو قرنها بالحج، ولأن العمرة دون الحج فيجب أن يكون حكمها دون حكمه، وبهذا يخرج الحج.
ولنا على أبي حنيفة أن الجماع من محظورات الإحرام، فاستوى فيه ما قبل الطواف وبعده، كسائر المحظورات، ولأنه وطء صادف إحراماً تاماً فأفسده، كما قبل الطواف. انتهى.
أما إن جامع بعد السعي وقبل الحلق فقد أفتى ابن عباس بمن جامع في العمرة قبل الحلق أن عليه دم وعليه الجمهور خلافا للشافعي حيث قال بفساد العمرة في الأصح من المذهب .
قال ابن المنذر 🙁 قول ابن عباس أعلى) ‘ وقال ابن تيمية : ولا يعرف له في الصحابة مخالف
وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي (5/ 172) من طريق أيوب عن سعيد بن جبير أن رجلا أهلّ هو وامرأته بعمرة فقضت مناسكها إلا التقصير فغشيها قبل أن تقصر، فسئل ابن عباس عن ذلك فقال: إنها لشبقة، فقيل له: إنها تسمع، فاستحيا من ذلك، فقال: ألا أعلمتموني، وقال لها: اهريقي دما، قالت: ماذا؟ قال: انحري ناقة أو بقرة أو شاة، قالت: أي ذلك أفضل؟ قال: ناقة. قال البيهقي عقبه: ولعل هذا أشبه. والله أعلم اهـ
مسألة : الراجح أنه ليس على المكرهه بالجماع هدي وهو مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر.
قال ابن عثيمين: إذا كانت الزوجة مكرهة فإنه لا شيء عليها لا قضاء ولا كفارة كذلك لو كانت الزوجة تظن أنه يجب عليها إجابة الزوج في هذه الحال فإنه ليس عليها قضاءٌ ولا كفارة لأنها جاهلة وهنا يجب أن نعلم الفرق بين الجهل بالحكم وبين الجهل بما يترتب على الحكم، الجهل بالحكم يعذر فيه الإنسان ولا يترتب على فعله شيء والجهل بما يترتب على الفعل لا يسقط ما يجب فيه ….(فتاوى نور على الدرب)
هل من مبطلات الحج العادة السرية؟
أما العادة السرية: فمن أهل العلم من قاس العادة السرية أثناء الحج على الجماع، فمن فعلها قبل تحلله الأول فقد فسد حجه ووجب عليه المضي في فاسده وقضاء حجه من قابل مع الفدية الواجبة عليه. ومن فعلها بعد تحلله الأول، رتب عليها فدية ارتكاب المحظور في الحج فيكون فاعلها مخيراً بين ثلاثة أمور، صيام ثلاثة أيام، أو يتصدق على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو دم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم. ومن أهل العلم من لم يفرق بين التحللين، فجعل فديتها كمرتكب محظور من محظورات الحج وهي الفدية المذكورة سابقاً ولا يفسد بها الحج، وهذا القول أقرب إن شاء الله، مع اتفاقهم على تأثيم فاعلها، لمواقعته هذا المحرم، وتجب عليه التوبة والاستغفار من هذا الفعل. والله أعلم.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن رجل زاول العادة
السرية بعد أن أحرم بالحج وقبل الذهاب إلى عرفات ، فأجاب :
” الحج صحيح في أصح قولي العلماء . وعليك التوبة إلى الله من ذلك؛ لأن تعاطي العادة السرية محرم في الحج وغيره ، لقول الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) المؤمنون/5 – 7 .
قلت : ومثله من نظر إلى امرأته حتى أمنى الراجح أنه لا يفسد حجه وذكر عن ابن عباس أن عليه شاه.
مسألة: هل الاحتلام يؤثر على الحج؟
ولا أثر للاحتلام في الحج، فلا يفسده، ولا تلزم منه فدية ولا غيرها، وذلك باتفاق العلماء،
مسألة :هل عليه شئ إذا أمنى في أثناء إحرامه بالحج؟
الإنزال بعد التحلل الأول وقبل طواف الإفاضة لا يفسد الحج باتفاق أهل العلم، وعليه دم ، وإن كانت بدنة (رأساً من الإبل) فذلك الأكمل، وإلا شاة.
وهذا الدم لابد أن يذبح في الحرم ويوزع،
نزول المني، في الطواف : إن كان بغير فعل ولا نظر فلا حرج فيه، ويلزم الغسل منه، وليبن على الطواف الأول فقد ثبت أن ابن عنر ذهب وبال وبنى على طوافه.
نزول المني عمدا. بعد الوقوف بعرفة وقبله لا يفسد الحج عند جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وأما المالكية فقالوا: إن نزل المني بسبب إدامة النظر قبل طواف الإفاضة ورمي عقبة يوم النحر، أو قبل أحدهما فسد حجه، وإن خرج المني بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة فلا يفسد، وإنما فيه الهدي بدنة.
ومذهب الحنابلة: أنه إن نظر فصرف بصره فأمنى فعليه دم (شاة) وإن كرر النظر حتى أمنى فعليه بدنة.
وذهب الشافعية والحنفية إلى أنه لا يجب عليه الفدية في النظر بشهوة وكذا التفكر.