مبحث: (الإرهاب الفكري والحسي)
ويتضمن مطالب:
المطلب الأول: فتنة التكفير
المطلب الثاني: فتنة الإغتيالات والتفجيرات والتحزبات:
المطلب الثالث: المظاهرات والاعتصامات:
المطلب الرابع: الشبه الواردة وتصحيح المفاهيم:
مقدمة: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمداً رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه رحمة للعالمين أما بعد:
فإن مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التي ناقشها علماء الإسلام، وبينوا حدودها وضوابطها، لما في التمادي والغلو فيها بدون أي ضابط وما نتج من انعكاسات سلبيات مدمرة ومؤثرة على مسيرة الأمة، كما أن في التفريط بها مضار دينية ودنيوية.
ولقد كان من أكثر الأسباب التي جعلت العلماء يهتمون ببيان قواعد وضوابط التكفير هو الرد على الفرق الغالية، والتي أصبحت تتخذ التكفير منهجاً تنطلق منه، وتبرر به إعتداءاتها. فاتخذوا الطعن في ولاة أمور المسلمين مفتاحا ثم سلكوا طريق المظاهرات، وامتطوا مطية الظلمات لقتل المسلمين والمسلمات، ثم نزلوا في هوة التفجيرات، وما فعلوا ذلك إلا ليرتشفوا دماء الإبرياء بأنياب الحيات.
وسوف نتكلم في هذا المبحث في أربعة مطالب:
المطلب الأول: فتنة التكفير والإرهاب:
وكان من أوائل من زاغ عن هديه صلى الله عليه وسلم الخوارج، فكانوا أول البدع ظهوراًً في الإسلام , وأظهرها ذماًً في السنة النبوية , فإن ذو الخويصرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خروجه وخروج أصحابه، وذكر أنهم ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)). رواه البخاري 3610، ومسلم 1064
وتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي أصحابه من أهل النهروان، وقد “كان دينهم الذي اختصوا به من بين الداخلين في الفتن هو تكفير بعض المسلمين بما حسبوه كفراً، فوردت الأحاديث بمروقهم بذلك وتواترت، وهي في دواوين الإسلام الستة”.
وتصدى سلف الأمة لهذه الفتنة، وكان من أقوم سُبل معالجتها صبر عليٍّ وأناتُه على الخوارج، وإرساله حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لمحاورتهم ومجادلتهم.
ورجع منهم من رجع ثم أعمل في بقيتهم السيف. لما رأى أنهم سيطعنون في الأمة من الداخل، حيث أن ديدنهم أنهم يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
وقد ظهر لهم في هذه الأيام قرن في بعض البلدان الإسلامية، لكن بشرنا نبينا أنهم لا يخرج لهم قرن إلا قطع حتى يخرج في أعراضهم الدجال. (أخرجه ابن ماجه 1/ 74، وراجع الصحيحة 2455)
وفي تكفير المسلمين محذورين عظيمين:
أحدُهما: الوقوعُ في الوعيد الشديد؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيُّما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باءَ بِها أحدُهما إنْ كان كما قال، وإلا رجعت عليه)) أخرجه البخاري 6104، ومسلم 60، وقال: ((من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله)) أخرجه البخاري 6047، ومسلم 110، وقال: ((لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّت عليه، إنْ لَمْ يكن صاحبُه كذلك)) أخرجه البخاري 6045.
الثاني: افتراء الكذب على الله تعالى، لأن التكفير حكمٌ شرعيٌّ، وحقٌّ لله سبحانه، فلا يكفر إلا من قام على تكفيرِه دليلٌ لا مُعارِض له من الكتاب أو السنة.
ويجب على أفراد المسلمين ترك ذلك للعلماء والقضاة
فالآخرة دار كرامة للمؤمن، فالمؤمن ينجو من النار بإيمانه (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أخرجه مسلم 33.
ويقول ابن تيمية: ” الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم”. درء تعارض العقل والنقل 1/ 242
ويقول: “والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضرورة أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها”. “مجموع الفتاوى 1/ 106
وقد ألف العلماء نواقض للإسلام فعدَّها بعض العلماء عشرة نواقض.
ليس عند التكفيريين منها شئ.
وقد وصفهم شيخ الإسلام ابنُ تيمية أنهم: ((لم يكن أحدٌ شرًّا على المسلمين منهم: لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مُستحلّين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفِّرين لهم، وكانوا متديِّنين بذلك؛ لِعِظَم جهلِهم وبدعتِهم المضلِّلة)). منهاج السنة النبوية 5/ 169
وقد مضى العلماءُ من السلف والخلف يحذِّرون من العجلة في الحكم بالرِّدَّة عن الدين، والتساهل في التنابز بالتكفير المشين؛ حمايةً لأعراض المسلمين حكاما ومحكومين أن تُنْتَهَك، وصيانةً لدمائهم أن تُسفَك!
يقول ابن تيمية: “فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزُل ذلك عنه بالشك، بل لا يزال إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة”. مجموع الفتاوى 12/ 501
وقال ابن عبد البر: “ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له، أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنباً أو تأول تأويلاً، فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنىً يوجب حجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق أهل السنة والجماعة، وهم أهل الفقه والأثر على أن أحداً لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام، وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النظر أن لا يكفَّر إلا من اتفق الجميع على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة”. التمهيد 11/ 17
وقال أبو عبد الله محمد بن عليٍّ المازَري المالكي في كتاب المعلم ص199: ((مَنْ كَفَّرَ أحداً مِنْ أهلِ القبلةِ؛ فإنْ كان مُستبيحاً ذلك: فقد كَفَرَ، وإلا فهو فاسقٌ يجبُ على الحاكم إذا رُفِعَ أمرُهُ إليه أن يُؤدِّبَهُ ويُعزِّرَهُ بما يكون رادعاً لأمثاله، فإنْ تُرِكَ مع القدرة عليه فهو آثِمٌ، والله تعالىأعلم)).
ومن أسباب الوقوع في التكفير:
1 الجهل بل الجهل المركب، وهذا الجهل صفة لازمة لكل الخوارج خاصة في هذا الباب. 2 اتباع الهوى يقول ابن تيمية: “ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة غيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم … وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضاً … وهؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} (الأنعام: 159) ”
وفي الجانب الآخر نحذر من الوقوع في المكفرات من شتم لله ورسوله أو لمز وطعن في الدين، ونحث الناس كبارا وصغارا على الألتفاف على العلماء المعروفين بالمنهج المعتدل) أخذ العلم الصافي الصحيح من أفواههم.
ومن النصوص الزاجرة عن الإعتداء على المسلمين والمستأمنين:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر)) أخرجه البخاري 7076، ومسلم 64.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات!
قيل: يارسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) أخرجه البخاري 2766، ومسلم 89.
الموبقات: يعني المهلكات.
بل ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما)). رواه البخاري 2166
المطلب الثاني: فتنة الإغتيالات والتفجيرات والتحزبات:
لاشك أن الإغتيالات والتخريب وترويع الآمنين لا يجوز فهو من الإفساد في الأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة مأمورا بكف اليد، وفي الإغتيالات مفاسد فهو مخالفة صريحة للشرع، وتعدي على ولي الأمر حيث هو الذي أعطى هؤلاء الناس من أهل الأديان حق الدخول للبلاد بأمان.
بل أغلب الذين يقومون بالتفجير يقتل نفسه وفي الحديث عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان برجل جراح فَقَتَلََََ نفسَه، فقال الله: بَدَرَني عبدي بنفسهِ، فحرمتُ عليه الجنة)) أخرجه البخاري 1363، ومسلم 113.
ولمعرفة خطر التفجيرات والتحزبات، فهذا بيان من هيئة كبار العلماء في بعض الدول الشقيقة حول ما جرى مؤخرا من تفجيرات:
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى بيان ما يلي:
أولاً: أن القيام بأعمال التخريب والإفساد من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات، عمل إجرامي خطير، وعدوان على الأنفس المعصومة، وإتلاف للأموال المحترمة، فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة؛ عملاً بنصوص الشريعة ومقتضيات حفظ سلطانها وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها. يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه. أخرجه مسلم 1848.
ومن زعم أن هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل، من الجهاد، فذلك جاهل ضال، فليست من الجهاد في سبيل اللّه في شيء.
ومما سبق فإنه قد ظهر وعلم أن ما قام به أولئك، ومن وراءهم، إنما هو من الإفساد والتخريب، والضلال المبين، وعليهم تقوى اللّه عز وجل، والرجوع إليه، والتوبة، والتبصر في الأمور وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة ترفع لتفريق الأمة وحملها على الفساد، وليست في حقيقتها من الدين وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين، وقد تضمن نصوص الشريعة عقوبة من يقوم بهذه الأعمال، ووجوب ردعه والزجر عن ارتكاب مثل عمله، ومرد الحكم بذلك إلى القضاء.
ثانيًا: وإذ تبين ما سبق فإن مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما تقوم به الدولةأعزها اللّه بالإسلاممن تتبع لتلك الفئة، والكشف عنهم لوقاية البلاد والعباد شرهم ولدرء الفتنة عن ديار المسلمين وحماية بيضتهم، ويجب على الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذا الأمر الخطير؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا اللّه به في قوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ويحذر المجلس من التستر على هؤلاء أو إيوائهم، فإن هذا من كبائر الذنوب، وهو داخل في عموم قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثًا) متفق عليه، وقد فسر العلماء المُحْدِث في هذا الحديث بأنه من يأتي بفساد في الأرض.
فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم، فكيف بمن أعانهم أو أيد فعلهم.
ثالثًا: يهيب المجلس بأهل العلم أن يقوموا بواجبهم ويكثفوا إرشاد الناس في هذا الشأن الخطير، ليتبين بذلك الحق.
رابعًا: يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تسوغ هذا الإجرام، أو تشجع عليه؛ لكونه من أخطر الأمور وأشنعها، وقد عظم اللّه شأن الفتوى بغير علم وحذر عباده منها وبين أنها من أمر الشيطان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَامُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، ويقول سبحانه: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ويقول جل وعلا: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا)، وقد صح عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلمأنه قال:”من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئًا ” متفق عليه.
ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى أو الآراء التي تسوغ هذا الإجرام، فإن على ولي الأمر إحالته إلى القضاء، ليجري نحوه ما يقتضيه الشرع؛ نصحًا للأمة وإبراءً للذمة، وحماية للدين، وعلى من آتاه اللّه العلم التحذير من الأقاويل الباطلة وبيان فسادها وكشف زورها، ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات وهو من النصح للّه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل، ومن القول في دين اللّه بالجهل والهوى؛ لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب، ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام، ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة، وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من أعظم أسباب تفريق الأمة، ونشر العداوات بينها.
خامسًا: على ولي الأمر منع الذين يتجرأون على الدين والعلماء ويزينون للناس التساهل في أمور الدين والجرأة عليه وعلى أهله، ويربطون بين ما وقع وبين التدين والمؤسسات الدينية.
وإن المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية، كما يستنكر استغلال هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح، والنيل من الدعوة الصحيحة.
سادسًا: أن دين الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع وأوجب اللّه ذلك في كتابه، وحرم التفرق والتحزب، يقول اللّه عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا َ، ويقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. فبرأ اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلممن الذين فرقوا دينهم وحزبوه وكانوا شيعًا، وهذا يدل على تحريم التفرق وأنه من كبائر الذنوب.
وقد علم من الدين بالضرورة وجوب لزوم الجماعة وطاعة من تولى إمامة المسلمين في طاعة اللّه، يقول اللّه عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك … أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى اللّه، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني متفق عليه. وقد سار على هذا سلف الأمة من الصحابة رضي اللّه عنهم، ومن جاء بعدهم، في وجوب السمع والطاعة.
لكل ما تقدم ذكره فإن المجلس يحذر من دعاة الضلالة والفتنة
والفرقة الذين ظهروا في هذه الأزمان فلبسَّوا على المسلمين أمرهم، وحرضوهم على معصية ولاة أمرهم، والخروج عليهم، وذلك من أعظم المحرمات، ويقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان أخرجه مسلم، وفي هذا تحذير لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وتحذير لمن سار في ركابهم عن التمادي في الغي المعرَّض لعذاب الدنيا والآخرة، والواجب التمسك بهذا الدين القويم والسير فيه على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة رضي اللّه عنهم ومن تبعهم بإحسان، ووجوب تربية النشء والشباب على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم حتى يسلموا بتوفيق من اللّه من التيارات الفاسدة ومن تأثير دعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وحتى ينفع اللّه بهم أمة الإسلام ويكونوا حملة علم وورثة للأنبياء وأهل خير وصلاح وهدى، ويكرر التأكيد على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها، ويزداد الأمر تأكدًا في مثل هذه الأوقات أوقات الفتن، كما يحذر الجميع حكامًا ومحكومين من المعاصي، والتساهل في أمر اللّه، فشأن المعاصي خطير، وليحذروا من ذنوبهم، وليستقيموا على أمر اللّه، ويقيموا شعائر دينهم، ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر.
وقى اللّه بلادنا وجميع بلاد المسلمين كل سوء، وجمع اللّه
كلمة المسلمين على الحق والهدى، وكبت اللّه أعداءه أعداء الدين، ورد كيدهم في نحورهم إنه سبحانه سميع قريب، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
انتهى بيان هيئة كبار العلماء
المطلب الثالث: المظاهرات والاعتصامات:
المظاهرات هي أسلوب تتخذه فئات من الشعوب احتجاجا على حكامهم، فيتجمهرون في الميادين والساحات، وقد تتكون بعد ذلك مسيرات حاشدة وترفع فيها الشعارات، يطالبون بمطالب يزعمون أنها حق، والحقيقة أن وراء الأكمة ما وراءها، فما أسرع ما يتبين أن رؤوسهم إنما يريدون الدنيا، فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، فيألبون العوام في هذه المظاهرات والمسيرات ليتحول لأداة إفساد وتخريب.
أما الاعتصامات فهي التجمع في مكان معين في ميدان أو أمام مركز حكومي أو غيره مطالبين بأمور خاصة أو عامة، ولا يبرحوا هذا المكان حتى تنفذ مطالبهم، وقد يصحبها امتناع عن الطعام.
لكن ما هو الحكم الشرعي لهذه المظاهرات والإعتصامات؟
يزعم البعض أنها سبيل لتحقيق المطالب ونيل الأماني، غير أن ذلك لا يمكن التسليم به على إطلاقه، فقد شاهد العالم كيف أنها ذات مضار ولها انعكاسات سلبية على مقدرات الوطن بل على أبنائه وهم الأكثر أهمية، ومن مفاسدها أنها تدمر المقدرات وتفني الشعوب، وتضلل الدروب. فهي طريق للتخريب وتعطيل المصالح، وإغلاق الطرقات، ناهيك بالخسائر الناتجة عنها والويلات.
وبما أن دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة على الكتاب والسنة ولزوم الجماعة والطاعة، فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير الفتن وتفرق الجماعة.
وها هي قيادة بلادنا بقيادة ولاة أمورنا حفظهم الله تفتح الباب على مصراعيه لكل اقتراح بنّاء ومشروع هادف وحوار راقٍ وإصلاحات إدارية، فنحن مثلنا مثل بقية البشر عندنا أخطاء ولدينا نقص , لكن العقلاء يفترض أن يعرفوا السبيل الأمثل لمعالجة الأخطاء وإكمال النقص، بالمناصحة وطرح المشكلات واقتراح الحلول ورفع ذلك لولي الأمر، وهذا هو السبيل الأمثل والطريق المناسب للوصول إلى تحقيق المطالب المشروعة لكل مواطن يفترض أن يعيش في عز وكرامة، وليس بالحملات والمظاهرات!
وبلادنا تعيش قفزات فكرية نوعية، وتطور هائل في مجال التعليم بكل صنوفه وشتى المجالات.
ونحذر الشباب خاصة من التأثر بفكر الآخرين، ومحاولة محاكاتهم، فإن تعاليم ديننا الحنيف لا ترضى هذه الطرق الهمجية لأن لها نتائج وخيمة. ونحن أبناء هذا البلد تحت قياده حكيمه، ترمقنا أعين العالم بأسره كقدوة وأنموذج صالح، والوطن بحاجة دائمة وبخاصة في هذا التوقيت إلى أبنائه المخلصين، الذين يعرفون قدره، ويولونه حقه، ويسعون بكل وسيلة لحمايته، وقطع الطريق على من يروم المساس به.
المطلب الرابع: الشبه الواردة وتصحيح المفاهيم:
كما ذكرنا أن جهل الخوارج جهل مركب حيث وضعوا لأنفسهم تأصيلات باطلة. ونحن نذكر بعض الشبه والرد عليها؛ ونسأل الله أن تكون حصنا لأبنائنا وبناتنا في هذه الدولة المباركة، ونسأل أن تكون سبباً لهداية الحيارى الذين ظل بهم الطريق فأختفطتهم الشياطين، وأوقعتهم في حبائل شباكها، فمن هذه الشبه:
1 أخذهم للنصوص التي نزلت في الكفار، فأنزلوها على المسلمين كقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة: 44
فالخوارج كفروا بهذه الآية الحكام والقوات المسلحة والشرطة بزعمهم أنهم أتباع للحاكم، والرد على هذه الشبهه في قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: كفر دون كفر.
والعلماء وضعوا شروطاً للخروج على الحاكم الكافر:
أأن يكون كفراً بواحاً.
بالقدرة على إزالته.
جألا يؤدي هذا الخروج عليه إلى أن يخلفه مثله أو شر أعظم منه.
ثم إنكار المنكر الواقع في الناس درجات فإن لم تكن صاحب سلطة لتنكر بيدك، فانكر بلسانك بالنصيحة الطيبة، فإن لم تستطع فبقلبك. بل قد يكون هو المتحتم أحيانا إذا كان الإنكار بما سبق يؤدي لمفاسد أعظم.
2 تعميمهم للنصوص التي فيها ذكر التكفير لبعض المعاصي.
فمن ذلك حديث (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت) أخرجه البخاري 3850، ومسلم 67.
وسبق أن ذكرنا بعض الأحاديث في هذا المبحث، وهذه النصوص لابد من تأويلها لكي لا تعارض نصوص فيها الشهادة بالإيمان لبعض من ارتكب معاصي مثل قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الحجرات 9، وإخبار رب العزة أن الذنوب تحت مشيئته يغفرها لمن يشاء إلا الشرك قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لكن يشاء) النساء
وحمل العلماء النصوص التي فيها إطلاق التكفير على بعض المعاصي على قولين:
قال النووي: ” فيه تأويلان: أحدهما أنّه في حقّ المستحلّ. والثّاني: أنّه كفر النّعمة والإحسان وحقّ الله تعالى , وحقّ أبيه , وليس المراد الكفر الّذي يخرجه من ملّة الإسلام. وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم ((يكفرن)) أخرجه البخاري 29 , ثمّ فسّره صلى الله عليه وسلم بكفرانهنّ الإحسان وكفران العشير”. شرح النووي على مسلم 2/ 50.
قال الحافظ ابن حجر: “وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم، وترك شكر المنعم، والقيام بحقه”. فتح الباري 10/ 466
3 اعتقادهم أن كل نفي للإيمان في النصوص لا يكون إلا بزواله بالكلية كحديث (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) بينما قال
ابن تيمية: فنفي عنه الإيمان الواجب الذي يستحق به الجنة، ولا يستلزم ذلك نفي أصل الإيمان وسائر أجزائه وشعبه، وهذا معنى قولهم: نفي كمال الإيمان لا حقيقته، أي الكمال الواجب، ليس هو الكمال المستحب .. “.مجموع الفتاوى 12/ 478
والحمد لله قام العلماء خير قيام في تفنيد الشبه وإن كان بعضهم أنشط في هذا المجال، وكذلك قاموا بتصحيح الفكر حول الجهاد، والحاكمية، والإمامة والإمارة، وتوقير العلماء الربانيين، وتعامل المسلمين مع الكفار وغير ذلك.
ونبهوا على الإلحاد ووسائله وخطره والآثار المترتبة على عدم مواجهته، ووسائل الوقاية منه ودفعه
وهكذا تبين لنا أن التكفير مسألة خطيرة لا يجوز أن يصدر فيه المسلم عن رأي أو هوى، ولا يجوز شهره سيفاً على المخالفين واتخاذه وسيلة للانتقام منهم والتشفي بهم، إذ هو حكم شرعي، بل لعله أخطر الأحكام الشرعية، إذ هو حكم بالردة والخلود في النار على مسلم، كما يستتبع التكفير عدداً من الأحكام الدنيوية كمنع التوارث والتفريق بين الزوجين، وأهم من ذلك استباحة الدماء والأعراض.
لذا تكاثرت النصوص الشرعية تحذر المسلمين من الوقوع في ظلامته، ومن بعدها أطبق علماء الإسلام على أبلغ التحذير من هذه القاصمة، وبينوا أسبابها، وحذروا من دركاتها.
2016/ 4/23، 2:59 م سيف الكعبي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يرجى المراجعه؛ لأننا نعد مادة الأمن الفكري، وهذا أحد مباحثها، سبق أرسلته لكن أعدت كتابته وأضفت مباحث أخرى.
والحمد لله قام العلماء خير قيام في تفنيد الشبه وإن كان بعضهم أنشط في هذا المجال، وكذلك قاموا بتصحيح الفكر حول الجهاد، والحاكمية، والإمامة والإمارة، وتوقير العلماء الربانيين، وتعامل المسلمين مع الكفار وغير ذلك.
ونبهوا على الإلحاد ووسائله وخطره والآثار المترتبة على عدم مواجهته، ووسائل الوقاية منه ودفعه. حيث أصبح للملحدين مدارس فبعضهم ينكر الخالق كقول أحدهم: (لا إله، والحياة مادة)، واعتبر الدين: (أفيون الشعوب) وتبنت بعض الدول الكافرة فصل الدين عن الدولة بل أسست مدارس إلحادية كالعلمانية وغيرها وظهر مؤخراً بما يسمى عبدة الشيطان. وأسست كل مدرسة لنفسها فلسفات ونظريات وهي كخيوط العنكبوت.
وللإلحاد أسباب كثيرة من أهمها الهزيمة الحضارية، وعدم الإيمان بالقضاء والقدر، وحب الشهوات الطاغي والهوى، والجهل بالدين، وتعظيم العقل اللانهائي.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من كل ذلك ففي الحديث: لا يزال الناس يسألونكم عن العلم، حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن من خلق الله) أخرجه مسلم 135
ومسألة الإلحاد وخطره ألفت فيها كتب، وإنما أشرت لها إشارة.