لطائف التفسير
لطيفة تفسيرية: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْك* َ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ *فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين* َ} [يونس: 94]
جمع عبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-
لطيفة تفسيرية
في قوله تعالى {*فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْك* َ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ *فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين* َ} [يونس: 94]
لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم شك فيما أنزل إليه، بل هو أعلم الناس به، وأقواهم يقيناً.
ويدل أنه لم يقع منه شك:
1 – ما قاله الله عز وجل في *نفس السورة*:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 104].
المعنى: إن كنتم في شك منه فأنا على يقين منه، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، بل أكفر بهم وأعبد الله.
2 – لا يلزم من قوله تعالى {*فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْك* َ} أن يكون الشك جائزاً على الرسول صلى الله عليه وسلم أو واقعاً منه.
ألا ترى قوله تعالى {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]؟
فإنه لا يلزم منه أن يكون الولد جائزاً على الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 92 – 93]
3 – لا يلزم من قوله تعالى {*فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين َ*} أن يكون الامتراء واقعاً من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النهي عن الشيء قد يوجَّه إلى من لم يقع منه، كما قال تعالى: { … وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: 87]
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شرك.
ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة: 44 – 46]
*والغرض من توجيه النهي إلى من لا يقع منه*:
التنديد بمن وقع منهم والتحذير من مناهجهم، وبهذا يزول الاشتباه، وظن ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم.
انظر: أصول في التفسير لابن عثيمين رحمه الله 49 – 48.
——
قال ابن جرير الطبري:
فإن قال لنا قائل: أوَ كان النبي صلى الله عليه وسلم شَاكَّا في أنّ الحق من رَبه, أو في أن القبلة التي وجَّهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره، حتى نُهي عن الشك في ذلك، فقيل له: ” فلا تكونن من الممترين “؟
قيل: ذلك من الكلام الذي تُخرجه العرب مخُرَج الأمر أو النهي للمخاطب به، والمراد به غيره, كما قال جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [سورة الأحزاب: 1]، ثم قال: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [سورة الأحزاب: 2]. فخرج الكلام مخرج الأمرِ للنبي صلى الله عليه وسلم والنهيِ له, والمراد به أصحابه المؤمنون به. وقد بينا نظيرَ ذلك فيما مضى قبل بما أغنَى عن إعادته. (8)
——————-
قال ابن كثير: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
ثم ثبت تعالى نبيه والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فقال: (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)
قال القرطبي: قوله تعالى: فلا تكونن من الممترين أي من الشاكين. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته
قال ابن عاشور:
والمقصود من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولئن اتبعت} [البقرة: 120]، وقوله: {فلا تكونن من الممترين} تحذير الأمة وهذه عادة القرآن في كل تحذير مُهِم ليكون خطاب النبي بمثل ذلك وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى وأولاهم بكرامته دليلاً على أن من وقع في مثل ذلك من الأمة قد حقت عليه كلمة العذاب، وليس له من النجاة باب، ويجوز أن يكون الخطاب في قوله: {من ربك} وقوله: {فلا تكونن} خطاباً لغير معيَّن من كل من يصلح ها الخطاب.
قال السعدى: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أي: هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء, لما اشتمل عليه من المطالب العالية, والأوامر الحسنة, وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها, ودفع مفاسدها, لصدوره من ربك, الذي من جملة تربيته لك أن أنزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس, وجميع المصالح. {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي: فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه، بل تفكَّر فيه وتأمل, حتى تصل بذلك إلى اليقين, لأن التفكر فيه لا محالة, دافع للشك, موصل لليقين.
تنبيه: فرق بعضهم بين: قوله تعالى (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147} البقرة) تكوننَّ، بنون التوكيد المشددة،
وفي آل عمران (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {59} الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {60} آل عمران)
لماذا هناك (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) وهنا (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)؟
الأولى عقيدة إما مسلم وإما كافر، فإياك أن تكون، كما قال تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {94} يونس) لماذا؟ هذه قضية قرآن هل هو حق أو لا، (فَلَا تَكُونَنَّ).
لكن كيف خلق آدم؟ قد لا يدرك عقلك كيف خلقه الله من طين، وقال نفخت فيه، لا يفهمها إلا أولو العلم. … انتهى
أما قوله تعالى:
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109)
قال القرطبي:
قوله تعالى: فلا تك جزم بالنهي ; وحذفت النون لكثرة الاستعمال.