لطائف التفسير: سورة آل عمران 30]
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-‘–‘——
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)
[سورة آل عمران 30]
لطيفة: الرجاء في هذه الآية أعظم فقدم ذكر الحسنات وختمت بالرأفة العامة للعباد ينالها من قدم الخير وأخر الشر، فرجحت حسناته على سيئاته. ومن غلبت سيئاته ولم يأت بالشرك الأكبر فهو تحت المشيئة.
ثم السوء والتحذير من غضب الله محاط بالحسنات والرأفة. فقدم الحسنات ولو ارتكبت المعاصي أختم بطلب الرأفة يزول ما بينهما من السيئات والغضب.
ولا تحتاج الحسنات لاحضارها بطلب منك بل تجدها حاضرة.
أما السيئات فجعل الله لك فرصة أن تكون بعيدة عنك أمدا بعيدا فلعل الله أن يبعدها
والآية فيها الجمع بين الرجاء والخوف.
——–
جاء في دعاء الاستفتاح: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب … )) الحديث
قال في عون المعبود: أخرجه مخرج المبالغة ن المفاعلة إذا لم تكن للمبالغة فهي للمبالغة
وقيل تفيد البعد من الجانبين فكأنه قيل اللهم باعد بيني وبين خطاياي وباعد بين خطاياي وبيني
والخطايا إما أن يراد بها ال حقة فمعناه إذا قدر لي ذنب فبعد بيني وبينه والمقصود ما سيأتي أو السابقة فمعناه المحو والغفران لما حصل منها وهـو مجاز ن حقيقة المباعدة إنما هـو في الزمان والمكان وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أن يبقى لها منه اقتراب بالكلية
وكرر لفظ بين هـنا ولم يكرر بين المشرق والمغرب ن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الجار.
قال ابن جُزي في ” التسهيل لعلوم التنزيل “:
(والله رؤوف) ذكر بعد التحذير تأنيسا لئ يفرط فيالخوف، أو ن التحذير والتنبيه رأفة.اهـ
——–
قال ابن القيم: الرجاء هو امتداد القلب وميله الى المحبوب منقطعا عما يقطعه عنه
وقال: والرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله عزوجل
وقيل الثقة بجود الله تعالى
وضده اليأس
عوامل تحقيق الرجاء:
ذكر سوابق فضل الله على العبد
ذكر ثواب الله وجزيل عطائه وجوده
تذكر نعم الله في الحال
ذكر سعة رحمة الله
من ثمرات الرجاء:
– الإنابة:
قال ابن القيم: والإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد والثواب ومحبة الكرامة من الله.
– التلذذ بالعبادة:
والرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله عزوجل
فإن الخوف وحده لا يحرك العبد إنما يحركه الحب ويزعجه الخوف ويحدو به الرجاء
– إظهار العبودية لله عزوجل:
طمع العبد في ربه ورجائه توجب العبودية الفتاوى الكبرى 5/ 182
أما استسلام العبد لربه ورضاه بمواقع حكمه ما ذاك إلا رجاء رحمته فالرجاء حياة الطلب والإرادة روحها (مدارج السالكين)
– تحقيق عبادة الدعاء: فالدعاء مبني على الرجاء
– النجاة من غضب الله: وهذه الثمرة مبنية على ما سبق.
– التعرف على أسماء الله وصفاته:
لأن الراجي متعلق بها
– محبة الله وشكره ودوام الذكر: فهذا شأن الراجي
– ولا بد أن يكون الخوف والرجاء كجناحي طائر.
قال ابن تيمية: والخشية ابدا متضمنة للرجاء فلولا ذلك لكانت قنوطا. كما أن الرجاء يستلزم الخوف ولولا ذلك لكانت أمنا مجموع الفتاوى 7/ 21
ورجاء أهل الطاعة التائبين اذا زلوا محمود ورجاء أهل المعصية المصرين مذموم. والذنب مهما عظم فإن باب التوبة مفتوح
ولعلنا نتكلم عن الخوف في موضع آخر
بحث لأحد الأخوة حول:
: الرجاء
1. الرجاء في القرأن:
الرجاء هو الطمع وألامل في المرجو، وحسن الظن به، والرجاء الممدوح لايكون إلا مع إحسان العمل، كما قال تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أّحَداً).
فمن أساء العمل متعمدا” على الرجاء وسعة رحمة الله عز وجل فهو في عداد المغرورين الحمقى، وعمله هذا من باب التمنى لا من باب الرجاء.
وقد بين الله تعالى أن الذين يستحقون أن يرجوا رحمة الله هم أهل الايمان والعمل الصالح والمجاهدة، فقد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُوْلَئِكَ يرْجُونَ رَحْمَتَ الله) فأما من ينهمك فيما يكرهه الله تعالى، ولا يذمُّ نفسه عليه، ولا يعوم على التوبه والرجوع، فرجاؤه المغفرة حمقٌ، كرجاء من بث البذرَ في ارضٍ سبخه، وعزم على ألا يتعهده بسقي ولا تنقية.
قال يحيى بن معاذ: من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب، على رجاء العفو من غير ندامه، وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة، وأنتظار زرع الجنه ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وأنتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينه لاتجري على اليبس
(موعظة المؤمنين للقاسمي) ص426 ـ427
– والرجاء الصحيح من الايمان لأنه يضادّ اليأس والقنوط، والله تعالى يقول عن اليائسين القانطين
(إنَّهُ لا يَيْأَسُ من رَّوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافرُونَ) ويقول (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ).
فإذا كان ضدُّ الرجاء كفرا” وضلالا”، فهو في نفسه إيمان وهدى (شعب الايمان للقيصري 2/ 197) قال ابن قدامه: ((واعلم أن الرجاء محمود لأنه باعث على العمل، واليأس مذموم، لأنه صارف عن العمل)) (مختصر منهاج القاصدين ص 302) ومن آيات الرجاء أيضا” قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ومنها قوله تعالى (إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) ومنها قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شيْء) والأدلة على ذلك كثيرة يكفي ما ذكر منها.
2. الرجاء في السنة:
وردت بعض الاحاديث تدلُّ على فضيلة الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل، فمن ذلك.
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبه، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد (متفق عليه).
2. وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني)) (متفق عليه).
3. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل)) (رواه مسلم).
4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش، ان رحمتي تغلب غضبي)) (متفق عليه).
5. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن لله تعالى مائة رحمه، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامه)) (رواه مسلم).
- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم)) (رواه مسلم).
7. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يُدني المؤمن يوم القيامه من ربه، حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: ربي أعرف، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته)) (متفق عليه).
8. وحديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس عن مغربها (رواه مسلم)من أقوال السلف
– عن مطرف أنه تلا هذه الآيه (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلّى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) فقال: لو يعلم الناس قدر مغفرة الله، وعفو الله، وتجاوز الله، لقرّت أعينهم، ولو يعلم الناس نكال الله، ونقم الله، وبأس الله، وعذاب الله، ما رقأ لهم دمع، ولا انتفعوا بطعام ولا شراب.
ـ وكان يحيى بن معاذ يقول في مناجاته: إلهي! إن كان قد صغر في جنب عطائك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي (شعب ألايمان) 2/ 11، 25
ـ سئل أحمد بن عاصم الانطاكي: ما علامة الرجاء في العبد؟ قال: أن يكون إذا أحاط به ألاحسان ألهم الشكر، راجيا” تمام النعمه من الله تعالى عليه في الدنيا، وتمام عفوه في ألاخرة (الرسالة القشيرية) ص 132.
علامات صحة الرجاء
1. ألاقبال على الله عز وجل بالعبادة والطاعة: قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ).
2. الدعاء وكثرة اللجوء إلى الله تعالى: قال تعالى (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). - اتباع السنة: لقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَّن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ).
4. قصر الأمل: قال تعالى (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ).
5. حسن الظن بالله عز وجل.
6. التوبة ومحاسبة النفس.
7. الصبر على البلاء، والشكر على النعماء.
8. الاستقامه على السنه وترك الابتداع في الدين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الخشيه والرجاء والمحبه والاخلاص والتوكل عليه سبحانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قال السيوطي في الإتقان … واختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا ثم ساقها. ولولا خشية التطويل لذكرناها مع الآثار التي ذكرها. لكن تحتاج لدراسة اسانيدها حيث بعضها عن بعض الصحابة. ونسأل الله أن يبارك في العمر فنحققها.أسباب القنوط كثيرة: ولنقتصر هنا على ما يضاد الرجاء:
– الجهل بسعة رحمة الله سبحانه وتعالى، وعدم العلم بها.
– الظن بأن الله تعالى لا يغفر له، ولا يرحمه، ولا يقبل توبته قال ابن كثير رحمه الله: ” لا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب الرحمة والتوبة واسع: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)، وقال – جل وعلا – في حق المنافقين:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا)، وقال جل جلاله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ثم قال جلت عظمته: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقال – تبارك وتعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) قال الحسن البصري – رحمة الله عليه -: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، والآيات في هذا كثيرة جدًّا.
إغلاق باب الرجاء بالله تعالى بالكلية، والاقتصار على الخوف، واعتقاد أن هذا هو المطلوب، بل يظن أن هذه هي الخشية المطلوبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ت 728 هـ]: ” الخشية لا تكون ممن قطع بأنه معذب فإن هذا قطع بالعذاب يكون معه القنوط واليأس والإبلاس، ليس هذا خشية
وخوفًا، وإنما يكون الخشية والخوف مع رجاء السلامة
– نسيان قدرة الله تعالى عليه
– الاستماع للمقنّطين من رحمة الله عز وجل، وعدم الاستماع الى أهل الرجاء
– الجرأة على محارم الله عز وجل، والإصرار عليها، والتصميم على الإقامة على المعصية فهو من أكبر البواعث على القنوط من رحمة الله عز وجل إذ به ينقطع الطمع في رحمة الله تعالى، وينعدم الرجاء به.
عدم معرفة الكثير من الأسباب الجالبة لرحمة الله عز وجل، والوسائل الموصلة إلى فضله وإنعامه، والطرق المؤدية إلى بره وإحسانه فمن أغفل معرفة ذلك، ولم يحرص على تعلمه والبحث عنه استولى عليه القنوط.
يقول:
الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا! لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29]، لم يصفهم برجاء إلا بعد العمل الصالح