68 ، 69 ، 70 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه:
(11) ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا
68 – حدثنا محمد بن يوسف قال أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا
69 – حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة قال حدثني أبو التياح عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا
(12) باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة
70 – حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا
فوائد الأحاديث :
1 – قال ابن منظور- رحمه الله-:”الوعظ والعظة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب.
قال ابن سيدة: هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب”.
لسان العرب 7/466.
2- قوله (يتخولهم بالموعظة والعلم) عطف العلم على الموعظة من باب عطف العام على الخاص قاله الكرماني كما في الكواكب الدراري.
3- قوله (كي لا ينفروا) أي كي لا يسأموا فينفروا، وقالها ليجمع في هذه الترجمة بين حديثي الباب.
4- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الباب رواه البخاري ومسلم والترمذي.
5- فيه باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة. قاله البخاري في الباب الذي يليه، أي لا بأس بذلك لفعل الصحابي رضي الله عنه مما فهمه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- ومن أدلة ذلك أيضا ما ورد عن أبي سعيد الخدري، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا» فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله” متفق عليه
7- قال أبو الزناد – هو ابن سراج-: أراد (صلى الله عليه وسلم) الرفق بأمته ليأخذوا الأعمال بنشاط وحرص عليها، وقد وصفه الله بهذه الصفة، فقال: (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة: 128]. نقله ابن بطال في شرحه.
8- مراعاة حال المتعلمين وتجنب إملالهم، أو الاقتصاد في الموعظة كما قاله النووي – في شرحه على صحيح مسلم.
9- قوله (يتخولنا بالموعظة) أي يصلحنا ويقوم علينا بها. قاله ابن بطال في شرحه. وفيه الموعظة ساعة بعد ساعة قاله البخاري.
10- قال ابن الأثير في شرح الغريب كما في جامع الأصول ”
“أتخولكم “: التخول: التعهد للشيء وحفظه، قال الهروي: وقال أبو عمرو: الصواب «يتحولنا» بالحاء غير المعجمة، أي: يطلب أحوالنا التي ننشط للموعظة فيها، فيعظنا، قال الجوهري: وكان الأصمعي يقول «يتخوننا» بالنون، أي: يتعهدنا. السآمة: الضجر والملل.” انتهى. وابن حجر بعد أن نقل ما سبق قال : الصواب من حيث الرواية الأولى – يعني يتخولنا – وإذا ثبتت الرواية وصح المعنى بطل الإعتراض .
11- فيه ما كان عليه الصحابة من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على استعمال سننه على حسب معاينتهم لها منه، وتجنب مخالفته لعلمهم بما في موافقته من عظيم الأجر، وما في مخالفته من شديد الوعيد والزجر. قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
12- قوله (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وإذا قصد البخاري الرواية عن محمد بن يوسف البيكندي صرح به.وكلاهما من شيوخه.
13- قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري وأخرجه من طريقه الترمذي في سننه 2855 تابعه حفص بن غياث كما عند البخاري 6411 تابعه وكيع كما عند مسلم 2821 تابعه أبو معاوية كما عند مسلم 2821 تابعه عبد الله بن إدريس كما عند مسلم 2821 تابعه علي بن مسهر كما عند مسلم 2821 تابعه سفيان بن عيينة كما عند مسلم 2821 تابعه عيسى بن يونس كما عند مسلم 2821
14- قوله (عن الأعمش) وعند البخاري 6411 “حدثنا الأعمش”، تابعه منصور كما عند البخاري 70 في الباب التالي، ومسلم 2821
15- قوله (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة وعند البخاري 6411 ” حدثني شقيق” وعند الإمام أحمد 3581 ” سمعت شقيقا” وعند مسلم في رواية قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة، عن شقيق، عن عبد الله به وهذا من المزيد في متصل الأسانيد.
16- قوله (عن ابن مسعود) وعند الترمذي 5858 “عن عبد الله بن مسعود”.
17- وعند البخاري ومسلم من طريق منصور ” كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس”
18- وعند البخاري 6411 في رواية قال شقيق ” كنا ننتظر عبد الله – وعند أحمد من طريق ابن عيينة ” في المسجد” إذ جاء يزيد بن معاوية – هو النخعي- فقلنا ألا تجلس قال لا ولكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست فخرج عبد الله وهو آخذ بيده فقام علينا”.
19- فيه أن بعض الطلبة له دالة على الشيخ فيدخل عليه حيث يبقى غيره منتظرا. وعند البخاري فخرج “وهو آخذ بيده” تأكيد لإظهار محبته له.
20- وفيه صبر الطلبة وانتظارهم العالم رجاء الاستفادة من علمه وهديه.
21- وفي رواية عند مسلم من طريق منصور ” فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم”
22 – قال الحافظ في «فتح الباري لابن حجر» (١/ ١٦٣):
ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين:
إما كل يوم مع عدم التكلف وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط. اهــ
23 – قال ابن عبدالر في «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (١/ ١٩٤):
يحضهم صلى الله عليه وسلم على القليل الدائم ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها وأن الملل سبب إلى قطع العمل ومن هذا حديث ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ومنه قوله عليه السلام لا تشادوا الدين فإنه من يغالب الدين يغلبه الدين ومنه الحديث إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا يقطع أرضا ولا يبقي ظهرا وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وكان يصوم النهار ويقوم الليل لا تفعل فإنك إذا فعلت ذلك نفهت نفسك يعني أعيت وكلت يقال للمعي منفه ونافه وجمع نافه نفه كذلك فسره أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي عمرو قال وقال الأصمعي الايغال السير الشديد وأما الوغول فهو الدخول وقد جعل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الغلو في أعمال البر سيئة والتقصير سيئة فقال الحسنة بين سيئتين. اهــ
24 – في معنى أحاديث الباب ما روي عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة .
قال العلماء: وإنما كان كذلك، لأن الفقيه يعلم أن الصلاة مقصودة بالذات والخطبة توطئة لها، فيصرف العناية إلى ما هو الأهم، ولأن الصلاة عبودية العبد، والإطالة فيها مبالغة في العبودية، والخطبة المراد منها التذكير، وما قل وقر خير مما كثر وفر .
25- فيه رفق العالم بالطلبة كما في رواية في الصحيحين ” كراهية أن أملكم”.
26- أخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما وجاء عن مالك ما يشبه ذلك قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
27- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي في السنن الكبرى.
28- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف واليسر على الناس قاله البخاري في صحيحه.
29- قوله (ولا تعسروا) عطف على قوله (يسروا) والغرض التصريح بما لزم ضمنا للتأكيد. قاله الكرماني
30 – وذلك كما قال تبارك وتعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) الآية 185 من سورة البقرة
31 – قوله (وبشروا) وعند البخاري 6125 ومسلم ” وسكنوا” وهو ضد التنفير ، وهو من رباعيات البخاري في الإسناد في هذا الموضع
32 – هذا الحديث من جوامع الكلم، لاشتماله على خير الدنيا والآخرة، لأن الدنيا دار الأعمال، والآخرة دار الجزاء، فأمر صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير، والإخبار بالسرور وتحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
33 – في الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وسعة رحمته والنهي عن التنفير بذكر التخويف أي من غير ضمه إلى التبشير قاله الكرماني.
34 – ” فيه الأمر للولاة بالرفق” قاله العيني في عمدة القارئ، ومنه الحديث ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم” رواه مسلم 1855 من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه
35 – وفيه تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه وكذا من تاب عن المعاصي يتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلا قليلا وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج فمتي يسرت على الداخل في الطاعة والمريد للدخول فيها سهل الدخول وكانت عاقبته غالبا التزايد منها ومتي عسرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها. قاله الكرماني في شرحه.
36 – قوله (وبشروا) بعد قوله (يسروا) فيه الجناس الخطي. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح، قلت عند حذف النقط يظهر ذلك جليا.
37 – وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى حين بعثهما إلى اليمن « يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا»
38 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة” علقه البخاري في صحيحه ووصله في الأدب المفرد 287 والإمام أحمد في مسنده 2107 من حديث ابن عباس وحسنه العلامة الألباني بالشواهد كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 881
39 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يستن به، فيفرض عليهم، وكان يحب ما خف على الناس من الفرائض» أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4867 والإمام أحمد في مسنده 24559 و25350 وابن خزيمة في صحيحه 2104 إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأصله في الصحيحين بدون موضع الشاهد
40 – قوله (يحيى بن سعيد) هو القطان تابعه معاذ العنبري عند مسلم 1734 تابعه محمد بن جعفر كما عند مسلم 1734 تابعه عبيد الله بن سعيد كما عند مسلم 1734
41 – قوله (حدثني أبو التياح) هو يزيد بن حميد الضبعي
42 – قوله (عن أنس بن مالك) وعند مسلم ” سمعت أنس بن مالك
43 – تنبيه : باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة شرحه ضمن الفوائد السابقة .
==================
44 – مقاصد الموعظة وحكمها:
1- إقامة حجة الله على خلقه: كما قال- تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: آية 165] .
2- الإعذار إلى الله- عز وجل- والخروج من عهدة التكليف: قال الله – تعالى في صالحي القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: آية 164] .
3- رجاء النفع للمأمور: كما قال- تعالى-: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: آية 55] .
4- رجاء ثواب الله- عز وجل -: إذ الدعوة باب عظيم من أبواب البر.
5- الخوف من عقاب الله- تبارك وتعالى -: إذ إن ترك الدعوة مؤذن بالعقوبة.
– انظر جامع العلوم والحكم لا بن رجب 2/255, وأضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي 2/176.
45 – أدب الموعظة:
1- التحلي بالتقوى وإخلاص النية:
قال- تعالى-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: آية 44] .
وقال- عز وجل-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: آية 2] .
2- العلم: فعلم الواعظ بما يقول هو الذي يجعل الموعظة نقية من إيراد الأحاديث الموضوعة، أو القصص المنبوذة، أو تحسين البدع، أو إضلال الناس.
قال الله- عز وجل-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: آية 108] .
وأن يكون عالما بحال المدعو، ولهذا لما بعث الرسول- صلى الله عليه وسلم- معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن قال: “إنك تأتي قوما من أهل الكتاب” الحديث.
3- لين الجانب، وبسط الوجه، والإحسان إلى الناس: فالناس يحبون لين الجانب.
4- الصبر والحلم: ومن مواعظ لقمان- عليه السلام- لابنه وهو يعظه” {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: آية17] .
5- التجمل والعناية بالمظهر بلا إسراف: فهذا- وإن لم يكن من الصفات التي تقوم عليها الخطابة- أمر يحسن العناية به
قال ابن حجر المكي -رحمه الله- : وهذا مما تستمال به القلوب؛ إذ لو سقط من أعينهم لأعرضوا عنه…
الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي 1/44
6- استعمال المداراة والبعد عن المداهنة:
قال ابن بطال-رحمه الله- “المداراة من أخلاق المؤمنين, وهي خفض الجناح للناس, وترك الإغلاظ لهم في القول, وذلك أقوى أسباب الألفة”.
7- أخذ الأهبة والاستعداد خصوصا إذا كان الواعظ في بداياته:
8- رباطة الجأش: وهذه الخصلة تولد مع الإنسان, ويكتسبها- أيضا- بالممارسة, والمران, والدربة, كما أنها تتقوى بموجبات الإيمان.
9- قوة الملاحظة: لأجل أن يدرك الواعظ أحوال المخاطبين حال إلقاء موعظته أهم مقبلون عليه فيسترسل في قوله, ويستمر في نهجه؟ أم هم معرضون عنه, فيتجه إلى ناحية أرى يراها أقرب إلى قلوبهم .
10- حضور البديهة: لأن الواعظ قد تمر به أحوال تجبره على العدول عن كلمة إلى أخرى؛ فقد يعد كلمة, وظن أنها تناسب هؤلاء القوم؛ فإذا رآهم, أو رأى بعضهم أدرك أنها لا تناسبهم.
وقد يقول كلاما فيخشى أن يفهم على غير ما أراد وهكذا …
وهذه الخصلة تكتسب بالتجارب, والنظر, والمراس.
جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» (٤٤/ ٨٢):
آداب الواعظ:
من آداب الواعظ والعالم والمعلم ونحوهم: أن يجتنب الأفعال والأقوال والتصرفات التي ظاهرها خلاف الصواب وإن كان محقا فيها، لأنه إذا فعل ذلك ترتب عليه مفاسد.
من جملتها: توهم كثير ممن يعلم ذلك منه أن هذا جائز على ظاهره بكل حال، وأن يصبح ذلك شرعا وأمرا معمولا به أبدا من غير تقييد بالمحمل الذي صحبه مقصورا.
ومنها: وقوع الناس في الواعظ بالتنقيص بكونه يباشر ما لا يجوز، فيطلقون ألسنتهم عليه وينفرون عنه.
ومنها: أن الناس يسيئون الظن به فينفروا عنه، وينفرون غيرهم عن أخذ العلم عنه، وتسقط رواياته وشهاداته، ويبطل العمل بفتواه، ويذهب ركون النفس إلى ما يقوله من العلوم، وذلك لانطلاق الألسنة فيه المقتضي عادة قلة الوثوق ممن كان كذلك …
11- مراعاة المدة الزمنية للموعظة .
12- التخول بالموعظة .
13- ترك الوعظ عند من لا يرغب: فعليه أن يحسن اختيار المكان والزمان
وعقد الخطيب البغدادي- رحمه الله- في كتابه الجامع بابا عنوانه: “باب كراهة التحديث لمن لا يبغيه وأن من ضياعه بذله لغير أهله.”
ثم ساق جملة من الآثار في هذا.
14- التجوز في الموعظة عند ملاحظة الملل والفتور:
أورد الخطيب في كتابه الجامع مسألة عنوانها “كراهة التحديث لمن عارضه الكسل والفتور.”
ثم قال-رحمه الله-: “حق الفائدة أن تساق إلى مبتغيها, ولا تعرض إلا على الراغب فيها؛ فإذا رأى المحدث بعض الفتور من المستمع فليسكت؛ فإن بعض الأدباء قال: نشاط القائل على قد فهم السامع.”
15ـ مراعاة حال الجو: فقد يكون شديد الحرارة، أو شديد البرودة.
فإذا اجتمع هذا إلى ثقل الموعظة وطولها قل الانتفاع.
فهذا يحمل الواعظ على أن يقتصد في كلامه خصوصا إذا كان الناس على غير موعد معه، أو كانوا قد أدوا الصلاة، ويرغبون في الخروج من المسجد.
16ـ معرفة النفوس، ومراعاة العقول: فذلك دليل على حسن التصرف، وسبب في القوة والتأثير؛ فيحسن بالواعظ أن يعرف بما للطوائف والبيئات من أحوال نفسية، ليلقي الموعظة بالثوب الملائم لهذه الأحوال .
17ـ تحسس الأدواء، والبداءة بالأهم فالمهم.
وهكذا كانت سيرة الأنبياء مع أقوامهم؛ فهم ـ عليهم السلام ـ ينظرون في أحوال أقوامهم، فيأمرونهم بالمعروف الذي أخلوا به، أو يحذرونهم من المنكر الذي وقعوا فيه.
18ـ الرفق في القول، واجتناب الكلمة الجافية.
قال تعالى في خطاب هارون وموسى ـ عليهما السلام ـ {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه43-44] .
19ـ نزاهة اللسان: ومما يدخل في ذلك تجنب الفحش، والبذاءة.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء”.
20ـ صرف الإنكار على غير معين:
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : “ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية” 3.
وقد بوب البخاري رحمه الله لهذا الحديث في “باب من لم يواجه الناس في العتاب”.
21ـ أن يوجه الواعظ الإنكار إلى نفسه تصريحا، وهو يعني السامع تلميحا .
ويشير إلى هذا الأدب قوله تعالى فيما يقصه عن رجل يدعو قومه إلى الإيمان بالله: {وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:22] .
22ـ مراعاة المشاعر: ، فمن المراعاة أن لا يكثر الواعظ من صيغة فعل الأمر ، وألا يكثر من لومهم، ونقدهم، وتقريعهم، وتحميلهم ما لا يطيقون.
ومن المراعاة للمشاعر أن يرفع الواعظ من قيمة السامعين، وأن يذكرهم بما عندهم من الخير؛ حتى تنشرح صدروهم لما يلقى عليهم.
ومن المراعاة للمشاعر أن يمهل الواعظ من فاتتهم الصلاة حتى يفرغوا من صلاتهم؛ حتى يتمكنوا من سماع الموعظة، ولئلا تختلط عليهم الصلاة، وذلك إذا كانت الموعظة تلقى بعد الصلاة المكتوبة.
ومما يستحسن في هذا أن يستأذن الواعظ الإمام بأن يخبر المأمومين بأن موعظة ستلقى بعد قليل؛ حتى يمكث الذين أدوا الصلاة، ريثما ينتهي الذين يلحقون.
وإذا رأى الواعظ أن يبدأ موعظته فليخفض صوته قدر المستطاع حتى لا يشوش على المصلين.
ومن مراعاة المشاعر تنزيل الناس منازلهم، فكل يعطى منزلته اللائقة به من الإجلال، والإكرام، والتوقير؛ فذلك أدعى لقبول الحق، والإذعان إليه.
ولقد اعتنت كتب السنة بهذا المعنى .
23ـ التثبت مما يقال، والنظر في جدوى نشره ؛
قال صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”. رواه مسلم
24ـ ألا يحرص على إبداء رأيه في كل أمر، وألا يقول كل ما يعلم: فاللائق بالواعظ أن ينظر في العواقب، وأن يراعي المصالح؛ فلا يحسن به أن يبدي رأيه في كل صغيرة وكبيرة، ولا يلزمه أن يتكلم بكل نازلة؛ لأنه ربما لم يتصور الأمر كما ينبغي، وربما أخطأ التقدير، وجانب الصواب، والعرب تقول في أمثالها: “الخطأ زاد العجول”.
25ـ التمهيد والتدرج في العرض: مثال ذلك أن يقصد الواعظ إلى أمر فيه مشقة، فيضع أمامه تمهيدا .
ومثال هذا ما سلكه التنزيل في التكليف بفريضة الصيام
26ـ براعة الأسلوب، ومراعاة مقتضيات الأحوال: قال يونس بن عبيد: “لو أمرنا بالجزع لصبرنا”
يشير إلى ثقل الموعظة على السمع، وجنوح النفس على مخالفتها.
ولكن صوغها بأسلوب رائع يجعلها خفيفة على السمع، سهلة النفوذ إلى القلب.
27ـ حسن الاستفتاح:
وقال أبو هلال العسكري ـ رحمه الله في كتابه الصناعتين، ص437.
“إذا كان الابتداء حسنا بديعا ومليحا ورشيقا كان داعية الاستماع لما يجيء بعده من الكلام.
ولهذا المعنى يقول الله ـ عز وجل ـ {ألم} و {حم} ، و {طس} ، و {كهيعص} .
فيقرع أسماعهم بشيء بديع ليس لهم بمثله عهد؛ ليكون ذلك داعية لهم إلى الاستماع لما بعده، والله أعلم بكتابه.
ولهذا جعل بعض الابتداءات بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} لأن النفوس تتشوق للثناء على الله؛ فهو داعية الاستماع”.
28ـ حسن الختام: فالخاتمة هي آخر ما يلقيه الواعظ من كلامه، ولها الأثر البالغ الباقي؛ إذ هي آخر ما يعلق بالنفس، وأكثر ما يتصل بالقلب.
فإن كان وقعها حسنا انسحب ذلك على الموعظة، وإلا ساء الأثر،وضاعت الغاية المنشودة.
ومما يحسن في الخاتمة أن يشتمل على جمال العبارة، وإصابة الغرض، وان تتضمن إيجازا لما ألقي، وأن تكون محركة للعاطفة.
29ـ التنويع في أساليب الخطاب: فمما يحسن فأحيانا يأتي بكلامه بصورة الاستفهام، وأخرى بصورة التقرير، وثالثة في صورة الطلب، ورابعة بإشارة، وخامسة بنداء، وهكذا …
ويحسن به ـ أيضا ـ أن يغير ولو قليلا ـ من نبرة صوته؛ ليكون ذلك مدعاة لتنشيط السامعين، وإيقاظ الغافلين.
30ـ الترسل في الكلام وإلقاؤه مفصلا دون إبطاء أو تعجيل واستعمال الألفاظ الظاهرة الدالة على المراد: :
فيحسن بالواعظ أن يكون مترسلا في كلامه، متمهلا في إلقائه
ويحسن بالواعظ أيضا ألا يبطئ في كلامه
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه.
أخرجه البخاري “3567”، ومسلم “2493”.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:( كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه ) .
قال ابن علان نقلا عن السخاوي في شرح الحديث: ” كلاما فصلا ” أي مفصولا بعضه من بعض لبيانه ووضوحه مع اختصاره، ثم قال: وحاصله أنه لا يلتبس معناه بمعنى غيره، ويحتمل أن يكون المراد: فاصلا بين الحق والباطل، أو مفصولا عن الباطل ومصونا عنه، فليس في كلامه باطل أصلا، والأول أنسب.
وقول عائشة رضي الله عنها: يفهمه كل من يسمعه أي ممن هو من أهل الفهم .
الموسوعة الكويتية
31ـ ملاحظة نبرة الصوت:
قال ابن جماعة رحمه الله في تذكرة السامع والمتكلم: “ألا يرفع صوته زائدا على قدر الحاجة، ولا يخفضه خفضا لا يحصل معه كمال الفائدة”.
وقال: “والأولى ألا يجاوز صوته مجلسه، ولا يقصر عن سماع الحاضرين؛ فإن حضر معهم ثقيل السمع فلا بأس بعلو صوته بقدر ما يسمعه”.
32ـ حسن الاستخدام للتكرار:.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بهذا الأسلوب، وربما أعاد الجملة ثلاث مرات إذا كان المقام يقتضي ذلك.
ولهذا عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: “باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه”.
وساق فيه عدة أحاديث، منها ما رواه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة”.
ومن الأساليب الملائمة في التكرار، أن يكون بعبارات مختلفة، وأساليب متنوعة، وأن يكون النظر فيه إلى المعنى من جوانب متعددة.
“قال محمد بن صبيح المعروف بالسماك لجاريته: كيف ترين ما أعظ الناس؟ قالت: هو حسن، إلا أنك تكرره.
قال: إنما أكرره؛ ليفهمه من لم يكن فهمه.
قالت: إلى أن يفهمه البطيء يثقل على سماع الذكي”.
قاله أبوإسحاق القيرواني في زهر الأداب1/196.
ومما يحسن التنبيه عليه أنه لا بأس بتكرار الموعظة الواحدة في أكثر من مكان؛ لأن الحاجة قد تقتضي ذلك، ولا يلزم الواعظ أن يأتي بموعظة جديدة في كل مكان.
بل عليه ألا يضيق ذرعا بإعادة ما يقول، أو تكراره للموعظة إذا ألقاها في أماكن متعددة، أو ألبسها ثيابا جديدة ملائمة.
33ـ توشيح الموعظة بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة: فيحسن بالموعظة أن تجمل بالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة؛ فالكتاب العزيز، والحديث الشريف هما الذروة في البلاغة، وفيهما اللفظ الجزل، والأسلوب الرائق، والسلامة من الخطأ.
كما أن لهما قوة في التأثير، ورنينا في الآذان، ورهبة في القلوب، وجمالا في الأنفس، وبهجة في المشاعر.
وفيهما فصل الخطاب، وقطع كل جواب، والرد على كل اعتراض.
34ـ سوق القصص الصحيحة المؤثرة: فالقصص تحمل في طياتها الدروس، والعبر، كما أنها سبيل التأسي، وطريق النظر في العواقب.
والقرآن الكريم حافل بالقصص التي وردت في مواضع متعددة، وفي سياقات مختلفة.
ومن تلك القصص قصص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ كقصة نوح، وإبراهيم، ويوسف، وموسى، وعيسى، وغيرهم.
35ـ توشية الموعظة بالحكم الرائعة، والأشعار الجميلة الرائقة:
فذلك مما تهتز له النفوس، ويحسن وقعه في الأسماع ، قال محمد بن سلام عن بعض أشياخه قال: “كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر”.
البيان والتبيين1/241.
36ـ صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة: فمن الأساليب الناجعة النافعة في الوعظ صوغ التشابيه البديعة، وضرب الأمثلة الرائعة.
وللتشبيه، والتمثيل أثر كبير في جعل الحقائق الخفية واضحة، والمعاني
الغريبة قريبة مألوفة.
وعلى هذا النحو تجري كثير من نصوص الوحيين.
قال الله تعالى في شأن المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المؤمنين وتآلفهم: “مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
37ـ الحرص على الإعراب، والبعد عن اللحن قدر المستطاع:
فالإعراب عماد الكلام، وجماله ووشيه؛
ولا يعني ذلك أن تصرف الهمة إلى الإعراب، أو أن يتكلف الإنسان ذلك أكثر من اللازم، أو ألا يلقي الواعظ موعظته إلا إذا كان متمكنا من الإعراب.
وإنما المقصود من ذلك السعي إلى الكمال قدر المستطاع.
38ـ التذكير بمآلات الأمور: فمن الطرق المجدية في الوعظ تذكير الناس بما يصير إليه المتقون من عزّ وسلامة، وما يلحق المجرمين من خزي ومهانة وندامة.
39ـ إعطاء الوسائل صورة ما تفضي إليه من الخير والشر: فهذا الأسلوب من الطرق الحكيمة في الحث على فعل الشيء، أو الزجر عنه.
ويشهد لذلك كثير من النصوص، منها قوله صلى الله عليه وسلم: “الدال على الخير كفاعله”.
أخرجه أحمد5/274، وقال الألباني في صحيح الجامع 33: صحيح، ورواه مسلم 1893 بلفظ: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله”.
40ـ قرن القول ببعض الإشارات الحسية التي تناسب المعنى:
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وشبك بين أصابعه.
41ـ توجيه السؤال للمخاطبين:
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بهذا الأسلوب كثيرا.
منها على سبيل الإجمال قوله صلى الله عليه وسلم:
“أتدرون أي شهر هذا؟ “.
وقوله: “أتدرون أي يوم هذا؟ ”
وقوله: “أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ “.
وقوله: “أتدرون ماذا قال ربكم”.
وقوله: “أتدرون أين تغرب الشمس؟ “.
42ـ استدعاء طلب البيان: وهذا الأسلوب قريب مما قبله.
وذلك أن يأتي الواعظ بالكلام على وجه الغموض يستدعي به طلب البيان،
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”.
فقال رجل: يا رسول الله! انصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟
قال: “تحجزه، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره”.
رواه البخاري 6952.
43ـ إثارة العواطف، ومخاطبة الوجدان: ذلك أن مرمى الإقناع في الوعظ ليس هو الإلزام والإفحام فحسب، وإنما مرماه حمل المخاطب على الإذعان، والتسليم بطوعه، وإرادته.
44ـ استعمال أسلوب النداء، ومناداة المخاطبين بما يحبون:
ولقد تكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن والسنة.
ومن ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران] .
والأمثلة من السنة على ذلك كثيرة، ومنها على سبيل الإيجاز ما يلي: قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “أيها الناس اربعوا على أنفسكم”.
رواه البخاري 6384.
وقال: “أيها الناس عليكم بالسكينة”.
رواه البخاري 1671.
وقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”.
رواه البخاري 5065.
ومن اللطف في الموعظة أن ينادي الواعظ من يعظهم بلقبهم الشريف، وأن ينعتهم بوصف شأنه أن يبعث صاحبه على قبول الموعظة.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل في كتاب دعوته إلى الإسلام بعظيم الروم.
صحيح البخاري 2940 و 4553.
45ـ الجمع بين الخوف والرجاء:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله ولا أن يقنط الناس من رحمته؛ لذا قال بعض السلف: وإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله، ولا يجرؤهم على معاصي الله”.
التوبة والاستغفار لابن تيمية، ص27ـ28، وانظر: الاستقامة لابن تيمية2/190.
46ـ مراعاة المصالح والمفاسد: فلا يكفي مجرد سرد النصوص، وتنزيلها على أحوال معينة، خصوصا عند الفتن واشتباه الأمور.
ولا يكفي إلقاء الكلمة دونما نظر في عواقبها، وما تحدثه من أثر.
بل لابد من الروية، والاستنارة بأقوال أهل العلم، واستشارة أهل الفقه والبصيرة، ولابد من النظر في المصالح والمفاسد.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: قوله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] مفهوم الآية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح ترك التذكير؛ خوف وقوع المنكر”.
فتح الرحيم الملك العلام، ص164.
47ـ تحديث الناس بما يعقلون:
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: “حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ “.أخرجه البخاري127.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”.أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: “من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله عقولهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده”.
قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر، ص74.
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (قَوْلُهُ بابُ مَن خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قوم) في ذكر فوائد أثر علي بن أبي طالب : وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة .
48ـ الاعتدال في الطرح، والحذر من المبالغة وتضخيم الأمور.
49ـ انشراح الصدر للنقد الهادف: وهذا مما يرفع قدره، ويرتقي بعلمه، ووعظه.
50ـ الإقبال على الله، وإحسان معاملته ـ عز وجل ـ
وقال ابن الجوزي رحمه الله: “وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص، وتحبه أو تأباه، وتذمه، أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه وبين الله ـ تعالى ـ فإنه يكفيه كل هم، ويدفع عنه كل شر.
وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده، وعاد حامده ذاما”
صيد الخاطر108ـ109.
وقال رحمه الله: “فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر؛ فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر”. صيد الخاطر108ـ109.
51ـ احتساب الأجر: فالواعظ الناصح المخلص يلقي الموعظة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، وربما كانت سببا لهداية ضال .
52ـ الحذر من الورع الخادع الكاذب: ومن ذلك أن يدع الداعي الوعظ؛ حذرا من أن يخالط قصده الرياء،
وما على الواعظ إلا أن يجاهد نفسه
53ـ الحذر من اليأس: فربما بذل الواعظ نصحه، وحرص على هداية الناس.
وبعد ذلك قد لا يرى نتيجة الوعظ.
فإذا لم تظهر النتائج عاجلا ظهرت آجلا، وإذا لم يذهب الشر كله خف وقعه، ولم يستطر شرره.
وربما لو ترك الوعظ والإرشاد لتمادى الغافلون.
54ـ أن يستشعر الواعظ أنه هو المقصود الأول من موعظته، وأنه مفتقر إلى الله ـ عز وجل ـ فذلك يدعوه إلى ربط القول بالعمل، ويردعه عن التمادي في الإعجاب، ويبعثه إلى الانطراح بين يدي الله ـ عز وجل ـ وسؤاله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين.
===
===
===
===