144 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الوضوء من صحيحه:
(11) باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه
144 – حدثنا آدم قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربوا
1- قوله (باب لا تستقبل القبلة ) أي الكعبة (بغائط أو بول ) أي ولا تستدبرها كما في الحديث الذي أورده، كقوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر) أراد تقيكم الحَرَّ والبَرْد قاله ابن قتيبة في المسائل والأجوبة.
2- قوله (إلا عند البناء جدار أو نحوه) يشير إلى حديث ابن عمر الذي سيذكره مباشرة في الباب التالي، وهو من الإشارات الخفية كأنه يقول لا داعي لإعادة الحديث هنا.
3- حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أخرجه الستة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
4- قوله (ولا يولها ظهره) وعند البخاري 394 ومسلم 264 من طريق ابن عيينة ” ولا تستدبروها”
5- زاد مسلم 264 من طريق ابن عيينة ” ببول ولا غائط”.قال القاسم بن سلام في غريب الحديث “هذا كثير جائز في الكلام أن يكون الشيء إذا طالت صحبته للشيء يسمى به كقولهم : ذهب إلى الغائط وإنما الغائط أصله المطمئن من الأرض”.
6- زاد البخاري 394 ومسلم 264 وأبو داود 9 والترمذي 8 من طريق ابن عيينة ” قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله ”
7- فيه تعظيم القبلة، قال الخطابي كما في أعلام الحديث ” صيانة جهة القبلة وكراهة ابتذالها في غير ما جعلت له، وإنما يستقبل الرجل القبلة عند الصلاة والدعاء ونحوهما من أمور البر والخير”
8- قوله (شرقوا أو غربوا) قال الخطابي كما في أعلام الحديث” إنما هو خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت، فأما من كانت قبلته إلى جهة المغرب أو المشرق فإنه لا يشرق ولا يغرب.” وقال الكرماني في الكواكب الدراري ” هذا الأسلوب من الكلام أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب”.
9- وفي فتاوى ابن تيمية:
20-سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {غَرِّبُوا وَلَا تُشَرِّقُوا} وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: {شَرِّقُوا وَلَا تُغَرِّبُوا}؟.
فَأَجَابَ: الْحَدِيثَانِ كَذِبٌ وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطِ وَلَا بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا}. وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ} وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ كَأَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْعِرَاقِ وَأَمَّا مِصْرُ فَقِبْلَتُهُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبِ مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مجموع الفتاوى 21/ 105).لشيخ الإسلام رحمه الله.
10 – عن عمرو بن يحيى، عن أبي زيدٍ عن مَعقِل بن أبي مَعقِل الأسديِّ، قال: نهى رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم- أن نَستَقبِلَ القِبلَتَينِ ببَولٍ أو غائِط اخرجه أبو داود 10 وابن ماجه 319 إسناده ضعيف فيه أبو زيد مجهول قال الألباني حديث منكر وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح لأن فيه راويا مجهول الحال وقال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس
11 -وفيه دليل على جواز استقبال النيّرين واستدبارهما، خلافًا لمن قال بكراهة ذلك.
قاله صاحب شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية»
12 – قال ابن العثيمين في التعليق على البخاري:
ويستفاد من هذا الحديث أيضا أن الانحراف اليسير عن القبلة في الصلاة لا يعد مبطلا للصلاة، وجهه أن قوله : ( شرقوا أو غربوا ) معناه أنه يجعل القبلة عن أيمانكم أوعن شمائلكم , وهذا يدل على أن الإنسان لو جعلها وسطا بين هذا وهذا لم يكن قد امتثل أمر النبي صلّى الله عليه وسلم .
ويؤيد هذا قوله صلّى الله عليه وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ).
13- عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال : قيل له : قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ؟ قال : فقال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول …رواه مسلم 262
14- عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) رواه مسلم 265
15- عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة» وأنا أول من حدث الناس بذلك رواه ابن ماجه 317 والإمام أحمد في مسنده 17700 و17701 و17715 والطحاوي في شرح معاني الآثار 6579 وأورده الضياء في المختارة 198 وصححه العلامة الألباني، وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 567 وقال صحيح على شرط مسلم.
16- عن واسع بن حبان قال كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى القبلة فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي فقال عبد الله : يقول ناس : إذا قعدت للحاجة تكون لك فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس قال عبد الله : (ولقد رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته ) رواه مسلم 266
17- عن جابر بن عبد الله، قال: نهى نبيُّ الله – صلى الله عليه وسلم – أن نَستَقبِلَ القِبلَةَ ببولٍ، فرأيتُه قبلَ أن يُقبَضَ بعامٍ يَستَقبِلُها رواه أبو داود في سننه 13 والترمذي 9 وابن ماجه 325 والإمام أحمد في مسنده 14872 وابن الجارود في المنتقى 31 وابن خزيمة في صحيحه 58 والطحاوي في شرح معاني الآثار 6597 وابن حبان في صحيحه 1420
وفيه محمد بن إسحق وقد صرح بالتحديث عند الإمام أحمد وغيره فانتفت شبهة تدليسه، وقال الترمذي حسن غريب وحسنه الألباني. وهو في الصحيح المسند 239 .
18- عن مروان الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا، فقال: «بلى إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس». أخرجه أبو داود في سننه 11 وابن الجارود في المنتقى 32 وابن خزيمة في صحيحه 60 والدارقطني في سننه 161 وقال هذا صحيح كلهم ثقات، وأخرجه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه 84 وأخرجه الحاكم في المستدرك 552، قلت فيه الحسن بن ذكوان قال الحافظ في تقريب التهذيب “صدوق يخطئ وكان يدلس”، وحسنه الألباني كما في صحيح أبي داود، وقال الحاكم ” هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان، ولم يخرجاه “. وله شاهد عن جابر ” صحيح على شرط مسلم “،
قلت والحسن بن ذكوان مختلف فيه ، ولم يرو له البخاري سوى حديث واحد وله شواهد كثيرة أفاده الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، ولا أدري لماذا تسامح في تدليس الحسن بن ذكوان الذين أثبتوا الحديث، فلم أجده قد صرح بالتحديث فيما اطلعت عليه.
19 -مسألة استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة:
وحاصل ما للعلماء في ذلك أربعة مذاهب:
أحدها: المنع المطلق في البنيان والصحراء، وهو قول أبي أيوب الأنصاري راوي الحديث وجماعة منهم: أحمد في رواية، وحكاه ابن التين في “شرحه” عن أبي حنيفة، وهؤلاء حملوا النهي على العموم، وجعلوا العلة فيه التعظيم والاحترام للقبلة، فإن موضعها الصلاة والدعاء ونحوهما من أمور البر والخير، وهو معنى مناسب ورد النهي على وفقه فيكون علة له .
وقد روي: في حديث ضعيف التعليل به، فلا فرق فيه بين البنيان والصحراء، ولو كان الحائل كافيا في جوازه في البنيان لكان في الصحراء من الجبال والأودية ما هو أكفى ، وورد من قول الشعبي أنه علل ذلك بأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وينبني على العلتين ما إذا كان بالصحراء وتستر بشيء.
المذهب الثاني: أنهما جائزان مطلقا، وهو قول عروة بن الزبير، وربيعة الرأي، وداود .
ورأى هؤلاء أن حديث أبي أيوب منسوخ، وزعموا أن ناسخه حديث مجاهد، عن جابر. نهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نستقبل القبلة أو نستدبرها ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها ، حسنه الترمذي مع الغرابة، وصححه البخاري وغيره،واستدلالهم بالنسخ ضعيف ؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع وهو ممكن كما ستعلمه.
المذهب الثالث: أنه لا يجوز الاستقبال فيهما، ويجوز الاستدبار فيهما، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، ويرده حديث أبي أيوب هذا .
الرابع: وهو قول الجمهور، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء دون البنيان، وهو مروي عن العباس وابن عمر ، ورأى هؤلاء الجمع بين الأحاديث ورد النسخ، إذ لا يصار إليه إلا بالتصريح به أو بمعرفة تاريخه، والجمع ولو من وجه أولى إذ في تركه إلغاء للبعض، واستدلوا بحديث ابن عمر الآتي على الأثر وبأحاديث أخر، ولما في المنع في البنيان من المشقة والتكلف لترك القبلة بخلاف الصحراء، ويتعلق بالمسألة فروع محل الخوض فيها كتب الفروع وقدبسطناها فيها، فلا حاجة إلى التطويل بها؛ لئلا نخرج عن موضوع الشرح.
وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “شرقوا أو غربوا” هو خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم كأهل الشام واليمن وغيرهم ممن قبلته على هذا السمت، فأما من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب، فإنه يتيامن أو يتشأم.
قال الداودي: واحتج قوم في أمر القبلة بهذا الحديث وقالوا: إن ما بين المشرق والمغرب مما يحاذي الكعبة أنه يصلي (إليه) من جهتين ولا يشرق ولا يغرب، وقد أسلفنا أن الحديث ليس مطلقا بل محمول على قوم، واستنبط ابن التين من الحديث منع استقبال النيرين في حالة الغائط والبول وقال: إن الحديث يدل له. وكأنه قاسه على استقبال القبلة وليس الإلحاق بظاهر.
قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح
20 – قال الإمام الترمذي في سننه قال أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها»، إنما هذا في الفيافي، فأما في الكنف المبنية له رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق – أي ابن راهويه-.انتهى قلت : وهو القول الذي تجتمع به الأدلة.
21 – اختلف في حكم استقبال القبلة واستدبارها على أقوال وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/234 أحاديث في الباب ثم قال فكانت هذه الآثار – قصد التي فيها الإباحة في قضاء الحاجة في البنيان-حجة لأهل هذه المقالة، على أهل المقالة الأولى، وموجبة الحجة عليهم لأن في هذه الآثار تأخير الإباحة عن النهي، على ما ذكرنا في حديث جابر، فهي ناسخة للآثار التي ذكرناها في أول هذا الباب. وقد خالف قوم في القولين جميعا , فقالوا: بل نقول: إن هذه الآثار كلها لا ينسخ شيء منها شيئا. وذلك أن عبد الله بن الحارث أخبر في حديثه , أنه أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك. قال: وأنا أول من حدث الناس بذلك. فقد يجوز أن يكون ذلك النهي لم يقع على البول والغائط في جميع الأماكن , ووقع على خاص منها , وهي الصحارى. ثم جاء أبو أيوب , فكانت حكايته عن النبي صلى الله عليه وسلم هي النهي خاصة , فذلك يحتمل ما احتمله حديث ابن جزء على ما فسرناه ,وكراهة الاستقبال في (الكراييس ) المذكور فيه , فهو عن رأيه , ولم يحكه عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد يجوز الاستقبال إلى أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع , فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به الصحارى , ثم حكم هو للبيوت برأيه بمثل ذلك. ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد البيوت والصحارى , إلا أنه ليس في ذلك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أنه أراد أحد المعنيين دون الآخر. وحديث عبد الرحمن بن يزيد , عن سلمان , وحديث معقل بن أبي معقل وحديث أبي هريرة , مما فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم فمثل ذلك أيضا. ثم عدنا إلى ما رويناه في الإباحة , فإذا ابن عمر يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت مستقبل القبلة. فاحتمل أن يكون ذلك على إباحته لاستدبار القبلة للغائط أو البول في الصحارى والبيوت. واحتمل أن يكون ذلك على الإباحة لذلك في البيوت خاصة فكان أراد به، فيما روي عنه في النهي على الصحارى خاصة. فأولى بنا أن نجعل هذا الحديث زائدا على الأحاديث الأول , غير مخالف لها , فيكون هذا على البيوت , وتلك الأحاديث الأول على الصحارى , وهذا قول مالك بن أنس حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب أنه سمع مالكا يقول ذلك 6599 …….. فلما كان حكم هذه الآثار كذلك، كان أولى بنا أن نصححها كلها. فنجعل ما فيه النهي منها على الصحارى، وما فيه الإباحة على البيوت، حتى لا تضاد منها شيء.
22 – دليل من قال بالتفصيل ففرق بين الصحراء والبنيان.
الدليل الأول:
حملوا حديث أبي أيوب الأنصاري: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. متفق عليه، صحيح البخاري (394)، ومسلم (264).
ومثله حديث سلمان وابن مسعود وأبي هريرة حملوا هذه الأحاديث على الصحراء.
وحملوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. الحديث. متفق عليه، صحيح البخاري (148)، ومسلم (266).
على جواز استدبار القبلة إذا كان ذلك في البنيان.
وحملوا حديث جابر رضي الله عنه: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد نهانا عن أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء، قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة. رواه أحمد في المسند (3/ 360).
حملوا هذا الحديث على جواز الاستقبال إذا كان هناك ساتر من جدار أو غيره، مع أن حديث جابر ليس فيه ذكر الساتر، لكن قالوا: هو المعهود من حاله – صلى الله عليه وسلم – لمبالغته في التستر حال قضاء الحاجة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (ح 144): دل حديث ابن عمر على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط، ولا يلحق به الاستقبال قياساً؛ لأنه لا يصح إلحاقه به، لكونه فوقه.
الدليل الثاني:
من النظر، قالوا: إن التكريم وإن كان لجهة القبلة، فإن التفريق بين البنيان والصحراء له حظ من النظر، وذلك أن الأمكنة المعدة لقضاء الحاجة تكون مأوى للشياطين، فليست صالحة لكونها قبلة؛ ولأن الحديث يقول: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة. وحقيقة الغائط: هو المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، فلا يدخل فيه البنيان أصلاً، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازاً، فيختص النهي به؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة. قال الحافظ: وهذا الجواب للإسماعيلي، وهو أقواها.
وقالوا أيضاً: إن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية، فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفاً. انظر: الفتح (ح 144).
23 -قال ابن خزيمة :
باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول بلفظ عام مراده خاص. وذكر حديث أبي أيوب
ثم بوب
بابُ ذِكْرِ خَبَرٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الرُّخْصَةِ فِي البَوْلِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ «بَعْدَ نَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْهُ مُجْمَلًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ، قَدْ يَحْسَبُ مَن لَمْ يَتَبَحَّرْ فِي العِلْمِ أنَّ البَوْلَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ جائِزٌ لِكُلِّ بائِلٍ، وفِي أيِّ مَوْضِعٍ كانَ، ويَتَوَهَّمُ مَن لا يَفْهَمُ العِلْمَ، ولا يُمَيِّزُ بَيْنَ المُفَسَّرِ والمُجْمَلِ أنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذا ناسِخٌ لِنَهْيِهِ عَنِ البَوْلِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ»
وذكر حديث جابر
ثم بوب: بابُ ذِكْرِ الخَبَرَ المُفَسِّرِ لِلْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُما فِي البابَيْنِ المُتَقَدِّمَيْنِ «والدَّلِيلِ عَلى أنَّ النَّبِيِّ ﷺ إنَّما نَهى عَنِ اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ واسْتِدْبارِها عِنْدَ الغائِطِ والبَوْلِ فِي الصَّحارِي، والمَواضِعِ اللَّواتِي لا سُتْرَةَ فِيها، وأنَّ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ فِي الكُنِفِ والمَواضِعِ الَّتِي فِيها بَيْنَ المُتَغَوِّطِ والبائِلِ وبَيْنَ القِبْلَةِ حائِطٌ أوْ سُتْرَةٌ»
وذكر حديث ابن عمر حين ارتقى بيت حفصة وكذلك ذكر قول ابن عمر : فإذا كانَ بَيْنَكَ وبَيْنَ القِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلا بَأْسَ
24- وﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ: ﻭﺃﺻﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺭﻱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻇﺎﻫﺮ ﻧﻬﻲ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺧﺼﺘﻪ ﺍﻟﺴﻨﺔ, ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﺧﺼﺘﻪ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﻲ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻣﺘﻀﺎﺩﺓ ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺀﺕ ﺟﻤﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻨﻬﻲ, ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﺍﻹﺑﺎﺣﺔ, ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻄﺮﺡ ﻣﺎ ﺿﺎﺩﻫﺎ,… ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻬﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﻂ ﻭﺍﻟﺒﻮﻝ ﻧﻬﻴﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻞ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻣﺴﺘﺪﺑﺮﺍ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ, ﻛﺎﻥ ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﻲ.
(المرجع): ﺍﻷﻭﺳﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺍﻹﺟﻤﺎﻉ ﻭﺍﻻﺧﺘﻼﻑ]
25- وقال ابن الجوزي: وقد ظن جماعة نسخ حديث أبي أيوب الأنصاري المتقدم في الفقرة المتقدمة بحديث جابر بن عبدالله المذكور آنفاً وليس كذلك، بل الأول محمول على من كان في الصحراء، والثاني على من كان في البنيان.
(أخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ )
26- * جواب اللجنه الدائمة ، قالوا:
أولاً:( الصحيح من أقوال العلماء: أنه يحرم استقبال القبلة -الكعبة- واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط، وأنه يجوز ذلك في البنيان، وفيما إذا بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها، أو خلفه في استدبارها؛ كرحل، أو شجرة، أو جبل أو نحو ذلك، وهو قول كثير من أهل العلم؛… ) ونقلوا الأحاديث الدالة على ذلك ، ومما نقلوا ما
روى أبو داود والحاكم، أن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن: أليس قد نهي عن ذلك؟ قال: إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ، وسكت عنه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ): إسناده حسن، وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها .
وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم؛ جمعًا بين الأدلة، بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر، وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة؛ ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني وكنفها.
ثانيًا: إذا كان هناك مخططات لمبان لم تنفذ، وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها؛ حتى لا يكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها؛ خروجًا من الخلاف في ذلك، وإذا لم تعدل فلا إثم؛ لما تقدم من الأحاديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
27 – قال الإتيوبي رحمه الله في ذخيرة العقبى (1/ 466) قال الجامع عفا الله تعالى عنه:
المذهب الراجح عندي مذهب من قال بالتفريق بين البنيان والصحراء، لأن به تجتمع الأدلة المختلفة في الباب، وأما دعوى بعضهم أن أدلة الإباحة فعل، فلا تُعارض القول، فغير صحيح، لأن الفعل كالقول، إلا إذا كان خصوصية، ولا دليل للخصوصية هنا، فتبصر، والله أعلم.
28 – قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 304):
من العلماء من يرى أن الألفاظ لا تخصص بالأفعال، وأننا نحن مطالبون بتنفيذ السنة القولية، أما السنة الفعلية فلا؛ لأن السنة الفعلية تحتمل الخصوصية وتحتمل الحاجة؛ أي: أنه فعل ذلك لحاجة، وتحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله بسبب آخر، وهو لم يعلنه على الناس، هو في بيت حفصة مستدبر الكعبة لم يعلنه فلا يمكن أن نخصص به اللفظ العام، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، ومنهم الشوكاني في شرح المنتقى، ولكن الصحيح: أن السنة القولية تخصصها السنة الفعلية؛ لأن الكل حق، واحتمال الخصوصية غير وارد، واحتمال النسيان غير وارد، واحتمال سبب آخر غير وارد؛ لأن الأصل التشريع في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، ثم إنه لا حاجة إلى أن نقول بتقديم القول إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن، فإذا كان ممكنا وجب العمل بالحديثين جميعا؛ لأنك لو قلت: هذا الفعل لا يخصص ألغيت سنة، ولو قلت: هذا الفعل يخصص إذا كان في البنيان لم تلغ سنة؛ إذن القول الراجح: أن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخصص لعموم حديث أبي أيوب. انتهى
29 -قال النجمي:
وأقربها إلى الحق المنع في الصحاري والجواز في البنيان و يرجحه أنه تفسير الصحابي راوي الحديث فيما رواه عنه مروان الأصفر.
تأسيس الأحكام في شرح عمدة الأحكام
30 – قال الراجحي:
والصواب الذي تدل عليه أحاديث الباب أنه لا بأس باستقبال القبلة، أو استدبارها في البنيان؛ جمعًا بين هذا الحديث وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ))، وكان هذا في البنيان، أما في الصحراء فهو ممنوع؛ ولهذا بوب البخاري في صحيحه باب: لا تُستقبل القبلة بغائط، أو بول، إلا عند البناء، جدار، أو نحوه؛ وعلى هذا فأصح الأقوال: جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان، وأنه لايجوز استقبال القبلة، أو استدبارها في الصحراء
[«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (1/ 479)]
31- بينما ذهب ابن تيمية إلى المنع مطلقا
قَالَ ابن سحمان رَحِمَهُ اللهُ:
وَعِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ لَيْسَ بِجَائِزٍ … (14) …
وَلَوْ مِنْ وَرَا مَا حَالَ فَاحْظُرْ وَشَدِّد
فَكَمْ بَيْنَ بَيْتِ اللهِ مِنْ رُكْنِ شَامِخِ … (15) …
وَأَسْوَارِ حِيطَانٍ وَبَيْتٍ مُعَمَّد
فَلِلْجِهَةِ التَّحْرِيمُ يَا صَاحِ فَاعْلَمَنْ … (16) …
فَخُذْ نَصَّ تَسْرِيحٍ صَحِيحٍ مُؤَيَّدِ
وَإِنْ ذَكَرُوا يَوْمًا حَدِيثًا مُجَوِّزَا … (17) …
لِذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ غَيْرَ مُفْنَّد
فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْحَبْرُ أَنَّهَا … (18) …
قَضِيَّةُ عَيْنٍ خُصِّصَتْ بِمُحَمَّدِ
نظم ابن سحمان في اختيارات شيخ الاسلام
32 -وكذلك الألباني والشوكاني للتحريم مطلقا ولو في البنيان
قال الشوكاني :و الإنصاف الحكم بالمنع مطلقا و الجزم بالتحريم حتى ينتهض دليل يصلح للنسخ أو التخصيص أو المعارضة .
والألباني ذكر أنه ما دام التفل تجاه القبلة منهي عنه فالتغوط والتبول من باب أولى .
33 – قوله (حدثنا ابن أبي ذئب) تابعه سفيان بن عيينة كما عند البخاري 394 ومسلم 264 وأبو داود 9 والترمذي 8 والنسائي في السنن الصغرى 21 تابعه معمر كما عند النسائي في السنن الصغرى 22 تابعه يونس كما عند ابن ماجه 318
34- قوله ( عن عطاء بن يزيد الليثي) وعند الحميدي في مسنده 382 عن سفيان بن عيينة ” أخبرني عطاء بن يزيد الليثي” تابعه رافع بن إسحاق أخرجه النسائي في السنن الصغرى 20 والإمامان مالك في الموطأ 454 وأحمد في المسند 23514 و 23519 و 23559 ” ورافع وثقه النسائي وغير واحد وقال الألباني سنده صحيح، تابعه عمر بن ثابت أخرجه الدارقطني في سننه 170 قال الألباني سنده صحيح.
35 – قوله (عن أبي أيوب الأنصاري) وعند البخاري معلقا 394 ” سمعت أبا أيوب” ووصله ابن ماجه من طريق يونس 318
والإمام أحمد في مسنده 23579 عن ابن عيينة.