100 – رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه:
باب كيف يقبض العلم
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك يعني حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله ذهاب العلماء
100 – حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا قال الفربري حدثنا عباس قال حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن هشام نحوه
فوائد الباب:
1- قوله (باب كيف يقبض العلم) وبوب النسائي في الكبرى (باب كيف يرفع العلم).
2- حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى.
3- فيه اكتتاب العلم قاله الإمام مالك في الموطأ.
4- فيه باب من رخص في كتابة العلم وأحسبه حين أمن من اختلاطه بكتاب الله جل ثناؤه قاله البيهقي في المدخل.
5- فيه الحث على حفظ العلم … وفيه التحذير من أسباب قبض العلم.. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
6- باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس {ولا تقف} لا تقل {ما ليس لك به علم} قاله البخاري وأقول وفي زماننا رأينا العجائب من ذلك مما تسبب في سفك الدماء وانتهاك الأعراض.
7- فيه اجتناب الرأي والقياس قاله ابن ماجه في سننه.
8- فيه ذم من يقدم على الفتوى بغير علم. قاله الحافظ في الفتح.
9- فيه التحذير (من) اتخاذ الجهال رؤوسا قاله الكرماني في الكواكب الدراري له. وعليك يا عبد الله الاجتهاد في معرفة علماء زمانك فتسألهم فيما أشكل عليك كما أمرك ربك فهم أهل الذكر.
10- فيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية قاله الحافظ في الفتح.
11- استدل به الجمهور خلافا للحنابلة على القول بخلو الزمان عن مجتهد قاله الكرماني وتعقب بحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. لكن مع وجودهم قد لا يسمع لهم إلا قليل في بعض الأزمان فيجتمع الدليلان والله أعلم.
12- قوله (كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم) وعند الدارمي من طريق يحيى بن حسان ” كتب عمر بن عبد العزيز، إلى أهل المدينة” وعند أبي نعيم في تاريخ أصبهان من طريق درهم بن مظاهر ” كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْآفَاقِ”.
13- قوله (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) وزاد الإمام مالك من طريق يحيى بن سعيد “أو سنته أو حديث عمر أو نحو هذا”. وفي رواية غير الموطأ ” عمرة بنت عبد الرحمن” بدلا من ” عمر” ولعله الأرجح.
14- قال الحافظ في تغليق التعليق ” وإنما خص عمرة دون غيرها بالذكر لِأَنَّهَا خَالَة أبي بكر بن حزم وَكَانَ أَبُو بكر عَاملا بِالْمَدِينَةِ لعمر بن عبد الْعَزِيز”. قلت وعمرة كانت تروي أحاديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
15- قوله (فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) فيه بيان أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم، بل هو العلم مع الكتاب العزيز.
16- “يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبويّ. وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ” قاله الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري. وفيه مشروعية كتابة العلم عند السلف المتقدمين وأصله حديث اكتبوا لأبي شاة ونحوه من الأحاديث كقول أبي هريرة في حق عبد الله بن عمرو إنه كان يكتب وقول على رضي الله عن الصحابة أجمعين “وما في هذه الصحيفة”.
17- فيه الحض على اتباع السنن وضبطها، إذ هي الحجة عند الاختلاف، وإليها يلجأ عند التنازع، فإذا عدمت السنن ساغ لأهل العلم النظر، والاجتهاد على الأصول قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
18- قوله (فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا) فيه التحذير من التحزب وتخصيص أفراد المتحزب بالعلم دون غيرهم من أبناء المسلمين كما كان يفعله طوائف من أهل البدع والفساد قديما، وكثير من الأحزاب حديثا.
19- قوله (إلى قوله ” ذهاب العلماء) قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ” وَهَذَا مشْعر بِأَن بَاقِي الْكَلَام مدرج من كَلَام البُخَارِيّ على كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز وَهَذَا يَقع لَهُ فِي الصَّحِيح كثيرا”. قلت وكل المصادر التي وقفت عليها في تخريج الأثر وقفت عند قوله (ذهاب العلماء).
20- وفيه : أنه ينبغي للعلماء نشر العلم وإذاعته قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري له.
21- فيه فضل العلماء وعلو شأنهم.
22- قوله (ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم) هو من كلام الإمام البخاري فيما يظهر كما قال الحافظ ابن حجر وفي كلام عمر بن عبد العزيز زيادة وهي قوله (أو سنة ماضية) كما عند البيهقي في المدخل والخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد وقريب منه الإمام مالك في الموطأ. وهو يعني سنة الخلفاء الراشدين والله أعلم.
23- أثر عمر بن عبد العزيز أخرجه أيضا الإمام مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن الشيباني والدارمي في سننه والمروزي في السنة والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى.
24- أخرج مسلم 2673 من طريق أبي الأسود عن عروة بن الزبير، قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو، مار بنا إلى الحج، فالقه فسائله، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا”
25- قوله ( لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ) وعند البخاري في خلق أفعال العباد “إنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ العِلْمَ انْتِزاعًا، أيْ يَنْتَزِعُهُ مِن صُدُورِ النّاسِ ولَكِنْ يَنْزِعُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَماءِ حَتّى إذا لَمْ يَبْقَ عالِمٌ ” وهو عين الإسناد هنا
26- عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تظهر الفتن، ويكثر الهرج، ويرفع العلم “، فلما سمع عمر – أي ابن الخطاب- أبا هريرة يقول: ” يرفع العلم “، قال عمر: ” أما إنه ليس ينزع من صدور العلماء، ولكن يذهب العلماء ” أخرجه الإمام أحمد في مسنده 10231 إسناده صحيح على شرط مسلم .قال الهيثمي قلت: هو في الصحيح غير قصة العلم.
27- هذا يحتمل أن يكون عند عمر مرفوعًا، فيكون شاهدًا قويًا لحديث عبد الله بن عمرو . قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
28- قوله (يقبض العلم بقبض العلماء) ومن طريق أبي الأسود ” ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم” كما عند البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
29- إنما يكون قبض العلم بتضييع التعلم فلا يوجد فيمن يبقى من يخلف من مضى قاله ابن بطال في شرحه.
30- قوله ( اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) ألا ترى أنه وصفهم بالجهل ، فلذلك جعلهم ضالين هو خلاف الذين قال فيهم : ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [ النساء : 83 ] ، وأمر بالرجوع إلى قولهم قاله ابن بطال.
31- قوله (حدثنا العلاء بن عبد الجبار) تابعه يحيى بن حسان كما عند الدارمي في سننه 505 تابعه عبد الله بن معاوية الجمحي كما عند المروزي في السنة96 تابعه درهم بن مظاهر كما عند أبي نعيم في تاريخ أصبهان 1/366 تابعه عفان وشيبان كما عند الخطيب في تقييد العلم ص 106
32- قوله (عن عبد الله بن دينار) تابعه يحيى بن سعيد الأنصاري كما عند الإمام مالك في الموطأ 936 والبيهقي في المدخل إلى السنن 782 والخطيب البغدادي في تقييد العلم ص 105.
33- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هذا الحي من الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِينَا أَبا الْيَسَرِ ، صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 7622 و7623 والبخاري في الأدب المفرد 187
34- قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية ” . ثم لم يزالوا – أي أهل البدع – بعد ذلك مقموعين، أذلة مدحورين، حتى كان الآن بآخره، حيث قلت الفقهاء، وقبض العلماء، ودعا إلى البدع دعاة الضلال، فشد ذلك طمع كل متعوذ في الإسلام، من أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق، ووجدوا فرصة للكلام، فجدوا في هدم الإسلام، وتعطيل ذي الجلال والإكرام، وإنكار صفاته، وتكذيب رسله، وإبطال وحيه إذ وجدوا فرصتهم، وأحسوا من الرعاع جهلا، ومن العلماء قلة، فنصبوا عندها الكفر للناس إماما يدعونهم إليه، وأظهروا لهم أغلوطات من المسائل، وعمايات من الكلام، يغالطون بها أهل الإسلام، ليوقعوا في قلوبهم الشك، ويلبسوا عليهم أمرهم، ويشككوهم في خالقهم، مقتدين بأئمتهم الأقدمين، الذين قالوا: {إن هذا إلا قول البشر} [المدثر: 25] و {إن هذا إلا اختلاق} [ص: 7] .
35- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فقال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»”. رواه مسلم 2531
36 – قال القرطبي في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (٦/ 705):
«ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. . . الحديث. وهو نص في أن رفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور، بل بموت العلماء وبقاء الجهال الذين يتعاطون مناصب العلماء في الفتيا والتعليم، يفتون بالجهل ويعلمونه، فينتشر الجهل ويظهر، وقد ظهر ذلك ووجد على نحو ما أخبر صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك دليلا من أدلة نبوته، وخصوصا في هذه الأزمان؛ إذ قد ولي المدارس والفتيا كثير من الجهال والصبيان وحُرمها أهل ذلك الشأن، غير أنه قد جاء في كتاب الترمذي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء ما يدلّ على أن الذي يرفع هو العمل.
قال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: هذا أوان يختلس فيه العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء. فقال زياد بن لبيد الأنصاري: وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؛ فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة.
هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم؟. قال: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء، فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا.
قال: هذا حديث حسن غريب، وقد خرجه النسائي من حديث جبير بن نفير أيضًا عن عوف بن مالك الأشجعي من طرق صحيحة.
وظاهر هذا الحديث أن الذي يرفع إنما هو العمل بالعلم، لا نفس العلم، وهذا بخلاف ما ظهر من حديث عبد الله بن عمرو، فإنَّه صريح في رفع العلم.
قلت: ولا تباعد فيهما، فإنَّه إذا ذهب العلم بموت العلماء، خلفهم الجهال، فأفتوا بالجهل، فعمل به، فذهب العلم والعمل، وإن كانت المصاحف والكتب بأيدي الناس، كما اتفق لأهل الكتابين من قبلنا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزياد على ما نص عليه النسائي: ثكلتك أمك زياد، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى وذلك أن علماءهم لما انقرضوا خلفهم جهالهم، فحرفوا الكتاب، وجهلوا المعاني، فعملوا بالجهل، وأفتوا به، فارتفع العلم والعمل، وبقيت أشخاص الكتب لا تغني شيئا. اهـ
37 – قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط» (٢/ 299):
«العلم قسمان: أحدهما: ما كان ثمرته في قلب الإنسان، وهو العلم بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله المقتضية لخشيته، ومهابته، وإجلاله، والخضوع له، ومحبته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، ونحو ذلك، فهذا هو العلم النافع، كما قال ابن مسعود: إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب، فرسخ فيه نفع.
وقال الحسن: العلم علمان: علم على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب، فذاك العلم النافع.
والقسم الثاني: العلم الذي على اللسان، وهو حجة الله كما في الحديث: «القرآن حجة لك أو عليك» ، فأول ما يرفع من العلم: العلم النافع، وهو العلم الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها، ويبقى علم اللسان حجة، فيتهاون الناس به، ولا يعملون بمقتضاه، لا حملته ولا غيرهم، ثم يذهب هذا العلم بذهاب حملته، فلا يبقى إلا القرآن في المصاحف، وليس ثم من يعلم معانيه، ولا حدوده، ولا أحكامه، ثم يسرى به في آخر الزمان، فلا يبقى في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية، وبعد ذلك تقوم الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» ، وقال: «لا تقوم الساعة وفي الأرض أحد يقول: الله الله» . اهـ
38 – قال ابن عثيمين في «شرح رياض الصالحين» (٥/ 454):
وفي هذا الحديث حث على طلب العلم لأن الرسول أخبرنا بهذا لأجل أن نتحاشى ونتدارك هذا الأمر ونطلب العلم وليس المعنى أنه أخبرنا لنستسلم فقط لا من أجل أن نحرص على طلب العلم حتى لا نصل إلى الحال التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم والإخبار بالواقع لا يعني إقراره يعني إذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء ليس معناه أنه يقره ويسمح فيه كما أخبر عليه الصلاة والسلام وأقسم قال لتركبن سنن من كان قبلكم يعني لتركبن طرق من كان قبلكم قالوا اليهود والنصارى قال نعم اليهود والنصارى فأخبر أن هذه الأمة سوف ترتكب ما كان عليه اليهود والنصارى إخبار تحذير لا إخبار تقرير وإباحة فيجب أن نعلم الفرق بين ما يخبر به الرسول مقررا له ومثبتا له وما يخبر به محذرا عنه اهـ
39 – تفصيل قبض العلم من كتب أشراط الساعة :
ومن أشراطها قبض العلم, وفشو الجهل، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)) .
وروى البخاري عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل, ويرفع العلم)) .
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقي الشح، ويكثر الهرج)) .
قال ابن بطال: (وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عياناً, فقد نقص العلم, وظهر الجهل, وألقي الشح في القلوب, وعمت الفتن, وكثر القتل) وعقب على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: (الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى بما يقابله إلا النادر, وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم, فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم, لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك) .
وقبض العلم يكون بقبض العلماء, ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) .
قال النووي: (هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه: أن يموت حملته, ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم, فيَضِلُّون ويُضِلِّون)
والمراد بالعلم هنا علم الكتاب والسنة وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام, فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وبذهابهم يذهب العلم وتموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل، وأما علم الدنيا فإنه في زيادة وليس هو المراد في الأحاديث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ((فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)). والعلماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم, ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الحق والهدى, فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه, بل يكون وبالاً على صاحبه، وقد جاء في رواية للبخاري ((وينقص العمل)) .
قال الإمام مؤرخ الإسلام الذهبي بعد ذكره لطائفة من العلماء: (وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل في أناس قليل ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل فحسبنا الله ونعم الوكيل) وإذا كان هذا في عصر الذهبي فما بالك بزمننا هذا؟ فإنه كلما بعد الزمان من عهد النبوة كلما قل العلم وكثر الجهل, فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم هذه الأمة ثم التابعين, ثم تابعيهم, وهم خير القرون كما قال صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم يلونهم)) .
ولا يزال العلم ينقص والجهل يكثر حتى لا يعرف الناس فرائض الإسلام, فقد روى حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة, ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية, وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله, فنحن نقولها. فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة, ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة, ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة, تنجيهم من النار ثلاثاً)) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((لينزعن القرآن من بين أظهركم يسري عليه ليلاً فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) .
قال ابن تيمية: (يسري به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف) .
وأعظم من هذا أن لا يذكر اسم الله تعالى في الأرض كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله)) .
قال ابن كثير: (في معنى هذا الحديث قولان:
أحدهما: أن معناه أن أحداً لا ينكر منكراً, ولا يزجر أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وعبر عن ذلك بقوله ((حتى لا يقال: الله الله))، كما … في حديث عبد الله بن عمرو ((فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً)) .
والقول الثاني: حتى لا يذكر الله في الأرض, ولا يعرف اسمه فيها, وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان”
40 – قوله ( حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) تابعه سويد بن سعيد كما عند ابن ماجه 52.
41 – قوله ( حدثني مالك) تابعه عبدة بن سليمان كما عند مسلم 2673 والترمذي 2652 تابعه جرير كما عند مسلم 2673 وكذا الزيادات على البخاري كما هنا تابعه جمع طيب كما عند مسلم وابن ماجه.
42 – قوله (عن هشام بن عروة) تابعه أبو الأسود كما عند البخاري 7307
43 – قوله (عن أبيه) أي عروة بن الزبير تابعه عمر بن الحكم كما عند مسلم في صحيحه 2673.
44 – قوله (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) وعند مسلم من طريق جرير ” سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص”، وعند البخاري من طريق أبي الأسود ” سمعته يقول”