124 – 125 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه
باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار
124 – حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة وهو يسأل فقال رجل يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال آخر يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال انحر ولا حرج فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
فوائد الباب:
1- قوله (باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار) السؤال إنما هو من جانب المستفتى والفتيا من جانب المفتي قاله الكرماني في الكواكب الدراري. وترجم النسائي في السنن الكبرى فقال باب الفتيا عند رمي الجمار ولم يذكر تحته حديثا
2- قوله (عند رمي الجمار) أي عند تلك البقعة لحاجة الناس لمعرفة مسائل الحج. فمنهم من كان قد رمى ومنهم من لم يرم بعد
3- تقدم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الباب الثالث والعشرين باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها وذكرنا تخريجه وبعض فوائده هناك.
4- ومعنى هذا الباب أنه يجوز أن يسأل العالم عن العلم ويجيب وهو مشتغل في طاعة الله، لأنه لا يترك الطاعة التي هو فيها إلا إلى طاعة أخرى. قاله ابن بطال وزاد الحافظ ابن حجر ما لم يكن مستغرقا فيها – أي في الطاعة-.
5- وأن الكلام في الرمي وغيره من المناسك جائز. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
6- وأن سؤال العالم على قارعة الطريق عما يحتاج إليه السائل لانقص فيه على العالم إذا أجاب، ولا لوم على السائل. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
7- قوله (عند الجمرة) أي جمرة العقبة يوم النحر.
8- قوله ( فما سئل عن شيء) أي من مناسك يوم النحر.
9- قوله ( افعل) وإن كان فعل أمر لكنه دال على رفع الحرج وليس على الاستحباب فضلا عن الوجوب لدلالة السياق.
10- قوله (ولا حرج) أي عليك.
11- فيه أن العالم يبذل العلم لمن يسأل قدر استطاعته، وتلمس مواضع حاجة الناس للسؤال فيتواجد فيها.
12- قوله (حدثنا أبو نعيم) بضم النون وفتح المهملة الفضل بن دكين
“””””””””””
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه
باب قول الله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
125 – حدثنا قيس بن حفص قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الأعمش سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسألنه فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت فقلت إنه يوحى إليه فقمت فلما انجلى عنه قال{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}وما أوتوا من العلم إلا قليلا قال الأعمش هكذا في قراءتنا
فوائد الباب:
1- قوله (باب قول الله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي فالزم التواضع أيها العالم فإن ما غاب عنك من العلم كثير، وما أتاك من العلم فمن نعمة الله عليك فلا تتشبه باليهود.
2- حديث ابن مسعود أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي في السنن الكبرى.
3- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} قَالُوا أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَأُنْزِلَتْ { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ } إِلَى آخِرِ الْآيَةَ . أخرجه الترمذي وقال
هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند 618 وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الألباني في صحيح الترمذي وصححه محققو المسند
4 – قال ابن كثير بعد ايراده حديث ابن مسعود:
وهَذا السِّياقُ يَقْتَضِي فِيما يَظْهَرُ بادِيَ الرَّأْيِ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وأنَّها إنَّما نَزَلَتْ حِينَ سَألَهُ اليَهُودُ، عَنْ ذَلِكَ بِالمَدِينَةِ، مَعَ أنَّ السُّورَةَ كُلَّها مَكِّيَّةٌ. وقَدْ يُجابُ عَنْ هَذا: بِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِالمَدِينَةِ مَرَّةً ثانِيَةً كَما نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، أوْ أنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ بِأنَّهُ يُجِيبُهُمْ عَمّا سَألُوا بِالآيَةِ المُتَقَدَّمِ إنْزالُها عَلَيْهِ، وهِيَ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ ومِمّا يَدُلُّ عَلى نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ بِمَكَّةَ ما قالَ الإمامُ أحْمَدُ:
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا، عَنْ داوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ: أعْطُونا شَيْئًا نَسْألُ عَنْهُ هَذا الرَّجُلَ …. الحديث
تفسير ابن كثير 5 /114
5- ذكر الخبر الدال على إباحة كتمان العالم بعض ما يعلم من العلم، إذا علم أن قلوب المستمعين له لا تحتمله قاله ابن حبان في صحيحه. وستأتي هذه الفائدة في الباب الذي يليه بإذن الله.
6- قال المهلب : هذا يدل على أن من العلم أشياء لم يطلع الله عليها نبيا ، ولا غيره ، أراد الله تعالى أن يختبر بها خلقه فيوقفهم على العجز عن علم ما لا يدركون حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه نقله ابن بطال في شرح صحيح البخاري وأضاف: ألا تسمع قوله تعالى : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ البقرة : 255 ] ، فعلم الروح مما لم يشأ تعالى أن يطلع عليه أحد من خلقه .
7- فيه الحذر من اليهود وأشباههم من أهل الزيغ والضلال الذين لا يزالون يلقون الشبه على أهل الحق.
8 – قوله ( بينا أنا أمشي) أي بينما وهي رواية من طريق حفص بن غياث عند مسلم.
9- قوله (وهو يتوكأ على عسيب) أي عصا من جريد النخل قاله القسطلاني في إرشاد الساري.
10- قوله ( في خرب المدينة) وعند البخاري من طريق عيسى بن يونس 7297 ” في حرث بالمدينة” وعند مسلم من طريق عبد الله بن مرة ” في نخل”.
11- قوله ( فمر بنفر من اليهود) وعند البخاري 7462 عن موسى بن إسماعيل وعند البخاري من طريق حفص بن غياث ” إذ مر اليهود”.
12- قوله (فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح) هذا أشبه بسؤال تعنت لا سؤال تعلم وعند البخاري 3141 من طريق عيسى بن يونس ” فقال بعضهم: لو سألتموه”.
13 – ينبغي في حق المسلم أن يسأل عما يحتاجه من أمور دينه .
فقد ورد التصريح بلفظ «يسألونك» في القرآن والإجابة عنها في ثلاثة عشر موضعًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت قومًا خيرًا من أصحاب محمد ﷺ، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة كلها في القرآن: يسألونك عن المحيض، يسألونك عن الشهر الحرام، يسألونك عن اليتامى.
وقد كان بعض المشركين أحيانًا يسألون رسول الله ﷺ بعض الأسئلة، كما في قصة ذي القرنين، وقصة اليهود لما سألوه عن الروح، وسأله اليهود أيضًا عن الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه، وعن وليه من الملائكة، فنزل قوله تعالى: من كان عدوًا لجبريل الآية من سورة البقرة
14 – قال السيوطي في «الإتقان» (٢/ ٣١٥) بعد أن ذكر أثر ابن عباس وعزاه للرازي بلفظ:أربعة عشر حرفًا، ثم ذكرها عنه تعدادًا، ثم بيّن أن اثنين منها -وهما السؤال عن الروح، والسؤال عن ذي القرنين- سألهما غير الصحابة
وراجع كتب علوم القرآن خاصة كتاب الإتقان للسيوطي
15 – قال ابن القيّم:
ومراد ابن عباس بقوله: «ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة» المسائل التي حكاها اللَّه في القرآن عنهم، وإلا فالمسائل التي سألوه عنها وبيّنَ لهم أحكامها بالسنة لا تكاد تحصى، ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدَّرات والأغلوطات وعُضَل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت همَمُهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم
أعلام الموقعين
وراجع كذلك الآداب الشرعية لابن مفلح
16 – وقد عقد الإمام ابن بطة في هذا الموضوع بابًا نافعًا في كتابه الإبانة وهو (باب ترك السؤال عما لا يعني البحث والتنقير عما لا يضر جهله والتحذير من قوم يتعمّقون في المسائل ويتعمّدون إدخال الشكوك على المسلمين).
أورد تحته جملة من النصوص والآثار
17 – تنبيه : أثر ابن عباس قال الهيثمي في الزوائد فيه عطاء اختلط .انتهى
ومحمد بن فضيل روى عنه بعد الاختلاط
18- قوله (وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه ) وعند البخاري 7297 من طريق عيسى بن يونس ” لا يسمعكم ما تكرهون” وعند البخاري 7456 من طريق وكيع ” لا تسألوه عن الروح”.
19- قوله (فقال بعضهم لنسألنه) أي هذا قول الذين غلبوا على أمرهم، وليس قول الذين غلبوا دائما صوابا.
20- قوله (فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح).
21- قوله (فسكت) وعند البخاري 4721 من طريق حفص بن غياث ” فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا” وعند البخاري 7297 من طريق عيسى بن يونس ” فقام ساعة ينظر” وعند الترمذي 3141 من طريق عيسى بن يونس” فقام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ورفع رأسه إلى السماء”.
22 – وعند البخاري 7456 من طريق وكيع ” فقام متوكئا على العسيب”
23 – قوله ( (فقلت إنه يوحى إليه فقمت) حتى لا أكون مشوّشًا عليه أو فقمت حائلاً بينه وبينهم قاله الحافظ ابن. حجر في الفتح.
24 – قوله (فلما انجلى عنه) أي انكشف عنه عليه الصلاة والسلام الكرب الذي كان يتغشاه حال الوحي قاله الحافظ ابن. حجر في الفتح.
25 – قوله ( فلما انجلى عنه قال{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} وما أوتوا من العلم إلا قليلا) وعند البخاري 7456 من طريق وكيع ” فظننت أنه يوحى إليه فقال { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }” وزاد ” فقال بعضهم لبعض قد قلنا لكم لا تسألوه” فيه أن اليهود كانوا يعلمون أن الروح من الغيب كما كانوا يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله.
26- قال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير: ” فَأَسْكَتَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ الْجَوَابِ عَنِ التَّطَاوِلِ، وَأَفْحَمَ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْكَلَامِ، وَرَدَّهُمْ إِلَى الْجَهْلِ، وَقِلَّةِ الْعِلْمِ فِيهِ”.
27 – قال ابن الملقن:
(الروح)، يذكر ويؤنث واختلف هل الروح والنفس واحد أم لا؟ والروح جاء في القرآن على معان. قال تعالى: {نزل به الروح الأمين (١٩٣)} [الشعراء: ١٩٣] وقال: {تنزل الملائكة والروح فيها} وقال: {روحا من أمرنا} وقال: {يوم يقوم الروح}.
قيل: وسؤالهم عن روح بني آدم؛ لأن في التوراة أنه لا يعلمه إلا الله، فقالوا: إن فسرها فليس بنبي؛ فلذلك لم يجبهم.
وقيل: علم الله أن الأصلح لهم أن لا يخبرهم ما هو؛ لأن اليهود قالوا: إن فسر الروح فليس بنبي، وهذا معنى قوله: لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، فقد جاءهم ذلك؛ لأن عندهم في التوراة كما ذكر لهم أنه من أمر الله لن يطلع عليه أحد.
أما روح ابن آدم فالكلام عليه مما يدق كما قال المازري ، وقد أفرد بتواليف، وأشهرها ما قاله الأشعري: إنه النفس الداخل والخارج.
وقال القاضي أبو بكر: هو متردد بين ما قاله الأشعري وبين الحياة.
وقيل: جسم مشارك الأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة. وقيل: جسم لطيف خلقه الباري تعالى، وأجرى العادة بأن الحياة لا تكون مع فقده، فإذا شاء الله موته أعدم هذا الجسم منه عند إعدام الحياة.
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (3/ 645)
28 – قال ابن العثيمين في التعليق على البخاري:
اختلف العلماء في المراد بقوله الروح هل المراد بها النفس التي بها حياة الأبدان ، أو المراد بها جبريل، لأن جبريل يوصف بأنه روح كما قال الله تعالى : (( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام )) وقوله : (( قل نزله روح القدس من ربك )) وقوله : (( نزل به الروح الأمين على قلبك )) وقيل المراد بالروح روح الحي ، وظاهر هذا السياق أن الروح جبريل لأن جبريل عدو لليهود يعادونه فيخشون إذا سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه أن يأتي بما يكرهونه من وصفه بصفات الكمال والثناء ، ولكن لا مانع أن يقال إن جبريل عليه الصلاة والسلام إذا كان لا يعلم وأنه من أمر الله فالروح التي هي أيضاً روح الحي ، لا تعلم لا أحد يعلمها ، (( قل الروح من أمر ربي )) ولهذا نقول إن الروح ليس مادتها من مادة البدن فلا هي لحم ولا عصب ولا هي عظام ولا طين ولا ماء ، جميع المواد لا تكون منها هي من أمر لا نعلمه ، وقد اضطرب فيها المتكلمون فقال بعضهم إن الروح هو الجسد وقال بعضهم هو الدم وقال بعضهم إنها جزء من أجزاء البدن ، وقال آخرون إن الروح شيء ليس داخل العالم ولا خارج العالم ولا متصل ولا منفصل ولا محايد ولا مباين ، فسبحان الله انقسموا فيها كما انقسموا في الصفات منهم من غلا في إثباتها وجعلها من جنس البدن ، ومنهم من غلا في نفيها وقال ليست من داخل العالم ولا خارجه أين تكون ؟ قال شيخ الإسلام رحمه الله : “وسبب اضطراب هؤلاء المتكلمين أنه ليس عندهم علم من الشرع وإنما يذهبون إلى هذه الأمور الغيبية بتحكيم عقولهم ولهذا اضطربوا وفسدت أقوالهم ” أما أهل السنة والجماعة فوصفوا الروح بما وصفها الله به ورسوله فقالوا إنما الروح من أمر الله ، ولا نعلم عن كيفيتها ولا حقيقتها ولا من أين خلقت ، الله أعلم .
ولكن نعلم أنها جسم ، جسم يرى وجسم يكفن كما جاء في الحديث أن الروح إذا قبض يتبعه البصر ، والبصر لا يتبع إلا شيئا يرى فهي مرئية ، وكذلك أيضاً جاء في الحديث أن الملائكة ينزلون إذا احتضر الإنسان ملائكة الرحمة لأهل الخير وملائكة العذاب لأهل الشر ، وأن معهم كفناً وحنوطاً ، فيأخذون هذه الروح ويكفنونها ، نعم بعد أن يقبضها ملك الموت فيأخذونها منه ثم يكفنونها في هذا الكفن وهذا الحنوط ويصعدون بها إلى السماء ، وهذا هو الصحيح أنها جسم لكنها ليست من جنس أجسام الأجساد بل هي من مادة أخرى الله أعلم بها .
وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول في أمور الغيب إلا ما جاء به الوحي
29 – قال السمعاني في تفسيره : وأصح الأقاويل : أن الروح ها هنا هو الروح الذي يحيا به الإنسان ، وعليه أكثر المفسرين .
30- قال البغوي رحمه الله في تفسيره : وقال قوم: هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان وهو الأصح.
31 – قال الحافظ في الفتح : وقال القرطبي الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان اهـ.
وقد رد الحافظ على ابن القيم برواية العوفي عن ابن عباس وهي رواية ضعيفة لا تصح.
والله تعالى أعلم
32 – وتمسك ابن القيم في أن الروح المسؤول عنه أنه ملك بأثر ابن عباس :
قال الطبري في تفسيره (17-544) : حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) قال: الروح: مَلك .
قال ابن القيم في “الروح” ص 151 :
وهذا بناء على أن المراد بالروح في الآية روح الإنسان
وفي ذلك خلاف بين السلف والخلف
وأكثر السلف بل كلهم على أن الروح المسئول عنها في الآية ليست أرواح بنى آدم
بل هو الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة وهو ملك عظيم
33- تنبيه :
أخرج عبد الرزاق في تفسيره 1617 – قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ , قُلِ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} , قَالَ: «هُوَ مَلَكٌ وَاحِدٌ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ جِنَاحٍ جَنَاحَانِ مِنْهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ , لَهُ أَلْفُ وَجْهٍ فِي كُلِّ وَجْهٍ أَلْفُ وَجْهٍ , وَلِكُلِّ وَجْهٍ أَلْفُ لِسَانٍ وَعَيْنَانِ وَشَفَتَانِ تُسَبِّحَانِ اللَّهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
والذي يظهر أن عطاء هو الخراساني كما شرحه الدارقطني في الإلزامات لأن ابن جريج حمل التفسير عن الخراساني إلا البقرة وآل عمران
34 – وفي جامع المسائل لابن تيمية رحمه الله (4/183):
مسألة
في روح ابن آدم إذا خرجتْ منه وإذا نزل في قبره، هل تَعُود إليه كما كانتْ في دار الدنيا أم لا؟ وقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ) هل هي روحُ ابن آدم أو روحُ الله؟ …..إلخ
أجاب
نعم، إذا وُضِع الميتُ في قبره فإن الروحَ تَعادُ إليه، ويُسأل عن ربه ودينه ونبيه، ويَسمَعُ الميتُ خَفْقَ نعالِ المشيِّعين إذا وَلَّوا عنه مُدبِرين، وما من رجل يَمُرُّ بقبر الرجل كان يَعرِفُه في الدنيا فيسلِّم عليه إلا ردَّ الله عليه روحَه حتى يَرُدَّ عليه السلام. ومع هذا فمُستَقَرُّ أرواحِ المؤمنين الجنةُ، لكن للروح شان آخر بعدَ الموت
ليس لها نظيرٌ في هذا العالم.
وأما المسيح فإنه يَنزِل على المنارةِ البيضاءِ شرقِيَّ دمشقَ، ويُدرِكُ الدجَّالَ فيقتلُه بباب لُدٍّ الشرقي، ويأمر الله تعالى بعدَ قتلِ الدجال أن يُحصن الناسَ إلى الطُّور، ويقال له: يا روحَ الله! تقدَّمْ، فصل بنا، فيقول: لا إن بعضَكم على بعضٍ أميرٌ ، فيُصلِّي بالمسلمين بعضُهم، ويتمُّ الصلاةَ ولا يموت فيها.
وأما الروح المسئول عنها فأكثرُ الناس على أنها روحُ ابن آدم، وهي وإن كانت من أمر اللهِ فهي موجودة مخلوقة باتفاق العلماء المعتبرين، والآدمي كلُّه عبدُ الله، جسمُه وروحه. اهـ.
35 – وقال رحمه الله في الفتاوى : (231/4) :
وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي الرُّوحِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا فِي ذَاتِهَا وَلَا فِي صِفَاتِهَا وَأَمَّا الْكَلَامُ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ…
36 – ردَّ الأئمة دعوى أن اختصاص عيسى عليه الصلاة والسلام بتسميته روحا واضافتها له سبحانه أن ذلك دليل على إلهيته:
قال البغوي في التفسير: وروح منه، هو روح كسائر الأرواح إلا أن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً.
37 – قوله (قال الأعمش هكذا في قراءتنا) أي أن الأعمش كان يقرؤها ” أوتوا” والمتواتر ” أوتيتم”.
38 – قوله ( حدثنا قيس بن حفص) تابعه موسى بن إسماعيل كما عند البخاري 7462 .
39 – قوله ( حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد ،تابعه حفص بن غياث كما عند البخاري 4721 ومسلم 2794 تابعه عيسى بن يونس كما عند البخاري 7297 ومسلم 2794 والترمذي 3141 والنسائي في السنن الكبرى 11235 تابعه وكيع كما عند البخاري 7456 ومسلم 2794 .
40 – عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: ” أَجْوَدُهَا – أي أصح الأسانيد الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ “. كما في مقدمة ابن الصلاح.
41 – قوله (حدثنا الأعمش سليمان). هو ابن مهران.
42 – قوله (عن إبراهيم) وعند البخاري 4721 ومسلم 2794″ حدثني إبراهيم”.
43- قوله (عن علقمة) تابعه مسروق كما عند مسلم 2794 وأشار البزار إلى غرابته عن ابن إدريس.
44 – قال الدارقطني في العلل له 861 ” فقال: يرويه عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله. وخالفه وكيع، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، فرووه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله.
وهو المشهور، ولعلهما صحيحان، وابن إدريس من الأثبات، ولم يتابع على هذا القول.
45 – قوله (عن عبد الله) وعند البخاري 7297 و7462 “عن ابن مسعود”