1130 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة.
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي ومشاركة رامي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
صحيح البخاري :
باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل حتى ترم قدماه
وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان يقوم حتى تفطر قدماه» والفطور: الشقوق {انفطرت} [الانفطار: 1]: انشقت ”
1130 – حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مسعر، عن زياد، قال: سمعت المغيرة رضي الله عنه، يقول: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه – أو ساقاه – فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا»
…………………………………………….
مشاركة أبي صالح حازم خلف:
فوائد الترجمة وحديثها المعلق:
1- حديث عائشة المعلق وصله البخاري في كتاب التفسير عند تفسير آية الفتح، وهو في مسلم أيضا .
2- قول البخاري في الترجمة (انفطرت) انشقت، قلت هو مقول الفراء في معاني القرآن .
3- استحباب طول القيام بالليل.
4- اﻷجر على قدر المشقة في صلاة الليل.
5- قوله في الترجمة (حتى ترم قدماه) بلفظ حديث الباب الموصول.
6- قول عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تشير لقوله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ، وقد نزلت مرجعه من الحديبية.
7- فيه تأسي نبينا صلى الله عليه وسلم بمن قبله من اﻷنبياء فقد وصف ربنا نوحا عليه السلام أنه كان عبدا شكورا.
8- قول البخاري في الترجمة (الفطور، الشقوق، وانفطرت، انشقت) يشير إلى منهجه في ربط شرح اﻷحاديث النبوية باﻵيات القرآنية ولو في المعاني اللغوية المحضة.
9- لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل، بل لما كثر عليه لحمه صلى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع. كما في حديث عائشة المذكور عند البخاري 4837.
فوائد الحديث :
10- حديث المغيرة متفق عليه
11- قوله ( حدثنا أبو نعيم) هو الفضل بن دكين، تابعه خلاد بن يحيى 6471 عند البخاري أيضا، وتابعهما وكيع كما في الزهد له 143 ومن طريقه الإمام أحمد في المسند 18238، وتابعهم محمد بن إسحق كما عند محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة224 والطبراني في الكبير لكن الأخير أدخل في روايته قطبة بن مالك بين زياد والمغيرة وغمز الطبراني من ابن إسحق ، ورواية ابن نصر خالية منه مما يشير إلى أن الوهم قد يكون من أحمد بن زهير شيخ الطبراني لذا فهو يصلح في أحاديث معلة.
12- استحباب طول قيام الليل وفضله.
13- قيام الليل باب في شكر الله تعالى.
وفيه: أن السجود والصلاة شكر النعم.
14- الشكر كما يكون بالقول يكون بالعمل أيضا كما قال تعالى (اعملوا آل داود شكرا).
15- غفر الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
16- الرجاء مع الخوف ترجم عليه البخاري.
قال صاحبنا : كون الصحابي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله يعبد خوفا ورجاء وبمغفرته لك زال عنك الخوف.
17- استحباب الشكر عند تجدد النعم.
18- فيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل من العبادة ما ينهى عنه أمته؛ لعلمه بقوة نفسه؛ ولما لا يخشى عليه من الملول في ذلك. قاله ابن الملقن في التوضيح
19- قَالَ المهلب: وفيه: أَخْذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه؛ لأنه حلال، وله أن يأخذ بالرخصة، ويكلف نفسه ما عفت له به وسمحت.
قَالَ: إلا أن الأخذ بالشدة أفضل، ألا ترى قوله أي في الجواب: “أفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ” فكيف من لم يعلم أنه استحق النار أم لا؟ فمن وفق للأخذ بالشدة فله في الشارع أفضل الأسوة، وإنما ألزم الأنبياء والصالحون أنفسهم شدة الخوف، وإن كانوا قد آمنوا لعلمهم بعظيم نعم الله تعالى عليهم، وأنه بدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في شكره تعالى بأكثر مما افترض عليهم فاستقلوا ذلك، ولهذا المعنى قَالَ طلق بن حبيب: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، ونعمه أكثر من أن تحصى، ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين ، وهذا كله مفهوم من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]
20 ورد حديث الباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه وذكره الشيخ مقبل في أحاديث معلة 34، قلت وربما يصلح كذلك لنفس الكتاب حديث أبي جحيفة والنعمان.
21- وفي الباب عن عائشة كما مر في الترجمة ، وعن أبي هريرة.
——-
مشاركة ناصر الريسي :
22- قوله: (حتى ترم قدماه) يقال: ورم يرم: إذا ربا، وهو فعل يفعل من نادر الكلام، وشاذة كما قاله ابن التين
23- وفي حديث عائشة عند البخاري: كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. وفي حديث أبي هريرة عند النسائي: حتى تزلع، يعني تشقق قدماه. ولا اختلاف بين هذه الروايات فإنه إذا حصل الورم أو الانتفاخ حصل الزلع والتشقق
24- فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أكمل الأمة عبودية لربه ومولاه جل جلاله، وذلك لما كان عليه – صلى الله عليه وسلم – من كثرة العبادة، والاجتهاد فيها، والخشية من ربه -عز وجل-، مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر؛ ليكون عبدا شكورا.
25- بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن لنا ما كان يخفى علينا من حاله صلوات ربي وسلامه عليه.
26- بيان فضل عائشة رضي الله عنها وأنها كانت تُسأل من قِبل الصحابة رضي الله عنهم فكانت تجيب.
27- صاحب الشكر هو المنتفع الحقيقي بالشكر، فلا ينتفع بالشكر إلا أهل الشكر قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].
28- الشكر قد وصف الله-عز وجل- به أنبيائه الكرام، الذين اصطفاهم من خلقه.
29- الشكر من كمال الإيمان وحسن الإسلام فهو نصف الإيمان.
30- الشكر اعتراف بالمنعم والنعمة.
31- لا يكون الشكر باللسان فقط بل يكون بالجوارح والأركان.
32- من أسباب كسب المؤمن رضا الرب تبارك وتعالى.
33- أن الشكر يجعل صاحبه من أهل خواص عباد الله وقليل ما هم.
34- حصول الأمان من عذاب الله – عز وجل -.
35- الاقتداء بالأنبياء الكرام فهم أهل الشكر، وغير ذلك من الفوائد والثمار.
36- هذا: دليل على أن من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
37- هذا: دليل أيضاً على فضيلة قيام الليل وطول القيام، وقد أثنى الله على من يقومون الليل ويطيلون فقال عز وجل: ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾، يعني: تبتعد عن الفرش،﴿ يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ﴾ ﴿ خوفا ﴾ أي إذا نظروا إلى ذنوبهم خافوا ﴿ وطمعاً ﴾ أي إذا نظروا إلى فضل الله طمعوا في فضله، ﴿ ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾ أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
38- امتدح الله في كتابه من يحيون الليل بالصلاة والركوع والسجود، فقال سبحانه في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـماً ﴾ سورة الفرقان(46).
39- عبادته -صلى الله عليه وسلم- لربه فهي شاهد عدل على صدقه ودليل من دلائل نبوته، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- كثير العبادة من صلاة وصيام وذكر ودعاء وغير ذلك من أنواع العبادة، وكان لا يدع قيام الليل، ويقوم من الليل حتى تتفطر قدماه..
40- حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد} رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
والله اعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==========
مشاركة أحمد بن علي :
41-بوب النسائي: الاختلاف على عائشة في إحياء الليل
42-بوب الترمذي: باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة
43- بوب ابن ماجه في السنن: باب ما جاء في طول القيام في الصلوات
44- بوب ابن حبان في صحيحه: ذكر ما يستحب للمرء أن يقوم في أداء الشكر لله جل وعلا بإتيان الطاعات بأعضائه دون الذكر باللسان وحده
45- بوب ابن خزيمة في صحيحه: باب استحباب الصلاة وكثرتها وطول القيام فيها يشكر الله لما يولي العبد من نعمته وإحسانه
46 -بوب المنذري في الترغيب والترهيب: باب الترغيب في قيام الليل
47-بوب النووي في شرح مسلم: باب إكثارالأعمال والاجتهاد فى العبادة
48- قال ابن بطال في شرح البخاري: أرفع الصابرين منزلة عند الله من صبر عن محارم الله ، وصبر على العمل بطاعة الله ، ومن فعل ذلك فهو من خالص عباد الله وصفوته .اهـ
49- قال ابن بطال أيضا: قال الطبرى : وقد اختلف السلف فى حد الشكر فقال بعضهم : شكر العبد لربه على أياديه عنده رضاؤه بقضائه ، وتسليمه لأمره فيما نابه من خير أو شر ، ذكره الربيع بن أنس عن بعض أصحابه . وقال آخرون : الشكر لله هو الإقرار بالنعم أنها منه ، وأنه المتفضل بها ، وقالوا الحمد والشكر بمعنى واحد روى ذلك عن ابن عباس وابن زيد . قال الطبرى : والصواب فى ذلك أن شكر العبد هو إقراره بأن ذلك من الله دون غيره وإقرار الحقيقة الفعل ، ويصدقه العمل ، فأما الإقرار الذى يكذبه العمل ، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق ، ولكنه يقال شكر باللسان والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : ( اعملوا آل داوود شكرا ) [ سبأ : 13 ] ، ومعلوم أنه لم يأمرهم ، إذ قال لهم ذلك ، بالإقرار بنعمه ؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلا منه عليهم ، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل ، وكذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) حين تفطرت قدماه فى قيام الليل : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) .اهـ
50- قال الشوكاني في نيل الأوطار: وفي الباب عن عبد الله بن حبشي عند أبي داود والنسائي «أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان لا شك فيه» الحديث. وفيه «فأي الصلاة أفضل قال: طول القنوت» وعن أبي ذر عند أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث طويل، قال فيه: «فأي الصلاة أفضل؟ قال طول القنوت» قوله: (طول القنوت) هو يطلق بإزاء معان قد قدمنا ذكرها، والمراد هنا طول القيام، قال النووي: باتفاق العلماء، ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن حبشي «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام» ، والحديث يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما، وإلى ذلك ذهب جماعة منهم الشافعي كما تقدم وهو الظاهر ولا يعارض حديث الباب وما في معناه الأحاديث المتقدمة في فضل السجود، لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام، ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام.
وأما حديث «ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفي» فإنه لا يصح لإرساله كما قال العراقي، ولأن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف
وكذلك أيضا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء. قال العراقي: الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها الجماعة وعلى صلاة المنفرد. فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل، ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه فلا بأس بالتطويل، وعليه يحمل صلاته في المغرب بالأعراف كما تقدم.اهـ
قال صاحبنا أبوصالح : بشأن هل اﻷفضل طول القيام أم كثرة السجود أقول السنة في صلاة الليل ألا يزيد على إحدى عشرة ركعة، ففيها اﻹشارة لطول القيام وأفضليته على كثرة السجود .
51- عقد ابن القيم في عدة الصابرين فصلا طويلا في أيهما أفضل الصبر أم الشكر فقال:
الباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر حكى
أبو الفرج ابن الجوزى في ذلك ثلاثة أقوال أحدها ان الصبر أفضل والثانى ان الشكر أفضل والثالث أنهما سواء كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت .اهـ
ثم أتى بأقوال العلماء في ذلك.
52 -قال صاحبنا رامي وأحمد بن علي :
قال الألباني :
وكان يقول:
” أفضل الصلاة طول القيام ” .
هو من حديث جابر.
أخرجه مسلم (2/175) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عنه به بلفظ: ” القنوت “. وهو بمعنى القيام.
وله شواهد:
منها: حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي.
أخرجه النسائي (1/349) ، وغيره من طرق عن ابن جريج:
ثني عثمان بن أبي سليمان عن علي الأزدي عن عبيد بن عمير عنه به. وقال الدارمي:
” القيام “. وكذا ابن نصر.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
ومنها: عن عمرو بن عبسة: عند أحمد (4/385) .
قال السندي رحمه الله:
” ولا ينافيه حديث: ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد “؛ لجواز أن تكون تلك
الأقربية في حال السجود بملاحظة استجابة الدعاء؛ كما يقتضيه: ” فأكثروا الدعاء “،
وهو لا ينافي أفضلية القيام. والله أعلم “.
وقد اختلف العلماء في القيام والسجود: أيهما أفضل؟ فذهب أبو حنيفة وصاحباه
– كما في ” الطحاوي ” (1/176 و 275 – 276) -، والشافعية وغيرهم إلى أن القيام
أفضل؛ لهذا الحديث، وأدلة أخرى ذكروها. وخالفهم آخرون؛ فقالوا: السجود أفضل؛
للحديث الذي أورده السندي، ويأتي في (السجود) . وتوسط قوم؛ فقالوا بالأول ليلا،
وبالثاني نهارا. قال السندي في ” حاشيته على النسائي “:
” وهو الأوفق بفعله صلى الله عليه وسلم “. اهـ.
قال ابن القيم في ” الزاد ” (1/84) – بعد أن ساق الأقوال الثلاثة وأدلتها -:
” وقال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيام أفضل بذكره – وهو القراءة -، والسجود
أفضل بهيئته؛ فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذكر القيام أفضل من ذكر
السجود، وهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان إذا أطال القيام؛ أطال الركوع
والسجود. وكان إذا خفف القيام؛ خفف الركوع والسجود “.أصل صفة صلاة النبي
========
مشاركة سيف الكعبي :
53 -يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن الشكر: منزلة الشكر هي من أعلى المنازل، وهو أي الشكر نصف الإيمان، فالإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر، وقد أمر الله به، ونهى عن ضده، وأثنى على أهله، ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه، وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببا للمزيد من فضله، وحارسا وحافظا لنعمته، وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته، واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا، وهو غاية الرب من عبده، وأهله هم القليل من عباده قال الله تعالى: ﴿وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]، وقال سبحانه:﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
54- ثمرات قيام الليل:
من ثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيلا لطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعة الدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد. فمن منَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد في تلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
55- الفائدة الأولى: الشُّكر من أعظم منازل العبادة؛ فإن الله تعالى قسم الناس إلى فريقين اثنين: شاكر وكافر؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وأمر بالشكر ونهى عن ضده فقال: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وليس الشكرُ مجرد النطق باللسان، بل الشكر واجب بالقلب واللسان والجوارح؛ فحقيقة الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده بالثناء والاعتراف، وعلى قلبه بشهود النعمة ومحبة المنعم، وعلى جوارحه بالانقياد والطاعة؛ قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين أن شكر الله تعالى يكون بطاعته وعبادته؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والشكر مبنيٌّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمه، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره؛ اهـ[3].
56-الفائدة الثانية: تأمل فيما قاله الرب تبارك وتعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]؛ لتعلَمَ أن أهل الشكر هم القليل من عباده، وقلتهم تدل على أنهم هم خواصه.
57- الفائدة الثالثة: رضا الرب عن عبده موقوفٌ على شكره له؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، وتهدَّد مَن أعرض عن شكره بالعذاب الشديد، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
58- وأما عبادته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربه فهي شاهد عدل على صدقه ودليل من دلائل نبوته ، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثير العبادة من صلاة وصيام وذكر ودعاء وغير ذلك من أنواع العبادة ، وكان لا يدع قيام الليل ، ويقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ..
ومنه صلاة حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ معه قال : ( صليت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى )(مسلم) .
ويصف علي ـ رضي الله عنه ـ حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في يوم بدر حين تعب الصحابة وأسلموا أعينهم للنوم ، فيقول : ( ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح )(أحمد) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي إحدى عشرة ركعة – تعني في الليل – ، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة )(البخاري) .
، قال الله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ }(المزمل: من الآية20) ..
59 – ومع ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخفف في صلاته بالناس رأفة بهم ويقول : ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء )(البخاري).
وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها ، فأسمع بكاء الصبي فأَتَجَوَّزْ (أخفف) في صلاتي ، كراهية أن أشق على أمه )(أحمد) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهى ويحذر من التشدد والغلو في العبادة فيقول : ( .. عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يمل الله حتى تملوا ،ـ وكان أحب الدين إليه ما دوام عليه صاحبه ـ )(البخاري) .
قال ابن حجر : ” قوله : عليكم بما تطيقون : أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه ، فمنطوقه يقتضى الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ، ومفهومه يقتضى النهي عن تكلف ما لا يطاق ..”
61- النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للصحابة في العمل . وهم أبعد الناس عن النفاق الذين يقولون مالا يفعلون.
62 -رأفت الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم
63 – عبودية النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الغلو فيه. فهو في هذا الحديث يقول : أفلا أكون عبدا شكورا.
64- هناك أمور معينة على الشكر منها : التفكر بنعمة الإسلام والسنة. ومن انحرف. والتفكر في نعمة الصحة. التفكر في نعمة رب العزة للذنوب . ثم بالشكر تحفظ النعم ، ولزوم الدعاء ، والتحدث بنعم الله ، والاعتناء بالنعمة والمحافظة عليها ، ومما يحفظ النعم شكر الناس فإنه من شكر الله. وكل نعمة تذكرها وتذكر وجود ضدها.
65 -تنبيه :
حديث: يا عائشة ، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي…
رواه عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكريا عن إبراهيم بن سويد النخعي حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور ، فقال : أقول يا أمَّهْ ، كما قال الأول : ُزرْ غباً تزددْ حباً .
قال : فقالت : دعونا من بطالتكم هذه .
قال ابن عمير : أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسولِ الله ( قال : فسكتتْ .
ثم قالت : لما كان ليلة من الليالي . قال : يا عائشة ، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي ، فقلت : والله إني لأحبُّ قربَكَ وأحب ما يسرُّك .
قالت : فقام فتطهرَ، ثم قام يصلي قالت : فلم يزل يبكي ، حتى بلَّ حِجْرَهُ.
قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي ، حتى بلَّ لحيتَه قالت : ثم بكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسولَ الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ لقد أنزِلَتْ عليَّ الليلةَ آيةٌ ( آيات ) ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها … الآية كلها. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (620)
وهو في الصحيح المسند 1627
لكن قال باحث :
والحديث إن سلم من تفرد ابراهيم بن سويد، فلا يسلم من تفرد يحيى بن زكريا، ويحيى بن زكريا، وإن كان حسن الحديث فليس هو الآخر بالمشهور في ابراهيم بن سويد.
ومثله لا يحتمل التفرد في طبقته.
قلت سيف : لكن أخطاء الثقات أغلبها جمعها الائمة ولم يذكروا هذا الحديث.