فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان ( 28)
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——-‘
الفصل الثالث
حقوق الصحابة وما يجب نحوهم
المبحث الأول : من هم الصحابة ؟ ووجوب محبتهم وموالاتهم.
المبحث الثاني : وجوب اعتقاد فضلهم وعدالتهم والكف عما شجر بينهم في ضوء الأدلة الشرعية.
أولا : فضلهم .
ثانيا : الكف عما شجر بينهم في ضوء الأدلة الشرعية.
المبحث الثالث : أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحقوقهم وبيان زوجاته من أهل بيته.
التعريف بأهل البيت.
أدلة فضل أهل البيت
دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت
الوصية بأهل البيت
المبحث الرابع : الخلفاء الراشدون فضلهم وما يجب نحوهم وترتيبهم .
التعريف بالخلفاء الراشدين
مكانتهم ووجوب اتباعهم
فضلهم
المبحث الخامس : العشرة المبشرون بالجنة .
======
الفصل الثالث
حقوق الصحابة وما يجب نحوهم المبحث الأول: من هم الصحابة ووجوب محبتهم وموالاتهم.
في تعريف الصحابيّ:
قال الشيخ محمد آدم الأتيوبي: قال الحافظ رحمه الله في «الإصابة»: وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك أن
الصحابيّ: من لقي النبيّ – ﷺ – مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه:
من طالت مجالسته له، أو قصرت، ومن روى عنه، أو لم يرو، ومن غزا معه، أو لم يغز، ومن رآه رؤية، ولو لم يُجالسه، ومن لم يَرَه لعارض؛ كالعمى. ويخرج بقيد «الإيمان» من لقيه كافرًا، ولو أسلم بعد ذلك، إذا لم يجتمع
به مرّةً أخرى.
وقولنا: «به» يُخرج من لقيه مؤمنًا بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة، وهل يدخل من لقيه منهم، وآمن بأنه سيُبعث، أو لا يدخل؟ محلّ احتمال، ومن هؤلاء بَحِير الراهب، ونظراؤه.
ويدخل في قولنا: «مؤمنًا به» كلّ مكلّف من الجنّ والإنس.
وخرج بقولنا: «ومات على الإسلام» من لقيه مؤمنًا به، ثم ارتدّ، ومات
على ردّته – والعياذ بالله-.
ويدخل فيه من ارتدّ، وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به – ﷺ – مرّة أخرى، أم لا؟ وهذا هو الصحيح المعتمد. انتهى ملخّصًا
. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج — محمد آدم الأثيوبي.
الصحابة هم خير القرون، وصفوة هذه الأمة وأفضل هذه الأمة بعد نبيها – ﷺ -، ويجب علينا أن نتولاهم ونحبهم ونترضى عنهم وننزلهم منازلهم، فإن محبتهم واجبة على كل مسلم، وحبهم دين وإيمان وقربى إلى الرحمن، وبغضهم كفر وطغيان. فهم حملة هذا الدين، فالطعن فيهم طعن في الدين كله لأنه وصلنا عن طريقهم بعد أن تلقوه غضًّا طريًّا عن رسول الله – ﷺ – مشافهة ونقلوه لنا بكل أمانة وإخلاص ونشروا الدين في كافة ربوع الأرض في أقل من ربع قرن وفتح الله على أيديهم بلاد الدنيا فدخل الناس في دين الله أفواجًا.
وقد دل الكتاب والسنة على وجوب موالاة الصحابة ومحبتهم وأنها دليل صدق إيمان الرجل.
فمن الكتاب قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71.
وإذا كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – مقطوعاً بإيمانهم بل هم أفضل المؤمنين لتزكية الله ورسوله لهم فإن موالاتهم ومحبتهم دليل إيمان من قامت به هذه الصفة.
ومن السنة حديث أنس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار) . [ ص539 – كتاب منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين – سابعا محبة الصحابة ].
جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: أدْرَكْتُ أرْبَعِينَ شَخْصًا مِنَ التّابِعِينَ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُنا عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَن أحَبَّ جَمِيعَ أصْحابِي وتَوَلّاهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَهُمْ فِي الجَنَّةِ». شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة — اللالكائي
و قال أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعاوِيَةَ : سَمِعْتُ أبا زُرْعَةَ الرّازِيُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ عُقْبَةَ يَقُولُ: حُبُّ أصْحابِ النَّبِي – ﷺ – كُلُّهُمْ سُنَّةٌ. الحجة في بيان المحجة — إسماعيل الأصبهاني ( ٢/ ٣٩٤).
وقالَ الطَّحاوِيُّ رحمه الله مُبَيِّنًا ما يَجِبُ على المُسْلِمِ اعْتِقادُهُ في مَحَبَّةِ أصْحابِ رَسُولِ اللهِ – ﷺ – «ونُحِبُّ أصْحابَ رَسُولِ اللهِ – ﷺ -، ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنهُم، ولا نَتَبَرَّأُ مِن أحَدٍ مِنهُم، ونُبْغِضُ مَن يُبْغِضُهُم وبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم، ولا نَذْكُرُهُم إلاَّ بِخَيْرٍ، وحُبُّهُم دِينٌ وإيِمانٌ وإحْسانٌ، وبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفاقٌ وطُغْيانٌ» .
قال المناوي رحمه الله :
” إن جميع حسناتنا وأعمالنا الصالحة ، وعبادات كل مسلم : مسطرة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم ، زيادةَ على ما له من الأجر ، ويحصل له من الأجور بعدد أمته أضعافا مضاعفة لا تحصى ، يقصر العقل عن إدراكها ؛ لأن كل مُهْدٍ ودالٍّ وعالمٍ : يحصل له أجر إلى يوم القيامة ، يتجدد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر ، ولشيخ شيخه مثلاه ، وللشيخ الثالث أربعة ، والرابع ثمانية ، وهكذا تُضَعَّف في كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة قبله إلى أن ينتهي إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الأجر ألف وأربعة وعشرون ، فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى الله عليه وسلم ألفين وثمانية وأربعين ، وهكذا ، كلما زاد واحدا يتضاعف ما كان قبله أبدا إلى يوم القيامة ، وهذا أمر لا يحصره إلا الله ، فكيف إذا أخذ مع كثرة الصحابة والتابعين والمسلمين في كل عصر؟
وكل واحد من الصحابة يحصل له بعدد الأجور التي ترتبت على فعله إلى يوم القيامة ، وكل ما يحصل لجميع الصحابة حاصل بجملته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبه يظهر رجحان السلف على الخلف ، وأنه كلما ازداد الخلف ، ازداد أجر السلف وتضاعف ، ومن تأمل هذا المعنى ورزق التوفيق ، انبعثت همته إلى التعليم ورغب في نشر العلم ، ليتضاعف أجره في الحياة وبعد الممات على الدوام ، ويكف عن إحداث البدع والمظالم من المكوس [الإتاوة] وغيرها ، فإنها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور ما دام يعمل بها عامل ، فليتأمل المسلم هذا المعنى ، وسعادة الدال على الخير ، وشقاوة الدال على الشر ” انتهى من ” فيض القدير ”
من عبارات الشيخ العباد في حب الصحابة : من أحب أعمالي إليّ وأرجاها لي عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله ﷺ، وبغضي الشديد لمن يبغضهم، وأرجو الله عز وجل وأسأله بحبي إياهم أن يزيدهم فضلًا على فضلهم، وأن يزيد من لم يرْعَوِ عن غيه من شانئهم ذلًا وهوانًا وخذلانًا.
شرح سنن أبي داود للعباد ١٦٩/٣٧ — عبد المحسن العباد (معاصر)
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: حب الصحابة فرض وواجب وهو من الموالاة الواجبة للصحابة، وهذا الحب يقتضي أشياء:
– الأول: قيام المودة في القلب لهم.
– الثاني: الثناء عليهم بكل موضع يُذْكَرُونَ فيه والترضي عنهم.
– الثالث: أن لا يَحْمِلَ أفعالهم إلا على الخير فكلُّهُم يريد وجه الله – عز وجل -.
– الرابع: أن يَذُبَّ عنهم؛ لأنّ مِن مقتضى المحبة والولاية؛ بل من معنى المحبة والولاية النُّصْرَةْ، أنْ يَنْصُرَهُمْ إذا ذُكِرُوا بغير الخير أو انتقص منهم منتقص، أو شَكَّكَ في صدقهم أو عدالتهم أحد، فإنّهُ واجبٌ أن يُنْتَصَرَ لهم رضي الله عنهم.
ولذا توَسَّطَ أهل السنة والجماعة في الحب بين طرفين: بين طرف المُفْرِطِينْ وطرف المتبَرِّئِين.
@ أما الغلاة والمُفَرِّطُون في الحب فهم الذين جعلوا بعض الصحابة لهم خصائص الإلهية كما فعل طائفة مع علي رضي الله عنه، وكما فعل طائفة مع أبي بكر، أو غلو بما هو دون الإلهية بأن يجعلو هذا الحب يقتضي انتقاص غيرهم، فيُحِبُّ أبا بكر وينتقص عليًا، أو يحبّ عليًا رضي الله عنهم وينتقص أبا بكر، هذا إفراط وغلو.
فالوسط هو طريقة الصحابة وأهل السنة فإنّ الحب يقتضي موالاة الجميع وأن لا يَغْلُوَ المسلم في أي صحابي؛ بل يُحِبُّهُم ويَوَدُّهُم ويذكرهم بالخير ولا يجعل لهم شيئا من خصائص الإلهية.
بل أجمع أهل العلم أنّ من ادَّعى في صحابيٍ أنّ له شيئًا من خصائص الإله، أو أنّهُ يُدْعى ويُسْألْ كما يُعْتَقَد في علي رضي الله عنه ونحوه أنّهُ كافر بالله العظيم.
وهذا الغلو وقع فيه كثير في الأمة بعد ذلك فأُقِيمَتْ المزارات والمشاهد والقبور والقباب على قبور الصحابة، كقبر أبي أيوبٍ الأنصاري قرب اسطنبول، وكقبر أبي عبيدة بن الجراح في الأردن، وكقبر عدد من الصحابة كالحسين والحسن وعلي إلى آخره في أمصارٍ مختلفة.
فجعلوا قبورهم من فَرْط المحبة أوثانًا يأتون فيسألون ويدعون ويستغيثون ويتقربون للصحابة، وهذا إفراط وليس هو الحب المأذون به؛ بل هذا حبٌ معه الشرك المُحَقَّقْ إذا وصل إلى سؤال الميت ودعائه والتقرب إليه.
@ وفي المقابل يكون فِعْلُ طائفةٍ ضالة أخرى تتبرأ من الصحابة جميعًا كفعل الزنادقة، أو تتبرأ من أكثر الصحابة كفعل الرافضة والخوارج، أو تتبرأ من طائفة من الصحابة كفعل النواصب ومن شابههم.
فهؤلاء تبرؤوا.
@ ومنهم من يعتقد أنّهُ لا حُبَّ ولا ولاء إلا بِبَراءْ.
يعني لا يصلح حب صحابي وولاء صحابي إلا بالتبرؤ ممن ضادَّهْ.
فيجعلون في ذلك أنّ حب علي رضي الله عنه والولاء لعلي والحسن والحسين يقتضي بُغْضَ أبي بكر وبُغْضَ عمر وبُغْضَ عثمان ومن سلب هؤلاء حقهم كفعل الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.
لهذا كان مُعْتَقَدْ أهل السنة والجماعة في هذا أنّ التبرؤ من الصحابة واعتقاد أنّهُ لا موالاة إلا بالبراءة أنّ هذا ضلالٌ وقد يوصل إلى الكفر، كما سيأتي في المسألة إن شاء الله.
لذا قال بعدها (ونُبْغِضُ مَن يُبْغِضُهُم، وبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم) وهذا من مقتضى المحبة الوَسَطْ، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، فإننا من ذَكَرَهُمْ بخير أحببناه ومن ذَكَرَهُمْ بغير الخير أبغضناه؛ لأنّ من مقتضى المحبة والولاية أن يُحَبَّ من يُحِبُّهُمْ وأن يُبْغَضَ من يُبْغِضُهُمْ.
شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل ( ٦٢٥).
المبحث الثاني: وجوب اعتقاد فضلهم وعدالتهم والكف عما شجر بينهم في ضوء الأدلة الشرعية.
فضل الصحابة :
قال العلامة الفوزان حفظه الله: والذي يجب اعتقاده فيهم أنهم أفضل الأمة وخير القرون لسبقهم واختصاصهم بصحبة النبي ﷺ والجهاد معه وتحمل الشريعة عنه وتبليغها لمن بعدهم، وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه، قال تعالى: ﴿والسّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسانٍ رضي الله عنهم ورَضُوا عَنْهُ وأعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [التوبة ١٠٠]
وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ومَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فَآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنهُمْ مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح ٢٩]
وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا ويَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ – والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر ٨ – ٩]
ففي هذه الآيات أن الله سبحانه أثنى على المهاجرين والأنصار، ووصفهم بالسبق إلى الخيرات، وأخبر أنه قد رضي عنهم، وأعد لهم الجنات، ووصفهم بالتراحم فيما بينهم والشدة على الكفار، ووصفهم بكثرة الركوع والسجود وصلاح القلوب، وأنهم يعرفون بسيما الطاعة والإيمان، وأن الله اختارهم لصحبة نبيه ليغيظ بهم أعداءه الكفار، كما وصف المهاجرين بترك أوطانهم وأموالهم من أجل الله ونصرة دينه وابتغاء فضله ورضوانه، وأنهم صادقون في ذلك. ووصف الأنصار بأنهم أهل دار الهجرة والنصرة والإيمان الصادق ووصفهم بمحبة إخوانهم المهاجرين وإيثارهم على أنفسهم ومواساتهم لهم وسلامتهم من الشح، وبذلك حازوا على الفلاح. هذه بعض فضائلهم العامة، وهناك فضائل خاصة ومراتب يفضل بها بعضهم بعضا. رضي الله عنهم وذلك بحسب سبقهم إلى الإسلام والجهاد والهجرة. [ التوحيد للفوزان ( ١٢١-١٢٣)].
و جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».
عَنْ أبِي مُوسى، قالَ: صَلَّيْنا المَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْنا: لَوِ انْتَظَرْنا حَتّى نُصَلِّي مَعَهُ العِشاءَ، فانْتَظَرْنا فَخَرَجَ عَلَيْنا، فَقالَ: «ما زِلْتُمْ هاهُنا؟» قُلْنا: نَعَمْ، نُصَلِّي مَعَكَ العِشاءَ، قالَ: «أحْسَنْتُمْ»، أوْ قالَ: «أصَبْتُمْ»، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، فَقالَ: «النُّجُومُ أمَنَةُ السَّماءِ، فَإذا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ وأنا أمَنَةٌ لِأصْحابِي، فَإذا أنا ذَهَبْتُ أتى أصْحابِي ما يُوعَدُونَ، وأصْحابِي – أمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإذا ذَهَبَ أصْحابِي أتى أُمَّتِي ما يُوعَدُونَ»[تعليق الألباني] صحيح.
قالَ أبُو حاتِمٍ رضي الله عنه: «يُشْبِهُ أنْ يَكُونَ مَعْنى هَذا الخَبَرِ أنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا جَعَلَ النُّجُومَ عَلامَةً لِبَقاءِ السَّماءِ وأمَنَةً لَها عَنِ الفَناءِ، فَإذا غارَتْ واضْمَحَلَّتْ أتى السَّماءَ الفَناءُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْها، وجَعَلَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا المُصْطَفى أمَنَةَ أصْحابِهِ مِن وقُوعِ الفِتَنِ، فَلَمّا قَبَضَهُ اللَّهُ جَلَّ وعَلا إلى جَنَّتِهِ أتى أصْحابَهُ الفِتَنُ الَّتِي أُوعِدُوا وجَعَلَ اللَّهُ أصْحابَهُ أمَنَةَ أُمَّتِهِ مِن ظُهُورِ الجَوْرِ فِيها، فَإذا مَضى أصْحابُهُ أتاهُمْ ما يُوعَدُونَ مِنَ ظُهُورِ غَيْرِ الحَقِّ مِنَ الجَوْرِ والأباطِيلِ» صحيح ابن حبان ( ١٦/ ٢٣٤).
[ صفة الصحابة ]
سئل الحسن البصري عن صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال له بعض القوم: أخبرنا صفة أصحاب رَسُول اللَّهِ ﷺ، قال: فبكى، ثم قال: ظهرت فيهم علامات الخير في السيماء والسمت والصدق، وحسنت ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين لرضى الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا في جور، ولم يجاوزوا حكم اللَّه في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا لله دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا لله أموالهم حين استقرضهم، لم يكن خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من الدنيا إلى آخرتهم.
[ تهذيب الكمال في أسماء الرجال — المزي، جمال الدين ( ٦/ ١١٤- ١١٥).
قال ابن ابي داود في الحائية :
(وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم … ولا تك طعانًا تعيب وتجرح)
(فقد نطق الوحي المبين بفضلهم … وفي الفتح آي للصحابة تمدح)
[ الطعن في الصحابة طعن في الدين ]
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: “إذا رأيتم الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلموا أنه زنديق؛ لأن الدين حق، والقرآن حق وإنما نقل لنا ذلك الصحابة فهؤلاء أرادوا الجرح في شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة وهم بالجرح أولى وهم زنادقة».
من أصول أهل السنة و الجماعة الكف عما شجر بين الصحابة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية : ومِن أُصُولِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ: سَلامَةُ قُلُوبِهِمْ وألْسِنَتِهِمْ لِأصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «كَما وصَفَهُمْ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْله تَعالى ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إنّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وطاعَةُ النَّبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تَسُبُّوا أصْحابِي. فَواَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ﴾.
وقالَ المُصَنِّفُ: وكَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَتَرَحَّمَ عَلى الصَّحابَةِ، ويَأْمُرُ بِالكَفِّ عَمّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ويُورِدُ الأحادِيثَ فِي فَضائِلِهِمْ. / ويَلْفِتُ السّائِلَ إلى ما يَلْزَمُهُ مِنَ الفُرُوضِ والواجِباتِ.
القصاص والمذكرين ١/٣٦٨ — ابن الجوزي
الإمام أبوعثمان الصابوني (٤٤٩هـ) رحمه الله: قال في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث: «ويَرون الكفَّ عمّا شجر بين أصحاب رسول الله – ﷺ – وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمَّن عيبًا لهم أو نقصًا فيهم ويرون التَّرحُّم على جميعهم والموالاة لكافَّتهم».
الإمام أبو المظفَّر السمعاني (٤٨٩هـ) رحمه الله: نقل الحافظ في الفتح (٤/٣٦٥) عنه أنّه قال: «التعرُّضُ إلى جانب الصحابة علامةٌ على خذلان فاعله، بل هو بدعةٌ وضلالةٌ». انظر : الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي ١/١٣٦ — عبد المحسن العباد
[ عدالة الصحابة ]
[في عدالة الصحابة]
والذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف: أن الصحابة -رضي الله عنهم- معلومة عدالتهم بتعديل الله وثنائه عليهم.
قال الله -تعالى-: ﴿والسّابِقُونَ الأوَّلُونَ﴾
قال: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ﴾ وقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّار﴾ .
وقال النبي -ﷺ- «خير الناس قرني….» ، وقال: «إن الله اختارني، واختار لي أصحابًا وأصهارًا وأنصارًا» .
فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب، وتعديل رسوله -ﷺ-؟
ولو لم يرد لكان فيما اشتهر وتواتر من حالتهم في طاعة الله -تعالى- وطاعة رسوله -ﷺ- وبذل المهج ما يكفي في القطع بعدالتهم.
وهذا يتناول من يقع عليه اسم الصحابي، ويحصل ذلك بصحبته ساعة ورؤيته مع الإيمان به.
[ روضة الناظر وجنة المناظر — المقدسي، موفق الدين ( ٣٤٥-٣٤٦)].
و قال الآمدي: والمُخْتارُ إنَّما هُوَ مَذْهَبُ الجُمْهُورِ مِنَ الأئِمَّةِ، وذَلِكَ بِما تَحَقَّقَ مِنَ الأدِلَّةِ الدّالَّةِ عَلى عَدالَتِهِمْ ونَزاهَتِهِمْ وتَخْيِيرِهِمْ عَلى مَن بَعْدَهُمْ.
فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وسَطًا﴾ أيْ عُدُولًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ وهُوَ خِطابٌ مَعَ الصَّحابَةِ المَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ – ﷺ -.
ومِنها قَوْلُهُ – ﷺ: ««أصْحابِي كالنُّجُومِ بِأيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»» والِاهْتِداءُ بِغَيْرِ عَدْلٍ مُحالٌ.
وقَوْلُهُ – ﷺ: ««إنَّ اللَّهَ اخْتارَ لِي أصْحابًا وأصْهارًا وأنْصارًا»» واخْتِيارُ اللَّهِ تَعالى لا يَكُونُ لِمَن لَيْسَ بِعَدْلٍ.
ومِنها ما ظَهَرَ واشْتُهِرَ بِالنَّقْلِ المُتَواتِرِ الَّذِي لا مِراءَ فِيهِ مِن مُناصَرَتِهِمْ لِلرَّسُولِ والهِجْرَةِ إلَيْهِ، والجِهادِ بَيْنَ يَدَيْهِ،
والمُحافَظَةِ عَلى أُمُورِ الدِّينِ، وإقامَةِ القَوانِينِ، والتَّشَدُّدِ فِي امْتِثالِ أوامِرِ الشَّرْعِ ونَواهِيهِ، والقِيامِ بِحُدُودِهِ ومَراسِيمِهِ، حَتّى إنَّهُمْ قَتَلُوا الأهْلَ والأوْلادَ حَتّى قامَ الدِّينُ واسْتَقامَ، ولا أدَلَّ عَلى العَدالَةِ أكْثَرُ مِن ذَلِكَ.
وعِنْدَ ذَلِكَ، فالواجِبُ أنْ يُحْمَلَ كُلُّ ما جَرى بَيْنَهُمْ مِنَ الفِتَنِ عَلى أحْسَنِ حالٍ، وأنَّ ذَلِكَ إنَّما كانَ لِما أدّى إلَيْهِ اجْتِهادُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنِ اعْتِقادِهِ أنَّ الواجِبَ ما صارَ إلَيْهِ، وأنَّهُ أوْفَقُ لِلدِّينِ وأصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وعَلى هَذا فَإمّا أنْ يَكُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا أوْ أنَّ المُصِيبَ واحِدٌ والآخَرُ مُخْطِئٌ فِي اجْتِهادِهِ.
الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( ١/٩٢).
—-
المبحث الثالث : أهل البيت النبي صلى الله عليه وسلم وحقوقهم وبيان زوجاته من أهل بيته.
التعريف بأهل البيت.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن آل بيته هم زوجاته ومن كان مؤمنًا من قرابته، من آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، وهم الذين تحرم عليهم الصدقة. [ شرح رياض الصالحين ( ٣/ ٢٢٦)].
و قال العلامة العباد حفظه الله: القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ ﷺ هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ، وهم أزواجُه وذريَّتُه، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلب، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص:١٤): «وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ، وهو عبد المطلب، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبد المطلب فقط».
وانظر عَقِبَ عبد المطلب في: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص:١٤ ١٥)، والتبيين في أنساب القرشيِّين لابن قدامة (ص:٧٦)، ومنهاج السنة لابن تيمية (٧/٣٠٤ ٣٠٥)، وفتح الباري لابن حجر (٧/٧٨ ٧٩).
[ دخول أعمامه في أهل بيته ]
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في صحيحه (١٠٧٢) عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أنّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله ﷺ يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما ﷺ: «إنّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنّما هي أوساخُ الناس»، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس. [ فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة — عبد المحسن العباد ].
هل الفضائل هي تشمل من لم يكن مستقيمًا؟
قال العلامة مقبل رحمه الله:
وهذه الفضائل المتقدمة هل هي تشمل من لم يكن مستقيمًا؟ فإما أن يكون مبغضًا للسنة، وإما أن يكون هاشميًا وقد أصبح شيوعيًا، أو بعثيًا، أو مرتشيًا، … فهل يشمله هذا؟ فأقول: إننا لا نستطيع أن ننفي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن الفضيلة لا تشمله. بل الفضيلة للمتمسكين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل بيت النبوة، وأسعد الناس من كان من أهل بيت النبوة وهو من أهل السنة.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يانساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين﴾.
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه)، ويقول أيضًا لبني هاشم: (لا يأتيني النّاس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم). وفي «الصحيحين» من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنّ آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها) يعني أصلها بصلتها. صحيح الأدب
وأما حديث: (كلّ سبب ونسب ينقطع إلاّ سببي ونسبي)، وظاهره التعارض مع قول الله عز وجل: ﴿فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾، وهو حديث صحيح وقد كنت أقول بضعفه، لأنني لم أستوعب
طرقه. وهذا الحديث يدل على أن من كان مستقيمًا في هذا الزمن، فإنه يشمله هذا الحديث
[ تحفة المجيب ( ١٤)].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ولم يقل إن أهل بيته معصومون، وإن أقوالهم كالقرآن يجب أن يعمل بها، كما تدعيه الرافضة، فإنهم ليسوا معصومين، بل هم يخطئون كما يخطئ غيرهم، ويصيبون كما يصيب غيرهم، ولكن لهم حق قرابة النبي ﷺ كما سبق.
وقوله: «أذكركم الله في أهل بيتي»: يعني اعرفوا لهم حقهم، ولا تظلموهم، ولا تعتدوا عليهم، هذا من باب التوكيد، وإلا فكل إنسان مؤمن له حق على أخيه، لا يحق له أن يعتدي عليه، ولا أن يظلمه؛ لكن لآل النبي ﷺ حق زائد على حقوق غيرهم من المسلمين.
وإذا كان الرسول هذا في حق آل النبي ﷺ فما بالك بحق الرسول ﷺ؟
حق الرسول ﷺ أعظم الحقوق بعد الله؛ يجب أن يقدم على النفس والولد والأهل وعلى جميع الناس، في المحبة والتعظيم وقبول هديه وسنته ﷺ، فهو مقدم على كل أحد ﷺ. نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين من أتباعه ظاهرًا وباطنًا. [ شرح رياض الصالحين ( ٣/ ٢٢٧- ٢٢٨)]
هل زوجات النبي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
وعن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمرو ابن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنهم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول الله ﷺ، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله ﷺ.
قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ﷺ، فما حدثتكم، فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله ﷺ يومًا فينا خطيباَ بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال:
«أما بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحث على كتاب الله، ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟
قال: نعم رواه مسلم.
قال ابن كثير رحمه الله في التفسير : ثُمَّ الَّذِي لا شك فِيهِ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مَعَهُنَّ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى عَلَى رَسُولِهِ ﷺ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
و قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: فَالْحَقُّ أَنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي الْآيَةِ، اهـ. مِنْ تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
وَالتَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: أَنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ.
أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِهِنَّ فِي الْآيَةِ، فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا نَازِلَةٌ فِيهِنَّ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ صُورَةَ سَبَبِ النُّزُولِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ ; كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ دُخُولِ الزَّوْجَاتِ فِي اسْمِ أَهْلِ الْبَيْتِ، قَوْلُهُ تَعَالَى فِي زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [1 \ 73]
.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِنَّ فِي الْآيَةِ، فَهُوَ أَحَادِيثُ جَاءَتْ عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – أَنَّهُ قَالَ فِي عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ – رضي الله عنهم -: «إِنَّهُمْ أَهْلُ الْبَيْتِ» ، وَدَعَا لَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – مِنْهُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ – وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَنَسٌ، وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ، وَغَيْرُهُمْ .
وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ شُمُولُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ – ﷺ -، وَلِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، كُلِّهِمْ. [ اضواء البيان ( ٦/ ٢٣٧)].
الوصية لأهل البيت
قال القرطبي في المفهم ( ٦/ ٣٠٤-٣٠٥): و(قوله: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي – ثلاثا -، هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي: وجوب احترام آل ( النبي – ﷺ – وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها. هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي – ﷺ – وبأنّهم جزء منه، فإنّهم أصوله التي نشأ منها، وفروعه التي تنشأ عنه، كما قال – ﷺ ـ: فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها
و(قوله: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟) هذا سؤال من تمسك بظاهر لفظ البيت، فإنّ الزوجة: هي أصل بيت الرجل، إذ هي التي تعمره، وتلازمه، وتقوم بمصالحه، وكذلك إجابة زيد بأن قال: نساؤه من أهل بيته، أي: بيته المحسوس، وليس هو المراد هنا، ولذلك قال في الرواية الأخرى في جواب السائل: لا! أي: ليس نساؤه من أهل بيته، المعنى هنا: لكن هم أصله وعصبته، ثم عيَّنهم بأنهم: هم الذين حرموا الصدقة، أي الذين تحرم عليهم الصدقات الشرعية على الخلاف الذي ذكرناه في كتاب: الزكاة، وقد عينهم زيد تعيينًا يرتفع معه الإشكال، فقال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس – رضي الله عنهم ـ، فقيل له: أكلَّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ذهب بعض المتأولين البيت في هذا اللفظ إلى أن مراد زيد به: الذين منعهم خلفاء بني أمية صدقة النبي – ﷺ – بما كان خصَّه الله تعالى به التي كانت تقسم عليهم أيام الخلفاء الأربعة. وهذا فيه بُعد، فالأول أظهر.
المبحث الرابع : الخلفاء الراشدون فضلهم وما يجب نحوهم وترتيبهم .
التعريف بالخلفاء الراشدين
هم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب (الفاروق)، وذو النورين عثمان بن عفان، وأبو السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم.
فضل الخلفاء الراشدين:
١ – عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي – ﷺ – دَخَلَ حائطًا وأمَرَنِي بِحِفْظِ بابِ الحائِطِ، فَجاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقالَ: «ائْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإذا أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقالَ: «ائْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإذا عُمَرُ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قالَ: «ائْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ، عَلى بَلْوى سَتُصِيبُهُ» فَإذا عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ. متفق عليه .
٢ – وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خَلَّفَ رَسُولُ الله – ﷺ – عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقالَ: يا رَسُولَ الله! تُخَلِّفُنِي فِي النِّساءِ والصِّبْيانِ؟ فَقالَ: «أما تَرْضى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى؟». متفق عليه .
٢ – عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – ﷺ – كانَ عَلى حِراءٍ هُوَ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ وطَلْحَةُ والزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ -: «اهْدَأْ فَما عَلَيْكَ إلّا نَبِيٌّ أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدٌ». أخرجه مسلم .
قال العلامة العباد حفظه الله: وهذا فيه دليل على أن خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة خلافة نبوة، وأنهم على منهاج النبوة، وهم الذين قال فيهم النبي ﷺ في حديث العرباض: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فهذا الحديث يدل على فضل الخلفاء، وحديث سفينة يدل على فضل الخلفاء وعلى فضل خلافتهم، وأنها خلافة نبوة، وذلك أنهم أتوا بعد النبي ﷺ مباشرة، وهم على منهاجه وعلى طريقته، ولهذا أمر النبي ﷺ باتباع سنتهم مع سنته ﷺ في حديث العرباض الذي أشرت إليه. شرح سنن أبي داود
و قال العلامة ابن تيمية : ولِهَذا فُضِّلَ الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ عَلى سائِرِ النّاسِ، وفُضِّلَ مَن فُضِّلَ مِن أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ عَلى سائِرِ النِّساءِ؛ لِأنَّ اللَّهَ أمَرَ الخُلَفاءَ بِما لَمْ يَأْمُرْ بِهِ غَيْرَهُمْ، فَقامُوا مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ بِما لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُمْ بِنَظِيرِهِ، فَصارُوا أفْضَلَ. [ المجموع ].
ترتيبهم :
قال ابن ابي العز : وتَرْتِيبُ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ رضي الله عنهم أجْمَعِينَ فِي الفَضْلِ، كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الخِلافَةِ. ولِأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما مِنَ المَزِيَّةِ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَنا بِاتِّباعِ سُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ، ولَمْ يَأْمُرْنا فِي الِاقْتِداءِ فِي الأفْعالِ إلّا بِأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ، فَقالَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِن بَعْدِي: أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ، وفَرْقٌ بَيْنَ اتِّباعِ سُنَّتِهِمُ والِاقْتِداءِ بِهِمْ، فَحالُ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ فَوْقَ حالِ عُثْمانَ وعَلِيٍّ رضي الله عنهم أجْمَعِينَ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلى عُثْمانَ، ولَكِنْ ظاهِرُ مَذْهَبِهِ تَقْدِيمَ عُثْمانَ، وعَلى هَذا عامَّةُ أهْلِ السُّنَّةِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِعَلِيٍّ رضي الله عنهما: إنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أمْرِ النّاسِ فَلَمْ أرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمانَ.
وقالَ أيُّوبُ السِّخْتِيانِيُّ مَن لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمانَ عَلى عَلِيٍّ فَقَدْ أزْرى بِالمُهاجِرِينَ والأنْصارِ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: كُنّا نَقُولُ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَيٌّ: أفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَهُ – أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمانُ.». شرح الطحاوية ( ٢/ ٧٢٦-٧٢٧).
[العَشَرَةُ المُبَشَّرُونَ بِالجَنَّةِ]
قال الطحاوي : (وأنَّ العَشَرَةَ الَّذِينَ سَمّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وبَشَّرَهُمْ بِالجَنَّةِ، نَشْهَدُ لَهُمْ بِالجَنَّةِ، عَلى ما شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وقَوْلُهُ الحَقُّ، وهُمْ. أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلِيٌّ، وطِلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، وسَعْدٌ، وسَعِيدٌ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وأبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ، وهُوَ أمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ، رضي الله عنهم أجْمَعِينَ).
قال ابن ابي العز في شرحه على الطحاوية: ومِن فَضائِلِ السِّتَّةِ الباقِينَ مِنَ العَشَرَةِ رضي الله عنهم أجْمَعِينَ: ما رَواهُ مُسْلِمٌ: عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها: «أرِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ لَيْلَةٍ، [فَقالَ]: لَيْتَ رَجُلًا صالِحًا مِن أصْحابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قالَتْ: وسَمِعْنا صَوْتَ السِّلاحِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَن هَذا؟ فَقالَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أحْرُسُكَ – وفِي لَفْظٍ آخَرَ: وقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجِئْتُ أحْرُسُهُ، فَدَعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ نامَ».
وفِي الصَّحِيحَيْنِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَمَعَ لِسَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ أبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقالَ: ارْمِ، فِداكَ أبِي وأُمِّي».
وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، «عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حازِمٍ، قالَ: رَأيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وقى بِها النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ شَلَّتْ».
وفِيهِ أيْضًا عَنْ أبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، قالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأيّامِ الَّتِي قاتَلَ فِيها النَّبِيُّ ﷺ غَيْرُ طَلْحَةَ وسَعْدٍ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوارِيٌّ، وحَوارِيَّ الزُّبَيْرُ»
وفِيهِما أيْضًا عَنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قالَ: مَن يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ؟ فانْطَلَقْتُ، فَلَمّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبَوَيْهِ، فَقالَ: فِداكَ أبِي وأُمِّي».
وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أمِينًا، وإنَّ أمِينَنا أيَّتُها الأُمَّةُ: أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ». وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، قالَ. «جاءَ أهْلُ نَجْرانَ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ إلَيْنا [رَجُلًا] أمِينًا، فَقالَ: لَأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، [قالَ]: فاسْتَشْرَفَ لَها النّاسُ، قالَ: فَبَعَثَ أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ».
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، قالَ: «أشْهَدُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَشَرَةٌ فِي الجَنَّةِ: النَّبِيُّ فِي الجَنَّةِ، وأبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وعُثْمانُ فِي الجَنَّةِ، وسَعْدُ بْنُ مالِكٍ فِي الجَنَّةِ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، ولَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ العاشِرَ، قالَ: فَقالُوا: مَن هُوَ؟ قالَ: سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وقالَ. لَمَشْهَدُ رَجُلٍ مِنهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَغْبَرُّ مِنهُ وجْهُهُ، خَيْرٌ مِن عَمَلِ أحَدِكُمْ، ولَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ». رَواهُ أبُو داوُدَ، وابْنُ ماجَهْ، والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ. ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: أبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وعُثْمانُ فِي الجَنَّةِ، وطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، والزُّبَيْرُ بْنُ العَوّامِ فِي الجَنَّةِ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي الجَنَّةِ، وأبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ فِي الجَنَّةِ.»
رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. ورَواهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي خَيْثَمَةَ، وقَدَّمَ فِيهِ عُثْمانَ عَلى عَلِيٍّ، رضي الله عنهما.
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى حِراءٍ، هُوَ وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ وطِلْحَةُ والزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اهْدَأْ، فَما عَلَيْكَ إلّا نَبِيٌّ أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدٌ». رَواهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُما. ورُوِيَ مِن طُرُقٍ.