فتح الكريم المنان في جمع مسائل أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا )
——‘——-‘——-‘
مسألة : بيان أن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا ينجي من العذاب :
قال ابن تيمية : وأن مجرد الإقرار بأن الله رب كل شيء لا يكون توحيدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} . قال عكرمة: تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره. [ المجموع ( 8/ 101) ].
وانظر آثار أخرى في تفسير ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه ، ومجاهد ، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم موافقة لمعنى أثر عكرمة .
قال ابن القيم : ” فأما توحيد الربوبية الذي أقر به كل المخلوقات فلا يكفي وحده وإن كان لا بد منه وهو حجة على من أنكر توحيد الألوهية فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم وأن يكرمهم إذا قدموا عليه وهذا كما أنه غاية محبوب العبد ومطلوبه وبه سروره ولذته ونعيمه فهو أيضا محبوب الرب من عبده ومطلوبه الذي يرضى به ويفرح بتوبة عبده إذا رجع إليه وإلى عبوديته وطاعته أعظم من فرح من وجد راحلته التي عليها طعامه وشرابه في أرض مهلكة بعد أن فقدها وأيس منها وهذا أعظم فرح يكون وكذلك العبد لا فرح له أعظم من فرحه بوجود ربه وأنسه به وطاعته له وإقباله عليه وطمأنينته بذكره وعمارة قلبه بمعرفته والشوق إلى لقائه فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله سبحانه ” [ طريق الهجرتين ].
فإذا تبين لك أن الكفار يقرون بذلك، عرفت أن قولك: لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله; لا يصيرك مسلما حتى تقول: لا إله إلا الله، مع العمل بمعناها؛ فهذه الأسماء، كل واحد منها، له معنى يخصه. [ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( 2/ 125)].
قال العلامة محمد أمان الجامي: ” الإيمان بربوبية الله تعالى لا يجدي ولا ينفع ولو آمنت بالنبوات وبالأمور الغيبية وآمنت بربوبية الله تعالى واعتقدت جازما بأن الله وحده هو الخالق الرازق المعطي المانع النافع الضار ، لكن لم تؤمن بتوحيد العبادة أي : لم تفرد الله تعالى بالعبادة ، التوحيد الذي ينفع أن تجمع بين الإيمان بربوبية الله تعالى وبين الإيمان بالألوهية مع الإيمان بالنبوات وبكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يقع فيه عوام وجهال المسلمين اليوم من الإشراك بالله تعالى عند الشدة على خلاف ما كان عليه المشركون الأولون الذين يوحدون الله تعالى إذا ركبوا الفلك وعند الشدة ” [ شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية] من الشاملة.
قال الشنقيطي: أن توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة، أي عبادة الله وحده لا شريك له، ويدل لذلك قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [12/106].
[ هنا إشكال وتنبيه مهم ]
وقال الشنقيطي أيضا :
وفي هذه الآية الكريمة إشكال: وهو أن المقرر في علم البلاغة أن الحال قيد لعاملها وصف لصاحبها وعليه فإن عامل هذه الجملة الحالية الذي هو يؤمن مقيد بها، فيصير المعنى تقييد إيمانهم بكونهم مشركين، وهو مشكل لما بين الإيمان والشرك من المنافاة.
قال مقيده عفا الله عنه: لم أر من شفي الغليل في هذا الإشكال، والذي يظهر لي، والله تعالى أعلم، أن هذا الإيمان المقيد بحال الشرك إنما هو إيمان لغوي لا شرعي؛ لأن من يعبد مع الله غيره لا يصدق عليه اسم الإيمان ألبتة شرعاً؛ أما الإيمان اللغوي فهو يشمل كل تصديق، فتصديق الكافر بأن الله هو الخالق الرازق يصدق عليه اسم الإيمان لغة مع كفره بالله، ولا يصدق عليه اسم الإيمان شرعاً.
وإذا حققت ذلك علمت أن الإيمان اللغوي يجامع الشرك فلا إشكال في تقييده به، وكذلك الإسلام الموجود دون الإيمان في قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [49/14]، فهو الإسلام اللغوي؛ لأن الإسلام الشرعي لا يوجد ممن لم يدخل الإيمان في قلبه، والعلم عند الله تعالى. [ أضواء البيان ( 13/37)].
قال ابن عثيمين : ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فلو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولكنه يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإنه مشرك كافر خالد في النار قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة، الآية: 72] وإنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به. [ شرح ثلاثة الاصول ( 40-41).
[وبالجملة فهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضاً ولا ينفع أحدها بدون الآخرين ]
قال الهراس في ( دعوة التوحيد) ( 74): وبالجملة فهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضاً ولا ينفع أحدها بدون الآخرين .
فكما لا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الإلهية لا يصح توحيد الإلهية بدون توحيد الربوبية، فإن من عبد الله وحده، ولم يشرك به شيئاً في عبادته، ولكنه اعتقد مع ذلك أن لغيره تأثيراً في شيء أو قدرة على ما لا يقدر عليه إلا الله أو أنه يملك ضر العباد ونفعهم، ونحو ذلك فهذا لا تصح عبادته، فإن أساسها الإيمان بالله رباً له شئون الربوبية كلها .
وكذلك من وحد الله في ربوبيته وإلهيته ولكنه سمى غيره باسمه أو ألحد في أسمائه ، فلم يثبت له، ما دلت عليه تلك الأسماء من صفات الكمال أو أثبت لغيره مثل صفته لم ينفعه توحيده في الربوبية والإلهية، فلا يكمل لأحد توحيده حتى يجمع بين أنواع التوحيد الثلاثة. انتهى
[ إذن تبين من كلام أهل العلم أن توحيد الربوبية وحده لم يكن كافياً و لم ينجيه من العذاب حتى يشهد أن لا إله إلا الله مع العمل بمعناها ] .