12- عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرح وجمع نورس الهاشمي
تنبيه : نقلت بحث مصغر لاخي سعيد الجابري
فقمت بزيادة و اضافة بعض المسائل .
———_-
مسند أحمد : 607 – حدثنا عبد الله، حدثني عقبة بن مكرم الكوفي، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وعن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة “
حديث صحيح، رجاله ثقات، عقبة بن مكرم ثقة من رجال مسلم، ويونس بن بكير روى له مسلم متابعة وهو ثقة، ومحمد بن إسحاق: هو ابن يسار المطلبي مولاهم وهو صدوق حسن الحديث إلا أنه مدلس وقد عنعن، وباقي السند من رجال الشيخين. وسيأتي برقم (968) عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني عمي عبد الرحمن بن يسار، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي. وفي الباب عن أبي هريرة وسيأتي في “المسند” 2/ 245، وعن عائشة عند ابن حبان (1069) والبزار (493).
الجواب: ورد أن محمد بن إسحاق قال حدثني عمي وهو الحديث رقم 968 فهو الذي على الشرط لأن محمد بن إسحاق صرح فيه بالتحديث
قال أحمد في مسنده :
968 – حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
——–
الحكمة من السواك
فائدة : قال بن دقيق العيد : الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا تقرب إلى الله فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة .
فتح الباري للحافظ ابن حجر، ج٣/ ١٥٦
إهمال الناس لهذه السنة مع كثرة أحاديثها
قال الصنعاني في سبل السلام ( ج ١ / ٥٧ ) :
قال في البدر المنير: قد ذكر في السواك زيادة على مائة حديث فواعجبا لسنة تأتي فيها الأحاديث الكثيرة، ثم يهملها كثير من الناس .
(من سنن الفطرة).
السواك:
حكمه:
السواك مستحب.
الأدلة الواردة في السواك:
١-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
(رواه البخاري ومسلم)
وفي رواية للبخاري مع كل صلاة.
وفي رواية : قالﷺ: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ( رواه البخاري )
وفي رواية عند أحمد: مع كل وضوء .
٢-وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
يعني: يتسوك لكل ركعتين.
صححه الألباني: أخرجه ابن ماجه، وأحمد، وهو في صحيح الجامع (٤٨٣٧).
٣-فعن حذيفة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل (وفي رواية: ليتهجد) يشوص فاه بالسواك.
(رواه مسلم ).
٤-وعن عائشة، رضي الله عنها قالت: كان رسول اللهﷺ لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ.
(رواه أبو داود)
وقته:
السواك مسنون في جميع الأوقات، حتى الصائم لو تسوك في حال صيامه فلا بأس بذلك سواء كان أول النهار أو آخره؛ لأن النبي ﷺ رغب فيه ترغيبا مطلقا، ولم يقيده بوقت دون آخر ، حيث قال صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) .
متى يتأكد؟
١-ويتأكد عند الوضوء.
٢-وعند الإنتباه من النوم.
٣-وعند تغير رائحة الفم.
٤-وعند قراءة القرآن.
٥-وعند الصلاة.
٦-وكذا عند دخول المسجد والمنزل؛ لحديث المقدام بن شريح، عن أبيه قال: سألت عائشة، قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟
قالت: بالسواك .
(رواه مسلم ).
٦-ويتأكد كذلك عند طول السكوت.
٧-وصفرة الأسنان، للأحاديث السابقة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص (الشوص: الدلك.) فاه بالسواك
(رواه البخاري )،
والمسلم مأمور عند العبادة والتقرب إلى الله، أن يكون على أحسن حال من النظافة والطهارة.
مسائل مختصره ومهمه
1- ماهو فضل السواك؟
قال ابن باز:
صحت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في فضل السواك والترغيب فيه ومن ذلك
أ- ما رواه البخاري ومسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» أخرجه النسائي
ج- قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء»
نور على الدرب (٥-٣٤).
2- هل السواك مستحب أم واجب؟
قال ابن باز:
السواك مستحب فقط وليس بواجب. مجموع الفتاوى (٢٥-٣٤٢)
3- حكم السواك وقت خطبة الجمعة؟
قال ابن باز:
لا يستاك وقت الخطبة، بل ينصت ويقبل على الخطبة ولا يستاك، ولا يعبث ويحفظ السواك حتى تأتي الحاجة إليه عند إقامة الصلاة عندما ينتهي من الخطبة.
نور على الدرب (٥-٣٧).
4- هل يجوز التسوك لطرد النعاس أثناء الخطبة؟
قال ابن عثيمين:
في حالة الخطبة لا يتسوك، لأنه يشغله إلا أن يكون معه نعاس فيتسوك لطرد النعاس.
مجموع الفتاوى (١١- ١١٥).
______________________________
13 – عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع وتأليف نورس الهاشمي
وشارك أبوصالح وحسين البلوشي
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الذيل على الصحيح المسند
مسند أحمد 967 – حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَلَأَخَّرْتُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ هَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَيَقُولَ قَائِلٌ: أَلا سَائِلٌ يُعْطَى، أَلا دَاعٍ يُجَابُ، أَلا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى، أَلا مُذْنِبٌ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرَ لَهُ؟ “،
———–_-
قلت سيف :
قال الأصحاب :
-فيه رحمة النبي لأمته.
-فيه إستحباب السواك عند كل صلاة.
-فيه السنة في تأخير العشاء إلا إذا شق على الناس, لكن هذا في حال إذا كانو جماعة, أما إذا كان لوحده فليس له ذلك مادام يسمع نداء الجماعة.
**رواية “ثلث الليل الآخر” قال الترمذي:هذه أصح الروايات.وقال الشيخ الألباني في الإرواء(2/196) :وقد أطال الحافظ في الفتح الإستدلال على ترجيح ما رجحه الترمذي (3/31). .وقال النووي:ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأحد الأمرين: في وقتٍ فأخبر به, ثم أعلم بالآخر في وقتٍ آخر فأعلم به. وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعاً, وسمع أبو سعيد الخدري خبد الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة, كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة, وهذا ظاهر.
-فيه إثبات نزول الله عز وجل كما يليق به.
-فيه سعة رحمة الله.
قال صاحبنا نورس الهاشمي:
اثبات نزول يليق بالله :
ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أنهم يصفونه بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في النفي والإثبات.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد نفي عن نفسه مماثلة المخلوقين، فقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص] ، فبين أنه لم يكن أحد كفوًا له، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] ، فأنكر أن يكون له سميّ، وقال تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة: 22] ، وقال تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74] ، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
ففيما أخبر به عن نفسه، من تنزيهه عن الكفء، والسَّمِيّ، والمثل، والنِّدّ، وضرب الأمثال له؛ بيان أن لا مثل له في صفاته، ولا أفعاله، فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات. فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما؛ إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات، فإن الصفة تابعة للموصوف بها، والفعل ـ أيضًا ـ تابع للفاعل، بل هو مما يوصف به الفاعل. فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان متماثلين، حتى إنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الموصوفين، كالإنسانين كما كانا من نوع واحد، فتختلف مقاديرهما وصفاتهما بحسب اختلاف ذاتيهما، ويتشابه ذلك بحسب تشابه ذلك. شرح حديث النزول لابن تيمية ( ص7 ).
والنزول صفة فعلية خبرية ثابتة لله – عز وجل – بالسنة الصحيحة.
“وقد ألفت أحاديث النزول في جزء، وذلك متواتر أقطع به”
ومن هذه الأحاديث المشار إليها:
1- حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام: ” ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول “. وفي رواية: “حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك”.
قال الذهبي: رواه أحمد، وإسناده قوي اهـ.
2- حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له” .
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: “هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، رواه أكثر الرواة عن مالك … إلى أن قال: وفيه دليل على أن الله في السماء على عرشه، من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة. الصفات الالهية للشيخ محمد الجامي رحمه الله.
وفي لفظ: (إذا بقي من الليل ثلثاه يهبط الرب إلى سماء الدنيا) وفي لفظ: ” حتى ينشق الفجر ثم يرتفع “، وفي رواية يقول: “لا أسأل عن عبادي غيري , من ذا الذي يسألني فأعطيه “، وفي رواية عمرو بن عبسة: “أن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا “، وفي لفظ: ” حتى ينشق الفجر، ثم يرتفع ” وذكر نزوله عشية عرفة من عدة طرق، وكذلك ليلة النصف من شعبان ,، وذكر نزوله يوم القيامة في ظلل من الغمام .
ممن قال بتواتر حديث النزول من أهل العلم؛ ابن القيم في تهذيب السنن 7/108؛ والذهبي في كتاب العلو ص73-79؛ وابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص304؛ وأبو زرعة الرازي كما في عمدة القاري 7/199؛ والكتاني في النظم المتناثر ص191؛ وعبد الرحمن بن سعدي في توضيح الكافية الشافية ص147.
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذي يليق بالله سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته. مجموع فتاوى ابن باز ( 4 / 420 ) .
وقال ابن عبد البر – رحمه الله -: ” والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجة في ذلك واحدة” التمهيد (7/ 143).
قال الصابوني : (صفة النزول) ( ويصدِّقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر» . . .؟ ” كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ اعتقاد السلف أصحاب الحديث ] .
قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: وإنه عز وجل ينزل إلى السماء على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقاد كيف فيه.
الفسوى قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة – وكانت آخر خطبة خطبها – فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى وأن لكم معادا ينزل الله ليحكم فيكم ويفصل بينكم … ” المعرفة والتاريخ 1/611-612
قال ابن قدامة : وتواترت الأخبار، وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا فيجب الإيمان به، والتسليم له، وترك الإعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تأويل، ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول1. [ الاقتصاد ، ص 100] .
قال ابن تيمية في الحموية : قال: (ونسلم بالرواية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أن قال: (ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل في النزول إلى السماء الدنيا) .
قال ابو داود في حائيته :
11 (وقل بنزل الجبار في كل ليلةٍ … بلا كيف جل الواحد المتمدح)
12 (إلى طبق الدنيا يمن بفضله … فتفرج أبواب السماء وتفتح)
13 (يقول ألا مستغفرٌ يلق غافراً … ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح)
14 (روى ذاك قومٌ لا يرد حديثهم … ألا خاب قومٌ كذبوهم وقبحوا)
قال الالباني : فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل، فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم، وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها ” مجموعة الفتاوى “، فراجع مثلاً (ج 5/ 464 – 478).وقد أورد الحديث على الصواب. السلسلة الصحيحة .
الرد على أهل البدع
من أقوى الردود على من ينفي أو يأول صفة النزول لله جل و علا
قال محمد آمان الجامي : وهذا التأويل الذي يتوارثه النفاة فيما بينهم في معنى النزول قد ناقشه الإمام ابن تيمية في كتابه الفريد في بابه “شرح حديث النزول” وأبطله من عدة وجوه، ومن ذلك أن سياق الحديث يأبى ذلك التأويل، فإن قوله تعالى: “أنا الملك” إلى آخر الحديث صريح في أن الله هو الذي ينزل كيف يشاء، ومما ذكره شيخ الإسلام حول هذا المعنى أنه قال: “وقد سئل بعض نفاة العلو عن النزول فقال: ينزل أمره – فقال له السائل: فممن ينزل؟!! إن عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر؟ من العدم المحض؟ فبهت” اهـ.
ويكون معنى الكلام إذا كنت لا تؤمن بأن الله في العلو، فكيف تزعم بأن الأمر ينزل. فممن ينزل الأمر، فإن الله ليس فوق العالم في زعمك؟ وهو سؤال مفحم كما ترى، ولذلك بهت الذي نفى العلو، ثم زعم نزول الأمر، لأن النزول لا يكون في اللغة إلا من فوق، وهذا السؤال يمكن أن يوجه أيضاً إلى القائلين بأنه تعالى ليس فوق العرش، ولا تحت العرش، ولا يمين العرش، ولا يساره، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على العدم، فيكون وجود الرب تعالى عند هؤلاء وجوداً ذهنياً ولا وجود له في الخارج كما لا يخفى، فإذاً ممن ينزل الأمر أو ممن تنزل الرحمة، والحالة ما ذكر؟!! ….
قال الحافظ ابن القيم: اختلف أهل السنة في نزول الرب تعالى على ثلاثة أقوال:
1 – أحدها: أنه ينزل بذاته، قال شيخنا: وهذا قول طوائف من أهل الحديث والسنة والصوفية والمتكلمين.
2- وقالت طائفة منهم: لا ينزل بذاته.
3- وقالت طائفة أخرى: نقول: ينزل، ولا نقول بذاته، ولا بغير ذاته، بل نطلق اللفظ كما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم ونسكت عما سكت عنه اهـ.
وهذا ما يفهم من قول الإمام الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق بن راهويه، وقد سبق نقل أقوالهم، وقد سئل الإمام أحمد فقال السائل: يا أبا عبد الله أينزل إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم، ثم قال السائل: نزوله بعلمه أم ماذا؟!! فقال الإمام: “اسكت عن هذا” فغضب غضباً شديداًَ ثم قال: امض الحديث على ما روي اهـ.
الصفات الالهية ( 254 – 256 ).
قال ابو سعيد الدارمي : فالذي يقدر على النزول يوم القيامة من السموات كلها ليفصل بين عباده قادر أن ينزل كل ليلة من سماء إلى سماء فإن ردوا قول رسول الله في النزول فماذا يصنعون بقول الله عز و جل تبارك وتعالى. الرد على الجهمية ( 74 ) .
أخبرنا أبو بكر ، أنا والدي ، أنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال : سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول : سمعت حمدان السلمي ، وأبا داود الخفاف ، يقولان : سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : قال لي الأمير عبد الله ابن طاهر : يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
73 – ‘ ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا ‘ . كيف ينزل ؟ قال : قلت أعز الله الأمير ، لا يقال لأمر الرب كيف ؟ إنما ينزل بلا كيف . قال : وحدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل ، نا محبوب ابن عبد الرحمن القاضي ، حدثني جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن محبوب ، نا أحمد بن حيوية ، نا أبو عبد الرحمن العتكي ، نا محمد بن سلام قال : سألت عبد الله بن المبارك عن نزوله ليلة النصف من شعبان ، فقال عبد الله : يا ضعيف ليلة النصف ينزل ! ؟ . في كل ليلة ينزل ، فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل ؟ أليس يخلو ذلك المكان منه ؟ فقال عبد الله بن المبارك 🙁 كذ حذائي خويس كن )، ينزل كيف يشاء . قال : وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول : سمعت أبا زكريا يحيى ابن محمد العنبري يقول : سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : سمعت أحمد ابن سعيد بن إبراهيم أبا عبد الله الرباطي يقول : حضرت مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر ذات يوم ، وحضر إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهوية ، فسئل عن حديث النزول أصحيح هو ؟ قال : نعم . فقال : له بعض قواد عبد الله : يا أبا يعقوب أتزعم أن الله تعالى ينزل كل ليلة ؟ قال : نعم . قال : كيف ينزل ؟ فقال له إسحاق : أثبته فوق حتى أصف لك النزول . فقال الرجل : أثبته فوق . فقال إسحاق : قال الله عز وجل : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال الأمير عبد الله : يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة . فقال إسحاق :، عما يقول المشبهة والمعطلة علواً كبيراً ، ولعنهم لعناً كثيراً .
[ الحجة في بيان المحجة ، 2 / 129 – 130 ].
تنبيه : ومن اراد الزيادة كثيرا والاطلاع فليرجع الى كتب السلف ومنها :
كتاب النزول للدارقطني بتحقيق الشيخ علي ناصر الفقهي
الرد على الجهمية للدارمي
شرح حديث النزول لابن تيمية
مختصر العلو للذهبي
الصواعق المرسلة لابن القيم.
قال صاحبنا حسين :
تنبيه 1 :
النقل الذي فيه :
قال عبد الله بن المبارك 🙁 كذ حذائي خويس كن )، ينزل كيف يشاء .
قال محقق المحجة
بالفارسية ومعنى ذلك بالعربية : ينزل كيف شاء، فأكد أن المعنى المنقول( ينزل كيف يشاء ) هو تفسير لما قبلها من الكلام باللغة الفارسية.
تنبيه 2: قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
ونزوله واستواؤه على العرش
وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الاسلام المشهورين واهل الحديث (الفتاوى 5/322-466)
قال الامام الاجري في الشريعة 30 :
واما اهل الحق فيقولون الايمان به واجب بلا كيف
وممن نقل الاجماع ابن عبد الهادي في الصارم المنكي 229
والكرماني في اجماع السلف 61 :
وينزل كل ليلة الى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء
وابو عثمان الصابوني نقل الاجماع في كتابه عقيدة السلف : 191
وابو عمرو الداني في الرسالة الوافية 23-24
اما بخصوص كلام ابن القيم الاخير فانبه لامرين :
ان كلامه هذا في كتاب مختصر الصواعق (401) وفي طبعة اخرى (385)
وهنا في البحث اختصر كلام ابن القيم اختصار يسير بدون تنبيه.
الامر الثاني : قول طائفة من اهل السنة : لا ينزل بذاته )
يريدون نفي اطلاق لفظ الذات هنا لا ان الله لا ينزل حقيقة
وهذا لامرين :
للاجماعات المتقدمة في اثبات النزول على الحقيقة ولا شك ان نزوله بذاته لكن الاطلاق لم يرد فنتوقف في اللفظ
سياق كلام ابن القيم يبين المراد فالقسم الاول
اثبتوا النزول باطلاقهم لفظ الذات
والقسم الثالث اثبتوا النزول لكن لا باطلاق لفظ ذاته ولا بنفي لفظ بذاته بل التوقف في هذه اللفظة
بقي القسم الثاني وهم يقولون باثبات النزول حقيقة لكن بنفي لفظ بذاته
وهم مع هذا مجمعون على ان الله ينزل حقيقة لا ان النازل هو الامر او الرحمة او القدرة او رسول
للاجماعات المتقدمة عن اهل السنة والله اعلم
قال ابن القيم في مختصر الصواعق عند الكلام في صفة النزول :
الحادي عشر: أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره فإنه قال:” إن الله ينزل إلى السماء الدنيا” فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ، والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم، فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ويكون_عن _مسماه ومعناه وهو الأكثر. فإذا قلت : زيد عندك وعمرو قائم فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم فقوله تعالى: {الله خالق كل شيء} هو خبر عن ذات الرب تعالى فلا يحتاج المخبر أن يقول : خالق كل شيء بذاته، وقوله: {الله ربكم} قد علم أن الخبر عن نفس ذاته وقوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد البتة، فالسامع قد أحاط علمًا بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه ويعلم المتكلم بذلك لم يحتج أن يقول : إنه بذاته فعل وخلق واستوى ، فإن الخبر عن مسمى اسمه وذاته وهذا حقيقة الكلام ولا ينصرف إلى غير ذلك إلا بقرينة ظاهرة تزيل اللبس وتعين المراد، فلا حاجة بنا أن نقول: استوى على العرش بذاته وينزل إلى السماء بذاته، كما لا يحتاج أن نقول : خلق بذاته وقدر بذاته وسمع وتكلم بذاته، وإنما قال ائمة السنة ذلك إبطالًا لقول المعطلة .أهـ
قال شيخ الاسلام كما فى”مجموع الفتاوى-شرح حديث النزول-ج5ص393و394″:…وقال عبد الرحمن بن منده: إياك أن تكون فيمن يقول: أنا أومن برب يفعل ما يشاء، ثم تنفي ما في الكتاب والسنة مما شاء اللَّه وأوجب على خلقه الإيمان به: أفاعيله كل ليلة أن ينزل بذاته من العرش إلى السماء الدنيا، والزنادقة ينكرونه بزعمهم أن اللَّهَ لا يخلو منه مكان ؛ وروى حديث مرفوع من طريق نعيم بن حماد، عن جرير, عن ليث, عن بشر, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد اللّه أن ينزل عن عرشه نزل بذاته) قلت: ضعف أبو القاسم إسماعيل التميمي _لعله التيمي _ وغيره من الحفاظ هذا اللفظ مرفوعًا، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات, وقال أبو القاسم التميمي _لعله التيمي _: ( ينزل) معناه صحيح أنا أقر به, لكن لم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وقد يكون المعنى صحيحًا وإن كان اللفظ نفسه ليس بمأثور, كما لو قيل:إن اللّه هو بنفسه وبذاته خلق السموات والأرض، وهو بنفسه وذاته كلم موسى تكليما، وهو بنفسه وذاته استوى على العرش؛ ونحو ذلك من أفعاله التي فعلها هو بنفسه، وهو نفسه فعلها؛ فالمعنى صحيح، وليس كل ما بين به معنى القرآن والحديث من اللفظ يكون من القرآن ومرفوعًا…..أهـ
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الواسطية (306):
بهذا يتبين لكل إنسان قرأ هذا الحديث أن المراد هنا نزول الله نفسه، ولا نحتاج أن نقول: بذاته، مادام الفعل أُضيف إليه، فهو له، لكن بعض العلماء قالوا: ينزل بذاته، لأنهم لجؤوا إلى ذلك، واضطروا إليه، لأن هناك من حرّفوا الحديث وقالوا: الذي ينزل أمر الله. وقال آخرون: بل الذي ينزل رحمة الله! وقال آخرون: بل الذي ينزل ملكٌ من ملائكة الله!.
هذا باطل!
قال صاحبنا أبوصالح :
فأقول النزول اﻹلهي حق على حقيقته وليس المراد نزول أمره أو رحمته والقائلون بذلك إنما يريدون نفي النزول
ثم نتقيد بنص كلام المتقدمين كي لا يوقعنا أهل التحريف في باطلهم
14- عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع وتأليف نورس الهاشمي
———
مسند أحمد :
4870 – حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: ” رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ “
قلت سيف : هو على شرط الذيل على الصحيح المسند.
——-_
العمل بالسنة
قوله (فَحَادَ عَنْهُ) أي: مال عنه وعدل.
ومن الأحاديث الدالة على ذم من ترك سنته :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون.
وعن الحسن بن جابر قال سمعت المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه) يقول حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكيء وعلى أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه؛ ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله.
وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل ينثني شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروهم فعليهم أن يعقبوهم بمثل قراهم.
وعن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرفن ما يبلغ أحدكم من حديثي شيء وهو متكيء على أريكته فيقول ما أجد هذا في كتاب الله.
قال الحافظ المنذري رحمه الله يعني أنه صلى الله عليه وسلم أوتي من الوحي غير المتلو مثل ما أوتي من المتلو كما قال الله تعالى (ويعلمهم الكتاب والحكمة) فالكتاب هو القرآن، والحكمة السنن التي لم ينطق القرآن بنصها وأوتي صلى الله عليه وسلم من بيان القرآن وتفسيره فإن بيان القرآن مفوض إليه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وفي تكرير كلمة التنبيه (يعني ألا) توبيخ نشأ من غضب عظيم عن من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب فكيف بمن ترك العمل بالحديث استغناء بالرأي اهـ
قال الخطابي رحمه الله : وفيه دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه فأما ما رواه بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه، فإنه حديث باطل لا أصل له وقد حكى زكريا الصاحبي عن يحيى بن معين رحمهما الله أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة اهـ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , أَنَّهُ قَالَ: ” إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا وَحَدِّثْنَا مِنَ الْقُرْآنِ , فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وَ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهُ} [النساء: 80] وَيَدْعُوهُ إِلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ “. الكفاية في علم الرواية ( 15).
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى- “لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة”، (الإحكام) ج2 ص80 انتهى
فمن رَدَّ السُنَّة القولية والعملية في هذه الأمور يكون قد رَدَّ القرآن الذي أخبر أنَّ الله قد خول نبيه هذه الصفات والخصائص وأمر بطاعته مع طاعة الله أي العمل بالسُنَّة والقرآن إذ قال الله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].
ومن الادلة التي تدل على العمل بالسنة : هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال ظاهراً وباطنا ، ويجب الاقتداء به ، فجعل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم من لوازم محبة الله ، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] .
من الناس من إذا تعلم السنة هلك، قالوا: كيف يهلك؟ قال: يتعلم السنة من أجل أن يتركها، لا من أجل أن يعمل بها؛ فتراه يقول: هذه سنة، وهذا واجب، وهذا ركن؛ فإذا علم أنها سنة عزم على تركها، مع أن السلف كانوا حريصين على العمل بالسنة، واتباع هديه؛ ويكفي في فضيلة السنة قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
[ روى القاضي عياض في “الشفا”، عن الحسن البصري: أن أقواماً قالوا: يارسول الله: إنا نحب الله؛ فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية” . وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] . قال محمد بن علي الترمذي: “الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أوفعل” . قال القاضي عياض: “وقال غير واحد من المفسرين بمعناه” ] انتهى .
قال الشاطبي في الموافقات ( 4 / 340 ): فنقول وبالله التوفيق: إن للناس في هذا المعنى مآخذ:
-منها: ما هو عام جدًّا، وكأنه جار مجرى أخذ الدليل من الكتاب على صحة العمل بالسنة ولزوم الاتباع لها، وهو في معنى أخذ الإجماع من معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [النساء: 115].
وممن أخذ به عبد الله بن مسعود؛ فروي أن امرأة من بني أسد أتته، فقالت له: “بلغني أنك لعنت ذيت وذيت والواشمة والمستوشمة، وإنني قد قرأت ما بين اللوحين فلم أجد الذي تقول! فقال لها عبد الله: أما قرأت {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7]؟ قالت: بلى. قال: فهو ذاك”.
وفي رواية قال عبد الله: “لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله” .
فظاهر قوله لها: “هو في كتاب الله”، ثم فسر ذلك بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] دون قوله: {وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه} [النساء: 119]، أن تلك الآية تضمنت جميع ما جاء في الحديث النبوي، ويشعر بذلك أيضًا ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرمًا عليه ثيابه؛ فنهاه، فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي. فقرأ عليه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية3 [الحشر: 7].
وروي أن طاوسًا كان يصلي ركعتين بعد العصر؛ فقال له ابن عباس: “اتركهما. فقال: إنما نهي عنهما أن تتخذا سنة. فقال ابن عباس: قد نهى رسول الله -صلى لله عليه وسلم- عن صلاة بعد العصر ؛ فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]”.
قال ابن تيمية : فإن الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون العمل بالسنة المتواترة المحكمة وإن تضمنت نسخا لبعض آي القرآن لكن يقولون: إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة ويحتجون بقوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن. المجموع ( 20 / 399 ).
قلت سيف : كأن المقصود والله أعلم الناسخ للقرآن هو القرآن، وإن لم يصل إلينا لأنه نسخت تلاوته، والذي دلنا على وجود قرآن ناسخ هو السنة
قال الألباني :
أقوال الأئمة في اتِّباعِ السُّنَّةِ وتَركِ أقوالِهم المخالفَةِ لَها
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها، لعلَّ فيها عظةً وذكرى لمن يقلدهم – بل يقلد من دونهم بدرجات – تقليداً أعمى ، ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم؛ كما لو كانت نزلت من السماء، والله عزَّ وجلَّ يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] .
1- أبو حَنِيفة رحمه الله:
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتى، وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو: وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له:
1- ” إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي ” .
2- ” لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه ” . وفي رواية: ” حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي “. زاد في رواية: ” فإننا بَشَر؛ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً “.
وفي أخرى: ” ويحك يا يعقوب! – وهو أبو يوسف – لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً، وأتركه بعد غد ” .
3- ” إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاتركوا قولي ” .
2- مالك بن أنس رحمه الله
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله؛ فقال:
1- ” إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة؛ فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة؛ فاتركوه ” .
2- ” ليس أحد – بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” .
3- قال ابن وهب:
سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ” ليس ذلك على الناس “. قال: فتركته حتى خفَّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة. فقال: ” وما هي؟ “. قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدلُك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: ” إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة “.
ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع .
3- الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب ، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد؛ فمنها:
1- ” ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزُبُ عنه،
فمهما قلتُ من قول، أو أصّلت من أصل، فيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قولي ” .
2- ” أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم يَحِلَّ له أن يَدَعَهَا لقول أحد ” .
5- ” أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فَأَعْلِموني به – أي شيء يكون: كوفيّاً، أو بصرياً، أو شامياً -؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً “.
6- ” كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي، وبعد موتي ” .
7- ” إذا رأيتموني أقول قولاً، وقد صحَّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافُه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب ” .
8- ” كل ما قلت؛ فكان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي مما يصح؛ فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني ” .
9- ” كل حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني ” .
4- أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد؛ فهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة وتمسكاً بها، حتى ” كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ” ؛ ولذلك قال:
1- ” لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا ” . وفي رواية:” لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ فَخُذ به، ثم التابعين بَعْدُ؛ الرجلُ فيه مخيَّر “. وقال مرة: ” الاتِّباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخيّر ” .
2- ” رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة؛ كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار” .
3- ” من رد حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو على شفا هَلَكة ” .
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلاً ولا تأويلاً. وعليه؛ فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة، ولو خالف بعض أقوال الأئمة؛ لمجرد مخالفتها لقولهم ؛ بل هو بذلك عاصٍ لهم، ومخالف لأقوالهم المتقدمة، والله تعالى يقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] ، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
” فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعرفه؛ أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة؛ فإن أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق أن يُعَظَّم ويُقتدى به من رأي أي مُعَظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأً، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد ، لا بغضاً له؛ بل هو محبوب عندهم مُعَظَّم في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفوراً له ، بل ذلك المُخَالَف لمغفور له لا يكره أن يخالف أمره؛ إذا ظهر أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلافه ” . اصل الصفة للألباني رحمه الله ( 1 / 23 – 34 ) .
15 – عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند.
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: “ارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا، كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا”).
قلت سيف : على شرط الذيل على الصحيح المسند.
——–
شرح الحديث
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ) أصله أبوين لي، فحذفت النون، واللام للإضافة، ثمّ أُدغمت الياء فِي الياء، وفُتحت ياء المتكلّم (يَبْكِيَانِ) أي عَلَى فراقه لهما (قَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (ارْجِعْ إِلَيْهِمَا) الظاهر أن ذلك بعد أن انقطعت فريضة الهجرة (فَأَضْحِكْهُمَا) بقطع الهمزة، منْ الإضحاك، أي أضحكهما بدوام صحبتك لهما (كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) بفراقك إياهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو مشروعيّة البيعة عَلَى الهجرة، ووجه الاستدلال بالحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما ترك مبايعة الرجل عَلَى الهجرة؛ لأجل أبويه، فلولاهما لبايعه. (ومنها): وجوب برّ الوالدين، والسعي فِي تحصيل رضاهما. (ومنها): تحريم عقوق الوالدين، وإدخال الحزن عليهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى ( 32/ 236)
وَقَالَ الحافظ ابن حجر : والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك، والتزام أحكام المهاجرين مع النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة؛ لأنها كانت إذ ذاك فرض عين، ثم نُسخ ذلك بقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: “لا هجرة بعد الفتح”. “فتح” 7/ 675 “كتاب مناقب الأنصار” حديث: 3925.
و أيضا جاءت أحاديث مطابقة تدل على من يريد الخروج للجهاد وترك أبويه يبكيان ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع إليهما ويدخل إليهما السرور ويضحكهما ، ومن هذه الاحاديث :
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت أبا العباس الشاعر، وكان – لا يتهم في حديثه – قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟»، قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» . رواه البخاري برقم ( 3004 ) .
عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أجاهد؟ قال: «لك أبوان؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» رواه البخاري ( 5972 ) .
عن أبي سعيد الخدري، وفيه: “فإن استأذنا لك فجاهد وإلا فبرهما” وعبد الرحمن بن جاهمة عن أبيه: جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: “هل لك من أم؟ ” قال: نعم. قال: “الزمها فإن الجنة تحت رجليها” رواه النسائي 6/ 11، وأحمد 3/ 429، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (2485).
قال الحافظ في الفتح 6 / 140 : قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الابوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين
لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن.
وهل يلحق الجد والجدة بالابوين في ذلك الأصح عند الشافعية نعم .انتهى
قال ابن الملقن : وممن( أراد )أن لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه: مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد، وأكثر أهل العلم ، هذا كله في حال الاختيار ما لم تقع ضرورة وقوة العدو، فإذا كان ذلك تعين الفرض على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكل ، ولا حاجة إلى الإذن من والد وسيد.
وقال ابن حزم في “مراتب الإجماع”: إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقط عنه إجماعا ، وإلا فالجمهور يوقفه على الاستئذان، روي ذلك عن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، والأجداد كالآباء، والجدات كالأمهات. وممن صرح به ابن المنذر. وعند المنذري: هذا في التطوع، أما إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما، وإن منعاه عصاهما، هذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه، ولو نفلا، وطاعتهما حينئذ معصية . وعن الثوري: هما كالمسلمين، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا كله بعد الفتح وسقوط (فرض) الهجرة والجهاد وظهور الدين، أو كان ذلك من الأعراب وغير من كانت تجب عليه الهجرة، فرجح بر الوالدين على الجهاد. التوضيح لشرح الجامع الصحيح ( 18 / 151 ).
قلت سيف :
تنبيه 1: في كلام ابن الملقن( أراد ) وقال المحقق :كذا في الأصل، وعند ابن بطال( رأى )، انظر شرح ابن بطال 5/158.
تنبيه 2: حديث جاهمة، رجح الدارقطني رواية ابن جريج وهي مرسلة يعني عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وسلم. وراجع علل الدارقطني 7/78 ، فقوله( أن جاهمة ) هذا موضع إرسال حيث لم يشهد معاوية بن جاهمة القصة. وراجع أيضاً علل ابن أبي حاتم 936 مع الحاشية
وله شاهد من حديث أبي سعيد لكن فيه دراج عن أبي السمح ودراج واه.
فلا يتقوى.
16- عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند.
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد 6910 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” خَصْلَتَانِ – أَوْ خَلَّتَانِ – لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، تُسَبِّحُ اللهَ عَشْرًا، وَتَحْمَدُ اللهَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُ اللهَ عَشْرًا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَتُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ – عَطَاءٌ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ – إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ “، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ؟ قَالَ: ” يَاتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُومُ وَلَا يَقُولُهَا، فَإِذَا اضْطَجَعَ يَاتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا “، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ عَبْدُ اللهِ [بْنُ أَحْمَدَ]: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ الْقَوَارِيرِيَّ ، سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ الْبَصْرَةَ، فَقَالَ لَنَا أَيُّوبُ: ائْتُوهُ فَاسْأَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ التَّسْبِيحِ؟ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ
…………………..
قلت سيف : على شرط الذيل على الصحيح المسند
رواه شعبة عن عطاء، وهو قديم السماع وكذلك رواه عنه حماد بن زيد وهو صحيح السماع من عطاء، وكذلك رواه عنه ابن عيينة وهو سمع من عطاء قديما ثم سمع منه بآخرة فلما رآه اختلط اعتزله.
——
التسبيح قبل النوم
الشرح :
جاء في كتاب عون المعبود
( خصلتان أو خلتان ) شك من الراوي وهما بمعنى واحد ( هما ) أي الخصلتان أي كل منهما ( يسير ) سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما ( من يعمل بهما ) مبتدأ ( قليل ) خبر ( يسبح ) بيان لإحدى الخصلتين والضمير للعبد المسلم ( في دبر كل صلاة ) أي عقب كل صلاة ( فذلك ) أي التسبيح والتحميد والتكبير عشرا عشرا دبر كل صلاة من الصلوات الخمس ( خمسون ومائة باللسان ) أي في يوم وليلة ( وألف وخمس مائة في الميزان ) لقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( ويكبر أربعا وثلاثين ) بيان للخلة الثانية ( إذا أخذ مضجعه ) أي حين أخذ مرقده وإذا للظرفية المجردة ( يعقدها بيده ) أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها ( كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل ) أي ما وجه قولك هذا والضمير في بهما للخصلتين ( يأتي أحدكم ) بالنصب مفعول ( فينومه ) بتشديد الواو أي يلقي عليه النوم ( قبل أن يقوله ) أي الذكر المذكور في الخلة الثانية ( فيذكره حاجته ) أي فينصرف عن الصلاة ( قبل أن يقولها ) أي الكلمات المذكورة في الخلة الأولى.
صيغ التسبيح بعد الصلوات :
الصيغة الأولى :
أن يسَبّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويحمده ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويكبره ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويقول تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ، فيكون المجموع مائة .
لما روى مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) .
وقد تكون هذه الصيغة : بسرد التسبيح ثلاثا وثلاثين ، ثم التحميد مثل ذلك ، ثم التكبير مثل ذلك .
وقد تكون ، بأن يجمعها جميعا : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ثم يكررها مجموعة ثلاثا وثلاثين مرة .
روى البخاري (843) – واللفظ له – ، ومسلم (595) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ” جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : ( أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ) .
فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ؟
فَقَالَ : تَقُولُ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ) .
الصيغة الثانية :
أن يسَبِّح اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيكَبِّرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ، فيكون المجموع مائة .
لما روى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ – أَوْ فَاعِلُهُنَّ – دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً ) .
الصيغة الثالثة :
أن يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله : خمسا وعشرين ، فيكون المجموع مائة .
لما رواه النسائي (1350) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه ، قَالَ : ” أُمِرُوا أَنْ يُسَبِّحُوا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيَحْمَدُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ، فَأُتِيَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَنَامِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَبِّحُوا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَحْمَدُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاجْعَلُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ ، وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: ( اجْعَلُوهَا كَذَلِكَ ) ، وصححه الألباني في ” صحيح النسائي ” .
الصيغة الرابعة :
أن يسبح الله عشراً ، ويحمده عشراً ، ويكبره عشراً .
لما رواه أبو داود (5065) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ : يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا ، وَيَحْمَدُ عَشْرًا ، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ …) ، صححه الحافظ ابن حجر فى ” تخريج الأذكار ” (2 / 267) ، وصححه الألباني في ” الكلم الطيب ” (11).
الصيغة الخامسة :
سبحان الله (11) ، الحمد لله (11) الله أكبر (11)
الدليل :
فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَ أَبِي صَالِحٍ ثُمَّ رَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلى آخِرِ الْحَدِيثِ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ سُهَيْل :ٌإِحْدَى عَشْرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فَجَمِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَلاثَةٌ وَثَلاثُون )
.صحيح مسلم – كتاب المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة وصفته
برقم (43ـ 595)
والصيغ الأربع ذكرها ابن عثيمين وراجع
” شرح منظومة أصول الفقه وقواعده ” (ص176-177)
قلت : اضفت صيغة خامسة ذكرها الامام مسلم في صحيحه .
فوائد تنويع الذكر في الصلاة وهي :
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنك لو أهملت إحدى الصفتين نُسيت ولم تحفظ.
الفائدة الثالثة: ألا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، ولكن إذا كان يعودّ نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة صار متنبهاً للسنة.
في كتاب صفة صلاة النبي للعلامة العثيمين رحمه الله . انتهى
فضل التسبيح :
قال الحافظ في الفتح ( 11/ 206 ): يعني قول سبحان الله ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به صلاة النافلة.
[ اربع كلمات يحبهن الله جل وعلا ، فحافظ عليهن ايها المحب ]
وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
“أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أَربعٌ: (سبحانَ اللهِ، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ)، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدأْتَ”. صحيح الترغيب والترهيب برقم 1546 .
وقد جمع القرطبي بما حاصله ان هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ويحتمل ان يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى لان حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه انتهى وقال النووي هذا الإطلاق في الأفضلية محمول على كلام الادمي والا فالقرآن أفضل الذكر وقال البيضاوي الظاهر أن المراد من الكلام كلام البشر فإن للثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه قلت ويحتمل أن يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله أحب الكلام بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل لها التفضيل تنصيصا وانضماما والله أعلم . الفتح لابن حجر ( 11/ 207 ) .
[ التسبيح يكون باليمين ]
عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح : قال بن قدامة بيمينه .
قال الشيخ الألباني : صحيح
عن يسيرة بنت ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر النساء اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات .
صحيح سنن الترمذي – الألباني – (7 / 486)
قال العباد : والعقد بالأنامل معلوم عند العرب، وهو قبض الأنامل وعدها بالإبهام.
قال ابن علان : (يحتمل أن المراد العقد بنفس الأنامل، أو بجملة الأصابع.
والعقد بالمفاصل أن يضع إبهامه في كل ذِكر على مفصل، والعقد بالأصابع أن يعقدها ثم يفتحها)اهـ.
وفي شرح المشكاة: ( العقد هنا بما يتعارفه الناس)اهـ.
قال المناوي : أي اعددن عدد مرات التسبيح بها وهذا ظاهر في عقد كل أصبع على حدته لا ما يعتاده كثير من العد بعقد الأصابع. فيض القدير ( 4 / 355 ).
سئل العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى-:
السؤال:
عند التسبيح والعقد على الأصابع بعد الصلاة: هل يجوز أن يسبح الإنسان بعدد الخطوط الثلاثة الموجودة على كل إصبع أم لا، وهل يستخدم كلتا يديه في التسبيح، أم اليمنى فقط؟
الجواب:
( السنة العد بالأصابع بالخمسة الأصابع تطبيقاً وفتحاً حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين فيكون باليمنى أفضل، وإن سبح بالثنتين فلا حرج، والسنة أن يقول: “سبحان الله والحمد لله والله أكبر” ثلاثاً وثلاثين مرة، فهذه جميعها تسعة وتسعون، ثم يختم المائة بقوله: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” وإن شاء قال: “يحيي ويميت” كله طيب، “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير” أو يزيد “بيده الخير وهو على كل شيء قدير” كله طيب كل هذا جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أنواع الذكر، جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- في أنواع الذكر أنواع منها: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير” ومنها “”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير” ومنها: “”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير” ومنها: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير” ومنها: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيٌ لا يمت بيده الخير وهو على كل شيء قدير”، كله طيب والحمد لله)اهـ.
( نور على الدرب)
و يظهر و الله أعلم الأمر فيه سعة و لا يتشدد في ذلك .
17 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد 1837 – حدثنا هشيم، أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن العباس، قال: جاءت الغميصاء – أو الرميصاء – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها، فما كان إلا يسيرا. حتى جاء زوجها، فزعم أنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره “
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله بن العباس فقد روى له النسائي، وهو من صغار الصحابة، ونقله الحافظ في “الإصابة” 2/ 430 عن المسند بهذا الإسناد وقال: ورجاله ثقات إلا أنه ليس بصريح أن عبيد الله شهد القصة، قال أحمد شاكر: يعني فيكون من مراسيل الصحابة. وأخرجه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (402)، والنسائي في “المجتبى” 6/ 48، وفي “الكبرى” (5606)، وأبو يعلى (6718) من طريق هشيم، بهذا الاسناد.
وقد تحرف في المطبوع من “المجتبى” من سنن النسائي “يحيى بن أبي إسحاق” إلى: يحيى عن أبي إسحاق، وعبيد الله إلى: عبد الله.
والغميصاء أو الرميصاء، قال ابن حجر في”الإصابة” 4/ 361: زوج عمرو بن حزم، أخرج أبو نعيم من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائة: أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء، فنكحها رجل، فطلقها قبل أن يمسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال: حتى يذوق الآخر من عسيلتها … ” الحديث.
والعسيلة، قال ابن الأثير في “النهاية” 3/ 361: شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا، وإنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل … وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل.
شو رايك شيخ هذا على الشرط حقك
قلت سيف : على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وراجع الارواء 6/ 300
كذا قلنا ثم اوقفنا عليه بعض الأخوة وأنه في الصحيح المسند 902 لكن لا بأس أن نعتبره على شرط الذيل حيث في الصحيح المسند( ليس لك ذلك حتى تذوقي عسيلته ) وهنا( ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره )
—–
الزجر عن تزويج المطلقة البائنة بعد تزويجها زوجا آخر الزوج الأول قبل أن يذوق عسيلتها الزوج الثاني
عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يدخل بها أترجع إلى زوجها الأول؟ قال: (لا حتى يذوق عسيلتها ما ذاق صاحبها)
[تعليق الشيخ الألباني] صحيح – ((الإرواء)) (6/ 298)
(مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته ألبتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها) أن يتزوجها (فقال القاسم بن محمد: لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها) لأن الثاني مات ولم يمسها، ولا فرق بين الموت والطلاق إذ المدار على مغيب الحشفة (قال مالك في المحلل) أي المتزوج مبتوتة بقصد إحلالها لباتها (إنه لا يقيم على نكاحه ذلك) لفساده (حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك) الفاسد (فلها مهرها) عليه.
شرح الزرقاني على الموطأ ( 3 / 210 )
قال الحافظ في الفتح ( 9 / 465): واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إن كان حال وطئه منتشرا فلو كان ذكره أشل أو كان هو عنينا أو طفلا لم يكف على أصح قولي العلماء وهو الأصح عند الشافعية.
قال الأزهري الصواب أن معنى العسيلة حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وأنث تشبيها بقطعة من عسل وقال الداودي صغرت لشدة شبهها بالعسل وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة وزاد الحسن البصري حصول الإنزال وهذا الشرط انفرد به.
قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه قال يقول الناس لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني وأنا أقول إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول . الفتح ( 9/ 467) .
و بوب الامام ابو داود [ باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره ]
قال ابن قدامة : ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط
أحدها : أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وهذا ليس بزوج ولو وطئت بشبهة لم تبح لما ذكرنا
الشرط الثاني : أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه وبهذا قال الحسن و الشعبي و حماد و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو عبيد وأصحاب الرأي و الشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها ذلك وهو الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه
ولنا قول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزويج الفاسد ولأن أكثر أحكام الزواج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ] وقال الله تعالى : { يحلونه عاما ويحرمونه عاما } ولأنه وطء في غير نكاح صحيح أشبه وطء الشبهة
الشرط الثالث : أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها لأن النبي صلى الله عليه و سلم علق الحل على ذواق العسيلة منهما ولا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي. ( المغني / 8 / 471 ) .
قال ابن تيمية : فإذا تزوجها رجل بنية أن يطلقها لتحل لزوجها الأول كان هذا النكاح حراما باطلا، سواء عزم بعد ذلك على إمساكها، أو فارقها، وسواء شرط عليه ذلك في عقد النكاح، أو شرط عليه قبل العقد، أو لم يشرط عليه لفظا بل كان ما بينهما من الخطبة وحال الرجل والمرأة والمهر نازلا بينهم منزلة اللفظ بالشروط، أو لم يكن شيء من ذلك بل أراد الرجل أن يتزوجها، ثم يطلقها لتحل للمطلق ثلاثا من غير أن تعلم المرأة ولا وليها شيئا من ذلك، سواء علم الزوج المطلق ثلاثا، أو لم يعلم، مثل أن يظن المحلل أن هذا فعل خير ومعروف مع المطلق وامرأته بإعادتها إليه لما أن الطلاق أضر بهما وبأولادهما وعشيرتهما ونحو ذلك. بل لا يحل للمطلق ثلاثا أن يتزوجها حتى ينكحها رجل مرتغبا لنفسه نكاح رغبة لا نكاح دلسة، ويدخل بها بحيث تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها. ثم بعد هذا إذا حدث بينهما فرقة بموت، وطلاق أو فسخ، جاز للأول أن يتزوجها، ولو أراد هذا المحلل أن يقيم معها بعد ذلك استأنف النكاح، فإن ما مضى عقد فاسد لا يباح المقام به معها هذا هو الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وهو المأثور عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة التابعين لهم بإحسان، وعامة فقهاء الإسلام، مثل: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وهؤلاء الأربعة أركان التابعين. ومثل: أبي الشعثاء جابر بن زيد، والشعبي، وقتادة، وبكر بن عبد الله المزني، وهو مذهب مالك بن أنس، وجميع أصحابه، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وهؤلاء الأربعة أركان تابعي التابعين، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل في فقهاء الحديث، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وسليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني وغيرهم. الفتاوى الكبرى ( 6 / 9 ). انتهى
ومسألة الهدم في الطلاق على ثلاث صور:
1- أن الزوجة إذا طلقت ثلاثاً؛ ثم تزوجت برجل آخر زواج رغبة، فدخل بها وعاش معها ما كتب الله له أن يعيش؛ ثم طلقها أو مات عنها، ثم أراد الزوج الأول أن يتزوجها.
2- طلق زوجته مرة أو مرتين ثم انقضت عدتها، فبانت منه بينونة صغرى، ثم أراد أن يتزوجها بعقد ومهر جديد.
3- إذا طلق الرجل زوجته مرة أو مرتين فبانت بينونة صغرى بانقضاء عدتها؛ ثم تزوجها آخر فمات عنها أو طلقها؛ فأراد الزوج الأول أن يتزوجها ثانية بعقد ومهر جديدين.
أما الصورة الأولى: قال القرطبي في تفسيره (3/153): قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ.
الصورة الثانية: قال ابن قدامة في المغني: أَنْ يُطَلِّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَعُودَ إلَيْهِ بِرَجْعَةٍ ، أَوْ نِكَاحٍ جَدِيدٍ قَبْلَ زَوْجٍ ثَانٍ فَهَذِهِ تَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
الصورة الثالثة: قال ابن عبد البر في الإستذكار(6/200): اختلف السلف والخلف في هذه المسألة (على قولين) إلا أن الجمهور على ما ذهب إليه مالك في ذلك، وممن قال إنها تعود على ما بقي من طلاقها وأن الزوج لا يهدم إلا الثلاث التي له معنى في هدمها لتحل بذلك المطلقة التي بت طلاقها أو توفي عنها الناكح لها أو طلقها وأما ما دون الثلاث فلا مدخل للزوج الثاني في هدمه لأن ذلك لم يحظر رجوعها إلى الأول مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وبن أبي ليلى ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد
وهو قول الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن حصين وبه قال كبار التابعين أيضا عبيدة السلماني وسعيد بن المسيب والحسن البصري .
والرواية الثانية: عن أحمد أنها ترجع إِليه على طلاق ثلاث، وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن وطء الزوج الثاني مثبت للحل، فيثبت حلاً يتّسعُ لثلاث تطليقات؛ كما بعد الثلاث لأن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث، فأولى أن يهدم ما دونها.وذكرها أيضا ابن قدامة في المغني.
فائدة: قال ابن عبد البر في الإستذكار(6/200): وأما الرواية عن عمر فأصح شيء وأثبته من رواية مالك وغيره، قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه قال سمعت سعيد بن المسيب وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار كلهم يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها ثم ينكحها زوجها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها.
جاء في “السيل الجرَّار” (2/ 374): “قوله: ولا ينهدم الا ثلاثة. أقول: وجه تخصيص الانهدام بالثلاث لا بما دونها؛ أنها مورد النص فإِنَّ الله -سبحانه- قال: {فإِنْ طلَّقها من بعد فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره} (1) أي: فإِن طَلَّقَ مرةً ثانيةً مَنْ طلقها مرتين؛ فلا تحل له بعد هذا التثليث؛ حتى تنكح زوجاً غيره، فإِنْ نكحت زوجاً غيره حَلَّتْ له. والظاهر أنها تحل له حِلاً مُطلَقاً فيملك عليها من الطلاق ما يملكه لو نكحها ابتداءً.
وإذا عرفت أن التثليث هو مورد النص؛ فاعلم أنه لم يرد في شيء من الكتاب والسّنة ما يدل على أنها إِذا نكحت زوجاً غيره بعد طلقة أو تطليقتين أن الطلقة أو الطلقتين يكون لها حُكم الثلاث في الانهدام.
لكن ها هنا قياس قويٌّ هو القياس الذي يسمُّونه قياس الأولى -وتارة يسمونه فحوى الخطاب- فإِنه يدل على أن انهدام ما دون الثلاث مأخوذ من الآية بطريق الأولى، ويعضد هذا أن الاحتساب بما وقع من طلاق الزوج عليها بعد أن نكحت زوجاً غيره؛ خلاف ما يوجبه الحل المفهوم من قوله: {فلا تحل له} فإن ظاهره أنها تحل له الحلّ الذي يكون للزوج على زوجته لو تزوجها ابتداءً”.اه
واستدلوا بأن الزوج الثاني مثبت للحل، فيثبت حلاً يتسع لثلاث تطليقات، كما بعد الثلاث، لأن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث، فأولى أن يهدم ما دونها.
وللموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله رد على هذا الاستدلال من وجهين:
أحدهما: منع كونه مثبتا للحل أصلاً، وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية للتحريم، بدليل قوله تعالى ((فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)) وحتى للغاية، وإنما سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الذي قصد الحلِّية محللا تجوزاً، بدليل أنه لعنه، ومن أثبت حلاًلا يستحق لعنا!
والثاني: أن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم، وهي المطلقة ثلاثاً وها هنا هي حلال له، فلا يثبت فيها حل، وقولهم: إنه يهدم الطلاق، قلنا بل هو غاية لتحريمه، وما دون الثلاث لا تحريم فيها، فلا يكون غاية له. ذكره المغني( الشاملة ) ،فالذي أميل اليه عدم الهدم، والله أعلم.
قلت سيف :كلام ابن قدامة 10/533 في المغني ط. دار عالم الكتب.
18 – عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
الذيل على الصحيح المسند؛
مسند أحمد 12570 – حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ فَخَفَّفَ بِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَفَّفَ بِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَطَالَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ، جَلَسْنَا اللَّيْلَةَ فَخَرَجْتَ إِلَيْنَا فَخَفَّفْتَ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَطَلْتَ قَالَ: ” مِنْ أَجْلِكُمْ فَعَلْتُ.
——–
يبدأ الشرح
( تخفيف القراءة )
عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ فَخَفَّفَ بِهِمْ ثُمَّ دَخَلَ فَأَطَالَ ثُمَّ خَرَجَ فَخَفَّفَ بِهِمْ ثُمَّ دَخَلَ فَأَطَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَلَسْنَا اللَّيْلَةَ فَخَرَجْتَ إِلَيْنَا فَخَفَّفْتَ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَطَلْتَ قَالَ مِنْ أَجْلِكُمْ
|قوله (مِنْ أَجْلِكُمْ فَعَلْتُ) أي: لتعلموا أن الجماعة محل للتخفيف، والإطالة محلها الإفراد، أو لأخفف عليكم. السندي انتهى
فمن تيسير الله على العباد و لطفه و رحمته للخلق بأن يسر لنا هذا الدين ، وجاءت هذه الشريعة باليسر والسهولة و نفى العنت والحرج ، ومن هذا التيسير أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام التخفيف في الصلاة، و أن لا يشق على المأمومين وهذه من النعم فلك الحمد والشكر على نعمة الإسلام ، هذه المسألة من المسائل المهمة التي ينبغي أن يعلمها الإمام و أن يكون حكيماً و رفيقاً فيما يدعوا الناس اليه ؛ لأن بعض العوام فهم التخفيف على وجه الإخلال والنقص و هذا خطأ ، والتخفيف يكون على وفق الشرع لا على أهواء المأمومين ، و بعض العلماء وضعوا ضابطاً للتخفيف كما سيأتي ، أسال الله العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا صلى أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير . وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء “. متفق عليه
. وعن قيس بن أبي حازم قال : أخبرني أبو مسعود أن رجلا قال : والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال : ” إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز : فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ” متفق عليه
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَوْ أَفَاتِنٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ “
تبين من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف المشروع و مراعاة المأمومين والرفق بهم فإن منهم الكبير والمريض وذا الحاجة ، و أما إذا صلى لوحده فليطول ما شاء ؛ لأنها لنفسه .
قَالَ اِبْنُ عَبْدَ الْبَرِّ في التمهيد : التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ ، وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ ، وَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ فَقَالَ لَهُ اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ، وَقَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اِسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ الْإِتْمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ ، يُطَوِّلُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ اِنْتَهَى .
قال النووي : قال العلماء كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم تختلف في الاطالة والتخفيف باختلاف الأحوال فاذا كان المأمومون يؤثرون التطويل ولا شغل هناك له ولا لهم طول واذا لم يكن كذلك خفف وقد يريد الاطالة ثم يعرض ما يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف وقيل انما طول في بعض الأوقات وهو الأقل وخفف في معظمها فالاطالة لبيان جوازها والتخفيف لانه الافضل وقد امر صلى الله عليه و سلم بالتخفيف وقال ان منكم منفرين فايكم صلى بالناس فليخفف فان فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وقيل طول في وقت وخفف في وقت ليبين ان القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط بل يجوز قليلها وكثيرها وانما المشترط الفاتحة ولهذا اتفقت الروايات عليها واختلف فيما زاد وعلى الجملة السنة التخفيف كما امر به النبي صلى الله عليه و سلم للعلة التي بينها وانما طول في بعض الأوقات لتحققه انتفاء العلة . شرح النووي على مسلم، 4 / 174 )
قال الصنعاني في سبل السلام ، 2 / 25 : وحمل ذلك على كراهة المأمومين للإطالة وإلا فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قرأ الأعراف في المغرب وغيرها. وكان مقدار قيامه في الظهر بالستين آية وقرأ بأقصر من ذلك. والحاصل أنه يختلف ذلك باختلاف الأوقات في الإمام والمأمومين.
قال ابن باز رحمه الله : وينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح وفي الفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم ( أيكم أم الناس فليخفف فان فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة ) فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الأخيرة وليس الناس سواء فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجئ وعلى الحضور فانه متى أطال عليهم شق عليهم و نفرهم من الحضور فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل فصلاة
يخشع فيها الناس ويطمأنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل ( مجموع الفتاوى / 1 / 25 )
قال بعض العلماء المراد بالتخفيف التخفيف الموافق للشرع وليس على أهواء المأمومين و ليس له أن يزيد على القدر المشروع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ليس له أن يزيد على قدر المشروع , وينبغي أن يفعل غالبا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا , ويزيد وينقص للمصلحة ; كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانا للمصلحة ” ( مجموع الفتاوى ، 22 / 318 )
قال العثيمين رحمه الله : فالتخفيف نوعان تخفيف دائم وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتخفيف طارئ يكون أخف وهو ما دعت إليه الحاجة وهو أيضا من السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة حتى لا تفتن أمه والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحمتهم ( رياض الصالحين ، 1/ 262 )
* مسألة: ما هو ضابط التخفيف ؟
قال الحافظ في الفتح (2/257ـ258): ” وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ أنت إمام قومك, واقدر القوم بأضعفهم ] إسناده حسن, وأصله في مسلم ” ا.هـ . وصححه الألباني في صحيح الجامع انظر حديث رقم : 1480
وسئل ابن باز رحمه الله :
ما الضابط في عدم التطويل فبعض الناس يشكون من التطويل؟
فأجاب:
العبرة بالأكثرية والضعفاء ، فإذا كان الأكثرية يرغبون في الإطالة بعض الشيء وليس فيهم من يراعى من الضعفة والمرضى أو كبار السن فإنه لا حرج في ذلك ، وإذا كان فيهم الضعيف من المرضى أو من كبار السن فينبغي للإمام أن ينظر إلى مصلحتهم .
ولهذا جاء في حديث عثمان بن أبي العاص قال له النبي صلى الله عليه وسلم : اقتد بأضعفهم وفي الحديث الآخر : فإن وراءه الضعيف والكبير كما تقدم ، فالمقصود أنه يراعي الضعفاء من جهة تخفيف القراءة والركوع والسجود وإذا كانوا متقاربين يراعي الأكثرية .
(من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة) (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح )
اختلاف العلماء
قال الشيخ البسام : هناك أحاديث صحيحة تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالطول، بحيث يكبر، فيذهب الذاهب إلى البقيع، ويقضى حاجته، ثم يرجع ويتوضأ يدرك الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنه يقرأ في الصلاة المكتوبة بطوال السور، كالبقرة، والنساء، والأعراف، ويقرأ بطوال المفصل “ق ” والطور ونحوهما.
وهناك أحاديث صحيحة تحث على التخفيف، منها هذان الحديثان اللذان معنا وأنه يقرأ بـ (قل يا أيها الكافرون) و (الإخلاص) ونحو ذلك
والناس- تبعاً لهذه الأدلة- مختلفون. فمنهم من يرى التطويل، عملا بهذه الأحاديث ، ومنهم من يرى التخفيف عملاً بما ورد فيها.والحق، أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ولله الحمد، وكلها متفقة. ولكن التخفيف والتَّطْوِيل أمران نسبيان، لا يُحَدَّان بِحدّ، لأن الناس في ذلك على بَوْنٍ بعيد. فالناقرون يرون الصلاة المتوسطة طويلة وأهل العبادة والطاعة يرونها قصيرة. ( تيسير العلام ، 1 / 112)
إذن : الإطالة والتخفيف أمران نسبيان ولا تحدان بحد ، فالتطويل في زمن الصحابة تخفيف والتخفيف في عرف الناس اليوم تطويلاً.
قال ابن تيمية : ومما يبين هذا: أن التخفيف أمر نسبي إضافي ليس له حد في اللغة ولا في العرف؛ إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء ويستخف هؤلاء ما يستطيله هؤلاء فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية. فعلم أن الواجب على المسلم: أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة وبهذا يتبين أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا ينافي أمره بالتطويل أيضا. المجموع ( 22/ 596 – 597 ).
قال الألباني : واعلم أن في الحديث دلالةً على أنه لا يجوز للإمام أن يطيل القراءة بأكثر مما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطيلها، أو بأكثر من التي حدَّدها؛ وذلك خشية أن يفتنهم عن دينهم،
وقد جاء في الأمر بالتخفيف أحاديث كثيرة في ” الصحيحين ” وغيرهما، وفيها تعليل ذلك بأن في الجماعة السقيمَ، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة.
والذي يهمُّنا في هذا الصدد، وينبغي أن نشرح القول فيه هو النظر فيما لو كان بعض هؤلاء المذكورين هَوَاهُم القراءة بأقصر سورة في أطول صلاة – كالصبح مثلاً، وما قاربها -؛ فهل على الإمام الاقتداءُ بهم أو بأضعفهم – كما جاء في بعض الأحاديث -، ولو كان في ذلك مخالفةٌ لعادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إطالة القراءة فيها؟
فالذي يظهر: أنه ليس له ذلك، وأن الأحاديث المشار إليها لا تشمل هذا التخفيف؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل السنن النبوية، إذ التخفيف من الأمور الإضافية؛ فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً بالنسبة لعادة آخرين – كما قال ابن دقيق العيد -.
ويختلف ذلك – أيضاً – بالنسبة لنشاط بعضهم في التمسك بالسنة ومتابعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضعف هِمَم الآخرين في ذلك، وقوة بعضهم على القيام، وضعف بعضهم عنه، إلى غير ذلك من الفوارق؛ ولذلك كان لا بد من وضع حَدٍّ للتخفيف المأمور به؛ وهو ما قد أشرت إليه في صدد هذا الكلام: من الاقتصار على هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القراءة، فمن فعل ذلك ؛ فقد خفف، ومن زاد على ذلك؛ فقد أطال، وخالف أمرَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولذلك لما شكا ذلك الرجل معاذاً إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أمره أن يقرأ بمثل ما كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ، فلم يأمره بأقل من ذلك.
أصل الصفة ( 2 / 297 – 298 ).
وقال ابن دقيق العيد: ” والتطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء طويلاً بالنسبة إلى عادة قوم, وقد يكون خفيفاً بالنسبة إلى عادة آخرين ” ا.هـ الإحكام (1/229)
قال ابن اقيم في زاد المعاد ( 1 / 207 ) : فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين فإنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه.
قال الشيخ النجمي في تأسيس الأحكام ( 123 /1) : وعندما ترجع إلى الموازنة بين حال الصحابة وحال المسلمين في هذه الأزمنة المتأخرة تعرف أنما يسمى في عرف الصحابة تخفيفاً يسمى في عرف الناس اليوم تطويلاً .
والقول الفصل في هذه المسألة : أنه يجب على الإمام أن يكون حكيماً يضع الأمور موضعها فيطول تطويلاً لا يخرج إلى حد التنفير تارات ويخفف تخفيفاً لا يخرج إلى حد الإخلال بحق الصلاة تارات ويغلب جانب التخفيف على جانب التطويل ويكون ذلك متمشياً طوع المصلحة التي يفرضها الوقت وتمليها المناسبات بالنظر إلى أحوال المأمومين . والله أعلم
الخلاصة :
تبين من كلام أهل العلم أن التخفيف يكون موافقا على وفق الشرع، و أن يكون الإمام رفيقا بهم وأن لا يكون التخفيف مخلا بحيث ينقرها كنقر الغراب ، و أن يأتي بها على وجه الايجاز والإتمام و أن ينظر الى أضعفهم للحديث الصحيح عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ أنت إمام قومك, واقدر القوم بأضعفهم ) و الله اعلم .
قلت : سيف :
تنبيه : حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم البقرة في ركعتين، هو في مسند أبي يعلى 4924 وراجع المطالب العالية 581 وأخشى أن هشام بن عروة وهم فيه، حيث انتقده الأئمة في بعض أحاديثه في الكوفة وحفص بن غياث راوي هذا الحديث عنه كوفي أما مالك في موطئة ووكيع وعبدة في مصنف ابن أبي شيبة، وعبدالرزاق كما في مصنف2/113 جفرووه عن هشام عن أبيه أن أبا بكر قسم سورة البقرة في ركعتين.
وهذا منقطع بين عروة وأبي بكر، لكن ثبت عن الزهري عن أنس أن أبا بكر… كما في مصنف عبدالرزاق 2/113 وأن ذلك كان في صلاة الفجر وقال له عمر : يغفر الله لك؛ لقد كادت الشمس تطلع قبل أن تسلم، قال : لو طلعت لألفتنا غير غافلين، وكذلك عن معمر عن قتادة عن أنس.
[٧:٣٣ ص، ٢٠٢١/١١/٣] سيف الكعبي ٢: 19- عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرح نورس الهاشمي
الذيل على الصحيح المسند :
مسند أحمد :
11780 – حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مَسَرَّةُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، حَاجِبُ سُلَيْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ قَائِمًا يُصَلِّي، مُعْتَمًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، مُرْخٍ طَرَفَهَا مِنْ خَلْفِهِ، مُصْفَرَّ اللِّحْيَةِ، فَذَهَبْتُ أَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَدَّنِي: ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَهُوَ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ، فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: ” لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ، فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي، فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ – الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا – وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ
11780 فيه مسرة بن معبد قال ابوحاتم شيخ ما به بأس وقال ابن حبان لا يجوز ان يحتج به اذا انفرد.
قلت سيف : وانا متوقف فيه
——–__-
سترة المصلي في الصلاة
عن مَسَرَّة بن معبد: ثني أبو عبيد صاحب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائماً يصلي معتماً بعمامة سوداء، مُرْخٍ طرفها من خلف، مصفِّراً اللحية، فذهبت أمرُّ بين يديه، فردني. ثم قال: ثني أبو سعيد الخدري:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته ؛ قال: ” لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه؛ حتى وجدت برد لعابه بين
أصبعي هاتين – الإبهام والتي تليها -، ولولا دعوة أخي سليمان؛ لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد؛ فليفعل “. ]
قوله (مصفرا) من التصفير (لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ) بالنصب عطف على المعطوف، وجعله مفعولًا معه بعيدًا (فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي) أي: أخذته بيدي (بَرْدَ لُعَابِهِ) ظاهره: أن لعابه ليس على صفة النار في الحرارة مع خلقه منها، ولأنه ليس بنجس يمنع جواز الصلاة، وأن خنق الشيطان لا يبطل الصلاة، وقد جاء في غير هذا الحديث أنه خاطب باللعن، فيدل على أن خطاب الشيطان لا يبطلها أيضًا، ويرد هذا على إطلاق الفقهاء أن الفعل الكبير أو خطاب غير الله تعالى مفسد (لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا) لم يرد أن الدعوة منعت عن ربط الشيطان، لأنه يلزم منه عدم استجابتها، لأن الدعوة كانت بتمام الملك، وربط شيطان لا يوجب عدم استجابتها، وإنما أراد أنه كان من أخص ملك سليمان: ربط الشياطين والتصرف فيها، فربطه كان موهمًا لعدم استجابة الدعوة، فتركه دفعًا للإيهام الغير اللائق، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند الامام احمد .
قال ابن رجب : وفي هذا الحديث من العلم : أن دفع المؤذي في الصلاة جائز ، وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع جاز دفعه بذلك . وقد سبق في دفع المار بين يدي المصلي ، أنه ( ( إن أبى فليقاتله ؛ فإنه شيطان ) ) .
وهذا إذا كانَ أذاه يختص بالصلاة كالمار ، والشيطان الملهي عن الصَّلاة وكذلك إن كانَ أذاه لايختص بالصلاة كالحية والعقرب .
وروى يحيى بن أبي كثير ، عن ضمضم بن جوس ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ( أمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب ). خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي .
وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث ، ورخصوا في قتل الحية والعقرب في الصلاة ، منهم : ابن عمر ، والحسن ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم . وكرهه النخعي خاصة ، ولعل السنة لم تبلغه في ذلك .
وقال سفيان : لابأس أن يقتل الرجل – يعني : في صلاته – الحية والعقرب والزنبور والبعوضة والبق والقمل ، وكل ما يؤذيه .
وفي الحديث : دليل على إمكان ربط الشيطان وحبسه وإيثاقه ، وعلى جواز ربطه في المسجد ، كما يربط الأسير فيه ، وعلى جواز رؤية غير الأنبياء للجن والشياطين ، وتلاعب الصبيان بهم . فتح الباري ( 3 / 397 398 ) بتصرف يسير .
قال الألباني : قلت وفيه من الفقه وجوب اتخاذ السترة في الصلاة، ولو كان في مكان
يظن أنه لا يمر أحد بين يديه، كما نسمع ذلك من كثير من الناس حينما تأمرهم بالصلاة إلى سترة، فيستغربون ذلك ويبادروننا بقولهم: يا أخي ما في أحد!! فنذكرهم بهذه القصة وقوله تعالى في إبليس: (إنه يراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حيثُ لا ترونهم) [الأعراف:27]. و(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) [ق: 37].* السلسلة الصحيحة ( 13 / 54 ).
[ السترة ]
قال العباد : والسترة إما أن تكون عموداً، أو جداراً، وهذه من الأشياء الثابتة المستقرة، أو تكون من الأشياء المتحركة أو المتنقلة، كالحجر الكبير، أو العصا التي تغرز، أو الدابة ونحوها، فكل هذا تصلح أن تكون سترة. شرح سنن ابي داود
حكم السترة :
اختلف أهل العلم في سترة المصلي على قولين :
القول الأول : بالوجوب و هو قول الشوكاني و ابن حزم و الألباني والاثيوبي و هو الظاهر لقوة الأدلة
و القول الثاني : هو قول الجمهور وقول ابن باز والعثيمين والعباد .
و من أدلة القول الأول : عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، و صححه الألباني .
عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحدا يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله؛ فإن معه القرين» صحيح ابن خزيمة ، حكم الألباني و قال سند جيد.
قال الشيخ علي القاري (1/491) : ” واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وتَمَكُّنِهِ من قلبه بالوسوسة ، إمَّا كُلاً أو بعضاً ؛ بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى ، وأن يُمَكِّنُ الشيطانَ من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع وتدبره القراءة والذكر.
قلت: فانظر إلى متابعة السنة وما يترتب عليها من الفوائد الجمة “. انتهى.
و ” كان أحياناً يتحرى الصلاة عند الأُسْطُوَانَةِ التي في مسجده ” أخرجه البخاري (2/457) ، ومسلم (2/59).
قال الشوكاني : وظاهر الأمر الوجوب فإن وجد ما يصرف هذه الأوامر عن الوجوب إلي الندب فذاك ولا يصلح للصرف قوله صلى الله عليه وسلم: “فإنه لا يضره ما مر بين يديه” [أحمد “2/249″، ابن ماجة “943”] ، لأن تجنب المصلي لما يضره في صلاته ويذهب بعض أجرها واجب عليه.
قال الألباني : وإن مما يؤكد وجوبها أنها سبب شرعي لعدم بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود كما صح ذلك في الحديث ولمنع المار من المرور بين يديه وغير ذلك من الأحكام المرتبطة بالسترة وقد ذهب إلى القول بوجوبها الشوكاني في ” نيل الأوطار ” ( 3 / 2 ) و ” السيل الجرار ” ( 1 / 176 ) وهو الظاهر من كلام ابن حزم في ” المحلى ” ( 4 / 8 – 15 ) ، تمام المنة ( 300).
قال الشيخ محمد آدم الاثيوبي : الراجح عندي ما قاله القاضي عياض رحمه الله تعالى من أن الخط لا يكفي في السترة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَ أقل مقدار السترة لمَّا سئل عنها، فلو كان يكفي أقل من ذلك لبينه، فاتضح بذلك أن ما كان أقل من مؤخرة الرحل لا يعتبر ساترًا للمصلي. والله أعلم. شرح المجتبى ( 9 / 328 ) .
ومن ادلة القول الثاني :
وحمله جمهور الفقهاء على الاستحباب ، بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد”. متفق عليه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: المراد بقوله: “إلى غير جدار” إلى غير سترة. قال الحافظ رحمه الله: وسياق الكلام يدل على ذلك؛ لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته. ويؤيده رواية البزار بلفظ: “والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة، ليس لشيء يستره”. اهـ “فتح”. جـ 1 ص 231.
قال الجامع: حديث ابن عباس رضي الله عنهما لا يصلح لصرف الأمر إلى الاستحباب ؛ لأن التفسير المذكور غير متفق عليه، حيث إن بعض أهل العلم فسره بأنه صلى إلى سترة غير جدار، وهو الذي يدل عليه عمل البخاري حيث استدل بالحديث على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وقد تبعه النووي فقال في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث: “فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه”.
وعندي أن حمل قول ابن عباس رضي الله عنهما: “إلى غير جدار” على ظاهره -كما فهمه البخاري- هو المتعين، فيكون المراد أنه صلى إلى سترة غير جدار، ولا تنافيه رواية البزار “إلى غير سترة” لإمكان حملها على سترة عريضة تستر الصفوف، أو هي رواية بمعنى ما فهمه الراوي.
والحاصل أنه أراد بذلك أن سترته غير كافية للصفوف؛ إذ لو صلى إلى جدار لستره، وستر الصفوف، فالظاهر أن ابن عباس رضي الله عنه لا يرى سترة الإمام سترة لمن خلفه.
وجملة الأمر أن الاستدلال بهذا الحديث على صرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب غير صحيح. والله أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى ( 9 / 335 – 336 ) .
قلت : ومن أدلتهم جعلوا الوجوب مصروفا للندب حديث الخط ، والحديث ضعفه النووي والعراقي وابن الصلاح والالباني وقال عنه مضطرب .
قال النووي رحمه الله تعالى: وحديث الخط رواه أبو داود، وفيه ضعف، واضطراب، واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى فيه، فاستحبه في سنن حرملة، وفي القديم، ونفاه في البويطي. وقال جمهور أصحابنا باستحبابه، وليس في حديث مؤخرة الرحل دليل على بطلان الخط. والله أعلم. اهـ.
تنبيه: {قلت: والسترة لا بد منها للإمام والمنفرد؛ ولو في المسجد الكبير. قال ابن هانئ في ” مسائله عن الإمام أحمد ” (1/66) : ” رآني أبو عبد الله (يعني: الإمام أحمد) يوماً وأنا أصلي، وليس بين يدي سترة – وكنت معه في المسجد الجامع -؛ فقال لي: استتر بشيء. فاستترت برجل “. اصل الصفة ( 1/ 116 ).
[ الحكمة من السترة ]
قال العلماء والحكمة في السترة كف البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه. شرح النووي على مسلم ( 4 / 216 ).
عن أبي جهيم بن الحارث – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» متفق عليه. واللفظ للبخاري، ووقع في البزار من وجه آخر ” أربعين خريفا “.
[ مقدار السترة ] :
عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبالي من مر وراء ذلك» . [حكم الألباني] : حسن صحيح
قال الحافظ في الفتح اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك فقيل ذراع وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع أن مؤخرة رحل بن عمر كانت قدر ذراع انتهى
وقال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث بيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل وهي قدر عظم الذراع هو نحو ثلثي ذراع ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه هكذا وشرط مالك أن يكون في غلظ الرمح انتهى. تحفة الأحوذي ( 2/ 253).
هل من حق المصلي الذي ليس له سترة أن يمنع المرور بين يديه؟
سئل العباد حفظه الله :
الجواب نعم، له أن يمنع المرور فيما بينه وبين موضع سجوده، وإذا كان المار بمسافة تزيد على ثلاثة أذرع فلا يمنعه.
[ بين موضع سجوده والجدار ممر شاة ]
وعن سهل بن سعد قال : ( كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الجدار ممر شاة ) – متفق عليه .
[ قال الالباني في سلسلة الهدى والنور مقدار المسافة من شبر ونصف الى شبرين ]
قلت سيف : تنبيه :رواية( والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير شئ يستره )
قال بعض مشايخنا : أخرجها ابن خزيمة 838 وفيها عبدالكريم بن أبي المخارق ضعيف جدا،
وكذلك رواية ( أكان بين يديه عنزة؟ قال : لا ). من حديث ابن عباس، لكن علي بن الجعد وإن كان ثقة فقد خالفه عفان ومحمد بن جعفر عن شعبة فلم يذكراها، وكذلك يحيى الجزار لم يسمعه من ابن عباس بينهما ابو الصهباء، وحين ذكر الواسطة لم يذكر الزيادة. انتهى
20 – عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند ؛؛؛
شرح نورس الهاشمي
الذيل على الصحيح المسند؛
مسند أحمد
12530 عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لنا لأبي طلحة يتبرز لحاجته، قال وبلال يمشي وراءه يكرم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه فمر نبي الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم بقبر فقام حتى تمَّ إليه بلال، فقال ويحك يا بلال هل تسمع ما أسمع؟ فقال ما أسمع شيئا، قال صاحب القبر يعذب، قال فسئل عنه فوجد يهوديا.
——–
عذاب القبر؛
قوله (فِي نَخْلٍ لَنَا) نخل لأبي طلحة: بدل من الأول (يُكَرِّمُ) من الإكرام (حَتَّى تَمَّ إِلَيْهِ) من التمام، أي: وصل وانتهى إليه (وَيْحَكَ) كلمة ترحم (فوجد) على بناء الفاعل بتقدير وجده يهوديًا أو بناء المفعول والأول أقرب إلى السوق.
حاشية السندي على مسند الامام احمد
قلت : بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إثبات عذاب القبر ، و جاءت الأدلة من الكتاب و السنة متواترة في إثباته ، و هو متقرر في كتب اهل السنة و بينوا ذلك بيانا شافيا ، و يجب الإيمان بعذاب القبر ، و هو من الأمور الغيبية و لا مجال للعقل فيها .
الدليل من الكتاب و السنة :
قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (غافر:45، 46).
وقال في الكفار ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ) أي : ويقولون لهم هذا تعريفا إياهم أنهم يقدمون على عذاب الحريق ، وقال : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) فدلت الآيتان على أن الكفار يعنف عليهم في نزع أرواحهم ، وأنهم يخبرون بما هم قادمون عليه من العذاب الهون خلاف المؤمنين الذين يؤمنون ويبشرون بالجنة التي كانوا يوعدون. الاعتقاد للبيهقي
و قال قتادة و غيره : قوله : { و ممن حولكم من الأعراب منافقون ـ إلى قوله سنعذبهم مرتين } [ التوبة : 101 ] قالوا : في الدنيا القتل و في البرزخ عذاب القبر.
وفي صحيح البخارى برقم(6376 )عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَتَعَوَّذُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »
قوله صلى الله عليه وسلم: ” تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ” * صحيح. ( الارواء / 1/ 310 ) .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعلا: {فإن له معيشة ضنكا} [طه: 124] قال: (عذاب القبر) [تعليق الشيخ الألباني] حسن ـ ((صحيح الموارد)) (1751).
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ أَشَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
“إِنَّمَا تُفْتَنُ الْيَهُودُ” قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ” وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعيد من عذاب القبر. السنة لابن أبي عاصم ، فال الألباني إسناده جيد برقم ( 873 ) .
عن جابر عن أم مبشر قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم وهو يقول:
(استعيذوا بالله من عذاب القبر) فقلت: يا رسول الله وللقبر عذاب؟ قال: (نعم وإنهم ليعذبون في قبورهم تسمعه البهائم)
[تعليق الشيخ الألباني] صحيح – ((الصحيحة)) (1445).
عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ( استجيروا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق .
قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 932 في صحيح الجامع
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3643 في صحيح الجامع
سؤال الملكين منكر و نكير
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قُبر الميت، أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول، هو عبده ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض ألتئمي عليه، فتلتئم عليه فتختلف فيها أضلاعه، فلايزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك . سنن الترمذي رقم 1071 صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1391.
[ الاجماع ]:
وقال صاحب الإبكار ما عبارته :
الفصل الثالث في عذاب القبر ومسألة منكر ونكير :
وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومساءلة الملكين لهم وتسمية أحدهما منكرا والآخر نكيرا وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين وذهب أبو الهذيل وبشر بن المعتمر إلى أن من ليس بمؤمن فإنه لا يسأل ويعذب فيما بعد النفختين أيضا وذهب الصالحي من المعتزلة وابن جرير الطبري وطائفة من الكرامية إلى تجويز ذلك على الموتى في قبورهم .. الآيات البينات للالباني ( 88 ) .
و قال أيضا : وجحدوا عذاب القبر، وأن الكفار في قبورهم يعذبون، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين. الإبانة في أصول الديانة ( 15 ) .
الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (69) حيث قال:
“ويقولون إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، فأثبت لهم ما بقيت الدنيا بالغدو والعشي دون ما بينهما، حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشدّ العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا، وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 124] ، يعني قبل فناء الدنيا، وقال تعالى: بعد ذلك: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] ، بين أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة وفي معاينتنا اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية في المعيشة ما يعلم أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا لوجود مشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به بعد الموت قبل الحشر”.
قال الألباني :
عذاب القبر” (ثابت) كتاباً وسنة وبإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح.
“الصحيحة” (7/ 2/884).
أقوال أهل السنة :
قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر أعاذنا الله وإياك من ذلك قال عز وجل: فإن له معيشة ضنكا وقال: سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم . أصول السنة لابن ابي الزمنين ( 154 ).
قال عبد الغني المقدسي في عقيدته ( 172 ): والإيمان بعذاب القبر حق واجب، وفرض لازم . رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأبو أيوب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو بكرة، وأبو رافع، وعثمان بن أبي العاص، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها أسماء، وغيرهم.
قال ابن تيمية : فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة. فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا} . المجموع ( 4 / 285 ).
يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي ـ رحمه الله ـ: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما يحيله المعقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا.
شرح الطحاوية 2/578.
قال الالباني :
إثبات عذاب القبر، والأحاديث في ذلك متواترة، فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد! ولو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها، قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (غافر:45، 46).
ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة وغيرهم، بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام، بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلاً خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس.
– إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت، فيجب اعتقاده أيضاً، والأحاديث فيه أيضاً متواترة. “الصحيحة” (1/ 1/294 – 297).
[ العذاب يقع على الكفار و الفساق ]
[علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: “ونؤمن … بعذاب القبر لمن كان له أهلاً” قائلاً]:
يعني من الكفار وفساق المسلمين، والأول مقطوع به منصوص عليه في القرآن، والآخر كذلك، وهو منصوص عليه في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، كما ذكر الشارح وغيره.
فيجب الاعتقاد به ولكن لا يجوز الخوض في تكييفه؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فيجب التسليم به، وتجد بعض الأحاديث المشار إليها في ” الشرح ” وفي ” السنة ” لابن أبي عاصم (رقم 863 – 877 بتحقيقي وتخريجي). “التعليق على متن الطحاوية” (ص84 – 85).
أسباب عذاب القبر
قال العلاَّمة السَّفاريني: الأسبابُ التي يُعذَّب بها أصحابُ القبور على قسمين: مجمَل ومفصَّل:
أما المُجمَل، فإنهم يُعذَّبون على جهلِهم بالله، وعدمِ إطاعتهم لأمره، وارتكابهم معاصيَه، فلا يعذِّب اللهُ رُوحًا عرفته وأحبته، وامتثلت أَمْرَه، واجتنبت نهيَه، ولا بدنًا كانت فيه أبدًا؛ فإن عذابَ القبر وعذاب الآخرة أثرُ غضبِ الله وسَخَطِه على عبده؛ فمن أغضَب اللهَ وأسخطه في هذه الدار؛ بارتكابِ مناهيه، ولم يتُبْ، ومات على ذلك – كان له مِن عذاب البرزخ بقدرِ غضبِ الله وسَخَطِه عليه؛ فمستقلٌّ ومستكثرٌ، ومصدِّقٌ ومكذِّبٌ.
وأما المفصَّل، فقد أخبَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلينِ اللذين رآهما يعذَّبان في قبورهما: أن أحدَهما كان يمشي بالنميمةِ بين الناس، والآخر كان لا يستترُ من البول، ثم ذكَر مَن يُعذَّب لكونِه صلى بغير طهور، ومن مر على مظلوم فلم ينصُرْه، ومن يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وتعذيب الزُّناة والزَّوَاني، وأَكَلة الربا، والذين تتثاقلُ رؤوسهم عن صلاةِ الفجر، وتعذيب الذين يمنَعون الزكاة، والذين يوقِدون الفتنة بين الناس، والجبَّارين، والمتكبِّرين، والمرائين، والهمَّازين، واللمَّازين.
وقد أنكر الملاحدةُ والزنادقة عذابَ القبر ونعيمه؛ اعتمادًا على عقولهم وحواسِّهم؛ لأنهم لا يشاهدون شيئًا من ذلك؛ انتهى. [ لوامع الانوار البهية ، 2 / 19 ]
[ الرد على من انكر عذاب القبر] :
قال العثيمين : وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.
نرد عليهم بأمرين:
1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.
2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا. لمعة الاعتقاد .
قال العلامة الفوزان : ونرد عليهم بأن عذاب القبر من علم الغيب الذي يعتمد فيه على النصوص الصحيحة، وليس للعقل ولا الفكر دخل فيه، وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وعدم إدراك الإنسان للشيء لا يدل على عدم وجوده . والله أعلم . الارشاد الى صحيح الاعتقاد ( 265).
___________________________